الكناش في فني النحو والصرف
أبو الفداء
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسّلام على سيد المرسلين وعلى آله وأصحابه أجمعين وبعد: فقد نهجت دراسة الظواهر النحوية والصرفية منهجين متكاملين يردف كل واحد منهما الآخر: الأول: دراسة الظاهرة وفق الأسس التي قدمها النحويون في كتبهم مع الاتصال بالدرس النحوي والصرفي في صورته الحديثة، وهذا المنهج يتمثل في قتل القديم بحثا واتخاذ الدرس الحديث آلة من آلات فهم القديم ودراسته. الثاني: تحقيق المخطوطات العربية ودراستها وإخراجها إلى النور لكونها المادة الأساسية لأصحاب المنهج الأول ورأيت أن أجمع بين المنهجين، فآثرت (¬1) أن أتناول في تجربتي الثانية تحقيق إحدى المخطوطات ودراستها، وبذلك أشارك أيضا في الجهود المبذولة لتحقيق جميع المخطوطات العربية ونشرها. وقد فضلت هذه المخطوطة على غيرها لأربعة أسباب: 1 - أن أبا الفداء ذو شهرة علمية عالمية واضحة، قد نالها من نشر كتابيه: «المختصر في أخبار البشر» و «تقويم البلدان»، فقد حاز هذان الكتابان على مكانة سامية لدى الباحثين العرب وغير العرب، فطبعا مرارا، وترجما إلى عدة لغات. 2 - أن الباحثين المحدثين لم يعرفوا أبا الفداء نحويا، فلعل تحقيق «كنّاشه» ونشره يفيد أنه لا يقل تمكّنا في النحو والصرف من تمكّنه في علمي التأريخ ¬
والجغرافيا، وبذلك نكشف عن جانب آخر من جوانب ثقافته المتنوعة، مما يساعد على جلاء شخصيته وبيان ملامحها بدقة. 3 - أن هذه المخطوطة تمثّل واحدا من كتب الكنّاش التي ما رأيت أحدا قد تناول تحقيق واحد منها، ولعلّنا بتحقيقها ندفع الباحثين إلى الالتفات إلى تحقيق كتب الكنّاش المتفرقة في مكتبات العالم، وفي ذلك كثير من الفوائد المرجوة لدراستنا اللغوية والنحوية والصرفية. 4 - أن هذه المخطوطة شرح لأجزاء مختارة من مفصل الزمخشري، وأجزاء من كافية ابن الحاجب وشافيته، وهذه الكتب الثلاثة ذات قيمة معروفة بين المشتغلين بعلوم العربية، وقد أتى أبو الفداء من شرح هذه الأجزاء على جميع الأبواب النحوية والصرفية والإملائية. 5 - أنها مخطوطة نادرة وحيدة، فمن الواجب العلمي تحقيقها ونشرها خوفا عليها من عوادي الزمن. من أجل ذلك كله، عزمت على تحقيق هذه المخطوطة، وجعلت عملي بابين: الباب الأول: الدراسة. الباب الثاني: النص المحقّق. وقسمت الباب الأول قسمين، جعلت القسم الأول في ستة فصول: الأول: اسمه وأسرته وإمارته على مدينة حماة. الثاني: حياته العلمية وتكوينه الثقافي. الثالث: مصنّفاته وشعره. الرابع: منهج أبي الفداء في الكناش. الخامس: شواهده ومصادره. السادس: مذهب أبي الفداء النحوي، وموقفه من النحاة. وولي ذلك القسم الثاني الذي أتى في خمسة فصول: الأول: التعريف بعنوان الكتاب «الكناش».
الثاني: توثيق نسبة الكتاب إلى أبي الفداء. الثالث: وصف المخطوطة. الرابع: منهج التحقيق. الخامس: طبعة قطر والنخبة المتميّزة من السّرّاق. ثم جاء الباب الثاني للنص المحقّق «كتاب الكنّاش»، وخدمته بصنع فهارس للآيات القرآنية، والأحاديث النبوية الشريفة، والأشعار، والأرجاز، والأمثال والأقوال، والألفاظ اللغوية، والأعلام، والقبائل، والبلدان، والكتب والمصادر، والموضوعات. وبعد: فقد جهدت في أن أخرج هذا الكناش على أحسن صورة أحسبها ترضي مؤلفه - رحمه الله - وفي أجمل حلّة أردتها له، فلعلي قد وفّقت، وإلا فحسبي أني حاولت، وقد قالوا: العجز عن درك الإدراك إدراك. أسأل الله سبحانه وتعالى أن يثبتنا بالقول الثابت، وأن يرزقنا الصواب، ويلهمنا الحكمة، وأن يجعل هذا العمل نافعا خالصا لوجهه الكريم، وله الحمد والمنّة أولا وآخرا. 6/ 11 / 1417 هـ رياض بن حسن الخوّام مكة المكرمة
الدراسة
الباب الأول الدراسة
القسم الأول
القسم الأول الفصل الأول: اسمه وأسرته وإمارته على مدينة حماة الفصل الثاني: حياته العلمية وتكوينه الثقافي الفصل الثالث: مصنفاته وشعره الفصل الرابع: منهج أبي الفداء في الكناش الفصل الخامس: شواهده ومصادره الفصل السادس: مذهب أبي الفداء النحوي وموقفه من النحاة
الفصل الأول اسمه وأسرته وإمارته على مدينة حماة
الفصل الأول اسمه وأسرته وإمارته على مدينة حماة هو الملك المؤيد عماد الدين أبو الفداء إسماعيل بن الملك الأفضل نور الدين أبي الحسن علي بن السلطان الملك المظفر تقي الدين أبي الفتح محمود بن السلطان الملك المنصور ناصر الدين أبي المعالي محمد بن السلطان الملك المظفر تقي الدين أبي الخطاب عمر بن شاهنشاه بن أيوب بن شادي (¬1). وواضح من هذا النسب الرفيع أن أبا الفداء ينتمي إلى الأسرة الأيوبية التي حكمت الشام ومصر وتاريخها أشهر من أن يعرّف. وتجمع المصادر التي ترجمت له على أن مولده كان في دمشق في شهر جمادي الأولى سنة 672 هـ لأن أهله كانوا قد غادروا حماة إلى دمشق خوفا من التتار (¬2). وأشار أبو الفداء في كتابه المختصر إلى بعض الأخبار التي تلقي الضوء على ¬
أحوال أسرته فذكر أن أباه الملك الأفضل علي بن الملك المظفر محمود بقي يشارك أخاه صاحب حماة الملك المنصور أحمد في معاركه وفتوحاته ضد الصليبيين (¬1) حتى توفي بدمشق سنة 692 هـ (¬2) وأنّ والدته كانت على قدم كبير من العبادة والتقوى وتوفيت سنة 728 هـ (¬3) وأنّ له أخوين هما أسد الدين عمر، وبدر الدين حسن الذي توفي سنة 726 هـ (¬4) وأنّ أبا الفداء رزق ولدا أسماه محمدا سنة 712 هـ (¬5) وذكر ابن الوردي أنّ محمدا استلم الملك بعد وفاة أبيه وعمره عشرون عاما وأنّه توفي سنة 742 هـ (¬6). والعجيب حقا أنّ كتب التراجم لم تحدثنا الكثير عن طفولة أبي الفداء ونشأته الأولى - مع كونه سليل ملوك وملكا بعد ذلك - سوى نصّها على أنه كان أميرا بدمشق من جملة أمرائها (¬7) في حين ذكر أبو الفداء أيضا ما يدلنا على أنه بدأ حياته العسكرية مبكرا؛ فقد شارك عمّه وأباه في معاركهما ضد الصليبيين وفتح معهما قلعة المرقب وكان عمره اثنتي عشرة سنة (¬8). وتجمع المصادر - مبيّنة كيف تولّى السلطنة على حماة - على أن أبا الفداء «خدم الملك الناصر - محمد بن قلاوون - لمّا كان بالكرك وبالغ في ذلك فوعده بحماة ¬
ووفّى له بذلك وأعطاه حماة بعد أن أمّر أسندمر - الذي كان أميرا عليها - على حلب بعد موت نائبها قبجق - وجعله صاحبها، سلطانا يفعل فيها ما يختار من إقطاع وغيره ليس لأحد من الدولة بمصر من نائب ووزير معه فيها حكم، اللهم إلّا إن جرّد عسكر من مصر والشام جرّد منها؛ وأركبه في القاهرة سنة 720 هـ بشعار الملك وأبّهة السلطنة، ومشى الأمراء والناس في خدمته حتى الأمير سيف الدين أرغون، ولقبه الملك الصالح، ثم بعد قليل لقبه الملك المؤيّد (¬1) وعاد أبو الفداء إلى حماه بعد أن جهّزه السلطان بسائر ما يحتاج إليه (¬2). وقد صوّرت لنا المصادر أيضا تلك المنزلة الرفيعة والمكانة السامية التي نالها أبو الفداء لدى الملك الناصر، فقد تقدّم الملك الناصر إلى نوابه: «بأن يكتب إليه - يقبّل الأرض وهذا لفظ يختصّ - كما يقول الشوكاني، بالسلطان الأعظم (¬3) - وكان الأمير سيف الدين تنكز رحمه الله يكتب إليه: يقبّل الأرض بالمقام الشريف العالي المولوي السلطاني الملكي المؤيّدي العمادي، وفي العنوان صاحب حماة، ويكتب السلطان إليه (أخوه محمد بن قلاوون) أعزّ الله أيضا المقام الشريف العالي السلطاني الملكي المؤيدي العمادي بلا مولوي: (¬4) وكان تاريخ التقليد في الثامن عشر من جمادى الأولى سنة 710 هـ (¬5). وقد قابل أبو الفداء هذا الإكرام والتعظيم بالوفاء والولاء، فكان يتوجه «إلى مصر في كلّ سنة بأنواع من الخيل والرقيق والجواهر وسائر الأصناف الغريبة» (¬6). وبقي أبو الفداء ملكا على حماة حتى توفي فجأة في الثالث والعشرين من ¬
المحرّم سنة 732 هـ (¬1) عن ستين سنة إلا ثلاثة أشهر وأياما. ودفن ضحوة عند والديه بظاهر حماة (¬2) وقد رثاه جمال الدين محمد بن نباتة بقصيدة أولها: (¬3) ما للندى لا يلبّي صوت داعيه ... أظنّ أنّ ابن شاد قام ناعيه ما للرجاء قد استدّت مذاهبه ... ما للزمان قد اسودت نواحيه نعى المؤيّد ناعيه فيا أسفا ... للغيث كيف غدت عنّا غواديه ¬
الفصل الثاني حياته العلمية وتكوينه الثقافي
الفصل الثاني حياته العلمية وتكوينه الثقافي يعدّ أبو الفداء موسوعة علمية ثقافية متنوعة، فقد نهل من علوم كثيرة وأجاد في فنون متعدّدة، فكان كما وصفته كتب التراجم «رجلا عالما جامعا لأشتات العلوم .. ماهرا في الفقه والتفسير والأصلين والنحو وعلم الميقات والفلسفة والمنطق والطب والعروض والتاريخ وغير ذلك من العلوم، شاعرا ماهرا كريما ... وكان معتنيا بعلوم الأوائل اعتناء كبيرا (¬1) وله يد طولى في الهيئة» (¬2). ولا ريب أنّ هذا التنوع الثقافي قد قام على أسس متينة متنوعة، غير أن كتب التراجم ضنّت علينا بأخبار حياته العلمية الأولى ولم تذكر لنا أسماء شيوخه ومؤدّبيه. وأحسب أن أبا الفداء قد تردّد على العلماء والمؤدّبين، أو جاء إليه المؤدبون والعلماء شأنه في ذلك شأن أولاد الملوك والأمراء، فأخذ عنهم ونهل من معينهم، وتفتّق ذهنه عن عبقرية مبدعة فأصبح «أعجوبة من عجائب الدنيا» (¬3) وثمة إشارات وردت عرضا لدى أصحاب التراجم، وفي كتابه المختصر تبين لنا بعض سيرته العلمية وتكوينه الثقافي وهي (¬4): ¬
1 - أن ابن تغري بردي في كتابه المنهل الصافي ذكر أن أبا الفداء «حفظ القرآن العزيز وعدّة كتب» (¬1) وهذا القول يدلّ على أنّ أبا الفداء قد قرأه وحفظه على يدي عالم مقرئ، ويستتبع ذلك - فيما أظن - تعلّمه التجويد والتفسير والنحو والصرف، لأنّ هذه العلوم - قديما - مترافقة متكاملة يردف بعضها بعضا، ومما يؤكد ذلك أن كتاب الكناش الذي بين أيدينا هو كتاب نحوي صرفي ضمّنه أبو الفداء كثيرا من القراءات القرآنية مبيّنا اختلاف القرّاء حولها، واختلافهم مع النحويين أحيانا، ولا ريب أنه لو لم يكن متمكّنا من ذلك لما استطاع أن يتمثّل بهذه الشواهد. 2 - أن أبا الفداء في كتابه المختصر أخبرنا عن اسم شيخ له هو جمال الدين محمد بن سالم بن واصل الشافعي المتوّفى 697 هـ الذي كان مبرّزا في علوم كثيرة وصاحب كتاب «مفرج الكروب في أخبار بني أيوب»، وبيّن بأنه «كان يتردّد عليه وعمره خمسة وعشرون عاما، لأنّ مولده كان سنة 672 هـ - وقرأ عليه شرحه لعروض ابن الحاجب وكان يعرض عليه ما لم يحلّه من إشكال كتاب أقليدس ويستفيد منه ويصحّح عليه أسماء من له ترجمة في كتاب الأغاني (¬2). 3 - أن ابن حجر في كتابه الدّرر الكامنة أشار إلى أن أبا الفداء كان يقتني «كتبا نفيسة ولم يزل على ذلك إلى أن مات» (¬3) وهذا الخبر يدلّ على اهتمام أبي الفداء بالعلم الذي كان من نتيجته جمع هذه المكتبة النادرة، ويؤكّد هذا الاهتمام أنّ أبا الفداء في كتابه المختصر يوجّه عنايته، حين يترجم للرجال، إلى ما صنفوه وما اقتنوه من كتب وينصّ على أماكن وجودها، ففي ترجمته لأحمد بن يوسف المنازي المتوفى 436 هـ ذكر أنه كان يقتني «كتبا كثيرة وأوقفها على جامع ميّافارقين وجامع آمد وهي، إلى قريب، كانت موجودة بخزائن الجامعين» (¬4) ومن ذلك ما رواه أيضا عن أبي علي ¬
يحيى بن عيسى بن جذلة الطبيب المتوفى 493 هـ من أنه «أوقف كتبه قبل موته وجعلها في مشهد أبي حنيفة رضي الله عنه (¬1)» ومن مظاهر اهتمامه بالكتب والمؤلفات حرصه على معرفة كتب اليونان المترجمة وغير المترجمة، فقد نقل من تاريخ ابن القفطي أن «فلوطيس» شرح كتب أرسطو ونقلت تصانيفه من الرومي إلى السرياني قال: ولا أعلم أن شيئا منها خرج إلى العربي، وذكر أيضا أن «مقسطراطيس» شرح كتب أرسطو أيضا وخرجت إلى العربي (¬2). 4 - أنّ قصة علاجه ومداواته لابنه محمد حين سافرا إلى مصر تكشف لنا ثقافة أبي الفداء المتنوعة وتدلنا من جانب آخر على أنه كان طبيبا بارعا، قال: «مرض ابني محمد مرضا شديدا فأرسل لنا السلطان رئيس الأطباء وهو جمال الدين إبراهيم بن أبي الربيع المغربي فحضر إلى سرياقوس وبقي يساعدني على العلاج ثم رحل السلطان من سرياقوس ودخل القلعة وأرسل إليّ حرّاقة فركبت أنا وابني محمد فيها وكان إذ ذاك يوم بحرّانه يعني سابع أيام المرض وهو يوم الخميس سادس ذي الحجة ونزلت بدار طقز تمر، على بركة الفيل، وأصبح يوم الجمعة المرض منحطا ولله الحمد» (¬3) ويؤكد ذلك ما رواه أيضا الإسنوي في طبقاته فقد ذكر أن أبا الفداء حين قدم إلى الديار المصرية استدعاه إلى مجلسه فحضر «- الأسنوي - ومعه الصلاح ابن البرهان الطبيب المشهور فوقع الكلام اتفاقا في عدد من العلوم فتكلم كلاما محققا وشاركناه في ذلك ثم انتقل الكلام إلى علم النبات والحشائش فكلما وقع ذكر نبات ذكر صفته الدالّة عليه والأرض التي ينبت فيها والمنفعة التي فيه واستطرد من ذلك استطرادا عجيبا، وهذا الفن الخاص هو الذي كان يتبجّح بمعرفته الطبيبان الحاضران وهما ابن القوبع وابن البرهان فإن أكثر الأطباء لا يدرون ذلك فلما خرجا تعجبا إلى الغاية، وقال الشيخ ركن الدين ما أعلم من ملك من ملوك المسلمين وصل إلى هذا العلم» (¬4). ¬
5 - أنّ اهتمامه في مختصره بتراجم اللغويين والنحويين (¬1) يدل على شدة اتصاله بهذا الفن وذلك بمعرفة رجاله وأخبارهم ومصنّفاتهم، فقد ترجم لكثير منهم تراجم وافية (¬2) لم تخل من استطرادات علمية نافعة تكشف عن ثقافة واسعة وعلوم متنوعة امتلكها أبو الفداء واستثمرها في مؤلفاته المتعددة، فبعد أن ترجم لابن الأعرابي قال ما نصّه «والأعرابي منسوب إلى الأعراب يقال: رجل أعرابي إذا كان بدويا وإن لم يكن من العرب، ورجل عربي منسوب إلى العرب وإن لم يكن بدويا، ويقال: رجل أعجم وأعجمي إذا كان في لسانه عجمة، وإن كان من العرب، ورجل عجمي منسوب إلى العجم وإن كان فصيحا، هكذا ذكر محمد بن عزيز السجستاني في كتابه الذي فسر فيه غريب القرآن (¬3). ومن ذلك ذكره في ترجمة المتنبي - سؤال أبي علي الفارسي له إذ سأله قائلا: «كم لنا من الجموع على وزن فعلى فقال المتنبي في الحال: حجلى وظربى، قال أبو علي: فطالعت كتب اللغة ثلاث ليال على أن أجد لهما ثالثا، فلم أجد» (¬4) وعلّق أبو الفداء قائلا: «وحسبك من يقول في حقه أبو علي هذه المقالة» ومن قبل أثنى أبو الفداء على المتنبي لكونه «من المكثرين لنقل اللغة والمطلعين عليها وعلى غريبها لا يسأل عن شيء إلا واستشهد فيه بكلام العرب (¬5). 6 - أن خطبة كتاب الكناش تفيد عزمه على تأليف سبعة كتب في فنون متنوعة ¬
كان الكناش سيحتويها (¬1)، وبدهيّ أنه لو لم يكن عالما بهذه الفنون لما عزم على التأليف فيها، يضاف إلى ذلك أن مؤلفاته التي خلّفها لنا تدل على ما كان يتمتع به من ذهن وقّاد، وذكاء حاد، استطاع أن يجمع بين هذه العلوم المتفرقة ويؤلف فيها مؤلفات علمية معتبرة، كالمختصر وتقويم البلدان (¬2). وقد ذكر الكتبي بعد ذكره أن أبا الفداء قد نظم الحاوي في الفقه ما نصه «ولو لم يعرفه لما نظمه» (¬3) وذلك كله يفيد أن سيرورته العلمية قامت على أسس متينة، فاستطاع بها أن يلج أبواب التأليف بكل أنواعه وأشكاله وفنونه. 7 - أن كتب التراجم قد ذكرت أن أبا الفداء منذ أن تولى سلطنة حماة اهتم بالعلماء، فقرّبهم إليه وأجرى لهم الرواتب، ومن هؤلاء أمين الدين عبد الرحمن الأبهري المتوفى 733 هـ (¬4) وعمر بن محمد المعروف بابن العديم المتوفى 734 هـ (¬5) وكان أبو الفداء يأمر من يعجب به من العلماء بالإقامة عنده فقد ذكر الإسنوي أن أخاه «عماد الدين رحمه الله لمّا رحل إلى الشام قصد حلب فاجتاز على حماة وكان قد رتب - أبو الفداء - من يحضر بمجلسه العلماء المارّين عليه والقاصدين إليه فحضر الأخ عنده وتكلم معه في علوم فأعجب به وأمره بالإقامة هناك وهيّأ له من الفرش والآلات ما يحتاج إليه ورتّب له رواتب كبيرة وولّاه مدارس ولازمه في الخلوة» (¬6) ولم يقتصر أبو الفداء على تقريبه العلماء بل آوى إليه الشعراء كابن نباتة وصفي الدين الحلي وأجزل لهم العطاء فقد رتّب لشاعره «جمال الدين محمد بن نباتة كل سنة عليه ستمائة درهم وهو مقيم بدمشق غير ما يتحفه به» (¬7). وكان الشعراء يثنون عليه كثيرا، ويمدحونه بغرر القصائد، حتى قال ابن حجر: ¬
«ولا أعرف في أحد من الملوك من المدائح ما لابن نباتة والشهاب محمود وغيرهما فيه إلا سيف الدولة وقد مدح الناس غيرهما من الملوك كثيرا ولكن اجتمع لهذين من الكثرة والإجادة من الفحول ما لم يتفق لغيرهما» (¬1). ومن ذلك كلّه يتضح لنا أن أبا الفداء قد قضى حياته طالبا للعلم، محبا لأهله، كريما فاضلا، جامعا بين الحكم والعلم، فكان بحق «من فضلاء بني أيوب الأعيان منهم» (¬2) وأصبحت حماة في عهده «محطّ رجال أهل العلم من كل فن، ومنزلا للشعراء» (¬3). ¬
الفصل الثالث مصنفاته وشعره
الفصل الثالث مصنفاته وشعره كان من نتيجة الثقافة المتنوعة التي حصّلها أبو الفداء أن ألّف في عدد من الفنون كتبا ذاع صيتها - لأهميتها - وانتشر أمرها - لشهرة مؤلفها، - وهي: 1 - في التاريخ: أ - المختصر في أخبار البشر (¬1) وقد أرّخ فيه حتى سنة 729 هـ ويعدّ هذا الكتاب - بحق - سبب شهرة أبي الفداء، فقد أتمّه وذيّله من حيث وقف أبو الفداء إلى آخر سنة 749 هـ زين الدين عمر المعروف بابن الوردي المتوفى سنة 750 هـ (¬2) وسمى كتابه «تتمة المختصر في أخبار البشر» واختصر القاضي أبو الوليد محمد بن محمد ابن الشحنة الحلبي المتوفى سنة 815 هـ كتاب أبي الفداء وذيله إلى زمانه (¬3) واهتم المستشرقون أيضا بكتاب المختصر فترجموه إلى عدة لغات، وطبعوه مرارا (¬4). ب - التّبر المسبوك في تواريخ أكابر الملوك: وهو مخطوط بدار الكتب المصرية تحت رقم 547 نظرت فيه فوجدته يقع في 19 ورقة من الحجم الصغير سرد فيه أبو الفداء أسماء بعض الملوك من غير أن يذكر شيئا عن أخبارهم. ج - تاريخ الدولة الخوارزمية: وقد انفرد بذكره الزركلي في كتابه الأعلام (¬5) ¬
2 - في الجغرافيا
وأضاف بأنه مطبوع أيضا، غير أني لم أجد أحدا ممن ترجم لأبي الفداء ذكر له هذا الكتاب، ولم أستطع العثور على نسخة منه، وأحسبه قطعة مطبوعة مأخوذة من كتاب المختصر. د - مختصر اللطائف السنية في التواريخ الإسلامية، وكتاب اللطائف السنية ألفه فخر الدين إسماعيل بن علي المعروف بالعدولي الحمصي، قيل عن هذا الكتاب إنه مختصر من كتاب التاريخ الكبير له، اختصره أبو الفداء في مجلّد صغير أوله الحمد لله مصور (مصرف) الدهور ومقدر الأمور ... ذكر فيه أنه اختصره من تاريخ الذهبي وابن عساكر وابن كثير وغيرهم إلى سنة 721 هـ - 1330 م (¬1). ولعل أبا الفداء قد أودع هذا الكتاب مختصره فقد ذكر في المختصر ما نصه «ومن هنا نشرع في التواريخ الإسلامية» (¬2) فلعل التشابه في جزء من العنوان مع وصف صاحب الكشف له بأنه في مجلد صغير، وكونه إلى سنة 721 هـ، إن صح هذا - كل ذلك يقوي ما زعمناه. 2 - في الجغرافيا: أ - تقويم البلدان (¬3)، وقد طبع مرارا، وترجم إلى عدة لغات (¬4) ثم إن المولى محمد بن علي الشهير بسباهي زاده المتوفى سنة 997 هـ. رتّبه على الحروف المعجمة، وأضاف إليه ما التقطه من المصنفات ليكون أخذه يسيرا ونفعه كثيرا وسماه .. «أوضح المسالك إلى معرفة البلدان والممالك»، وأهداه إلى السلطان مراد خان الثالث (¬5). ¬
3 - في الفقه
3 - في الفقه: أ - نظم أبو الفداء كتاب الحاوي في الفقه الشافعي (¬1) لنجم الدين عبد الغفار بن عبد الكريم القزويني الشافعي المتوفى سنة 675 هـ (¬2) وهو من الكتب المعتبرة بين الشافعية، ولو لم يعرفه معرفة جيدة ما نظمه (¬3) وقد قام قاضي القضاة شرف الدين ابن البارزي بشرح النظم شرحا حسنا في أربع مجلدات (¬4). 4 - في الطب: ذكر الدكتور رمضان ششن في كتابه «نوادر المخطوطات العربية في مكتبات تركيا» أن لأبي الفداء «قطعة من كتاب له في الطب في مكتبة مدينة مغنيسا تحت رقم 1836/ 2 كتب في آخرها: قرأت جميع هذا الكتاب قراءة .. على مؤلفه مولانا السلطان الملك المؤيد عماد الدنيا والدين أبي الفداء إسماعيل صاحب حماه المحروسة ..» (¬5) وكتب أبو الفداء بخط يده أيضا: بلغت هذه النسخة قراءة عليّ في شهور آخرها ثامن ذي القعدة سنة ثماني وعشرين وسبعمائة وكتبه إسماعيل بن محمود بن محمد بن عمر بن شاهنشاه بن أيوب (¬6). ولعله الكتاب الثالث من الكناش، فقد أشار أبو الفداء في خطبة الكناش إلى أن الكتاب الثالث سيكون معقودا للطب، ومما يؤكد ذلك أن الدكتور حسن الساعاتي قد نقل عن رينو والبارون ويسلان محققي كتاب تقويم البلدان أن لأبي الفداء عدة أجزاء في الطب بعنوان الكناش (¬7). ¬
5 - في العروض
5 - في العروض: أ - شرح قصيدة ابن الحاجب (المقصد الجليل في علم الخليل) والشرح مخطوط في مكتبة جورليلي علي باشا تحت رقم 371 ويقع في أربعين ورقة (¬1). 6 - في النحو والصرف: أ - شرح منظومة الكافية لابن الحاجب، أوله: الحمد لله الذي علّم بالقلم إلخ وهو شرح لطيف علقه من شرح المصنف لهذه المنظومة ومن غيرها من شروح الكافية وفرغ من تعليقه في شعبان سنة 722 هـ (¬2). ولعل أبا الفداء جعله ضمن كناشه فيما بعد، فقد ألفيته في الكناش قد علق أكثر المباحث النحوية من شرح الوافية نظم الكافية لابن الحاجب وهو ما صرح به صاحب الكشف بقوله «علقه من شرح المصنف ... إلخ». ب - كشف الوافية في شرح الكافية: وهو شرح أبيات شواهد (المتوسط المسمى بالوافية في شرح الكافية) للسيد ركن الدين حسن بن محمد الاستراباذي المتوفى سنة 715 هـ، وأول شرح الأبيات لك الحمد يا من صرف قلوبنا نحو المعاني والبيان ... إلخ (¬3). ج - الكناش: وهو الكتاب الذي بين أيدينا. 7 - وله من الكتب: أ - الموازين: جوده وهو صغير، ويشتمل على علوم كثيرة (¬4). وقيل هو نظم في الفلك منه نسخة في مكتبة بودليان في اكسفورد (¬5). ¬
تصويب
ب - نوادر العلم: ويقع في مجلدين (¬1). ج - مجموع في الأخلاق والآداب والزهد والوعظ يقع في 70 ورقة تحت رقم 6794 - المغرب (¬2). ذكره الأستاذ قدري الكيلاني، فلعله اطلع عليه، ولعله قطعة من الكناش، لأن أبا الفداء قد ذكر في خطبته أن الكتاب الخامس منه، هو في الأخلاق والسياسة والزهد. تصويب: ذكر البغدادي في كتابه هدية العارفين أن لأبي الفداء إسماعيل بن علي المتوفى 732 هـ كتابا اسمه «الأحكام الصغرى في الحديث» (¬3) غير أني لم أجد أحدا ممن ترجم له ذكر له هذا الكتاب والصحيح أنه لعماد الدين أبي الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير الدمشقي الشافعي المتوفى سنة 744 هـ، وذلك لأن صاحب كشف الظنون ذكره منسوبا لابن كثير المذكور (¬4) ويبدو أن سبب وهم البغدادي هو التشابه في الكنية. شعره: رأينا فيما سبق أن أبا الفداء نظم كتاب الحاوي في الفقه، وبدهي أنه لو لم يكن شاعرا ماهرا ما نظمه، وقد تناثرت قطع من شعره في كتب التراجم، ووصف أصحابها شعره بأنه بديع حسن (¬5) والناظر في هذه القطع يلحظ أن أبا الفداء قد تناول في شعره غرضين هما: الوصف والغزل. فمن شعره قطعة في وصف الفرس يقول فيها: (¬6) أحسن به طرفا أفوت به الفضاء … إن رمته في مطلب أو مهرب ¬
مثل الغزالة ما بدت في مشرق … إلا بدت أنوارها في المغرب وله في الغزل: (¬1) كم من دم حلّلت وما ندمت … تفعل ما تشتهي فلا عدمت لو أمكن الشمس عند رؤيتها … لثم مواطئ أقدامها لثمت وشارك أبو الفداء في نظم الموشحات، فقد ذكرت له كتب التراجم هذه الموشحة التي وصفها الصفدي بقوله: وهذه الموشحة جيدة في بابها منيعة على طلابها، وقد عارض بوزنها موشحة لابن سناء الملك رحمه الله تعالى (¬2) ومطلع موشحة أبي الفداء: أوقعني العمر في لعلّ وهل … يا ويح من قد مضى بهل ولعل والشيب واف وعنده نزلا … وفرّ منه الشباب وارتحلا ما أوقح الشيب الآتي … إذ حلّ لاعن مرضاتي أما مطلع موشحة ابن سناء الملك فهو: عسى ويا قلّما تفيد عسى … أرى لنفسي من الهوى نفسا مذبان عني من قد كلفت به … قلبي قد لجّ في تقلّبه وبي أذى شوق عاتي … ومدمعي يوم شات (¬3) ¬
الفصل الرابع منهج أبي الفداء في كتاب «الكناش»
الفصل الرابع منهج أبي الفداء في كتاب «الكناش» يتّضح لنا منهجه في كنّاشه مما يأتي: أ - قدّم أبو الفداء لكناشه بخطبة موجزة بيّن فيها أنّ هذا «كناش مشتمل على عدة كتب: الأول: في النحو والتصريف، الثاني: في الفقه، الثالث: في الطب، الرابع: في التاريخ، الخامس: في الأخلاق والسياسة والزهد، السادس: في الأشعار، السابع: في فنون مختلفة (¬1)» غير أنه لم يبيّن لنا فيها الهدف من تأليفه، ولم يشر إلى الكتب التي سيقوم بشرحها، ولم يذكر الكتب التي اعتمد عليها في صنعه لكناشه كما صنع في مقدمة «المختصر» حين ذكر في مقدمته كلّ الكتب التي أخذ عنها، ولعله كان عازما على كتابة خطبة طويلة يبين فيها ذلك بعد انتهائه من تأليف كل الكتب التي ذكرها في خطبته الموجزة، ولكنّ المنيّة حالت دون ذلك. 2 - شرح أبو الفداء في الكناش أجزاء من مفصل الزمخشري، وأجزاء من كافية ابن الحاجب وشافيته فأتى من ذلك على الموضوعات النحوية والصرفية والإملائية جميعها. 3 - سار أبو الفداء في تقسيم كناشه وراء تقسيم الزمخشري لمفصله فقسم الكناش إلى أربعة أقسام: 1 - الاسم 2 - الفعل 3 - الحرف ¬
4 - المشترك وأنهى الكناش بعقد فصل خاصّ عن الخط والإملاء، التزم فيه بالشافية لابن الحاجب كما التزم في القسم الرابع (المشترك) بالمفصل للزمخشري فقط (¬1). وقد صدّر أبو الفداء عناوين موضوعاته بكلمات (ذكر - فصل - القول على) (¬2) فيقول مثلا: «ذكر الخبر - فصل في المقصور والممدود - القول على إبدال الواو من غيرها - ثم يورد بعد ذكره العنوان «الحدّ» الذي يختاره من الكتب الثلاثة (المفصل أو الكافية أو الشافية)، من غير أن يشير إلى صاحبه صراحة، وكان أحيانا ينسبه إلى صاحبه باستعماله لفظة «وقوله» مثال ذلك ما ذكره عن التمييز إذ قال «وهو الاسم النكرة الذي يرفع الإبهام المستقر عن ذات مذكورة أو مقدرة ... وقوله: الإبهام المستقر، احترز به عن الأسماء المشتركة ... وقوله: «الاسم النكرة إنما هو على المختار وهو مذهب البصريين» (¬3) غير أن طريقة إيراد الحد لم تطرد ففي القسم الرابع «المشترك» اختلط كلام أبي الفداء بنصوص المفصل، وفي الفصل العاشر المعقود للخط امتزج فيه كلام ابن الحاجب في الشافية بكلام أبي الفداء، ومثل ذلك نلمسه في عدد من الموضوعات النحوية والصرفية المتفرقة (¬4). 4 - تميز أسلوبه في الكناش بسهولة التعبير، وسلاسة الألفاظ، وانتظامها في تراكيب واضحة، هادفا من ذلك بيان المسألة النحوية وإبرازها في أوضح صورة وأتمّ بيان، فيسهب حين يرى الإسهاب لازما ويوجز حين لا فائدة منه، ويورد ما تتطلبه المسألة حين تكون للمختصين ويعرضها مجردة مما يثقل فهمها حين تكون للمبتدئين، فجاء الكناش كتابا تعليميا من جهة، تخصصيا من جهة ثانية. 5 - اهتم أبو الفداء بصنع دوائر وجداول لتوضيح بعض الأحكام النحوية والصرفية من ذلك الدائرة التي رسمها للبدل (¬5) والجدول الذي ضمّنه أمثلة نون ¬
التأكيد جميعها (¬1). 6 - أورد أبو الفداء في كناشه عددا من الأبيات التعليمية التي يسهل حفظها من ذلك البيت الجامع في أوائل كلمة أحرف الإخفاء مع النون وهو: ترى جار دعد قد ثوى زيد في ضنى … كما ذاق طير صيد سوءا شبا ظفر (¬2) ومن ذلك أيضا البيت الجامع للحروف التي تبدل الياء منها وهو: - هل كان سرّ بصدّي … أثمت عوّض بحدّ (¬3) 7 - أكثر أبو الفداء من الاستشهاد بالآيات القرآنية والأشعار لتوضيح الأحكام النحوية أو لتعضيدها، مثال ذلك قوله عن أن المصدرية والمخففة «وأن المصدرية لا تقع بعد العلم، والمخففة تقع بعده ومثال المخففة مع حرف النفي: علمت أن لا يخرج زيد، وكقوله تعالى: أَفَلا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلًا (¬4) وقد استعملت معها «ليس» مكان «لا» لشبهها بها في النفي كقوله تعالى: وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى (¬5) وقد عوضوا «لم» عنها قال الله تعالى: أَيَحْسَبُ أَنْ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ (¬6) وأما قوله تعالى: وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ أَنْ إِذا سَمِعْتُمْ آياتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِها وَيُسْتَهْزَأُ بِها (¬7) فلما في إذا من معنى الشرط المختص بالاستقبال صارت بمنزلة السين وسوف، ومثالها مع «قد» علمت أن قد خرج زيد ومثالها مع السين قوله تعالى: عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضى (¬8) (¬9). ومثال استكثاره من الشعر قوله عن زيادة إن الخفيفة المكسورة بعد ما النافية: ¬
«وإن المكسورة الخفيفة تزاد بعد ما النافية لتأكيد النفي ويبطل عمل ما حينئذ كقول الشاعر: فما إن طبّنا جبن ولكن … منايانا ودولة آخرينا وكقول النابغة: ما إن أتيت بشيء أنت تكرهه … إذن فلا رفعت سوطي إليّ يدي وكقول امرئ القيس: حلفت لها بالله حلفة فاجر … لناموا فما إن من حديث ولا صالي (¬1) 8 - يعيّن أبو الفداء أحيانا موضع الشاهد في الأشعار التي يسوقها ويوضحه، وأحيانا يعربه ويشرح غريبه من ذلك قوله عن جرير: تعدون عقر النّيب أفضل مجدكم … بني ضوطرى لولا الكميّ المقنّعا «فنصب الكميّ بفعل مقدّر أي هلّا تعدّون الكميّ، والضوطرى الضخم لا غناء عنده ومعنى البيت تفتخرون بعقر النيب - وهو جمع ناب وهي المسنّة من الإبل - وليس لكم في الشجاعة نصيب» (¬2). ومثل ذلك قوله على بيت لبيبد: فأرسلها العراك ولم يذدها … ولم يشفق على نغص الدّخال يصف حمار الوحش بأنه أرسل الأتن إلى الماء مزدحمة، فالعراك وإن كان لفظه معرفة فمعناه التنكير أي معتركة، وقال أبو علي الفارسي: تأويله تعترك العراك، فتعترك المقدّر هو الحال والعراك منصوب على المصدر، والعراك الزّحام» (¬3). 9 - تأثر أبو الفداء في عرضه ومناقشاته لبعض القضايا النحوية والصرفية بعلمي الكلام والمنطق، من ذلك قوله حين عرض خلاف النحويين حول تعريف المخصوص بالمدح أو الذم: «وقيل تعريف الرجل في قولك: نعم الرجل، هو تعريف الجنس لا ¬
تعريف العهد لأنك إذا مدحت جنس الشيء لأجل ذلك الشيء بالغت في مدح ذلك الشيء» (¬1). ويندرج تحت ذلك أيضا استعماله لمصطلحات أصحاب الكلام والمنطق كالفصول العدمية والماهية الاعتبارية والعوارض والحقائق والمحكوم والمحكوم عليه، والخاص والعام ... إلخ (¬2). 10 - نقل أبو الفداء كثيرا من الآراء الخلافية غير أنه كان يعرضها غالبا من غير أن يبدي رأيه فيها من ذلك عرضه للخلاف حول جواز تقديم خبر ليس عليها فقال: «وأما جواز تقديم خبرها عليها نفسها فقد اختلف فيه، فمنهم من ألحقها بكان لكونها فعلا محقّقا، ومنهم من ألحقها بما فتئ، واستدلّ من ألحقها بكان بقوله تعالى أَلا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفاً عَنْهُمْ (¬3) ووجه الاستدلال أن يوم يأتيهم معمول ل «مصروفا» وإذا قدّم المعمول صحّ أن يقدّم العامل، لأنّ المعمول فرع للعامل وأجيب عن ذلك أنه من الجائز أن يكون تقديمه لاتساعهم في الظروف فلا يجوز تقديم غير الظرف» (¬4). 11 - عرض أبو الفداء كثيرا للخلاف بين النحويين والقرّاء، وتردّد في تأييد أحد الطرفين، فنراه أحيانا يؤيد القراء كقوله: «وإدغام الراء في اللام لحن كذا قال في المفصل وهو مذهب سيبويه والخليل قال السّخاوي وقد أدغم أبو عمرو الراء في اللام فيما يزيد عن ثمانين موضعا في القرآن الكريم وأبو عمرو حجة فيما ينقل وفيما يقرأ فيجب الرجوع إليه في ذلك» (¬5) وأحيانا يؤيّد النحويين كقوله: وقد أدغمت الجيم في التاء في قراءة أبي عمرو في قوله: ذي المعارج تعرج (¬6) بإدغام جيم المعارج في تاء تعرج وليس بالقويّ لأنّ الجيم قريبة من الشين فكما أنّ الشين لا تدغم لفضيلتها ¬
فكذلك الجيم» (¬1). هذه أبرز المعالم التي تتضح منها خطة أبي الفداء في تأليفه لكناشه ومنهجه العام فيه ولعل هذا المنهج يبدو أكثر وضوحا حين نرى شواهده ومصادره التي ضمّنها كناشه، وذلك في الفصل الآتي. ¬
الفصل الخامس شواهده ومصادره
الفصل الخامس شواهده ومصادره أولا - شواهده: (¬1) نوّع أبو الفداء شواهده، فاستشهد بالآيات القرآنية والأحاديث النبوية والأشعار والأقوال والأمثال. 1 - الآيات القرآنية رأينا من قبل أنّ أبا الفداء كان حافظا للقرآن الكريم فلا عجب حين يجعل غالب شواهده من القرآن الكريم لتعضيد الظواهر النحوية والصرفية وتأصيلها، مثال ذلك قوله: فالواو للجمع المطلق ليس فيها دلالة على أنّ الأوّل قبل الثاني ولا العكس ولا أنهما معا بل كل ذلك جائز، ويدلّ على ذلك قوله تعالى: ما هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا نَمُوتُ وَنَحْيا (¬2) فالموت بعد الحياة مع أنه قدّمه عليها (¬3) ومثل ذلك أيضا قوله: وإي بكسر الهمزة حرف للتحقيق وهي للإثبات بعد الاستفهام ويلزمها القسم، قال الله تعالى: وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ، قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ (¬4) فيلزم أن يقع قبلها الاستفهام وبعدها القسم (¬5). وكان أبو الفداء ينص كثيرا حين يورد القضايا النحوية ويوضحها على أنها قد وردت ¬
2 - الأحاديث النبوية الشريفة
في القراءات السبع مثال ذلك قوله: «والظروف المضافة إلى الجملة يجوز بناؤها على الفتح ويجوز إعرابها كقوله تعالى: هذا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ (¬1) بفتح يوم ورفعه في السبعة، وكذلك الظرف المضاف إلى إذ، نحو قوله تعالى: لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذابِ يَوْمِئِذٍ (¬2) بفتح ميم يوم وجره في السبعة، وكذلك يجوز بناء غير ومثل على الفتح إذا أضيفا إلى ما، أو إلى أن المخففة أو المشددة كقوله تعالى: إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ ما أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ (¬3) برفع مثل وفتحه في السبعة» (¬4). ولم يقتصر أبو الفداء على استشهاد بالقراءات السبع بل استشهد أيضا بالقراءات الشاذة فكان يوردها إما لدعم رأي نحوي يورده كقوله: «وأجاز المازنيّ نصب الرجل في يا أيها الرجل قياسا على صفة غير المبهم، فإنّه أجرى صفة المبهم مجرى الظريف في قولك: يا زيد الظريف فكما جاز نصب الظريف حملا على المحل جاز نصب المبهم نحو: الرجل في يا أيها الرجل وقرئ في الشاذ قل يا أيها الكافرين (¬5) (¬6) وإما لبيان خروجها عن القياس كقوله وقرئ لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ (¬7) والقياس ... مثابة (¬8). 2 - الأحاديث النبوية الشريفة أجاز أبو الفداء الاستشهاد بالحديث النبوي الشريف فأورده في كناشه لأمرين: أ - للكشف عن أصل بعض الألفاظ ذات الصلة بقضية نحويّة أو صرفيّة كقوله في النسب: «وإذا نسب إلى اسم على حرفين وكان متحرك الوسط في الأصل والمحذوف منه لام ولم يعوض همزة وصل كأب وأخ وست، وجب ردّ المحذوف ¬
3 - الأشعار
فيقال: أبويّ وأخويّ وستهيّ إذ أصل ست، سته بالتحريك، وتحذف عينها فتبقى «سه»، وتحذف لامها فتبقى «ست»، وفي الحديث «العين وكاء السّه» وجاء وكاء السّت» (¬1). ب - لتوضيح بعض الظواهر النحويّة والصرفيّة كذكره الحديث الشريف لبيان أنواع ما فيقول: «ومثال الصفة قوله صلّى الله عليه وسلّم أحبب حبيبك هونا ما، عسى أن يكون بغيضك يوما ما. وأبغض بغيضك هونا ما عسى أن يكون حبيبك يوما ما، أي أحبب حبيبك حبا قليلا، وأبغض بغيضك بغضا قليلا، وقيل: ما هنا حرف يفيد التقليل وقيل زائدة للتأكيد» (¬2). ويحاول أحيانا تخريج الحديث على مقتضى القواعد النحوية كقوله في الجمع المؤنث السالم: «فإن قيل قد جمع خضراء أخضر بالألف والتاء في قوله عليه السّلام: «ليس في الخضراوات صدقة» فالجواب: أنه مؤول بأنه جمع لمسمى الخضراوات نحو البقل وغيره لا للصفة التي هي خضراء، فإنّ مسمى الخضروات مذكر غير عاقل، وهو مما يجمع جمع السلامة أعني بالألف والتاء» (¬3). 3 - الأشعار أكثر أبو الفداء من الشواهد الشعرية مراعيا ما وضعه البصريون من قواعد للاستشهاد بالشعر من حيث الزمان والمكان وقد أورد بيتا لأبي نواس مخطئا استعماله فعلى تأنيث أفعل التفضيل مجردة من أل التعريف والإضافة فقال: ومن ثمّ خطّئ أبو نواس في قوله: كأنّ صغرى وكبرى من فواقعها … حصباء درّ على أرض من الذّهب (¬4) وأورد أيضا بيتين لأبي العلاء المعري على سبيل اللغز وهما: وخلّين مقرونين لمّا تعاونا … أزالا قصيّا في المحلّ بعيدا ¬
4 - الأقوال والأمثال
وينفيهما إن أحدث الدهر دولة … كما جعلاه في الدّيار طريدا (¬1) يريد بذلك أن الألف واللام إذا دخلا على الاسم طردا التنوين، وأنّ التنوين إذا دخل على الاسم طردهما كما طرداه. 4 - الأقوال والأمثال ساق أبو الفداء في كناشه بعض أقوال الصحابة والتابعين، فقد استشهد بقول عمر بن الخطاب: «لو أطيق الأذان مع الخلّيفى لأذّنت» وبقول عمر بن عبد العزيز: لاردّيدى في الصدقة» ليؤكد أن وزن فعّيلى يأتي مصدرا قياسيا (¬2) واستخدم أبو الفداء الأمثال غالبا لتوضيح بعض الظواهر الشاذة عن القياس من ذلك قوله في الندبة وقد شذّ حذف حرف النداء في قولهم: أصبح ليل بمعنى: يا ليل وأطرق كرا أي يا كروان وفي أطرق كرا شذوذان؛ حذف حرف النداء والترخيم (¬3)، ويؤكد أبو الفداء دائما على أنّ الأمثال يجوز فيها من الحذف والتخفيف ما لا يجوز في غيرها (¬4). ثانيا - مصادره: اعتمد أبو الفداء في تصنيف كناشه على عدد كبير من المصادر ذكر منها ما يأتي: 1 - الكتاب لسيبويه المتوفى 180 هـ وقد أشار إليه في تقديمه لبعض الأبيات الشعرية بقوله: ومثله بيت الكتاب أو من ذلك بيت الكتاب (¬5). 2 - الجمل للزجاجي المتوفى 340 هـ وقد ذكره في موضع واحد (¬6). 3 - تاج اللغة وصحاح العربية للجوهري المتوفى 398 هـ وقد أشار إليه في موضعين (¬7). ¬
4 - المفصل للزمخشري المتوفى 538 هـ وقد أشار إليه ونقل منه في ستة عشر موضعا (¬1). 5 - شرح المفصل لابن يعيش المتوفى 643 وقد أشار إليه في موضع واحد (¬2). 6 - شرح المفصل للسخاوي المتوفى 646 هـ وقد أشار إليه في ثلاثة أماكن (¬3). 7 - شرح المفصل الموسوم بالإيضاح لابن الحاجب المتوفى 646 هـ وقد أشار إليه في موضع واحد (¬4). 8 - شرح الشافية للسيد ركن الدين الاستراباذي المتوفى 715 هـ وقد ذكره في موضع واحد (¬5). 9 - شرح مقدمة ابن الحاجب لتقي الدين النيلي من أهل القرن السابع، وقد أشار إليه في موضع واحد (¬6). وذكر أبي الفداء لهذه المصادر الأصلية لا يعني أنه قد اقتصر عليها، إذ يدلنا الكناش على أن أبا الفداء قد اطّلع واعتمد على كثير من كتب النحو والقراءات واللغة والتفسير وإن لم يذكرها صراحة، ولقد وقفت على نصوص كثيرة جدا قد نقلها أبو الفداء من شرح الوافية وشرح الكافية وإيضاح المفصل لابن الحاجب، ومن شرح المفصل لابن يعيش، - غير تلك التي أشار إليها - ومن شرح التسهيل لابن مالك أيضا، وقد ذكرنا أيضا في منهجه أن المفصل والكافية والشافية هي المتون الثلاثة التي أدار عليها أبو الفداء كناشه فكانت هي المادة الأولى عنده، ومع ذلك لم يذكرها ¬
صراحة، ما عدا ذكره أن القسم الرابع «المشترك» خاص بالمفصل. وأخيرا لا شك أن ذكر أبي الفداء للأعلام اللغويين والنحويين والقراء والشعراء يبين لنا مدى اعتماده على كتبهم - أو كتب من ذكرهم - ودواوينهم (¬1). ¬
الفصل السادس مذهب أبي الفداء النحوي وموقفه من النحاة
الفصل السادس مذهب أبي الفداء النحوي وموقفه من النحاة (¬1) نستطيع أن نقرّر على ضوء ما رأينا في كتاب الكناش أن أبا الفداء بصريّ المذهب والنزعة كغيره من النحويين المتأخرين، فقد أيد البصريين في عدد كبير من آرائهم ووافقهم في الأسس التي قامت عليها مدرستهم يتّضح ذلك مما يأتي: 1 - العامل أيد أبو الفداء البصريين في نظرية العامل «اللفظي والمعنوي»، فقد أورد في كناشه عددا من المسائل تدل على اتجاهه هذا، من ذلك: أ - تقريره أن العامل في الفاعل والمفعول به هو الفعل، والدلالة على كون الفعل هو العامل في الفاعل تتضح من قوله: «والضمير المرفوع المتصل خاصة يستتر في الفعل الماضي للمذكر الغائب نحو: زيد ضرب ... وإنما استتر المتصل بخلاف المنصوب والمجرور المتصلين نحو: إنه وله، لشدة اتصال المرفوع بالعامل دونهما» (¬2) وقال في موضع آخر: «والضمائر مع ثبوت عواملها لا تتغير عن حالها ألا ترى أن الياء في تضربين والنون في تضربن والواو في تضربون، والألف في تضربان لا تتغير بوجه لأنها ضمائر» (¬3). ودلّ في موضع آخر على أن هذه الضمائر هي الفاعل فقال: «إن الألف في يفعلان اسم وهي ضمير الفاعل ... وهي في يضربان اسم وكذلك القول في واو يضربون ونحوه فإنها اسم وهو ضمير الفاعل ... وكذلك الياء في تضربين ضمير ¬
الفاعل وهي اسم» (¬1)، وأفاد أن الفعل هو العامل في المفعول إذ ذكر أنه «قد يحذف الفعل الناصب للمفعول به جوازا لقرينة تدل عليه كقولك: زيدا، لمن قال: من أضرب أي أضرب زيدا» (¬2) وأكد على ذلك في موضع آخر فقال: «وقد يتقدم المفعول به على الفعل العامل فيه لأن الفعل قوي في العمل» (¬3) ومعلوم أن الكوفيين قد ذهب أكثرهم إلى أن العامل في المفعول به هو الفعل والفاعل جميعا (¬4). ب - نصه على أن عامل الرفع في المبتدأ معنوي، ذكر ذلك حين تحدث عن مواضع تعذر اتصال الضمير إذ قال: «أو يكون العامل معنويا كالمبتدأ والخبر نحو: أنا زيد وأنا قائم لأنه إذا كان معنويا تعذر الاتصال به» (¬5) وما ذهب إليه أبو الفداء هو مذهب البصريين في حين ذهب الكوفيون إلى أن المبتدأ يرفع الخبر، والخبر يرفع المبتدأ فهما يترافعان (¬6). ج - ذكره أن عامل النصب في المفعول معه هو الفعل خلافا للكوفيين الذين رأوا أنه منصوب على الخلاف، وخلافا للجرجاني القائل بأن ناصبه الواو، وخلافا للزجاج القائل بأن ناصبه فعل مضمر بعد الواو (¬7). قال أبو الفداء «والفعل العامل في المفعول معه يكون لفظا نحو: جئت وزيدا ويكون معنى نحو: ما لك وزيدا، والمراد بالفعل لفظا الفعل وشبهه من أسماء الفاعل والصفة المشبهة والمصدر ونحوها والمراد بالفعل معنى أي تقديرا غير ما ذكر مما يستنبط فيه معنى الفعل نحو: ما لك وزيدا وما شأنك وعمرا، لأن التقدير ما تصنع وعمرا، فأمّا إذا لم يكن في الكلام فعل ولا معنى فعل فلا يجوز النصب فإذا قلت: ما أنت وعبد الله وكيف أنت وقصعة من ثريد فالوجه الرّفع لانتفاء الناصب» (¬8). ¬
2 - السماع والقياس
2 - السماع والقياس وكلاهما حرص على بيانه أبو الفداء في كناشه، وفق الأساس العام الذي وضعته مدرسة البصرة النحوية، وقد ظهر حرصه وتشدّده فيهما في عدة صور: أ - في ذكره ومتابعته للمصطلحات التي جرى عليها البصريون فالمراد «بالمطرد جري الباب قياسا من غير حاجة إلى سماع في كلّ فرد منه»، والمراد «بالواجب ما لا يجوز غيره»، والمراد «بغير المطرد ما يتوقف كلّ فرد منه على السماع» والمراد «بالجائز ما يجوز فيه الإبدال مثلا - وتركه» (¬1) والمراد «بالقياسي ما يعرف بقاعدة معلومة من استقراء كلامهم يرجع إليها فيه، والسماعي ما ليس كذلك بل يفتقر كلّ اسم منه على سماع» (¬2) والشاذ - عند أبي الفداء - لا يعتدّ به (¬3) أمّا النادر فهو كالمعدوم (¬4). ب - في ردّه على الفراء القائل بأن وزن أشياء (أفعاء) لأن أصله أشيئاء على وزن أفعلاء جمع لشيّء على وزن (فيعل) ذلك أن شيئا أصله شيّيء ثم خفّف كما خفّف ميت وجمع بحسب الأصل على أشيئاء ثم حذفت الهمزة التي بين الياء والألف وهي لام الكلمة فصار وزنه أفعاء» وقد رده أبو الفداء بقوله: «وهو مردود بأنه لم يسمع شيّئ، فلو كان هو الأصل لكان شائعا كميّت وبأنه حذف لام الفعل على غير قياس، لأن الهمزتين إذا توسطهما الألف لا تحذف إحداهما ولا هما» (¬5). ح - في تأكيده أنه لا يجوز القياس على القليل والنادر فهو لا يجوّز القياس على نحو: عبشمي وعبدري وعبقسي لأنه «نادر في كلامهم لا يقاس عليه» (¬6). 3 - العلة اهتم بها اهتماما كبيرا، فأكثر من إيراد العلل لتفسير الأحكام النحوية، ¬
وللوقوف على الحكم الدقيقة من ورائها، تلك التي أرادتها العرب من طرائق أساليبها وهذه العلل - عموما - هي علل البصريين ومن أيدهم من النحويين المتأخرين، من ذلك تعليله لمنع ترخيم الاسم الثلاثي كزيد، قال: «لئلا يحصل الإجحاف بالحذف فيخرج عن أبنية الاسم» (¬1). ومثله تعليله لبناء المنادى المفرد المعرفة - على ما يرفع به نحو: يا زيد، قال «وإنما بني لشبهه بالمضمر، لأنه لا ينفك في المعنى عن كونه مخاطبا معينا، وحكم المخاطب أن يكون مضمرا» (¬2). ومن آرائه الدالة على نزعته البصرية ما يأتي: 1 - نصّه على أن الجزم بكيفما شاذ، وذلك بقوله: «والجزم بكيفما شاذ خلافا للكوفيين فإنهم يجزمون بكيف مع ما» (¬3). 2 - عدم تجويزه دخول ياء النداء على ما فيه أل، واعتبار ما ورد من ذلك شاذا لا يعتدّ به، قال «وأدخلوا حرف النداء على اللّام في اسم الله خاصة، نحو: يا ألله إما لكثرته وإمّا لأنّ اللّام ليست للتعريف وقد ورد في الشعر: من أجلك يا التي تيّمت قلبي … ... وهو شاذ لا يعتدّ به ولا بما يأتي من ذلك» (¬4) وقد ذهب الكوفيون إلى جواز نداء ما فيه الألف واللام نحو: يا الرجل ويا الغلام ومنعه البصريون (¬5). 3 - تضعيفه مذهب الكوفيين المجيزي العطف بلكن بعد الإيجاب في المفردات قال: «وأما لكن فإن وقع بعدها مفرد كانت للاستدراك، ولزم تقدّم النفي عليها نحو ما جاءني زيد لكن بكر وأجاز الكوفيون العطف بعد الإيجاب في المفردات وهو ¬
ضعيف» (¬1). 4 - تأييده مذهب البصريين في كون من الزائدة لا تزاد إلّا بعد غير الموجب حيث يقول: «وتقع من زائدة وتعرف بأنك لو حذفتها لكان المعنى الأصلي على حاله، ولا يفوت بحذفها سوى التأكيد كقولك: ما جاءني من أحد، وهي مختصة عند البصريين بغير الموجب، وجوّز الكوفيون والأخفش زيادتها في الواجب أيضا واستشهدوا بقولهم: قد كان من مطر، وتأويله قد كان شيء من مطر فتكون للتبعيض، واستدلوا أيضا بقوله تعالى: يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ (¬2) وقد قال: يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً (¬3) والجواب أن من هاهنا أيضا للتبعيض أي يغفر لكم بعض ذنوبكم وهو خطاب لقوم نوح» (¬4). 5 - تقريره أنّ خبر كان نصب تشبيها له بالمفعول، وأنّ اسمها رفع تشبيها له بالفاعل في حين ذهب الكوفيون إلى أن نصب خبرها جاء تشبيها له بالحال، قال أبو الفداء: «وإنما رفعت - كان - الأول لأنها تفتقر إلى اسم تسند إليه كسائر الأفعال فارتفع ما أسندت إليه تشبيها له بالفاعل فلما رفعت الأول وجب نصب الثاني على التشبيه بالمفعول» (¬5). 6 - منعه تقديم خبر ما أوّله ما من أخوات كان، قال: «ويجوز في الباب كله تقديم الخبر عليها أنفسها نحو: قائما كان زيد، إلّا ما أوّله ما، فإنه لا يقدم عليها الخبر فلا يقال: قائما ما فتئ زيد، لأن ما إما نافية أو مصدرية ويمتنع تقديم ما في حيّز النفي عليه، وتقديم معمول المصدر على المصدر» (¬6) وقد ذهب الكوفيون إلى جواز تقديم خبر ما زال عليها وما كان بمعناها ومنع ذلك البصريون (¬7). ¬
7 - ذهابه إلى أن وزن سيّد وميّت فيعل بكسر العين لا فعيل كما ذهب إليه الكوفيون ولا فيعل بفتح العين كما ذهب إلى ذلك البغداديون قال: «والصحيح أنّ وزن سيّد وميّت فيعل بكسر العين وهو بناء مختص بالمعتل لأنّ المعتلّ ضرب بذاته ولا حاجة إلى أن يقال إنه فيعل بفتح العين ثم نقل إلى كسرها لعدم فيعل بكسر العين لأنه إنما هو معدوم في الصحيح خاصة لا في المعتل» (¬1). 8 - عدم تجويزه جمع نحو: طلحة وحمزة وعلّامة ونسّابة مما فيه تاء التأنيث بالواو والنون في حين أجازه الكوفيون مطلقا (¬2). 9 - عدم تجويزه ضم ما قبل الواو في حالة الرفع وكسر ما قبل الياء في حالتي النصب والجر في نحو: مصطفون ومصطفين، قال: «وإن كان آخره ألفا حذفت لالتقاء الساكنين وترك ما قبل الياء مفتوحا لتدل الفتحة على الألف المحذوفة فيقال في الرفع: مصطفون بفتح الفاء وفي النصب والجر: مصطفين بفتحهما أيضا، وأجاز الكوفيون ضمّ ما قبل الواو وكسر ما قبل الياء قياسا على المنقوص وهو ضعيف، لأنّ النصّ في قوله تعالى وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ (¬3) وَإِنَّهُمْ عِنْدَنا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ (¬4) على خلافه، وأيضا فإن فتحة ما قبل الألف في نحو: مصطفى لم يتعذر بقاؤها، فلم يجب التغيير فبقيت الفتحة على حالها» (¬5). 10 - نصّه على أن تعريف العدد المركب يكون بتعريف جزئه الأول فيقال: جاء الأحد عشر رجلا في حين ذهب الكوفيون إلى جواز تعريف الجزأين فيقولون: الأحد العشر رجلا (¬6). وبصريّة أبي الفداء هذه لم تمنع عقله المتحرر من أن يؤيد الكوفيين في بعض ¬
آرائهم من ذلك: 1 - تجويزه النصب في نحو: زيدا دراكه لأنه على تقدير الرفع يلزم وقوع الطلب خبرا عن المبتدأ وهو بعيد - كما يقول أبو الفداء - وأجاز الرفع على تقدير زيد مقول فيه، وعلى تقدير النصب لا يلزم إلا حذف الفعل وهو كثير غير بعيد (¬1). وقد ذهب الكوفيون إلى جواز النصب ومنعه البصريون (¬2). 2 - تأييده مذهب الكوفيين تبعا لابن الحاجب في كون كي هي الناصبة للفعل المضارع وليست أن المضمرة كما ذهب إلى ذلك البصريون قال: «وكي تنصب أبدا ومعناها أن ما قبلها سبب لما بعدها ... وهي ناصبة للفعل عند الكوفيين وهو اختيار ابن الحاجب، وذهب بعضهم إلى أنّ كي حرف جرّ فلا تدخل على الفعل إلّا بتقدير أن بعدها، وردّ بأنّها لو كانت حرف جر لما جاز الجمع بينهما وبين اللام في نحو قولك: قمت لكي تقوم» (¬3). واتجاه أبي الفداء العام نحو المذهب البصري رافقه اتجاه خاص نحو أعلام كثير من النحويين فقد توقف أبو الفداء أمام آرائهم عالما ملك أصول وأطراف هذه الصناعة فبرزت مواقفه من هذه الآراء على النحو الآتي: 1 - الخليل المتوفى 75 هـ وسيبويه المتوفى 180 هـ. أ - عرض أبو الفداء - أحيانا - الخلاف بين الخليل وسيبويه من غير أن يرجّح رأيا على آخر من ذلك قوله: «وأمّا قولهم ها أنذا ونحوه، فحرف التنبيه داخل على الاسم المضمر عند سيبويه لأنّ أنا في ها أنذا هو الذي يلي حرف التنبيه، وأمّا عند الخليل فداخل على المبهم أعني ذا والتقدير أنا هذا، ففصل بالمضمر بين حرف التنبيه وبين المبهم» (¬4). ب - رجح أبو الفداء رأي سيبويه على رأي الخليل في كون - لن - حرفا برأسه ¬
وليس مركّبا من - لا أن - كما قال بذلك الخليل قال أبو الفداء: «ولن لتأكيد ما تعطيه - لا - من نفي المستقبل تقول: لا أبرح اليوم مكاني، فإذا أكدت قلت: لن أبرح، والصحيح أنها حرف برأسها لا أنها من لا أن» (¬1). 2 - سيبويه ويونس المتوفى 183 هـ أ - نقل أبو الفداء كثيرا من آراء يونس من غير أن يبدي رأيه فيها من ذلك قوله «وحكى يونس إيمن بكسر الهمزة» (¬2). ب - عرض أبو الفداء - أحيانا - الخلاف بين سيبويه ويونس من غير أن يرجّح رأيا على آخر من ذلك قوله في النسب: «وإذا نسبت إلى بنت وأخت قلت: بنويّ وأخويّ عند سيبويه ... ويونس ينسب إليهما بغير تغيير فيقول: بنتيّ وأختيّ (¬3). 3 - سيبويه والأخفش المتوفى 186 هـ أ - أيد أبو الفداء سيبويه في ذهابه إلى أن كلّ ياء هي عين ساكنة مضموم ما قبلها، حكمها أن تقلب الضمّة كسرة لتسلم الياء نحو: بيض جمع بيضاء، والأصل بيض بضمّ الفاء مثل: حمر جمع حمراء، انقلبت الضمّة كسرة لتصحّ الياء، وذهب الأخفش إلى قلب الياء واوا فيقال على مذهبه بوض» وعلّق أبو الفداء بعد عرضه الخلاف بقوله: «ومذهب سيبويه هو القياس لأنّ الضرورة ملجئة في اجتماع الياء والضمّة إلى تغيير إحداهما وتغيير الحركة أولى من تغيير الحرف، لأنّ المحافظة على الحرف أولى من المحافظة على الحركة» (¬4). ب - رجّح أبو الفداء مذهب الخليل وسيبويه على مذهب الأخفش في كون واو المفعول هي المحذوفة في نحو: مقول وليس عينه كما ذهب إلى ذلك الأخفش قال ¬
أبو الفداء: «والمحذوف عند الخليل وسيبويه هو واو مفعول لزيادتها وأصالة العين، ولقولهم: مبيع إذ لو كان المحذوف هو الياء لقالوا: مبوع، وعند الأخفش أن المحذوف العين دون واو مفعول لمجيئها لمعنى وما كان لمعنى فهو أولى بالبقاء، وأمّا قولهم: مبيع دون مبيوع فلأنّ الضمّة لمّا نقلت عن الواو والياء قلبت كسرة في باب مبيع إمّا للتنبيه على بنات الياء أو للياء التي سكّنت بعدها ثمّ حذفت فلما قلبت كسرة في باب مبيوع انقلبت واو مفعول ياء لسكونها وانكسار ما قبلها، ورجّح مذهب الخليل وسيبويه لأنّه أقلّ تغييرا» (¬1). غير أن هذا التأييد لسيبويه لا يعني أنّ أبا الفداء لم يرجح رأيا للأخفش اقتنع به وارتضاه، من ذلك أنّ سيبويه والمتقدّمين أجازوا اشتقاق اسم الفاعل من اسم العدد للدلالة على التصيير مما زاد على العشرة، فأجازوا القول خامس أربعة عشر وردّ ذلك أبو الفداء مؤيدا رأي الأخفش المانع لذلك بقوله: «ويشتقّ من اسم العدد اسم فاعل كقولك ثالث ورابع وخامس ونحوه وله معنيان فالأول: أن يشتقّ اسم الفاعل باعتبار التصيير بمعنى أن يكون زائدا على المذكور معه بواحد كقولك: ثاني واحد وثالث اثنين إلى عاشر تسعة في المذكر وثانية واحدة وثالثة اثنين إلى عاشرة تسع في المؤنث أي هذا الذي صيّر الواحد بانضمام نفسه إلى اثنين وصيّر التسعة عشرة بنفسه بمعنى أنه ثنّى الواحد وعشّر التسعة ... ولا يتجاوز فيه عن العاشر والعاشرة فلا يقال: خامس عشر أربعة عشرة، وسيبويه والمتقدمون يجيزون خامس أربعة عشر، والصحيح عدم جواز ذلك وهو مذهب الأخفش والمبرد والمتأخرين، لأنه مأخوذ من الفعل والتقدير كان واحدا فثنيّته أو اثنين فثلّثتهما أو تسعة فعشّرتهم وليس لما بعد العشرة ما يمكن منه ذلك» (¬2). 4 - المازني المتوفى 247 هـ أ - عرض أبو الفداء آراء المازني - أحيانا - من غير تعليق، من ذلك قوله: «واعلم أنّ الألف الثالثة التي تكتب بالياء إن كانت تلك الألف في اسم منوّن نحو: ¬
رحى، فالمختار عند ابن الحاجب أن يكتب بالياء في الأحوال كلها، وهو قياس المبرد، وأمّا قياس المازني فيكتب بالألف في الأحوال كلها أي في النصب والجر والرفع، وقياس سيبويه أن يكتب المنصوب بالألف والمرفوع والمجرور بالياء» (¬1). ب - خالف أبو الفداء المازنيّ حين ذهب إلى أنّ إبدال الهمزة من الواو المكسورة أولا هو إبدال مطرد في حين نصّ أبو الفداء على كونه غير مطرد بقوله: «ومنها: إبدال الهمزة من الواو التي هي غير مضمومة وهو أيضا إبدال غير مقيس عليه، فقد أبدلوا الهمزة منها إذا وقعت أولا إبدالا غير مطرد نحو: وشاح ووسادة فتقول إشاح وإسادة .. بهمز ذلك كله، وقد رأى المازني أنّ الإبدال من المكسورة خاصة مقيس مطرد» (¬2). 5 - سيبويه والمبرّد المتوفى 285 هـ أبرز أبو الفداء مواقف المبرد من آراء سيبويه في الصور الآتية: أولا: كان - أحيانا - يعرض خلافه مع سيبويه من غير أن يبدي رأيه، من ذلك: أ - أن الكوفيين والمبرّد قد ذهبوا إلى أن الجرّ بالواو لا بربّ في حين ذهب سيبويه وغالب البصريين إلى أنّ واو ربّ تجر بربّ المضمرة بعدها، قال أبو الفداء: «وأما واو ربّ فهي التي يبتدأ بها في أول الكلام بمعنى ربّ، ولهذا تدخل على النكرة الموصوفة وتحتاج إلى جواب مذكور أو محذوف ماض كما قيل في ربّ، وهذا مذهب الكوفيين والمبرد فإن الجرّ عندهم بالواو لا بربّ. والمذهب الآخر مذهب سيبويه وغالب البصريين أن واو ربّ إنما تجر بربّ مضمرة بعدها» (¬3). ب - عرضه لخلافهما حول حاشا، قال أبو الفداء: «وحاشا حرف جرّ وفيه معنى الاستثناء - وهذا مذهب سيبويه - وهي فعل عند المبرد» (¬4). ج - ذكره لرأيهما حول عمل إن المكسورة الهمزة المخفّفة عمل ليس قال: ¬
«ولا يجوز إعمالها عمل ليس عند سيبويه وأجازه المبرد» (¬1). ثانيا: وكان - أحيانا - يخالف رأي المبرد ويؤيد رأي سيبويه من ذلك: أ - أن سيبويه أجاز قولهم: «الله لأفعلنّ» بالجرّ على إرادة الحرف المحذوف وردّ ذلك المبرد لأنّ حرف الجر لا يعمل مضمرا، وعلّق أبو الفداء قائلا: «وإنما يجوز الجرّ في اسم الله تعالى خاصة لكثرة القسم به والنصب فيه وفي غيره» (¬2). ب - أن المبرد أجاز دخول حتّى على المضمر فيقال على مذهبه: حتّاه، ومنع ذلك سيبويه وأيده أبو الفداء بقوله: «وحتّى لا تدخل إلا على اسم ظاهر فلا يقال: حتّاه كما يقال: إليه خلافا للمبرد» (¬3). ج - ذهب المبرد إلى أن: الدّار في قولنا: دخلت الدار نصب لأنّ دخل فعل متعدّ بنفسه والمنصوب بعده مفعول به وليس ظرفا، في حين نصبها سيبويه على الظرفية لكونها في تقدير في وأضاف أبو الفداء قائلا: «والصحيح أنّ دخل لازم لأنّ مصدره فعول وهو من المصادر اللازمة غالبا» (¬4). د - أيد أبو الفداء سيبويه في ذهابه إلى أن النسب إلى نحو: قريش قريشي - بإثبات الياء - في حين نصّ المبرد على أنّ النسب إليها يجوز أن يكون قرشيّ - بحذف الياء - وأن ذلك مطرد ينقاس عليه، وقد عدّ أبو الفداء ذلك شاذا على خلاف القياس» (¬5). ثالثا: وكان - على قلة - يوافق المبرد على رأيه، من ذلك: أ - موافقته له في جواز الجمع بين الفاعل الظاهر وبين النكرة المميزة لهذا الفاعل في نحو: نعم الرجل رجلا زيد، في حين أن سيبويه لا يجيز ذلك، قال أبو الفداء: «واعلم أنه يجوز الجمع بين الفاعل الظاهر وبين النكرة المميزة تأكيدا للفاعل ¬
الظاهر فتقول: نعم الرجل رجلا زيد، وهو جمع بين المفسّر والمفسّر، لكن جوّز لتأكيد الظاهر وللتنبيه على أنّ هذا هو الأصل» (¬1). 6 - ابن كيسان المتوفى 299 هـ أ - قرر أبو الفداء أن ألفاظ التوكيد المعنوي تأتي تالية لأجمع، وقد ذهب ابن كيسان إلى جواز الابتداء بكل واحد منها، قال أبو الفداء عارضا رأي ابن كيسان في ذلك: «وللمعنوي ألفاظ معدودة وهي نفسه وعينه وكلاهما وكلتاهما وكلّ وأجمع وأكتع وأبتع وأبصع وهي تالية لأجمع لأنها لا تتقدّم عليه لكونها توابع لها خلافا لابن كيسان، فإنه جوّز الابتداء بكلّ واحد منها» (¬2). 7 - الزجاج المتوفى 311 هـ أ - خالف أبو الفداء الزجاج في رأيه القائل بأن زيدا منصوب على البدل من لفظ أحد في مثل قولنا: لا أحد في الدار إلا زيدا، والجمهور على رفع زيد على البدل من المحلّ، قال أبو الفداء: «لا أحد في الدار إلا زيد ولا إله إلّا الله بالرفع على البدل من المحلّ ولا يجوز النصب على البدل من لفظ أحد وإله، خلافا للزجاج، وإنما تعيّن البدل من المحلّ دون اللفظ لأنّ العامل لفظا لما كان (لا) وهي إنما تعمل للنفي وما بعد «إلّا» إذا وقع في سياق النفي كان مثبتا، والبدل في حكم تكرير العامل، فلو قدّرت بعد «إلّا» لزم الجمع بين المتناقضين لأنّ (لا) تقتضي نفي ما بعدها، «إلّا» تقتضي إثباته» (¬3). ب - غلب على أبي الفداء عرض آراء الزجاج، من ذلك نقله لرأيه المانع فيه تقديم حقا في نحو قولنا: حقّا زيد قائم، قال أبو الفداء: «قال الزجاج ولا يجوز تقديم حقا كقولك: حقا زيد قائم قال: فإن وسطته فقلت: زيد حقا قائم جاز ذلك ... ولم يذكر سيبويه امتناع تقديمه» (¬4). ¬
8 - ابن السراج المتوفى 316 هـ ذكره في موضع واحد بقوله: «قال ابن السراج: إنه لا زائد في كلام العرب لأن كلّ ما يحكم بزيادته فإنه يفيد التوكيد فهو داخل في قسم المؤكد (¬1)» غير أن بعض الآراء التي ذكرها أبو الفداء في بعض المسائل هي في كتب النحو منسوبة إلى ابن السراج، فبدت في الكناش على النحو الآتي: أ - وافق أبو الفداء ابن السراج في إيجابه مجيء ربّ مختصة بنكرة موصوفة قال: «واختصّت بالنكرة لعدم الاحتياج إلى المعرفة ووجب أن تكون النكرة موصوفة على الأصح ليتحقق التقليل الذي هو مدلول ربّ، لأنه إذا وصف الشيء صار أخص مما لم يوصف» (¬2). ب - وخالفه في ذهابه إلى حرفية ليس قال: «ومذهب بعض النحاة أنها حرف ... والصحيح أنها فعل لاتصال الضمائر بها نحو: لست ولست وما أشبه ذلك، وذلك من خواصّ الأفعال» (¬3). 9 - الزجاجي المتوفى 340 هـ 1 - نقل أبو الفداء موافقة الزجاجي للكوفيين في تجويزهم الجزم بكيفما، وحكم بشذوذ ذلك قال: «وقد جازى بها الكوفيون واختاره الزجاجي في الجمل فتقول كيفما تكن أكن» (¬4) وردّ أبو الفداء ذلك بقوله: «والجزم بكيفما شاذ خلافا للكوفيين» (¬5). 10 - أبو سعيد السيرافي المتوفى 368 هـ لم يذكره صراحة ولعله أراده حين تحدث عن سبب إمالة خاف فقد ذهب السيرافي إلى أن السبب هو الكسرة العارضة في فاء الكلمة في حين نصّ أبو الفداء أن ¬
من «الأولى أن يقال للكسرة التي كانت في عين الفعل إذ أصل خاف خوف» (¬1). 11 - أبو علي الفارسي المتوفى 377 هـ وافق أبو الفداء الفارسيّ في كون ألف «واو» منقلبة عن ياء وليست عن واو كما قال الأخفش قال أبو الفداء: «ومنه أنّ الياء وقعت فاء ولاما معا نحو قولهم: يديت إليه يدا ومنه أنّ الياء وقعت فاء وعينا ولاما إلا في الواو على قول الأخفش إنّ ألفها منقلبة عن واو فهي على قوله موافقة للياء في ييت وقال الفارسيّ: إن ألف واو منقلبة عن ياء فهي على قوله موافقة لها في يديت وهو أولى من قول الأخفش فإنه لم يسمع كلمة كلها من حرف واحد إلّا ييت وهو شاذ، ولكون العربية ليس فيها كلمة فاؤها ولامها واو، جعلوا كون الفاء واوا دليلا على أنّ اللام ياء واتفقوا على أنّ كلّ كلمة فاؤها واو إنما تكتب لامها ياء فلذلك كتبوا الوغى بالياء (¬2). 12 - ابن جني المتوفى 392 هـ أجاز ابن جني تقديم المفعول معه على الفاعل وقد منع ذلك أبو الفداء بقوله: «ولا يجوز تقديم المفعول معه على الفعل ولا على الفاعل خلافا لابن جني فإنه يجوز جاء - والطيالسة - البرد» (¬3). 13 - الزمخشري المتوفى 538 هـ ذكرنا من قبل أبا الفداء قد جعل مفصل الزمخشري مادته الأولى في كناشه إذ شرح منه أجزاء كثيرة، واعتمد عليه اعتمادا كبيرا في القسم الرابع «المشترك» كما أشار إلى ذلك، وهذا الاعتماد جعل أبو الفداء ينقل كثيرا من المفصل، وتكفي نظرة سريعة في إحالاتنا إلى المفصل (¬4)، لتتضح هذه النقول وتظهر مواضع الشبه اللفظي بينهما، وتبع ذلك أن أبا الفداء قد أيد الزمخشري في كثير من آرائه من ذلك موافقته له في مجيء بات بمعنى صار، ولم يرتض الخالفون ذلك وقالوا لا حجة له على ذلك ¬
ولا لمن وافقه (¬1). ولكن ذاك النقل للنصوص، وهذا التأييد في الآراء لم يجعلا أبا الفداء أسير المفصل وصاحبه، فخالفه في عدد من آرائه غير أن هذه المخالفات هي في حقيقتها مآخذ ابن الحاجب على الزمخشري، فكان أبو الفداء بنقلها وتقريرها، موافقا فيها ابن الحاجب من جهة، ومخالفا الزمخشري من جهة ثانية، من ذلك ردّه على قول الزمخشري في المفصل «وفي اقرأ آية ثلاثة أوجه أن تقلب الأولى ألفا، وأن تحذف الثانية وتلقى حركتها على الأولى، وأن تجعل معا بين بين وهي حجازية» (¬2) فعلق أبو الفداء على الوجه الثالث ناقلا رأي ابن الحاجب بقوله: «وسها في المفصل حيث قال وأن تجعلا معا بين بين، لأن الأولى ساكنة، والساكنة لا تجعل بين بين أصلا لأن الغرض من بين بين تقريبها من السكون فتقرب إلى الخفة وإذا كانت ساكنة فقد بلغت الغاية في الخفة فلا يصح أن تخفف حينئذ بالتقريب من السكون» (¬3). وفضّل أحيانا حدّ ابن الحاجب على حد الزمخشري، فقد عرّف الزمخشري اسم الآلة بقوله: والمراد بها ما يعالج به وينقل» (¬4) وأضاف أبو الفداء بعد ذكره ذلك ما يدل على ترجيح حد ابن الحاجب لها فقال «والأولى أن يقال: هي اسم مشتق من فعل لما يستعان به في ذلك الفعل» (¬5). 14 - السّخاوي المتوفى 643 هـ اقتصر أبو الفداء في موقفه من السخاوي على نقل أقواله وآرائه مما يدلّ على موافقته له، من ذلك ما نقله أبو الفداء تعليقا على قول الزمخشري في مفصله: وإدغام الراء في اللّام لحن فقال: «كذا قال في المفصل، وهو مذهب سيبويه والخليل قال السخاوي: وقد أدغم أبو عمرو الراء في اللام فيما يزيد عن ثمانين موضعا في القرآن ¬
الكريم وأبو عمرو حجة فيما ينقل وفيما يقرأ فيجب الرجوع إليه في ذلك» (¬1). 15 - ابن يعيش المتوفى 643 هـ اعتمد أبو الفداء على شرح المفصل لابن يعيش اعتمادا كبيرا، بدا ذلك من: أ - إشارته إليه لتوثيق بعض الآراء وتقريرها من ذلك قوله «وأجاز الأخفش إعماله - أي إعمال اسم الفاعل - من غير اعتماد على شيء نصّ عليه السخاوي وابن يعيش» (¬2). ب - ونقله نصوصا منه، من ذلك قوله: «قال ابن يعيش في شرحه: «وكثرت هذه الكلمة - أي - امرؤ - في كلامهم حتى صارت عبارة عن كل ذكر وأنثى من الناس» (¬3). 16 - ابن الحاجب المتوفى 646 هـ تعدّ كتب ابن الحاجب من أهم المصادر التي اعتمد عليها أبو الفداء لتأليف كناشه، فقد علّق أكثره منها، وفق المنهج الذي رسمه لنفسه وهو - كما بدا لنا - على النحو الآتي: أ - جاءت الحدود والتعريفات من الكافية والشافية. ب - أنه نقل كثيرا من بقية كتب ابن الحاجب (شرح الكافية وشرح الوافية وإيضاح المفصل) (¬4) وجاءت نقوله أحيانا نقلا حرفيا، وأحيانا متصرّفا فيها (¬5). ج - أنه أيد ابن الحاجب في كثير من آرائه من ذلك نقله وتأييده تخريج ابن الحاجب لقراءة عاصم لقوله تعالى: ويخشى الله ويتقه (¬6) بإسكان القاف وكسر ¬
الهاء فقال: «وأصله يتّقي فحذفت الياء للجزم ثم ألحقت هاء السكت صار يتّقه ثم سكنت القاف تشبيها لتقه بكتف، ثم حركت هاء السكت وهي الساكن الثاني لالتقاء الساكنين قال ابن الحاجب وفيه تعسف مع الاستغناء عنه والأولى أن يقال: إن الهاء ضمير عائد على اسم الله وسكنت القاف على ما ذكر بقي ويتّقه من غير اجتماع ساكنين ومن غير تحريك هاء السكت وإثباتها في الوصل» (¬1). د - أنه أخذ عليه - أحيانا - في تعريفاته عدم الدقة، مثال ذلك تعليقه على قول ابن الحاجب في الكافية بأنه يجب تقديم المبتدأ إذا كان الخبر فعلا للمبتدأ نحو: زيد قام» (¬2) قال أبو الفداء: «واعلم أنه لو قال: فعلا له مفردا لكان أولى لئلا يرد عليه الزيدان قاما، والزيدون قاموا، فإنّ الفعل هنا للمبتدأ ولا يجب تقديم المبتدأ عليه بل يجوز: قاما الزيدان وقاموا الزيدون على أن قاما وقاموا، خبران مقدّمان» (¬3). 17 - ابن مالك المتوفى 673 هـ نقل أبو الفداء رأي ابن مالك عقيب إيراده رأي ابن الحاجب القائل إن المفضل عليه في نحو قولنا: زيد أفضل رجل محذوف وهو الجنس العام أي زيد أفضل رجل من جميع الرجال فأتبعه بالقول «واختيار ابن مالك أن المفضل عليه مذكور وهو النكرة المضاف أفعل إليها والتقدير: زيد أفضل من كل رجل قيس فضله بفضله فحذفت من وكلّ، وأضيف أفعل إلى ما كان مضافا إليه كل» (¬4). 18 - تقي الدين النيلي من أهل القرن السابع أ - أورد أبو الفداء رأي النيلي حول موضع أسماء الأفعال من الإعراب، فقال: ولا بدّ لها من موضع من الإعراب لوجود التركيب، واختيار ابن الحاجب أنّ موضعها رفع بالابتداء وفاعلها المستتر أغنى عن الخبر كما أغنى في: أقائم الزيدان عن الخبر، ¬
واختيار تقي الدين النيلي أن موضعها نصب على المصدر كأنه قيل في رويد زيدا: أرود إروادا زيدا» (¬1). ب - استغرب أبو الفداء ما ذكره النيلي عن كاف الخطاب وأحوالها مع المخاطبين قال أبو الفداء: «وقد نقل النيلي جواز فتح كاف الخطاب في ذلك كلّه وهو غريب، قال: إن ذلك نقله الثقات من غير إلحاق علامة تثنية ولا جمع ولا غير ذلك بل تفرد وتذكر على كلّ حال» (¬2). 19 - محمد بن الحسن بن محمد الاستراباذي المتوفى 715 هـ أ - اكتفى أبو الفداء بنقل آراء السيد الاستراباذي من ذلك ما نقله عنه في المنادى المبني «والمراد بالمفرد ما لم يكن مضافا ولا مشابها له وقال السيّد: ولا جملة أيضا نحو: يا زيد ويا زيدان ويا زيدون» (¬3). ومن ذلك أيضا ما نقله عنه بأنهم «نقصوا الألف من الحارث علما ومن السلم عليكم وعبد السلم ومن ملائكة وسماوات وصالحين ونحوها مما لم يخش فيه لبس» (¬4). وبعد: فلا يخفى أن كل موافقة ومخالفة ينطوي تحتها حديث طويل للنحاة آثرنا عدم بسطه والخوض فيه، لأن غايتنا بيان الاتجاه النحوي العام لأبي الفداء، فرأيناه ناظرا في آراء النحويين نظرة العالم المتمكّن من هذه الصنعة المالك لأصولها الملمّ بطرقها، يوجز أحيانا ويسهب أخرى، ويحاور النحاة في أحايين أخر، فيضعف، ويقوي، ويرفض، ويؤيد، ويختار ما يعتقد أنه الأولى بالأخذ، والأجدى بالتمسّك به، وكل ذلك وفق أصول هذه الصناعة، وبما يتفق مع منهجه العام الذي اختطّه لكناشه وهو الجمع القائم على الاصطفاء والاختيار للاستذكار والتعليم ليغنيه عن كثير من كتب النحو والصرف المطولة. ¬
القسم الثاني
القسم الثاني 1 - الفصل الأول: التعريف بعنوان الكتاب (الكناش) 2 - الفصل الثاني: توثيق نسبة الكتاب إلى أبي الفداء 3 - الفصل الثالث: وصف النسخة 4 - الفصل الرابع: منهج التحقيق 5 - الفصل الخامس: طبعة قطر والنخبة المتميزة من السّرّاق
الفصل الأول التعريف بعنوان الكتاب «الكناش»
الفصل الأول التعريف بعنوان الكتاب «الكنّاش» كثرت المؤلفات التي عنونها أصحابها بكناش أو كناشة (¬1) في حين لم أجد أحدا قد تناول هذه اللفظة بدرس خاص بها يكشف لنا عن أصلها ومدلولها، سوى شذرات متناثرة في بعض الكتب والمعجمات العربية، لعلنا في عرضها نقدم مزيدا من البيان حولها. قال الدكتور العلامة عبد المجيد عابدين - يرحمه الله - كاشفا عن أصلها التاريخي ما نصه: «إن لفظ كنش سامي الأصل لوروده في عدد من اللغات السامية دالا في أشهر معانيه على الجمع، فقد ورد في اللغة الآرامية بالسين والشين:. وفي اللغة العربية بالسين كنس والشين كنش (¬2) أيضا، في حين ورد في اللغة العبرية والأثيوبية الجعزيّة بالسين فقط، (¬3). وأحسب أن أول استخدام لهذه الكلمة لدى العلماء المشتغلين بعلوم العربية قد ورد في كتاب الخصائص على لسان أبي علي الفارسي المتوفى 377 هـ في قول ابن جني: وذاكرت يوما أبا علي بنوادره - أي بنوادر اللحياني - فقال: كناش» (¬4) وعلّق الأستاذ محمد علي النجار محقق الكتاب عليها بقوله: وأبو علي يريد أنه ليس فيه ¬
مسكة التصنيف (¬1) وعرّف الفيروزآبادي والزبيدي الكناشات بالقول «والكنّاشات بالضمّ والشدّ، الأصول التي تتشعب منها الفروع، ومنه الكناشة لأوراق تجعل كالدفتر يقيّد فيها الفوائد والشوارد للضبط» (¬2) ونص العنيسي على أن: «كناشة وكناش في قانون ابن سينا مشتق من كنش الآرامي أي جمع، والمراد به دفتر يدرج فيه ما يراد استذكاره» (¬3) ونخلص من هذه النصوص إلى ما يأتي: 1 - أن «الكناش» لفظ سامي الأصل، والجمع من أكثر معانيه، والغاية من هذا الجمع تقييد الشوارد والفوائد للضبط والاستذكار غير أن هذا الجمع ليس فيه مسكة التصنيف والتأليف. 2 - أنه أطلق في العربية أيضا على الأصول التي تتشعب منها الفروع، فإذا سحبنا ذلك على كناش أبي الفداء لحظنا أن سمات كناشه يتفق بعضها مع ما ذكرناه حول الدلالة العامة للكناشات، وبعضها لا يتفق، وبيان ذلك: أولا: أن فكرة «الجمع» تلك التي تفيدها لفظة الكناش، هي ظاهرة واضحة في كناش أبي الفداء، وقد بدا هذا الجمع في صورتين: الأولى: أن أبا الفداء قد عزم على أن يجمع في كناشه عددا من العلوم والفنون وقد أشار إلى ذلك في خطبة الكناش حين قال: «فهذا كناش مشتمل على عدة كتب: الأول: في النحو والتصريف. الثاني: في الفقه. الثالث: في الطب. الرابع: في التاريخ. الخامس: في الأخلاق والسياسة والزهد. السادس: في الأشعار. ¬
السابع: في فنون مختلفة» (¬1). الثانية: جمع المادة العلمية، بعد اختيارها، ثم تبويبها وتنظيمها، وهذا يعني من جانب آخر أن كتب الكناش تشارك غيرها من أنواع التأليف العلمي، لأن كل من يريد أن يؤلف كتابا لا بد له من أن يعتمد على كتب سالفيه فينقل آراءهم ويجمع أقوالهم، وقد ذكرنا من قبل مصادر أبي الفداء ومراجعه تلك التي أقام كناشه عليها فنقل منها ما يوافق منهجه، واختار منها ما يتصل بموضوعاته، وقد أشار إلى فكرة الاختيار والاصطفاء بقوله: «قد أكثر النحاة في ذكر اللامات حتى صنف بعضهم فيها كتابا، وقد أثبتنا منها ما اخترنا إثباته» (¬2) ثم لا شك أن قوله في القسم الرابع المشترك: «وهو ما التقطناه من المفصل» (¬3)، يفيد أن هذا الالتقاط قد تمّ بدقة وروية لأنه للضبط والاستذكار، ولقد نظم أبو الفداء المادة العلمية المختارة تنظيما رائعا، وفق منهج دقيق، وخطة محكمة، وتبويب رائع، لا يستبعد ممن يضع الدوائر والجداول الهندسية لمسائل نحوية. فرأيناه يعنون موضوعاته ويربط بين فصوله وأقسامه فيكثر من الإحالات على مواضع في الكناش حتى لا نقع في التكرار، فإن عدل عن منهجه المتلئب الواضح، بيّن سبب ذلك معتذرا، من ذلك حديثه عند ذكره إبدال الياء من النون إذ قال: «وأبدلت الياء من النون في التضعيف أيضا وذكرناه هنا وإن كان التضعيف. يذكر في القسم الثاني ليجتمع الكلام في النون» (¬4). ومثل ذلك اعتذاره عن عقد ذكر للامات إذ قال: «وهي وإن كان تقدم ذكرها في ¬
حروف الجر لكن إعادتها هنا لا تخلو من زيادة فائدة» (¬1) وكرّر هذا الاعتذار صراحة مع الواو حين قال: «والاعتذار في إعادة ذكرها كما تقدم في اللام» (¬2). ووجدناه أحيانا ينقد النحويين في تبويباتهم فيقول مثلا عن باب الإخبار بالذي: «والذي في هذه الصور مبتدأ واجب التقديم، والإسم المخبر عنه بالذي خبر واجب التأخير، ومع ذلك لم يذكرا في مواضع وجوب تقديم المبتدأ ووجوب تأخير الخبر» (¬3). وألفيناه أيضا يخالف أحيانا الترتيب الداخلي لبعض المسائل في المفصل والكافية والشافية، فيشير إلى ذلك، قال تحت عنوان: «ذكر الأسماء المتصلة بالأفعال»، وهي ثمانية المصدر واسم الفاعل واسم المفعول والصفة المشبهة، وأفعل التفضيل وهذه الخمسة هي المذكورة في كتب النحو لكونها تعمل، وأما الثلاثة الباقية من اسم الزمان واسم المكان واسم الآلة وهذه الثلاثة من قسم التصريف لكونها لا تعمل وقد أثبتناها وغيرها من أبواب التصريف، في كتابنا هذا لكونه من كتب الكناش فأجري مجرى الكناش» (¬4) فقوله: فأجري مجرى الكناش، يفيد أنه خالف المألوف، وكأن الأصل - فيما يبدو - أن يسير شارح المتن وفق تنظيم وترتيب المتن الذي تصدّى لشرحه، وحين يعلن المؤلف أن كتابه هو «كناش» فهذا فيما أحسب يعفيه من الالتزام بترتيب المتن الذي يشرحه، فنقله اسم الزمان والمكان والآلة إلى المشتقات العاملة فيه مخالفة يسيرة لترتيب بعض الموضوعات في المتون الثلاثة التي أدار كناشه عليها، فصاحب المفصل ذكر هذه الموضوعات بعد المصغّر والمنسوب في حين أن أبا الفداء قدّمها عليها، وصاحب الكافية لم يذكر هذه الموضوعات فيها لأنها موضوعات صرفية، فجاء ذكرها في الشافية متقدمة أيضا على المضمر والمنسوب، وكل ذلك يعني أن أبا الفداء حين جعل كتابه «كناشا» قد وسّع على نفسه وتحرّر هنا من سلطان الترتيب المتبع في المتون الثلاثة، ولعل هذا يفيد من جهة ثانية، ¬
أن كتب «الكناش» لا يلتزم فيها التقييد بترتيب ما، وإدراك أبي الفداء لذلك لم يدفعه إلى الفوضى والإضطراب بل رأيناه ملتزما كما ذكرنا بمنهج دقيق وترتيب محكم ثم إن إشارته هنا إلى ما حصل في الترتيب تدل على مدى حرصه على ترتيب كناشه، والتزامه بمنهجه الصارم الذي وضعه حين عزم على تأليف كناشه هذا. ومؤدّى ذلك كله أن قول الأستاذ محمد علي النجار إن «الكناش» ليس فيه مسكة التصنيف» فيه بعد إذا أريد سحبه على كناش أبي الفداء، وذلك لأن هذا الكناش كما ذكرنا - قد أقيم على أسس متينة، وأركان ثابتة فعراه وثقى، وأقسامه متصلة، وفصوله محكمة، كغيره من المؤلفات العلمية الأخرى، خدم فيه أبو الفداء المفصل والكافية والشافية، فجاء شرحا لأجزاء مختارة من ثلاثة متون معتبرة عند المشتغلين بعلوم العربية، وهذا يعني أيضا أن قول الفيروزآبادي والزبيدي إن الكناشات أصول ... إلخ (¬1) لا ينطبق على كناش أبي الفداء لأنه ليس «متنا» كما يفهم من كلامهما، كما لا ينطبق عليه أن هذا الجمع هو «للشوارد والفوائد» فقط، لأنه حوى جميع المباحث النحوية والصرفية والإملائية فغدا شرحا لا تنقصه صفة من صفات الكتب العلمية الأخرى. والغاية منه هو الاستذكار والمراجعة والضبط ويستغنى به عن مراجعة كثير من الكتب المطوّلة. والظاهر أن هذه الغاية هي غاية عامة عند أبي الفداء هدف إليها في كثير من مؤلفاته، فقد أشار الدكتور حسن الساعاتي وهو بصدد حديثه عن غاية أبي الفداء من كتابيه المختصر وتقويم البلدان إلى ذلك فقال: «إنه إنما يكتب مختصرات تكون بمثابة مذكرات يكون فيها الغناء عن مطالعة الكتب الكبيرة في كل موضوع من الموضوعات التي عالجها» (¬2) واستدلّ على ذلك بما أورده أبو الفداء في مقدمتي الكتابين المذكورين فقد قال في مقدمة كتابه المختصر: «سنح لي أن أورد في كتابي هذا شيئا من التواريخ القديمة والإسلامية يكون تذكرة لي يغنيني عن مراجعة الكتب ¬
المطولة فاخترته واختصرته من الكامل ... (¬1) وذكر في مقدمة تقويم البلدان ما نصه: «لما وقفنا على ذلك وتأملناه جمعنا في هذا المختصر ما تفرق في الكتب المذكورة من غير أن ندّعي الإحاطة» (¬2). وتلاقي الكتب الثلاثة في الغاية من تآليفها لا يعني الاتفاق في طريقة عرض المادة العلمية فيها، كما ذهب إلى ذلك الدكتور الساعاتي فقد ذكر: «أن أغراض أبي الفداء من تأليف ما كتب كانت معلومة سواء في ميدان الجغرافية، أو ميدان التاريخ أو الميادين الأخرى التي طرقها» (¬3) ثم راح يعرض هدف أبي الفداء من كتبه التي وقف عليها فقال: «فقد كان هدفه في ميدان الجغرافية وضع تقويم للبلدان في أقاليم شتى يمتاز بدقته ووضوحه من ناحية، وخلوه من النقائص التي شابت ما ألفه الجغرافيون قبله في الموضوع نفسه من ناحية أخرى، وكان هدفه في ميدان التاريخ جمع مادة تاريخية وفيرة ذات دلالة وعرضها في إيجاز ووضوح» (¬4) ثم عرّج إلى الكناش فقال: «وكان غرضه من الكناش عرض مذكرات يجمل فيها أهم ما كان معروفا عن الموضوعات المختلفة التي تناولها دون الدخول في التفاصيل» (¬5). وأنهى حديثه بالقول «وكان هدفه من وضع نظم الحاوي ونظم الموازين تقديم المادة الأساسية في كل من الموضوعين، في صورة ميسّرة لطلاب العلم تسهل عليهم الحفظ من ناحية، وسرعة تذكرها من ناحية أخرى» (¬6). وإذا سلمنا للدكتور الساعاتي بما ذكره حول منهج أبي الفداء في غير كتاب الكناش فإنا لا نسلم له بأن غرض أبي الفداء من كناشه هو عرض مذكرات موجزة مختصرة سواء أراد د. الساعاتي الكناش المتعدد العلوم الذي لم يتم بعد - وذلك لأننا لم نقف عليه فنحكم فيه - أم أراد الكتاب الأول من الكناش الذي نحن بصدده .. لأن كناش أبي الفداء هنا هو شرح لأجزاء مختارة من ثلاثة متون كما ذكرنا من قبل ¬
وبضم هذه الأجزاء إلى بعضها استوفى أبو الفداء كل الأبواب النحوية والصرفية والإملائية، وهو في شرحه يفصّل إذا لزم الأمر التفصيل، ويوجز حين لا فائدة من التطويل، وقد عرض كثيرا للخلافات النحوية وأدلى برأيه فيها لذا لا يمكننا القول إن هذه المذكرات موجزة وأنه لا يدخل في التفاصيل كما ذكر د. الساعاتي (¬1). ومجمل القول بعد ذلك كله أن تصور أبي الفداء للكناش هو كونه كتاب معارف متنوعة يشبه الموسوعات العلمية في عصرنا، يكتبه المرء لنفسه، فيختار له المادة العلمية من كتب كثيرة، ثم يصنفها ويرتبها ترتيبا جيدا، والغاية منه هي المراجعة والضبط، والاستذكار. ويبدو لي - أخيرا - أن أبا الفداء كان عازما على ضم بعض مؤلفاته إلى بعض ليتكوّن منها «الكناش» يدفعنا إلى هذا الزعم ما يأتي. 1 - أن موضوعات الكتب التي ذكرها في خطبة الكناش قد ألّف أبو الفداء فيها، ومن المقارنة السريعة بين مؤلفاته، وخطبة الكناش يتضح ذلك الأمر. 2 - أن صاحب كشف الظنون قد صرّح بأن «شرح منظومة الكافية» قد علقه أبو الفداء من شرح ابن الحاجب ومن شروح الكافية وقد ألفيت أن أكثر اعتماد أبي الفداء في المباحث النحوية من كناشه كان على شرح ابن الحاجب (الوافية)، فلا يستبعد أن يكون هذا الشرح نواة الكناش ثم أتبعه بالمسائل الصرفية. 3 - أن محققي كتاب تقويم البلدان رينو والبارون ديسلان قد ذكرا في تصديرهما للكتاب أن أبا الفداء ألف مجموعة من عدة أجزاء في الطب بعنوان الكناش (¬2) أقول: لعل منها تلك القطعة التي ذكرها د. رمضان ششن الموجودة في ¬
مكتبة مغنيسا، فقد فرغ أبو الفداء منها عام 728 هـ. أي بعد الانتهاء من كناش النحو والصرف بعام واحد فقد انتهى منه عام 727 هـ. والمهم أن إطلاق لفظة «الكناش» كانت في هذا العام، فلعل هذه القطع والأجزاء الطبية التي أطلق عليها الكناش هي من الكتب التي كان أبو الفداء سيجمعها في كناشه فيما بعد. 4 - أن لدى أبي الفداء إحساسا بأنه لن يعيش أكثر من ستين سنة، قال الكتبي: «ومن الغريب أن السلطان رحمه الله كان يقول ما أظن أني أستكمل من العمر ستين سنة فما في أهلي يعني بيت تقي الدين من استكمله» (1) وحقا لقد مات أبو الفداء وعمره ستون عاما فإذا كان أبو الفداء قد فرغ من كناش النحو والصرف عام 727 هـ وتوفي سنة 732 هـ، فهل يعقل - ما دام لديه هذا الإحساس - أن يصرح بأنه عازم على تأليف سبعة كتب خلال خمس سنوات، نعم يعقل إذا كانت هذه الكتب صغيرة الحجم، ولا دليل على ذلك بل إن كبر حجم الكناش الذي نقوم بتحقيقه، ما يدفع ذلك، ثم يجب علينا أن لا ننسى أن أبا الفداء ملك على حماة، وكثرة الصوارف والشواغل بشؤون الحكم لن تسمح له بتأليف مثل هذه الكتب خلال خمس سنوات، زد على ذلك أنه فرغ من تأليف الكناش 727 هـ وفرغ من تأليف المختصر 729 هـ أي بعد سنتين من الكناش، فإذا كان المختصر قد استغرق سنتين، فكم ستستغرق بقية الكتب التي أشار إليها في خطبة الكناش، كل ذلك يدفعنا إلى القول إنّ أبا الفداء كان عازما على ضم ما ألّف من كتب في هذا الكناش، ولا أستبعد أن يكون المختصر واحدا منها لأنه قد انتهى منه كما ذكرنا 729 هـ، أي بعد إطلاق أبي الفداء للفظة الكناش بسنتين، كما أني لا أستبعد أيضا أن أبا الفداء كان عازما بعد جمع مؤلفاته، في هذا الكناش أن يكتب مقدمة عامة لهذا الكناش غير أن المنيّة قد حالت دون هذه الخطبة، ودون هذا الجمع، فبقيت هذه الكتب تحمل عناوينها ومقدماتها الخاصة بها مستقلة منفردة عما كان متوقعا لها .. والسؤال الذي يتردّد في الذهن هو لم عزف النحويون الخالفون عن النقل من كناش أبي الفداء (النحو والصرف) أو الإشارة إليه مع كونه يتعلق بمتون مهمّة كثرت
الشروح والحواشي عليها. والجواب يتضح مما يأتي. 1 - ندرة الكتاب: فقد قال الشيخ أحمد الصابوني في كتابه «تاريخ حماة» بعد ذكره للكناش إنه نادر عزيز الوجود» (¬1). ومما يؤكد قوله أننا لم نعثر إلا على هذه النسخة الوحيدة. 2 - أنه قد بات في أذهان النحويين فيما يبدو أن كتب الكناش للاستذكار الشخصي تسجل فيها الفوائد والشوارد ولا تتّسم بصفة التأليف العلمي لكون أصحابها يجمعون الآراء وينقلون الأفكار من غير مناقشة أو نسبة أو تعليق أو تفضيل رأي على آخر، وهذا التصور مردود - إن كان - لأن الذي يكتب لنفسه لا شك أنه يطّلع على عدد كبير من كتب سالفيه، فيصطفي منها ويختار ما يقتنع به ويرضاه، ولا ريب أن في ذلك فوائد قيمة، فهي من جهة تساعدنا على كشف جوانب كثيرة من ثقافة المصطفي، وتغنينا أحيانا من جهة ثانية عن الاطّلاع على كتب قد لا يتاح لنا أن نطلع عليها نتيجة فقدها أو ندروها. ¬
الفصل الثاني توثيق نسبة الكتاب إلى أبي الفداء
الفصل الثاني توثيق نسبة الكتاب إلى أبي الفداء ثمة عدة دلائل تدل على أن كتاب الكناش ألفه أبو الفداء وهي: 1 - أن عددا من المصادر قد ذكرت أن أبا الفداء صنف كتاب الكناش، ووصفت هذه المصادر الكتاب بأنه يقع في مجلدات كثيرة (¬1). 2 - أنه قد كتب على الورقة الأولى من المخطوطة أن هذا «كتاب الكناش للملك المؤيد عماد الدين أبي الفداء إسماعيل بن علي الشهير بصاحب حماة المتوفى 732 هـ» (¬2). 3 - أن هناك تشابها واضحا بين كتابيه المختصر في أخبار البشر وتقويم البلدان من جهة، وكتابه الكناش من جهة ثانية، وذلك من حيث: أ - استعماله الزائجات والجداول فقد استعملهما في كتابيه المذكورين (¬3) كما استعملهما في كتابه الكناش (¬4). ب - استخدامه لفظة «ذكر» لعنونة بعض الموضوعات في كتابيه السالفين (¬5) ¬
كما استخدمها أيضا في عنونة كثير من الموضوعات التي تحدث عنها في كتابه الكناش. ولا شك أن هذا التشابه يدل على أن المصنف واحد، ومن هذه الدلائل مجتمعة نجزم بأن كتاب الكناش هو لأبي الفداء إسماعيل بن علي المتوفى 732 هـ.
الفصل الثالث وصف النسخة
الفصل الثالث وصف النسخة المخطوطة التي بين أيدينا تقع في 164 ورقة من الحجم المتوسط، وفي كلّ صفحة 25 سطرا وفي كل سطر 15 كلمة. وقد عثرت على هذه النسخة الوحيدة في دار الكتب المصرية تحت رقم 882 نحو، وقام بتصويرها معهد المخطوطات العربية (ميكرو فيلم) تحت رقم 129، وحاولت جاهدا أن أعثر على نسخة ثانية فلم يتوفّر لي ذلك حتى هذا الوقت، وأحسب أنه لا توجد لأني قد اطّلعت على أكثر الفهارس العامة والخاصة فلم أجد اسما لهذا الكتاب أو ما يشير إلى وجوده في أية مكتبة. كتبت هذه النسخة بيد ناسخ مجهول، وبخطّ جميل أسود، والعناوين بمداد أحمر. وضبط الناسخ بعض الكلمات والأوزان الصرفية بالشكل. ويبدو أن هذه النسخة كتبت في عهد المؤلف وعرضت عليه لأنه كتب عند رأس بعض العناوين عبارة (بلغ مقابلة بين يدي مؤلفه أدام الله أيامه) مما يدل أن الناسخ كان يعرض على المؤلف ما كان ينسخه، ويؤكد ذلك أن الناسخ استعمل أيضا علامة الإلحاق وهي عبارة عن سهم كان يثبته بين الكلمات للتنبيه على وجود كلمات ساقطة خارج سطور الكتاب وكان يسجل الكلمات الساقطة في الحاشية ويكتب بجانبها كلمة (صح). وسبقت المخطوطة بورقتين أعطيت الأولى رمز (أ) وكتب على وجهها («كتاب الكناش للملك المؤيد عماد الدين أبي الفداء إسماعيل بن الأفضل علي الأيوبي الشهير بصاحب حماة المتوفى 732 هـ ذكره العلامة الكتبي (¬1) في ذيل ابن خلكان في ترجمة الملك المذكور، أما صاحب كشف الظنون فقد ذكره إلا أنه قال لم أقف على ¬
مؤلفه (¬1) ويظهر أنّ هذه النسخة كانت ملكا لصاحب الكشف المذكور كما يرشدنا إليه الخطّ الواقع عليها المشابه لخطه إذا قد عاينته في بعض مصنفاته بدار الخلافة العثمانية العلية ولتعلم أن هذه النسخة هي نسخة المصنف (¬2) وهي الكتاب الأول في فنّي النحو والصرف من الكتاب المشار إليه بما أنه مرتّب على سبعة كتب كما تراه في الخطبة ولست أدري إن كان المؤلف أتم الكتاب كله أو مات قبل ذلك والله أعلم، غرة شعبان 1306 كتبه الفقير إليه سبحانه وتعالى خيري بن عمر المصري عفي عنهما» ولم يكتب شيء على ظهر هذه الورقة. أما الورقة الثانية فكان ظهرها ابتداء للكناش وكتب على وجهها من الأعلى ما يلي: «61 من كتب أحمد حمدي أحمدية 1244 مختار الصحاح». وفي وسطها «ملك أفقر الورى إليه سبحانه صالح مصطفى عفى عنهما ..» وتحتها «مشترى من علي أفندي خيري، رمضان في أول أكتوبر 1889 نمرة 80 يومية 24157 عمومية 882 خصوصية نحو» وكتب في وسط الورقة أمام ذلك ما يلي «مما ساقه سائق التقدير إلى سلك ملك الفقير إليه سبحانه وتعالى مصطفى بن عبد الله الداخل في زمرة المدرجين الداخلين، رب يسر مراده في الدنيا والآخرة آمين بحرمة رسولك الأمين ثم آمين عفي عنهما». وكتب على الورقة الأخيرة «وكان الفراغ من جمعه وتأليفه في العشر الأول من شهر شعبان سنة سبع وعشرين وسبع مائة هجرية نبوية على صاحبها أفضل الصلاة والسّلام بالمشيرفة من ظاهر حمص الشرقي الشمالي الحمد لله رب العالمين. ¬
الفصل الرابع منهج التحقيق
الفصل الرابع منهج التحقيق تلخّص عملي في تحقيق هذه المخطوطة بما يأتي: 1 - حرصت على إخلائها من التصحيف والتحريف. 2 - أشرت إلى مواضع ما شرحه أبو الفداء من المفصل أو الكافية أو الشافية وذلك بوضع رقم إزاء العناوين الرئيسة - وأحيانا ضمن الشرح - وأحلت في الهامش إلى رقم الصفحة من كل متن، مراعيا في هذه النسبة مدى التشابه الحرفي بين نصوص هذه المتون وكلام أبي الفداء. 3 - ذكرت من قبل أن الناسخ استعمل علامة الإلحاق للتنبيه على بعض العبارات أو الكلمات الساقطة من أصل النص، وقد وضع بجانبها كلمة «صح» فجعلت ذلك من أصل النص. 4 - سجلت أرقام الآيات القرآنية، واسم السورة، وإذا كان ثمة آية وردت فيها قراءة فكنت أشير إلى كتب القراءات التي وردت فيها القراءة وأدلّ على صاحبها. 5 - قمت بتخريج الأحاديث النبوية الشريفة، وبيّنت مكانها في كتب الحديث. 6 - ضبطت الأبيات الشعرية بالشكل، وأتممت أنصاف الأبيات في الهامش ونسبتها إلى أصحابها وعينت أماكن وجودها - سواء في الديوان إن وقفت على ديوان الشاعر - أو في كتب اللغة والنحو والمعاجم، محددا إن كانت هذه المراجع قد نسبت البيت لقائله أم لا.
واعتمدت في ذلك كله على كتاب معجم شواهد العربية للأستاذ محمد عبد السّلام هارون رحمه الله. 7 - خرّجت أقوال العرب وأمثالهم من الكتب المعنية بذلك. 8 - أحلت ما نقله أبو الفداء من نصوص نحوية أو صرفية أو لغوية إلى الكتب التي نقل عنها وحدّدت أماكن وجودها في تلك الكتب وأرقام صفحاتها، وكنت أشير دائما إلى أسماء الكتب التي تتحدث عن المسألة التي يذكرها في كناشه، وأسجل أرقام صفحاتها ليسهل الرجوع إليها لمن يريد التوسع في دراستها، وأشرت إلى الكتب التي رأيت أن أبا الفداء ينقل عنها، وأتممت أحيانا بعض النصوص التي نقلها أبو الفداء من هذه الكتب، لأن الفائدة تكمل بذلك. 9 - عرّفت بالأعلام الواردة في النص وأشرت إلى أماكن ترجمتها وأخبارها في كتب التراجم. 10 - ضبطت النص كلّه بالشكل، وقد ضبط المصنف بعض الألفاظ الغريبة وشرحها، وأحيانا كان يقع التخالف بين ما ضبطه المؤلف وما ضبطته المعاجم فكنت أشير إلى ذلك. 11 - عيّنت ما ذكره المصنف من أسماء الأماكن والمواضع وحددت أماكن وجودها في معاجم البلدان. 12 - أنهيت التحقيق بصنع فهارس فنية للآيات القرآنية، والأحاديث النبوية الشريفة، والأمثال، والأقوال، والأشعار، والأرجاز، والألفاظ اللغوية، والأعلام، والقبائل والطوائف والأمم والبلدان، والمواضع والكتب. أما فهرس الموضوعات الواردة في الكناش فقد وضعت بجوار رقم الصفحة الحرف (م) ليدل على أن ما يشرحه أبو الفداء فيه هو من المفصل والحرف (ك) ليدل على كافية ابن الحاجب، والحرف (ش) ليدل على الشافية، وبذلك يسهل التمييز بين ما شرحه أبو الفداء من المفصل وما شرحه من الكافية والشافية (¬1). ¬
وختمت الفهارس بثبت للمصادر والمراجع التي اعتمدت عليها في دراسة وتحقيق كتاب الكناش. ¬
الفصل الخامس طبعة قطر والنخبة المتميزة من السراق
الفصل الخامس طبعة قطر والنخبة المتميّزة من السّرّاق وقع إلي كتاب الكنّاش في النحو والصرف لأبي الفداء المؤرخ إسماعيل بن علي المتوفى سنة 732 هـ، مطبوعا بتحقيق نخبة متميزة من الأساتذة كما ورد في المقدمة وهم: د. علي الكبيسي، ود. صبري إبراهيم السيد ومراجعة أ. د. عبد العزيز مطر. وهذا الكتاب في الأصل مخطوط انتهيت من دراسته وتحقيقه عام 1984 م، ونلت به درجة الدكتوراة بتقدير «الشرف الأولى» وذلك من جامعة الإسكندرية، بإشراف الأستاذ الدكتور طاهر حمودة - حفظه الله، ونوقشت الرسالة من قبل الأستاذ عبد السّلام هارون يرحمه الله. والأستاذ الدكتور عبده الراجحي - أمدّ الله في عمره - وقلت لنفسي حين قرأت العنوان: لعل النخبة قد عثرت على نسخة أخرى غير النسخة الوحيدة التي اعتمدت عليها، تلك التي عثرت عليها في دار الكتب المصرية، مما دفعها إلى تحقيقه مرة ثانية، وألفيت بعد المقارنة أن هذه النخبة قد اعتمدت على النسخة نفسها، وقامت بالسطو على رسالتي بعجرها وبجرها وفق خطة محكمة حيكت بليل مظلم، فأتت على أركان الرسالة العلمية دون وازع من دين أو خلق، وقد بيّنت النخبة في المقدمة دور كل واحد منها، فزعمت أن توزيع العمل قد تم على النحو الآتي: 1 - قام الدكتور علي الكبيسي بكتابة ترجمة للمؤلف، ونبذة عن الكتاب، وحقق المخطوطة من أولها إلى نهاية القسم الأول من أفعال المقاربة، وصنع الفهرس الخاص بهذا القسم، شواهد وموضوعات. 2 - وقام الدكتور صبري إبراهيم السيد بنسخ المخطوطة كاملة، وتحقيق الجزء
الذي يبدأ من أفعال المقاربة، إلى آخرها، وصنع الفهرس الخاص بهذا القسم، ونسقنا بين القسمين كما قالوا. 3 - قام الأستاذ الدكتور عبد العزيز مطر بمراجعة التحقيق والفهارس. والذي وصلت إليه بعد اطلاعي على عملهم، ومقارنته بصنعي في الرسالة هو أن الجميع مشترك في هذه الجريمة، لأن أدلة السرقة تطولهم جميعا، وتطوّق أعناقهم كلهم، وقد نشرت هذه الأدلة موجزة في جريدة المدينة (ملحق التراث) عام 1416 هـ - 1996 م ثم تقدمت بها مفصّلة إلى دار المجد في الرياض، التي عزمت على إنشاء موسوعة السرقات العلمية، مرفقا معها نماذج مصورة، ونسخة من رسالة الدكتوراه، وصورة من الكتاب المطبوع في قطر، وصورة من مخطوط الكناش، وبعد عرض هذه الأدلة على أربعة محكمين (¬1)، فازت بالجائزة الثانية، وارتأيت أن أنشرها فاختصرتها (¬2) على النحو الآتي: الدليل الأول أن ثمة اتفاقا بيننا في أرقام الأجزاء والصفحات، وذلك في المصادر التي اتفقنا في الإحالة إليها، في حين أن طبعات هذه المصادر مختلفة، مثال ذلك: أنني في الصفحة 2/ 115 من الرسالة خرّجت بيت جرير: تعدون عقر النيب أفضل مجدكم … ...... البيت فقلت: البيت في ديوانه: 338، ثم سردت بقية المصادر، وفي الصفحة 360 ¬
من الكتاب المطبوع قالوا بأنه روي في ديوانه: 338، أي اتفقنا، ومثل ذلك بيته المشهور: أقلّي اللوم عاذل ... … ...... البيت فقد ذكرت في هامش الصفحة 2/ 125 بأنه قد ورد في ديوانه: 64، فألفيت ذلك عندهم أيضا في الصفحة 369، إذ نصوا على أنه في ديوانه 64. أقول: كيف تتفق الأرقام مع أن الطبعتين مختلفتان، فقد اعتمدت في عملي على طبعة الصاوي، في حين أنكم اعتمدتم على الطبعة المحققة من قبل د. نعمان محمد أمين طه (ينظر فهرس المصادر عندهم). وفي الصفحة 2/ 103 من الرسالة عرض أبو الفداء رأي الأخفش المجيز وقوع الفاء زائدة في الخبر، فنقلت من المغني لابن هشام، 1/ 165 ما نصه: «وأجاز الأخفش زيادتها في الخبر مطلقا، وحكي «أخوك فوجد»، وقيد الفراء والأعلم وجماعة الجواز بكون الخبر أمرا أو نهيا، قال ابن برهان: تزاد الفاء عند أصحابنا جميعا كقوله: لا تجزعي ... … ...... البيت وفي الصفحة 350 من كتابهم نقلوا النصّ الذي ذكرته إلى قول ابن هشام: «أو نهيا» وأحالوا إلى المغني، 1/ 165، وهذا يفيد أن الاتفاق قد حصل أيضا في رقم الجزء والصفحة، وما فطن القوم أن الطبعتين مختلفتان، فقد اعتمدت على طبعة الشيخ محمد محيي الدين عبد الحميد رحمه الله في حين أنهم اعتمدوا على طبعة الدكتور مازن المبارك وزميليه، فكيف حصل هذا الاتفاق والطبعتان مختلفتان؟؟ هل ستزعمون أن طبعة الشيخ محمد محيي الدين عبد الحميد رحمه الله قد سقطت أيضا من قائمة مصادركم؟؟ لا أستبعد ذلك فذاك هو الملجأ الذي يفزع إليه السّراق حين تضيق بهم السبل. الدليل الثاني أ - ذكرت في الهامش (4) من الصفحة 1/ 381 معنى لفظة «الخرنوب» ونقلت
من لسان العرب مادتي (صعفق وخرب) ما نصه: «الخرنوب والخرّوب بالتشديد نبت معروف، والفصحاء يضمونه ويشددونه مع حذف النون، وإنما يفتحه العامة». وفي كتابهم 340 الهامش (5) سجلوا ما يأتي: «الخرنوب شجر ينبت في جبال الشام، ويسمى القثاء الشامي، وقد تحذف نونه وتضعف الراء فيقال له: الخرنوب». وأحالوا إلى لسان العرب مادة (خرنب) فقط. أقول: المذكور في لسان العرب مادة (خرنب) هو إلى قولكم: «القثاء الشامي» أما تتمة القول: «وقد تحذف ... الخ» فلم يذكره ابن منظور البتة، فمن أين أتيتم بهذه التتمة؟؟ إنها من أدنى تأمل - صياغة جديدة مزوّرة لما ذكرته في تعليقي، ولم يفطن القوم أن تعليقي هو من مادتين، وأن قولي: والفصحاء يضمونه ... إلخ هو من مادة صعفق، لقد حاولوا التغيير والإبهام فذهبوا إلى مادة خرنب، غير أنهم وقعوا فيما فروا منه. الدليل الثالث أحلت في الصفحة 2/ 70 الهامش (7) من الرسالة إلى كتاب مجمع الأمثال، وذلك لتوثيق المثل المشهور «إن البغاث بأرضنا يستنسر» وذكرت أنه في 1/ 12، وفي الكتاب المطبوع ص: 320 وجدت الرقم نفسه وهو 1/ 12، والطبعة التي اعتمدت عليها هي من تحقيق الشيخ محمد محيي الدين عبد الحميد - رحمه الله - وهي نفسها التي اعتمدوا عليها، ولو أنهم حقا رجعوا إلى المصدر المذكور لعلموا أن الرقم الصحيح هو 1/ 10 وليس 1/ 12 فبم يفسّرون ذلك؟؟ ب - ويندرج تحت هذا أنني في الهامش (1) من 1/ 215 خرجت بيت ذي الرمة: وهيل يرجع التسليم ... … ...... البيت فذكرت بأنه قد روي من غير نسبة في المقتضب 2/ 174، 4/ 144 (¬1) فاكتفوا ¬
في الصفحة 93 وعلى عادتهم حين أذكر موضعين - بالموضع الأول فقالوا: وبلا نسبة في المقتضب 2/ 174 وتركوا الموضع الثاني، ولو أنهم رجعوا فعلا إلى المقتضب 2/ 174 لألفوا أن المبرد قد نسبه إلى ذي الرمة في هذا الموضع، ولم ينسبه إليه في الموضع الثاني الذي تركوه تمويها. ج - ويمكن أن يندرج في هذا الدليل ما التقطناه عندهم حول الدائرة التي صنعها أبو الفداء لأحكام الصفة المشبهة، فقد جعل أبو الفداء نواتها دائرة صغيرة، قسمها إلى قسمين بخط في وسطها، ذكر في القسم الأعلى منها: «الصفة مجردة عن اللام (حسن)» وذكر في القسم الأسفل منها «الصفة باللام (الحسن)» قمت - لكوني طالبا - بتصويرها من المخطوط مع تكبيرها، ثم وضعتها في ورقة مستقلة ذات رقم (270 من الرسالة)، 1/ 337 والذي حصل أن «المجلّد» للرسالة جعل عاليها سافلها، فلم تفطن النخبة المتميزة إلى ذلك، فرأيت هذا القلب عندهم أيضا وذلك في الصفحة 200، لا ريب أنهم سيزعمون أن المجلّد عندهم قد عكسها أيضا؟؟ ولم يفطنوا إلى ذلك. الدليل الرابع ثمة أخطاء وقعت في عملي، يرجع بعضها إلى قراءة غير سليمة لكلمات المخطوط، وبعضها الآخر يعود إلى سرعة الضبط والتشكيل وثالثها يعود إلى سرعة الطابع، بعضها تنبّهت إليه فأشرت إليه في الهامش، وبعضها الآخر لم أتنبه إليه إلّا بعد مراجعتي للمخطوط، ووجدت ذلك كله عندهم بغثّه وسمينه من غير أن يشيروا إليه في الهامش وهذا جدول مجتزأ من جدول «كبير» نتبين منه كل هذه الأنواع:
فهل يزعم زاعم بعد وقوع هذا التشابه من تصحيف وتحريف وضبط غلط وزيادة حروف أو نقصها، مع عدم الإشارة في الهامش إلى ما في الأصل أن ذلك قد ثمّ اتفاقا إن المحققين الأثبات يدركون بداهة من هذا التشابه أن إغارة قد حصلت على الرسالة، وأن سرقة قد تمت، وأن لا حقا قد أخذ عن سابق. الدليل الخامس أنّ ثمة اتفاقا قد حصل بيننا في الكلمات التي وضعت عندها الإحالات إلى المصادر والمراجع وهذه المواضع التي سأسردها في الجدول ليست مما يجب أن يقع فيها التشابه، إذ هي ليست آية قرآنية كريمة، ولا حديثا نبويا شريفا، ولا قولا أو مثلا للعرب، ولا رأيا لعلم نحوي ذكره أبو الفداء فيراد توثيقه، بل هي من نفل التحقيق إن ساغ هذا التعبير، لأنّها توثيق آراء نحوية عامة، ومع ذلك فقد تم الاتفاق بيننا في وضع أرقام الإحالات عند كلمات بعينها، نتبين ذلك من جدولين اخترتهما من أربع جداول تفيد بمجملها مدى التوافق الكائن بيننا في مواضع الإحالات:
وهذا جدول ثان يؤكد ما ذكرناه: وهكذا تتوالى مواضع الشبه في الإحالات، فلا تكاد تجد صفحة خالية من تشابه، فهل تمّ ذلك وفق قانون توارد الأفكار؟ أيتها النخبة المتميزة؟ ومن أعجب ما وقفت عليه من تشابه في الإحالات أنني في الصفحة 1/ 194 من رسالتي وجدت إحالة عند كلمة «أيضا» الواردة في سياق كلام أبي الفداء: «وإن كان فعلا فمذهب سيبويه أن لا يتقدم عليه التمييز أيضا» والظاهر أن الطابع نتيجة سرعته قد وضع رقم الإحالة فوق كلمة «التمييز»، ولم يضعها فوق كلمة «أيضا» وهو موضعها المناسب لأنها في آخر الجملة، فرأيت ذلك عندهم تماما وذلك في الصفحة (73) وهي برقم (3)، والسؤال: هل ثمة وحي بين الطابعين أيضا؟ أم أن ذلك قد حدث اعتباطا أيضا؟! هل يوجد مخطوط حقّق مرتين من قبل اثنين، لم يطلع أحدهما على عمل آخر، فوقع بينهما مثل هذا التشابه؟! ما أظن أن لدى النخبة المتميزة مثالا واحدا على ذلك. سوى ما نحن فيه.
الدليل السادس اعتمدت في تخريج الشواهد الشعرية على معجم الشواهد العربية للأستاذ عبد السّلام هارون، - يرحمه الله - ولكي أشعر القارئ بأني رجعت إلى موضع البيت في المصادر التي ذكرها الأستاذ عبد السّلام هارون، قسمت هذه المصادر قسمين: قسم ذكرت فيه المراجع التي نصت على اسم الشاعر، وقسم ذكرت فيه المصادر التي ورد فيها البيت من غير نسبة لقائله. فكنت أذكر مثلا: أن البيت ورد منسوبا للشاعر في كل من الكتاب والمقتضب .. إلخ، وورد من غير نسبة في كل من الهمع وشرح الأشموني ... إلخ، هذا إن لم أقف على ديوانه، فإن كان له ديوان وقفت عليه فكنت أحيل إلى الديوان، أولا ثم أسير وفق المنهج الذي ذكرته وعلى هذا النحو سرت في تخريج الشواهد الشعرية، وفوجئت بأنهم ساروا على هذا المنهج في القسم الذي زعموا أن محققه هو الدكتور كبيسي أي استغرق ذلك نصف الكتاب، مثال ذلك: أنني في الهامش (4) من الصفحة 1/ 276 خرّجت الرجز: قالت له ريح الصّبا قرقار فذكرت ما نصه: الرجز لأبي النجم، وعجزه: واختلط المعروف بالإنكار وروي منسوبا له في لسان العرب (قرر)، وخزانة الأدب، 6/ 307، وروي من غير نسبة في الكتاب، 3/ 276، وشرح المفصل، 4/ 51، وشرح الكافية، 3/ 76، وشرح الأشموني، 3/ 16. وذكروا في الهامش (1) من الصفحة 147 أن البيت من الرجز، وتمامه: واختلط المعروف بالإنكار لأبي النجم العجلي، في لسان العرب (قرر) والخزانة، 3/ 58، وبلا نسبة في الكتاب، 3/ 276، والمفصل، 156 وشرح المفصل، 4/ 51، وشرح الكافية، 2/ 76.
ومن المقارنة يتضح: 1 - أنهم نهجوا منهجنا في تقسيم المصادر إلى قسمين: مصادر نسبت البيت إلى قائله، ومصادر لم تنسبه. 2 - أن المصادر بيننا قد تزيد، وقد تنقص وهو شيء طبيعي، إذ لا يعقل أن يذكروا المصادر نفسها من غير زيادة أو نقصان؛ لأن ذلك يدمغهم بالجهل وهم في الحقيقة حذّاق مهرة في هذا الفن، وهي هنا متطابقة ما عدا نقصهم لشرح الأشموني غير أن النخبة المتميزة قد خالفت هذا المنهج من حيث تقسيم المصادر إلى قسمين، وذلك في القسم الثاني الذي زعموا أن محققه هو الدكتور صبري، فقد سردوا فيه المصادر في الهامش سردا بعد ذكرهم اسم قائل البيت، والظاهر أن هذا الخلف بينهم في المنهج كان ضمن الخطة المحكمة التي وضعت لهم، وهو لا قيمة له عندهم - مع أنه يشوه عملهم - ما دام فيه تغطية للسرقة، وإتعاب لمن يريد الإمساك بهم، غير أن هذا المنهج وهو نسبة البيت لقائله وتوثيقه من مصدر من هذه المصادر قد استهواهم، فرجعوا إليه بأسلوب ماكر، إذ راحوا في كثير من المواضع ينصّون على أن مصدرا من المصادر التي ذكروها قد نسبت البيت إلى قائله على نحو ما صنعنا، وعلى نحو ما صنعوا في القسم الأول. وكل هذا يدلّ على مدى تأثرهم بالمنهج الذي سرنا عليه، فهل حدث هذا التأثر وذاك التشابه اتفاقا من غير أن يطلعوا على عملنا؟ وما أكثر حدوث الاتفاق فيما بيننا ثم أليس من الواجب على المراجع أن يجعل منهج الاثنين واحدا؟ لم هذا التغاير؟ وما الهدف من هذا التخالف؟ الدليل السابع (التعليقات النحوية) لم تسلم التعليقات النحوية بأشكالها المختلفة من السلب والنهب، ولحذق النخبة المتميزة في هذا الفن، فقد صاغوا هذه التعليقات صياغة جديدة هادفين تعمية السرقة، غير أن الاتفاق في مواضعها ومحتواها، والمراد منها، يدل على سرقتهم لهذه التعليقات من الرسالة، وهذه أمثلة توضح ذلك: أولا: في 1/ 354 من الرسالة، نقل أبو الفداء حدّ اسم الآلة من المفصل إذ قال: «والمراد بها ما يعالج به وينقل، والأولى أن يقال: هي اسم مشتق من فعل لما
يستعان به في ذلك الفعل»، قلت في الهامش (8): قول المصنف «فالأولى» هو تفضيل حدّ ابن الحاجب على حدّ الزمخشري، قال ابن الحاجب في الإيضاح الورقة (297 / ظ): «اسم الآلة ... إلخ» وفي الصفحة 215 من الكتاب المطبوع وضعوا إحالتين، الأولى عند قول أبي الفداء: «وينقل» والثانية عند قوله «والفعل»، وفي الهامش (2) قالوا: هذا ما حدّ به الزمخشري اسم الآلة، المفصل 239، وفي الهامش (6) قالوا: هذا قول ابن الحاجب في تعريف اسم الآلة، الإيضاح 1/ 668. ويستفاد من التعليقين ما يأتي: 1 - أنهم تأثروا بكلمة (حدّ) تلك التي ذكرناها في تعليقنا، وبكلمة (قول) حين قلنا: «قال ابن الحاجب» لذلك استعملوا اللفظتين من غير أن يشعروا بذلك. 2 - أن محتوى التعليقين واحد، إذ المراد أن أبا الفداء يفضل حدّ ابن الحاجب على حدّ الزمخشري، فانظر كيف صاغوا تعليقنا بأسلوب يتّسم بالحنكة والدهاء ... إنهم نخبة مميزة .. ثم لا تغتر بذكرهم للمفصل لأني قد ذكرت نصّه بحروفه قبل هذا الهامش على نحو ما بينا في منهج عملنا. ثانيا: وفي 2/ 136 قال أبو الفداء عن هاء السكت: «وقد منع صاحب المفصل من تحريكها في الوصل، وأنكر ذلك» وضعت إحالة عند قوله: «ذلك» وقلت في الهامش (2): انظر المفصل 332، وقد قال: «وتحريكها لحن»، أقول: مع أنني سجلت في الهامش نص المفصل غير أنني أردت النص على عبارته في هذا الوضع، فرأيت النخبة المتميزة في الصفحة 378 تضع إحالة عند كلمة «ذلك» أيضا، وقالوا في الهامش (1) ما نصه: «وقال الزمخشري: وتحريكها لحن 332». أقول: انظر كيف قدّموا وأخّروا في عبارتنا وأتوا بالواو قبل الفعل (قال) تأثرا بقولي: «وقد قال». ثم إذا كنتم دائما تحيلون إلى المفصل في كل موضع سجلت فيه أنا نص المفصل، فلم حرصتم في هذا الموضع على ذكر عبارة الزمخشري ... لا شك أنكم رأيتموها في هامشنا فلم تستطيعوا الفرار منها، فصغتموها صياغة لعلها تنأى بكم عن الظن.
ثالثا: وثمة مثال آخر يدل على مدى احتراف هذه النخبة لهذه الصنعة موضعه في 1/ 342 من الرسالة وذلك في حديث أبي الفداء عن حذف (من) بعد أفعل التفضيل: فقد قال: «وقد يحذف إذا كان معلوما كقولهم: الله أكبر، أي: من كل كبير» فزدت حرف الجر (من) بعد الفعل (يحذف) وصار الكلام: «وقد يحذف (من) إذا كان ...» وقلت في الهامش: «قولنا: (من) زيادة يتضح بها المعنى». اصطادت النخبة المتميزة .. ذلك فوضعوا إحالة عند الفعل (يحذف)، وذكروا في الهامش (4) من الصفحة 205 ما نصه: «أي الجار (حرف الجر من) اهتدوا إلى هذا الموضع وتلقّفوه، ووصلوا إلى الغاية التي أردناها. هذه نماذج من سرقاتهم لتعليقاتنا النحوية التي تتصل بالنص المحقق، فما من تعليق إلا نهبوه ولاكوه، ثم أعادوه بصياغة جديدة، فهل يعقل أن يتم ذلك اتفاقا من غير نظر في رسالتنا؟؟ رابعا: في 1/ 243 قال أبو الفداء: «وينبغي أن يعلم أن الهمزة والنون في (أنا) هما الاسم عند الأكثر» وضعت إحالة عند قوله: (الأكثر)، وقلت في الهامش (6) ما نصه: «هذا مذهب البصريين، وأصل (أنا) عندهم أن بفتح النون، ولكون النون مفتوحة زيدت فيها الألف في الوقف لبيان الحركة كهاء السكت، ولذلك تعاقبها، فيقال: أنه، وإذا وصلت حذفتها» شرح المفصل، 3/ 793 وفي الهامش من الصفحة 119 اختصروا ذلك بعد وضعهم إحالة في الموضع الذي وضعناها فقالوا: «نسب إلى البصريين» وأحالوا إلى الهمع بدلا من شرح المفصل. خامسا: وفي 1/ 243 من الرسالة قال أبو الفداء: «وقال قوم (أنا) كله هو الاسم»، وضعت إحالة»: عند قوله الاسم وفي الهامش (1) قلت: «وهو مذهب الكوفيين، واختاره ابن مالك في التسهيل، واحتجوا بإثبات الألف وصلا في لغة، وقالوا: إن الهاء في (أنه) بدل من الألف» انظر تسهيل الفوائد، 25 وهمع الهوامع، 1/ 60. وفي الصفحة 119 وضعوا إحالتهم عند كلمة قوم أي قدموها على موضع إحالتنا بكلمتين ثم ذكروا في الهامش (2): «نسب إلى الكوفيين» وأحالوا إلى الهمع، وكأنهم في هذين الموضعين حاولوا اختصار ما ذكرناه، ولكن لم يستطيعوا الإفلات
من أسر هذه التعليقات. سادسا: في 1/ 366 - 367 ذكر أبو الفداء أن النسب إلى نحو: كريم وقريش وعجول هو: كريميّ وقريشيّ وعجوليّ، وما جاء بخلاف ذلك فهو شاذ كقولهم: «قرشيّ على خلاف القياس». وضعت إحالة عند قوله: «عجولي» وأخرى عند قوله: «والقياس» وفي الهامش (4) أحلت إلى الكتاب 3/ 335، وفي الهامش (5) قلت ما نصه: «وقد اعتبر المبرد ذلك مطردا يجوز القياس عليه». انظر المقتضب، 3/ 133 - 134، والخصائص، 1/ 116، وشرح المفصل، 5/ 146. فماذا فعل السراق؟ في الصفحة 227 وضعوا إحالة عند قوله: «قرشي» أي: قدموها بمقدار ثلاث كلمات على موضع إحالتي، وفي الهامش (5) قالوا: «الكتاب 3/ 335، وأجازه المبرد. المقتضب، 3/ 133، وانظر الخصائص 1/ 16، ومضمون صنيعهم أنهم جعلوا إحالتيّ (4 - 5) في إحالة واحدة (5)، ثم ذكروا المصادر التي أحلت إليها، وخطفوا التعليق الذي سجلته حول رأي المبرد في المسألة، وجعلوه ضمن سردهم للمصادر؟ وكم هي رائعة كلمة (وانظر الخصائص، 1/ 116) إذ تشعر بسرعة الخطفة التي خطفوها، وكأنهم خافوا من أن يفوتهم هذا المصدر، فأمسكوا به، وأحالوا إليه تاركين شرح المفصل الذي أشاروا إليه في الهامش (2) من الصفحة نفسها، وهم يعلمون جيدا أنهم حين يريدون الإحالة إلى مصدر ما، لا يستعملون كلمة (انظر) على نحو ما استعملناها في منهجنا، فلم حرصوا عليها في هذا الموضع؟ هل لأني صدرت بها مصادري بعد ذكري للتعليق، أم أنهم خافوا من أن يفوتهم هذا المصدر فأمسكوا به، وأحالوا إليه تاركين شرح المفصل وهو المصدر الثالث عندي؛ لأنهم سردوه في الهامش (2) من الصفحة نفسها؟ أم إيهاما لنا؟؟ سابعا: في 1/ 182 من الرسالة قال أبو الفداء: «وشرط الحال أن يكون نكرة وصاحبها معرفة» وضعت إحالة عند قوله: «معرفة»، وذكرت في الهامش (1) ما نصه: «انظر شرح المفصل، 2/ 25 قال السيوطي في همع الهوامع، 1/ 229: «جوز يونس والبغداديون تعريفها مطلقا، وقال الكوفيون: إذا كان في الحال معنى الشرط، جاز أن يأتي على صورة المعرفة، وهي مع ذلك نكرة نحو: عبد الله المحسن أفضل
منه المسيء» وفي الكتاب المطبوع 63 وضع السراق إحالة عند قوله «نكرة» أي قبل موضع إحالتنا بكلمتين، وذكروا في الهامش ما نصه: «جوّز يونس والبغداديون تعريفها، والكوفيون إذا كان فيها معنى الشرط»، وأحالوا إلى الهمع أيضا، تلقفوا ما ذكرناه مصدرا ونصا مع بعض الإيجاز. ثامنا: وفي 2/ 9 من الرسالة قال أبو الفداء عند قوله تعالى: سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسى ما نصه: «فيحتمل أن تكون لا نافية، فيكون التقدير: نقرئك قراءة لا تنساها» وضعت إحالة عند قوله: «لا تنساها»، وذكرت في الهامش (7) ما قاله العكبري في التبيان 2/ 1483: لا نافية أي: فما تنسى، وقيل: هي للنهي، ولم تجزم لتوافق رؤوس الآي، وقيل: الألف ناشئة عن إشباع الفتحة» فوجدت ذلك كله عندهم في الصفحة 265 مع وضعهم الإحالة في الموضع الذي وضعناه، هل كل ذلك تمّ من غير نظر في رسالتنا، لا أستبعد أن تزعم النخبة الممتازة ذلك؟ ولبيان مزيد من نهب النخبة المتميزة للتعليقات والهوامش ننتقل إلى الألفاظ اللغوية وشرحها، لقد اعتمدت كثيرا في شرحي للألفاظ اللغوية على معجم لسان العرب لابن منظور، وعلى القاموس المحيط للفيروزأبادي، فاعتمد المحققون كثيرا على هذين المعجمين، فالأمر الطبيعي حينئذ أن يقع التشابه الحرفي في النصوص المنقولة على نحو ما حصل في شرحنا للعلاقة، إذ نقلت في 1/ 355 الهامش (2) من اللسان (علق) قوله: «هي المعلاق الذي يعلق به الإناء» والشرح بحروفه عندهم في الصفحة 217 الهامش (2)، وانظر على سبيل المثال الأفعوان 1/ 398 الهامش (4) من الرسالة، و 225 الهامش (2) من الكتاب المطبوع، وكذا الحبارج 1/ 400 الهامش (7) من الرسالة، 225 الهامش (2) من الكتاب المطبوع. ومثل هذا النوع من التشابه كثير يصعب حصره. أما الأمر غير الطبعي المفيد أنهم معتمدون على هوامشنا فقد بدا مما يأتي: أولا: وقع التشابه الحرفي في شرح بعض الألفاظ من غير أن يشيروا إلى المصدر الذي نقلوا منه من ذلك:
أ - أنني في 2/ 212 الهامش (5) نقلت من القاموس المحيط مادة (خفق) ما نصه: «والخنفقيق: السريعة جدا من النوق والظلمان» فوجدتهم في الصفحة 445 الهامش (10) ينقلون الشرح بحروفه من غير أن يشيروا إلى المعجم والمادة، ولعل مما يؤكد أنهم ناقلون من الرسالة أن النص في القاموس هو «الخنفقيق: كقندفير: السريعة ... إلخ» فأسقطت لفظة «القندفير» اعتمادا على ضبطها بالشكل، فرأيت القوم قد أسقطوها. ثانيا: أنهم كانوا يحذفون من النص الموجود في الرسالة، مع إشارتهم إلى المصدر حينا وإغفاله أحيانا، ومن أمثلة ذلك: أ - أنني في 1/ 322 الهامش (2) نقلت من اللسان (بغا) ما يأتي: «قال الأصمعي: بغى الرجل حاجته أو ضالّته يبغيها بغاء وبغية وبغاية إذا طلبها» فحذف المحققون في الصفحة 187 الهامش (1) جملة «قال الأصمعي» وسردوا بقية النص بحروفه، وأحالوا إلى اللسان مادة (بغا)، مع العلم أن ابن منظور في المادة نفسها قد ذكر قبل سوقه لقول الأصمعي ما يفيد أن «بغاية» مصدر للفعل الثلاثي «بغى» إذ قال: «وبغى ضالته بغاء بالضم والمد ... وبغاية أيضا» فلم لم يقع اختيارهم إلا على النص الذي نقلناه عن الأصمعي، ولقد ظن القوم أن حذفهم لجملة «قال الأصمعي» تشعر أنهم غير ناظرين في النص الذي سجلناه. وانظر أمثلة لذلك: 1/ 395 الهامش (2) من الرسالة 352 الهامش (3) من الكتاب أترج 1/ 397 الهامش (11) من الرسالة 354 الهامش (1) من الكتاب ذرحرح 1/ 398 الهامش (7) من الرسالة 355 الهامش (2) من الكتاب إضحيان 1/ 404 الهامش (12) من الرسالة 359 الهامش (1) من الكتاب عبوثران ب - وفي 1/ 393 هامش (9) نقلت من القاموس المحيط أيضا مادة (عقل): «العاقول: معظم البحر أو موجه، ومنعطف الوادي، والنهر ... إلخ»، وإذ بهم في الصفحة 476 الهامش (4) يكتفون بالقول: «معظم البحر أو موجه» تاركين تتمة المعاني، ولم يشيروا إلى المصدر الذي نقلوا منه، والطريف أنهم بعد هذا الموضع
بثلاث صفحات أي في الصفحة 470 شرحوا معنى شنباء، وأحالوا إلى القاموس المحيط، فلم لم يذكروا المصدر في شرحهم للعاقول؟؟ ومن حذقهم لفن السرقة أنني في 1/ 381 الهامش (2) نقلت من اللسان (نحر) ما نصه: «النّحرير: الحاذق الماهر العاقل المجرّب» وفي الصفحة 239 هامش (2) قالوا: «النحرير: العالم الحاذق في عمله» وأحالوا إلى لسان العرب (نحر) وبعد رجوعي إلى اللسان لم أجد فيه ما ذكره «العالم الحاذق» بحروفه بل وجدت هذا الشرح في المعجم الوسيط (نحر) وفيه: «علمه» بدل «عمله» ولعله خطأ طباعي. ثالثا: أنهم كانوا يصوغون التعليقات اللغوية التي سجلناها حول بعض الألفاظ، صياغة جديدة، ومحتواها هو ما ذكرناه، من أمثلة ذلك: 1 - أنني في 1/ 401 الهامش (4) قلت عن هندبى ما نصه: «هكذا ضبطها المصنف بالفتح، وهي في الكتاب 4/ 296، والممتع، 1/ 53 فعللى بالكسر» وفي الهامش (5) نقلت من اللسان (هندب) قوله: «الهندب والهندبا والهندباء والهندباء كل ذلك بقلة من أحرار البقول» والذي ذكرته ضمن الهامشين سردوه تقريبا في هامش واحد، إذ قالوا في كتابهم 257 الهامش (1) ما نصه: «بقلة من أحرار البقول» اللسان (هندب)، ووردت في كتاب سيبويه على مثال فعللى هندبى، 4/ 296، وبذلك وصلوا إلى ما ذكرناه، والعجيب أن الناسخ قبلها بأسطر قد ضبط لفظة «صفرق» بفتح الصاد، فلم يعلقوا عليها؛ لأنهم لم يجدوا عندي تعليقا حولها. وقبل أن أنتهي من هذا الجانب أود أن أشير إلى ظاهرة لجأوا إليها لتعبئة هوامشهم، تتمثل هذه الظاهرة في أنني كنت أشير في الهامش إلى المصدر الذي تناول مسألة ما، من المسائل التي ذكرها أبو الفداء، فكانوا يرجعون إلى المصدر نفسه، وينقلون منه النص، فكأني بذلك أرشدهم إليه، مثال ذلك أنني في 2/ 50 أحلت في الهامش (9) إلى الكتاب لسيبويه 4/ 97، وذلك بعد وضع إحالة عند قول أبي الفداء عند صيغتي التعجب: «فلا يبنيان إلا من فعل ثلاثي ليس بلون ولا عيب» فوجدتهم في الصفحة 304 قد وضعوا إحالة عند موضع إحالتنا، وفي الهامش نقلوا نص سيبويه من 4/ 97 نقلا حرفيا، وهذا جدول صغير يتضح منه أن نصوصهم المنقولة هي من المصادر الذي ذكرناها:
الدليل الثامن وتشتمله الدراسة، وأكتفي هنا ببيان المنهج العام الذي سلكوه في سرقتهم لهذه الدراسة وقد جاء على النحو الآتي: 1 - أن ما وزعناه على فصول جعلوه في فصل واحد، فتحت عنوان ترجمة المؤلف سردوا فيه فصلين من فصول دراستنا أولهما: اسمه ونسبه وثانيهما: حياته العلمية. ومما يؤكد ذلك أن عنوان «الكناش» عندهم قد جعلوه خليطا من أكثر من فصل عندي، كتوثيق نسبة الكتاب إلى صاحبه، والتعريف بلفظ الكناش، والعجب منهم أنهم لم يجعلوا لتوثيق نسبة الكتاب إلى صاحبه فصلا خاصا، في حين أن طالب الدراسات العليا المبتدئ يعلم أن ذلك يلزمه فصل خاص!! إنه اللف والدوران. 2 - أن المصادر التي اعتمدت عليها في الدراسة هي التي اعتمدوا عليها أيضا، وما دام الأمر كذلك فالنصوص المنقولة من هذه المصادر متشابهة أيضا، والسؤال الآن: لم جاءت المصادر في ترجمة المؤلف متشابهة لم تنسوا منها مصدرا، ولم سرتم مع فقراتنا لم تفارقوها قيد أنملة. أما توجد لديكم فكرة يمكن أن تضيفوها إلى ما ذكرناه؟ لماذا هذا الالتزام الواضح بما هو أمامكم من نصوص منقولة؟؟ فأنتم نخبة
متميزة، والمتوقع منكم أن تضيفوا جديدا إلى ما ذكرناه ... 3 - أن المنهج الذي سرنا عليه في ترتيب الفقرات الداخلية قد رأيناه عندهم، على أن ذلك لم يطرد في جميع دراستهم، فقد رأيتهم في بعض المواضع يقدمون ويؤخرون في ترتيبها، لونا من الغش والتزوير ليس غير. 4 - اعتمادهم على إيجاز ما نفصّله على نحو ما رأيته عندهم حين راحوا يسردون أعلام النحويين الذين لهم آراء في الكناش، في حين أنني عقدت لذلك فصلا خاصا ... 5 - أنهم يسرقون الفكرة، ثم يعيدونها بثوب جديد، ولا نعدم في دراستهم تشابها يكاد يكون حرفيا، وتشابها باستعمالهم مرادفات للألفاظ التي كنت أستعملها في صياغتي للأفكار، يبدو ذلك ويؤكد ما ذكرناه سابقا مما يأتي: أولا: في الصفحة الثانية من الرسالة عرضت إلى حياته العسكرية، وذكرت في الهامش ما نصّه: «انظر المختصر، 4/ 22، ولمعرفة معاركه التي خاضها مذ كان صغيرا حتى وفاته انظر المختصر، 4/ 22 - 25 - 28 - 36 - 42 - 48 - 49 - 50. وفي الصفحة (أ) الهامش ذكروا أربعة من هذه المواضع فقط وتركوا البقية، فهل هناك وحي نزل عليكم فأوحى إليكم بسلوك هذا الطريق الذي سلكته حتى في استقرائي لهذه المواضع، هل لو كنتم خاليّ الذهن، غير مطلعين على الرسالة لكنتم قد سرتم على المنهج نفسه الذي سرت عليه حتى في الرجوع إلى المختصر، وتتبع المواضع التي تدل على معاركه؟! سبحان الله .. والنكتة أن ثمة مصدرا هنا سقط عندنا سهوا فظنّت النخبة المتميزة أن هذا مما تفرّدنا به في حين أن خمسة من الباحثين المحدثين قد أشاروا في هذا المصدر إلى نحو ذلك، هذا المصدر هو كتاب «أبو الفداء صاحب حماه في ذكرى مرور سبعمائة عام على ولادته» فيه سلسلة من البحوث العلمية التي تناولت حياة أبي الفداء الشخصية والعلمية. ثانيا: ذكرت في الصفحة (27 - 28) في الفصل الذي عقدته لمنهج أبي الفداء ما نصه: «سار أبو الفداء في كناشه وراء تقسيم الزمخشري لمفصله، فقسم الكناش إلى أربعة أقسام:
1 - الاسم. 2 - الفعل. 3 - الحرف. 4 - المشترك. فذكروا في صفحة (ك) تحت عنوان الكناش ما نصه: «وقد رتبه مؤلفه على نحو ترتيب المفصل للزمخشري، فجعله أربعة أقسام: القسم الأول في الاسم. والقسم الثاني في الفعل. والقسم الثالث في الحرف. والقسم الرابع في المشترك. وواضح من المقارنة أن مضمون الفكرة واحد، غير أن الصياغة اختلفت يسيرا مع استعمال بعض المترادفات التي استعملناها فقد قلنا سار أبو الفداء فقالوا: وقد رتبه مؤلفه، وقلنا: وراء تقسيم الزمخشري لمفصله، فقالوا: على نحو ترتيب المفصل للزمخشري، وقلنا: فقسم الكناش إلى أربعة أقسام، فقالوا: فجعله أربعة أقسام. هكذا تفعل النخبة الممتازة. ثالثا: وفي الصفحة (28) من الفصل نفسه قلت: «اهتم أبو الفداء بصنع دوائر وجداول لتوضيح بعض الأحكام النحوية والصرفية، من ذلك الدائرة التي رسمها للبدل، والجدول الذي ضمنه جميع أمثلة نون التأكيد» وأحلت في الهامش إلى مواضع الدوائر والجداول. فقالوا في الصفحة (م): يتميز هذا الكتاب بما فيه من دوائر وجداول توضيحية لما تكثر فيه الأحكام كأمثلة البدل، وأقسام الضمير، ومسائل الصفة المشبهة، وأمثلة نون التوكيد». ولا يغتر القارئ بعد وقوفه على هذا الموضع من سردهم لمواضع الدوائر والجداول في هامشهم، فقد ذكرناها في هامش الصفحة التي عرضنا فيها الفكرة كما ذكرنا.
رابعا: قلت في الصفحة (37) من رسالتي في فصل التعريف بالكتاب: «ونخلص من ذلك إلى أن كناش أبي الفداء يقوم على الجمع والاصطفاء ... فجاء الكتاب شاملا لجميع الأبواب النحوية والصرفية والإملائية» (¬1). وذكروا في الصفحة (م) فصل (الكناش) ما نصه: «وبهذا كله تتضح أهمية الكناش في النحو والصرف من كونه جامعا مسائل النحو والصرف». والعجيب أنه في الصفحة السابقة (ل) قالوا: استطاع الملك المؤيد أن يجمع في هذا الكتاب أهم مسائل النحو والتصريف وفرق كبير بين «جامعا» و «أهم» إنهم غير واعين لما يكتبون، لأن ما يهمهم هو كيف يعيدون كلامنا بأسلوب مغاير لتراكيبنا. خامسا: قلت في توثيق نسبة الكتاب إلى أبي الفداء وذلك عند الرقم (1) ما لفظه: «أن عددا من المصادر قد ذكرت أن أبا الفداء صنف كتاب الكناش، ووصفت هذه المصادر هذا الكتاب بأنه يقع في مجلدات كثيرة»، وسردت في الهامش المصادر التي ذكرت ذلك، فقالوا في صفحة (ط) ابتداء بلا مقدمة: «أجمع أكثر الذين ترجموا للملك المؤيد على أن له كتابا في مجلدات كثيرة اسمه الكناش في العلوم من النحو وغيره»، وسردوا في الهامش المصادر التي ذكرتها، وقلت بعد ذلك عند الرقم (2): «أنه قد كتب على الورقة الأولى من المخطوطة: أن هذا الكتاب الكناش للملك المؤيد ... إلخ، فقالوا أيضا بعد ذلك في الصفحة نفسها (ط): وقد كتب على غلافه الأول: كتاب الكناش ... إلخ. ومن كل ما قدمناه نتبين كيف نهبت الفئة الباغية هذه الرسالة، فالأدلّة كما يرى القارئ كثيرة وكل دليل يحمل في طياته أدلة تنبئ أن القوم أغاروا على الرسالة سلبا ونهبا، ونسوا أن حقوق العباد لا تغتفر فليتمتّعوا بمجد زائف وظلّ زائل وعند الله لا تضيع الودائع. ومما يؤسف له أنهم أساتذة في جامعات معتبرة لها شهرة طيبة ومكانة بارزة بين الجامعات. ¬
وننتقل الآن إلى بيان بعض الطرق التي انتهجوها لتغطية سرقتهم، وهي: أولا: مرّ معنا أن الفئة الباغية قد تأكدت أن هذه النسخة قد قوبلت على المؤلف، وأنه قد كتب بإزاء بعض العناوين عبارة «بلغ مقابلة على يدي مؤلفه أدام الله أيامه»، ونقلت الفئة الباغية ما ذكره خيري بن عمر المصري من القول: «ولتعلم أن هذه النسخة هي نسخة المصنف» أقول: إذا كنتم على دراية بذلك كله فلماذا أثبتم في متن المخطوط ما شطب عليه الناسخ، وجعلتموه من الأصل، مع أنه لا توجد أية إشارة تفيد أن المؤلف يريده على أن منهجهم هذا لم يطرد فقد تركوا كثيرا مما شطب عليه الناسخ ولم يثبتوه، ولينظروا على سبيل المثال اللوحات: 61 ظ - 99 ب - 133 ظ إذ فيها ما هو مشطوب، ولم يثبتوه، هذا التذبذب له دلالة واحدة وهي إشعاري بأنهم قد نظروا في المخطوطة ونسخوها؟؟ أقول: إنكم حقا نظرتم في المخطوطة، غير أن نظركم إليها جاء بعد نسخ رسالتنا، فأردتم بعد ذلك إظهار المغايرة فلجأتم إلى إثبات بعض ما شطب، وإلا فبم نفسر الأدلة الدالة على هذه السرقة تلك التي ذكرناها؟؟ ثم هل هذه هي الأمانة العلمية نشوه المخطوطة لنخفي السرقة. ثانيا: ليت الفئة الباغية اكتفت بذلك بل رأيناها تضع في الهامش ما كتب بجواره كلمة (صح) مع وجود علامة إلحاقية تدل على أنه من الأصل، من ذلك حديث أبي الفداء عن (لا سيما) الورقة (43) من المخطوطة (79) من الكتاب، فقد سجلوه في الهامش مع أن العلامة الإلحاقية واضحة، وكتب الناسخ في نهاية الحاشية كلمة (صح) مرتين واضحتين. ومما يثير الدهش والاستغراب أيضا، ويدل على دجل هذه الفئة أنهم صوّروا الورقة الأولى من المخطوطة، ووضعوها في الكتاب قبل تحقيق النص، وظهرت في النص العلامة الإلحاقية الموجودة عند كلمة (كتب) من عبارة أبي الفداء: «فهذا الكناش مشتمل على عدة كتب» وفي الحاشية ذكر أبو الفداء الكتب السبعة التي ينوي تأليفها ونفاجأ بالقوم أنهم قد شطبوا هذه الحاشية من الصورة فلم تظهر البتّة، وفي النص المحقق رأيتهم يثبتون هذه الحاشية في الهامش بلا تعليق، مع أنهم قرأوا في
صفحة الغلاف (أ) ما كتبه خيري بن عمر: «ولتعلم أن هذه النسخة هي نسخة المصنف، وهي الكتاب الأول في فنّي النحو والصرف من الكتاب المشار إليه، بما أنه رتّبه على سبعة كتب كما تراه في الخطبة». إذن هذه هي خطبة الكتاب أيتها النخبة المتميزة، فلم وضعت في الهامش؟؟ يضاف إلى ذلك أنكم في صفحة (ط) ذكرتم في الهامش حين قلتم في أعلى الصفحة: إنه مشتمل على عدة كتب، أقول: ذكرتم في الهامش ما نصّه: «عددها سبعة كما يظهر على الحاشية في خطبة الكتاب» إذن أنتم تعترفون بأنها خطبة الكتاب، وما دامت خطبة الكتاب، فلم لم توضع في المتن؟؟! والأنكى من ذلك كله أنهم في الهامش (6) من الصفحة 189 أشاروا إلى سطرين أثبتوهما في المتن، وقالوا عنهما: إنهما من هامش المخطوط، وبرجوعي إلى المخطوط الورقة (54 و) وجدت أن السطرين في متن المخطوط، وقد شطب الناسخ عليهما. فهل بعد ذلك غشّ أكثر من هذا؟ وهل يستغرب شيء بعد كل ما عرفناه من طرائق خبيثة لجأتم إليها ... إن هذه الأفاعيل من نحو إثبات ما شطب، وترك ما هو مثبت، وتسجيل ما هو من المتن في الحاشية، والإشارة إلى ما هو مشطوب عليه على أنه من الهامش هي طرق سلكتموها ومنهج دأبتم عليه لتغطية سرقتكم ولا يعني هذا أنكم لم تنظروا في المخطوط فالحق أنكم قد نظرتم في المخطوط، غير أن نظركم فيه كان لأجل المخالفة، أو لتلقّف بعض الأخطاء التي ستتّكئون عليها للاستدلال على أنكم غير ناظرين في الرسالة وأقول لكم ابتداء إن هذا الأمر لا يزحزح الحقيقة الثابتة وهي أنكم سرّاق، فالأدلة دامغة، والحقائق واضحة، ومن المفيد هنا، ما دمنا قد ذكرنا المقدّمة، أن نشير إلى أن كتابهم قد خلا من مقدّمة يوضحون فيها سبب اختيارهم لهذا المخطوط؟ ولم اختير دون غيره من مخطوطات يمتلئ بها مركزهم، أو يستطيعون الحصول عليها، هل هذا منهج نخبة متميزة؟ أو هو منهج نخبة من السراق؟؟ ثالثا: وضعت بإزاء العناوين رسم المستطيل للدلالة على أن أبا الفداء يشرح متن المفصل، ورسم النجمة للدلالة على أنه يشرح من كافية ابن الحاجب أو من شافيته (¬1)، وكنت أسجل في الهامش نصّ المتن الذي يقوم أبو الفداء بشرحه، معتمدا ¬
في ذلك على مدى التشابه الحاصل بين المتن وكلام أبي الفداء على نحو ما ذكرت سابقا في منهج التحقيق فقام السراق بتغيير رسم المستطيل والنجمة وجعلوهما أرقاما، وأحالوا إلى شرح الكافية للرضي، أو إلى شرح الوافية لابن الحاجب، بدلا من نص الكافية لابن الحاجب الذي كنت أسجل نصه في الهامش، وكذا الحال مع المستطيل والمفصل، والإحالة إلى شرح الرضي للكافية بدلا من الكافية هو ضرب من الخداع أيضا، خاصة إذا علمنا أنهم في الدراسة الصفحة (م) قد أشاروا إلى أن حدود أبي الفداء قد اعتمد فيها على الكافية، إذن لم لم ترجعوا إلى الكافية بدلا من شرحها للرضي؟؟ ولم لم تعتمدوا على شرح الكافية المحقق بدلا من المصورة؟؟ ثم لم اعتمدتم إذن على المفصل، ولم تعتمدوا على شرح المفصل لابن يعيش؟؟ أليس من الأحسن أن يظهر عملكم وفق منهج واحد، بدلا من أن يسلك كل واحد منكم طريقا يختلف عن الآخر؟ هل هذا هو شأن فئة متميزة ينتظر الناس عملها بشغف؟؟ رابعا: وضعت العناوين الداخلية في الجانب الأيمن من الصفحة، وتحتها خط، فرأيتهم في القسم الأول يضعون العناوين وسط الصفحة ... وفي القسم الثاني اضطربوا، فحاولوا السير على المنهج الأول أحيانا حيث وضعوا بعضها في وسط الصفحة، ثم شدّتهم السرقة فرأيتهم يضعون العناوين في الجانب الأيمن كما فعلنا، وذلك من الصفحة 392 إلى نهاية الرسالة أي إلى صفحة 573. إن هذا التذبذب أيضا في وضع العناوين يدل على تأثرهم من حيث لا يشعرون بعملنا، لأن من ينسخ مخطوطا، إن كان خالي الذهن من نسخ آخر، فالواجب عليه أن يسير على منهج واحد حسب خطة يعتقد أنها الأنسب والأيسر للقارئ، فلم تغير الحال معكم؟ ولم فقد المنهج عندكم في كثير من أركان التحقيق؟ فكثيرا ما تسيرون وفق منهجنا، وأحيانا تتخالفون فيما بينكم وتخالفوننا أيضا، أو تظنون أن في ذلك تغطية لسرقتكم، وسترا لقبيح صنعكم؟؟ السارق مهما أوتي من حنكة ودهاء لا بد أن يقع في يد الغفلات، هكذا اقتضت الحكمة الإلهية أيتها الفئة الباغية؟؟
خامسا: ذكرت عددا من المظاهر الدالة على سرقتهم من شرح المفردات، وأشرت إلى أن هناك مظهرا قد سلكوه محاولين تغطية هذه السرقة أيضا، يتمثل هذا المظهر بأنهم كانوا يزيدون على الشرح اللغوي لكلمة ما، قمنا بشرحها، من ذلك أنني نقلت في الهامش (2) من الصفحة 1/ 381 من لسان العرب مادة (صعفق) معنى كلمة الصعفوق، وسجلت ما نصه: «الصعفوق اللئيم من الرجال، ولم يجئ على فعلول شيء غيره» فرأيتهم بعد أن ذكروا هذا المعنى أوردوا معنيين آخرين للصعفوق، وليس لذلك تفسير إلا الإدّعاء بأنهم زادوا على ما ذكرناه. سادسا: أنهم كانوا يتلاعبون بالمصادر التي أذكرها، فيذكرون مثلا الجمل للزجاجي، وشرحه لابن عصفور بدل كتاب الحلل للبطليوسي (¬1)، وهو الذي نذكره في التخريج، ويذكرون المفصل إلى جانب شرح المفصل لابن يعيش، ويكتفون بموضع واحد إذا ذكرنا للشاهد في المصدر موضعين، مثال ذلك. أنني في الصفحة 124 الهامش (1) قلت في تخريج بيت ذي الرمة: وهل يرجع التسليم ...... البيت ما نصه: «البيت في ديوانه 332، ويروى منسوبا له في كتاب الحلل 17، وشرح المفصل، 2/ 11 - 122، وروي من غير نسبة في المقتضب، 2/ 174 - 4/ 144، وهمع الهوامع، 2/ 15، وشرح الأشموني، 1/ 187. وفي الهامش (3) من الصفحة 93 من الكتاب المطبوع، قالوا: لذي الرمة في ديوانه، 332، والجمل للزجاجي، 129، والمفصل، 84، وشرح المفصل، 2/ 142، والخزانة، 1/ 103، وبلا نسبة في المقتضب، 2/ 174، وشرح الجمل لابن عصفور، 2/ 37، والهمع، 5/ 314. ومن المقارنة بين التخريجين نتبين ما ذكرناه آنفا، وكنا قد ذكرنا من قبل أن المبرد 2/ 174 نسب البيت إلى ذي الرمة، وأنه في الموضع الثاني، 4/ 144 لم ينسبه، فاكتفوا بموضع واحد مما ذكرناه، ووقعوا في الغلط الذي وقعنا فيه من قبل. ¬
ومما يدخل في هذه التغطية أنهم في أول الكتاب قد اتبعوا طريقة مع بعض المصادر، توهم أن عملهم بعيد عن عملي، فكانوا لا يحيلون إلى ديوان الشاعر في أول الكتاب، ثم بعد ذلك يحيلون إليه، مثال ذلك ذو الرمة، ففي الهامش (1) من الصفحة 50 خرجوا بيت ذي الرمة: ديار مية إذ ميّ تساعفنا فقالوا: لذي الرمة، في الكتاب .... إلخ، ولم يرجعوا إلى الديوان، ثم وجدتهم بعد ذلك الموضع الذي ذكرناه يرجعون إليه انظر كتابهم 48 - 176 - 93 - 302 - 416؟؟! ومثل ذلك فعلوا مع الأخطل ففي الصفحة 133 لم يرجعوا إلى ديوانه في حين أنهم في الصفحة 386 أحالوا إليه. هذه هي بعض طرقهم التي سلكوها ذرّا للرماد في العيون، ولقد مر معنا حين سردنا الأدلة الكثير من الحيل التي استخدموها في السرقة، غير أن هذه الطرق التي أفردناها قد حملت في تضاعيفها أدلّة تنبئ على أنهم سرّاق أيضا، وتوضح أن عملهم قائم على الكذب والدجل والضلال، وهم يحسبون أنهم بهذه السبل يسترون عوراتهم، ويغطون سوآتهم، وتأبى الحقيقة إلا أن تظهر مهما حاول المرجفون والموتورون سترها بمثل هذه الألاعيب. وأخيرا: رحم الله القائل: «الحر من انتمى لمن أفاده لفظه» وما عساه يقول فيمن سرق رسالة علمية تقرب من ألف صفحة .. شاهت وجوههم، وخسرت تجارتهم، والله ولينا وهو القادر المنتقم. الأخطاء العلمية مر معنا عدد كبير من الأخطاء التي أفدنا منها أيضا أن القوم نخبة من مدرسة شظاظ (¬1)، وبقي لدينا عدد آخر من الأخطاء نود أن نعرضها على القارئ ليرى مدى الخراب الذي ألحقوه بهذا المخطوط، وينظر إلى آثار الفساد الذي خلفوه من إغارتهم على الرسالة، وليدرك أن عملهم هو عمل نخبة من الكذبة الدجالين الذين أضلّهم ¬
الشيطان فعميت بصائرهم حتى باتوا لا يفرّقون بين ما هو آية قرآنية كريمة، وما هو كلام نثري بشري، وارتأيت أن أقسم أخطاءهم (¬1) إلى قسمين: الأول: يتصل بالنص المحقق. والثاني: يتصل بالخدمة التي كان من الواجب أن تقدّم إلى النص المحقق من نحو عزو الآيات القرآنية إلى سورها، وتخريج الأشعار من مصادرها، ... إلخ ما تعارف عليه المحققون. أولا: بدت أخطاؤهم في النص المحقق على النحو الآتي: 1 - أقدموا على تغيير بعض كلمات المخطوطة من غير حاجة تدعو إلى ذلك ولم يشيروا في الهامش إلى ما في الأصل، ولا إلى هذا التغيير، من ذلك: أ - ذكر أبو الفداء في الورقة (23 / أ) القول: اللهم اغفر لي ولمن سمع حاشا الشيطان وابن الإصبغ» وفي الصفحة 79 من كتابهم المطبوع جعلوها «أبا الإصبغ» ولا نعلم سببا لذلك. ب - وفي الورقة (53 و) سجل أبو الفداء العنوان الآتي «ذكر جمع المؤنث الصحيح» ووجدتهم في الصفحة 184 يجعلونه «ذكر جمع المؤنث السالم» لم هذا التغيير أيتها النخبة المتميزة من المزوّرين. ج - وفي الورقة (129 أ) تحدث أبو الفداء فيها عن إبدال الياء من الباء فقال «وكذلك ديباج، الأصل دباج عند من جمعه على دبابيج» وفي الصفحة 464 ألفيتهم يسجلون «والأصل دباج لجمعه على دبابيج» مع أن قراءة «عند من» لا تدفع إلى جعل «جمعه» «لجمعه» ولا داعي لإسقاط «عند من» أيها القوم الخرّاب. د - وفي الورقة (37 أ) قال أبو الفداء عن نون الوقاية «وكذلك هي لازمة في المضارع المعرّى عن نون الإعراب» وفي الصفحة 130 جعلوها «العاري» عرّاهم الله من كل فضيلة. ثانيا: امتد فسادهم، فوضعوا في الهامش ما هو من أصل المخطوط ومن قبل ¬
أوردنا عددا من الأمثلة، وتركنا هذا المثال، ففي الورقة (46 أ) أورد أبو الفداء قول الشاعر: على أطرقا باليات الخيام … إلا الثمام وإلا العصي فوجدتهم في الصفحة 163 يسقطون الشطر الثاني ويضعونه في الهامش (4) وصدروه بالقول «من المتقارب وتمامه: إلا الثمام وإلا العصي لأبي ذؤيب الهذلي ما تفسير ذلك؟ لعل الناسخ المستأجر قد غشهم. ثالثا: وتطاول هذا الفساد فراحوا يزيدون كلمات من عندهم ليست في أصل المخطوط، ولا حاجة تدعو إليها، ولم يشيروا أيضا في الهامش إلى ما في الأصل، من ذلك: أ - جاء في الورقة (138 / أ) حديثا عن إعلال اسم المفعول نصه «وإنما يبنى على صيغة مفعول من ثلاثي متعدّ نحو مقول ومبيع» فزادوا كلمة «اسم» قبل «مفعول» وأدخلوا «أل» على «مفعول، وذلك في الصفحة 497، وما فعلوه لا يفتقر إليه النص لوضوحه. ب - قال أبو الفداء، في الورقة (17 / أ) عن الظرف المنصوب بعامل مضمر «وقام زيد واليوم سرت فيه، وما اليوم سرت فيه، واليوم سر فيه فيختار النصب» وفي الصفحة 59 ألفيتهم يضيفون كلمة «أما» قبل «اليوم سر فيه» ولا داعي لها. رابعا: وتوّج ذلك كله بكثرة الأسقاط التي رأيناها عندهم من أمثلة ذلك: أ - ما جاء في الصفحة 87 من المطبوع ونصه «نحو لا رجل ظريف لأن الموصوف كالشيء الواحد» وفي المخطوط (25 م) «لأن الموصوف والصفة كالشيء الواحد» وبذلك يتم المعنى. ب - وجاء في الصفحة 160 عند الحديث عن قطّ ما يأتي «تقول ما أفعله قطّ، وهي من القطّ، الذي هو القطع، لأن الماضي منقطع من المستقبل، لأن من لغاتها قط بتخفيف الطاء» وفي المخطوط (45 / ب) «وبنيت لأن من لغاتها قط» وبذلك يستقيم الكلام.
ج - وورد في الصفحة 404 من المطبوع، تعليق أبي الفداء على قول الشاعر: لقد خشيت أن أرى جدبا … في عامنا ذا بعد ما أخصبا ونصه: «فشدد الشاعر أخصبا في الوصل تشبها بالوقف فإنه يقال في ألف الوصل، فجمع في أخصبابين الحركة والتشديد» والنص فيه سقط صوابه في الأصل (111 / ب) ونصه «فإنه يقال في الوقف اخصبا بغير ألف الوصل». د - وجاء في الصفحة 561 من المطبوع في باب الإدغام عند حديث أبي الفداء عن حذف نون في بلعنبر، وعدم حذفها في نحو بني النمر ما نصه «فإنهم لا يحذفون النون لأنهم لو حذفوها لجمعوا على الكلمة إعلالين حذف النون، ومنها أنهم قالوا نزل بنو فلان ...» إلخ وسقط الإعلال الثاني المسجل في المخطوط (158 / ب) إذ قال أبو الفداء: «لجمعوا على الكلمة إعلالين؛ حذف النون، وإدغام اللام». هـ - وفي الصفحة 446 ذكر لمواضع زيادة التاء جاء فيها «ثم التاء فيما سوى هذه المواضع أصل لها، في نحو ترتب» والصواب كما في حاشية الأصل (124 / أ) «إلا في نحو ترتب» والعجيب أنهم وضعوا إحالة عند ترتب، إلى المفصل وإلى الكتاب وفي المفصل «359» إلا في نحو ترتب وتولج وسنبتة» فهل رجعتم حقا إلى المفصل أم أنكم تلقّفتم رقم صفحة المفصل من هوامشنا من غير قراءة متأنّية لنصّ المفصل المذكور عندنا. خامسا: ولسرعة غارتهم، واعتمادهم التغيير تغطية لسرقتهم، وقعوا في أخطاء كثيرة، غمض ببعضها المعنى - أحيانا وفسد الكلام ببعضها الآخر - من ذلك. أ - ما وجدناه في الصفحة 108 من المطبوع، ففيها «تقول زيد نفسه والزيدان نفساهما ... والهندان نفساهم» والصواب «والهندان نفساهما». ب - وفي الصفحة 341 من المطبوع، ذكرت مواضع كسر الهمزة ومنها «بعد ألا وأيا من حروف التنبيه» والصواب «ألا وأما». ج - وفي الصفحة 238 حديث عن أوزان ألف التأنيث المقصورة والممدودة، نصه «ومنها فعلى بضم الفاء وفتح العين ...» والصواب «فعلاء» بالمد، بدليل تمثيله بنفساء وعشراء ومثلها «فعلى بفتح الفاء وسكون العين وفتح اللام» والصواب «فعلاء»
بدليل تمثيله - بعد - بحمراء. د - وورد في الصفحة 470 حديث أبي الفداء عن إبدال الميم من النون إبدالا غير مطرد كما في نحو: الشنب والعنب فقال: لأن النون تقوى بالحركة فلا يبدل منها لكن «جاز» ذلك في قول الشاعر: يا هال ذات ... والصواب: «لكن جاء ذلك» بدليل أنه قال بعد ذلك «وجاء أيضا: طامه الله على الخير». هـ - وفي الصفحة 503 ذكر اعتلال ديار ورياح وفيه «لأن الجمع يعل لاعتلال الواو كما يعل المصدر لاعتلال الفعل» والصواب «لأن الجمع يعل لاعتلال الواحد». و- وفي الصفحة 459 ذكر لنون إذن نصه «ولم تجر نون غزوان مجراها في ذلك لكون إذن مشابهة للاسم دونهما» والصواب «نون عن وان». ز - وفي الصفحة 570 حديث عن زيادة الواو، نصه «ومنه أنهم زادوا في أولئك واوا للفرق بينه وبين إليك وأجرى أولا على أولئك في زيادة الواو» والصواب «وأجرى أولاء على أولئك» هذا كله بعض من الأخطاء التي تتصل بالنص المحقق. ولننتقل إلى النوع الثاني من الأخطاء تلك التي وقفنا عليها في خدمتهم لهذا النص، وهي أخطاء لا يقع فيها صغار الطلبة بله «نخبة متميزة من الباحثين» وهي على قسمين: الأولى: تتصل بالآيات القرآنية الكريمة. الثانية: تتعلق بالأشعار وغير ذلك. أما الآيات القرآنية فقد أهملوا نسبة بعضها إلى سورها، وأغفلوا تحديد أرقامها في هذه السور وهذا جدول صغير بذلك: الآية رقم الصفحة في الكتاب المطبوع في قطر قِسْمَةٌ ضِيزى 510 وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيراً 519 وَجَبَتْ جُنُوبُها 546 إِذْ جاؤُكُمْ 546
إِنَّما إِلهُكُمُ اللَّهُ 567 أَصْطَفَى الْبَناتِ 573 ومما يتصل بهذا الجانب ما وقفت عليه في الصفحة 554 إذ قال أبو الفداء ما لفظه: «كما قرأ بعضهم مردفين بضم الراء إتباعا لضمة الميم». فأغفل المحققون عزو الآية إلى سورتها، وتوثيق قراءتها ولأنهم مشغولون بالسرقة، وما يتبعها من لفّ ودوران جعلوا الآية الواحدة، آيتين من سورتين مختلفتين، ففي الصفحة 424 قال أبو الفداء: واعلم أن هو وهي إذا اتصلتا بالواو أو الفاء ... جاز إسكانهما ... فمثال التسكين مع الواو قوله تعالى: وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ،* ومع الفاء فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ وفي الهامش جعلوا فَهُوَ يُخْلِفُهُ من الآية 39 من سورة سبأ، وجعلوا وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ من الآية 72 من سورة المؤمنون، لم وزعتم الآية على سورتين، ألم تروها كلها في سبأ 39، إنكم شطار في لعبة السرقات، ومهرة في توزيع الأدوار أيضا ... ب - أما الأشعار وما يتصل بها من تخريج وتوثيق فقد وقفنا منها على ما يأتي: 1 - أنهم في الصفحة 475، الهامش (1) قالوا في تخريج البيت: وقد رابني قولها: يا هناه «إن قائله مجهول ثم ذكروا لتخريجه مصدرا واحدا هو «شرح المفصل، 10/ 42 - 43» وبعد رجوعي إلى المصدر المذكور وجدت أن ابن يعيش قد نسبه إلى امرئ القيس، وقلت: لعلّ النخبة قد خطفته من معجم الشواهد العربية للأستاذ عبد السّلام هارون - رحمه الله تعالى - وفوجئت بأن الرجل يرحمه الله في الصفحة 136 قد نسبه إلى امرئ القيس أيضا، مما يدل على أن الفئة لا تتورّع عن الكذب والغش. 2 - في الصفحة 397 نقل أبو الفداء رأي الأخفش في صيغة «فعل» فقال: وأجازه الأخفش متمسكا بدئل اسم قبيلة، وضعت النخبة المتميزة إحالة وقالوا في الهامش (5) ما نصه وأنشد الأخفش لكعب بن مالك الأنصاري: جاؤوا بجيش لو قيس معرسه … ما كان إلا كمعرس الدّئل
انظر شرح الأشموني، 2/ 546 نظرنا في هذا المرجع وفق الطبعة المثبتة عندهم في قائمة المصادر فلم نظفر بالبيت، ولم نجد إشارة إلى إنشاد الأخفش، بل إن رقم الصفحة في المصدر المذكور لم يصل إلى 546؟؟ 3 - في الصفحة 556 خرجوا الرجز: تنحي على الشوك جرازا مقضبا وسجلوا في الهامش ما نصه: «قائله أبو حكاك، ونسبه لأبي حكاك ابن يعيش في شرح المفصل، 1/ 49» والحقّ أن ابن يعيش لم ينسبه أيّها المدلّسون. 4 - أيضا في الصفحة 356 خرجوا بيت النابغة: ما إن أتيت بشيء أنت تكرهه … ........ البيت فقالوا في الهامش (3): البيت في البحر البسيط، وروي في الخصائص، 1/ 43، المختار من شعر بشار 248. ورجعت إلى الخصائص، 1/ 43 فلم أجد البيت، بل وجدت فيه: ودّعته بدموعي يوم فارقني … ولم أطق جزعا للبين مدّ يدي وفي الهامش (8) قال الأستاذ النجار - رحمه الله - هذا البيت أول ثلاثة أبيات في المختار من شعر بشار 248، علمت حينئذ أن القوم نظروا في فهرس الخصائص، فوجدوا في قافية الدال (يدي) فخطفوها، ثم أعمى الله بصيرتهم فنقلوا من هامش الخصائص: المختار من شعر بشار، وسقط المختار من ثبت مصادرهم، ولم يرجعوا إلى ديوان النابغة مع أنه مثبت في قائمة مصادرهم فنعم صنيع النخبة المتميزة. 5 - في الصفحة 330 خرجوا بيت امرئ القيس: فقالت يمين الله مالك حيلة وسجلوا في الهامش (3) ما نصه: البيت من البحر الطويل، وروي في ديوانه ص: 14، والمقتضب 27، وتمامه: وما إن أرى عنك العماية تنجلي هكذا ذكروا المقتضب من غير جزء، فرجعت إلى فهارس الشيخ عضيمة -
رحمه الله - للمقتضب فلم أجد هذا البيت البتّة، ثم نظرت في معجم الشواهد فوجدت أن الأستاذ عبد السّلام هارون، - رحمه الله - قد رمز له ب (ق) 27، فتبينت من ذلك أنهم قد ظنوا أن الرمز (ق) هو المقتضب، ولم يفطنوا أن المراد منه هو المقرب، وهو - حقا - موجود في المقرب والنكتة أن الأستاذ هارون - رحمه الله - قد اعتمد على مخطوطة في دار الكتب، في حين أنهم اعتمدوا على المطبوعة المحققة من قبل الجواري والجبوري والظاهر أن المحقّق أجنبي، والمراجع نائم، وهم بعد ذلك كله نخبة متميزة من الأساتذة الباحثين كما ورد في مقدمتهم. 6 - خرجوا في الهامش (3) من الصفحة 516 البيت: ألم يأتيك والأنباء تنمي فقالوا: ونسبه إليه - أي إلى قيس بن زهير - صاحب المغني، 1/ 188 والحق أن صاحب المغني لم ينسبه. 7 - وفي الهامش (2)، من الصفحة 418 قالوا عن بيتي المثقب العبدي: وما أدري إذا يممت أرضا … ... أألخير الذي أنا أبتغيه … ... ما نصه «إن البيتين مرويان في المغني، 1/ 69» ولن يجد القارئ هذين البيتين في المغني. 8 - وفي الصفحة 416 خرجوا قول الشاعر: حزق إذا ما القوم أبدوا فكاهة فنصوا في الهامش (2) على أنه لجامع بن عمرو، وسردوا في الهامش (4) مصدرين فقط روي البيت فيهما هما شرح المفصل، 9/ 118 والهمع، 1/ 155 وهذان المصدران لم ينسبا البيت إلى قائله أيضا. 9 - في الصفحة 473 ورد ما نصه «ومما أبدلت فيه التاء من السين قول الشاعر عمرو بن يربوع: شرار النات وفي الهامش قالوا: «ويروى أيضا لعلباء بن أرقم اليشكري» والظاهر أن الذي
استأجروه جاهل، جعل الشاعر هو عمرو بن يربوع، وهو متأكد من ذلك، لذلك قال: ويروى «أيضا» والظاهر أيضا أن المراجع قد فطن إلى هذا الخلط العجيب فحاول استدراك ذلك فقال في الهامش نقلا عن شرح شواهد الشافية «وهي هجاء لبني عمرو بن يربوع» ولا نعلم فلعل المراجع يريد أن الشاعر هو عمرو، والرجل يهجو قومه ... لن نستبعد شيئا يخطر بالبال من كثرة ما رأينا من فساد وخلط واضطراب عند «النخبة المتميزة»، غير أن المراجع قد وقع في غفلة أخرى حين لم يذكر لنا رقم الجزء ورقم الصفحة في شرح الشواهد، وأحسب أن هذا المصدر قد سقط من قائمة مصادرهم، لذا أعتقد أنه استدرك استدراكا أرادوا أن يقوموا ميلا واضحا ويستروا سوأة مكشوفة، ولكن هيهات هيهات فقد اتسع الخرق على الراقع. 10 - وفي الصفحة 558 جعلوا بيتا شعريا كلاما نثريا، وهو بيت تعليمي في أوائله الحروف التي تدغم فيها التاء وهو: سرى طيف دعد زائرا ذا ضنى … ثوى شفى ظمأ جودا صفا فتعطفا فذكر عندهم على أنه كلام نثري، والعجيب أن أبا الفداء صدّره بالقول «وتجمعها أوائل كلام هذا البيت وهو»، ثم ذكر البيت. 11 - في الهامش (1) من الصفحة (64) نسبوا البيت: لعزة موحشا طلل … يلوح كأنه خلل لكثير عزة، ولم يرجعوا إلى ديوانه مع أنه مثبت في قائمة مصادرهم وفي الهامش (4) من الصفحة 369 لم يخرجوا الرجز: وقاتم الأعماق خاوي المخترق من ديوان رؤبة مع ذكرهم له في المصادر. وأخيرا فقد أحصيت لهم أكثر من 16 مصدرا سقطت من قائمة مصادرهم أذكر بعضا منها مع مكان ورودها في كتابهم: 1 - الأغاني 180 + 333. 2 - إرتشاف الضرب 113. 3 - الإصابة 44.
4 - إصلاح المنطق 378. 5 - التذييل والتكميل 113. 6 - ديوان ابن أحمر 294. 7 - ديوان أبي نواس 211. 8 - ديوان القطامي 292. وأترك البقية لأنهم لا يستحقون هذه الخدمة. هذا هو صنيع نخبة من السراق المفضوحين (¬1) الذين باتوا يطلبون السّترة، خَتَمَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ وَعَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُماتٍ لا يُبْصِرُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ* وأُولئِكَ فِي الْأَذَلِّينَ وإِنَّ مَعِي رَبِّي سَيَهْدِينِ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ وَكَفى بِاللَّهِ وَلِيًّا وَكَفى بِاللَّهِ نَصِيراً ... صدق الله العظيم. ¬
مخطوطات الورقة الأولى من المخطوطة (أ)
ظهر الورقة الأولى من المخطوطة (أ)
الورقة الأولى من المخطوطة أ/ ظ
الورقة الأخيرة 164 / ظ
[الباب الثانى النص المحقق] / بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الذي ليس لعلمه غاية، ولا لجوده نهاية (¬1) وصلّى الله على سيّدنا محمّد المبعوث بالهداية وعلى آله وصحبه، صلاة تنجي من الضّلالة (¬2) والغواية (¬3) وبعد: فهذا كنّاش مشتمل على عدّة كتب، الأوّل: في النحو والتصريف، الثاني: في الفقه الثّالث: في الطب الرابع: في التاريخ، الخامس: في الأخلاق والسّياسة والزهد، السادس: في الأشعار، السابع: في فنون مختلفة. ¬
الكتاب الأوّل في النحو ذكر الكلمة وأنواعها (¬1) الكلمة لفظ موضوع مفرد، والمراد باللفظ: ما خرج من الفم حقيقة كاضرب أو حكما، كالمستكن في اضرب حرفا أو أكثر. والوضع: تخصيص لفظ بمعنى كرجل بمذكّر إنسان. والمفرد: ما لم يقصد بجزء لفظه الدلالة على جزء معناه كزيد مثلا. والكلمة جنس تحته ثلاثة أنواع: اسم وفعل وحرف، لأنّها إن لم تدلّ على معنى في نفسها أي لا تستقل الكلمة بالدلالة على معناها الإفرادي إلا بانضمام متعلقها إليها فهي الحرف كقد وهل، وإن دلّت على معنى في نفسها مقترن بأحد الأزمنة الثلاثة فهي الفعل كقام يقوم، وإن دلّت على معنى في نفسها غير مقترن بأحد الأزمنة الثلاثة فهي الاسم، كالصّبوح والغبوق (¬2)، فإنّه وإن دلّ على زمان لكنّه غير معيّن من الثّلاثة، لأنّ الشرب بكرة مثلا ليس بماض ولا حال ولا مستقبل (¬3) والاسم يكون مسندا ومسندا إليه، والفعل يكون مسندا ولا يكون مسندا إليه، والحرف لا يكون مسندا ولا مسندا إليه. والحدّ: معرّف شامل لكلّ فرد من أفراد المعرّف فقط (¬4) والحدود في النحو ¬
إنّما هي للألفاظ باعتبار معناها الحقيقي، وماهيات الكلم اعتبارية (¬1) ولذلك جاز أن تكون فصولها عدمية. ذكر الكلام (¬2) الكلام ما تضمّن كلمتين أسندت إحداهما إلى الأخرى وقد خرج بقولنا أسندت إحداهما إلى الأخرى: ما ليس كذلك مثل: غلام زيد، فإنه كلمتان وليس بكلام لعدم الإسناد، إذ الإسناد نسبة أحد الجزأين إلى الآخر على وجه يحسن السكوت عليه. والكلام قسمان: ليس إلّا اسم واسم، واسم وفعل (¬3) وأمّا الاسم والحرف فلا يكون كلاما، لأنّ الحرف لا يكون حكما ولا محكوما عليه، وكذلك لا يكون الفعل والفعل كلاما لفقد المحكوم عليه، والفعل والحرف أبعد (¬4)، والحرف والحرف أبعد وأما نحو: يا زيد، فإنّه مؤوّل بأدعو أو أريد، والكلام المركّب من اسمين يقال له: الجملة الاسميّة نحو: زيد كاتب، والمركّب من فعل واسم يقال له: الجملة الفعليّة نحو: قام زيد (¬5). ¬
القسم الأول في الاسم
القسم الأول في الاسم (¬1) [ذكر تقسيم للاسم] وهو ما دلّ على معنى في نفسه غير مقترن بأحد الأزمنة الثلاثة وله خصائص، منها: النّعت لأنّه (¬2) حكم في المعنى على المنعوت، ومنها: التصغير لأنّه في معنى النّعت ومنها: تنوين التمكين، والتنكير، لدلالة الأوّل على أنّ المنوّن به غير مشبّه بالفعل، ولا يكون إلّا في الاسم، وأما الثاني: فلأنّ الفعل وضعه للتنكير فلا يحتاج إلى تنوين تنكير فوجب اختصاصه بالاسم (¬3) ومنها: التثنية والجمع لأنّ الفعل/ لا يثنّى ولا يجمع على ما سنذكره إن شاء الله عند ذكر الفعل المضارع. واعلم أنّ الاسم يكون، علما، ومتواطئا، ومشتركا، ومشكّكا ومنقولا وحقيقة، ومجازا، أما العلم فسيذكر في بابه (¬4) وأمّا المتواطئ: فهو الذي يكون معناه واحدا كلّيا حاصلا في الأفراد الذّهنية والخارجيّة على السّويّة كالحيوان الواقع على الإنسان والفرس، وكالإنسان الواقع على زيد وعمرو (¬5). وأمّا المشترك: فهو الذي يكون معناه أكثر من واحد ووضعه بإزاء تلك المعاني على السويّة كالعين بالقياس إلى الفوارة والباصرة (¬6) وقد يطلق على الضّدين كالقرء للطهر والحيض (¬7). ¬
ذكر تقسيم آخر للاسم
وأمّا المشكّك: فهو الذي معناه واحد، لكنّ حصوله في بعض أفراده أولى وأقدم من البعض الآخر، كالموجود بالقياس إلى الواجب لذاته، والممكن لذاته، فإنّ إطلاقه على الواجب لذاته أولى وأقدم وكالبياض بالقياس إلى الثلج والعاج، فإنّ إطلاقه على الثّلج أولى؛ لأنّ البياض فيه أقوى (¬1) وسميّ مشكّكا لمشابهته المتواطئ من وجه وهو كونه موضوعا لمعنى واحد كليّ، والمشترك من وجه وهو كون حصوله في أفراده على وجه الاختلاف فيشكّك الناظر في أنه متواطئ أو مشترك. وأما المنقول: فهو أن يكون وضع لشيء ثمّ نقل إلى غيره بسبب اشتراك المعنيين أو مناسبة أخرى بحيث يترك استعماله فيما وضع له أولا كالدّابة - فإنّها وضعت لكلّ ما يدبّ على الأرض ثمّ نقلها العرف العامّ إلى الفرس والحمار، - وكالصّلاة فإنّها وضعت للدّعاء ثمّ نقلها الشّرع إلى هذه العبادة (¬2). وأما الحقيقة والمجاز: فاعلم أنّ الاسم متى وضع لشيء ثمّ نقل لغيره بسبب اشتراك بين المعنيين أو مناسبة أخرى ولم يترك استعماله فيما وضع له أولا، فإنّه بالنسبة إلى المنقول عنه حقيقة. وبالنسبة إلى المنقول إليه مجاز؛ كالأسد بالقياس إلى الحيوان المفترس، والرجل الشجاع، فإنه وضع للحيوان المفترس فهو حقيقة بالنسبة إليه ثمّ نقل إلى الرجل الشجاع لاشتراكهما في الشجاعة فهو مجاز بالنسبة إليه (¬3)، وأمّا الأسماء المترادفة فهي المتفقة حدا المختلفة لفظا، كالخمر والعقار والليث والأسد (¬4). ذكر تقسيم آخر للاسم (¬5) [تقسيمه الى المعرب والمبنى] وهو ينقسم أيضا إلى معرب ومبنيّ، وأصل الأسماء أن تكون معربة ولذلك ¬
المعرب
يقال في الاسم المبني: لم بني؟ ولا يقال في المعرب: لم أعرب (¬1) ومن هنا نذكر الاسم المعرب حتى ينتهي ثم نذكر المبني. [المعرب] [تعريف المعرب] والمعرب هو الاسم المركّب الّذي لم يشبه مبنيّ الأصل لأنّه لا يستحق الاسم الإعراب إلّا بعد التركيب لتتبيّن المعاني الحاصلة فيه بالتركيب، وهي الفاعلية، والمفعولية والإضافة، لأنّك إذا قلت: ما أحسن زيد، ورفعت علمت الفاعلية، وإن نصبت علمت المفعولية، وإن خفضت علمت (¬2) الإضافة، فتكون في الفاعل منفيا، وفي المفعول مثبتا له الحسن، وفي الخفض مع رفع أحسن مستخبرا عن الأحسن منه، ولو ذكرت/ الكلمات من غير تركيب لم يكن إعراب (¬3)، كقولك: واحد، اثنان، ونحو ذلك مما تعدّده تعديدا من غير إسناد (¬4)، وأمّا إذا عطفت أسماء الأعداد بعضها على بعض، كقولك: واحد واثنان وثلاثة، فإنّها تكون حينئذ مركّبة معربة واحترز بقوله لم يشبه مبنيّ الأصل (¬5) عن المانع من الإعراب مع وجود سببه الذي هو التركيب فإنّ مشابهة مبني الأصل تمنع من الإعراب وإن وجد التركيب (¬6)، والمراد بمبنيّ الأصل، الحرف والفعل الماضي، وفعل الأمر للمخاطب، فإنّ الاسم إذا شابه أحدها بني، فمشابهة الحرف نحو: من أبوك؟ ومشابهة الفعل الماضي نحو: أفّ، أي تضجّرت، ومشابهة فعل الأمر نحو: حيّ أي أقبل، والاسم المعرب المذكور يختلف آخره لفظا أو تقديرا لاختلاف العوامل (¬7). [بيان الإعراب] والإعراب: هو الحركات والحروف التي يختلف الآخر بها من الضمة والفتحة والكسرة، والألف والواو والياء. وأنواع الإعراب ثلاثة: (¬8) رفع ونصب وجرّ، فالرّفع علم الفاعلية، أي للفاعل ¬
ذكر تقسيم للمعرب
وما أشبه الفاعل، والنصب علم المفعوليّة أي للمفعول وما أشبه المفعول، والجرّ لا يكون إلّا علم الإضافة (¬1). [ذكر تقسيم للمعرب] ذكر تقسيم آخر للمعرب والمعرب ستة أقسام، ثلاثة بالحركات وثلاثة بالحروف، أمّا الثلاثة الّتي بالحركات فالأوّل: المفرد، والجمع المكسّر المنصرفان، والثاني: جمع المؤنّث السالم، والثالث: الاسم الذي هو غير منصرف، وأمّا الثّلاثة التي هي بالحروف، فالأوّل: الأسماء الستة، والثاني: المثنّى، والثّالث: جمع المذكّر السالم. ذكر إعراب الاسم المفرد، والجمع المكسّر المنصرفين (¬2) كلّ اسم مفرد منصرف وجمع مكسّر منصرف، فرفعه بالضمّة ونصبه بالفتحة وخفضه بالكسرة، وإنّما أعرب هذا القسم بالحركات الثلاث لأنّه الأصل في الإعراب ولم يمنع مانع منه. ذكر إعراب جمع المؤنّث الصحيح (¬3) كلّ جمع مؤنّث سالم فرفعه بالضمّة، ونصبه وخفضه بالكسرة، وإنّما أعرب بالكسر في النّصب والجر معا لأنّ جمع المذكّر السّالم حمل فيه النّصب على الجرّ، فلم يجعل للمؤنّث على المذكّر مزيّة، فحمل فيه النّصب على الجرّ. ذكر إعراب الاسم الغير (¬4) المنصرف (¬5) كلّ اسم غير منصرف مفردا كان أو مجموعا جمع تكسير، فرفعه بالضّمة ونصبه ¬
ذكر إعراب الأسماء الستة
وخفضه بالفتحة، وإنّما نقص الكسرة لأنّه أشبه الفعل بالعلّتين الفرعيتين على ما سنذكره، فقطع عمّا ليس في الفعل وأعرب بالفتح في موضع الجرّ. ذكر إعراب الأسماء الستة (¬1) وهي: أخوك وأبوك وحموك وذو مال، وفوك وهنوك، إذا أضيفت إلى غير ياء المتكلّم فرفعها بالواو ونصبها بالألف وخفضها بالياء (¬2)، بشرط أن لا تكون مصغّرة، ولا مكسّرة (¬3) وإنّما أعربت هذه الأسماء بالحروف لأنّها لمّا كانت أمورا إضافية نسبية يتوقّف فهم معناها على غيرها، أشبهت/ التثنية والجمع في الكثرة فكانت فرعا على الواحد، فجعل إعرابها فرعا على إعراب الواحد (¬4) والأصل في إعراب الواحد أن يكون بالحركات، والإعراب بالحروف فرع عليه، فجعل إعراب هذه الأسماء بالحروف مع أنّ أواخرها حروف تقبل أن تتغيّر بتغيّر العامل (¬5). ذكر إعراب المثنّى (¬6) المثنّى رفعه بالألف ونصبه وخفضه بالياء، وكذلك إعراب اثنين وكلا، إذا أضيف إلى مضمر، وإنّما خصّصناهما بالذكر لأنّ المثنّى، اسم زيد عليه ألف ونون أو ياء ونون، ليدلّ على أنّ معه مثله من جنسه، وليس اثنان كذلك لأنّ «اثن» ليس موضوعا لشيء، بل اثنان اسم موضوع لمفردين فأعرب كالمثنّى لموافقته إيّاه في المعنى (¬7) ولا يعرب كلا إعراب المثنّى إلّا إذا أضيف إلى مضمر، كقولك: جاءني كلاهما، ورأيت كليهما، ومررت بكليهما ومن العرب من يقول: كلاهما في الأحوال ¬
ذكر إعراب الجمع السالم
الثلاثة (¬1)، وأمّا إذا لم يضف إلى مضمر فهو كعصا، تقول: جاءني كلا الرّجلين ورأيت كلا الرجلين، ومررت بكلا الرّجلين. ذكر إعراب الجمع السّالم (¬2) كلّ جمع مذكّر سالم فرفعه بالواو ونصبه وخفضه بالياء وكذلك إعراب عشرين وأخواته، وأولو نحو: أولي العلم، وإنما أعرب المثنّى والجمع بالحروف، إمّا لما قيل في الأسماء الستّة، أو لأنّهما أكثر من الواحد (¬3) فجعل إعرابهما بشيء أكثر من إعراب الواحد، والحرف أكثر من الحركة فجعل إعرابهما بالحرف (¬4). ذكر الإعراب التقديري (¬5) الإعراب التقديريّ في كلّ ما آخره ألف، وفي كلّ ما أضيف إلى ياء المتكلّم نحو: عصا، وغلامي، في الرفع والنّصب والجرّ، وفي كلّ اسم منقوص في حال رفعه وجره خاصة. والمنقوص: هو ما في آخره ياء خفيفة قبلها كسرة نحو: القاضي، واحترز بالخفيفة (¬6)، عن الياء الثقيلة في نحو: كرسيّ، وبقوله: قبلها كسرة، من الياء التي قبلها ساكن نحو: ظبي، فإنّ هذين القسمين من المعرب بالحركات الثلاث. وإنّما أعرب المنقوص في الرفع والجرّ تقديرا لاستثقال الضمة والكسرة على الياء (¬7) فإن كان المنقوص منوّنا حذفت الياء لالتقاء الساكنين نحو: قاض، وإلّا ثبتت (¬8) ساكنة ¬
ذكر ما لا ينصرف
نحو: القاضي، ويعرب في النصب لفظا بالفتحة لخفّتها، تقول: هذا قاض، ومررت بقاض، ورأيت قاضيا. وأمّا نحو: مسلميّ، وهو كلّ جمع لمذكر سالم أضيف إلى ياء المتكلّم فإنه يعرب في الرفع تقديرا بالواو، فإنّك حذفت نون مسلمون للإضافة بقي مسلموي، اجتمعت الواو والياء وسبقت إحداهما بالسكون فقلبت الواو ياء، وأدغمت الياء في الياء، وكسر ما قبل الياء، حيث كان مضموما، بقي مسلميّ، ومصطفيّ، كذلك إلّا أنّ ما قبل الياء بقي مفتوحا (¬1). ذكر ما لا ينصرف (¬2) غير المنصرف ما فيه علتان من تسع أو واحدة منها تقوم مقامها، وهي: العدل والتأنيث/ والجمع والمعرفة والعجمة ووزن (¬3) الفعل والصفة والألف والنون الزائدتان، والتركيب، والذي يقوم منها مقام علّتين (¬4): الجمع وألفا التأنيث، وإنّما يكون الجمع كذلك إذا كان على صيغة منتهى الجموع على ما سيأتي، وأمّا ألفا التأنيث فلأنّهما لمّا كانتا (¬5) لا تنفكان عن الاسم نزّل لزومهما منزلة تأنيث ثان، وإنّما كانت هذه الأسباب فروعا لأنّ أصل الاسم أن يكون مفردا مذكرا نكرة عربيّ الوضع غير وصف ولا مزيد فيه ولا معدول ولا خارج عن أوزان الآحاد ولا مواطئ للفعل في وزنه، فنقائض هذه التسعة فروع، ولنذكر (¬6) لفرعيتها زيادة شرح. أمّا كون التعريف فرعا فلأنّ التنكير سابق عليه، فالنكرة كالعام، والمعرفة كالخاص، والعامّ سابق على الخاص لأنّ الخاصّ يتميّز عن العام بأمر زائد، والزيادة فرع (¬7) وأمّا التأنيث، ففرع على التذكير إذ كلّ معيّن يصدق عليه أنه «شيء» ومعلوم ¬
ومذكور، وهذه أسماء مذكرة فإذا عرف أنّ مسمّياتها مؤنثة وضع لها أسماء أو علامات دالّة على تأنيثها (¬1)، وأمّا العدل ففرع على المعدول عنه لتوقّفه عليه، وأمّا العجمة ففرع على العربي إذ هي دخيلة في كلامهم، وأمّا التركيب ففرع على الإفراد لتوقّفه على المفردين، وأمّا وزن الفعل ففرع على وزن الاسم في الاسم، وأما الألف والنون المزيدتان ففرع على المزيد عليه، لأنّ الزائد يتوقّف على تحقق المزيد عليه، وأمّا الوصف ففرع على الموصوف لأنّه تابع للموصوف، وأمّا الجمع ففرع على الواحد لتوقّفه على الإفراد (¬2). فقد تبيّن أنّ هذه العلل فروع فإذا اجتمع منها في الاسم سببان مؤثّران صار جانب الاسميّة مغلوبا بجانب الفرعية، لأنّ الاثنين يغلبان الواحد كما قيل: فضعيفان يغلبان قويّا (¬3) فيشبه الاسم بهما الفعل الذي هو فرع على الاسم من جهتين، وأمّا كون الفعل فرعا على الاسم من جهتين: فلأنّه مشتق من المصدر (¬4) والمشتقّ فرع على المشتقّ منه، ولأنّ الاسم مستغن عن الفعل، والفعل غير مستغن عنه (¬5) فلما أشبه الاسم بهما الفعل قطع عمّا قطع عنه الفعل وهو تنوين الصّرف، والجرّ تابع ذهابه لذهاب التنوين عند الأكثر (¬6) ويكون في موضع الجرّ مفتوحا إذا كان الكسر في الاسم مخصوصا بالجر لو كان منصرفا، فمن ثمّ لو سمّيت امرأة قائمات كان غير منصرف وهو على ما كان عليه قبل العلّتين، لأنّ الكسر ليس مخصوصا فيه بالجر لأنه لا يقبل الفتح، وكذلك لو سمّي مؤنّث بضاربان أو ضاربون. ¬
ذكر العدل
ويجوز صرف ما لا ينصرف لضرورة الشعر وللتناسب (¬1)، والتناسب على قسمين: أحدهما: في رؤوس الآي ك/ قَوارِيرَا* الأول فإنه/ إذا صرفه نوّنه فوقف عليه بالألف، فيتناسب مع بقية رؤوس الآي. والثاني تناسب لكلمات منصرفة انضمّت إليه قَوارِيرَا* (¬2) الثاني، وك سَلاسِلَ لانضمامها إلى أَغْلالًا وَسَعِيراً (¬3) وكثر صرف هذا الجمع للتناسب حتّى ظنّ قوم (¬4) أنّ صرفه جائز في سعة الكلام، وليس بسديد (¬5). ذكر العدل (¬6) العدل ضربان: حقيقيّ وتقديريّ. فالحقيقيّ: هو ما ثبتت معرفته كأحاد وموحد، وثلاث ومثلث، وهو خروج ¬
ذكر التأنيث
عن اللّفظ والمعنى الأصليين، لأنّ معنى أحاد وموحد وثلاث ومثلث، جاء القوم واحدا واحدا، وثلاثة ثلاثة، فعدل بثلاث عن لفظ ثلاثة وعن معناه الأصلي في العدد، إلى معنى انقسام الجملة إلى هذه الصفة من الثلاثية ونحوها، والمتّفق عليه استعمال هاتين الصيغتين، إلى رباع ومربع. وأمّا ما بعد ذلك إلى تساع ومتسع ففيه خلاف (¬1)، ومن العدل الحقيقي أخر جمع أخرى وأخرى تأنيث آخر، وهو من باب أفعل التفضيل، وقياسه إذا قطع عن من والإضافة أن يستعمل باللّام فهو معدول عن الآخر وعن معناه الأصلي في التأخّر الوجودي حتى صار المذكور ثانيا (¬2) متقدّما كان في الوجود أو متأخرا (¬3). وأمّا العدل التقديري: فهو ما تتوقّف معرفته على منع صرفه فيقدّر العدل لئلا تنخرم قاعدة معلومة، وهو منع الصّرف من غير علّتين، وذلك نحو: عمر فإنّه ليس فيه علّة ظاهرة غير العلميّة، فوجب تقدير العدل على استبعاده لئلا تنخرم القاعدة، فقدّر كأنهم عدلوه في اللفظ عن: عامر، وفي المعنى عن اسم الجنس إلى العلميّة (¬4). ذكر التأنيث (¬5) وهو لفظيّ ومعنويّ، أمّا اللفظيّ: فهو ما فيه ألف التأنيث أو تاء التأنيث، أمّا الذي فيه ألف التأنيث فنحو: سكرى وحمراء وحبلى وصحراء، وامتنع من الصّرف للتأنيث، ولزوم التأنيث والمراد بلزوم التأنيث، أن ألفي التأنيث المقصورة والممدودة لا تفارقان الكلمة في جميع تصاريفها، نحو: حبلى وحبالى، وصحراء وصحارى، وفي جمع السّلامة أيضا نحو: حبليات وصحراوات، وفي النّسب نحو: حبلويّ ¬
وصحراويّ، فصار مطلق التأنيث سببا (¬1) لثقله، وصار لزومه بمنزلة سبب آخر، لثقل اللزوم أيضا فصار كأن فيه تأنيثين، وأمّا الذي فيه تاء التأنيث نحو: طلحة فشرطه العلمية لأنّ التأنيث بالعلمية يصير لازما، وتصير تاء التأنيث منه كالجزء. وأمّا التأنيث المعنويّ: فحكمه حكم التأنيث بالتاء في كون تأثيره في منع الصّرف مشروطا بالعلميّة (¬2) ولذلك يقولون: مررت بامرأة صبور وحائض، فيصرفونه لفوات العلمية، ومعنى التأنيث المعنوي، أنّ الاسم لم يوضع إلّا للمؤنّث في الأصل وشرط تحتّم/ تأثير المعنوي في منع الصرف، الزيادة على ثلاثة أحرف كزينب، أو تحرك الوسط كسقر، أو العجمة كماه (¬3) وجور (¬4)، وإنّما كان تحتّم تأثيره مشروطا بهذه الأمور، لأنّه أخفّ من المؤنث بالتاء، فيجري الحرف الرابع مجرى التاء، وسقر كذلك لتنزّل الحركة في وسطه منزلة الحرف الرابع (¬5) فإن كان المؤنّث المعنويّ ثلاثيا ساكن الحشو كهند ودعد، لم يجب منع صرفه، وجاز فيه الصّرف ومنع الصّرف (¬6) لمقاومة خفة السكون ثقل أحد السببين فإن انضمّ إلى ساكن الوسط المذكور العجمة، وجب منع صرفه نحو: ماه وجور وحمص (¬7) وبلخ (¬8) لمقاومة التأنيث أو العجمة السكون، فيبقى سببان لا معارض لواحد منهما فيمتنع للعلميّة والتأنيث المقوّى بالعجمة (¬9) والمؤنّث المعنويّ إذا سمّيت به مذكرا فإن لم يكن على أكثر من ثلاثة أحرف صرفته نحو: سقر، وإن كان على أكثر من ثلاثة نحو: عقرب امتنع من الصّرف لأنّ الحرف الزائد على ثلاثة ينزّل منزلة تاء التأنيث (¬10). ¬
ذكر الجمع
ذكر الجمع (¬1) شرط الجمع أن يكون على صيغة منتهى الجموع بغير تاء التأنيث، وهو كلّ جمع ثالثه ألف بعدها إمّا حرفان؛ كمساجد أو ثلاثة أوسطها ساكن كمصابيح، أو حرف مشدّد كدوابّ، وأمّا إذا كان فيه الهاء كفرازنة فإنّه يخرج عن صيغة منتهى الجموع ويصير على زنة المفرد، ككراهية وطواعية (¬2)، فإذا جعل هذا الجمع علما كحضاجر علما للضّبع (¬3) فالأكثر يمنعونه الصّرف اعتبارا لصيغة منتهى الجموع وبعضهم لا يعتبر ذلك فيصرفه (¬4) وأمّا سراويل وهو اسم جنس، إذا لم يصرف وهو الأكثر، فإنّه لا يسوغ أن يقال فيه: إنّه منقول عن الجمع كما يقال في حضاجر علما للضّبع لأنّ النّقل كثر في الأعلام بخلاف أسماء الأجناس، ولكن يقدّر جمعا لسروالة ثمّ نقل اسما لمفرده فبقي على ما كان عليه من منع الصرف كما قيل في حضاجر (¬5)، وأمّا نحو: جوار وغواش من الجمع الذي آخره ياء قبلها كسرة فإنّ سيبويه (¬6) والخليل (¬7) قالا: (¬8) إنّ هذا الجمع ثقّل فلزم فيه حذف الياء في حالتي الرفع والجرّ لأنّ ذلك موضع الإعلال (¬9) وجرى في حال الفتح مجرى الصحيح لخفّة الفتح، فلمّا حذفت الياء نقصت الكلمة عن المثال الممنوع من الصرف فجاء التنوين فكان بدلا من ¬
الياء، وقال المبرد: (¬1) إنّ التنوين جاء (¬2) بدلا من الحركة التي كانت على الياء وعوضا منها، وليس بعلم للصرف فلما جاء كذلك حذفت الياء لالتقاء الساكنين، كما حذفت في قاض (¬3) والتنوين على المذهبين للعوض لا للصّرف، فلا يقال على هذا: إنّه منصرف في حال الرفع والجر (¬4) وقوله في المفصّل: بأنّه في الرفع والجر كقاض (¬5)» هو مذهب المبرّد، وهو أنّ الياء استثقلت عليها حركة الرفع والجر/ فحذفت الحركة فبقى جواري ساكن الياء ثمّ دخل التنوين عوضا من الحركة فالتقى ساكنان الياء والتنوين فحذفت الياء وقال يونس (¬6)، وأبو زيد (¬7) والكسائيّ (¬8)، بالفتح في جواري في حال الجر (¬9)، فقالوا: مررت بجواري كما يقال: رأيت جواري من أجل أنّ المجرور في باب ما لا ينصرف إنّما يكون مفتوحا قالوا وإلى هذا ذهب الفرزدق (¬10) في قوله: (¬11) فلو كان عبد الله (¬12) مولى هجوته … ولكنّ عبد الله مولى مواليا ¬
ذكر المعرفة
وهذا البيت عند من تقدّم ذكره محمول على الضرورة، وذلك أنّه اضطر إلى الحركة فأجراه مجرى الصحيح كقولك: مررت بمساجد، وذهب بعض النحاة (¬1) إلى أنّ التنوين في جوار ونحوه للصّرف لأنّه للحذف الذي نابه في الحالين نقص عن بناء ما لا ينصرف وصار بمنزلة رباع. ذكر المعرفة (¬2) شرط المعرفة العلميّة للزومها الاسم بسبب (¬3) الوضع، ولأنّ المعارف خمس اثنان منها مبنيان، وهما المضمرات والمبهمات واثنان منها باللام والإضافة وهما لا يلزمان الاسم، وأيضا يجعلان الاسم منصرفا، أو في حكم المنصرف (¬4) فتعيّن التعريف العلميّ، وقد اعتبر قوم التعريف باللام المقدّرة في نحو: سحر بعينه فإنّه لا ينصرف للتعريف والعدل عن السحر، فتعريفه ليس إلّا باللام التي عدل عنها كأخر (¬5). ذكر العجمة (¬6) شرط العجمة العلميّة في كلام العجم حتى لو جعل العجميّ غير العلم نحو: ديباج، علما في كلام العرب لم يعتدّ بعجمته وكان منصرفا، لأنّ العجميّ الذي هو اسم جنس يتوغل في كلام العرب بقبول (¬7) لام التعريف وغيرها، فتضعف عجمته بخلاف العلم في العجميّة، ويشترط للعلم الأعجميّ في منع الصّرف أن يكون أكثر من ثلاثة أحرف عند سيبويه (¬8)، وقال قوم: شرطه إمّا الزيادة على الثلاثة أو تحرّك ¬
ذكر وزن الفعل
الوسط (¬1)، فنوح ولوط منصرفان، لفقد شرط منع الصرف، لأنّ عجمتهما غير مؤثّرة، لانتفاء شرطها، وهو الزيادة على ثلاثة، أو تحرّك الوسط فتبقى العلميّة وحدها فلا تؤثّر بخلاف ماه وجور للعلميّة والتأنيث المقوّى بالعجمة (¬2). ذكر وزن الفعل (¬3) شرط وزن الفعل المانع من الصرف أحد أمرين: أحدهما: أن يختصّ بالفعل ولا يوجد في الاسم، إلّا أن يكون منقولا إلى الاسم العلم: كضرب وشمّر واحمرّ واستخرج واخشوشن وما أشبه ذلك، أو يكون أعجميا كبقّم (¬4) ولا يؤثّر هذا الضرب في منع الصرف إلا مع العلمية. وثانيهما: أن يكون في أوله زيادة كزيادة الفعل، أي يكون أوله حرفا من حروف نأيت نحو: أفعل ونفعل وتفعل ويفعل ثمّ هذا الضرب الثاني، إمّا أن يكون صفة أو غير/ صفة، فإن كان صفة فشرطه: أن يكون غير قابل (¬5) للتاء، نحو: أحمر فإنّه لا يقال فيه: أحمرة فيمتنع من الصّرف للصفة ووزن الفعل، وينصرف نحو: يعمل، إذا لم يكن علما، لقبوله تاء التأنيث الحقيقي، لقولهم: ناقة يعملة (¬6) فإن سمّي به لم ينصرف لأنه حينئذ غير قابل للتاء (¬7) وإن كان غير صفة نحو: أرنب وأفكل، فشرطه العلميّة، وأمّا أفكل على وزن أفعل، اسم للرّعدة فيقال: أخذه أفكل، إذا ارتعد (¬8) فحينئذ، وزن الفعل الذي هو صفة نحو: أحمر، ممتنع لوزن الفعل والصّفة، ووزن الفعل غير الصّفة ممتنع للعلميّة ووزن الفعل (¬9) واعلم أنّه يشترط في الضّرب الأول؛ ¬
ذكر الوصف
أعني الوزن المختصّ بالفعل نحو: ضرب وشمّر، أن لا يعلّ (¬1) نحو: قيل، ولا يدغم نحو: ردّ، فإنّ ذلك منصرف، ولو كان علما لوجود نظير وزنه في الاسم نحو: قيل، ومدّ (¬2) ومما يمنع للصفة ووزن الفعل، أفعل التفضيل، كأفضل منك فإنّه يمنع من الصّرف لما قيل في أحمر. ذكر الوصف (¬3) شرط الوصف أن يكون صفة في الأصل بمعنى أنه وضع للوصف، واستعمل فيه فلا يضرّ إن صار اسما وخرج عن الوصفية، ولذلك امتنع أسود (¬4) وأرقم (¬5) اسما للحيّة، وأدهم للقيد (¬6) فإنّها لمّا كانت في الأصل صفة ثم خرجت عن الصفة وصارت اسما لما ذكر لم يضرّ ذلك، وامتنع صرفها للصّفة الأصليّة (¬7) وأمّا إذا لم يكن في الأصل صفة ثم طرأت عليه الوصفيّة فلا اعتبار به في منع الصّرف، ولذلك انصرف أربع في قولك: مررت بنسوة أربع، لأنّ أربعا من أسماء الأعداد، وليس بصفة في الأصل، فلمّا استعمل صفة للنسوة لم تعتبر الوصفية في منع الصرف، وأمّا أفعى: للحيّة، وأخيل: لطائر (¬8) وأجدل للصقر (¬9) فمنصرف عند الفصحاء لأنها ليست في الأصل صفة، وممتنع من الصّرف عند غيرهم (¬10) لتوهّم الوصفية فيها حيث كان أخيل اسما لطائر فيه خيلان، وحيث كان الجدل القوّة، والصّقر من الطيور ¬
ذكر الألف والنون
القوية، وحيث توهّم الخبث في أفعى، لأنّه الحيّة (¬1). ذكر الألف والنون (¬2) الألف والنون إن كانت في اسم غير صفة فشرطها العلميّة لأنه إذا كان علما امتنع من قبول التاء نحو: عثمان، وإنما اعتبرت (¬3) من العلل لشبهها بألفي التأنيث وإن كانت الألف والنون في اسم هو صفة، فالمعتبر فيه أن لا يكون له (فعلانة) لأنّ قبوله التاء يبعده عن شبه ألفي التأنيث، وقيل: المعتبر وجود (فعلى)، فمن شرط وجود (فعلى) صرف (رحمن)، إذ لا يقال فيه (رحمى)، ومن شرط انتفاء (فعلانة) منعه من الصّرف لحصول الشّرط وهو انتفاء (فعلانة) إذ لا يقال (رحمانة) وسكران ممتنع على القولين لوجود (فعلى) وانتفاء (فعلانة) / وندمان منصرف على القولين (¬4) لوجود ندمانة وعدم ندمى. ذكر التركيب (¬5) التركيب في الأعلام أنواع، والمعتبر منها، جعل الاسمين واحدا كبعلبك لا على جهة الإضافة كأبي بكر إذا سمّي به، ولا على جهة الإسناد كتأبّط شرّا، ولا بأن يكون الثاني صوتا أو متضمنا حرفا في الأصل نحو: سيبويه، وخمسة عشر، إذا جعل علما، أمّا الإضافة فإنها تجعل غير المنصرف في حكم المنصرف، وأما الإسناد أو كون الثاني صوتا أو متضمنا حرفا، فلأنّه موجب للبناء وغير المنصرف نوع من المعرب، فلا يستقيم أن يكون التركيب بهما مانعا من الصّرف، وشرط التركيب المعتبر العلميّة (¬6). ¬
ذكر بقية الكلام على ما لا ينصرف
ذكر بقيّة الكلام على ما لا ينصرف (¬1) كلّ ما فيه علميّة مؤثّرة إذا نكّر صرف، واحترز بقوله: مؤثّرة، عن صيغة منتهى الجموع نحو: مساجد، وعن ألفي التأنيث المقصورة والممدودة نحو: سكرى وصحراء علما، فإنّ المذكورات لم تمتنع من الصّرف للعلميّة بل لاستقلال كلّ من صيغة منتهى الجموع وألفي التأنيث بمنع الصرف (¬2)، والعلميّة المؤثّرة تارة تكون شرطا لما جامعته وهو التأنيث بالتاء، والمعنويّ والعجمة والتركيب والألف والنون في اسم غير صفة، وما في أوله زيادة من حروف نأيت كأحمد ويزيد، وتارة تكون مؤثّرة وليست شرطا وذلك في العدل ووزن الفعل، فإذا نكّر بقي الذي العلميّة شرط فيه بلا سبب، وبقي الذي ليست فيه شرطا أعني العدل ووزن الفعل على سبب واحد (¬3) وأمّا نحو: أحمر فممتنع من الصّرف (¬4) للصفة ووزن الفعل، فإذا جعل علما كان المعتبر العلميّة ووزن الفعل، فإذا نكّر فالأخفش (¬5) يصرفه (¬6) وسيبويه يمنعه الصّرف اعتبارا للصفة الأصلية (¬7) لزوال العلميّة المانعة من اعتبار الصفة، وكذلك القول في سكران وثلاث ونحوهما لو جعل علما وجميع ما لا ينصرف إذا أضيف أو دخلته الّلام كأحمدكم وعمركم والأحمر، انجرّ بالكسرة (¬8) وهل هو منصرف حينئذ أم لا؟ فيه خلاف، فمذهب سيبويه أنّه لم ينصرف، لأنّ الصرف عبارة عن التنوين، ولا تنوين مع الإضافة ولام التعريف، وذهب غيره (¬9) إلى أنه منصرف ¬
ذكر المرفوعات
لأنه بدخول اللام والإضافة بعد عن شبه الفعل. ذكر المرفوعات (¬1) المرفوع: هو ما اشتمل على علم الفاعليّة، وهي سبعة: الفاعل ثم مفعول ما لم يسمّ فاعله ثم المبتدأ ثم الخبر ثم خبر إنّ، ثم خبر لا التي لنفي الجنس، ثم اسم ما ولا المشبهّتين بليس. ذكر الفاعل (¬2) الفاعل ما أسند إليه الفعل أو شبهه وقدّم عليه على جهة قيامه به، كزيد في قام زيد، وإنما قال: ما أسند إليه الفعل، ولم يقل: اسم أسند الفعل إليه، ليدخل فيه الفاعل/ الذي هو في تأويل الاسم نحو: أعجبني أن ضربت زيدا، فأن مع الفعل، فاعل أعجبني (¬3) وليس باسم، بل في تقدير الاسم، وقوله: وقدّم عليه، يخرج نحو: زيد قام، فإنّ الفاعل هو المضمر المستتر في قام لا زيد، ولا يكون الفاعل أبدا إلّا متأخرا عن فعله وقوله: أو شبه الفعل، فيدخل نحو فاعل الصفة المشبّهة كزيد حسن وجهه، وفاعل اسم الفاعل في قولك: زيد قائم أبوه، وفاعل اسم الفعل، نحو: هيهات زيد، أي بعد، والظرف نحو: زيد عندك أبوه والجار والمجرور نحو: زيد عليه ثوب، فثوب (¬4) فاعل مرفوع بعليه، وكذلك، مررت برجل عليه ثوب وتحته بساط، فثوب وبساط فاعل مرفوع بما أسند إليه من شبه الفعل (¬5). وقوله: على جهة قيامه به، يخرج مفعول ما لم يسمّ فاعله، نحو: ضرب زيد، فإنّ الفعل قد أسند إلى زيد وقدّم عليه ولكن لا على طريقة فعل يفعل بل على طريقة ما لم يسمّ فاعله، وإنّما يحتاج إلى ذلك من أخرج مفعول ما لم يسمّ فاعله من باب الفاعل (¬6). ¬
ذكر وجوب تقديم الفاعل
والأصل في الفاعل أن يلي فعله (¬1) فإن قدّم على الفاعل غيره فهو في النية مؤخّر، فلذلك جازت مسألة ضرب غلامه زيد. وامتنع مسألة ضرب غلامه زيدا، لأنّ ضمير الغائب لا يجوز أن يعود إلى غير مذكور لفظا ولا معنى، فجاز ضرب غلامه زيد لتقدم زيد معنى، فيعود الضمير المتصل بالمفعول، في غلامه إلى زيد المتقدم معنى، وامتنع ضرب غلامه زيدا (¬2)، لأنّ الضمير لزيد، وهو متأخر لفظا ومعنى، أمّا تأخره لفظا فظاهر من المثال المذكور، وأمّا تأخره معنى، فلأنه مفعول، والمفعول متأخر معنى ولو كان مقدما لفظا (¬3). ذكر وجوب تقديم الفاعل (¬4) يجب تقديم الفاعل إذا انتفى الإعراب لفظا فيهما (¬5) والقرائن المعنويّة كضرب موسى عيسى، بخلاف أكل الكمّثرى موسى، للقرينة التي تنفي اللّبس، وكذلك يجب تقديمه إذا كان مضمرا متصلا، نحو: ضربت زيدا وضربتك، وكذلك يجب تقديمه إذا أثبت المفعول بعد النفي نحو: ما ضرب زيد إلّا عمرا ومعناه حصر مضروبيّة زيد في عمرو أي لا ضارب لزيد سوى عمرو (¬6). ذكر وجوب تقديم المفعول (¬7) يجب تقديم المفعول لفظا، وإن كان على خلاف القياس إذا أضيف الفاعل إلى ضمير المفعول كقوله تعالى: وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ (¬8). لأنّ الفاعل لو قدّم رجع الضمير إلى غير متقدّم لا لفظا ولا معنى وهو مثل: ضرب غلامه زيدا، ¬
ذكر حذف الفعل جوازا ووجوبا
ومما يجب فيه تقديم المفعول أن يكون المفعول مضمرا متّصلا والفاعل ظاهر نحو: ضربك زيد وضربني زيد، ومما يجب فيه تقديم المفعول أيضا، إن ثبت الفاعل بعد النّفي كقولك: ما ضرب عمرا إلّا زيد، أي لا ضارب/ لعمرو غير زيد، فلو قدّر ضارب آخر لم يستقم المعنى (¬1) ومنه قول الشّاعر (¬2): قد علمت سلمى وجاراتها … ما قطّر الفارس إلّا أنا ذكر حذف الفعل جوازا ووجوبا (¬3) حذف الفعل جائز وواجب، فالجائز، قولك: زيد في جواب من قال: من قام؟ ونحوه أي قام زيد (¬4) وكذلك يحذف الفعل جوازا في نحو قوله تعالى: يُسَبِّحُ لَهُ فِيها بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ رِجالٌ (¬5) فيمن قرأ بفتح الباء من يسبح (¬6) أي يسبّحه رجال، فأنت مخيّر في ذلك إن شئت حذفت الفعل لدلالة القرينة عليه، وإن شئت أظهرته لزيادة البيان. فإن قيل من قام؟ قلت: عمرو أو قام عمرو حسبما تقدم، والفعل الواجب حذفه يفسّر (¬7) بعد حذفه كقوله تعالى: وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ¬
ذكر تنازع الفعلين
اسْتَجارَكَ (¬1) لأنّ التقدير وإن استجارك أحد من المشركين، فلو ذهبت لتذكر الفعل، جمعت بين المفسّر والمفسّر وهو غير جائز (¬2). ذكر تنازع الفعلين (¬3) المراد بتنازع الفعلين أن كلّا منهما يصلح أن يكون عاملا في الظّاهر بعدهما (¬4) وتنازعهما على أربعة أقسام: الأوّل: أن يكون الأوّل على جهة الفاعليّة والثاني على جهة المفعوليّة كقولك: ضربني وأكرمت زيدا. الثاني: عكسه، كقولك: ضربت وأكرمني زيدا. الثالث: أن يكون تنازعهما على جهة المفعوليّة كقولك: ضربني وأكرمني زيد. الرابع: أن يكون تنازعهما على جهة المفعوليّة كقولك: ضربت وأكرمت زيدا (¬5). والبصريون يختارون إعمال الثاني، لأنّ المعمول كالتتمّة للعامل، فكان الثاني أولى لقربه، والكوفيون يختارون إعمال الأوّل، لأنّ السّابق أولى (¬6) فإن أعملت الثاني، والأوّل يقتضي الفاعل أضمرت الفاعل في الأوّل على وفق الظاهر، كقولك: ضربني وضربت زيدا، فتضمر في: ضربني، ضميرا وفقا لزيد، ويستتر إذا كان مفردا كما في المثال المذكور، ويظهر في التثنية والجمع كقولك: ضرباني وضربت الزيدين، وضربوني وضربت الزيدين، والكسائيّ يجيزها على حذف الفاعل فيقول: ضربني وضربت الزيدين، فلا يبرز ضمير المثنّى في ضربني لأنّ الفاعل عنده ¬
ذكر مفعول ما لم يسم فاعله
محذوف (¬1)، والفرّاء (¬2) يمنع من حذف الفاعل ومن الإضمار قبل الذّكر، ويقول إذا توجّه الفعلان إلى الظّاهر على جهة الفاعليّة مثل: قام وقعد زيد، فزيد مرفوع بهما (¬3) وهو باطل، لتعذّر أن يفعل الاسم الواحد الفعلين في حالة واحدة (¬4) وتقول: ضربني وضربت زيدا هو، فتجعل هو فاعل ضربني لصّحة رجوعه إلى زيد، لتقدّمه عليه لفظا، وإن احتاج الأوّل إلى مفعول فاحذفه، لأنّه فضلة يستغنى عنه إلّا أن يكون هو المفعول الثاني من باب ظننت، فإنّه لا يحذف كقولك: ظنّني قائما/ وظننت زيدا قائما (¬5) فلو أضمرته وقلت: علّمني إياه وعلمت زيدا منطلقا، لم يجز لأنّ المفعول لا يضمر قبل الذّكر أصلا. وإن أعملت الأوّل على اختيار الكوفيين أضمرت الفاعل في الثاني، نحو: ضربت وضرباني الزيدين، وليس ذلك إضمارا قبل الذكر، وإن احتاج الثاني إلى مفعول، فالمختار إضماره نحو: ضربني وضربته زيد، وإن عسر إضماره، أظهرته نحو: ظننت وظنّاني قائما الزيدين قائمين، لأنّك لو قلت: ظننت وظنّاني إياه الزيدين قائمين، لم يستقم لرجوع إياه وهو مفرد إلى قائمين وهو مثنّى، وإن جعلت إياه مثنّى وقلت: ظننت وظنّاني إياهما، لم يستقم أيضا، لأنّه خبر عن مفرد، وهو المفعول الأوّل في ظناني (¬6). ذكر مفعول ما لم يسمّ فاعله (¬7) هو كلّ مفعول لفعل حذف فاعله ورفع هو لإقامته مقام الفاعل، وشرط فعله إن كان ماضيا أن ينقل من فعل إلى فعل، وإن كان مستقبلا أن ينقل من يفعل إلى يفعل، عبّر ب «فعل» يفعل عن جميع الأفعال التي ذكر معها فاعلها، وب «فعل» يفعل عن ¬
جميع الأفعال التي حذف فاعلها، وصار ذلك كاللّقب لها (¬1). ولا يصحّ وقوع المفعول الثاني (¬2) من باب علمت موقع الفاعل، لأنّه مسند إلى الأوّل في المعنى فلو أسند الفعل إليه لصار مسندا، ومسندا إليه في حالة واحدة، والثالث من باب أعلمت كذلك، والمفعول له كذلك أيضا، لأنّ نصبه هو المشعر بالعلّيّة، وإقامته مقام الفاعل توجب رفعه فيتدافعان، والمفعول معه كذلك، لأنّ شرطه أن يكون مع الفاعل (¬3)، وشرط مفعول ما لم يسمّ فاعله حذف الفاعل فيتدافعان، وإذا تعدّدت المفاعيل وفيها مفعول به تعيّن أن يقام مقام الفاعل دون غيره، كزيدا في قولك: ضربت زيدا ضربا شديدا يوم الجمعة أمام الأمير في داره (¬4) خلافا للكوفيين فإنهم يجيزون إقامة غيره فيرفعونه ويبقون المفعول به الصريح منصوبا ويستدلّون بقراءة أبي جعفر المدنيّ (¬5) شيخ نافع (¬6) ويخرج (¬7) له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا (¬8) ومثله في قراءته أيضا لِيَجْزِيَ قَوْماً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ (¬9) وبقول الشاعر: (¬10) ¬
ذكر المبتدأ
ولو ولدت قفيرة جرو كلب … لسبّ بذلك الجرو الكلابا فأقام الجار والمجرور مقام الفاعل ونصب المفعول الصّريح، والبصريون يتأولون ذلك (¬1). واعلم أنّ المفاعيل إذا تعدّدت وأقمت أحدها مقام الفاعل فلك الخيار في تقديمه وتأخيره عند عدم اللّبس، فإذا التبس وجب أن يلي المقام الفعل، فقوله تعالى: وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ (¬2) المقام «يومئذ»، وإذا تعدّدت المفاعيل التي تقام مقام الفاعل ولم يكن فيها مفعول به/ رفعت ما شئت لقيامه مقام الفاعل وتركت البواقي على ما تقتضيه (¬3) والأولى؛ أن يقام المفعول الأول من باب أعطيت مقام الفاعل دون الثاني (¬4) ففي قولك: أعطيت زيدا درهما، الأولى أن يقام زيد مقام الفاعل دون الدّرهم، لأنّ زيدا عاط أي متناول ففيه معنى الفاعليّة (¬5). ذكر المبتدأ (¬6) وهو الاسم - أو المؤول به - المجرّد عن العوامل اللفظيّة مسندا إليه أو الصّفة الواقعة بعد حرف الاستفهام، أو حرف النّفي، رافعة لظاهر نحو: زيد قائم (¬7)، ¬
و «تسمع بالمعيديّ خير من أن تراه» (¬1) وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ (¬2) أي سماعك وصومكم. قوله: مجرّد عن العوامل اللفظيّة، احترز به عن أسماء إنّ وكان وما ولا المشبّهتين بليس، وعن المفعول الأوّل من باب علمت، والثاني من باب أعلمت، وعلم من احترازه عن العوامل اللفظيّة خاصة أنّه لا يحترز عن العوامل المعنويّة، فإنّ المبتدأ لم يتجرّد عنها، وقوله: مسندا إليه، احترز به عن الخبر، لأنّه مجرّد، ولكن غير مسند إليه، وعن مثل الأصوات نحو: غاق، وألفاظ العدد، وحروف التهجّي فإنّها مجرّدة ولكن ليست مسندا إليها، لأنّها غير معربة لفقد التركيب، وقوله: أو الصفة الواقعة بعد حرف الاستفهام أو حرف النفي رافعة لظاهر، إنّما أفردها بالذكر لأنّها لم تدخل في رسم المبتدأ لكونها غير مسند إليها، ولم تدخل في رسم الخبر، لأنّ فاعلها سدّ مسدّ الخبر، وذلك نحو قولك: أقائم الزيدان (¬3) وقوله: رافعة لظاهر، معناه أنّ هذه الصفة لا تقع مبتدأ إلّا بشرط أن تتجرّد عن الضمير المستكنّ فيها، لترفع الظاهر الذي بعدها، لأنّها كالفعل إذا رفع الظاهر (¬4) واحترز بقوله: رافعة لظاهر عن الرافعة للمضمر نحو: أقائمان الزيدان، وأقائمون الزيدون، فإنّ قائمان وقائمون متعيّن للخبر (¬5) لأنّ كلّا منهما رافع لضمير متّصل مستقرّ فيه لا للظّاهر الذي بعده لأنّ أقائمان وأقائمون لو كان مبتدأ، لم يثنّ ولم يجمع، لأنّ الفعل وشبهه إذا أسند إلى الظّاهر لم يثنّ ولم يجمع على مذهب الأكثر، لكن يجوز ذلك على لغة أكلوني البراغيث وهي لغة ضعيفة (¬6)، فيجوز عليها أن يقع قائمان وقائمون مبتدأ مجرّدا عن المضمر، رافعا للظّاهر الذي بعده ويكون الزيدان والزيدون فاعلا سدّ مسدّ الخبر (¬7). ¬
ذكر الخبر
واعلم أنّه قد قيل: ينبغي أن يزاد في رسم الصفة المذكورة لفظة مستغنى به فيقال: رافعة لظاهر مستغنى به، لئلا يرد النّقض بمثل: أقائم أبوه زيد، فإنّها رفعت ظاهرا وهو أبوه ومع ذلك ليست مبتدأ، فإنّ المبتدأ في المثال المذكور هو زيد، لا أبوه المرفوع بالصّفة المذكورة (¬1)، وإذا طابقت الصفة المذكورة مفردا نحو: أقائم زيد وما قائم زيد/ جاز (¬2) أن تكون الصّفة حينئذ (¬3) مبتدأ وما بعدها فاعلها، وجاز أن تكون خبرا مقدّما وما بعدها المبتدأ، وإذا كانت خبرا كان فيها ضمير مستكنّ، وإنّما خصّص مطابقتها للمفرد بذلك، لأنّها إذا طابقت مثنّى أو مجموعا نحو: أقائمان الزيدان وما قائمون الزيدون، لم يجز الأمران عند الأكثر، بل تتعين الصفة حينئذ للخبر وتكون رافعة للمضمر المستتر فيها، ويتعيّن الظاهر الذي بعدها للمبتدأ، وأما على لغة أكلوني البراغيث فلا يتعيّن ذلك، وجاز أن تكون مبتدأ وتكون حينئذ مجرّدة عن الضّمير المستتر رافعة لما بعدها حسبما تقدّمت الإشارة إليه، وقد أشكل منع الشّيخ أبي عمرو بن الحاجب (¬4) تثنية الصّفة وجمعها في هذا الباب، وتجويزه ذلك على ضعف في النّعت حيث قال الشيخ (¬5): «وحسن قام رجل قاعد غلمانه وضعف قاعدون غلمانه» فيتأمّل. ذكر الخبر (¬6) وهو المجرّد المسند به المغاير للصّفة المذكورة، قوله: المجرّد، احترز به عن ¬
ذكر أن أصل المبتدإ التقديم
خبر إنّ وكان ونحوهما، فإنّه مسند به وليس مجرّدا عن العوامل اللفظيّة، وإنما قال: المجرّد، ولم يقل: الاسم المجرّد، لأنّ خبر المبتدأ قد يكون غير اسم، وقوله: المسند به، احترز به عن المبتدإ الذي هو المسند إليه، وقوله: المغاير للصّفة المذكورة، احترز به عن الصّفة الواقعة بعد حرف الاستفهام وحرف النفي المقدّمة الذكر مع المبتدإ نحو: أقائم أخواك، والمراد بالمغايرة للصّفة المذكورة (¬1) إمّا أن لا يكون صفة ك «زيد غلامك»، أو يكون صفة ولا يكون بعد حرف النفي أو ألف الاستفهام ك «زيد قائم»، أو يكون صفة واقعة بعد أحدهما، ولا تكون رافعة لظاهر، كأقائمان الزيدان. ذكر أنّ أصل المبتدإ التقديم (¬2) الأصل أن يقدّم المبتدأ على الخبر لأنّ المبتدأ محكوم عليه وحقّ المحكوم عليه أن يكون متقدّما على المحكوم به، ومن ثمّ جاز: في داره زيد، لأنّ زيدا وإن كان متأخرا عن في داره لفظا فهو متقدّم تقديرا، وامتنع أن يقال: صاحبها في الدّار، لأنّه إضمار قبل الذكر لفظا ومعنى، لأنّ الضمير في صاحبها يعود إلى الدّار وهو متقدّم على الدّار لفظا ومعنى، أمّا لفظا فظاهر، وأمّا معنى فلأنّ صاحبها مبتدأ وحقّه أن يكون متقدّما على الخبر (¬3). ذكر وجوب تقديم المبتدأ (¬4) يجب تقديم المبتدإ إذا تضمّن معنى الإنشاء نحو: من أبوك؟ وما صناعتك؟ وكذلك إذا كان الخبر فعلا للمبتدأ نحو: زيد قام، واعلم أنه لو قال: (¬5) فعلا له مفردا لكان أولى، لئلّا يرد عليه: الزيدان قاما، والزيدون قاموا، فإنّ الفعل هنا ¬
ذكر وجوب/ تقديم الخبر
للمبتدإ، ولا يجب تقديم المبتدأ عليه بل يجوز: قاما الزيدان وقاموا الزيدون على أنّ قاما وقاموا خبران مقدّمان، ويجب التّقديم أيضا إذا استوى المبتدأ والخبر في المعنى نحو: زيد الأفضل (¬1). ذكر وجوب/ تقديم الخبر (¬2) يجب تقديم الخبر إذا تضمّن معنى الإنشاء نحو: أين زيد؟ ومتى السّفر؟ وأما إذا كان الخبر جملة نحو: زيد متى خروجه؟ فإنّه لا يجب تقديم الخبر حينئذ لكونه جملة وقد وقع الاستفهام في صدرها على بابه، وكذلك يجب تقديم الخبر إذا كان مصحّحا للمبتدإ نحو: في الدّار رجل فإنّه لو قدّم المبتدأ حصل الابتداء بالنكرة من غير تخصيص، وكذا يجب تقديمه إذا كان المبتدأ أنّ المفتوحة مع ما في حيّزها نحو: عندي أنّك قائم، وفي ظنّي أنّك مسافر، فلو قدّمت بقيت عرضة لدخول إنّ عليها (¬3)، وكذا يجب تقديمه إذا كان في (¬4) المبتدأ ضمير راجع إلى شيء من الخبر نحو: على التّمرة مثلها زبدا، فلو قدّم المبتدأ الذي هو مثلها رجع الضمير إلى غير مذكور لا لفظا ولا معنى (¬5). ذكر الابتداء بالنّكرة (¬6) للمبتدإ والخبر من جهة التعريف والتنكير أربعة أقسام: أحدها: أن يكون المبتدأ معرفة (¬7) والخبر نكرة وهو الأصل نحو: زيد قائم، والثاني: أن يكونا معرفتين نحو: ¬
زيد أخوك، والثالث: أن يكونا نكرتين نحو: رجل حسن قائم، والرابع: أن يكون المبتدأ نكرة والخبر معرفة وهو عكس الأصل. كقول الشّاعر: (¬1) أهابك إجلالا ومالك قدرة … عليّ ولكن ملء عين حبيبها فملء عين مبتدأ وهو نكرة وحبيبها خبر وهو معرفة، وقد جاء مثل ذلك مع العوامل، كقول الشّاعر: (¬2) وربّ سبيئة من بيت رأس … يكون مزاجها عسل وماء فعسل نكرة وهو اسم كان ومزاجها معرفة وهو الخبر، والظّاهر أنّ هذا القسم إنّما يجوز في ضرورة الشعر (¬3). ولا يجوز الابتداء بالنكرة إلّا إذا تخصّصت بوجه ما (¬4)، لأنّها بالتخصيص تقارب المعرفة، وتخصيصها بأحد أمور عشرة: 1 - الوصف نحو: رجل عالم في الدار. 2 - الاستفهام نحو: أرجل في الدار أم امرأة. 3 - النفي نحو: ما أحد خير منك. 4 - أن تقع النكرة بمعنى الفاعل المثبت بعد نفي نحو «شرّ أهرّ ذا ناب»، أي: ما أهرّ ذا ناب إلّا شر (¬5). ¬
ذكر الجملة الخبرية
5 - تقديم ظرف هو الخبر نحو قولك: في الدار رجل. 6 - الدعاء نحو: سلام عليك، وويل له، وعزّ لمولانا. 7 - الاستغراق نحو: من يقم أقم معه. 8 - الجواب نحو: أن يقال لك: من عندك؟ تقول: رجل، أي عندي رجل وهو راجع إلى تقديم الخبر وهو ظرف. 9 - التعجب نحو: ما أحسن زيدا، فعند سيبويه ما مبتدأ نكرة وهي بمعنى شيء خلافا للأخفش فإنّه يقول إنّ ما في ما أحسن زيدا، موصولة فتكون معرفة (¬1). 10 - الإضافة نحو قوله صلّى الله عليه وسلّم: «خمس صلوات كتبهنّ الله على العباد» (¬2) وغلام رجل في الدار لتخصيصه بالإضافة، والظاهر أنّ التخصيص لا ينحصر في الأمور العشرة المذكورة فإنّ/ التصغير مخصص نحو: رجيل عندك، وليس هو من الأمور العشرة (¬3). ذكر الجملة الخبرية (¬4) الكلام إن احتمل الصّدق والكذب فهو الخبر كقولنا: زيد كاتب، زيد ليس بكاتب، وإن لم يحتمل الصّدق والكذب فهو الإنشاء وهو الأمر، والنّهي، والسؤال والالتماس والتمني والترجّي والقسم والنداء والتعجّب والاستفهام، لأنّ الإنشاء إن دلّ على طلب الفعل دلالة وضعية فهو مع الاستعلاء أمر نحو: اضرب، ومع الخضوع سؤال: كاللهمّ اغفر لي، ومع التساوي التماس نحو: تمهّل يا رفيقي، وإنّ لم يدلّ على طلب الفعل دلالة وضعية، فإن دلّ على طلب ترك الفعل فهو النهي وإلّا فهو ¬
التمني والترجّي والقسم والنّداء والتعجّب والاستفهام (¬1) إذا عرفت ذلك فاعلم أنّ الجملة الخبريّة هي التي تقع خبرا غالبا، وأمّا الجمل الإنشائيّة فلا تقع خبرا للمبتدأ إلّا بتأويل نحو: زيد أكرمه وزيد لا تضربه، والتقدير زيد مقول فيه أكرمه ولا تضربه (¬2)، ولنرجع إلى الجملة الخبريّة فنقول: تكون إسميّة نحو: زيد أبوه قائم، وتكون فعليّة نحو: زيد قام، ويلزم أن يكون في الجملة ضمير يعود إلى المبتدأ، إلّا أن تكون الجملة هي نفس المبتدأ في المعنى كما في ضمير الشأن نحو: هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (¬3) أو يقوم مقام العائد شيء كقوله تعالى: وَلِباسُ التَّقْوى ذلِكَ خَيْرٌ (¬4) وقد يحذف العائد إذا كان معلوما نحو: السّمن منوان بدرهم أي منوان منه بدرهم (¬5) وكذلك البرّ الكرّبستين (¬6)، فالسّمن مبتدأ ومنوان مبتدأ ثان وبدرهم خبر عن منوين والجملة خبر السمن، و «منه» المحذوفة في موضع رفع صفة لمنوين ليصحّ الابتداء بالنكرة، وأما «منه» في قولهم: البرّ الكرّبستين، ففي موضع نصب على الحال من الكرّ المعرفة (¬7) وما وقع من الظروف خبرا نحو: زيد في الدار، زيد عندك، والخروج يوم الجمعة، فالأكثر، أنّه مقدّر بجملة (¬8) لأنّ الظرف معمول لغيره والأصل في العمل للفعل، والتقدير: زيد استقرّ أو حصل عندك فحذف الفعل للعلم به لاستحالة كون زيد عنده من غير حصول واستقرار، ونقل الضمير المستكنّ في ذلك الفعل إلى الظّرف، فصار ¬
ذكر أمور مشتركة بين المبتدأ والخبر
الضمير مرفوعا بالظرف كما كان مرفوعا بالفعل، وصار الظرف مع الضمير جملة فلذلك قدّر بجملة (¬1) وقال قوم: (¬2) التقدير زيد مستقر في الدّار، فيكون الخبر مفردا (¬3). ذكر أمور مشتركة بين المبتدأ والخبر (¬4) قد يتضمّن المبتدأ معنى الشّرط فيصحّ دخول الفاء في الخبر، والذي يتضمّن ذلك من المبتدآت الاسم الموصول بفعل أو ظرف، والنكرة الموصوفة بأحدهما وإنّما يشتمل المبتدأ على معنى الشّرط بأمرين: وهما العموم والإبهام، لأنّ الموصول إذا لم يكن للعموم وكان لشيء (¬5) معهود امتنع دخول الفاء في خبره/ فلو قلت: الذي بعته من عبيدي فله درهم، لم يجز، وكذا إذا لم تشتمل النكرة الموصوفة على العموم لم يجز دخول الفاء في خبرها فلو قلت: رجل ظريف فله درهم، لم يجز لفوات العموم، فإذا قلت: كلّ رجل يأتيني فله درهم صحّ لوجود العموم والإبهام، أما العموم فظاهر لأنّ كلّ رجل عام يصلح لكلّ واحد واحد من الناس، وأمّا الإبهام فهو جواز أن يقع وأن لا يقع، وفائدة دخول هذه الفاء في الخبر أنّها تؤذن (¬6) بأنّ ما بعدها مستحق بالفعل المتقدّم، أو بالظّرف المتعلّق بالفعل المقدّر، وإذا لم تدخل الفاء لم يتعيّن ذلك، مثاله قولك: الذي يأتيني فله درهم، فالدّرهم (¬7) مستحقّ بالإتيان، وهو سبب استحقاقه، فإذا سقطت الفاء لم يتعيّن أن يكون الدّرهم مستحقا بالإتيان، بل يحتمل أن يكون الدّرهم ملكه على الإطلاق كما في قولك: زيد له درهم، فالذي مبتدأ، ¬
ويأتيني صلته ودرهم مبتدأ ثان وله خبره، وهو متقدّم عليه ليصح الابتداء بالنكرة، والجملة خبر الذي، والعائد من الجملة إلى المبتدأ هو الهاء في له (¬1) ومثال الظرف: الذي في الدّار فله درهم، ومثال النكرة العامّة: كلّ رجل يأتيني فله درهم ومثال النّعت بالظرف: كلّ رجل عندي فله درهم (¬2) وإذا دخلت ليت أو لعلّ على المبتدأ لم يصحّ دخول الفاء في خبره باتفاق (¬3) لأنّ ما تضمّن معنى الشّرط إخباري، وخبر ليت ولعلّ إنشائي (¬4) وإن دخلت إنّ المكسورة فالصحيح، جواز دخول الفاء في الخبر إذا قصد معنى السببيّة (¬5) كقوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (¬6) وكقوله تعالى: قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ (¬7) وجوّز الأخفش زيادة الفاء في الخبر (¬8) وأنشد: (¬9) لا تجزعي إن منفسا أهلكته … فإذا هلكت فعند ذلك فاجزعي أي فاجزعي عند ذلك، فالفاء الداخلة على عند زائدة، وسيبويه يتأوّل ذلك (¬10). ¬
ذكر جواز حذف المبتدإ والخبر
ذكر جواز حذف المبتدإ والخبر (¬1) يجوز حذف كلّ من المبتدأ والخبر عند قيام القرينة الدّالة على خصوصهما، فمن أمثلة حذف المبتدأ قول المستهلّ: الهلال والله، والمعنى: هذا الهلال، ومثال حذف الخبر، خرجت فإذا السبع، والمعنى فإذا السبع موجود، لأنّ هذه، «إذا» للمفاجأة (¬2) يحذف الخبر بعدها إذ لا يفاجأ الشيء إلّا بعد وجوده (¬3). ذكر وجوب حذف الخبر (¬4) ويحذف الخبر وجوبا في كلّ موضع ينضمّ إلى القرينة الدّالّة عليه لفظ يلتزم في موضعه نحو: لولا زيد لكان كذا، فلولا، تدلّ على امتناع ما بعدها لوجود ما/ قبلها فهي تدلّ على الوجود المستلزم للخبر، الذي هو موجود، وقد التزم في موضع الخبر، جواب لولا الذي هو لكان كذا، فقد حصل الأمران، القرينة الدّالة، واللفظ الملتزم، فلو أثبتّ الخبر وقلتّ: لولا زيد موجود لكان كذا، لم يجز (¬5) وكذلك: لعمرك لأفعلنّ، فلعمرك تدلّ على أنه مقسم به، والمشعر بقسمي هو الخبر، وجواب القسم الذي هو لأفعلنّ، لفظ التزم موضع الخبر، فحصل الأمران فوجب الحذف فلو أثبتّ الخبر وقلت: لعمرك قسمي لأفعلنّ لم يجز (¬6) وكذلك يحذف الخبر وجوبا في قولهم: ضربي زيدا قائما، فضربي في تقدير الرفع بالابتداء وقد أضيف إلى الفاعل، وزيدا مفعول ضربي، وقائما، لفظ التزم موضع الخبر وتقديره ضربي زيدا حاصل إذا وجد قائما، فحذف الخبر الذي هو حاصل قياسا كما تحذف متعلّقات الظروف ثم حذف ¬
ذكر وجوب حذف المبتدأ
الذي هو «إذا وجد» لدلالة معموله الذي هو «قائما» عليه فقائما دالّ على الظرف، والظرف دال على متعلّقه الذي هو «حاصل» والدّالّ على الدّال على الشيء، دال على ذلك الشيء فقائما دالّ على حاصل، وهو أيضا اللّفظ الذي التزم موضعه (¬1) وإذا كان الخبر بمعنى «مقترن» وحصل ما يدلّ عليه حذف وجوبا، نحو: كلّ رجل وضيعته ومعنى ضيعته: حرفته (¬2) وقد علم أنّ كلّ رجل مقترن مع حرفته، فحذف الخبر الذي هو مقترن للعلم به، ولأنّ الواو بمعنى مع فتدلّ على خصوصية الخبر، وهي المقارنة وضيعته لفظ التزم مع الخبر فحصلت القرينة واللفظ الملتزم، فوجب الحذف (¬3). ذكر وجوب حذف المبتدأ (¬4) وهو يحذف وجوبا فيما قطع خبره عن الوصفيّة نحو: الحمد لله الحميد برفع الحميد، فالمبتدأ المحذوف «هو» لأنّ التقدير هو الحميد، وكذلك يحذف إذا كان خبره مصدرا واقعا موضع الفعل نحو قوله تعالى: طاعَةٌ (¬5) أي أمرنا يطاع وكذلك يحذف إذا كان خبره هو المخصوص بالمدح أو الذمّ نحو: نعم الرّجل زيد، وبئس الرجل عمرو، أي لما فيها من القرائن الدّالة عليه والتزام ما في موضعه. ذكر تعدّد الخبر (¬6) وقد يكون للمبتدأ خبران فصاعدا نحو: هذا حلو حامض، أي جامع للطعمين وتلخيصه: هذا حلو بعضه، وحامض بعضه، وإلّا لزم التناقض في هذه المسألة (¬7) ¬
ذكر خبر إن
وقد يكون له ثلاثة أخبار، وأربعة أخبار، كقول الشاعر: (¬1) من يك ذا بتّ فهذا بتّى … مقيّظ مصيّف مشتّى فهذا مبتدأ، وبتّى خبر أول، ومقيّظ خبر ثان، ومصيّف خبر ثالث، ومشتّى رابع، وجاز ذلك لأنّ الخبر حكم، وجاز أن يحكم على شيء واحد بأحكام كثيرة ولكن إن كان الخبران متضادّين/ فليس كلّ منهما خبرا مستقلا بل هما نائبان عن واحد جامع للمعنيين كما قلنا في: هذا حلو حامض (¬2). ذكر خبر إنّ (¬3) المراد بخبر إنّ، خبر اسم إنّ وهو المسند بعد دخول إنّ وأخواتها، وشأن خبر إنّ كشأن خبر المبتدأ في أصنافه وأحواله وشرائطه، أما أصنافه، فمثل كونه مفردا وجملة، وأما أحواله، فمثل كونه نكرة ومعرفة ومشتقا وجامدا ومقدّما ومؤخّرا ومحذوفا، وأمّا شرائطه، فمثل كونه يلزمه الضمير إذا كان جملة أو مشتقا، ولا يحذف إلّا لقرينة، ولا يجوز أن يكون خبر اسم إنّ أمرا ولا نهيا ولا اسما مفردا في معنى الاستفهام كأين وكيف لوجوب التقديم، وخبر إنّ لا يجوز أن يتقدّم على اسمها إلّا إذا كان ظرفا نحو: إنّ في الدّار زيدا للاتساع في الظروف، لأنّه ما من اسم وفعل إلّا وهو في زمان أو مكان (¬4). ذكر خبر لا التي لنفي الجنس (¬5) وهو المسند بعد دخول لا التي لنفي الجنس، واحترز بقوله بعد «لا» التي لنفي ¬
الجنس عن المسند بعد دخول «لا» المشبّهة بليس نحو: لا غلام خيرا منك برفع غلام ونصب خيرا منك، فإنّ خيرا منك، مسند بعد دخول «لا» باعتبار لفظ «لا» وهما أمران متميّزان، وأما مثال خبر لا التي لنفي الجنس فنحو: قولك: لا غلام رجل ظريف بنصب غلام ورفع ظريف، والنحويون يمثّلون في هذا الموضع بقولهم: لا رجل ظريف (¬1)، وليس يحسن في التمثيل لاحتمال أن يكون ظريف صفة لرجل، وقد رفعت حملا على محلّه بخلاف: لا غلام رجل ظريف فإنّه لا يحتمل غير الخبريّة لأنّ المضاف المنفي، لا يوصف إلا بمنصوب فوجب أن لا يكون ظريف المرفوع صفة له، ويتعيّن أن يكون خبرا ليس إلّا (¬2) وأهل الحجاز يحذفون خبر لا التي لنفي الجنس كثيرا نحو: لا إله إلّا الله والتقدير: لا إله في الوجود إلّا الله (¬3) وكذلك القول في: (¬4) لا سيف إلّا ذو الفقار … ولا فتى إلّا علي وبنو تميم لا يثبتونه لفظا في كلامهم، فإذا قلت: لا رجل أفضل منك ورفعت أفضل تعيّن للخبر على لغة أهل الحجاز، وأمّا بنو تميم فلا يرفعونه أصلا، لئلّا يتعين للخبريّة بل ينصبونه على الصّفة ويكون الخبر محذوفا تقديره في الوجود (¬5). ¬
ذكر اسم ما ولا المشبهتين بليس
ذكر اسم ما ولا المشبّهتين بليس (¬1) وهو المسند إليه بعد دخولهما، وهما يرفعان الاسم وينصبان الخبر كقوله تعالى: ما هذا بَشَراً (¬2) وقوله تعالى: ما هُنَّ أُمَّهاتِهِمْ (¬3) و «ما» أكثر مشابهة لليس من «لا» لكونها لنفي الحال كليس، ولا للنفي المطلق، ولذلك تعمل «ما» في المعرفة والنكرة، و «لا»، لا تعمل إلّا في النكرة (¬4) ولذلك كان عمل «لا» قليلا، وقد جاء في الشعر (¬5). من صدّ عن نيرانها … فأنا ابن قيس لا براح أي ليس لي براح. ذكر المنصوبات (¬6) المنصوب ما اشتمل على علم المفعوليّة وهي: المفعول المطلق ثم المفعول به، وهو أربعة أقسام: 1 - السّماعيّ، 2 - المنادى 3 - ما أضمر عامله على شريطة التفسير 4 - التحذير. ثم بعد المفعول به، المفعول فيه، ثم المفعول له، ثمّ الحال، ثم التمييز، ثم المستثنى ثم خبر كان، ثم اسم إنّ، ثم منصوب لا التي لنفي الجنس، ثمّ خبر ما ولا المشبّهتين بليس. ¬
ذكر المفعول المطلق
ذكر المفعول المطلق (¬1) وإنّما سمّي بذلك لأنّه غير مقيّد بحرف كالمفعول به وله ومعه وفيه، ورسمه بأنّه اسم ما فعله فاعل فعل مذكور بمعناه نحو: ضربت ضربا، وقعد جلوسا ومات موتا، واحترز بقوله: اسم عمّا فعله فاعل فعل مذكور بمعناه وليس باسم نحو: ضرب الثاني في قولنا: ضرب ضرب، وبقوله: مذكور عن كرهت القيام، فإنّ القيام ليس مفعولا مطلقا إذ ليس فعل فاعل القيام مذكورا، وبقوله: بمعناه، عن مثل كرهت قيامي، فقيامي وإن صدق عليه أنّه بمعناه لأنّ معنى القيام غير معنى الكراهة (¬2) والمفعول المطلق إن لم يكن مدلوله زائدا على مدلول الفعل فهو للتأكيد كضرب ضربا، وإن كان زائدا بأن دلّ على هيئة (¬3) صدور الفعل فهو للنوع كجلست جلسة بكسر الجيم، ومنه ما يدلّ على النّوع باسم خاصّ نحو: رجع القهقرى، والقهقرى الرجوع إلى خلف: فإذا قلت: رجعت القهقرى فكأنّك قلت: رجعت الرجوع الذي يعرف بهذا الاسم، ومن المفعول المطلق ما يدلّ على النوع بالصفة نحو: ضربت ضربا شديدا وضربت أيّ ضرب، أو الضّرب الذي تعرفه، أو ضربت ضرب الأمير، وإن دلّ على مرة أو مرات صدور الفعل فهو للعدد، كجلست جلسة بفتح الجيم وجلسات (¬4). واعلم أنّ المفعول المطلق الذي هو للتأكيد لا يثنّى (¬5) ولا يجمع لأنّه للحقيقة المشتركة ولا كثرة فيها، وأمّا الذي للنوع فيثنّى ويجمع، لأنّه يمكن اجتماع نوعين وأنواع نحو: جلست جلستين أي على هيئتين من الجلوس وكذلك ضربت الضربتين اللذين تعرفهما، وكذلك الذي للعدد يثنّى ويجمع أيضا، لأنّه إذا اجتمع مرّتان أمكن تثنيته وإذا اجتمع مرات أمكن جمعه قولك: جلست جلستين بفتح الجيم، أي جلست ¬
ذكر جواز حذف الفعل
دفعتين أو مرّتين. ذكر جواز حذف الفعل (¬1) وقد يحذف الفعل عند قيام قرينة دالّة عليه كقولك للقادم من سفره: خير مقدم، أي قدمت خير مقدم (¬2). ذكر وجوب حذف الفعل (¬3) ويجب حذف الفعل الناصب للمفعول المطلق، وذلك على ضربين: الأول: سماعي، وهو مصادر كثر استعمالها فحذفت أفعالها تخفيفا/ نحو: حمدا وشكرا وسقيا ورعيا، فإنه (¬4) لو كان ذكر الفعل مع المصدر جائزا لوقع، ولو وقع لنقل ولمّا لم ينقل دلّ على أنّه لم يقع، ولمّا لم يقع دلّ على أنّه غير جائز (¬5) والثاني: قياسي في أبواب: (¬6) منها: أن يكون المصدر مثبتا بعد نفي، أو معنى نفي، داخل على اسم بشرط ألّا يصحّ أن يكون خبرا عن الاسم المتقدّم نحو: ما زيد إلّا سيرا، فإذا وجد ذلك، وجب حذف الفعل لحصول القرينة على خصوص الفعل، ووقوع لفظ إلّا أو ما يقوم مقامها في موضع الفعل المحذوف، ومعلوم أنّ سيرا مصدر مثبت بعد نفي، ولا يصحّ أن يكون خبرا عن الاسم المتقدم الذي هو زيد، ومثال الواقع بعد معنى النفي: إنّما أنت سيرا لأنّ معناه ما أنت إلّا سيرا، واحترز بقوله: مثبت عن مثل: ما زيد سيرا، وبقوله: بعد نفي، عن زيد سيرا، وبقوله: لا يصحّ أن يكون خبرا، عن نحو: ما سيري إلّا سير (¬7). ¬
ومنها: أن يقع المفعول المطلق مكرّرا في موضع خبر عن اسم ولم يصلح أن يكون خبرا عنه، نحو: زيد سيرا سيرا والتقدير يسير سيرا، ومعلوم أنّ سيرا لا يصلح أن يكون خبرا عن زيد فالقرينة حاصلة والمصدر الأوّل لفظ التزم موضع الفعل المحذوف (¬1). ومنها: أن تتقدّم جملة لها آثار وتذكر الآثار بلفظ المصدر (¬2) كقوله تعالى: فَشُدُّوا الْوَثاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِداءً (¬3) فشدّوا الوثاق، جملة متقدّمة لها في الوجود آثار، وهي المنّ والفداء والاسترقاق والقتل، فإذا ذكر (¬4) هذه الآثار وجب حذف الفعل لأنّ الجملة تدلّ على آثارها، وقد وقع لفظها في موضع الفعل فوجب حذفه (¬5). ومنها: أن يقع المفعول المطلق للتشبيه بعد جملة مشتملة على اسم بمعنى المفعول المطلق، وعلى صاحب ذلك الاسم كقولك: لزيد صوت صوت حمار (¬6) واحترز بقوله: للتشبيه عن مثل: لزيد صوت صوت حسن، فإنّ الثاني مرفوع على البدل (¬7) واحترز بقوله: بعد جملة، عن مثل: الصوت صوت حمار، وبقوله: مشتملة على اسم بمعنى المفعول المطلق، عن نحو: مررت بزيد فإذا له ضرب صوت حمار، فإنّ الضّرب ليس بمعنى الصوت. وبصاحب الاسم عن مثل: في الدار صوت صوت حمار، ووجب حذف الفعل لأنّ في الكلام قرينة تدلّ عليه، والجملة لفظ التزم موضعه (¬8) وتقديره: مررت فإذا هو يصوّت صوت حمار. ومنها: (¬9) أن يقع المفعول المطلق مضمون جملة لا احتمال لتلك الجملة غير ¬
ذلك المفعول المطلق، أو يقع المفعول المطلق مضمون جملة لها احتمال غير ذلك المفعول المطلق. فمثال الأول: له عليّ ألف درهم اعترافا، فله عليّ ألف درهم جملة لا احتمال لها غير الاعتراف ويسمّى هذا القسم توكيدا لنفسه، لأنّه يؤكّد مضمون الجملة الذي/ هو عين الاعتراف (¬1) ومثال الثاني: زيد قائم حقّا، فحقّا وقع مضمون زيد قائم، وهو يحتمل أن يكون حقا وغير حقّ، فحقّا أكّد أحد احتماليه، ويسمّى هذا القسم توكيدا لغيره، وحقّا منصوب بفعل مضمر، والتقدير أحقّ ذلك حقّا، قال الزجاج: (¬2) ولا يجوز تقديم حقّا، كقولك: حقّا زيد قائم، قال فإن وسّطته فقلت: زيد حقّا قائم، جاز وذلك لأنّك لما ذكرت الكلام الذي يجوز أن تكون فيه شاكّا، وأن تكون متيقنا، جاز لك حينئذ أن تضمر اللّفظ الدّال على أحد الأمرين وهو أحقّ حقّا (¬3) ولم يذكر سيبويه امتناع تقديمه (¬4) ومن التأكيد لغيره قولهم: قد فعل ذلك البتّة، قال سيبويه (¬5) ولا يستعمل إلّا بالألف واللام، وهو من بتّ كذا يبتّه إذا قطعه. ومنها: أن يقع المفعول المطلق مثنّى للتكثير، ومن أحكامه أنّه لا يستعمل إلّا مضافا غالبا نحو: لبّيك وسعديك ودواليك وهذاذيك إذا كانت التثنية لغرض تأكيد الكثرة لا لقصد التثنية المحقّقة (¬6)، أمّا لو قصدت التثنية من غير نظر إلى الكثرة نحو قوله تعالى: ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ (¬7) لم يجب حذف الفعل، ومما جاء مثنّى قولهم: حذ اريك أي احذر حذرا بعد حذر، وحواليك، ومعناه الإحاطة من جميع الجهات وقد ¬
استعملوا واحده فقالوا: حوالك، ومنه: حنانيك أي تحنّنا بعد تحنّن، قال طرفة: (¬1) أبا منذر أفنيت فاستبق بعضنا … حنانيك بعض الشّرّ أهون من بعض ولبّيك وسعديك لا يفرد فيهما الواحد لأنّهما وضعا بلفظ التثنية للتكثير، ولم يستعمل منهما مفرد، ولبّيك مأخوذ من ألبّ على كذا، إذا داوم عليه (¬2) فكأنّه قال: دواما على طاعتك مرّة بعد مرّة، وسعديك معناه مساعدة لك بعد مساعدة، فقام لبّيك وسعديك مقام دواما ومساعدة، وإذا قال الملبّي: لبّيك اللهمّ وسعديك فمعناه دواما على طاعتك ومتابعة لأمرك فهذا منصوب بفعل من معناه، لا من لفظه بخلاف سقيا ورعيا وبخلاف حنانيك أيضا، فإنّ الفعل يمكن تقديره من لفظه نحو: تحنّن أي ارحم وهذا مما يقوّي إفراده (¬3) ودواليك من المداولة قال الشّاعر: (¬4) إذا شقّ برد شقّ بالبرد مثله … دواليك حتّى كلّنا غير لابس وهو في موضع الحال، أي متداولين، وهذا ذيك: معناه السّرعة ويقال ذلك في الضّرب (¬5) قال الشّاعر: (¬6) ¬
ذكر المفعول به
ضربا هذا ذيك وطعنا وخضا أي هذّا بعد هذّ من كلّ وجه أي إسراعا بعد إسراع، وهذّ في القراءة وغيرها أي أسرع. ذكر المفعول به (¬1) وحدّه بأنّه الذي يقع عليه فعل الفاعل، والمراد بالوقوع التعلّق/ ليدخل نحو: ما ضربت زيدا، والمراد بالتعلّق هو تعلّق الفعل بشيء لا يعقل الفعل إلّا بعد أن (¬2) يعقل ذلك الشيء (¬3) واحترز بقوله: يقع عليه، من باقي المفاعيل فإنّ الفعل يقع في الظرف أي يحدث فيه، ويقع لأجل المفعول له، ومع المفعول معه، وأما المفعول المطلق فهو نفس المعنى الواقع من الفاعل، وقد يتقدّم المفعول به على الفعل العامل فيه (¬4)، لأنّ الفعل قوي في العمل، نحو: زيدا ضربت، وقد يحذف المفعول به وهو مراد نحو: لا عاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ (¬5) أي رحمه، وقد يجعل نسيا نحو: فلان يعطي ويمنع ويصل ويقطع، وقد يحذف الفعل الناصب للمفعول به جوازا لقرينة تدلّ عليه كقولك: زيدا، لمن قال: من أضرب؟ أي: اضرب زيدا (¬6). ذكر ما يجب حذفه من الأفعال ويجب حذف الفعل النّاصب للمفعول به في أربعة أبواب الأول: سماعيّ، والثلاثة الباقية قياسية وهي: المنادى، وما أضمر عامله على شريطة التفسير، والتحذير. ¬
ذكر السماعي
ذكر السّماعي وهو نحو قولهم: امرأ ونفسه (¬1)، أي اترك امرأ ونفسه وأهلا وسهلا (¬2)، أي أتيت مكانا مأهولا ومكانا سهلا، وكقوله تعالى: انْتَهُوا خَيْراً لَكُمْ (¬3) أي انتهوا عن التثليث واقصدوا خيرا لكم فالفعل المحذوف المقدّر اقصدوا (¬4). ذكر المنادى (¬5) المنادى هو القسم الثاني من أقسام المفعول به الذي حذف فعله الناصب له بضابط قياسي، وحدّ المنادى: أنه المطلوب إقباله بأحد الحروف النائبة مناب أدعو لفظا نحو: يا زيد، معناه أدعو زيدا، فهو مفعول به بفعل مقدّر لا يجوز إظهاره ووجب الحذف للقرينة الدّالّة، ولوقوع حرف النداء موقع الفعل أو تقديرا كقوله تعالى: يُوسُفُ أَعْرِضْ (¬6) والمنادى يبنى على ما يرفع به إن كان مفردا معرفة، وإنّما بني لشبهه بالمضمر (¬7)، لأنّه لا ينفكّ في المعنى عن كونه مخاطبا معيّنا، وحكم المخاطب أن يكون مضمرا (¬8) والمراد بالمفرد ما لم يكن مضافا ولا مشابها ¬
له، وقال السّيد: (¬1) ولا جملة أيضا (¬2)، نحو: يا زيد، ويا زيدان ويا زيدون، وقال النّيليّ (¬3) وحركة بنائه تشبه حركة الإعراب في كون كلّ منهما طارئة، فلذلك ثبت تنوينه حال بنائه (¬4) في قول الشّاعر (¬5): أمحمّد ولأنت صنو نجيبة … من قومها والفحل فحل معرق وإن كان المنادى مضافا نحو: يا عبد الله أو مشبّها بالمضاف نحو: يا طالعا جبلا، أو نكرة (¬6) نحو: يا رجلا لغير معيّن، بطل البناء لزوال مقتضيه، وأعربت بالنّصب لأنّ كلّ واحد منها مفعول به، وأمّا إذا قلت: يا رجل، لمعيّن فإنك تبنيه على الضم أيضا مثل: يا زيد، لأنّه يتعرّف بالقصد (7) / وإن جئت بلام الاستغاثة في المنادى (8) خفضته لأنّ حرف الجرّ لا يلغى في مثله، كقولك: يا لزيد، ولام ¬
ذكر إعراب توابع المنادى
الاستغاثة تكون مفتوحة لما ذكرنا من مشابهة المنادى للمضمر، ففتحت معه كما تفتح مع المضمر في نحو: لك وله فإن عطفت على المستغاث به نحو: يا لزيد ولعمرو، كسرت لام المعطوف لأنّه يجوز في التوابع ما لا يجوز في المتبوعات والاستغاثة استدعاء مدعوّ طلبا للنصرة والمعونة، فإن أتيت بألف الاستغاثة نحو: يا زيداه فتحت آخره، ولا يجمع بين ألف الاستغاثة والّلام فلا يقال: يا لزيداه، لأنّ اللام توجب كسر آخره والألف توجب فتحه فتدافعا (¬1). ذكر إعراب توابع المنادى (¬2) توابع المنادى المبنيّ إذا كانت مفردة، أو في حكم المفردة نحو: يا زيد العاقل، ويا زيد الحسن الوجه، ترفع حملا على لفظه، وتنصب حملا على محلّه، فتقول: يا تميم أجمعون وأجمعين (¬3) ونحو ذلك، وأمّا توابع المعرب (¬4) نحو: يا عبد الله الظريف فهو بنصب الظريف، ليس إلّا، لأنّك إن حملته على اللّفظ فهو منصوب، وإن حملته على الموضع فهو كذلك، وأمّا توابع المبنيّ المضافة؛ فإنّها إن كانت مضافة إضافة حقيقيّة، نحو: يا زيد غلام عمرو، وجب نصبها حتما، وأمّا إذا لم تكن الإضافة حقيقيّة نحو: يا زيد الحسن الوجه فإنّه يجوز فيه الرّفع والنصب، وإن عطفت على المنادى المبنيّ ما يلزمه الّلام نحو: الصّعق (¬5) فنصبه عند المبرّد أوجه (¬6)، نحو: يا زيد والرجل والصّعق بنصبهما، وإن كان المعطوف فيه اللام ولكن غير لازمة نحو: الحسن فرفعه عنده أوجه، لأنّه يمكن انتزاع اللام منه وتقدير حرف النّداء فيه فيكون وجود الّلام فيه كعدمه، بخلاف ما لم يجز انتزاع الألف والّلام فيه ¬
ذكر المنادى المعرف باللام
نحو: الصّعق والنّجم فإنّه إذا لم يجز انتزاع الّلام منه لم يجز تقدير حرف النداء فيه فلذلك اختار رفع الحسن دون الصّعق، والخليل يختار في المعطوف الرفع (¬1) سواء كان مما يلزمه الّلام كالصّعق أو لم يلزمه كالحسن، وأمّا أبو عمرو (¬2) فإنّه يختار النصب فيهما (¬3) لأنّه تابع وتابع المبنيّ يكون تابعا لمحلّه، دون لفظه، وأمّا إن كان المعطوف بغير لام نحو: يا زيد وعمرو، أو كان تابع المبنيّ بدلا نحو: يا رجل زيد كان هذا التابع كالمستقلّ، بحيث يعطى حكم المنادى، فيضمّ إن كان مفردا، وينصب إن كان مضافا (¬4). ذكر المنادى المعرّف باللام (¬5) وإذا نودي المعرّف بالّلام لم يجز أن يباشر بحرف النّداء ولكن يتوصّل إليه بالاسم المبهم، فيقال في ندائه: يا أيّها الرجل أو هذا، أو ذا الرجل فالمنادى هو الاسم المبهم، والرجل صفة للمبهم المنادى المذكور، كأنّهم كرهوا ن يدخلوا حرف/ تعريف على حرف تعريف (¬6)، وأمّا الهاء في أيّها (¬7)، فحرف تنبيه زادوه عوضا عمّا تستحقّه أيّ من الإضافة (¬8)، ويجوز الجمع بين أيّ وبين اسم الإشارة نحو: يا أيّهذا الرجل، فالرجل نعت هذا، وهذا نعت أيّ، واسم الإشارة وأيّ، كلّ منهما مبهم، وأيّ أوغل في الإبهام لوقوعها على الواحد والجمع بلفظ واحد (¬9) ¬
والتزموا رفع المعرّف بالّلام المذكور لأنّه هو المقصود بالنّداء فجعلوا حركة إعرابه الحركة التي يستحقّها، لو باشره حرف النداء، وقيل: التزموا رفعة للفرق بين الصّفة الّلازمة وغير اللازمة، وعند الأخفش أيّ موصولة بمعنى الذي، والرجل خبر مبتدأ محذوف (¬1)، ويجوز تأنيث أيّ فيقال: يا أيّتها المرأة، وأجاز المازنيّ (¬2) نصب الرجل، في: يا أيّها الرجل قياسا على صفة غير المبهم؛ فإنّه أجرى صفة المبهم مجرى الظريف في قولك: يا زيد الظريف، فكما جاز نصب الظريف حملا على المحلّ جاز نصب صفة المبهم، نحو: الرجل في يا أيّها الرجل (¬3) وقرئ (¬4) في الشّاذ: قل يا أيها الكافرين (¬5) وإذا أتيت بتوابع لهذا المعرّف بالّلام فلا تكون إلّا مرفوعة لأنه معرب، والمعرب لا يكون تابعة إلّا على وفق إعرابه. فإذا قلت: يا هذا الرجل ذو المال، لم يجز في ذو المال إلّا الرفع لأنّه صفة لمرفوع معرب، مثل: جاءني زيد ذو المال (¬6)، ومنه: (¬7) يا أيّها الجاهل ذو التّنزّي فرفع الصّفة المضافة، أعني ذو التنزّي، وأدخلوا حرف النّداء على الّلام ¬
ذكر بقية الكلام على المنادى
في اسم الله خاصة نحو: يا الله، إمّا لكثرته وإمّا لأنّ اللام ليست للتعريف، وقد ورد في الشعر: (¬1) من أجلك يا الّتي تيّمت قلبي … ... وهو شاذّ لا يعتدّ به ولا بما يأتي من ذلك (¬2). ذكر بقيّة الكلام على المنادى (¬3) إذا نودي العلم الموصوف بابن مضاف إلى علم نحو: يا زيد بن عمرو، فالمختار فتحه مع جواز الضمّ (¬4) ومنهم من يقول: (¬5) يجب فتحه لكثرته في كلامهم، فجعلت الفتحة عوضا من الضّمة لخفتها (¬6) وإذا نودي المفرد ثمّ كرّر مضافا (¬7) نحو: (¬8) يا تيم تيم عديّ لا أبالكم … لا يلقينّكم في سوأة (¬9) عمر فالثاني ليس فيه إلّا النصب، وأمّا الأول؛ فيجوز ضمّه لأنّه منادى مفرد، ونصبه على تقدير: يا تيم عديّ تيم عديّ، فحذف عديّ الأول لدلالة الثاني عليه (¬10)، وإذا ¬
نودي المضاف إلى ياء المتكلّم نحو: يا غلامي، فلهذه الياء في النّداء أربعة أوجه: (¬1) إثباتها مفتوحة وهو الأصل كقولك: يا غلامي أقبل وقرئ يا عِبادِيَ (¬2) بالفتح (¬3) وإنّما كان كذلك لأنّها اسم على حرف واحد، فقويت بالحركة، كما فعلوا بالكاف في غلامك والتاء في رأيت، والثاني: إسكانها/، تخفيفا نحو: يا غلامي وقد قرئ: يا عبادي لا خوف عليكم (¬4) والثالث: حذفها مع بقاء كسر ما قبلها كقولك: يا غلام بحذف ياء الإضافة (¬5)، وإنّما حذفت تخفيفا لكثرته في كلامهم (¬6) والرابع: قلبها ألفا لأنّ الألف أخفّ من الياء، وليحصل بالألف زيادة مدّ في الصوت (¬7) نحو: يا ربّا تجاوز عنّي، ويا غلاما أقبل، قال الشّاعر: (¬8) وحديثها كالغيث أبصره … راعي سنين تتابعت جدبا فرآه يبسط راحتيه له … ويقول يا ربّاه يا ربّا وإذا وقفت ألحقتها الهاء، تبيّنا للألف فقلت: يا ربّاه ويا غلاماه، وإذا نودي ابن المضاف (¬9) إلى العمّ أو الأمّ المضافين إلى المتكلّم كقولك: يا بن عميّ يا بن أميّ جاز فيهما جميع ما ذكر في المضاف إلى ياء المتكلّم، فتفتح الياء من عمّي ¬
ذكر الترخيم
وأمّي، وتسكّنها وتحذفها وتبدلها ألفا كما قيل في: يا غلامي، ويجوز فيهما وجه آخر خامس: وهو حذف الألف وإبقاء الفتحة كقولك: يا بن عمّ ويا بن أمّ بفتحهما، ولا يجوز في غيرهما شيء من ذلك نحو: يا بن غلامي وما أشبهه وإذا كان المنادى المضاف إلى المتكلّم أبا أو أما، جاز فيه ما ذكر في المضاف إلى المتكلم حسبما قيل في يا غلامي (¬1) وجاز فيه وجوه أخر، وهي: يا أبت وأمت بكسر التاء المنقلبة عن الياء، وفتح التاء فيهما، وأبتا وأمتا بإثبات الألف والتاء فيهما معا، ولم يجز: يا أبتي ويا أمتي بإثبات التاء والياء معا، لأنّ التاء عوض عن ياء المتكلّم، ولا يجوز الجمع بين العوض والمعوّض منه (¬2) بخلاف أبتا وأمتا فإنّ التاء والألف معا بدل عن الياء (¬3) وجاز في يا بُنَيَّ (¬4) كسر الياء وهو الكثير، والفتح لاستثقال الكسرة والسكون مع التخفيف وقرئ في السّبعة (¬5) بالجميع (¬6). ذكر التّرخيم (¬7) الترخيم من خصائص المنادى، وهو حذف في آخر المنادى تخفيفا لا لعلّة، ويجوز لضرورة الشعر ترخيم غير المنادى كقول الشّاعر: (¬8) ديار ميّة إذ ميّ تساعفنا … ولا يرى مثلها عجم ولا عرب ¬
حذف هاء ميّة، ولا يجوز ترخيم المستغاث نحو: يا لجعفر (¬1) لأنّهم يزيدون فيه لغرض رفع الصّوت للمستغاث به، وكذا لا يرخّم المضاف كعبد الله (¬2) ولا الجملة المسمّى بها كشاب قرناها، لأنّهم لو حذفوا من الثاني حذفوا من غير المنادى، ولو حذفوا من الأول حذفوا من وسط الكلمة، وهو غير جائز، ولأنّ الجملة تحكى على إعرابها الأصلي (¬3). وشرط المنادى (¬4) في الترخيم أن يكون الاسم المرخّم إمّا بتاء التأنيث نحو ثبة، وإمّا علما زائدا على ثلاثة أحرف كجعفر وحارث لا كزيد (¬5)، والحكم، لأنّ تاء التأنيث زائدة فلا يلزم من حذفها الإجحاف/ بالاسم لبقائه على حرفين، ولذلك شرط في العلم الزيادة على ثلاثة، لئلّا يحصل الإجحاف بالحذف فيخرج عن أبنية الاسم (¬6)، وكلّ اسم آخره زيادتان في حكم زيادة واحدة (¬7) نحو: أسماء وعثمان فإنّه يحذف منه في الترخيم حرفان فتقول: يا أسم ويا عثم، بحذف ألف التأنيث الممدودة، والألف والنون (¬8)، وكذلك يحذف حرفان مما في آخره حرف صحيح قبله مدّة، وهو على أكثر من أربعة أحرف مثل: عمار ومنصور ومسكين، وقد علم أن ثمود ليس من باب منصور فيحذف من منصور حرفان، ومن ثمود حرف واحد لعدم زيادته على أربعة (¬9). وإن كان المنادى مركّبا (¬10) نحو: بعلبكّ فإنّه يحذف منه الاسم الأخير للترخيم لأنّه بمنزلة تاء التأنيث فيقال: يا بعل، وإن كان المنادى المرخّم غير ما ذكر، فيحذف ¬
ذكر المندوب
منه حرف واحد، لأنّه الأصل فإنّ الزيادة على حرف كانت بسبب عارض، وذلك مثل: ثمود وحارث وحامد (¬1) وفي المرخّم وجهان؛ أفصحهما: أنّ يقدّر المحذوف موجودا فيبقى ما قبله على ما كان عليه من حركة أو واو أو غير ذلك، كقولك: يا حار بكسر الراء في ترخيم حارث، وإذا رخّمت كروان (¬2) على أفصح الوجهين قلت: يا كرو، وفي ثمود يا ثمو، وأمّا الوجه الثاني: فهو أن يجعل المحذوف نسيا منسيا، ويعامل الباقي معاملة ما لم يحذف منه شيء، فتقول: يا حار بالضم، ويا كرا بالألف لتحرّك الواو وانفتاح ما قبلها، ويا ثمي فتبدل الضمة كسرة، والواو ياء، إذ ليس في كلامهم اسم تام معرب آخره واو قبلها ضمّة (¬3). ذكر المندوب (¬4) المندوب هو المتفجّع عليه بيا أو واو، والتفجّع إظهار الحزن والجزع للمصيبة، ويختصّ بوا، نحو: وا زيد، وهو كالمنادى في الإعراب والبناء (¬5) وأجري مجراه لأنّ كلا منهما مخصوص من بين قومه، ولك أن تزيد في المندوب ألفا فتقول: وا زيدا، ولك أن تلحقها هاء السّكت في الوقف فتقول: وا زيداه، فإن جاء اللّبس من الألف في مثل ندب غلام المخاطبة، عدلت عن الألف إلى زيادة حرف مجانس لتلك الحركة فتقول: وا غلامكيه (¬6) لأنّك لو زدت ألفا وقلت: وا غلامكاه لالتبس بغلام رجل مخاطب فألحق (¬7) الياء المناسبة لحركة الكاف وهي الكسرة (¬8) وفي غلام جماعة مذكرين تلحق واوا فتقول: وغلامكموا، لأنّك لو ألحقت ألفا وقلت: وا غلامكما، التبس بغلام اثنين مخاطبين فألحقت الواو المناسبة للجمع، ولا يندب ¬
إلّا المعروف لا المنكّر (¬1) فلا يقال: وا رجلاه لأنّ الندبة إما للإعلام بمن يتفجّع عليه، أو لتمهيد العذر للمتفجّع/ ولا يكون ذلك إلّا أن يكون المندوب معروفا، وإذا وصفت المندوب فلا تلحق الصفة علامة الندبة فلا تقول: وا زيد الظريفاه، لأنّ الظريف ليس هو المندوب وهو مذهب الخليل (¬2) خلافا ليونس فإنّه يجيز وا زيد الظريفاه (¬3) ويجوز حذف حرف النداء من ثلاثة أشياء (¬4) وهي: العلم نحو: يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هذا (¬5) أي يا يوسف والمضاف نحو: عبد الله افعل كذا أي: يا عبد الله، وأيّ نحو: أيّها الرجل افعل كذا أي: يا أيّها الرجل، ولا يجوز حذف حرف النداء من اسم الجنس، والمراد باسم الجنس اسم يصحّ إدخال اللّام عليه وجعله صفة لأي، نحو: رجل فلا يقال: رجل بمعنى يا رجل (¬6) وكذلك لا يجوز حذفه من الإشارة نحو: هذا بمعنى: يا هذا ولا من المندوب، ولا من المستغاث فلا يقال: زيداه بمعنى وا زيداه، ولا زيدا أو لزيد مستغيثا به لأنّ كلا من المندوب والمستغاث يناسب التطويل، فلا يحسن الحذف مع مناسبة التطويل (¬7)، وقد شذّ حذف حرف النّداء في قولهم: (¬8) «أصبح ليل»، بمعنى يا ليل وأطرق كرا (¬9)، أي يا كروان، وفي أطرق كرا شذوذان: حذف حرف النداء، والترخيم، لأن الأمثال يجوز فيها من الحذف والتخفيف ما لا يجوز في غيرها، فقالوا: «أطرق كرا إنّ النّعام في القرى» (¬10)، ويجوز حذف المنادى نفسه للقرينة الدّالة عليه كقولك: يا إضرب أي: يا هذا ¬
ذكر المفعول به الذي أضمر عامله على شريط التفسير
إضرب، ومنه قراءة الكسائي: ألا يا اسجدوا (¬1) أي: ألا يا هؤلاء اسجدوا (¬2). ذكر المفعول به الذي أضمر عامله على شريط التفسير (¬3) وهو القسم الثالث من أقسام المفعول الذي يجب حذف فعله بضابط قياسي وحدّه: أنّه كلّ اسم بعده فعل أو شبهه مشتغل عنه بضميره أو بمتعلّقه لو سلّط عليه هو أو مناسبه لنصبه، نحو: زيدا ضربته، فزيد اسم بعده فعل مشتغل عن زيد بضمير زيد، وتقديره: ضربت زيدا ضربته (¬4)، فالثاني مفسّر للأوّل، ولا يجمع بين المفسّر والمفسّر ولذلك وجب الحذف (¬5). ومثال ما يسلّط عليه مناسب الفعل: زيدا حبست عليه، وزيدا مررت به، فإنّه في هاتين الصورتين لو سلّط الفعل المشتغل أعني حبست ومررت على الاسم لم ينصبه لكنّ مناسبه وهو جاوزت ولازمت، لأنّ من حبست عليه فقد لازمته، ومن مررت به فقد جاوزته، ومثال ما هو مشتغل عنه بمتعلّقه: زيدا ضربت غلامه لأنّ الفعل مشتغل بمتعلّق زيد وهو غلامه وتقديره أهنت زيدا، لأنّ من تضرب غلامه فقد أهنته وإذا تقدّم عليه (¬6) جملة فعليّة (¬7) كقولك: قام زيد وعمرا أكرمته، جاز رفع عمرو/ والنّصب أحسن لأنّه على تقدير النّصب يلزم عطف جملة فعلية على جملة فعلية، وهو أنسب من الرّفع، لأنه يلزم عطف جملة اسميّة على جملة فعليّة (¬8)، ولذلك يختار النصب بعد حرف الاستفهام نحو: أزيدا ضربته، لأنّ الاستفهام غالبا إنما يكون عن الفعل، وبعد إذا الشرطيّة لأنّ الأولى أن يليها الفعل ¬
بخلاف التي للمفاجأة، وبعد حيث، لأنّها مثل إذا في اقتضائها الفعل بعدها (¬1) وبعد حرف النفي، فإنّك إذا قلت: ما زيدا ضربته، فالنفي لضرب زيد لا لذاته فلما كان الفعل بعده كان النّصب أولى (¬2). وإذا وقع بعده فعل معناه الطّلب كان أقواها سببا في اختيار النّصب (¬3)، وكذلك شبه الفعل نحو: زيدا دراكه، لأنّه على تقدير الرفع يلزم وقوع الطلب وهو الأمر والنهي والدعاء خبرا عن المبتدأ وهو بعيد، لأنّ الخبر ما يحتمل الصّدق والكذب، والإنشاء لا يحتمل ذلك، وإنّما جاز على تأويل، وهو أن يقدّر زيد مقول فيه اضربه أو لا تضربه، وعلى تقدير النّصب لا يلزم إلّا حذف الفعل وهو كثير غير بعيد للمبتدأ المرفوع، وكأنّك قلت: زيد أنت مأمور بضربه أو زيد مقول فيه اضربه (¬4) وكذلك المصدر الذي بمعنى الطّلب فإنّ حكمه حكم الطّلب الصريح في اختيار النّصب نحو: أمّا زيدا فجدعا له، وأما جعفرا فسقيا له، لأنّك تريد: جدعه الله جدعا، وسقاه الله سقيا، وإذا كان الدّعاء بغير فعل ولا في تقدير الفعل لم ينصب الاسم الأول نحو: أمّا زيد فسلام عليه، وأمّا الكافر فويل له (¬5) ويختار الرّفع عند عدم قرينة خلافه (¬6) كقولك: زيد ضربته، لأنّه يرتفع بالابتداء فيكون غير محتاج إلى تقدير، والنصب يحتاج إلى تقدير الفعل الناصب فكان الرّفع أولى (¬7)، وكذلك يختار الرّفع مع أمّا وهي تغلب غير الطلب من قرائن النّصب فيكون الرفع بعدها أولى لاقتضائها المبتدأ بعدها غالبا، فإن جاء الطلب معها، قدّم اعتباره عليها فيصير النّصب أولى، وكذلك إذا التي للمفاجأة كقولك: قام زيد وإذا عبد الله تضربه لاقتضائها المبتدأ بعدها غالبا (¬8) ومثال غلبة أمّا مع قرينة النّصب قولك: قمت وأمّا جعفر فقد ¬
ضربته، ولولا (¬1) أمّا لكان النّصب أولى ليكون عطف جملة فعليّة، على جملة فعليّة فقدّم اعتبار أمّا فكان الرّفع أولى (¬2) ومثال غلبة الطلب قولك: قمت وأمّا عمرا فاضربه، بنصب عمرو، وإنّما قدّم الطلب على قرينة الرفع التي هي: أمّا وإذا لأنّك إذا رفعت وجب رفعه على الابتداء ووقع الطّلب خبرا وهو لا يقع خبرا إلّا بتأويل كما تقدّم، وأمّا النّصب فلا بعد فيه، لأنّه ينصب بفعل مقدّر مثله فلا يحتاج إلى تأويل ويستوي/ الرّفع والنّصب (¬3) إذا تقدمت جملة ذات وجهين نحو: زيد قام وعمرو أكرمته، فجاز في عمرو الرفع والنّصب من غير ترجيح (¬4) لأنّه إن رجّح النصب لقرب المعطوف عليه وهو الجملة الصغرى أعني قام، رجّح الرفع لعدم حذف العامل فيتعارضان (¬5). واعلم أنّ نصب وعمرا أكرمته عطفا على الجملة الصغرى لا يستقيم إلّا أن يقدّر في الجملة المعطوفة ضمير يعود إلى زيد، نحو: عنده أو في داره، بحيث يصير التقدير: زيد قام، وعمرا أكرمته في داره (¬6) لأنّ الجملة المعطوفة إذا لم يكن فيها ضمير يعود إلى المبتدأ، لا تصحّ أن تكون خبرا عنه، وإذا لم تصحّ أن تكون خبرا، لا يصحّ عطفها على خبره لوجوب أن يتحقّق للمعطوف ما يجب ويمتنع للمعطوف عليه، والأخفش يمنع من جواز هذه المسألة، لأنّ الجملة الصغرى المعطوف عليها، لها موضع من الإعراب لوقوعها موقع المفرد، وموضعها الرّفع لأنّها خبر المبتدأ، والجملة المعطوفة أعني وعمرا أكرمته، لا موضع لها من الإعراب، لأنّ الجمل لا موضع لها من الإعراب، إلّا إذا كانت في تأويل المفرد، فلا يصحّ عطف ما لا موضع له على ما له موضع من الإعراب، وأجاب أبو علي الفارسي (¬7): أنّه لمّا كان ¬
إعراب الجملة الصغرى غير ظاهر في اللفظ صارت بمنزلة ما لا موضع له من الإعراب، فصحّ أن يعطف عليها ما لا موضع له من الإعراب (¬1). ويجب النّصب بعد حرف التحضيض، وحرف الشّرط (¬2) لأنّهما مخصوصان بالأفعال إذ لا يحضّ إلا على الفعل (¬3)، ولأنّ الشرط إمّا للماضي أو للمستقبل ولا يكون إلّا فعلا كقولك: هلّا زيدا ضربته أو إن زيدا ضربته ضربته، وإذا وجب تقدير الفعل وجب النّصب (¬4) ونحو: أزيد ذهب به، ليس من هذا الباب، لأنّ الفعل لم يعمل في ضمير زيد نصبا، فلو سلّط ذهب على زيد لم ينصبه ولا مناسبه أعني أذهب، فرفع زيد لازم حينئذ على الابتداء، والجملة التي بعد خبره (¬5)، وقد أجاز السيرافي (¬6) فيه النصب على تقدير: زيد ذهب الذّهاب به، لأنّك لمّا أسندت الفعل إلى مصدره بقي الجار والمجرور في محلّ النّصب (¬7) وهو ضعيف، لأنّ المصدر لا يقوم مقام الفاعل إلّا إذا تخصّص بوصف أو بغيره لعدم الفائدة في إقامته مقام الفاعل بدون ذلك، فالقائم مقام الفاعل (¬8) هو الجار والمجرور حينئذ لا المصدر (¬9) وأمّا قوله تعالى وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ (¬10) فليس من هذا الباب لأنّك لو حذفت الهاء من فعلوه، وسلطت الفعل على كلّ، صار إنّهم فعلوا كلّ شيء في الزّبر، وهو خلاف المقصود، لأن المعنى أنّ كلّ شيء يفعلونه فهو في الزّبر، والزّبر الكتب، أي إن فعلوا حسنا كتب لهم حسن، وإن فعلوا قبيحا/ كتب كذلك، ففعلوه صفة ¬
ذكر التحذير
لشيء، ولا يجوز أن تقدّر ناصبة لما قبل الموصوف (¬1). ذكر التّحذير (¬2) وهو القسم الرابع من أقسام المفعول به الذي يجب حذف فعله الناصب له قياسا، والتحذير قسمان: أحدهما: معمول بتقدير اتّق، تحذيرا مما بعده كقولك: إيّاك والأسد، وإيّاك من الأسد، وإيّاك وأن تحذف، وإيّاك من أن تحذف، فإيّاك ضمير منصوب، والمعطوف على إياك هو المفعول الذي أضمر الفعل الناصب له المحذوف لفظا والمعنى باعد نفسك عن الأسد والأسد عنك، واتّق أن تحذف، واتّق الحذف أن يتعرّض لك (¬3) وإنّما لزم حذف الفعل الناصب له، لأنّ إيّاك لما كثر في استعمالهم، جعلوه نائبا عن الفعل الناصب الذي هو اتّق أو باعد، وأقاموه مقامه فلم يجز إظهاره لذلك. والثاني: معمول بتقدير اتّق أيضا لكن المحذّر منه مكرّر، كقولك: الأسد الأسد، والصبيّ الصبيّ، والمعنى احذر الأسد احذر الأسد، واحذر إيطاء الصبي إحذر إيطاء الصبي، ومعنى إيطاء الصبي: إيطاء الدّابة الصبيّ (¬4)، فأقيم الأوّل مقام احذر، فلزم إضمار احذر، لأنّه لو أظهر لكان قد أدخل الفعل على ما قام مقامه، وكان كإدخال الفعل على الفعل (¬5) ولك في: إياك من أن تحذف، عبارة أخرى وهي: إياك أن تحذف، بحذف من لأن حروف الجر تحذف مع أن وأنّ كثيرا، لطولهما بالصلة ولا يجوز أن يقال: إياك الأسد، بتقدير: إيّاك والأسد، ولا بتقدير إياك من الأسد، لامتناع حذف حرف العطف، وامتناع حذف حرف الجرّ من الأسماء الصريحة في مثل هذا الباب (¬6) لكن حذف في غير هذا الباب توسّعا في الكلام إذا ¬
ذكر المفعول فيه
علمت تعديته في مثل قوله تعالى: وَاخْتارَ مُوسى قَوْمَهُ سَبْعِينَ (¬1). ذكر المفعول فيه (¬2) وهو ما فعل فيه فعل مذكور من زمان أو مكان، فيخرج نحو: يوم الجمعة مبارك، فإنّه وإن كان يقع فيه فعل، لكنّه غير مذكور فلا يكون مفعولا فيه، وشرط نصبه أن تكون «في» مقدّرة فيه، لأنّها لو كانت ملفوظة امتنع نصبه ووجب خفضه ولو لم تكن مقدّرة كان اسما صريحا ولم يكن مفعولا فيه، وظرف الزمان معيّنا كان أو مبهما فإنّه يقبل النّصب بتقدير «في» وظرف المكان إن كان مبهما قبل النّصب بتقدير «في» خلاف المعيّن مثل: المسجد والسّوق (¬3) وإنّما كان كذلك لأنّ الفعل يدلّ على الزمان الخاصّ أي المعيّن من ماض ومستقبل، وكلّ ما دلّ على الخاصّ دلّ على العامّ لوجوب استلزام الخاصّ العامّ من غير عكس، وأمّا المكان فالفعل يستلزم مكانا من الأمكنة مبهما، والعامّ لا دلالة له على الخاصّ فلم يقبل تقدير «في»، في غير المكان المبهم (¬4) والمكان المبهم: هو الجهات: (¬5) أمام (¬6) وفوق/ وتحت ويمنة ويسرة، وكذلك ما كان بمعناها، أو ملحقا بها كالميل والفرسخ (¬7) وحمل على المكان المبهم: عند ولدى وشبههما، لإبهامها نحو: دون ومع، وحمل أيضا على المكان المبهم لفظ مكان في قولك: جلست مكانك مع كونه معيّنا لكثرة استعماله (¬8)، أو أنّه ¬
كالجهات لكثرة الأمكنة، وحملت الأمكنة المعيّنة التي تقع بعد «دخلت» في قولك: دخلت الدّار على الأمكنة المبهمة فنصبت بتقدير «في» على الأصحّ (¬1). لأنّ المبرّد والجرميّ (¬2) ذهبا إلى أنّ دخل متعدّ بنفسه، فيكون المنصوب بعده مفعولا به لا ظرفا (¬3)، والصحيح أنّ دخل لازم لأنّ مصدره فعول، وهو من المصادر اللّازمة غالبا (¬4) وقد ينصب الظرف بعامل مضمر (¬5) عند قيام القرينة كقول القائل: متى سرت؟ فتقول: يوم الجمعة وكذا كم سرت؟ فتقول: يومين، أي: سرت يوم الجمعة وسرت يومين، وقد ينصب الظرف بعامل مضمر على شريطة التفسير، مثل باب: زيدا ضربته نحو: اليوم سرت، فيختار رفعه، وقام زيد، واليوم سرت فيه، وما اليوم سرت فيه، واليوم سر فيه، فيختار النّصب وقس على ذلك ما في الباب في استواء الأمرين فيه، (¬6) ووجوب نصبه إذا وقع بعد حرف الشّرط والتحضيض (¬7). واعلم أنّه قد يجعل المصدر حينا لسعة الكلام (¬8) فيقال: كان ذلك مقدم الحاجّ، وخفوق النّجم وخلافة فلان وصلاة العصر، فخفوق النّجم بمعنى مغيبه (¬9)، والخلافة والصّلاة مصدران أيضا جعلا حينا توسّعا وإيجازا، أمّا التوسّع فإنّه جعل المصدر حينا، وليس من أسماء الزمان، وأمّا الإيجاز فلحذف المضاف إذ التقدير، وقت خفوق النّجم، ووقت صلاة العصر فحذف المضاف، وأقيم المضاف إليه مقامه (¬10). ¬
ذكر المفعول له
ذكر المفعول له (¬1) وهو ما فعل لأجله فعل مذكور، مثل: ضربته تأديبا، وقعد عن الحرب جبنا، فالتأديب فعل لأجله فعل مذكور، وهو الضّرب، فالمفعول له هو السّبب الحامل للفاعل على الفعل (¬2)، والفعل قد يكون سببا (¬3) للمفعول له في الخارج نحو: ضربته تأديبا، وقد لا يكون نحو: قعد عن الحرب جبنا، فإنّ القعود ليس سببا للجبن في الخارج. وشرط نصبه (¬4): أن تكون اللّام مقدّرة، لأنّها لو كانت ملفوظة لكان مجرورا، وإنّما يجوز حذف اللّام بشرطين: أحدهما: أن يكون المفعول له فعلا لفاعل الفعل المعلّل، كما أنّ التأديب وهو المفعول له فعل لفاعل الضّرب وهو الفعل المعلّل، والثاني: أن يكون المفعول له مقارنا للفعل في الوجود فإن لم يكن فعلا له لم يجز حذف اللام، نحو: جئتك للسّمن، وكذلك إن لم يقارنه، نحو: جئتك اليوم لمخاصمتك زيدا أمس (¬5). ذكر/ المفعول معه (¬6) وهو مذكور بعد الواو لمصاحبة معمول فعل لفظا أو معنى، واحترز بقوله: بعد الواو، مما يذكر بعد الفاء وثمّ وغيرهما من حروف العطف لانتفاء معنى المصاحبة منهنّ، واحترز بقوله: لمصاحبة معمول فعل، عن المذكور بعد الواو وليس كذلك مثل: زيد وعمرو أخواك، وكلّ رجل وضيعته، فإنّه مذكور بعد الواو للمصاحبة لكن لا لمصاحبة معمول فعل، وعن المذكور بعد معمول فعل ولكن لا للمصاحبة مثل جاءني زيد وعمرو قبله أو بعده فعمرو مذكور بعد الواو وبعد معمول فعل لكن لا ¬
للمصاحبة لتخصيصه بالمجيء قبله أو بعده (¬1). والفعل العامل في المفعول معه يكون لفظا نحو: جئتك وزيدا، ويكون معنى نحو: ما لك وزيدا (¬2) والمراد بالفعل لفظا: الفعل وشبهه من أسماء الفاعل، والصفة المشبّهة، والمصدر ونحوها، والمراد بالفعل معنى، أي تقديرا غير ما ذكر مما يستنبط فيه معنى الفعل نحو: ما لك وزيدا، وما شأنك وعمرا، لأنّ التقدير ما تصنع وعمرا (¬3) فأمّا إذا لم يكن في الكلام فعل ولا معنى فعل فلا يجوز النّصب، فإذا قلت: ما أنت وعبد الله، وكيف أنت وقصعة من ثريد، فالوجه الرفع (¬4) لانتفاء الناصب وهو الفعل أو معناه بواسطة الواو بخلاف قولك: قام زيد وعمرا، بنصب عمرو لوجود الفعل لفظا، وإن كان لازما لأنّ الواو هي المعدّية له حتى نصبه، فالواو هنا بمعنى الباء، والباء تعدّي الفعل فكذلك (¬5) الواو، والمفعول معه قياسيّ كسائر المفاعيل، وبعضهم يقصره على السّماع فلا يكون قياسيّا (¬6) والفعل العامل في المفعول معه إن كان لفظيّا وصحّ العطف جاز النّصب والرفع (¬7) نحو: قمت أنا وزيد وزيدا، فالرفع عطف على المضمر، لوجود المؤكّد المسوّغ للعطف على المضمر، والنّصب على أنه مفعول معه لمصاحبة الفعل، قال الشّاعر (¬8): وكونوا أنتم وبني أبيكم … مكان الكليتين من الطّحال فنصب بني أبيكم على المفعول معه، وإن لم يصحّ العطف نحو: جئت وزيدا، تعيّن النّصب على المفعول معه على الأصحّ لعدم المؤكّد المنفصل المسوّغ للعطف ¬
ذكر الحال
لأنّ المضمر المتصل لا يعطف عليه إلّا بعد توكيده بمنفصل، فلمّا تعذّر عطف زيد على التاء في جئت، تعيّن النّصب على المفعول معه (¬1)، وإن كان الفعل معنوّيا فإن صحّ العطف تعيّن، نحو: ما لزيد وعمرو، وما شأن زيد وعمرو، لأنّه لم يتقدمه فعل، والإضمار خلاف الأصل فكان جرّه متعيّنا، ومنهم من يجوّز النصب فيه، ويجعل العطف راجحا لا واجبا (¬2) وإن لم يصحّ العطف تعيّن/ النصب نحو: ما شأنك وزيدا، وما لك وزيدا، وإنّما تعيّن النصب لامتناع العطف على المضمر المجرور من غير إعادة الجار لتنزل المضمر مع الجار منزلة جزء الكلمة الواحدة (¬3) ولا يجوز تقديم المفعول معه على الفعل (¬4) ولا على الفاعل، خلافا لابن جني (¬5) فإنه يجوّز: جاء والطيالسة البرد (¬6). ذكر الحال (¬7) وهي الأولى من المشبّهات بالمفعول، ووجه شبهها به أنها فضلة (¬8)، والحال يذكّر ويؤنّث، وسمّيت حالا لعدم ثبوتها لأنّها من حال يحول إذا تغيّر، ويدلّ على ذلك أنّ الحال لا يجوز أن يكون خلقة، ولا يكون إلّا صفة غير لازمة غالبا، فلذلك لا تقول: جاء زيد طويلا ولا أحمر، وحدّها: أنها ما يبيّن هيئة الفاعل والمفعول لفظا أو معنى، حالة الفاعلية والمفعولية فقولنا: ما يبيّن، كالجنس، وهيئة الفاعل أو المفعول فصل، فخرج بالهيئة غير مبيّن الهيئة سواء كان مبيّنا للذات كالتمييز، أو لم يكن كالنّعت، وخرج بإضافة الهيئة إلى الفاعل أو المفعول، النعت نحو: جاءني ¬
وشرط الحال
زيد الراكب، لأنّ الراكب مبيّن لهيئة زيد لا بالنظر إلى كونه فاعلا أو مفعولا، وكذلك خرج القهقرى في قولك: رجع القهقرى، فإنها مبيّنة لهيئة الفعل الذي هو الرجوع لا لهيئة الفاعل أو المفعول، وإنّما قال: ما يبيّن ولم يقل: اسم يبيّن لأنّ الحال قد يكون جملة وقوله: لفظا أو معنى، أي: الفاعل الذي هو صاحب الحال يكون فاعلا لفظا وفاعلا معنى، وكذا المفعول الذي هو صاحب الحال يكون مفعولا لفظا ومفعولا معنى، فمثال الفاعل لفظا أو المفعول لفظا، قولك: ضربت زيدا قائما، فإن جعلت قائما حالا من التاء في ضربت فهو حال من الفاعل لفظا، وإن جعلته حالا من زيد فهو حال من المفعول لفظا، ومثال الفاعل معنى: زيد في الدار قائما، لأنّ التقدير استقرّ في الدار (¬1) وكذلك: ما لك واقفا، فواقفا حال من الضمير المجرور وهو الكاف، وهو فاعل لأنّه بمعنى ما تصنع، ومثال المفعول معنى وَهذا بَعْلِي شَيْخاً (¬2) وهذا زيد قائما أي: نبّهت عليه وأشرت إليه شيخا أو قائما، وقد يكون الحال من الفاعل والمفعول بلفظ واحد إذا اتّفقا فيها نحو: لقيته راكبين، ولقيته مسلّمين، وأمّا إذا اختلفا فيها نحو: لقيته مصعدا منحدرا ففيه مذهبان: أحدهما: جواز تقديم أيّهما شئت، والثاني: تقديم حال المفعول (¬3). وشرط الحال (¬4) أن يكون نكرة، وصاحبها معرفة (¬5) غالبا لأنّه محكوم عليه، وحقّ المحكوم عليه أن يكون معرفة (¬6) وقال: غالبا لأنّه قد يكون نكرة كما سيأتي، وإنّما كانت الحال نكرة لعدم الاحتياج إلى تعريفها، ولأنّها لو كانت معرفة لالتبست/ بالصفة في ¬
بعض الصور (¬1) وأمّا ما ورد منها غير منكّر فمؤوّل، ومنه قول لبيد (¬2): فأرسلها العراك ولم يذدها … ولم يشفق على نغص الدّخال يصف حمار الوحش أنّه أرسل الأتن إلى الماء مزدحمة، فالعراك وإن كان لفظه معرفة فمعناه التنكير، أي معتركة، وقال أبو علي الفارسي: (¬3) تأويله تعترك العراك، فتعترك المقدّر هو الحال، والعراك منصوب على المصدر، والعراك الزحام، وكذلك قولهم: مررت به وحده، حال مع كونه معرفة، وقد أوّلوه أنّه بمعنى منفرد، كأنّه قال: مررت به منفردا، ويجوز نصبه على المصدر كما مرّ في العراك، وتقديره يتوحّد توحّدا، ثم حذف الفعل فبقي توحّدا ثم حذفت زوائد المصدر بقي وحده (¬4) وكذلك القول في: فعله جهده أي مجتهدا أو يجتهد جهده (¬5) فإن كان صاحب الحال نكرة وجب تقديمها عليه في المفرد (¬6) نحو: جاءني راكبا رجل، وأنشدوا (¬7) عليه: ¬
وعامل الحال
لعزّة موحشا طلل قديم … ... لأنّها لو أخّرت لالتبست بالصفة، في نحو قولك: ضربت رجلا مجرّدا من ثيابه، لأنّ الحال يتقدّم على ذي الحال، والصفة لا تتقدّم على الموصوف. وعامل الحال (¬1) إمّا فعل أو شبه فعل أو معنى فعل، لتحقّق الفاعل والمفعول بها، أمّا الفعل فنحو: ضربت، وأمّا شبه الفعل فهو: الصفات المشتقّة من الفعل الحقيقي الذي هو المصدر، نحو: زيدا قائما، والمراد بالصفات المشتقّة من الفعل؛ اسم الفاعل، نحو: زيد ضارب عمرا (¬2) قائما، واسم المفعول نحو: زيد مضروب قائما، وأفعل التفضيل نحو: هذا بسرا أطيب منه رطبا (¬3) والصفة المشبّهة باسم الفاعل، نحو: مررت بالحسن وجها قائما، وأمّا معنى الفعل فهو: ما أقيم مقام الفعل من غير الصفات والحروف واستنبط فيه معنى الفعل (¬4) نحو اسم الإشارة مثل هذا بَعْلِي شَيْخاً (¬5) وقد تقدّم، ونحو التمني مثل: ليت زيدا قائما، أي أتمنّاه قائما (¬6) ونحو التشبيه مثل: كأنّ زيدا قائما أسد أي: أشبّهه في حال قيامه بالأسد، ونحو الظرف مثل: زيد في الدار قائما وقد تقدّم ونحو التنبيه مثل: ها هو زيد قائما، ونحو الجار والمجرور مثل: ما لك واقفا، وقد تقدّم أيضا، فهذه وشبهها استنبط فيها معنى الفعل وليست مشتقة من فعل، فالفعل وشبهه يعملان في الحال متقدّمة نحو: قائما ضرب زيد، وقائما زيد ضارب، بخلاف معنى الفعل فإنّه لا يجوز: قائما هذا زيد، لضعف ¬
معنى الفعل وقوّة الأوّلين (¬1) بخلاف الظّرف (¬2) نحو: أكلّ يوم لك ثوب، وإنّما لم تجر الحال/ مجرى الظّرف في جواز تقدّمها على الفعل المعنوي لاتساعهم في الظروف، ولا يتقدّم حال المجرور عليه، فإذا قلت: مررت قائما بعمرو، كان الحال من الضمير الفاعل في: مررت لا من عمرو، ويتبيّن (¬3) بمثل: مررت قائمة بهند، فيتعيّن للمنع، ومررت قائما بهند، فيتعيّن للجواز، هذا قول الأكثرين (¬4). ويكون الحال جملة خبريّة (¬5) لأنّ الحال خبر عن ذي الحال، فكما جاز الإخبار عن الشيء بالجملة كذلك جاز وقوع الحال جملة وكما أنّ الجملة الإنشائيّة لا تقع خبرا فكذلك لا تقع حالا، والجملة الخبريّة التي تقع حالا تكون اسميّة، وتكون فعليّة، والفعليّة بفعل مضارع وماض، وكلّ منهما يكون مثبتا ومنفيّا كما سنمثله، والجملة الاسميّة إذا وقعت حالا لزمها الواو، كقولك: جاء زيد ويده على رأسه، وحذف الواو معها استغناء بالضمير شاذّ، وحذف الضمير استغناء بالواو فصيح (¬6) كقولك: جاءني زيد وعمرو منطلق، وقد وردت بالضمير وحده كقولك: كلّمته فوه إلى فيّ وهو شاذّ (¬7) وأما قوله تعالى: وَيَوْمَ الْقِيامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ (¬8) وهو وقوع الجملة الاسميّة حالا بغير واو، فيحتمل أن تكون وجوههم مسودّة مفعولا ثانيا لترى، أو تكون حالا (¬9) وحذفت الواو كراهة ¬
اجتماع الواوين كما حذفت واو العطف من قوله تعالى: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناعِمَةٌ (¬1) تخفيفا لاجتماع الواوين إذ المعنى، ووجوه يومئذ ناعمة، وتحذف الواو من الجملة الفعليّة إذا كان فعلها مضارعا مثبتا كقولك جاء زيد يقرأ، ولا يقال في مثله ويقرأ، لأنّه في معنى قارئا معنى وزنة (¬2) وإن لم يكن المضارع مثبتا أو كان الفعل ماضيا مثبتا، أو منفيّا، جاز أن تأتي بالواو والضمير معا، وبالواو وحدها، وبالضمير وحده، ولا بدّ في الماضي من قد ظاهرة أو مقدّرة (¬3) فذلك تسعة أقسام، ثلاثة مع الواو والضمير، وهي: مضارع منفيّ مثل: جاءني زيد وما يتكلّم غلامه، وماض مثبت مثل: جاءني زيد وقد تكلّم غلامه، وماض منفيّ مثل: جاءني زيد وما خرج غلامه، وثلاثة بالواو فقط وهي مضارع منفيّ، مثل جاءني زيد ولم يتكلّم عمرو، وماض مثبت مثل: جاءني زيد وقد تكلّم عمرو، وماض منفيّ مثل: جاءني زيد وما تكلّم عمرو، وثلاثة بالضمير فقط، مضارع منفيّ مثل: جاءني زيد ما يتكلّم غلامه، وماض مثبت مثل: جاءني زيد قد تكلّم غلامه، وماض منفيّ مثل: جاءني زيد ما تكلّم غلامه (¬4). وكلّ ما دلّ على هيئة صحّ وقوعه حالا (¬5) سواء كان مشتقّا أو لم يكن نحو: هذا بسرا أطيب منه رطبا، أي هذا حال كونه بسرا أطيب/ منه حال كونه رطبا، فالبسر والرّطب حالان مع أنّهما ليسا بمشتقّين ولكن لدلالتهما على الهيئة صحّ وقوعهما حالا. والعامل في رطبا هو أطيب بالاتفاق، وفي بسرا خلاف؛ فقال الفارسي: هو هذا أي اسم الإشارة أو حرف التنبيه، وقال ابن الحاجب: هو أطيب، وجوّز عمل أفعل التفضيل فيما قبله لأنه مثل قولك: تمر نخلتي بسرا أطيب منه رطبا. مع أنّ العامل في بسرا هو أفعل التفضيل بالاتفاق (¬6). ¬
ذكر التمييز
ويجوز حذف عامل الحال إذا دلّت عليه قرينة كما جاز حذف غيره كقولك للمسافر: راشدا ومرشدا مهديّا أي اذهب راشدا مرشدا، ويجب حذف العامل في الحال المؤكّدة (¬1) وهي التي لا ينتقل ذو الحال عنها ما دام موجودا غالبا، كقولهم: زيد أبوك عطوفا فإنّ الأب لا ينفكّ عن العطف غالبا، ووجب حذف العامل لأنّ الأب يشعر بالعطف فاستغني عن التصريح بالعامل الذي هو أحقّه أو أثبته، فحصلت القرينة، وعطوفا لفظ التزم موضعه فوجب الحذف (¬2)، وشرط هذه الحال أن تكون مؤكّدة ومقرّرة وتابعة لمضمون جملة اسميّة (¬3) (¬4) نحو: زيد أبوك عطوفا فإنّ عطوفا مقرّر لمضمون زيد أبوك، وقال: اسميّة لأنّها لو كانت مقرّرة لمضمون جملة فعليّة لم يكن فعلها واجب الحذف (¬5). ومعنى كونها مؤكّدة، أنها تعلم قبل ذكرها فيكون ذكرها توكيدا لها وهل هي من الفاعل أو من المفعول؟ فالجواب: أنّك إن قدّرت ثبت أو تحقّق عطوفا فهي من الفاعل، وإن قدّرت أحقّه أو أثبته عطوفا فهي من المفعول (¬6). ذكر التمييز (¬7) وهو ثاني المنصوبات المشبّهة بالمفعول، ووجه الشّبه أنّ نحو: طاب زيد نفسا، يشبه ضرب زيد عمرا، وعشرون درهما مثل: ضاربون زيدا، والتمييز تفعيل ¬
من ميّزت، وهو الاسم النكرة الذي يرفع الإبهام المستقرّ عن ذات مذكورة أو مقدّرة والإبهام: الإجمال وهو ضدّ الإيضاح وقوله: الإبهام المستقرّ، احتراز به عن الأسماء المشتركة فإنّك إذا قلت: رأيت عينا مبصرة أو جارية، لم ترفع عن تلك العين إبهاما مستقرّا بالوضع بل إبهاما عارضا للسّامع، فإنّها وضعت لشيء بعينه معلوم للمتكلم بخلاف عشرين، فإنّها وضعت مبهمة لا لدنانير ولا لدراهم (¬1) وقوله: عن ذات، احتراز به عن نحو المصادر الدّالة على الهيئات نحو: جلست جلسة، وعن الحال نحو: جاء زيد راكبا، فإنّه إنّما يرفع الإبهام عن صفة المجيء لا عن ذات زيد، لأنّ ذات زيد لا إبهام فيها، وقوله: الاسم النكرة، إنّما هو على المختار وهو مذهب البصريين، فإنّ المميّز (¬2) عندهم لا يكون إلا نكرة، والكوفيون يجيزون أن يكون التمييز نكرة ومعرفة (¬3) ويستشهدون بمثل قوله:/ (¬4) النازلين بكلّ معترك … والطيّبون معاقد الأزر ويجوز أن يدفعوا بأنّ الإضافة إلى الأجناس لا تفيد التعريف، ويستشهدون أيضا بمثل: غبن رأيه، ووجع ظهره، وفي التنزيل: سَفِهَ نَفْسَهُ (¬5) والبصريون يقولون: إنّ ذلك منصوب على التشبيه بالمفعول (¬6) ويستشهد الكوفيّون أيضا بقول الشاعر: (¬7) ¬
ذكر تمييز الذات المذكورة التي هي مقدار وهي غير عدد
رأيتك لمّا أن عرفت جلادنا … رضيت وطبت النّفس يا بكر عن عمرو فأراد طبت نفسا، والبصريون يردّونه بأنه لضرورة الشعر (¬1). وقوله: مذكورة أو مقدّرة، تفصيل للذّات التي تميّز، فالمقدّرة ما تقدّر في مثل: زيد طيّب أبا، وطاب زيد نفسا، وحسن زيد علما، ومعناه أنّ الفعل الذي هو حسن مسند في اللفظ إلى زيد، وفي المعنى إلى مقدّر لزيد به تعلّق، وتقديره: حسن علم زيد علما، فالذّات المقدّرة التي لا تذكر في اللفظ هي علم زيد ومميزها قولك علما، وكذا التقدير أبو زيد، في طيّب أبا، وطابت نفس زيد نفسا، وكذلك جميع أمثلة الذّات المقدّرة (¬2) فافهمه. وأمّا الذات المذكورة فهي المفردة: (¬3) وتنقسم (¬4) إلى غير مقدار كباب وثوب وخاتم، وإلى مقدار غالبا (¬5)، وهو إمّا عدد كعشرين درهما وسيأتي بيانه في باب العدد (¬6) وإمّا غير عدد وهو إمّا موزون نحو: منوان سمنا، أو مكيل نحو: فقيزان برّا، أو ممسوح نحو: ما في السماء قدر راحة سحابا، وعلى التمرة مثلها زبدا، والمراد على التمرة مثل مقدارها زبدا فحذف المضاف الذي هو المقدار وأقيم المضاف إليه الذي هو الضمير مقامه (¬7). ذكر تمييز الذّات المذكورة التي هي مقدار وهي غير عدد (¬8) المقدار الذي هو غير عدد سواء كان موزونا أو مكيلا أو ممسوحا. إن كان ¬
مميزه من أسماء الأجناس فيفرد حال التثنية والجمع، والمراد بالجنس هنا، كلّ معنى عام يقع بلفظ واحد على القليل والكثير كالتمر والزيت والخبز فتقول: عندي رطلان جبنا، وقفيزان برّا، والقفيز مكيال وهو ثمانية مكاكيك (¬1) وصاعان عسلا، وعلى التمرة مثلاها زبدا، بإفراد اسم الجنس الذي هو نحو: الخبز أو العسل أو الزبد، وإنما أفرد اسم الجنس لعدم احتياجه إلى التثنية والجمع لوقوع الجنس على القليل والكثير (¬2) ولذلك تقول: عندي زيت قليل وزيت كثير، وإذا كان صادقا على الكثير فلا يحتاج إلى تكثرة مرة أخرى بالتثنية والجمع إلّا أن يقصد الأنواع المختلفة فيطابق بالتمييز ما قصد لعدم دلالته عليها (¬3)، فتقول: عندي رطل زيتا، ورطلان زيتين وأرطال زيوتا/ وإن كان المميّز اسم جنس ولكن لا يقع على القليل والكثير بلفظ واحد كالثوب، فيجمع وجوبا كقولك: عندي قنطار أثوابا، وملء بيت كتبا، لأنّ ذكره مجموعا أدلّ منه على الجنس لتقديره بمن الجنسيّة، فيقدّر حينئذ قنطار من ثياب كما يقدّر قنطار من عسل (¬4) وكلّ ما جاء من المقادير بالتنوين أو نون التثنية فحذف التنوين والنون، وخفض التمييز بالإضافة أولى (¬5)، فتقول: رطل زيت، ورطلا زيت، وجاز ذلك لأنّه كما يرفع الإبهام بالنّصب، يرفع بالإضافة، وأمّا إذا كانت النون شبيهة بنون الجمع كما في نحو: عشرين فإنّ الحذف والإضافة إلى التمييز كعشري درهم لا يجوز لأنّ نون نحو: عشرين من نفس الكلمة فلا يجوز حذفها للإضافة (¬6) ولا تجوز الإضافة مع هذه النون لشبهها بنون الجمع، وأمّا حذفها والإضافة إلى غير التمييز فجائز بالاتفاق نحو: عشريك وعشري رمضان، وفي تعليل ثبوت النون في ¬
ذكر تمييز الذات التي هي غير مقدار
التمييز وحذفها في نحو: عشروك وعشرو الشهر، نظر؛ وقد قيل في ذلك: (¬1) إنّما لم تجز إضافة العشرين إلى المميّز وجازت في غيره أعني في نحو: عشروك، لأنّ العشرين في الأصل صفة لمميّزها لأنّ أصل عشرين درهما دراهم عشرون، وصفة الشيء لا تضاف إليه، ولا يضاف الموصوف إلى صفته، وليس كذلك عشروك فافترقا. ذكر تمييز الذات التي هي غير مقدار (¬2) وهي نحو: باب وخاتم وثوب كقولك: باب ساجا، وخاتم حديدا، وثوب خزّا، وهو كلّ نوع أضيف إلى جنسه ويجوز فيه الإضافة وهي الأكثر (¬3) فتقول: باب ساج بخفضه مع إفادة التخفيف. ذكر تمييز الذات المقدّرة (¬4) قد تقدّم أنّ الذات التي تميّز تنقسم إلى مذكورة كما تقدّم شرحه، وإلى مقدّرة كما شرحناه في حدّ التمييز أيضا، وإنّما تقدّر في النّسب الإسناديّة وفي النّسب المشابهة للنسب الإسنادية، وفي النّسب الإضافية فذلك ثلاث أمور: أحدها: الذّات المقدّرة في نسبة في جملة إسناديّة، نحو: طاب زيد نفسا وتصبّب عرقا وامتلأ الإناء ماء، وقوله تعالى: وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً (¬5). ثانيها: الذّات المقدّرة في نسبة فيما يشابه الجملة، والمراد بمشابه الجملة، الصفة المشبّهة واسم الفاعل والمفعول نحو: زيد طيّب أبا وأبّوة وعلما ودارا، وزيد مكرم أبا وأبّوة وعلما ودارا. ثالثها: الذّات المقدّرة في نسبة في إضافة نحو: أعجبني طيب زيد أبا وأبوّة وعلما ودارا، ومن هذا الباب لله درّه فارسا، وحسب زيد بطلا، فإنّه من تمييز الذات ¬
المقدّرة لا الذات المذكورة كما توهمه بعضهم (¬1) وتعلّق فارسا في: لله درّه فارسا وشبهه بمن هو له، إنّما هو تعلّق الوصف بالموصوف، فالتمييز في هذه الأمور الثلاثة/ إنّما هو عن ذات مقدّرة، لأنّ المقصود إنّما هو نسبة الفعل أو ما أشبهه إلى ما هو متعلّق بالاسم المنتصب عنه التمييز، لأنّ الفعل الذي هو طاب في نحو: طاب زيد أبا، مسند في اللفظ إلى زيد، وهو في المعنى مسند إلى شيء آخر مقدّر متعلّق بزيد غير مذكور، وهو مبهم لاحتمال جميع متعلّقات زيد، فإذا قلت أبا، فقد رفعت به الإبهام عن الذّات المقدّرة كما رفعت بالدرهم الإبهام عن عشرين في الذات المذكورة، والتقدير: طاب أبو زيد أبا، وطاب علم زيد علما وتصبّب عرق زيد عرقا، وكذلك ما أشبه ذلك، فالذات المقدّرة هي أبو زيد أو علمه ونحوهما، فالفعل منسوب في اللفظ إلى زيد، وفي المعنى إلى أبيه أو إلى علمه ونحوهما إذا قصد ذلك، والإبهام إنّما نشأ من نسبة الطيب مثلا إلى متعلّق زيد، لأنّ قولك: طاب زيد، لا إبهام في واحد منهما، وإنّما الإبهام في نسبة الطيب إلى أمر يتعلّق بزيد، ولولا ذلك لم يكن ثمّ ما يحتاج إلى تمييز، ومتعلقاته تحتمل وجوها كثيرة فاحتيج إلى تفسير المقصود منها فجيء بالتمييز، وكذلك الحال في الإضافة فإنّه قد يضاف الشيء إلى أمر، والمراد إضافته إلى متعلّقه مثلما قيل في الجملة فيأتي التمييز أيضا. واعلم أنّ الاسم المنصوب على التمييز قد يكون صالحا أن يرجع إلى من انتصب عنه وإلى متعلّقه، وذلك نحو: أبا في طاب زيد أبا، فجائز أن يكون الأب هو زيد، وجائز أن يكون الأب هو والد زيد وكذا الأبّوة أيضا، فإنّها تصلح لكلّ واحد منهما، فإن كان المقصود في قولك: طاب زيد أبا، بالطيب هو زيد نفسه كان التقدير طاب الأب زيدا أبا، فتكون الذات المقدّرة هي الأب وإن كان المقصود والد زيد، كان التقدير: طاب أبو زيد أبا، فالذات المقدّرة هي أبو زيد، وكذا القول في الأبوّة وغيرهما مما يأتي في هذا الباب. فإن لم يصلح أن يرجع إليهما فهو لمتعلّقه خاصة نحو: طاب زيد علما ودارا، فليس يحتمل علما ودارا جهتين كما احتمله أبا وأبّوة بل إنما يحتمل جهة ¬
واحدة وهي علم زيد وداره، لأنّ التقدير طاب علم زيد علما وطابت دار زيد دارا لا غير ذلك، والذي يحتمل الرجوع إليهما - أعني إلى من انتصب عنه التمييز وإلى متعلّقه - تجب فيه المطابقة أعني إفراد التمييز، وتثنيته وجمعه وتذكيره وتأنيثه على وفق من هو له إلّا (¬1) إن كان التمييز اسم جنس كالأبّوة والعلم فإنّه لا يثنّى ولا يجمع إلا أن يقصد الأنواع فيطابق به حينئذ، فإذا قصدت إلى أنّ الأب هو زيد نفسه، قلت طاب زيد أبا، فلو ثنّيت زيدا أو جمعته على هذا المعنى قلت: طاب الزيدان أن أبوين وطاب الزيدون آباء وكذلك (¬2) تجب المطابقة إذا قصدت إلى متعلّق زيد، وهو والده مثلا، فإن قصدت أباه وجدّه قلت: طاب زيدا، وإن قصدت أباه وأمّه أو أبا وجدّا له، قلت: طاب زيد أبوين، وإن قصدت إلى جماعة من آبائه قلت: طاب زيد آباء، فيطابق بالأب من هو له بخلاف ما إذا كان التمييز اسم جنس كالأبّوة/ والعلم، فإنّك تأتي به مفردا، فتقول: طاب الزيدان أو الزيدون أبّوة وعلما، ونحو ذلك إلا أن يقصد الأنواع فيطابق حينئذ، فتقول: طاب زيد علمين إذا كان المراد به طاب بسبب علمين مختلفين، وطاب زيد علوما، إذا كان المراد به بسبب علوم كثيرة، وتقديره طابت علوم زيد علوما، وكذلك التقدير في التثنية وغيرها (¬3) وكذلك تجب المطابقة في التمييز الذي هو صفة، فيقال: حسن زيد فارسا والزيدان فارسين والزيدون فرسانا، وكذلك لله درّه فارسا ودرّهما فارسين ودرّهم فوارس، وإذا كان التمييز صفة احتمل أن يكون حالا لكنّ التمييز أولى (¬4) لأنّ المراد مدحه مطلقا سواء كان حال كونه فارسا وهذا يفهم من التمييز دون الحال، لأنه إذا كان حالا اختصّ بالمدح فيتقيّد، فيتغيّر المعنى المقصود (¬5)، والفرق بين تمييز (¬6) الذات المقدّرة في قولنا: لله درّه فارسا وبين تمييز الذات المذكورة في قولنا: على التمرة مثلها زبدا، أنّ الفارس يرفع الإبهام عن نسبة الدّرّ إلى الضمير لا عن نفس الدّرّ، وأنّ الزبد يرفع ¬
ذكر الاستثناء
الإبهام عن نفس المثل إذ لا إبهام في إضافة المثل إلى الضمير بل في نفس المثل. ولا يتقدّم التمييز على العامل (¬1) لأنّ العامل إن كان غير فعل كان ضعيفا، فلا يعمل في التمييز المتقدّم عليه بالاتفاق (¬2) وإن كان فعلا فمذهب سيبويه أن لا يتقدم عليه التمييز (¬3) أيضا، لأنّ التمييز في المعنى فاعل فكما لا يتقدّم الفاعل على الفعل، لا يتقدّم التمييز على الفعل، لأنّ الأصل في قولنا: طاب زيد نفسا طاب نفس زيد، فعدل عن ذلك ليكون مبهما أوّلا ثم يفسّر، فيكون أبلغ موقعا عند السّامع، والمازنيّ أجاز تقديم التمييز على عامله إذا كان فعلا خاصة كقولنا: نفسا طاب زيد، ووافق في غير الفعل (¬4). ذكر الاستثناء (¬5) المستثنى هو ثالث المنصوبات المشبّهات بالمفعول، وهو ضربان: متصل ومنقطع، فالمتصل: هو المخرج من حكم على متعدّد لفظا أو تقديرا بإلّا وأخواتها، فاللفظ نحو: قام القوم إلّا زيدا، والتقدير نحو: ما قام إلّا زيد، لأنّ معناه ما قام أحد إلا زيد، وقال: بإلّا وأخواتها، ليخرج عنه المخرج عن متعدّد بالصفة نحو: أكرم بني تميم العلماء، فإنّ الجهال مخرجة منه لعدم اتصافهم بالعلم، وكذلك المخرج بالبدل كقوله تعالى: وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا (¬6) وكذلك المخرج بالشّرط نحو: أكرم القوم إن دخلوا الدّار، وبالجملة المخرج بغير إلّا وأخواتها لا يسمّى استثناء، وأخوات إلّا: غير وخلا وعدا وما خلا وما عدا وليس ولا يكون ¬
ذكر وجوب نصب المستثنى
وسوى وسواء، والمنقطع: هو المذكور بعد إلّا وأخواتها غير مخرج نحو: جاء الناس إلّا حمارا، وسمّي بذلك لانقطاعه عمّا قبله (¬1). فصل: وإذا تعقّب الاستثناء جملا بالواو عاد إلى كلّ منها عند عدم القرينة على الأصحّ (¬2) نحو أكرم/ ربيعة، وأكرم مضر إلّا الطوال، وقول من قال باختصاصه بالأخيرة تحكّم، والترجيح بالقرب قياسا على تنازع العاملين منع للخلاف فيه، والقول بالاشتراك فيه أو بالوقف يوجب التعطيل (¬3). ذكر وجوب نصب المستثنى (¬4) ويجب نصبه إذا كان مستثنى بعد إلّا غير الصّفة في كلام موجب نحو: قام القوم إلّا زيدا، لامتناع البدل فيه، لأن البدل يقوم مقام المبدل منه، فلو قلت: قام إلّا زيد، على البدل من القوم لم يصحّ، وكذلك يجب نصبه إذا تقدّم المستثنى على المستثنى منه نحو قوله: (¬5) وما لي إلّا آل أحمد شيعة … وما لي إلّا مشعب الحقّ مشعب فآل أحمد مستثنى قدّم على المستثنى منه الذي هو شيعة، وكذلك مشعب ¬
الحقّ، وإنّما وجب نصبه لأنّه لا يصلح أن يكون بدلا ولا صفة، لامتناع تقدّم البدل على المبدل منه، وتقدّم الصفة على الموصوف (¬1). وكذلك يجب نصب المستثنى المنقطع على الأكثر (¬2) نحو: ما جاءني أحد إلّا حمارا في لغة أهل الحجاز، لأنّ بني تميم لا يوجبون نصبه، وعلى لغة بني تميم قول الشّاعر: (¬3) وبلدة ليس بها أنيس … إلّا اليعافير وإلّا العيس فاليعافير والعيس ليست من الأنيس فهو مستثنى منقطع بعد إلّا مع رفعه على البدل، وقد أجابوا عن هذا البيت بأنّ المراد بالأنيس ما يؤانس ويلازم المكان فهو أعمّ من الإنسان، واليعافير والعيس بدل من الأنيس بدل البعض من الكلّ فلا يكون مستثنى منقطعا، وإنّما أوجب أهل الحجاز نصب المستثنى المنقطع لامتناع البدل فيه، وليكون مخالفا للمستثنى منه في الإعراب كما خالفه في الحكم والنّوع (¬4). وكذلك يجب نصب المستثنى بعد خلا وعدا عند الأكثرين (¬5) نحو: جاءني القوم عدا زيدا أي عدا بعضهم زيدا، وخلا بعضهم زيدا بمعنى جاوز وجانب، وقال بعضهم: (¬6) إنّهما حرفا جرّ فيكون ما بعدهما مخفوضا، والنّصب بخلا وعدا هو المشهور. ويجب نصب المستثنى بعد ليس وما عدا وما خلا ولا يكون، لأنّ ما مصدريّة ¬
ذكر جواز نصب المستثنى
لا تدخل إلّا على الفعل فوجب أن يكون خلا وعدا فعلين وفاعلهما مضمر، والمستثنى مفعول به فوجب نصبه، وأما ليس ولا يكون فلأنّهما فعلان ناقصان اسمهما مضمر فيهما، والمستثنى خبرهما فيجب نصبه، كقولك: جاءني القوم ليس بعضهم زيدا ولا يكون بعضهم عمرا (¬1). وكان القياس أن تورد هذه المفاعيل في المفعول به وفي خبر كان وأخواتها، لا في الاستثناء ولكن ذكرناها فيه حسبما ذكرها غيرنا (¬2). ذكر جواز نصب المستثنى (¬3) يجوز نصب المستثنى ويختار إبداله، إذا وقع بعد إلّا في كلام غير موجب وذكر المستثنى منه نحو: ما قام أحد إلّا زيد وزيدا، برفعه على البدل من المستثنى منه، ونصبه على الاستثناء، والمراد بغير الموجب الكلام الواقع في سياق النفي، أو النهي، أو الاستفهام، وخرج/ بقوله: بعد إلّا، ما هو بعد أخواتها لتعذّر البدل فيما بعدهنّ، وإنّما اشترط أن يكون في غير موجب، لأنّه لو كان في كلام موجب لم يجز البدل، ووجب النّصب كما تقدّم، وفي جعله بدلا إشكال من وجهين: أحدهما: أنه بدل البعض من الكل لعموم النكرة في سياق النفي أعني أحدا وبدل البعض لا بدّ فيه من ضمير نحو: ضربت زيدا يده أو يدا له، ولا ضمير إذا جعل بدلا، إذ تقديره: ما قام إلّا زيد، فلا يصحّ البدل. وثانيهما: أن زيدا مثبت والمبدل منه منفيّ، فيباين البدل المبدل منه (¬4) وقد أجابوا عن ذلك بما لا يخلو من تكلّف، فقالوا: أما الضمير في زيد فهو محذوف مراد، إذ التقدير: ما قام إلّا زيد منهم، وإن اختلاف الحكم نفيا وإثباتا لا يمنع البدليّة ¬
ذكر الاستثناء المفرغ
قياسا على جواز اختلاف الصّفة والموصوف في الحكم كقولهم: مررت برجل لا صالح ولا طالح (¬1). ذكر الاستثناء المفرّغ (¬2) وهو المستثنى الذي لم يذكر المستثنى منه معه، وكان في كلام غير موجب غالبا، ويعرب على حسب العوامل نحو: ما جاءني إلّا زيد، وما ضربت إلّا زيدا وما مررت إلّا بزيد، وإنّما كان في كلام غير موجب ليفيد أنّ المستثنى منه المحذوف عامّ، لأنّ النكرة تعمّ في سياق النفي، فإنّ التقدير في نحو: ما ضربت إلّا زيدا، ما ضربت أحدا إلّا زيدا، فلو جاء في كلام موجب وقال: ضربت إلّا زيدا لم يستقم، لعدم جواز تقدير: ضربت كلّ أحد إلّا زيدا فيستحيل تقدير المستثنى منه المحذوف عامّا فيمتنع، فأمّا إذا أمكن تقدير المستثنى منه المحذوف عامّا في كلام موجب فإنّه يجوز وقوع المفرغ في الموجب حينئذ نحو: قرأت إلّا سورة كذا، وصمت إلّا يوم العيد، لإمكان قراءة القرآن كلّه إلّا تلك السورة، وصوم كلّ الأيام إلّا يوم العيد فأمكن تقدير المستثنى منه المحذوف عامّا، فاستقام المعنى بخلاف: ضربت إلّا زيدا، لاستحالة تقدير ضرب جميع الناس، وسمّي مفرّغا لأنّ العامل فرّغ له، بحذف المستثنى منه، ومن جهة أنّ المعنى لا يستقيم في المفرغ إلّا في غير الموجب لم يجز: ما زلت إلّا قائما؛ لأنّ «ما» للنفي، و «زال» للنفي ونفي النّفيّ، إثبات، فيؤدي إلى أن يكون قائما مثبتا - لأنّه في سياق ما زال - منفيّا لأنّه بعد إلّا في كلام مثبت؛ فيمتنع (¬3). ذكر البدل على المحلّ (¬4) إذا تعذّر البدل على اللفظ أبدل على المحلّ: والمذكور هنا لذلك ثلاثة أمثلة: أحدها: ما جاءني من أحد إلّا زيد، فيجوز نصب زيد على الاستثناء ورفعه على البدل من محل أحد، لأنّ محلّه الرفع بأنه فاعل جاءني، ويمتنع البدل من لفظه، لأنه ¬
لو أبدل من لفظه كان التقدير: جاءني من زيد، فتزاد من في الإثبات وهو غير جائز عند سيبويه (¬1). ثانيها: لا أحد في الدار إلّا زيد، ولا إله إلّا الله بالرفع على البدل من المحلّ (¬2) ولا يجوز النّصب على البدل من لفظ أحد وإله خلافا للزجاج، وإنّما تعيّن البدل من المحلّ دون اللفظ، لأنّ العامل لفظا لمّا كان لا - وهي إنّما تعمل للنفي/ وما بعد إلّا إذا وقع في سياق النفي كان مثبتا، والبدل في حكم تكرير العامل فلو قدّرت بعد إلّا، لزم الجمع بين المتناقضين، لأنّ «لا» تقتضي نفي ما بعدها و «إلّا» تقتضي إثباته. ثالثها: ما زيد شيئا إلّا شيء لا يعبأ به، فلا يجوز نصب شيء الثاني على البدل من لفظ شيئا الأول الذي هو خبر ما، إذ يبقى التقدير: ما زيد إلّا شيئا، فيلزم تقدير ما عاملة بعد إلّا وهي لا تعمل بعدها لانتقاض النفي، فيتعذّر البدل على اللفظ، فيجب حمله على المحل، ومحلّه رفع في الأصل قبل دخول ما بخلاف ليس فإنه يجب النصب في مثل قولك: ليس زيد إلّا شيئا لا يعبأ به، لأنّ ليس إنما عملت للفعليّة لا للنفي، فهي مثل: ما كان زيد إلّا قائما، وأما - ما ولا - فإنّهما إنما عملا للنفي، فإذا انتقض بنحو «إلّا»، بطل عملهما، فلذلك وجب النصب في قولك: ليس زيد إلّا قائما وامتنع النصب في: ما زيد إلّا قائما (¬3). والمستثنى بغير وسوى وسواء لا يكون إلّا مخفوضا (¬4) لأنّه مضاف إليه، وكذلك حاشا على الأكثر (¬5) وقلّ النصب بها نحو: اللهمّ اغفر لي ولمن سمع حاشا الشيطان وابن الأصبغ (¬6). لأنّه حرف جرّ غالبا، ومنهم من ينصب بحاشا على أنه ¬
فعل (¬1) بمعنى جانب بعضهم زيدا، أي: فاعل من الحشا وهو الجانب (¬2) وسوى بكسر السين وضمّها مع القصر وبفتحها مع المدّ ظرف مكان عند سيبويه (¬3) وإعرابها النّصب على الظرفيّة، فتقول: جاء القوم سوى زيد، ومعناه جاء القوم مكان زيد، وقال قوم حكمها حكم غير (¬4) وعليه قوله: (¬5) ولم يبق سوى العدوا … ن دنّاهم كما دانوا فسوى فاعل لم يبق، أي: لم يبق غير العدوان (¬6) [ومما يذكر مع أدوات الاستثناء لا سيّما، وإن لم تكن في الحقيقة أداة استثناء لأنّ الاستثناء يثبت للمستثنى حكما (¬7) ضدّ حكم المستثنى منه وليست لا سيّما كذلك، لأنّها تثبت للثاني حكم الأول بطريق الزيادة (¬8) فإذا قلت: أحسن إليّ القوم لا سيّما زيد، كان في الكلام إيذان بأنّ زيدا كان أوفر القوم إحسانا، ووجه ذكرها مع أدوات الاستثناء أنّ ما بعدها يخالف ما قبلها في الإخراج من المساواة إلى الترجيح بإثبات الزيادة له، وكان حكمه غير حكم الأول، واعلم أنّ لا سيّما ثلاث كلمات، وهنّ: لا، وسيّ، وما. أما «لا»، فعند أكثر النحويين هي التي لنفي الجنس (¬9) وأما «سيّ» بكسر السين فهو المثل (¬10) ¬
وأما «ما»، فقيل هي حرف زائد، وقيل: هي اسم بمعنى الذي (¬1) فإذا قلنا: إنّ لا في لا سيّما هي التي لنفي الجنس، كانت سيّ إمّا نكرة مبنية معها على الفتح، أو معربة منصوبة مضافة إلى زيد مثلا، وما زائدة، والخبر محذوف أي حاصل أو موجود، والتقدير: لا مثل زيد موجود، ويجوز في الاسم الواقع بعد لا سيّما الرفع والنّصب والجرّ، لكنّ الجرّ هو الكثير، والرّفع قليل والنّصب أقلّ (¬2). وقد روي بالوجوه الثلاثة قول امرئ القيس: (¬3) ألا ربّ يوم لك منهنّ صالح … ولا سيّما يوم بدارة جلجل (¬4) فالجرّ على أن تكون ما زائدة والاسم مجرور بإضافة سي إليه، والتقدير: لا مثل يوم، والرّفع على أن تكون ما موصولة مجرورة بإضافة سيّ إليها، والاسم بعدها خبر مبتدأ محذوف، والتقدير: لا مثل الذي هو يوم بدارة جلجل. وهذه الجملة لا موضع لها من الإعراب، لأنّها صلة الموصول والنّصب على وجهين: الأول: أن يكون منصوبا بفعل محذوف، وما زائدة أي لا مثل أعني يوما. والثاني: على أن تجعل لا سيّما بمنزلة إلّا فينتصب ما بعدها وهذا ضعيف، لما بيّنّا من كونها ليست بمنزلة إلّا في صدر هذا الكلام، ويجوز تخفيف لا سيّما، ويجوز أيضا حذف لا منها للعلم بها (¬5) كقولك: أكرمه النّاس سيّما زيد] (¬6). ¬
ذكر إعراب غير
ذكر إعراب غير (¬1) وغير اسم متمكّن يعرب إعراب المستثنى بإلّا، فينصب في الموجب وفي التقديم وجوبا نحو: جاء القوم غير زيد، وما جاءني غير زيد أحد، ويجب أيضا فيه النصب في المنقطع على لغة أهل الحجاز نحو: ما جاءني أحد غير حمار، ويختار فيه البدل في غير الموجب نحو: ما جاءني أحد غير زيد، ويعرب على حسب العوامل في المفرغ نحو: ما جاءني غير زيد، وما ضربت غير زيد، وما مررت بغير زيد (¬2) وما بعد غير مخالف لما قبلها في النفي والإثبات فهي تشابه إلّا بذلك وغير أصل في باب الصّفة، وهي دخيلة ومحمولة على إلّا في الاستثناء، وإلّا أصل في الاستثناء وهي دخيلة ومحمولة على غير في الصفة لكون إلّا حرفا، وأصل الحرف ألّا يقع صفة، والفرق بين غير إذا استثني بها، وبينها إذا كانت صفة، أنّها إذا استثني بها تقتضي إخراج ما بعدها، وإذا كانت صفة دلّت على المغايرة من غير إخراج، فإنّه إذا قال: عليّ مائة درهم غير درهم، بنصب غير لزمه تسعة وتسعون: إذ (¬3) التقدير له عليّ مائة إلّا درهما، ولو قال: له مائة غير درهم بالرفع لزمه المائة لعدم الإخراج، إذ التقدير له عليّ مائة مغايرة لدرهم (¬4) ولا يجوز وقوع إلّا صفة/ إلّا إذا تعذّر الاستثناء بها وذلك إنّما يكون إذا كانت تابعة لجمع منكور غير محصور كقوله تعالى: لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتا (¬5) فإلّا وقعت تابعة لآلهة وهي جمع منكور غير محصور فهي صفة (¬6) وإنما اشترط أن تكون تابعة، لأنّها لو وقعت غير تابعة نحو: قام إلّا زيد؛ بحذف الموصوف بمعنى؛ قام رجال إلّا زيد، لم يجز ذلك، بخلاف قام غير زيد، فإنّه يجوز وإنّما افتقرت إلّا إلى وجود الموصوف دون غير لكون إلّا حرفا وهو ¬
لا يقبل أن يلي العوامل فلا يجوز أن يقام مقام الموصوف كما جاز ذلك في غير، لأنّه اسم متمكن، ولذلك شبّه سيبويه إلّا إذا وقعت صفة بأجمعين في كونها لا تلي العوامل (¬1) فكما لا يقال: قام أجمعون بمعنى قام القوم أجمعون كذلك لا يقال: قام إلّا زيد، بمعنى قام رجال إلّا زيد، وإنّما اشترط أن تكون إلّا تابعة لجمع منكور نحو: جاءني رجال إلّا زيد، لأنّها حينئذ تتعيّن للصّفة لامتناع الاستثناء، لأنّ شرط الاستثناء أن يدخل المستثنى وجوبا في المستثنى منه لو سكت عنه، ولا يدخل ما بعد إلّا هنا في رجال، لأنّ رجالا (¬2) نكرة في سياق الإثبات فلا تعمّ (¬3) فلا يدخل المستثنى الذي هو زيد فيها، لعدم العموم بخلاف ما لو كانت إلّا تابعة لجمع معرّف نحو: جاء الرجال إلّا زيدا، فإنّها لا تكون حينئذ صفة لصحّة الاستثناء، وإنّما اشترط أن يكون الجمع المنكور غير محصور، لأنّه لو كان محصورا لجاز الاستثناء نحو: له عليّ عشرة إلّا درهما (¬4) وإنّما قلنا: إن إلّا في قوله تعالى: لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتا (¬5) صفة، ولا يجوز أن تكون للاستثناء، لأنّ الجمع المنكور ليس بعامّ لما تقدّم، لأنّه نكرة في سياق الإثبات فليس بعامّ، ولذلك يصحّ إخراجه من الجمع المعرّف نحو: جاءني رجال من الرجال دون العكس، وإذا كان آلهة جمعا منكرا لم يعمّ جميع الأفراد، فلم يكن اسم الله مخرجا عنها، وإذا لم يكن مخرجا لم يكن استثناء فيتعيّن للصفة، ومعنى وقوعها صفة أنّ ما بعدها مغاير لما قبلها دون إخراجه، ومنهم من جوّز وقوع إلّا صفة مع جواز الاستثناء (¬6) نحو قوله: (¬7) ¬
ذكر خبر كان وأخواتها
وكلّ أخ مفارقه أخوه … لعمر أبيك إلّا الفرقدان فإلّا الفرقدان صفة لكل أخ، وتقديره: وكلّ أخ غير الفرقدين مفارقه أخوه، وفيه شذوذان: (¬1) أمّا أولا فلأنه وصف المضاف وهو كل، والقياس وصف المضاف إليه كقوله تعالى: وَجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ (¬2) وأمّا ثانيا فلأنّه فصل بين الصّفة والموصوف بالخبر الذي هو مفارقه أخوه وهو ضعيف، وكان قياسه إلّا الفرقدين نصبا على الاستثناء. ذكر خبر كان وأخواتها (¬3) وهو رابع المنصوبات المشبّهات بالمفعول، وهو المسند بعد دخول كان أو إحدى أخواتها، فقولنا: المسند، يشمل خبر المبتدأ وخبر إنّ وما/ ولا، وغيرها وقولنا: بعد دخول كان أو إحدى أخواتها، يخرج ذلك جميعه وذلك نحو: كان زيد قائما، فقائما هو المسند بعد دخول كان، ويجوز تقديم خبر كان على الاسم، وإن كان معرفة لعدم اشتباهه بالاسم، لاختلافهما في الإعراب تقول: كان أخاك زيد، بخلاف خبر المبتدأ، فإنّه إذا كان معرفة لم يجز تقديمه، ولكن إذا التبس خبر كان باسمها لم يجز تقديمه أيضا (¬4) نحو: كانت الحبلى السّكرى، ويجوز حذف عامل خبر كان في مثل «النّاس مجزيّون بأعمالهم إن خيرا فخير، وإن شرّا فشرّ» (¬5)، وفي مثله أربعة أوجه: (¬6) نصب الأوّل ورفع الثاني: وهو أقواها لقلّة الحذف وتقديره، إن كان عمله خيرا ¬
ذكر اسم إن وأخواتها
فجزاؤه خير. والثاني: رفع الأول ونصب الثاني؛ وهو أضعفها، لكثرة الحذف وتقديره: إن كان في عمله خير، كان جزاؤه خيرا. والثالث: رفعهما وتقديره: إن كان في عمله خير، فجزاؤه خير. والرابع: نصبهما والتقدير: إن كان عمله خيرا كان جزاؤه خيرا (¬1). وتحذف كان وجوبا (¬2) في مثل: أمّا أنت منطلقا انطلقت وتقديره: لأن كنت منطلقا انطلقت فحذفت اللام الجارة من «أن» على المألوف في كلامهم ثمّ حذفت «كان» لجواز حذفها في كلامهم، فوجب العدول من الضمير المتّصل إلى المنفصل، فصار: أن أنت منطلقا، فزادوا «ما» على «أن» للتأكيد، وليكون كالبدل عن كان فصار: أن ما أنت منطلقا ثم قلبت النون ميما وأدغمت الميم في الميم فصار: أمّا أنت منطلقا انطلقت. ووجب حذف كان، لأنّ «ما» عوض عنها، فلو ذكرت لزم اجتماع العوض والمعوّض وهو غير جائز (¬3) وقد تحذف كان جوازا مع الاسم كقولك: فقيها، لمن قال: كان زيد، ومع الخبر كقولك: زيد، لمن قال: من كان صاحبك، ومع الاسم والخبر، كقولك: نعم لمن قال: هل كان زيد قائما. ذكر اسم إنّ وأخواتها (¬4) وهو خامس المنصوبات المشبّهات بالمفعول، وهو المسند إليه بعد دخول إنّ أو إحدى أخواتها، ومثاله: إنّ زيدا قائم، فزيد هو المسند إليه بعد دخول إنّ، وحكمه حكم المبتدأ إلّا في تأخيره، إلّا إذا كان الخبر ظرفا، نحو: إنّ في الدّار زيدا (¬5) ¬
ذكر منصوب لا التي لنفي الجنس
ذكر منصوب لا التي لنفي الجنس (¬1) وهو سادس المنصوبات المشبّهات بالمفعول، ومنصوب لا التي لنفي الجنس، هو المسند إليه بعد دخولها، يليها نكرة، مضافا أو مشبّها به، وإنّما اشترط أن يليها، لأنّه إذا فصل بين الاسم وبين لا، لم ينصبه كما يجيء، واشترط أن يكون نكرة، لأنّه إذا كان معرفة لم ينصب كما سيجيء، واشترط أن يكون مضافا أو مشبّها به لأنه لو كان نكرة مفردة، كان مبنيّا كما يجيء، ومثال المضاف: لا غلام رجل في الدّار، ومثال المشبّه بالمضاف: لا عشرين درهما لك، ومشابهته للمضاف من حيث إنّ ما بعدهما/ متمّم ومخصص لهما، وتحقيق المشبّه بالمضاف أن تكون لا داخلة على اسم عامل فيما بعده نصبا أو رفعا، مثال الناصب نحو: لا ضاربا زيدا عندك، ومثال الرافع نحو: لا حسنا وجهه عندك (¬2) لأنّ الاسم إن عمل فيما بعده جرّا فهو مضاف، وإن عمل غير الجرّ فهو مشابه للمضاف. وإن كان الاسم الذي يليها مفردا بني على ما ينصب به، والمراد بالمفرد ما لا يكون مضافا ولا مشبها به (¬3) فإن كان نصبه بالفتح بني على الفتح، نحو: لا غلام في الدّار، وإن كان نصبه بالياء بني على الياء نحو؛ لا غلامين لك، ولا مسلمين لك (¬4) وإن كان نصبه بالكسر بني على الكسر نحو: لا مسلمات في الدّار، وإنّما بني الاسم المذكور لتضمّنه معنى حرف الجرّ لأنّ قولك: لا رجل في الدّار، جواب سؤال مقدّر، كأنّه قال: هل من رجل في الدّار (¬5) فكان من الواجب أن يقال: لا من رجل في الدّار، ليطابق الجواب السؤال فحذف «من»، وقيل: لا رجل في الدّار، فبني لتضمّنه معنى «من» وأفاد تضمّن الاسم معنى من بعد النفي، الاستغراق والعموم (¬6)، وإذا كان الاسم معرفة، أو فصل بينه وبين لا، وجب رفعه على الابتداء وتكريره (¬7) تقول: لا زيد في الدار ولا عمرو، ولا في الدار رجل ولا امرأة، وإنّما وجب رفع المعرفة، لأنّ لا ¬
لا تعمل إلا في النكرات لكونها لنفي الجنس (¬1) وأما وجوب رفع المفصول فلبطلان عملها بالفصل، ووجب التكرير لأنّه جواب أزيد في الدّار أم عمرو، وأفي الدّار رجل أم امرأة، فوجب التكرير في الجواب ليكون مطابقا للسؤال، فإن قيل: فقد ورد قولهم: (¬2) قضيّة ولا أبا حسن لها، فأبا حسن معرفة من غير رفع ولا تكرير، فالجواب: أنه متأوّل والتقدير: قضيّة ولا مثل أبي حسن لها، فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه (¬3) ولا شكّ أنّ مثل أبي حسن نكرة لأنّ «مثل»، لا تكتسب من المضاف إليه التعريف كما يجيء (¬4). وإذا كرّرت «لا» من غير فصل (¬5) نحو: لا حول ولا قوّة، جاز في الاسم خمسة أوجه: (¬6) أحدها: بناء الاسمين معا على الفتح نحو: لا حول ولا قوّة فكلّ واحد منهما جملة مستقلّة، وخبرها محذوف أي لا حول إلّا بالله ولا قوّة إلّا بالله. وثانيها: بناء الأول على الفتح ونصب الثاني عطفا على لفظ الأوّل ولا زائدة (¬7) قال: (¬8) ¬
لا نسب اليوم ولا خلّة … اتّسع الخرق على الرّاقع وثالثها: بناء الأول على الفتح ورفع الثاني؛ إمّا بالعطف على موضع لا مع اسمها، لأنّهما في محلّ الابتداء، أو إنها بمعنى ليس (¬1) أي لا حول لنا وليس قوّة إلّا بالله، قال: (¬2) ... … لا أمّ لي إن كان ذاك ولا أب ورابعها: رفعهما معا كقولك: لا حول ولا قوّة، وذلك إمّا ليكون الجواب مطابقا للسؤال وهو: أحول لك أم قوّة، أو على أنّها بمعنى ليس فيهما (¬3). وخامسها: رفع الأول على أنّها بمعنى ليس وهو/ ضعيف (¬4) وفتح الثاني على انّه بني على الفتح، إمّا لأنّ شرط رفع ما يليها التكرير، ولا تكرير هنا، أو لأنّ استعمال لا بمعنى ليس ضعيف. وإذا دخلت الهمزة على لا التي لنفي الجنس لم يبطل عملها (¬5) لأنّ همزة الاستفهام لا تغيّر عمل العامل كما في لم كقولك: ألم يقم زيد، قال الشّاعر: (¬6) ¬
حار بن كعب ألا أحلام تزجركم … ... ببناء أحلام على الفتح، ويكون معناها مع الهمزة حينئذ الاستفهام نحو: ألا رجل في الدّار، والعرض: ألا نزول عندنا، والتمنّي نحو: ألا ماء أشربه (¬1)، فيبنى رجل ونزول وماء في هذه المواضع مع لا على الفتح، كما كان قبل دخول الهمزة، وأمّا قول الشاعر: (¬2) ألا رجلا جزاه الله خيرا … يدلّ على محصّلة تبيت فرجل منصوب بفعل مضمر، أي ألا ترونني رجلا، وألا في هذا الموضع للتحضيض بمنزلة هلّا، أي هلّا ترونني رجلا (¬3). ونعت المبني (¬4) إذا كان نعتا أوّلا مفردا يلي المنعوت يجوز فيه (¬5) بناؤه على الفتح، نحو: لا رجل ظريف، لأنّ الموصوف والصفة كالشيء الواحد، ويجوز إعرابه بالرّفع حملا على محلّ المبني، نحو: لا رجل ظريف لأنّ لا مع المبني في محلّ الرفع بالابتداء، ويجوز إعرابه بالنصب حملا على لفظ المبني، نحو: لا رجل ظريفا (¬6) واحترز بقوله: نعت المبني، عن نعت المعرب؛ فإنّه لا يكون إلّا معربا منصوبا. نحو: لا غلام رجل ظريفا في الدار، وبقوله: أوّلا، عن النّعت الثاني وما بعده (¬7) لأنّه لا يكون إلّا معربا نحو: لا رجل ظريف عاقلا وعاقل في الدار، وبقوله: مفردا، عن ¬
النّعت المضاف نحو: لا رجل ذو مال وذا مال، لأنّ اسم لا إذا كان مضافا تعيّن إعرابه فنعته إذا كان مضافا كان أولى بالإعراب، وبقوله: يلي المنعوت، عن النعت الذي يفصل بينه وبين المنعوت فاصل، نحو: لا رجل في الدار ظريف وظريفا، فإنّه لا يكون فيه إلّا الإعراب، ويجوز أن يعطف على لفظ المبنيّ وعلى محلّه نحو: لا غلام وجارية، برفع جارية على محلّ لا غلام، وبنصبها على لفظه، ومما حمل على اللّفظ قول الشّاعر: (¬1) فلا أب وابنا مثل مروان وابنه … ... مع جواز رفعه عطفا على المحلّ، ولا فرق في ذلك بين أن تكرّر لا أو لا تكرّرها (¬2) كلا أب وابنا ولا أب ولا ابنا، فإنّ الحكم واحد في جواز رفعه ونصبه، وكان القياس يقتضي وجوب البناء في المعطوف على اسم لا، مثل: يا زيد ويا عمرو، فإنّ المعطوف الذي هو عمرو مبنيّ على الضمّ ليس إلّا، لكونه معطوفا على المنادى المضموم، فالمعطوف على اسم لا مع تكريرها، كان ينبغي أن يكون كذلك (¬3) والنّكرة المفردة إذا ذكر بعدها ما يصحّ إضافتها إليه وفصل بينهما باللام المضيفة نحو: لا أب لزيد، ولا غلامين لك ففيه لغتان: فالأولى: وهي الفصيحة أن تبقى النكرة على بنائها، فتقول: لا أب لك ولا غلامين لك، بثبوت نحو: نون التثنية، وحذف الألف من أب. واللّغة الثانية: أن تعطى حكم المضاف لمشاركتها للمضاف في أصل المعنى فيقال: لا غلامي له، بسقوط النون وما أشبهها، تشبيها لهذه النكرة بالمضاف لمشاركتها له في أصل معناه، لأنّ معنى قولك: غلام زيد، غلام لزيد، فلمّا شبّهت/ ¬
به أجّريت مجراه في الأحكام المذكورة. واعلم أنّ نحو: لا أبا له ولا غلامي له، ليس بمضاف إلى الضمير كما ذهب إليه سيبويه (¬1) من أنّه مضاف إلى الهاء واللّام زائدة لتأكيد الإضافة، لفساد المعنى، إذ يبقى معناه لا أباه، فتبقى لا، بلا خبر، وتعمل في المعارف وهو غير جائز (¬2) وعلى هذه اللغة الثانية يأتي لفظ هذه النكرة مثل لفظ المضاف في أي موضع وجد، لكن يظهر أثر هذه اللغة الثانية في الأسماء الخمسة وهي: أبوه وأخوه وحموه وهنوه وفوه، وأمّا ذو فلا تجري هذا المجرى، ويظهر أيضا في التثنية، والجمع الصحيح لأنّ إعراب الأسماء الخمسة مضافة في النصب بالألف وفي الإفراد بالفتح وإعراب التثنية والجمع الصحيح المذكّر في الإضافة بسقوط نونه، وفي الإفراد بثبوتها، قال ابن الحاجب (¬3): والظاهر أنّ جمع المؤنّث الصحيح كذلك؛ فإنّ تنوينه يحذف في الإضافة كقولك: ضارباتك، ويثبت في الإفراد نحو: لا ضاربات في الدار فتقول على هذه اللغة الثانية: لا أبا لزيد، وكذلك لا أخا، ولا هنا، ولا حما، ولا فا، لزيد، ولا ناصحي لخالد، ولا ضاربات لزيد، فتثبت الألف في الأسماء الخمسة كما تقول: رأيت أبا زيد وأخاه إلى آخرها وتسقط نون التثنية في قولك: لا ناصحي لخالد، كما تقول: رأيت ناصحي خالد وكذلك تسقط نون الجمع، في قولك: لا ناصحي لخالد، كما تقول: رأيت ناصحي خالد، وكذلك يسقط تنوين جمع المؤنّث في قولك: لا ضاربات لزيد، كما تقول: رأيت ضارباتك، وغير الأسماء الخمسة والتثنية والجمع السّالم، لا يختلف لفظه في اللغتين؛ ألا ترى أنّك إذا قلت: لا غلام لزيد، وقدّرته مفردا، وجبت له الفتحة لوجوب بنائه على ما ينصب به، وإذا شبّهته بالمضاف أعربته بالنصب وهو مضاف فلم يكن له غير الفتحة، ولكن تقدّر في لغة الإفراد الفتحة للبناء، وفي لغة التشبيه بالمضاف فتحة إعراب بالنّصب، وإن ذكر بعد النكرة ما لم يصحّ إضافتها إليه نحو: لا أب فيها، ولا رقيبين عليها، لم يكن فيه إلّا البناء وسقطت ¬
ذكر خبر ما ولا المشبهتين بليس
لغة التشبيه بالمضاف لزوال اللّام المقتضية للتشبيه بالمضاف (¬1). واعلم أنّه يجوز حذف اسم لا (¬2) في مثل: لا عليك أي لا بأس عليك (¬3). ذكر خبر ما ولا المشبّهتين بليس (¬4) وهو سابع المنصوبات المشبّهات بالمفعول، وهو الذي يخبر به بعد دخولهما، وينصب في لغة أهل الحجاز، قال الله تعالى: وَقُلْنَ حاشَ لِلَّهِ ما هذا بَشَراً (¬5) وبنو تميم لا يعملونهما لعدم اختصاصهما (¬6)، أي لدخولهما على الاسم والفعل، ويبطل عمل ما ولا في أشياء: أحدها: إذا انتقض النفي بإلّا نحو: ما زيد إلّا قائم، ولا رجل إلا أفضل منك لفقد ما عملتا (¬7) لأجله وهو النّفي. وثانيها: إذا تقدّم خبرها على اسمها نحو: ما قائم زيد، لضعفها في العمل (¬8). وثالثها: إذا زيدت إن بعد ما نحو: ما إن زيد قائم، لضعف عملها بالفصل بينها وبين معمولها (¬9) ومنه قوله: (¬10) ¬
ذكر المجرورات
وما إن طبّنا جبن ولكن … منايانا ودولة آخرينا وإذا عطف على خبر ما ولا بحرف عطف موجب نحو: بل ولكن، بطل عملهما في المعطوف، لبطلان النفي الذي هو سبب عملهما (¬1)، ووجب الرّفع حملا على محلّ خبر ما ولا من حيث هو خبر المبتدإ في الأصل (¬2) نحو: ما أنت مخالفا بل طائع ولكن طائع، وما زيد قائما بل قاعد. ذكر المجرورات (¬3) المجرور ما اشتمل على علم المضاف إليه (¬4) وهو قسمان: أحدهما: مجرور بحرف الجرّ وسيأتي في قسم الحرف (¬5) والثاني: المضاف إليه وهو كلّ اسم ملفوظ أو مقدّر، نسب إليه شيء بواسطة حرف جرّ لفظا أو تقديرا مرادا، فمثال الاسم الملفوظ زيد في: غلام زيد، والمقدّر في نحو قوله تعالى: يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ (¬6) إذ تقديره يوم قيام الروح، وقوله: نسب إليه شيء بواسطة حرف الجرّ، احتراز (¬7) عن الإضافة اللفظيّة مثل: زيد ضارب عمرو، فإنّ المضاف إليه فيها نسب إليه المضاف الذي هو الصّفة لا بواسطة حرف جرّ، وقوله: لفظا أو تقديرا تفصيل لحرف الجر، فاللفظيّ نحو: مررت بزيد، وأنا مار بزيد، والتقديريّ (¬8) نحو اللام في: غلام زيد، ومن في: خاتم فضّة (¬9) وشرط المضاف إليه المجرور بواسطة حرف الجرّ التقديري أن يكون مضافه اسما حذف تنوينه أو ما يقوم مقام التنوين لأجل الإضافة (¬10)، وقوله: مرادا احتراز عن الظّرف نحو: صمت يوم الجمعة، لأنّ يوم الجمعة نسب إليه ¬
ذكر الإضافة المعنوية
شيء وهو صمت بواسطة حرف الجر وهو في، وليس ذلك الحرف مرادا، وإلّا كان يوم الجمعة مجرورا لا يقال: قولكم: إنّ المضاف إليه لا يكون إلّا اسما لفظا أو تقديرا وقد أضيف نحو: حيث وإذا، إلى الجمل في قولهم: جلست حيث جلس زيد، وليست الجملة اسما لا لفظا ولا تقديرا، لأنّا نقول: إنّ هذه الجملة مؤوّلة بالاسم المفرد، إذ تقديره: جلست حيث جلوس زيد، أي مكان جلوسه، والإضافة نوعان: معنوية ولفظية. ذكر الإضافة المعنويّة (¬1) وهي أن يكون المضاف غير صفة مضافة إلى معمولها، وهو على ثلاثة أضرب: أحدها: بمعنى من، وشرطها: أن يكون المضاف نوع المضاف إليه (¬2) نحو: خاتم فضّة، وباب ساج. وثانيها: بمعنى في، وشرطها: أن يكون المضاف اسما مضافا إلى ظرفه نحو ضرب اليوم ومَكْرُ اللَّيْلِ (¬3) وهو قليل (¬4). وثالثها: بمعنى اللّام وهو ما عدا هذين القسمين نحو: غلام زيد، وغلامه، والفرق بين الإضافة بمعنى اللّام، ومعنى من، أنّ التي بمعنى اللّام لا يصحّ الإخبار بأحد الاسمين عن الآخر، ولا يكون المضاف نوعا من المضاف إليه، ولا يجوز أن ينتصب المضاف إليه على التمييز من المضاف، والتي بمعنى من على العكس من ذلك كلّه (¬5) وشرط الإضافة أن يكون المضاف خاليا عن التعريف (¬6)، وأجاز الكوفيون: الخمسة الأثواب ونحوه من العدد ومنعه البصريون كغيره (¬7) لأنّه لو أضيف المعرّف ¬
ذكر الإضافة اللفظية
إلى معرفة كان جمعا بين تعريفين، وإن أضيف إلى نكرة حصل من المعرفة تعيين المسمّى، ومن النكرة، عدم/ تعيينه فيتنافيان. قال ذو الرمة: (¬1) وهل يرجع التسليم أو يكشف العمى … ثلاث الأثافي والدّيار البلاقع وكذلك حكم إضافة العدد، تقول: مائة الدّرهم ومائتا الدينار، وثلاثة مائة الدّرهم، وألف الرجل، وثلاثة آلاف الرجل، وعلى ذلك جميع ما هو من هذا الباب. ذكر الإضافة اللفظيّة (¬2) وهي أن يكون المضاف صفة مضافة إلى ما كان معمولا لها، مثل: عمرو ضارب زيد، وعظيم الحظّ، وحسن الوجه، وأصله ضارب زيدا، وعظيم حظّه وحسن وجهه، والمعنى في الإضافة اللفظيّة على ما كان عليه لو لم يضف لأنّها لا تفيد غير تخفيف اللفظ (¬3) وهو (¬4) حذف التنوين أو ما يقوم مقامه (¬5)، واحترز بقوله: صفة مضافة إلى معمولها، من الصفة المضافة إلى غير معمولها نحو: مصارع مصر، فإنّ إضافته معنويّة، لأنّ مصر ليس بمعمول مصارع، وكذلك المصدر المضاف إلى الفاعل أو المفعول إضافته معنويّة (¬6)، لأنّ المصدر ليس بصفة نحو: دقّ القصّار ¬
الثوب أو دقّ الثوب القصّار (¬1)، وكذلك نحو: هذا مضروب زيد وضارب زيد أمس، وزيد أفضل القوم، فإنّ ذلك كلّه إضافة معنويّة، لأنّ المراد بالصفة المضافة إلى معمولها، أنّ المضاف كان رافعا أو ناصبا للمضاف إليه قبل الإضافة، ومعلوم أنّ هذه الصفة ليست كذلك، لأنّ ضارب شرط عمله أن يكون للحال أو للاستقبال، فإذا قلت: أمس انتفى عمله وأما مضروب وأفضل فإنّهما أيضا لم يكونا رافعين ولا ناصبين للمضاف إليه قبل الإضافة (¬2). والإضافة اللفظيّة لا تفيد تعريفا لأنه يجوز جعل المضاف إضافة لفظيّة صفة للنكرة دون المعرفة، نحو: مررت برجل حسن الوجه، وبرجل ضارب زيد (¬3)، فلولا أنّه نكرة لما وصف به النكرة، ويمتنع أن توصف به المعرفة فلا يقال: مررت بزيد ضارب عمرو، على أن يكون صفة ولو كان معرفة لوصف به المعرفة ويجوز: الضاربا زيد، والضاربو زيد، وفي التنزيل وَالْمُقِيمِي الصَّلاةِ (¬4) لإفادته التخفيف وهو حذف النون، ويمتنع: الضارب زيد، لعدم وجود التخفيف بهذه الإضافة والفرّاء جوّزه (¬5)، قالوا: وللفرّاء أن يحتجّ بأنّ التنوين حذف للإضافة، وأنّ الألف واللام، دخلتا (¬6) بعد الإضافة (¬7)، فإن قيل: فالواجب أن يمتنع الضارب الرجل كما امتنع الضارب زيد، لعدم التخفيف، فالجواب: أنّ الضارب الرجل مشبّه بالحسن الوجه، من حيث إنّ المضاف في الصورتين صفة، والمضاف إليه معرّف باللام (¬8)، وكذا إن ¬
ذكر ما يمتنع إضافته
قيل: إن الضار بك جائز وهو مضاف إلى المضمر مع عدم التخفيف، فهو كالضارب زيد، فيجاب: بأنّه محمول على ضاربك، وضاربك مضاف باتفاق، وتخفيفه تقديري، إذ لم ينطق باسم فاعل عامل نصبا في مضمر متصل (¬1)، لأنّ اسم الفاعل لا يعمل نصبا إلا إذا كان منوّنا/ ولو كان منوّنا لامتنع اتصال الضمير به، ولكن يقدّر أنّ أصله كان ضاربنك، بتنوين اسم الفاعل، ثمّ حذف التنوين وأضيف إضافة لفظيّة فبقي: ضاربك، فقد أفاد تخفيفا تقديريا، ولمّا كان لم ينطق به لم ينظر إلى التخفيف فيه (¬2). ذكر ما يمتنع إضافته (¬3) لا يجوز إضافة الصفة إلى موصوفها فلا يقال في رجل قائم: قائم رجل، لأنّ الصفة اسم منسوب إلى ما قبله، والمضاف منسوب إلى ما بعده فيتنافيان، وكذلك عكسه فلا يضاف الموصوف إلى صفته لأنّ المضاف مقصود به الذات والصفة مقصود بها المعنى فيتنافيان، وأيضا فلا يستقيم في الصورتين تقدير حرف الجرّ، وما ورد في إضافة الصفة إلى الموصوف في قولهم: أخلاق ثياب، فموّؤل عند البصريين وهو أنّهم قالوا: ثياب أخلاق، فحذفوا الموصوف فبقي أخلاق محتملا أن يكون ثيابا أو غيرها، فأضافوه إلى ما يبيّنه كإضافة ثوب إلى خزّ وكذلك ما أشبهه نحو: سحق عمامة (¬4) وجرد قطيفة (¬5) وقولهم: مسجد الجامع ظاهر في إضافة الموصوف إلى صفته وتأويله: بالوقت أي مسجد الوقت الجامع، فحذف الوقت وأضيف الجامع إلى صفة الوقت (¬6) وكذلك ما أشبهه مثل: جانب الغربي، وبقلة الحمقاء، موؤّل بجانب المكان الغربي، وبقلة الحبّة الحمقاء، لأنّه كما توصف البقلة بالحمقاء، توصف الحبّة ¬
ذكر إضافة الاسم الصحيح والملحق به
التي تنبتها (¬1) ولا يضاف أحد الاسمين المماثلين في العموم والخصوص إلى الآخر (¬2)، لعدم الفائدة نحو: ليث أسد في الأعيان، وحبس منع في المعاني، وكذلك المتساويان كالإنسان والناطق بخلاف: كلّ الدراهم فإنّهما ليسا بمتماثلين لأنّ المضاف إليه وهو الدراهم أخصّ من المضاف الذي هو كلّ، فيكون ذلك من قبيل إضافة العامّ إلى الخاصّ، فيختصّ المضاف بالمضاف إليه فيفيد، وكذلك عين الشيء فإنّ ذلك الشيء المضاف إليه العين أخصّ من العين، لأنّه إما ذهب أو شخص أو معنى أو غير ذلك، نحو: عين الذّهب، وعين الشّخص وعين الصّواب، لأنّ الشيء عبارة عمّا ذكرناه، فيصحّ، لأنّه من باب إضافة العامّ إلى الخاصّ (¬3) كما ذكرنا. ذكر إضافة الاسم الصحيح والملحق به (¬4) الاسم الصحيح هو ما لم يكن حرف إعرابه ألفا ولا ياء خفيفة قبلها كسرة، والملحق بالاسم الصحيح ما آخره واو، أو ياء قبلها ساكن نحو: دلو وظبي، أو ياء مشدّدة نحو: كرسيّ وبختيّ (¬5) وإنّما أجريت الواو والياء إذا سكّن ما قبلهما مجرى الصحيح، لأنّ ما قبلهما ساكن والساكن موقوف عليه، فوجب تحريك الياء والواو بعده لأنّهما في حكم المبدوء به ولا يبدأ بالساكن، فإذا أضيف الصحيح أو الملحق به إلى ياء المتكلّم، كسر آخره للمجانسة التي بين الكسرة والياء، وجاز في ياء المتكلّم حال الإضافة: الفتح والسكون، أمّا فتحها فقيل: لأنّها اسم على حرف وسكونه إجحاف فحرّك قياسا على أكثر الضمائر نحو: كاف الخطاب، وأما سكونها/ فلأنّ الأصل في البناء السكون فتقول: غلامي ودلوي وظبيي (¬6) بفتح الياء، وسكونها (¬7)، ¬
ذكر إضافة المقصور والمنقوص
وأما الأسماء التي ليست صحيحة ولا ملحقة بالصحيحة فهي الأسماء المقصورة والمنقوصة كما سنذكر. ذكر إضافة المقصور والمنقوص (¬1) اعلم أنّ الاسم إمّا أن يكون صحيحا أو ملحقا به، أو لا يكون صحيحا ولا ملحقا به، وقد مرّ حكم الصحيح والملحق به، وأمّا الذي لم يكن صحيحا ولا ملحقا به، فآخره إمّا ألف أو ياء أو واو، أما ما آخره ألف ويقال له: المقصور، فإذا أضيف إلى ياء المتكلّم ثبتت الألف (¬2) فتقول في عصا ورحى ومعلى (¬3) ونحو ذلك: عصاي ورحاي ومعلاي، قال الله تعالى: هِيَ عَصايَ أَتَوَكَّؤُا عَلَيْها (¬4) وهذيل تقلب الألف في الإضافة إلى أصلها وتدغمها في ياء المتكلّم (¬5) فتقول: عصيّ ورحيّ، قال أبو ذؤيب الهذليّ (¬6) من قصيدة يرثي بها أولاده: سبقوا هويّ وأعنقوا لهواهم … فتخرّموا ولكلّ جنب مصرع إلّا أن تكون الألف للتثنية فلا تقلبها وتثبت بالاتفاق (¬7) نحو: غلاماي لما فيها من الدلالة على التثنية والرفع، وهذا الحكم إنّما هو جار في المعرب، وأمّا المبنيّ نحو: لدى وعلى، فألفه تقلب ياء مطلقا، وأمّا ما آخره ياء والمراد به ما آخره ياء ¬
خفيفة قبلها كسرة ويقال له: المنقوص، فإذا أضيف إلى ياء المتكلّم أدغمت ياؤه في ياء المتكلم، فتقول في قاضي ونحوه: قاضيّ وكذا في مثنّاه ومجموعه، لأنّ نون التثنية والجمع تسقط في الإضافة فإن لم تكن الياء الأولى ساكنة، سكّنت ثمّ أدغمت في ياء المتكلّم، وأما ما آخره واو ولا يكون إلّا في رفع جمع المذكّر السّالم نحو: مسلمون وقاضون، فإذا أضيف إلى ياء المتكلّم (¬1) بقي: مسلموي اجتمعت الواو والياء وسبقت إحداهما فقلبت الواو ياء، وأدغمت الياء في ياء المتكلّم وأبدلت ضمّة الميم كسرة، بقي مسلميّ وقاضيّ (¬2) وإنّما خصّصنا جمع المذكّر السّالم المرفوع بالذكر، لأنّه ليس في كلامهم اسم معرب آخره واو قبلها ضمّة لازمة، واحترز بقوله لازمة (¬3) عن «ذو» لزوالها مع الألف في النصب ومع الياء في الجرّ. وإذا أضيفت الأسماء الخمسة (¬4) إلى المتكلّم، قيل: أبي، وأخي، وحمي، وهني وفي، وأجاز المبرّد أخيّ وأبيّ بتشديد الياء (¬5) لأنّه ردّ المحذوف من أخ وأب فصار: أخوي وأبوي، استثقلت الكسرة على الواو فحذفت فاجتمعت الواو والياء وسبقت إحداهما بالسكون فقلبت الواو ياء وأدغمت في ياء المتكلّم واستشهد بقول الشّاعر: (¬6) ... … وأبيّ مالك ذو المجاز بدار ¬
وردوه بأنّ أخيّ وأبيّ بالتشديد جمع سلامة وأصله: أخون وأبون فحذفت النون للإضافة وقلبت واو الجمع ياء وأدغمت في ياء المتكلّم على القياس كما فعلوا في مسلميّ، واستشهدوا على ذلك بقول الشاعر: (¬1) ضربت أخيك ضربة لا جبان … ضربت بمثلها قدما أبيكا أراد أخينك وأبينك/ فحذف النون للإضافة فبقي: أخيك وأبيك، وأمّا «ذو» فإنّها لا تضاف إلى مضمر ولا تقطع عن الإضافة، وإنّما لم تضف ذو إلى المضمر، لأنّها جعلت وصلة إلى الوصف باسم الجنس (¬2) نحو: مال وعلم كما جعلوا الذي وصلة إلى وصف المعارف بالجمل، وهمزة الوصل وصلة إلى النطق بالساكن، والفاء وصلة إلى المجازاة بالجملة الإسميّة، وأيا وصلة إلى نداء ما فيه اللام، والوصل في كلامهم كثير، فلمّا كان ذو وصلة إلى الوصف لم تكن وصفا بل ما بعدها هو الوصف، والمضمر لا يوصف به ولا يوصف، فلم يدخل على المضمر إلّا شاذّا نادرا (¬3) نحو: صلّ على محمّد وذويه، وكذا ما روي: (¬4) إنّما يعرف ذا الفض … ل من النّاس ذووه وإنّما لم تقطع ذو عن الإضافة لأنّها وصلة إلى ما بعدها، وهو المقصود لا هي، فلو قطعت لخرجت عن وضعها، وفي إضافة الفم لغتان: إحداهما: فمي، لأنّه في الإفراد فم، والثانية: فيّ وهو الفصيح، لأنّ ميم الفم أبدلت من الواو في الإفراد على ما سنذكره في قسم التصريف (¬5) وإذا زال الإفراد بالإضافة رجعت الواو فصار فوي، فاجتمعت الواو والياء، وسبقت إحداهما بالسكون، فقلبت الواو ياء وأدغمت الياء في الياء وكسر ما قبل الياء للمجانسة فصار ¬
ذكر بقية الكلام على الإضافة
فيّ (¬1)، وإذا قطعت هذه الأسماء عن الإضافة كان إعرابها بالحركات الثلاث، فتقول: هذا أخ وأب وحم وهن وفم، ورأيت أبا وأخا وحما وهنا، ومررت بأخ وأب وحم وهن وفم بفتح الفاء من فم على الأفصح، ويجوز كسرها، وضمّها بتشديد الميم، وتخفيفها (¬2) وفي حم لغات غير ما تقدّم منها: أن تجري مجرى خبء، تقول حمء وحمؤك بالهمز فيهما كما تقول خبؤك، والخبء ما خبيء، وخبء السموات، القطر، وخبء الأرض. النّبات ومنها: أن تجرى مجرى دلو وعصا تقول: حمو وحموك مثل: دلو ودلوك، وحما وحماك مثل: عصا وعصاك، ويجوز في هن، أن تجري مجرى يد، تقول: هنك كما تقول يدك فتخالف اللغة الأولى في الإضافة، لأنّ الأولى في الإضافة هنوك، وأمّا في الإفراد فمتّفقتان في اللفظ، لأنّ كلّا منهما هن (¬3). ذكر بقيّة الكلام على الإضافة وهي عدّة مسائل: منها: أنّ الإضافة المعنويّة بمعنى في لم يثبتها صاحب المفصّل (¬4)، ولذلك شرط إذهاب تقدير في حتّى تبقى نسيا منسيا، وزعم أنّ الاسم يضاف إلى ظرفه بدون تقدير في (¬5) ويؤوّل نحو: (¬6) يا سارق الليلة أهل الدّار بأنّه سرق الليلة نفسها على سبيل المبالغة. ¬
ذكر التوابع
ومنها: أن الإضافة المعنويّة تفيد تعريفا مع معرفة المضاف إليه (¬1) إلّا إذا توغّل المضاف في الإبهام نحو: غير وشبه ومثل، إلّا إذا اشتهر المضاف بمغايرة المضاف إليه نحو: غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ (¬2) أو بمماثلته نحو: مررت بزيد مثل عمرو إذا اشتهر بمماثلته (¬3). ومنها: أنّ شرط الإضافة المعنويّة تجريد المضاف من التعريف بأن تزال اللام من المعرّف باللام، ويؤوّل العلم بواحد من الأمة المسمّاة به نحو: ربيعة الفرس (¬4). ومنها/ ما ورد من إضافة الاسم إلى مماثله نحو: سعيد كرز، وزيد بطة، بإضافة الاسم إلى اللّقب، وهو مؤوّل بأنّ اللقب لمّا كان أشهر من الاسم تنزّل الأوّل منزلة المجهول، والثاني منزلة المعلوم فتغايرا (¬5). ومنها، أنّ العامل في المضاف إليه هو المضاف (¬6) لا الحرف ولا معناه ليشمل القبيلين أعني المعنويّة واللفظيّة. ذكر التّوابع (¬7) وهي كلّ ثان بإعراب سابقه من جهة واحدة، قوله: من جهة واحدة، يخرج خبر المبتدأ والمفعول الثاني من علمت وأعطيت، والثالث من أعلمت، والمراد باتّحاد الجهة اشتراك التابع والمتبوع في الجملة التي تنسب إلى المتبوع، لأنّك إذا قلت: ضرب زيد الجاهل عمرا العاقل، كانت الصفة مشاركة للموصوف في جهة ¬
ذكر النعت
الفاعلية والمفعوليّة (¬1). ذكر النّعت (¬2) وهو تابع يدلّ على معنى في متبوعه أو متعلّقه مطلقا قوله: تابع، كالجنس لأنّه يشمل جميع التوابع، وقوله: يدلّ على معنى في متبوعه كالفصل، فإنّه يخرج جميع التوابع سوى النّعت لأنّ جميعها لا تدلّ على معنى في متبوعها (¬3)، وقوله: مطلقا، احترز به عن الحال من المنصوب، لأنّها من غير المنصوب لا تشتبه لأنّها ليست تابعة لذي الحال في الإعراب وذلك نحو: ضربت زيدا قائما، فإنّ قائما وإن توهم فيه أنّه تابع يدل على معنى في متبوعه، لكن لا يدلّ عليه مطلقا بل حال صدور الفعل عنه (¬4) والنّعت والوصف والصّفة ألفاظ مترادفة (¬5) ومثال النّعت: جاءني رجل عالم، فعالم يدلّ على معنى، وهو العلم في متبوعه الذي هو رجل، واشترط بعضهم أن يكون النعت مشتقّا (¬6) والصحيح أنّه لا يجب ذلك لأنّ نحو: جاءني رجل تميميّ أو علويّ أو ذو مال، نعت لرجل (¬7) وليس بمشتقّ إلّا بتأويل، نحو أن يقال في تميمي وعلوي: منسوب، وفي ذو مال: صاحب مال. والنعت يفيد التخصيص إن كان للنكرة (¬8) نحو: جاءني رجل طويل، ويفيد التوضيح إن كان للمعرفة نحو: جاءني زيد الطويل، ويكون لمجرّد الثناء نحو: بسم الله الرّحمن الرّحيم، ولمجرّد الذمّ نحو: من الشيطان الرجيم، ويكون النّعت أيضا للترحمّ ¬
نحو: بزيد المسكين، واعلم أنه يجيء أيضا للتوكيد (¬1) كقوله تعالى: نَفْخَةٌ واحِدَةٌ (¬2). وتوصف النكرة بالجمل الخبريّة ويلزم الضمير، والخبريّة هي التي تحتمل الصدق والكذب، وهي اسميّة وفعليّة وشرطيّة وظرفيّة نحو: مررّت برجل أبوه قائم، ورجل قام أبوه، ورجل إن قام أبوه قمت، ورجل في الدّار (¬3) واختصت النكرة بذلك دون المعرفة لكون الجملة نكرة ووجوب مطابقة الموصوف الصفة في التعريف والتنكير، ولا تكون الجملة الإنشائيّة صفة للنكرة (¬4) لأنّها لا تكون خبرا إلّا بتأويل نحو قول الشّاعر: (¬5) حتّى إذا جاء الظّلام المختلط … جاؤوا بمذق هل رأيت الذئب قطّ / فهل رأيت الذئب قط جملة إنشائيّة وهي صفة لمذق في موضع جرّ، والمعنى جاؤوا بمذق لونه مثل لون الذئب لغبرته، والمذق اللّبن الممزوج، وقيل التقدير: جاؤوا بمذق مقول فيه عند رؤيته هذا القول (¬6). واعلم أنّ الموصوف يوصف تارة باعتبار حاله (¬7) نحو: مررت برجل عالم، وتارة باعتبار متعلّقه نحو: مررت برجل حسن غلامه، ومنيع جاره، ومؤدّب غلمانه، ومعنى وصف الشيء باعتبار حاله، أن يوصف بالمعنى القائم به، ففي المثال المذكور العلم معنى قائم بذات رجل، وأما وصفه بحال متعلّقه، فحال متعلّقه هي المعنى ¬
القائم بذات متعلّقه، ومتعلّق الموصوف هو أن يكون فاعل الصفة مضافا إلى ضمير الموصوف نحو: غلامه في مررت برجل حسن غلامه، فحسن صفة لرجل في اللفظ وهو في المعنى للغلام وصار الغلام من متعلّقات الرجل بإضافته إلى ضميره العائد عليه، أعني على الرجل، وقد يكون المتعلّق المذكور مفعولا للصفة نحو: مررت برجل مخالط أباه داء، فالمتعلّق وهو أباه مفعول للصفة التي هي مخالط (¬1). والنعت الذي هو حال الموصوف يتبع الموصوف في عشرة أشياء: وهي الرفع والنصب والجرّ والتعريف والتنكير والإفراد والتثنية والجمع والتذكير والتأنيث، أي تجب موافقة الصفة للموصوف في هذه الأشياء، ولا يعنون أنّ العشرة تجتمع، لأنها متضادّة وإنّما يعنون أنّه لا بدّ من واحد من كلّ نوع فتجتمع أربعة من الرفع والنصب والجرّ، أحدها، ومن التعريف والتنكير أحدهما، ومن الإفراد والتثنية والجمع، أحدها، ومن التذكير والتأنيث أحدهما (¬2)، والنعت الذي هو بحال متعلّق الموصوف يتبع الموصوف في الخمس الأول: أعني في اثنين من الخمس الأول: وهي الرفع والنّصب والجرّ والتعريف والتنكير، ولم يجعل تابعا للموصوف في الخمس الباقية وهي: الإفراد والثنية والجمع والتذكير والتأنيث بل كأنّ حكم النّعت بالنّظر إلى المتعلّق حكم الفعل، لأنّه مسند إلى الظاهر الذي بعده، وكما أنّ الفعل إذا أسند إلى الظاهر الذي بعده يجب إفراده، وإذا كان الفاعل مذكرا يجب تذكيره، وإذا كان الفاعل مؤنّثا حقيقيّا يجب تأنيثه، فكذلك الصفة لأنّها واقعة موقع الفعل وعاملة عمله (¬3) فتقول: مررت بامرأة قائم أبوها، وبرجل قائمة امرأته، ومررت برجل قاعد غلامه وبرجلين قاعد غلامهما، وبرجال قاعد غلمانهم بإفراد قاعد مع كون فاعله جمعا، وضعف قام رجل قاعدون غلمانه، لأنّ «قاعدون» مثل يقعدون لفظا ومعنى، فكما ضعف: قام رجل يقعدون غلمانه، ضعف قام رجل قاعدون غلمانه (¬4)، ولكن يجوز من غير ضعف أن يقال: قام رجل/ قعود غلمانه، لأنّ قعود ليس مثل يقعدون لفظا (¬5). ¬
فصل والنظر في الوصف على أربعة أضرب
فصل (¬1) والنّظر في الوصف على أربعة أضرب لأنّ اللفظ منه ما لا يوصف ولا يوصف به وهو المضمر كما سيذكر، ومنه ما يوصف ولا يوصف به وهو العلم، ومنه ما يوصف به ولا يوصف وهو الجملة الخبريّة، ومنه ما يوصف ويوصف به وهو المعرّف باللام والمضاف والإشارة، وإنّما لم يوصف المضمر لأنّ بعض المضمرات وهو أنا في غاية الوضوح فلا يحتاج إلى توضيحه بالصفة، وكذلك المخاطب يوضحه الحضور والمشاهدة فلا اشتراك فيما هذا شأنه، وإذا انتفى موجب الوصف وهو الاشتراك انتفى الوصف، لأنّ الوصف إنّما هو للإيضاح وقد ثبت إيضاح المضمر بدونه وحمل باقي المضمرات على ذلك (¬2) وإنّما لم يوصف بالمضمر؛ لأنّ الصفة تدلّ على معنى في الموصوف، والمضمر وضع ليدلّ على الذات، ويجب أن يكون الموصوف أخصّ من الصفة أي أعرف منها أو مساويا لها، ولا يجوز أن تكون الصفة أخصّ منه أي أعرف منه؛ لأنّه المقصود بالنسبة المفيدة والصفة غير مقصودة بذلك فلا يوصف المعرّف باللام باسم الإشارة لأنّه أخصّ من المعرّف باللام (¬3) فلا يقال: مررت بالرجل هذا، وتراد الصّفة، ويلزم أن يوصف اسم الإشارة بالمعرّف باللّام لأنّ اسم الإشارة مبهم الذات، واسم الجنس يدلّ على حقيقة الذّات وتعريفه بالألف واللام، فمن ثمّ وجب أن توصف أسماء الإشارة بما فيه الألف واللام لدلالته على حقيقة الذّات فيتّضح به اسم الإشارة لكونه مبهم الذات (¬4). والعلم يوصف بثلاثة أشياء، بالمبهم، وبالمعرّف باللام، وبالمضاف، لكون ¬
فصل واعلم أن المصدر يقع صفة
العلم أخصّ من هذه الثلاثة، لأنّه في أوّل أحواله وضع لشخص معيّن بخلاف المبهم فإنّه لا يستقرّ على مسمّى، وبخلاف المعرّف باللام فإنّ تعريفه لا بذاته بل بالألف واللام، ولذلك يزول عنه التعريف بزوالهما، وكذلك تعريف المضاف بغيره فالعلم أخصّ منها. واعلم أنّ اسم الإشارة نحو: هذا، لمّا كان (¬1) مبهم الذّات احتاج إلى ما يبيّن حقيقته وذلك لا يكون إلّا بأحد أمرين: إمّا باسم الجنس نحو: الرجل لدلالته على حقيقة الذات، أو بوصف يختصّ بالذات التي يراد بيانها كالعالم والكاتب بالنسبة إلى ذات الإنسان، فلذلك قالوا: جاءني هذا الرجل، ومررت بهذا العالم، لأنّ العلم وصف خاص بذات الرجل لا يوجد إلّا في نوعه، بخلاف قولك: هذا الأبيض لعدم اختصاصه بنوع دون نوع وبسبب ما شرح، حسن مررت بهذا العالم وضعف: مررت بهذا الأبيض (¬2). فصل (¬3) واعلم أنّ المصدر يقع صفة نحو: رجل عدل ورجال صوم أو فطر، وشبه ذلك وفائدة الوصف بالمصدر الاختصاص لأنّ تقديره: ذو عدل، فلمّا وصف به بتوسط ذو وعرف مكانه، حذفت تخفيفا لأنّه لا يلتبس، لأنّ (¬4) الرجل ليس هو الصوم وكذلك رجل/ خصم فإنّه أخصّ من مخاصم، وأكثر ما يوصف بالمصدر الثلاثي، وإنّما ساغ الوصف بالمصدر، لأنّ الصفة في الأصل مأخوذة من المصدر، لأنّ تأويل ضارب، ذو ضرب، وإذا وصف بالمصدر فالأحسن الأكثر أن لا يثنّى ولا يجمع ولا يؤنّث (¬5) كقولك: مررت برجلين صوم، ورجال صوم، ونساء صوم إلّا ما دخله كثرة الاستعمال نحو: رجل عدل ورجلين عدلين. ¬
ذكر العطف
ذكر العطف (¬1) وحدّه: تابع مقصود ينسب إليه مع متبوعه، يتوسّط بينه وبين متبوعه أحد الحروف العشرة التي ستذكر، وقد خرج بذلك التوابع كلّها لأنّها ليست مقصودة بالنسبة غير البدل فإنّه وإن كان مقصودا بالنسبة لكنّ متبوعه ليس مقصودا بالنسبة (¬2) ومثاله: قام زيد وعمرو، فعمرو تابع مقصود بنسبة القيام مع زيد، وشرط صحّة العطف على المضمر المرفوع المتّصل أن يؤكّد بمنفصل (¬3) كقولك: قمت أنا وزيد، أمّا إذا وقع الفصل بين المضمر المذكور، وبين المعطوف فإنّ العطف عليه حينئذ يجوز من غير تأكيد سواء وقع الفاصل قبل حرف العطف نحو: ضربت اليوم وزيد، أو بعد، كقوله تعالى: ما أَشْرَكْنا وَلا آباؤُنا (¬4) وإذا عطف على الضمير المجرور، أعيد الجارّ حرفا كان أو مضافا (¬5) نحو: مررت بك وبزيد، وجلس بيني وبين زيد، لأنّ الضمير المجرور صار كالجزء من الجار فكرهوا أن يعطفوا المستقلّ على ما هو كالجزء، أمّا قراءة حمزة (¬6) واتقوا الله الذي تسائلون به والأرحام (¬7) بالخفض (¬8) فغير متعيّن للعطف لاحتمال القسم (¬9). ¬
وقول الشاعر: (¬1) ... … فاذهب فما بك والأيّام من عجب فشاذ، وحكم المعطوف مثل حكم المعطوف عليه (¬2) فيما جاز له، ووجب وامتنع فإذا قلت: زيد قائم وعالم، فلا بدّ من ضمير في عالم المعطوف، كما لا بدّ منه في قائم المعطوف عليه، وكذلك: جاءني الذي قام أبوه وسافر غلامه، فلا بدّ من ضمير في الجملة الثانية كما في الأولى، فالمعطوف على الخبر يجب أن يصحّ كونه خبرا، وكذلك المعطوف على الصّلة يجب أن يصحّ كونه صلة، وكذا لا يعطف على الحال إلّا ما يصحّ أن يكون حالا (¬3) فإن أبى الثاني حكم العطف، أي لم يستقم لفوات المصحّح، فاجعله مستقلا لا معطوفا نحو منطلق في قولك: ما أنت قائما ولا منطلق عمرو، فلو جعلت منطلق منصوبا عطفا على خبر ما، الذي هو قائم لم يستقم لوجود الضمير في المعطوف عليه وهو قائم وامتناعه في المعطوف وهو منطلق لكون عمرو فاعلا له، فيجعل قوله: ولا منطلق عمرو جملة معطوفة على الأولى، كأنه قيل: ما أنت قائما ولا عمرو منطلق (¬4) فإن أورد في هذا الباب قولهم: الذي يطير فيغضب زيد الذباب، من حيث كان يطير صلة للذي، وفيه ضمير عائد، وقد عطف فيغضب عليه وليس فيه ضمير يعود، فالجواب: أنّ هذه فاء السببيّة لا فاء العطف، لأنّك لو قدّرت موضعها حرف عطف/ وقلت: الذي يطير ويغضب زيد أو ثمّ يغضب ¬
زيد، لم يستقم وتقديره: الذي يطير فبسببه يغضب زيد الذباب (¬1). وقد اختلف في صحّة العطف بعاطف واحد على معمولي عاملين مختلفين (¬2) والمختار جوازه لا مطلقا، بل إذا كان المجرور متقدّما على المرفوع أو المنصوب في المعطوف والمعطوف عليه نحو: في الدار زيد والحجرة عمرو، فالحجرة معطوفة على الدار، والعامل في الدار لفظة في، وعمرو معطوف على زيد، والعامل فيه الابتداء، والمجرور متقدّم على المرفوع في المعطوف والمعطوف عليه، أمّا لو كان المتقدم منصوبا نحو: إنّ زيدا قائم وعمرا منطلق لم يكن عطفا على معمولي عاملين بل على معمولي عامل واحد وهو جائز باتفاق والشاهد على صحّة العطف على معمولي عاملين مختلفين بالشرائط المذكورة قوله تعالى في سورة الجاثية: إِنَّ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ، وَفِي خَلْقِكُمْ وَما يَبُثُّ مِنْ دابَّةٍ آياتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَما أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ رِزْقٍ فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها، وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ آياتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (¬3) فعطف واختلاف على قوله وفي خلقكم، وآيات وآيات الأخيرتين في قراءة حمزة والكسائي على آيات (¬4). وقول الشّاعر: (¬5) أكلّ امرئ تحسبين امرأ … ونار توّقّد في الليل نارا وقولهم في المثل (¬6): «ما كلّ سوداء تمرة ولا بيضاء شحمة»، فبيضاء معطوفة ¬
ذكر التأكيد
على سوداء، والعامل فيهما كلّ، وشحمة معطوفة على تمرة (¬1) والعامل فيهما «ما» (¬2) وقد منع ذلك سيبويه مطلقا، وتأوّل آيات الثاني والثالث بأنهما توكيد، وهو تأويل بعيد (¬3)، وأجاز الفرّاء العطف على عاملين مطلقا (¬4). ذكر التأكيد (¬5) وهو لفظيّ ومعنويّ، فاللفظيّ أن يكرّر اللفظ الأوّل بعينه وهو جار في الاسم والفعل والحرف، والجملة، نحو: زيد زيد، وضرب ضرب وإلى إلى، والله أكبر الله أكبر، والمعنويّ: تابع يقرّر أمر المتبوع في النسبة أو الشمول، فبقوله: يقرر أمر المتبوع، خرج العطف بالحرف والبدل، وبقوله: في النسبة، خرج النّعت وعطف البيان، فإنّهما يقرّران أمر المتبوع لكن لا في النّسبة (¬6) ومثال التأكيد الذي يقرر أمر المتبوع في النسبة قولك: جاءني زيد نفسه، وما أشبهه، والذي يقرّره في الشمول، نحو: جاء القوم كلّهم، وللمعنويّ ألفاظ معدودة، وهي: نفسه وعينه وكلاهما وكلتاهما، وكلّ وأجمع وأكتع وأبصع وأبضع، وهي تالية لأجمع، لأنّها لا تتقدّم عليه لكونها توابع له، خلافا لابن كيسان (¬7) فإنّه جوّز الابتداء بكلّ واحد منها (¬8) والنفس/ والعين مختلفة صيغهما، ويأتي الضمير معهما لمن هما له تقول: زيد نفسه والزيدان نفساهما وأنفسهما وهو الأكثر، والزيدون أنفسهم وهند نفسها والهندان نفساهما أو أنفسهما وهو الأكثر (¬9) كما في المذكّر، والهندات أنفسهنّ ولا يجري ¬
كلا، إلّا على المثنّى خاصّة كما أنّ كلّه لا يجري إلّا على غير المثنّى، وكذلك أجمع وما بعده يقع تأكيدا لغير المثنّى، سواء كان مفردا أو مجموعا مذكرا أو مؤنثا كما سنمثله، وليس في صيغتي كلا وكلتا اختلاف بل الاختلاف في الضمير الذي أضيفتا إليه فإنّهما يضافان إلى ضمير من هما له كقولك: كلاهما كلتاهما، والباقي من ألفاظ التأكيد لغير المثنّى باختلاف الضمير نحو: كلّها وكلّه وكلّهم وكلّهنّ وباختلاف الصيغ في الباقي (¬1) كما سنذكره. واعلم أنّ أجمع لا ينصرف للتعريف ووزن الفعل، وجمعاء لا ينصرف للتأنيث ولزوم التأنيث، وأجمع وبابه يختلف باختلاف الصيغ لا بضمير، فإنّه لا يضاف تقول: اشتريت العبد كلّه أجمع أكتع أبتع أبصع، وجاءني القوم كلّهم أجمعون أكتعون أبتعون أبصعون واشتريت الجارية كلّها جمعاء كتعاء بتعاء بصعاء، وجاءتني النسوة كلّهنّ كتع بتع بصع، وأجمعون يختصّ بالمذكرين العقلاء ولا يؤكّد بكلّ وأجمع وبابه إلّا ذو أجزاء يصحّ افتراقها حسا أو حكما (¬2)، لأنّها وضعت لمعنى الشمول، نحو: جاءني القوم كلّهم، لأنّ للقوم أجزاء ولكن يصحّ افتراقها حسا وهي: زيد وعمرو وغيرهم فإن لم يكن للشيء أجزاء أو كان له أجزاء ولكن لا يصح افتراقها حسا ولا حكما لم يجز تأكيده بكل وأجمع، لأنّهما للشمول كما تقدّم، فيصحّ قولك: اشتريت العبد كلّه، لأنّ أجزاءه يصحّ افتراقها حكما لأنّه يجوز أن يكون المشترى نصف العبد، أو أقلّ أو أكثر (¬3) ولم يصحّ: قام زيد أو جاء زيد كلّه والمراد بالشمول ما يشمل الشيء أي ما يحيط به، وقد استعملت حروف كل في معنى الشمول كثيرا فمنه: الإكليل لاحاطته بالرأس، والكلال لإحاطة التّعب بالبدن (¬4) وغير ذلك، وإذا أكّد بالنفس والعين ضمير متصل مرفوع فلا بدّ أن يفصل بينهما بضمير منفصل مطابق للمؤكّد (¬5) ¬
كقولك: ضربت أنت نفسك، فالضمير المرفوع المتصل المؤكّد هو التاء في ضربت، والمنفصل المطابق للمؤكّد هو أنت، وكذلك المضمر المتكلّم ضربت أنا نفسي وبابه، والمضمر الغائب نحو ضرب هو نفسه وجاءا هما أنفسهما، وجاؤوا هم أنفسهم وبابه، وإنّما وجب تأكيده بمنفصل لكون المرفوع المتصل كالجزء، فكرهوا أن يؤكّدوا ما هو كجزء الكلمة بالمستقل فأتوا بالضمير المنفصل ليجري المستقلّ على المستقلّ وما سوى المرفوع المتصل وهو المنصوب المتصل والمجرور المتصل، والمرفوع غير المتصل يؤكّد بغير شريطة (¬1) كقولك: ضربتك نفسك ومررت بك نفسك، وأنت/ نفسك فعلت، وغير النفس والعين يؤكّد به من غير شريطة كقولك: جاؤوا كلّهم وخرجوا أجمعون إلى آخرها، واختصّ النفس والعين بذلك لكونهما يستعملان مستقلّين دون غيرهما وألفاظ التأكيد المعنويّ كلّها معارف، لأنّها توكيد للمعرفة، وتعريفها من قبيل تعريف علم الجنس، ولمّا كانت ألفاظ التوكيد معارف، لم يجوّز البصريون أن تؤكّد غير المعرفة (¬2) لئلّا يؤدي إلى الجمع بين متنافيين، لأنّ مدلول النكرة غير معيّن، ومدلول المعرفة معيّن، والكوفيون أجازوا تأكيد النكرة بشرط أن تكون محدودة (¬3) قالوا: لأنّها حينئذ تشابه المعرفة من حيث إنّها معلومة ممتازة، واستشهدوا بقول الشاعر: (¬4) قد صرّت البكرة يوما أجمعا فأكّد يوما وهو نكرة بأجمع، والبصريون يؤولون ذلك وشبهه لخروجه عن القياس واستعمال الفصحاء (¬5). ¬
ذكر البدل
ذكر البدل (¬1) وهو تابع مقصود بما نسب إلى المتبوع من غير توسّط حرف العطف فخرج بقوله: مقصود بما نسب إلى المتبوع، التوابع كلّها إلّا المعطوف بالحرف فإنّه خرج بقوله: من غير توسّط حرف العطف (¬2) والبدل في اللغة: هو العوض تقول: اجعل هذا بدلا من ذاك أي اجعله عوضا منه، والبدل أربعة أقسام: بدل الكلّ من الكلّ، وبدل البعض من الكلّ، وبدل الاشتمال، وبدل الغلط فبدل الكلّ هو أن يكون مدلوله مدلول الأوّل، نحو: جاءني زيد أخوك، وبدل البعض هو أن يكون مدلوله بعض مدلول الأوّل، نحو: ضربت زيدا رأسه، وبدل الاشتمال: هو أن يكون بينه وبين الأول ملابسة بغير البعضيّة والكليّة، نحو: سلب زيد ثوبه، وبدل الغلط: هو أن تقصد إليه بعد أن غلطت بغيره نحو: مررت بزيد حمار، أردت أن تقول: بحمار فسبقك لسانك فقلت بزيد، ثمّ استدركته وقلت: حمار، ومعناه بدل الشيء من الغلط، قال ابن الحاجب: البدل هو المقصود بالنسبة دون الأوّل، لأنّ منه بدل البعض فإذا قلت: مررت بالرجال بعضهم، فالمخبر عنه بالمرور هو البعض، وكذا بدل الاشتمال فإذا قلت: سلبت زيدا ثوبه، فالمخبر عنه بالسّلب هو الثوب، وأما بدل الغلط فالأمر فيه ظاهر أنّ الأوّل غير مقصود (¬3)، وأمّا بدل الكلّ؛ فيشكل الفرق بينه وبين عطف البيان، ويفرّق بينهما في نحو: قام أخوك زيد، أنّ الأوّل إن كان أشهر من الثاني أو كانا في الشهرة على السواء، فالثاني بدل، وإلّا فهو عطف بيان، وأيضا؛ فعطف البيان لا يكون إلّا مظهرا والبدل يكون مظهرا ومضمرا (¬4) ثم ¬
البدل والمبدل منه يكونان معرفتين (¬1) نحو: اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ، صِراطَ الَّذِينَ (¬2) ونكرتين نحو رِزْقٌ مَعْلُومٌ/ فَواكِهُ (¬3) ومعرفة ونكرة نحو: لَنَسْفَعاً بِالنَّاصِيَةِ ناصِيَةٍ كاذِبَةٍ (¬4) ونكرة ومعرفة نحو: إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ صِراطِ اللَّهِ (¬5) وهذه الأمثلة في بدل الكلّ، وتقع كذلك في كلّ واحد من بدل البعض والاشتمال والغلط، فذلك ستة عشر قسما، ويجيء البدل والمبدل منه مظهرين ومضمرين ومختلفين، فيكون في كلّ قسم من أقسام البدل أربعة أقسام أيضا فتكون الجملة ستة عشر، وإذا ضممنا إليها أقسام المعرفة والنكرة وهي ستة عشر أيضا، صار جميع أمثلة البدل اثنين وثلاثين مثالا، وقد رتّبناها في هذه الزائجة (¬6) التي اقترحناها ترتيبا لم يسبق إليه، لتتضحّ منها: ¬
ومنه (¬1) على حالة لو أن في القوم حاتما … على جوده لضنّ بالماء حاتم (¬2) فجرّ حاتما على البدل من هاء جوده. ¬
/ وإذا أبدلت النكرة من المعرفة لزمت الصفة لئلا يترجّح غير المقصود على المقصود في البيان (¬1) كقوله تعالى لَنَسْفَعاً بِالنَّاصِيَةِ ناصِيَةٍ كاذِبَةٍ (¬2) وهو مذهب الكوفيين (¬3) واختاره الزمخشري (¬4) وابن الحاجب (¬5) وأجاز جمهور البصريين ذلك بدون الصفة محتجّين بأنّه تحصل من اجتماعهما فائدة لم تحصل في الانفراد نحو: مررت بصاحبيك عاقل وجاهل، ومنه قول الشاعر: (¬6) فلا وأبيك خير منك إنّي … ليؤذيني التّحمحم والصّهيل فأبدل خير منك وهو نكرة من أبيك وهو معرفة، ولا يجوز في بدل الكلّ أن يبدل الظاهر من المضمر من غير ضمير الغائب (¬7) نحو: ضربته زيدا، وأمّا ضمير المتكلّم والمخاطب فلا يجوز أن يجعل الظاهر بدلا منهما فإنك لو قلت: رأيتك زيدا، وقمت زيد، وجعلت زيدا بدلا من كاف رأيتك وتاء قمت لم يجز ذلك، لأنّ ضمير الغائب يحتمل أن يكون لكلّ غائب سبق ذكره، فإذا أبدلت الظاهر منه حصلت الفائدة، بخلاف ضمير المخاطب والمتكلّم فإنّه لا يحتمل أن تكون الكاف في مررت بك لغير الذي تخاطبه، ولا التاء في: كلّمتك لغير المتكلّم، وأيضا فإنّ ضمير المخاطب والمتكلم أعرف من الظاهر وفي البدل والمبدل، الثاني منهما هو المقصود بالنسبة، فلو جعل الظاهر بدلا من ضمير المتكلّم والمخاطب، وهما أعرف منه، لكان لغير المقصود مزيّة على المقصود (¬8)، وأجازه بعضهم (¬9) محتجّا بقولهم: رأيتكم أوّلكم وآخركم وصغيركم وكبيركم، فأوّلكم وما بعده بدل من الكاف في رأيتكم، وأمّا بدل البعض والاشتمال ¬
ذكر عطف البيان
والغلط؛ فإنّه يجوز فيها كلّها إبدال الظاهر من المضمر مطلقا، لاختلاف البدل والمبدل منه في المعنى، فتقول في بدل البعض، اشتريتك نصفك واشتريتني نصفي، فالنصف فيهما وهو ظاهر بدل من كاف المخاطب في اشتريتك ومن ياء ضمير المتكلّم وتقول في بدل الاشتمال: مدحتك علمك ومدحتني علمي، وفي بدل الغلط ضربتك الحمار وضربتني الحمار. ذكر عطف البيان (¬1) وحدّه (¬2): بأنّه تابع غير صفة يوضّح متبوعه، فقال: غير صفة ليخرج الصفة، ووجه تغايرهما؛ أنّ عطف البيان لا يدلّ على معنى في متبوعه زائد على الذّات، بخلاف الصفة وقوله: يوضّح متبوعه ليخرج التأكيد والبدل فإنّهما لا يوضّحان متبوعهما (¬3) ومثاله (¬4): أقسم بالله أبو حفص عمر فعمر موضّح لأبي حفص، لأنّ أبا حفص كنية عمر رضي الله عنه، ولما كان في الكنية اشتراك أتي بعمر ليوضّح الكنية، ومما ينفرد به عطف البيان عن البدل قول المرّار: (¬5) أنا ابن التارك البكريّ بشر … علية الطّير ترقبه وقوعا / لأنّ البدل في حكم تكرير العامل، فيمتنع جرّ بشر على البدل؛ لأنّه يصير التقدير أنا ابن التارك بشر فيمتنع لما ذكرنا من امتناع الضارب زيد (¬6)، ويتعيّن أن ¬
ذكر المبني
يكون عطف بيان، وقد أجاز أبو علي أن يكون عطف البيان نكرة (¬1) لقوله تعالى: يُوقَدُ (¬2) مِنْ شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ فقال (¬3): زيتونة، عطف بيان لشجرة، وينفرد عطف البيان عن البدل أيضا في باب النّداء نحو: يا أخانا زيدا، بالنصب ولو جعل بدلا لقيل: يا أخانا زيد، بالبناء على الضمّ لأنّ البدل في حكم تكرير العامل. ذكر المبنيّ (¬4) المبنيّ ما ناسب مبنيّ الأصل أو وقع غير مركّب، وقال ناسب: ولم يقل شابه لكون المناسبة أعمّ من المشابهة، ومبنيّ الأصل الفعل الماضي وأمر المخاطب والحرف، وأحد سببي البناء وجوديّ، وهو مناسبة مبنيّ الأصل نحو: من أبوك؟ والآخر عدميّ وهو انتفاء موجب الاعراب الذي هو التركيب، نحو: واحد، اثنان، و، أ، ب، ت، ث، وقوله في الحدّ: أو وقع غير مركّب، ليست أو هنا للشكّ لأنّ المراد هاهنا ما كان على أحد هذين الأمرين اللذين هما مشابهة مبنيّ الأصل، وعدم التركيب (¬5) وحكم المبنيّ أن لا يختلف آخره باختلاف العوامل في أوله لكونه مقابلا للمعرب فجعل حكمه مقابل حكم المعرب وألقاب البناء: ضمّ نحو منذ: وفتح نحو: أين، وكسر نحو: جير، ووقف نحو: من، وألقاب الإعراب الرفع والنّصب والخفض والجزم، فخالفوا بين ألقاب المبنيّ والمعرب ليمتاز كلّ واحد منهما عن الآخر لأنّهما لمّا افترقا في المعنى من حيث إنّ الإعراب لا يكون إلّا بعامل ولا يكون لازما، والبناء بخلافه، افترقا في اللّقب (¬6). والمبنيّات هي: المضمرات، وأسماء الإشارة، والموصولات، والمركّبات، والكنايات، وأسماء الأفعال والأصوات، وبعض الظروف. والبناء في الأسماء على وجهين: لازم وغير لازم، فاللازم كبناء: من وأين، وكم وكيف ونزال ومنذ في قولك: ما رأيته منذ يومان، والعارض خمسة أشياء: الأول: ¬
ذكر المضمرات
ما أضيف إلى ياء المتكلّم عند بعضهم (¬1) نحو: غلامي، والثاني، المنادى المفرد نحو: يا زيد، والثالث: النكرة المنفيّة بلا التي لنفي الجنس، كقولك: لا غلام في الدار، وكقوله تعالى: لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ (¬2) والرابع: ما قطع من الظروف عن الإضافة فصار غاية، نحو: قبل وبعد، أو ضمّن الحرف نحو: أمس، والخامس: المركّبات نحو: خمسة عشر وهو جاري بيت بيت. (¬3) ذكر المضمرات (¬4) المضمر ما وضع لمتكلّم نحو: أنا أو لمخاطب نحو: أنت أو لغائب متقدم قطعا، ولا بدّ أن يكون متقدّما، إمّا لفظا تحقيقا، نحو: زيد ضربته أو تقديرا نحو: ضرب غلامه زيد، أو يكون/ متقدّما معنى يفهم من اللّفظ نحو: اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوى (¬5) أي العدل هو أقرب، فإنّ لفظ اعدلوا يدلّ على العدل، أو يفهم من سياق الكلام، نحو: وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ (¬6) أي لأبوي الميّت الموروث، لأنّه لمّا كان الكلام في الميراث لم يكن بد من موروث يعود الضمير إليه، أو يكون متقدّما حكما (¬7) وله عدّة صور: الأولى: ما يعود إليه ضمير الشّأن نحو: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (¬8) أي الحديث الذي في ذهني هو كذا، والمراد من ذكره مبهما أولا، التعظيم والتفخيم لأنّ الشيء إذا ذكر مبهما ثمّ فسّر كان أوقع في النّفس. الثانية: ما يعود إليه الضمير في نعم وبابه، نحو: نعم رجلا زيد، ففي نعم ضمير يعود إلى معهود ذهني ذي حقائق مختلفة، واسم الجنس يدلّ على حقيقة الذّات، فأتي به لتمييز الجنس المقصود - أعني المضمر في نعم - فقالوا: نعم رجلا، ونعم ضاربا زيد، أي نعم الرجل رجلا زيد، ولهذا لو قلت: نعم زيد لم يجز. ¬
ذكر تقسيم المضمر
الثالثة: ما يعود إليه الضمير في ربّ نحو: ربّه رجلا، لما قيل في نعم واعلم أنّ ربّ دخلت هنا على الضمير، وهي لا تدخل على المعارف؛ لأنّ الضمير لمّا لم يعد على مذكور جرى مجرى الظاهر النكرة ومن أجل ذلك احتاج هذا الضمير إلى التفسير بالنكرة المنصوبة، ولو كان كسائر المضمرات لم يحتج إلى تفسير. الرابعة: ما يعود إليه الضمير في: ضرباني وضربت الزيدين، وإنّما جوّزوا فيه الإضمار قبل الذكر، لأنّه لمّا ذكر المفسّر بعده كان مقدّما حكما. وبني المضمر لشبهه بالحرف في افتقاره إلى ما يرجع إليه كافتقار الحرف إلى أمر غيره، لا يتمّ معناه إلّا به إنّ وقيل: إنّ صيغها المختلفة لمّا كانت دالة على أنواع الإعراب أغنى ذلك عن إعرابها (¬1). ذكر تقسيم المضمر (¬2) المضمر إمّا متصل أو منفصل، أمّا المتصل فهو الذي لا يستقلّ بنفسه أي لا ينفك عن كلمة أخرى يتصل بها، وينقسم إلى بارز وإلى مستتر، فالبارز، إمّا أن يتصل باسم كالكاف في غلامك أو بفعل كالتاء في ضربت أو بحرف كالكاف في لك، والمستتر نحو ما في ضرب في قولنا، زيد ضرب كما سيأتي شرحه. وأمّا المنفصل فهو ما استقلّ بنفسه نحو: أنا، ونحن، والمضمر يكون مرفوعا ومنصوبا ومجرورا، لانّه اسم واقع موقع الظاهر، والظاهر على أحد هذه الأمور، لكنّ المرفوع متصل ومنفصل، والمنصوب أيضا متصل ومنفصل، وأمّا المجرور فلا يكون إلّا متصلا، لامتناع الفصل بين الجار والمجرور، فالمضمرات حينئذ خمسة أنواع (¬3). ذكر الضمير المرفوع المتّصل (¬4) وهو يقع لكلّ واحد من المتكلم والمخاطب والغائب على ستّة معان، لأنّ كلّا من المتكلّم والمخاطب والغائب إمّا مفرد، أو مثنّى، أو مجموع، وكلّ واحد منها إمّا مذكر أو مؤنث، وضعوا للمتكلّم لفظين: ضربت وضربنا، فضربت للمفرد المذكّر والمؤنث فالتاء ضمير الفاعل، وحرّك لأنّه اتصل بالفعل فلو سكّن اجتمع ساكنان على ¬
ذكر الضمير المرفوع المنفصل
غير حدّه (¬1) وضربنا للاثنين/ وللجماعة فيهما، فضربت حينئذ مشترك في معنيين (¬2) وضربنا مشترك في أربعة (¬3). ووضعوا للمخاطب خمسة ألفاظ: أربعة نصوص، وهي ضربت للمذكّر وضربت للمؤنث، وضربتم للجمع المذكّر وضربتنّ للجمع المؤنث، وواحد مشترك بين المذكّرين والمؤنّثين وهو ضربتما، فالميم إيذان بأنك جاوزت الواحد، والألف للتثنية وإنّما ضمّت تاء ضربتما وكانت في المفرد مفتوحة لئلا يتوهم المخاطب أن ضربت كلمة وما كلمة أخرى، ووضعوا للغائب خمسة على مثال المخاطب أربعة نصوص وهي: ضرب وضربت وضربوا وضربن (¬4) وواحد مشترك وهو: ضربا ضربتا وهو مشترك باعتبار ألف الضمير وإن اختلفت الصيغة بزيادة التاء، فإنّ التاء في ضربتا جيء بها علامة للتأنيث وليست بضمير. ذكر الضمير المرفوع المنفصل (¬5) وهو للمتكلّم والمخاطب والغائب على ما شرح في المرفوع المتصل من النصّ والمشترك، وهو: أنا ونحن للمتكلّم، وينبغي أن يعلم أنّ الهمزة والنون في أنا هما الاسم عند الأكثر (¬6) وزيدت الألف لبيان حركة النون، وقد تبيّن بالهاء كقولك أنه، وقال قوم أنا كلّه هو الاسم (¬7) ومنه قول الأعشى: (¬8) ¬
ذكر المنصوب المتصل
فكيف أنا وانتحالي القوافي … ... وهي لغة ربيعة وبعض قيس، وأنت وأنت وأنتما وأنتم وأنتنّ للمخاطب، وهو وهي وهما وهم وهنّ للغائب، وينبغي أن يعلم أنّ الهمزة والنون في أنت هما الاسم (¬1) وأمّا التاء فللخطاب وفتحت لخفّة الفتحة وكسرت في المؤنّث للفرق. ذكر المنصوب المتّصل (¬2) وهو للمتكلّم والمخاطب والغائب على ما شرح، تقول في المتكلّم: ضربني، فالياء هي الاسم المنصوب المتصل وهي ضمير المتكلّم والنون قبلها نون الوقاية كما سيذكر وتقول إذا أخبرت عن نفسك ومعك غيرك: ضربنا وفي المخاطب: ضربك، وضربك، وضربكما، وضربكم، وضربكنّ، وفي الغائب ضربه وضربها وضربهما، وضربهم وضربهنّ، ويتصل الضمير المنصوب بالحرف أيضا، نحو: إنّني إنّنا إلى إنّهنّ، واعلم أنّ الهاء وحدها في ضربه هي الاسم عند الزجاج وهي ضمير الغائب، وإنّما زيدت الواو تقوية للهاء لتخرجها من الخفاء إلى الظهور، وكذلك في رأيتها، الهاء وحدها هي الاسم، وزيدت الألف للفرق بين المذكّر والمؤنّث (¬3). ذكر المنصوب المنفصل (¬4) وهو أيضا كما تقدّم تقول: إيّاي إيّانا للمتكلّم وإيّاك إيّاك إيّاكما إيّاكم إيّاكنّ للمخاطب وإيّاه إيّاها إيّاهما إيّاهم إيّاهنّ للغائب، وينبغي أن يعلم أنّ إيّا وحده هو الاسم المضمر، وما لحق به في إيّاي وإيّانا وإيّاك إلى إياكنّ دلائل على من ترجع إليه من مخبر أو مخاطب أو غائب (¬5) وكما أنّ الهمزة والنون في أنت هي الاسم المضمر والتاء علامة للخطاب، فكذلك الكاف في إيّاك للخطاب وكذلك أخوات الكاف مما ¬
ذكر الضمير المجرور
هو للخطاب تارة وللغيبة أخرى، قال آخرون (¬1) / إيّا وما بعده الكلّ اسم واحد، وهذا لا يصحّ؛ لأنّه لا يعرف اسم على هذا النحو يجيء آخره بحروف مختلفة، فصحّ أنّ إيّا هو الاسم المضمر، وليست الحروف اللواحق بأسماء (¬2) وإنّما اختلفت لاختلاف عدد المضمرين وأحوالهم. ذكر الضمير المجرور (¬3) ولا يكون إلّا متصلا، تقول: غلامي غلامنا للمتكلّم وغلامك غلامك غلامكما غلامكم غلامكنّ للمخاطب، وغلامه غلامها غلامهما وغلامهم غلامهنّ للغائب، ولا يتصل المجرور إلّا باسم نحو: غلامي أو بحرف جر نحو: لي لنا لك لك لكما لكم لكنّ، له لها لهما لهم لهنّ، وإنّما اتصل كذلك، ضرورة أنّ الجرّ في الكلام إمّا بالإضافة أو بحرف الجرّ. واعلم أنّ الأصل في جمع المذكّر أن تقول: مررت بكمو وهذا غلامكمو؛ فالميم والواو للجمع، وقد تحذف الواو وتسكّن الميم للتخفيف كما تقدّم في قولنا: غلامكم، وتقول في جماعة المؤنّث غلامكنّ ومررت بكنّ وهذا لكنّ، بنون مشدّدة ليكون بإزاء حرفي جمع المذكّر، وتقول للغائب غلامهو وهذا لهو ومررت بهي فتكسر الهاء إذا كان قبلها كسرة، وإنّما أصلها الضمّ، وكذلك تكسرها إذا كان قبلها ياء ساكنة نحو: فيهي وعليهي، وإنّما كسرتها كراهة الخروج من كسر إلى ضمّ، وإذا تحرّك ما قبل هذه الهاء نحو: له وبه، فلا يجوز عند البصريين حذف ما يتصل بها من الواو والياء لأنّها لخفائها قويت بذلك (¬4). وقد حذفت هذه الصلة في الشّعر نحو قوله: (¬5) ¬
له زجل كأنه صوت حاد … ... ومنه: (¬1) وما له من مجد طريف وماله … ... قال سيبويه: فأمّا إذا كان قبل الهاء حرف لين فإنّ حذف الواو والياء في الوصل حسن (¬2) ومنه: نَزَّلْناهُ تَنْزِيلًا (¬3) وإِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ (¬4) وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ (¬5). واعلم أن عدّة أقسام المضمرات بحسب القسمة العقليّة تسعون قسما؛ لأنّ المضمرات ثلاثة للمتكلّم والمخاطب والغائب، والمتكلّم إمّا مفرد أو مثنّى أو مجموع، والمخاطب مثله، والغائب مثله، فذلك تسعة، وكلّ واحد منها إمّا مذكّر أو مؤنث، فذلك ثمانية عشر قسما، وكلّ واحد من الثمانية عشر يكون مرفوعا متصلا ومرفوعا منفصلا ومنصوبا متصلا ومنصوبا منفصلا، ومجرورا ولا يكون إلّا متصلا فهذه خمسة أنواع، وإذا ضربنا فيها ثمانية عشر كان الحاصل تسعين قسما؛ إلّا أنهم سوّوا بين مذكّر المتكلّم وبين مؤنّثه، وبين مثنّاه ومجموعه، فسقط منه أربعة وسوّوا بين المثنّى المذكر والمؤنث في المخاطب والغائب فسقط اثنان أيضا فسقط من ثمانية عشر ستة؛ أربعة من المتكلم واثنان من المثنى المخاطب فبقي من ثمانية عشر، اثنا عشر، ضربت في الخمسة، وهي المرفوع المتصل والمنفصل والمنصوب المتصل والمنفصل والمجرور المتصل فبلغت ستين لفظا (¬6) واعلم أنّ قولهم إنّه قد سوّي بين ¬
مثنّى المذكّر والمؤنّث في الغائب إنّما هو باعتبار الضمير/ لا باعتبار علامة التأنيث؛ فإنّك تقول للمذكرين قاما وللمؤنّثتين قامتا؛ فقامتا مغايرة لقاما، وأمّا باعتبار ألف الضمير فلا تغاير بينهما، وقد أشار تقيّ الدين النيلي في شرحه لمقدّمة ابن الحاجب إلى ذلك في تفسير قوله: الخامس: غلامي ولي إلى غلامهنّ ولهنّ (¬1) فإنه فسّر ذلك، وأتبعه بذكر أقسام المضمرات وقال في جملة ذلك (¬2) وسوّوا بين مثنّى المذكّر والمؤنّث في المخاطب والغائب في غير غائب المرفوع المتصل، فأراد عدم التسوية باعتبار اللفظ لا باعتبار الضمائر، فإنّهم قد أجمعوا على أنّ المضمرات ستون، والساقط ثلاثون، ويتبيّن ذلك من هذه الدائرة التي اقترحناها: ¬
1 - باعتبار الضمير، غير مشترك باعتبار الصيغة.
/ ذكر الضمير المستتر
/ ذكر الضمير المستتر (¬1) وهو كلّ مضمر محتاج إليه لم يضعوا له لفظا يخصّه، واستغنوا بدلالة سياق الكلام عليه نحو: زيد قام، زيد منطلق، فلا بدّ في قام ومنطلق من ضمير يعود على زيد وهو ضمير لم يضعوا له لفظا، فلا يقال إنّه محذوف، بخلاف قولك: جاءني الذي ضربت، فإنّه لا بدّ من ضمير مفعول لضربت يعود على الذي؛ لكنّه محذوف لأنّ له لفظا يخصّه، ويجوز ذكره فكان المحذوف فيه محققا بخلاف الضمير في زيد منطلق لما ذكر (¬2). والضمير المرفوع المتصل خاصة يستتر (¬3) في الفعل الماضي للمذكّر الغائب نحو: زيد ضرب، وللغائبة بقرينة تاء التأنيث الساكنة نحو: هند ضربت، وإنما استتر المرفوع المتصل بخلاف المنصوب والمجرور المتصلين نحو: إنّه وله، لشدّة اتصال المرفوع بالعامل دونهما، ويستتر الضمير المذكور أيضا في المضارع للمتكلّم مطلقا، للمفرد وغيره لقيام القرينة، إذ الهمزة قرينة المفرد المتكلّم، والنون قرينة غيره مطلقا، ويستتر أيضا في المضارع للمخاطب نحو: أنت تقوم، وللغائب نحو: زيد يقوم، ويستتر أيضا في فعل الأمر للمخاطب نحو: قم وللمؤنّث الغائبة نحو: هند تقوم، بخلاف المخاطبة والمخاطبين المذكّرين والمخاطبتين المؤنّثتين والمخاطبات، فإنّه أبرز في ذلك لرفع الالتباس نحو: تضربين فالياء ضمير المؤنّث، وزعم الأخفش أنها علامة التأنيث (¬4) وأنّ الضمير مستكنّ كما في المذكّر، وهو مردود؛ لأنّ الياء في نحو: تقومين وتضربين لو كانت للتأنيث لما فارقت في التثنية، وكان يلزم أن يقال؛ تقوميان لكنّها فارقت، فهي ضمير متصل بارز، وكذلك ألف تضربان ونون تضربن، وتضربان مشترك بين المخاطبين المذكّرين والمخاطبتين المؤنّثتين، ويستتر الضمير ¬
ذكر أحكام الضمير المنفصل
المذكور أيضا في الصفة مطلقا، مفردا كان أو مثنّى أو مجموعا ومذكّرا كان أو مؤنّثا، سواء كانت الصفة اسم فاعل أو مفعول أو غيرهما، نحو: زيد ضارب وهند ضاربة والزيدان ضاربان والهندان ضاربتان والزيدون ضاربون والهندات ضاربات، وكذلك مضروب ومضروبة ومضروبين ومضروبين ومضروبتين ومضروبات فالألف في ضاربان والواو في ضاربون، إنّما هما علامتا الإعراب، ودالّتان على التثنية والجمع، وليستا بضميرين، لأنّهما لو كانا ضميرين لم يتغيّرا في النصب والجرّ، والضمائر مع ثبوت عواملها لا تتغيّر عن حالها، ألا ترى أنّ الياء في تضربين، والنون في تضربن والواو في تضربون والألف في تضربان، لا تتغيّر (¬1) بوجه، لأنّها ضمائر، فلو كانت ألف ضاربان وواو ضاربون وياء ضاربين ضمائر لما تغيّرت. ذكر أحكام الضمير المنفصل (¬2) لا يعدلون إلى الضمير المنفصل إلّا عند تعذّر المتصل لأنّه أخصر، فالتزموه ما لم يمنع مانع (¬3)، ويتعذّر الاتصال إمّا بتقديم الضمير على عامله نحو: إِيَّاكَ نَعْبُدُ/ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (¬4) وإمّا بالفصل بين الضمير وبين عامله لغرض مثل: ما ضربت إلّا إيّاك، وما ضربك إلّا أنا، بخلاف ضربك أنا؛ فإنّه فصل لغير غرض، لأن ضربك أنا، وضربتك لا يختلف في المعنى، وإمّا بأن يحذف العامل في الضمير فإنّه إذا حذف تعذّر إتصال الضمير به فيجب انفصاله نحو: أن يقال من أكرمت؟ فتقول: إيّاك، ولو قلت: أكرمتك لأتيت بالضمير متصلا (¬5)، أو يكون العامل معنويّا كالمبتدإ أو الخبر نحو: أنا زيد وأنت قائم، لأنّه إذا كان معنويّا تعذّر الاتصال به، إذ لا يتصل لفظ بما ليس بلفظ، فيمتنع اتصال الضمير لامتناع اتصال الملفوظ بما ليس بملفوظ، وكذلك يتعذّر الاتصال إذا كان العامل في الضمير حرفا والضمير مرفوع مثل: ما هو قائما، لأنّه لو اتصل ب «ما» مضمر لاستتر في مثل: ما هو قائما والحروف لا استتار فيها، ¬
ذكر الضمائر التي يجوز فيها الاتصال والانفصال
وإنّما قال: والضمير مرفوع، ليخرج نحو: إنّ وأخواتها، وحروف الجر، فإنّها حروف ويتصل بها الضمير بارزا، لأنّه إمّا منصوب مثل: إنّه أو مجرور مثل: له فلا يؤدي إلى استتار (¬1)، وكذلك يجب إنفصال الضمير على ما يقتضيه من هو له إذا كان الضمير مرفوعا بصفة جرت على غير من هي له نحو: زيد عمرو ضاربه هو، فتفصل الضمير خوف اللّبس لأنك لو اقتصرت على الضمير المتصل لم يعلم الضارب من هو، وبالمنفصل علم أنه زيد؛ لكون الضارب يقع للضمائر بلفظ واحد، تقول: أنا ضارب وأنت ضارب وهو ضارب، بخلاف الفعل نحو: أنا زيد أضربه، فإنه يعلم بالهمزة أنّ الفعل للمتكلّم وكذلك: أنا زيد يضربني، يعلم بياء المضارعة أنّ الفعل لزيد، ولمّا التبس في باب ضارب التزموا إبرازه أيضا فيما لا يلتبس نحو: هند زيد ضاربته هي، طردا للباب، فهند مبتدأ وزيد مبتدأ ثان، وضاربته خبر المبتدإ الثاني، والضمير المنفصل أعني هي فاعل ضاربته، ووجب انفصاله لأنّ ضاربته التي هي الصفة قد جرت على غير من هي له، لأنّها خبر زيد، وهي في المعنى هند، والجملة في محل الرفع لأنّها (¬2) خبر المبتدإ الأول (¬3) والكوفيون لا يشترطون انفصال الضمير في مثل ذلك، ويجرونه مجرى الفعل، فكما تقول: هند زيد تضربه تقول: هند زيد ضاربته، وكذلك: الهندان الزيدان ضاربتاهما كما تقول: تضربانهما (¬4). ذكر الضمائر التي يجوز فيها الاتصال والانفصال (¬5) وهي عدّة ضمائر: منها: المضمران إذا لم يكن أحدهما مرفوعا، وكان أحدهما أعرف وقدّمته جاز في الثاني الاتصال والانفصال (¬6) سواء كانا منصوبين نحو: الدرهم أعطيتكه أو ¬
أحدهما منصوبا والآخر مجرورا نحو: ضربيك (¬1) ففي أعطيتكه ضميران الكاف والهاء، وليس أحدهما مرفوعا، وكاف الخطاب متقدّمة وهي أعرف من الهاء التي للغائب فجاز أعطيتكه وأعطيتك إيّاه، وكذلك جاز ضربيك وضربي إيّاك، أما وجه الاتصال فلإمكانه مع عدم الاستثقال، وأمّا وجه الانفصال فلإيهام/ ثلاث كلمات كواحدة فإن لم يكن أحدهما أعرف أو كان، ولكن لم يقدّم الأعرف وجب الانفصال، وقد جاء ذلك في الغائبين قالوا: أعطاهاه، وأعطاهوها، وهو شاذ (¬2) وإنّما لم يجز ذلك إذا كان أحدهما مرفوعا لأنّه إذا أتى الضمير متصلا نحو: ضربتك، تعيّن الاتصال ولم يجز الانفصال. ومنها: المضمر الواقع خبرا لكان، فإنّ فيه لغتين؛ المختار منهما أن يكون منفصلا نحو: زيد عالم وكان عمرو إيّاه، لأنّ خبر كان وأخواتها في الأصل إنما هو خبر مبتدأ، وخبر المبتدأ إذا كان ضميرا لم يقع إلّا منفصلا قال الشّاعر: (¬3) ليت هذا الليل شهر … لا نرى فيه عريبا ليس إيّاي وإيّا … ك ولا نخشى رقيبا وعريب بالعين المهملة بمعنى أحد، وأمّا على غير الأشهر فيجوز أن يقع متصلا تشبيها له بالمفعول فكما يتصل ضمير المفعول نحو: ضربته، فكذلك يتصل خبر كان فتقول: كنته، ومنه قول أبي الأسود الدؤلي: (¬4) ¬
ذكر المضمر الواقع بعد عسى
ذر الخمر يشربها الغواة فإنّني … رأيت أخاها مجزيا بمكانها فإن لا يكنها أو تكنه فإنّه … أخوها غذته أمّها بلبانها ولو فصل لقال: فإلّا يكن إيّاها أو تكن إيّاه. ومنها: المضمر الواقع بعد لولا، فإنّ فيه لغتين (¬1) أيضا، أكثرهما أن يكون مرفوعا منفصلا نحو: لولا أنت ولولا نحن إلى لولاهنّ، قال الله تعالى: لَوْلا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ (¬2) وأما وجوب رفعه فلأنّ الضمير كناية عن المظهر، ولم يأت المظهر بعد لولا إلّا مرفوعا، فوجب أن يكون المضمر كذلك ورفعه بالابتداء عند البصريين، وبفعل مضمر عند الكوفيين (¬3) وأمّا وجوب مجيئه منفصلا، فلأنّه عند البصريين مبتدأ، فوجب فصله لعدم ما يتصل به، وأمّا عند الكوفيين فيجب فصله لحذف الفعل الرافع له وهو مثل قولك: إن أنت قمت قمت، وأمّا لغة إتصاله فستذكر مع عسى. ذكر المضمر الواقع بعد عسى (¬4) اعلم أنّ المضمر الواقع بعد عسى لا يكون إلّا متصلا ولكن فيه لغتان، باعتبار كونه ضميرا مرفوعا، أو غير مرفوع فاللغة الكثيرة منها أن يكون مرفوعا متصلا (¬5) نحو: عسيت عسينا للمتكلّم، وعسيت عسيتما عسيتم عسيت عسيتنّ للمخاطب، وعسى عسيا عسوا عست عسين للغائب. كما تقول: رميت رمينا إلى رمين، وأمّا اللغة التي ليست بكثيرة فهو أنّه جاء بعد لولا ضمير مجرور، وبعد عسى ضمير ¬
منصوب متصل بها، نحو: لولاي لولاك لولاه وعساي عساك عساه إلى لولا هنّ وعساهنّ، قال الشّاعر (¬1): وكم موطن لولاي طحت كما هوى … بأجرامه من قلّة النّيق منهوى وقال ابن أبي ربيعة: (¬2) أومت بكفّها من الهودج … لولاك هذا العام لم أحجج وقد اختلف في الضمير المذكور المتصل بلو لا وعسى، فعند سيبويه (¬3) أنّ الياء في لولاي والكاف في لولاك في موضع جرّ لبطلان الرفع والنّصب، أما بطلان الرفع فلكون الكاف والياء ليسا من ضمائر/ المرفوع وأمّا النصب فلعدم النّاصب، فيتعيّن الجرّ قال سيبويه: ويكون للولا مع المضمر حال ليس لها مع المظهر كما أنّ للدن حالا مع غدوة ليست لها مع غيرها (¬4)، لأنّها تجرّ ما بعدها وتنصب غدوة فقط، فكذلك لولا تجرّ المضمر المتصل فقط، فحالها معه مخالف لحالها مع غيره (¬5) وأمّا عسى فعند سيبويه محمولة على لعلّ (¬6) فينصب الاسم، كما حملت لعلّ على عسى ¬
في دخول أن في خبرها قال الشاعر: (¬1) لعلّك يوما أن تلمّ ملمّة … ... وقد قيل: إنّ عسى في مثل هذا حرف لا فعل، فتقول: عساك أن تقوم كما تقول: لعلّك أن تقوم، وقال: (¬2) يا أبتا علّك أو عساكا فلو أنّ عسى فعل لم يصحّ عطفها على لعلّ، لأنّها حرف وأمّا الأخفش فيرى أنّ الياء والكاف في قولك: لولاي لولاك في موضع رفع (¬3) وقد أوقعوا الضمير المجرور موقع الضمير المرفوع، وكذلك الضمير بعد عسى في موضع رفع واحتجوا لسيبويه، أنّ تغيير لولا أقل من تغيير الضمير الذي بعدها، لأنّه اثنا عشر مضمرا، للمتكلّم اثنان ولكلّ من المخاطب والغائب خمسة، فتغيير المضمر على رأي الأخفش يؤدّي إلى اثني عشر تغييرا على سبيل الاستقلال، وتغيير لولا على رأي سيبويه تغيير واحد على سبيل الاستقلال، واحتجّوا للأخفش أن وقوع الضمائر بعضها موضع بعض كثر في ¬
ذكر نون الوقاية
كلامهم، نحو: أنا كأنت، ومررت بك أنت وضربته هو: فأكّد المضمر المنصوب بالضمير المرفوع، فقد وقع المرفوع موقع المنصوب (¬1). ذكر نون الوقاية (¬2) وهي لازمة مع ياء ضمير المتكلّم في الفعل الماضي مطلقا، نحو: ضربني وضرباني وضربوني، وشذّ حذف نون الوقاية من الماضي المتصل به ضمير جماعة الإناث نحو: النساء ضربني، قال الشاعر: (¬3) تراه كالثّغام يعلّ مسكا … يسوء الفاليات إذا فليني أراد فلينني، فحذف نون الوقاية تخفيفا، وكذلك هي لازمة أيضا في الأمر قولك أكرمني، وأمّا قولك: اضربي يا هند، فلا مدخل للنون مع هذه الياء، لأنّ نون الوقاية مشروطة بضمير المفعول لا بضمير الفاعل، لأنّ ضمير الفاعل بمنزلة الجزء من الفعل فأشبهت هذه الياء الياء التي من نفس الفعل نحو: يرمي، وكذلك هي لازمة في المضارع العري (¬4) عن نون الإعراب نحو: يضربني، وسمّيت نون الوقاية لأنّها وقت الفعل الكسر الذي هو أخو الخفض (¬5) وأمّا الفعل المضارع الذي يلحقه نون الإعراب فأنت مخيّر بين إثباتها وحذفها استغناء بنون الإعراب، فتقول: يضرباني ويضربانني، ويضربوني ويضربونني، وتضربيني وتضربينني، وتجب نون الوقاية في قولك: النساء يضربنني، ولا يجوز يضربني، لأنّ نون الإعراب في يضربوني، خارجة عن الفعل، فأمكن جعلها وقاية، ونون يضربن فاعل متصل كالجزء من الفعل، فلم تجعل وقاية ¬
ذكر الفصل
كذلك (¬1) وأنت مع لدن مخيّر في إثبات نون الوقاية لحفظ بنائها على السكون، وفي حذفها (¬2) / قال الله تعالى قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْراً (¬3) قرئ في السّبعة بالتشديد والتخفيف (¬4) وكذا أنت مخيّر بين الإثبات والحذف في: إنّ وأنّ وكأنّ ولكنّ كقولك: إنّي وإنني، وكذلك أخواتها الثلاث ويختار إثباتها في ليت كقولك: ليتني، لشبهها بالفعل (¬5) ولا يختار في لعلّ، لأنّ بعض لغاتها لعنّ فحذفت منها كراهة اجتماع النونات، وحملت لعلّ عليها، ويختار إثباتها في: من وعن وقد وقط، لحفظ سكونها (¬6) نحو: مني وعني وقدني وقطني وقال الشاعر: (¬7) امتلأ الحوض وقال قطني أي حسبي. ذكر الفصل (¬8) ويتوسّط بين المبتدإ والخبر قبل دخول العوامل وبعد دخولها صيغة ضمير مرفوع منفصل، نحو: زيد هو المنطلق، وكان زيد هو المنطلق وإنما قال: صيغة ¬
ضمير مرفوع ولم يقل: ضمير، لعدم تحقق كونه ضميرا، وتسمّى هذه الصيغة فصلا عند البصريين وعمادا ضد الكوفيين (¬1) وهو يفصل بين الصفة والخبر، لأنّ ما بعده يتعيّن للخبر، وتمتنع الصفة لامتناع الفصل بين الصفة والموصوف، فإنّك إذا قلت: زيد القائم، صلح القائم أن يكون صفة للمبتدإ فيتوقّع السامع الخبر، وصلح أن يكون خبرا فيبقى السامع متردّدا، فإذا أدخلت هو وقلت: زيد هو القائم، علم أنّه لم يبق من المبتدأ بقيّة، وتعيّن ما بعد «هو» للخبر، وشرط إثبات هذه الصيغة أن يكون الخبر معرفة (¬2) نحو: زيد هو القائم، أو أفعل من كذا نحو: كان زيد هو أفضل من عمرو، وكذلك إذا كان الخبر مشابها للمعرفة لفظا نحو: مثل وغير والاسم المضاف إلى معرفة إضافة لفظيّة، وكذلك إذا كان الخبر فعلا مضارعا (¬3) نحو: زيد هو يقوم، قال الله تعالى: وَمَكْرُ أُولئِكَ هُوَ يَبُورُ (¬4) ولا بدّ أن تكون هذه الصيغة مطابقة للمبتدإ في الإفراد والتثنية والجمع والتذكير والتأنيث والخطاب والتكلّم والغيبة (¬5) تقول: زيد هو القائم، والزيدان هما القائمان، والزيدون هم القائمون، وهند هي القائمة، قال تعالى حكاية عن عيسى عليه السّلام فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ (¬6) ولا موضع لهذه الصيغة من الإعراب عند الخليل (¬7) مع قوله بأنّه اسم (¬8) لأنّه إنّما دخل للفصل كالكاف في أولئك، والتاء في أنت فكما أنّ هذه لا محلّ لها من ¬
ذكر ضمير الشأن
الإعراب، لا يكون لصيغة الضمير المذكور محلّ من الإعراب، وبنو تميم يجعلونه مبتدأ (¬1) فيرفعون ما بعده على أنه خبره، والجملة خبر عن كان أو غيره على حسب ما معه من العوامل، وخصّ بصيغة المرفوع لأنّه في معنى التأكيد، كما تقول في التأكيد ضربتك أنت ونحو ذلك (¬2). ذكر ضمير الشّأن (¬3) ويتقدّم قبل الجملة ضمير يسمّى ضمير الشّأن (¬4) يفسّر بالجملة التي بعده لأنّ كلّ جملة هي شأن وأمر وقصّة وإذا قلت: هو زيد قائم، فكأنّك/ قلت: الواقع والشأن زيد قائم ثمّ أضمرت الشّأن وقلت: هو زيد قائم، واحترز بقوله: يتقدّم قبل الجملة، عن الضمير في نعم رجلا زيد، وربّه رجلا؛ فإنّه متقدّم على المفسّر له لكن تقدّمه على المفرد لا على الجملة، ويكون مرفوعا منفصلا ومستترا، ومنصوبا متصلا بارزا، فالمرفوع المنفصل نحو: هو زيد قائم والمستتر نحو: كان زيد قائم وليس زيد قائم، والمنصوب المتصل: إنه زيد قائم، وإذا وقع مبتدأ انفصل نحو: هو زيد قائم، لأنّ عامل المبتدأ الابتداء، وهو معنى، واستحال اتصال الضمير بالمعنى الذي هو الابتداء لكونه غير لفظ، وكذا إذا وقع بعد ما الحجازية نحو: ما هو زيد قائم، لتعذر اتصاله مرفوعا بغير الفعل، وحذف ضمير الشأن إذا كان منصوبا ضعيف قال الله تعالى: إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِماً (¬5) وجاء حذفه في الشعر (¬6) نحو قوله: (¬7) إذا هبّت رياحك فاغتنمها … فإنّ لكلّ خافقة سكون فسكون مبتدأ ولكلّ خافقة خبره، واسم إنّ هو ضمير الشأن محذوف والتقدير فإنّه لكلّ خافقة. ¬
ومنه قول الشّاعر: (¬1) إنّ من يدخل الكنيسة يوما … يلق فيها جآذرا وظباء فمن مبتدأ، ويدخل خبره، ولا يجوز أن يكون من هو اسم إنّ، لأنّ من شرط، والشّرط له صدر الكلام، واسم إنّ ليس له صدر الكلام، فالمبتدأ والخبر في موضع رفع بأنه خبر إن، واسم إنّ ضمير الشأن، وهو محذوف، وتقديره: إنّه من يدخل، وكذلك يضعف: وجدت زيد قائم بحذف الضمير، لأنّه مراد، لكونه جزء الجملة وليس على حذفه دليل، وأمّا ضمير الشأن مع أنّ المفتوحة إذا خفّفت فإنّ حذفه لازم، لأنّهم لو لم يقدّروا ذلك لكان للمخفّفة المكسورة على المخفّفة المفتوحة مزيّة في العمل، والمفتوحة أقرب إلى الفعل، وقد جوّزوا إعمال المخفّفة المكسورة، قال الله تعالى: وَإِنَّ كُلًّا لَمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمالَهُمْ (¬2) ولم يجيزوا إعمال المخفّفة المفتوحة قال الشاعر: (¬3) ... … أن هالك كلّ من يحفى وينتعل فلم تنصب هالك، فوجب تقدير عملها في ضمير الشأن (¬4) لكونها أشبه بالفعل من المكسورة، ألا ترى أنّ قولك: أنّ على لفظ أنّ الذي مضارعه يئن من الأنين. ولم يأت ضمير الشأن مجرورا كما جاء مرفوعا ومنصوبا، لأنّه كناية عن ¬
ذكر أسماء الإشارة
الجملة، والجملة لا مدخل لحرف الجرّ عليها. ذكر أسماء الإشارة (¬1) وهي ثاني أقسام المبنيّات، وأسماء الإشارة ما وضع لمشار إليه وهي بدون الصفة مبهمة لصلاحيّتها لكلّ مشار إليه (¬2) وبنيت لمشابهتها الحرف (¬3) من حيث احتياجها إلى ما يبيّن ذات المشار إليه، وهي: ذا للمذكّر، وذان لمثنّاه رفعا، وذين نصبا وجرا، وللمفرد المؤنث عدّة ألفاظ مترادفة وهي: تاوتي وته وتهي وذه وذهي، ولمثنّاه تان رفعا وتين نصبا وجرا، وأولاء مقصورا وممدودا (¬4) مشترك بين جمع المذكّر والمؤنّث لا يختلف/ فيهما، وذا أصله ذوي متحرك العين على وزن فعل (¬5) فحذفت اللام لتأكيد إبهام هذه الأسماء، وقلبت الواو ألفا لتحرّكها وانفتاح ما قبلها فصار ذا، ويلحق أوائل أسماء الإشارة حرف التنبيه نحو: هذا (¬6)، ويلحق أواخرها حرف الخطاب بحسب من تخاطبه وألفاظ الإشارة خمسة، وحروف الخطاب خمسة، وإذا ضربت خمسة في خمسة كانت خمسة وعشرين، فإذا خاطبت مفردا مذكّرا مشيرا إلى مفرد مذكّر، قلت: ذاك بفتح الكاف، وإن خاطبت مفردا مؤنّثا مشيرا إلى المفرد المذكّر المذكور قلت: ذاك بكسر الكاف، وإن أشرت إلى المفرد المذكور وخاطبت مثنّى مذكّرا أو مؤنّثا، قلت: ذاكما، وإن خاطبت جمع المذكّرين قلت ذاكم، وإن خاطبت جمع المؤنّث، قلت: ذاكنّ، قال الله تعالى: قالَتْ فَذلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ (¬7) الإشارة إلى يوسف والخطاب مع النّسوة، وذلك هو ذاك زيدت فيه اللام، ومثال المفرد المؤنّث مشارا إليه مع المخاطبين المذكورين؛ تاك، تاك، تاكما، تاكم، ¬
تاكنّ، ومثال المثنّى المذكّر مشارا إليه معهم: ذانك، ذانك، ذانكما، ذانكم، ذانكنّ، وفي النصب والجر: ذينك ذينك ذينكما ذينكم ذينكنّ، ومثال المثنّى المؤنّث: تانك، تانك، تانكما، تانكم، تانكنّ، وفي حالة النصب والجرّ، تقول: رأيت تينك، تينك، تينكما تينكم تينكنّ، ومررت بتينك إلى تينكنّ ومثال مجموع المذكّر والمؤنّث، مشارا إليهما مع المخاطبين المذكورين، أولاك أولاك أولاكما أولاكم أولاكنّ وقد نقل النيليّ جواز فتح كاف الخطاب في ذلك كلّه وهو غريب قال: إنّ ذلك نقله الثقات من غير إلحاق علامة تثنية ولا جمع ولا غير ذلك بل يفرد ويذكّر على كل حال (¬1) واعلم أنّهم لم يقولوا: ذاه ذاهما ذاهم لأنّ الهاء للغائب، والغائب لا يصحّ تنبيهه على الحاضر، بل الحاضر ينبّه على الغائب. واعلم أنّ قولك في التثنية ذان ليس بتثنية ذابل هو صيغة تفيد التثنية كأنتما (¬2) فكما أنّ أنتما ليس بتثنية أنت فكذلك ذان ليس بتثنية ذا لأنّه لو كان تثنية ذا، لقيل: ذوان، لأنّ التثنية من شأنها أن تردّ ما كان محذوفا من المفرد نحو: أبوان وأخوان ودميان ورحيان، ولأنّ تثنية المعرفة توجب تنكيرها غالبا، وذان معرفة، ومنهم من يجعل مثنّى أسماء الإشارة على كلّ حال بألف (¬3) وعليه قوله تعالى: قالُوا: إِنْ هذانِ لَساحِرانِ (¬4) واعلم أنّ قولنا: يلحق بأوائلها حرف التنبيه ليس على إطلاقه، ¬
ذكر الموصولات
فإنّه يلحق البعض دون البعض، إذ لا يقال: هذا لك بالاتفاق، وجعلوا ذا للقريب ليكون الاسم المجرّد من الزيادة للقريب المجرّد من زيادة المسافة، وذاك للمتوسّط بزيادة حرف الخطاب لتشعر الزيادة في اللفظ بالزيادة في المسافة، وذلك بزيادة اللام للبعيد لتشعر زيادة الحرفين على البعد في المسافة، وهو رأي بعض النحويين (¬1) وإذا قصدوا البعيد في المثنّى شدّدوا النون من ذانك وتانك (¬2) وفي الواحدة المؤنّثة استعملوا تلك، وفي المجموع زادوا اللّام وقصروا فقالوا: أولالك (¬3) فهؤلاء للجماعة القريبة، وأولئك للمتوسّطة، وأولالك للبعيدة (¬4) واعلم أنّهم قد وضعوا أسماء يشيرون بها إلى الأمكنة. خاصة وهي: ثمّ وهنا، فثمّ يشيرون به إلى ما بعد من الأمكنة، وهنا وهاهنا إلى المكان القريب، وهناك إلى المتوسط، وهنالك إلى البعيد، وفي هنا ثلاث لغات، إحداها: ضمّ الهاء مع تخفيف النون، والثانية: فتحها مع تشديد النون، والثالثة: كسرها مع تشديد النون أيضا لكنّ الفتح أكثر (¬5). ذكر الموصولات (¬6) وهي ثالث أقسام المبنيّات، والموصول مبهم بدون صلته، كما أنّ اسم الإشارة مبهم بدون صفته، فإن قيل الموصولات وأسماء الإشارة معارف فكيف يجتمع الإبهام والتعريف، فالجواب: أنّ إبهامها إنّما هو بحسب الوضع لا بحسب الاستعمال، فإنّها معارف بحسبه كما في الضمائر من مثل: أنا وأنت وهو، وإنّما يبنى الموصول لمشابهته الحرف من حيث احتياجه إلى الغير في إيضاحه وهو الصّلة (¬7) وحدّ الموصول: اسم لا يتم جزءا من الكلام من مسند ومسند إليه، ومضاف إليه وتابع، ¬
إلّا مع صلة وعائد، فقولنا: اسم كالجنس/ وقولنا: لا يتم جزءا إلّا بصلة، يخرج ما يتمّ جزءا بدون الصلة نحو: زيد ورجل وقولنا: وعائد، يخرج مثل: إذ وإذا، لأنّه وإن لم يتمّ جزءا من الكلام إلّا بصلة فإنّه بلا عائد، فمثال الموصول مسندا قولك: زيد الذي قام أبوه، ومثاله مسندا إليه: الذي قام أبوه زيد، ومثاله مضافا إليه: غلام الذي قام أبوه عمرو، ومثاله تابعا: مررت بزيد الذي أبوه قائم، ويجب أن تكون صلة الموصول جملة خبريّة ولا موضع لها من الإعراب (¬1) لكونها كالجزء من الموصول، وإنّما وجب أن تكون جملة، لأنّ «الذي» وضع وصلة إلى وصف المعارف بالجمل التي هي نكرات في الأصل، ووجب أن تكون خبريّة لأنّ الموصول يخبر به وعنه، ولو كانت الجملة الإنشائيّة جزءا منه لما صحّ منه ذلك، ولأنّ الصلة يجب أن تكون موضّحة للموصول، وما عدا الخبريّة كالأمر والنهي وغيرهما. من الجمل الإنشائيّة غير موضّح (¬2)، ويشترط في الصلة أيضا، أن تكون معلومة للمخاطب، لأنّها لو كانت مجهولة لم تكن موضّحة، ويشترط أن يكون فيها عائد (¬3) وهو ضمير في الصلة يعود إلى الموصول، لأنّ الصلة جملة مستقلّة فافتقرت إلى العائد، ليحصل به ربط الصلة بالموصول، والضمير العائد المذكور يجوز حذفه (¬4) إذا كان مفعولا، نحو قوله تعالى: (فيها ما تشتهي الأنفس) (¬5) أي ما تشتهيه، لحصول العلم به مع كونه فضلة، ولم يجز ذلك في الضمير المرفوع والمجرور لكون المرفوع فاعلا وامتناع حذف الفاعل، واستلزام حذف المجرور، كثرة الحذف أعني الجار والمجرور (¬6) (¬7). ¬
ذكر تعدد الموصولات
ذكر تعدّد الموصولات (¬1) منها: الذي للمفرد المذكّر، والألى والذين لجمع المذكّرين، واللّذان للمثنّى المذكر بالألف إذا كان في موضع رفع واللذين بالياء إذا كان في موضع نصب أو جرّ وهذه العبارة أولى من أن يقال: رفعه بالألف، ونصبه وجرّه بالياء، لأنّ هذه الصيغ ليست معربة حقيقة لأنّها من المبنيّات، ولعدم تحقّق التثنية فيها، فإنّ اللذان واللذّين اسم وضع للمثنّى، وكذلك اللتان واللتين، كما قيل في أسماء الإشارة ولذلك حذفت الياء في تثنية الذي والتي كما حذفت ألف «ذا» ولو كان مثنّى حقيقة لما حذف ذلك، وكذلك الذين ليس جمعا للذي، لأنّه على اللغة الفصيحة بصيغة واحدة في الرفع والنصب والجر، ولو كان جمعا محقّقا لوجب أن يقال: الذون رفعا، ولكن هو اسم وضع للجميع، وأمّا جمع المؤنّث، ففيه لغات، وهي اللاتي واللواتي واللّات واللّوات واللّائي بهمزة وياء بعدها، واللّاء بهمزة وحدها واللّاي بياء مكسورة، وساكنة أيضا بغير همز (¬2) ومن الموصولات ذو الطائيّة بمعنى الذي، كقوله: (¬3) ... … وبئري ذو حفرت وذو طويت ¬
ذكر الإخبار بالذي وبابها
/ وذو هذه، بالواو في الأحوال كلها. ومنها: ما ومن وهما مفردان بكل حال وإنما تقع التثنية والجمع والتذكير والتأنيث في صلاتهما لا فيهما. ومنها: أيّ للمذكّر بمعنى الذي وأيّة للمؤنّث بمعنى التي، وذا بعد ما للاستفهام خاصة كقولك (¬1): ماذا، وهي بمعنى الذي، عند البصريين. ومنها: الألف واللام مع اسمي الفاعل والمفعول والصفة المشبّهة بمعنى الذي والتي وسيأتي الكلام على هذه الموصولات. ذكر الإخبار بالذي وبابها (¬2) ويخبر بها عن كلّ اسم في جملة معلوم من وجه غير معلوم من وجه آخر، ما لم يمنع مانع من الإخبار بها كما سنذكر، سواء كان ذلك الاسم في الجملة الاسميّة أو الفعليّة، أعني إذا كان الإخبار بالذي خاصة، فإنها تعمّ الجملتين، وأما الألف واللّام فلا يخبر بهما إلّا في الجملة الفعليّة خاصة، لأنّ صلة الألف واللّام لا تكون إلا اسم فاعل أو مفعول أو صفة مشبّهة لكراهتهم أن يدخلوا صيغة الألف واللّام على الجملة، لكون صيغتهما مثل صيغة لام التعريف، فسبكوا من الجملة الفعليّة اسم فاعل أو مفعول ليصحّ دخول اللّام عليهما (¬3) كقولك: الضارب زيد، والمضروب عمرو، بمعنى الذي ضرب والذي ضرب، ولا يبنى ذلك إلّا من الفعليّة، فلذلك خصّت اللام بالفعليّة وعمّ «الذي» الجملتين الاسميّة والفعليّة (¬4) وطريق الإخبار أن يصدّر «الذي» ويؤخّر الاسم خبرا، ويجعل مكانه ضمير عائد على «الذي» مطابق للظاهر المخبر عنه إعرابا وتذكيرا وتأنيثا وتثنية وجمعا، ويكون مستترا وبارزا متصلا ومنفصلا، فإذا أخبرت عن التاء في: ضربت زيدا بالذي قلت: الذي ضرب زيدا أنا (¬5)، فإنّك صدّرت «الذي» وجعلت موضع الضمير البارز الذي هو تاء، ضربت ¬
ضميرا، فلزم أن يستتر في ضرب الذي هو الفعل الماضي، وأخّرت الضمير البارز المتصل الذي هو تاء ضربت فلزم انفصاله فالذي مبتدأ، وأنا خبره وما بينهما صلة الذي، وإذا أخبرت عن زيد في ضربت زيدا، قلت: الذي ضربته زيدا، فجعلت موضع المخبر عنه ضميرا للذي وهو الهاء في ضربته وأخّرت زيدا، فالذي مبتدأ، وزيد خبره، وما بينهما صلة الذي، وإذا أخبرت عن زيد في قولك: زيد قائم قلت: الذي هو قائم زيد، والأمر فيه كما ذكرنا، والذي في هذه الصور مبتدأ واجب التقديم، والاسم المخبر عنه بالذي خبر واجب التأخير ومع ذلك لم يذكرا في مواضع وجوب تقديم المبتدإ ووجوب تأخير الخبر، وإذا أخبرت بالألف واللّام عن التاء في ضربت زيدا، قلت: الضارب زيدا أنا (¬1)، فالألف واللّام مبتدأ بمعنى الذي وأنا خبره، وما بينهما صلة الألف واللّام، والعائد مستكنّ في الضارب لأنّ اسم الفاعل قد جرى على من هو له، وإذا أخبرت عن الكاف في ضربتك، قلت: الضاربه أنا أنت فاللّام مبتدأ، وأنت خبره وما بينهما صلة اللام، والعائد الهاء في الضاربه وأنا فاعل، ووجب إبراز الضمير؛ لأنّ الألف واللام لمخاطب الذي هو أنت، والفعل لضمير/ المتكلّم فقد جرى اسم الفاعل على غير من هو له، فوجب إبراز الضمير كما ذكر في بابه (¬2). واعلم أنّ المراد بقولهم: أخبر بالذي، إنّما هو إخبار عن الذي بذلك الاسم لا إخبار بالذي حقيقة، فتكون الباء في أخبر بالذي، إمّا بمعنى الاستعانة أي استعن على هذا الإخبار المخصوص بالذي، وإمّا بمعنى عن فيكون تقدير أخبر بالذي، أخبر عن الذي، وكما أوّلنا الباء بأنّها بمعنى عن كذلك تؤوّل عن بأنّها بمعنى الباء فيصير أخبر عن الذي تريد (¬3) وإنّما لزم تأويل هذا اللفظ لأنّ الذي في هذا الباب مبتدأ مخبر ¬
عنه لا به، والاسم المخبر عنه بالذي خبر مخبر به لا عنه. واعلم أنّ قولهم: إنّ الألف واللام لا توصل إلّا بالجملة الفعليّة ليس على إطلاقه بل لا بدّ من قيد آخر، وهو أن يقال: الجملة الفعليّة التي لها تصرّف، ليمكن سبك اسم الفاعل والمفعول منها، فإنّ الأفعال الجامدة لا يمكن ذلك منها لأنها لا تتصرف (¬1) وهي ستة: ليس، وعسى، ونعم وبئس وفعل التعجب وحبّذا، وإذا تعذّر في الإخبار بالذي أحد الأمور الثلاثة، وهي: إمّا تصدير الذي، أو إقامة الضمير العائد مقام الاسم المخبر عنه، أو تأخير المخبر عنه خبرا، تعذّر الإخبار بالذي، فلا يصحّ الإخبار عن ضمير الشأن لأنّ له صدر الكلام فلا يؤخّر (¬2) ولا عن الوصف بدون الموصوف، لأنّه يلزم وقوع الصفة مضمرة، والمضمر لا يجوز أن يوصف به، فلو أخبرت عن الكريم في قولك: رأيت زيدا الكريم، وقلت: الذي رأيت زيدا إيّاه الكريم لم يجز، وكذلك لا يخبر عن الموصوف بدون صفته، لأنّه يلزم أن يقع المضمر موصوفا وذلك غير جائز، فلو أخبرت عن زيد، في قولك: رأيت زيدا الكريم وقلت: الذي رأيت إياه الكريم زيد لم يجز ذلك (¬3) وكذلك الحال والتمييز لامتناع وقوع الضمير حالا أو تمييزا؛ لأنّ الضمير معرفة ويمتنع أن يكون شيء منهما معرفة، وكذلك المصدر العامل (¬4) في نحو: أعجبني ضربي زيدا، لامتناع جعل الضمير عاملا مكان المصدر، لأنّ الضمير لا يعمل، وإن قدرت المصدر عاملا وقلت: الذي أعجبني هو زيدا ضربي، لم يجز أيضا، لأن المصدر لا يعمل مؤخرا، وإنّما قيّد المصدر بالعامل، لجواز الإخبار عن المصدر الغير العامل نحو: أن يقال في رأيت ضربك: الذي رأيته ضربك، وكذلك لا يخبر عن الضمير المستحق لغير الموصول، ولا عن الاسم المشتمل عليه، أمّا الضمير المستحق لغير الموصول فنحو الهاء في: زيد ضربته (¬5) وأمّا الاسم المشتمل على الضمير المستحق لغير الذي ¬
ذكر أنواع ما
فنحو: زيد ضربت أخاه (¬1)، فلا يجوز أن تخبر عن الهاء في ضربته ولا عن أخاه، فإنك إن أعدت الهاء على زيد الذي هو المبتدأ بقي الموصول بلا عائد، وإن أعدتها على الذي بقي المبتدأ الذي هو زيد، بلا عائد (¬2)،/ وكذلك لا يصحّ الإخبار عن المجرور بربّ ومذ ومنذ، وكاف التشبيه، وواو القسم وتائه، وحتّى، والمضاف بدون المضاف إليه لامتناع إضمار هذه الأشياء. ذكر أنواع ما (¬3) وذكرت أقسامها هاهنا للاختصار، لئلّا يفرد لها باب آخر، وهي تستعمل غالبا فيما لا يعقل، وقد جاءت لمن يعقل (¬4) في قوله تعالى: وَالسَّماءِ وَما بَناها (¬5) وهي مشتركة بين ستة معان، فإنّها تأتي: موصولة، واستفهاميّة، وشرطيّة، وموصوفة، وصفة، وتامّة، وهي في جميع أقسامها مبنيّة، فمثال الموصولة قوله تعالى: قُلْ ما عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجارَةِ (¬6) أي الذي عند الله وهي معرفة (¬7) لكن لا توصف بها المعرفة، كما توصف بالذي، لأنّ ما الموصولة تتضمّن الصفة والموصوف جميعا، فإذا قلت: أعجبني ما صنعته فمعناه: أعجبني الشيء الذي صنعته، لأنّ الشيء موصوف والذي صنعته صفته، ومثال الاستفهاميّة قوله تعالى: وَما تِلْكَ بِيَمِينِكَ يا مُوسى (¬8) وهي هنا نكرة (¬9) ومثال الشرطيّة قوله تعالى: ¬
وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ (¬1) وهي نكرة أيضا، ومثال الموصوفة قول الشّاعر: (¬2) ربّما تكره النفوس من الأم … ر له (¬3) فرجة كحلّ العقال وهي نكرة أيضا، لدخول ربّ عليها، وإنّما كانت موصوفة، لأنّ المجرور بربّ لا بدّ من وصفه، وهي هنا موصوفة بالجملة، وهي نكرة أيضا، والتقدير، ربّ شيء تكرهه النفوس أي مكروه، وأمّا الموصوفة بالمفرد فنحو قوله تعالى: هذا ما لَدَيَّ عَتِيدٌ (¬4) أي هذا شيء لديّ عتيد، فعتيد صفة لما (¬5)، ومثال الصفة قوله صلّى الله عليه وسلّم «أحبب حبيبك هونا ما، عسى أن يكون بغيضك يوما ما، وأبغض بغيضك هونا ما، عسى أن يكون حبيبك يوما ما» (¬6) أي، أحبب حبيبك حبّا قليلا، وأبغض بغيضك بغضا قليلا، وقيل: (¬7) «ما» هنا حرف يفيد التقليل، وقيل: زائدة للتأكيد وهو الأصحّ، وهي أيضا نكرة، ومثال التامّة، وهي أن تكون بمعنى شيء (¬8) قوله تعالى: إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقاتِ ¬
ذكر أنواع من
فَنِعِمَّا هِيَ (¬1) أي فنعم شيئا إبداؤها فحذف المضاف وهو إبداء، وأقيم المضاف إليه مقامه وهو الضمير المجرور الراجع إلى الصّدقات فصار مرفوعا، ومعنى كونها تامة أنّها غير محتاجة إلى صلة ولا صفة، وهي هنا منصوبة على التمييز، ومفسّرة (¬2) لفاعل نعم، أي نعم الشيء شيئا هي الصدقات (¬3). ذكر أنواع من (¬4) والاعتذار عن ذكر باقي أقسامها مع الموصولات، وكذلك غيرها هو ما تقدّم في ذكر أنواع ما، وأنواع من كأنواع ما، إلّا في التمام والصفة، فإنّ من لا تكون (¬5) تامّة، ولا يوصف بها، فالموصولة نحو: جاءني من أبوه طيّب، وهي خاصة معرفة، ونكرة في باقي أقسامها، والاستفهاميّة: (¬6) نحو: من عندك/ والموصوفة بالمفرد (¬7) نحو قوله: (¬8) وكفى بنا فخرا على من غيرنا … حبّ النبيّ محمّد إيّانا وبالجملة نحو قوله: (¬9) ¬
ذكر أنواع أي وأية
ربّ من أنضجت غيظا صدره … قد تمنّى لي موتا لم يطع فإنّ من هنا بمعنى شخص أو إنسان موصوف بما ذكر، والشرطيّة نحو: من يكرمني أكرمه، ومن تستعمل غالبا فيمن يعقل، وقد تستعمل في غير من يعقل، نحو قوله تعالى: وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ ماءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى بَطْنِهِ (¬1). ذكر أنواع أيّ وأيّة (¬2) وهي كأنواع ما إلّا في التمام، فإنّ أيّا وأيّة لا يقعان تامّين، فالاستفهاميّة نحو: أيّهم وأيّتهم عندك؟ والشرطيّة: أيّهم تكرمه أكرمه، والموصوفة: يا أيّها الرجل ويا أيّتها المرأة، والموصولة لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمنِ عِتِيًّا (¬3) أي الذي هو أشدّ والصفة نحو: مررت برجل أيّ رجل. واعلم أنّ أيّا وأيّة خاصة تعربان في الأقسام المذكورة إلّا في قسمين منها: أحدهما: إذا حذف صدر صلتها نحو: أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمنِ عِتِيًّا (¬4) أي أيّهم هو أشدّ (¬5)، وبنيت لمشابهة الحرف في افتقارها إلى ذلك المحذوف (¬6) وثانيهما: إذا كانت موصوفة نحو قولك: يا أيّها الرجل ويا أيتها المرأة، وبنيا لقطعهما عن الإضافة وجعلهما مفردين (¬7) والمنادى المفرد المعرفة مبنيّ أبدا كما تقدّم في بابه (¬8) وأمّا ¬
ذكر ماذا
وجوب إعرابهما في باقي الأقسام المذكورة فلانتفاء موجب البناء. ذكر ماذا (¬1) وهي تستعمل على وجهين: أحدهما: أن يكون معناها ما الذي نحو ماذا صنعت؟ ما للاستفهام وهي مبتدأ، وذا بمعنى الذي، وصنعت صلته، والعائد محذوف أي: ما الذي صنعته؟ والموصول مع صلته خبر المبتدأ، وجوابه مرفوع ليطابق السؤال فتقول: خير بالرفع، ويجوز نصبه بتقدير الفعل المذكور فتقول: خيرا بالنّصب، أي صنعت خيرا، ولكنّ الرفع أولى. وثانيهما: أن تكون ماذا بمنزلة كلمة واحدة مركّبة من كلمتين بمعنى أيّ شيء فيصير المعنى، أيّ شيء صنعت، ويحكم على موضعه بحسب ما يقتضيه العامل وهو هنا في محلّ النصب، بأن يكون مفعولا لصنعت، فيكون الجواب منصوبا، فتقول: خيرا بالنصب لتطابق السؤال (¬2) وقد يجوز فيه الرفع على تقدير؛ أن يكون خبر مبتدأ محذوف، وإنّما قدّم ماذا لتضمّنه معنى الإنشاء (¬3) وقد أجمع القرّاء على نصب خيرا في قوله تعالى: وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا ماذا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ، قالُوا: خَيْراً (¬4) تنبيها على أنّهم قصدوا خلاف ما قصد من كان قبلهم من الكفّار إذ قيل لهم: ماذا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قالُوا: أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ (¬5) فهذا لا يستقيم فيه إلّا الرفع على معنى: هي أساطير الأولين، عدولا منهم عن الجواب، إذ لا يستقيم أن يكون المعنى أنزل ربّنا أساطير الأولين (¬6). ذكر أسماء الأفعال (¬7) وهي ما كان بمعنى الأمر، أو الماضي، وهي رابع المبنيّات ومسميّاتها ألفاظ؛ ¬
فرويد اسم ومسمّاه/ لفظ أمهل، وأمهل لفظ ومدلوله طلب المهلة، وكذلك جميع أسماء الأفعال نحو: هيهات، فإنّها اسم للفظ بعد، وبعد موضوع للمعنى الذين هو البعد، وكذلك (¬1) صه اسم ل: اسكت، واسكت موضوع للمعنى الذي هو طلب السكوت (¬2) لأنّ رويد مثلا لو كان اسما لطلب المهلة، لكان رويد وأمهل مترادفين ولم يكن اسما له (¬3)، وكذلك القول في جميع هذا الباب، وفائدة أسماء الأفعال؛ الاختصار والمبالغة لأنّها للمذكّر والمؤنّث والمثنّى والمجموع، بلفظ واحد، فتقول: صه يا زيدان ويا زيدون، فلا تلحقها علامة تثنية ولا جمع، بخلاف اسكتا واسكتوا، وأمّا المبالغة فإنّ معنى: هيهات زيد، بعد جدا، فهيهات معدولة عن قولك: بعد بعد مكرّرا، وكذلك القول في مه وغيرها من هذا الباب وإنّما بنيت هذه الأسماء لأنها نائبة عن الجملة، والجمل محكيّة لا تعرب، أو لشبهها بما هي بمعناه وهو فعل الأمر والماضي (¬4) ولا بدّ لها من موضع من الإعراب لوجود التركيب، واختيار ابن الحاجب أنّ موضعها رفع بالابتداء وفاعلها المستتر فيها أغنى عن الخبر كما أغنى في: أقائم الزيدان عن الخبر (¬5) واختيار تقي الدين النيلي، أنّ موضعها نصب على المصدر كأنه قيل في رويد زيدا: أرود إروادا زيدا (¬6). ¬
فصل وأسماء الأفعال تنقسم إلى مرتجل، ومشتق، ومنقول،
فصل وأسماء الأفعال تنقسم إلى مرتجل، ومشتقّ، ومنقول، فالمرتجل نحو: صه ومه وهيهات، والمشتقّ نحو: نزال ومناع، والمنقول نحو: عليك زيدا، ودونك عمرا، أي خذه، وعندك بكرا أي إلزمه، فإنّ ذلك منقول عن الجار والمجرور والظرف وما أضيف إليه، فإنّ عليك مثلا كان جارا ومجرورا ثم صار اسم فعل هنا، وكذا دونك وعندك، كلّ واحد منهما كان ظرفا مضافا إلى كاف المخاطب ثمّ استعمل اسم فعل حسبما ذكر (¬1) وينقسم قسمة أخرى؛ إلى لازم نحو: صه وهيهات وإلى متعدّ بنفسه نحو: رويد زيدا، وإلى متعدّ بحرف الجرّ نحو قول المؤذن: حيّ على الصّلاة أي أقبلوا على الصلاة (¬2). فصل (¬3) ومذهب سيبويه، أنّ كلّ فعل ثلاثي لك أن تبني منه فعال بمعنى افعل (¬4) كقولك: ضراب اسم اضرب، وقعاد اسم اقعد، وقوام اسم قم، ونزال اسم انزل، وعند غيره يؤخذ سماعا كما في الرباعي بالاتفاق (¬5) إذ لم يأت منه إلّا قرقار (¬6) وعرعار (¬7) قال الشّاعر: (¬8) ¬
فصل ومن أسماء الأفعال، ها بمعنى خذ
قالت له ريح الصّبا قرقار أي قالت الريح للسّحاب: قرقر يا رعد، فهو اسم لقولك أرعد، وأمّا عرعار، فحكاية صوت الصبي إذا خرج فلم يجد من يلعب معه فينادي: عرعار فيخرجون إليه، فكأنه اسم لقولك اخرجوا للّعب، قال الشاعر: (¬1) ... … يدعو وليدهم بها عرعار وقيل: لو كان كذلك لكان من باب الأصوات، بل هو اسم للعب معيّن للصبيان (¬2). فصل (¬3) ومن أسماء الأفعال، ها بمعنى خذ ، وتلحقها الكاف فيقال هاك، فيتصرف مع الكاف في أحواله: هاك وهاك وهاكما إلى هاكنّ. واعلم أنّ هلمّ/ من أسماء الأفعال (¬4) وهي عند الخليل مركّبة من لمّ من قولهم: لمّ الله شعثه إذا جمعه، ومن ها التنبيه فأصلها ها لمّ (¬5) ثمّ حذفت الألف لكثرة الاستعمال، وقال الكوفيون: هي مركبّة من هل بمعنى أسرع وأمّ بمعنى اقصد ¬
فصل ومن المبنيات ما يوافق فعال في الصيغة
ثم حذفت الهمزة وجعلا اسما واحدا للفعل (¬1) بمنزلة باقي أسماء الأفعال نحو: رويد، ونزال، وهي عند الحجازيين على لفظ واحد في التثنية والجمع والتذكير والتأنيث، وبنو تميم يقولون: هلمّا هلمّوا هلممن، ويلحقونها نون التأكيد أيضا نحو: هلمّنّ وهلمنّ يا هذه وهلمانّ وهلمنّ يا هؤلاء، وهلممنانّ يا نساء (¬2) واعلم أنّ هلمّ على وجهين: (¬3) متعديّة وغير متعديّة، فالمتعديّة بمعنى أحضر وقرّب نحو قوله تعالى: هَلُمَّ شُهَداءَكُمُ (¬4) فإنّه من القسم المتعدي أي: أحضروا شهداءكم، وغير المتعدي بمعنى: تعال وأقبل نحو قوله تعالى: هَلُمَّ إِلَيْنا (¬5) فإنّه من القبيل الذي لا يتعدّى أي: تقرّب إلينا (¬6). فصل (¬7) ومن المبنيّات ما يوافق فعال في الصيغة فذكروه هنا وإن لم يكن من أسماء الأفعال لئلا يطول بإفراد باب له وهو على ثلاثة أضرب: الضرب الأول: ما هو اسم للمصدر المعرفة نحو: فجار علما للفجور، وهو مبنيّ لمشابهته فعال - الذي هو اسم الفعل - من حيث الزنة والعدل؛ لأنّ فجار معدولة عن الفجور لفظا ومعنى (¬8). الضرب الثاني: ما هو في معنى الصفة في النّداء، مثل: يا فساق ويا خباث وهو أيضا مبنيّ للزنة والعدل، لأنّ فساق مثلا معدول عن فاسقة وهو معرفة أيضا، لجواز وصفه بالمعرفة كقولك: يا فساق الخبيثة. ¬
ذكر الأصوات
الضرب الثالث: ما وضع علما للأعيان المؤنّثة نحو: قطام وغلاب وإنّما قال: علما ليخرج باب فساق، وإنّما قال: للأعيان ليخرج باب فجار، لأنّه وإن كان علما لكنه علم للمعنى الذي هو المصدر لا للأعيان ولم يقع هذا الضرب الثالث إلّا مؤنّثا، وهي مبنيّ أيضا في لغة أهل الحجاز (¬1) وعلّة بنائه ما قيل في: فجار من العدل والزنة، وغلاب معدول عن غالبة، وقطام عن قاطمة لفظا ومعنى (¬2). واعلم أنّ قولنا في غلاب وقطام ونحوهما: إنّه معدول عن غالبة وقاطمة، إنّما هو عدل تقديريّ لا تحقيقي (¬3) وإنّما وجب المصير إليه للعلم بأنهم لا يبنون إلّا لمانع من الإعراب، ولا مانع سوى ما قدّر من العدل ومشابهة فعال المبنيّ في الزنة، وفي هذا الضرب الثالث خاصة خلاف أعني علم الأعيان فإنّه مبنيّ في لغة الحجاز معرب في لغة بني تميم إعراب ما لا ينصرف، إلّا ما كان في آخره راء نحو: حضار اسم كوكب يطلع قدّام سهيل ويشتبه به (¬4) فإنّ بني تميم يوافقون الحجازيين في بنائه إلّا القليل منهم فإنّهم يعممون الإعراب في جميع هذا الضرب الثالث وقد جرى القليلون على القياس في ذلك، إذ لا فرق بين ما آخره راء وغيرها (¬5). ذكر الأصوات (¬6) وهي خامس المبنيّات، وهي: كلّ لفظ حكي به صوت نحو: غاق، حكاية صوت الغراب، وطق، حكاية صوت الحجر، أو صوّت به للبهائم ليحصل منها ما يقصده المصوّت من إناخة وغيرها كنخ وجوت (¬7) وبني هذا النّوع/ لعدم التركيب لأنّ وضعه على أن ينطق به مفردا (¬8) وقد جاء إعرابه مركّبا قليلا. ¬
ذكر المركبات
قال ذو الرمة: (¬1) تداعين باسم الشّيب في متثلّم … جوانبه من بصرة وسلام والشّيب بالكسر، حكاية أصوات مشافر الإبل عند الشّرب (¬2) وصف إبلا تشرب في حوض متثلّم جوانبه، وأصوات مشافرها شيب شيب، والأصل: أن تحكى الأصوات على ما هي عليه، ولا يعتبر تركيبها كما لا يعتبر تركيب قد وضرب ونحوه في الإعراب. ذكر المركّبات (¬3) وهي سادس المبنيّات، والمركّب المبنيّ: كلّ اسم مركّب من كلمتين ليس بينهما نسبة، اعلم أنّ المراد بالمركّب هنا ما سبب بنائه التركيب، وإنّما قال: المركّب من كلمتين، ليشمل المركّب من الاسم والفعل والحرف نحو: سيبويه، وقوله: ليس بينهما نسبة، أي ليس أحدهما محكوما عليه بالآخر، ولا عاملا فيه، وما كان من تركيب هذا شأنه فهو موجب للبناء فيخرج مثل: غلام زيد، وتأبّط شرّا، ونحوهما لوجود النسبة فيهما، وتأبّط شرّا وإن كان مبنيّا، فليس بناؤه للتركيب بل لكونه محكيّا على أصله، والمركّب المبنيّ على ضربين، أحدهما: أن يكون الأول والثاني مبنيين معا، وثانيهما: أن يكون الأول مبنيا والثاني معربا كما سنذكر. أما الضرب الأول: وهو الذي بني فيه الأول والثاني معا. فمنه: أحد عشر إلى تسعة عشر خلا الجزء الأول من اثني عشر فإنّه خاصة معرب كما سيأتي، وبني الأول من الأعداد المذكورة لشبهه بصدر الكلمة، لأنّ خمسة من خمسة عشر مثل جع من جعفر، وبني الثاني من أحد عشر واثني عشر إلى تسعة ¬
عشر لتضمّنه معنى الحرف (¬1) أعني الواو، لأنّ أصل أحد عشر، أحد وعشر، وكذا القول في اثني عشر في بناء الثاني خاصة إلى تسعة عشر، وبنيا على حركة، لأنّ لهما أصلا في التمكين قبل التركيب، وكانت فتحة طلبا للخفّة. ومنه: اسم الفاعل المصوغ من الأعداد المذكورة وهو حادي عشر وثاني عشر إلى تاسع عشر، واطّرد البناء فيه ولم يعرب الجزء الأول من ثاني عشر كما أعرب من اثني عشر لاستوائه مع إخوته في علّة البناء لأنّ اسم الفاعل المذكور جرى في البناء مجرى أصله؛ فحادي عشر وثاني عشر، مبنيّان كبناء أحد عشر وعلى ذلك حتى يكون تاسع مبنيّا كبناء تسعة عشر، وأما اثنا عشر فبني الثاني خاصة لتضمّنه معنى الحرف، وأعرب الأوّل، لأنّهم لمّا حذفوا النون من اثنين لكونها تدلّ على الانفصال، أشبه المضاف وصار الاسم الثاني كالمضاف إليه، فأجروا الاسم الأول مجرى الكلمة المستقلّة المضافة فأعربوه بالألف في الرفع وبالياء في النصب والجر فقالوا: جاءني اثنا عشر ورأيت اثني عشر ومررت باثني عشر، بإعراب الأول وبناء الثاني على الفتح (¬2)، ومن هذا الضّرب قولهم (¬3)، «وقعوا في حيص بيص» وتقديره في حيص وبيص أي في فتنة تموج بأهلها متأخّرين ومتقدّمين/ وعلّة بنائه ما تقدّم أعني، لتضمّن الثاني معنى الحرف ولكون الأول كصدر الكلمة، ومثله: هو جاري بيت بيت (¬4) والتقدير: هو جاري بيتا إلى بيت أي متلاصقان، والعامل فيه جاري؛ لأنّه بمعنى مجاوري، ومن ذلك: سقطوا بين بين أي بين كذا وبين كذا (¬5). وأمّا الضّرب الثاني: وهو أن يكون الأول مبنيّا والثاني معربّا ف: كحضرموت وبعلبكّ، بني الأوّل لكونه كصدر الكلمة، وبقي الثاني على ما يستحقّه من الإعراب فيقال: هذا بعلبكّ ¬
ذكر الكنايات المبنيات
ورأيت بعلبكّ ومررت ببعلبكّ، فلا ينصرف للعلّتين وهذا هو الفصيح، ومن العرب من يعرب الأوّل بالرفع والنّصب والجرّ كالمضاف، ويعرب الثاني إعراب المضاف إليه الغير المنصرف، ومن هؤلاء من يعرب الثاني إعراب المضاف إليه المنصرف فيقول: هذا بعلبكّ بجرّ الثاني في الأحوال الثلاث (¬1) وأمّا نحو: (¬2): «ذهبوا أيدي سبا» فقد عدّه المحققون (¬3) من باب المبنيّات وهو مشكل؛ فإنّ معناه ذهبوا مثل أيدي سبا في تشتّتهم، فحذف المضاف الذي هو مثل، وأعرب المضاف إليه بإعرابه ثم حقّقت الهمزة من سبأ، وسكّنت الياء من أيدي على التخفيف وذلك لا يوجب بناء (¬4). ذكر الكنايات المبنيّات (¬5) وهي سابع المبنيّات، والكناية من كنيت إذا سترت ومنه كنية الشّخص؛ سمّيت بذلك لكونها تستر اسمه (¬6) وتكون الكناية معربة نحو: فلان، ويسمّى الضمير مكنيّا أيضا، وليس ذلك بمراد هاهنا، وإنّما المراد الكنايات المبنيّة، وهي: كلّ لفظ مجمل يعبّر به عن مفصّل، ويكون إجماله إمّا لنسيانه أو لقصد إبهامه على السّامعين، بحيث لا يعلم معناه إلّا من يعرف ذلك التفصيل نحو: عندي كذا كذا درهما، فكذا كذا درهما، مجمل وله تفصيل من نحو: عشرين أو خمسين أو غير ذلك، وقد عبّر عنه بهذا اللفظ المجمل، أعني كذا كذا درهما، إمّا للنسيان أو للإبهام على السّامعين (¬7) وألفاظ الكنايات كم وكذا للعدد، وكيت وذيت للحديث وقد قيل: (¬8) إنّ كم الاستفهامية ليست من الكنايات، لأنّها وضعت للاستفهام عن العدد فلا تكون بهذا ¬
الاعتبار من الكنايات وإلّا لزم أن يكون أين ومتى، كنايتين عن مكان وزمان مبهمين، لأنّ كم كما يفيد الاستفهام والعدد فكذلك أين يفيد الاستفهام والمكان (¬1)، وقال السخاوي (¬2) في شرح المفصل ما معناه: إنّ كم الاستفهامية من الكنايات أيضا، قال: لأنّها في الاستفهام سؤال عن عدد مبهم فلا شيء من العدد إلّا ويصلح أن يكون جوابا، وبنيت الاستفهامية لتضمنها همزة الاستفهام، والخبريّة لكونها مثل الاستفهاميّة في الصيغة (¬3) وبني «كذا» لكونه منقولا عن مبنيّ لأنّ أصله «ذا» ودخلت عليه كاف التشبيه فبقي على ما كان عليه (¬4) وأما كيت وكيت وذيت وذيت، فكنايتان عن الحديث، وبنيا لكونهما واقعين موقع المبنيّ وهو الجملة (¬5) أعني الحديث الذي كني عنه بهما/. ومميّزكم الاستفهامية (¬6) مفرد منصوب نحو: كم رجلا ضربت، لأنّ كم للعدد فجعل مميّزها كمميّز الأعداد المتوسطة أعني من أحد عشر إلى تسعة وتسعين ولم يجعل كمميّز طرفي العدد أعني العشرة وما دونها والمائة وما فوقها، لئلا يلزم الترجيح بلا مرجّح، ويدخل «من» في مميّزها فيخفض نحو: كم من رجل ضربت، ومميّزكم الخبريّة مجرور مفرد، ومجموع كقولك: كم درهم وهبت، وكم دراهم وهبت، أما كونه مجرورا، فلأنّها للتكثير، والعدد الصريح الكثير، مميّزه مجرور كمائة وألف، وأما كونه مفردا، فلأنّ مميّز العدد الكثير كذلك، وأمّا كونه جاء مجموعا فلأنّ العدد الكثير، فيه ما ينبيء عن كميّته صريحا كالمائة والألف، ولما كان ¬
هذا ليس مثله في التصريح جعل كأنّه نائب عن معنى التصريح (¬1) وتدخل «من» في مميّز الخبريّة كثيرا نحو قوله تعالى: وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها (¬2) ولكم الاستفهامية والخبريّة صدر الكلام (¬3) لكون الاستفهاميّة لإنشاء الاستفهام، والخبريّة لإنشاء التكثير، والكوفيون لا يوجبون لهما صدر اللام ويستشهدون بقوله تعالى: أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْقُرُونِ (¬4) ويزعمون أنّ كم فاعل يهد (¬5) والبصريون يتأولونه ويقفون على يهد لهم ويبتدئون بقوله: كم أهلكنا (¬6) لكن إن كان قبلهما مضاف أو حرف جرّ وجب تقديمه وكانا في موضع خفض كقولك: غلام كم رجلا ضربت، وبكم رجلا مررت، لأنّ المضاف وحرف الجرّ لا يتأخّر عن معموله، فلذلك اغتفر تقديمه على ماله صدر الكلام، ليتنزّل المضاف وحرف الجرّ منزلة الجزء من الكلمة، ويكون إعراب المضاف نحو الغلام في: غلام كم رجلا، كإعراب كم، ولذلك نصبت غلام كم رجلا ضربت، والاستفهاميّة والخبريّة كلاهما يقع مرفوعا ومنصوبا ومجرورا (¬7) أما جرّهما فبالمضاف أو حرف الجرّ حسبما تقدّم، وأمّا النصب فبما بعدهما من الفعل، إن كان متسلّطا عليهما، أي غير مشتغل بضميرهما أو متعلّق ضميرهما على حسب ما يقتضيه، أعني؛ إن اقتضى مفعولا به كان مفعولا به نحو: كم رجلا أو رجل ضربت، بنصب رجل مع الاستفهاميّة، وجرّه مع الخبريّة، وإن اقتضى مفعولا مطلقا كان مفعولا مطلقا نحو: كم ضربة وضربة ضربت، وإن اقتضى ¬
ظرفا كان ظرفا نحو: كم يوما وكم يوم صمت، وأمّا الرفع فعلى أن يكونا مبتدأين أو خبرين، وذلك إذا لم يكن بعدهما فعل متسلّط عليهما ولا قبلهما اسم مضاف ولا حرف جرّ فيكونان حينئذ مجرّدين من العوامل اللفظيّة، فيتعيّن أن يكونا في موضع رفع على الابتداء أو على الخبر، ولا يكونان فاعلين لاقتضائهما صدر الكلام، والفاعل ليس له صدر الكلام، وأمّا تعينهما للابتداء دون الخبر أو للخبر دون الابتداء، فإذا وقعا غير ظرف تعيّنا للابتداء كقولك: كم رجلا إخوتك، وكم رجلا قام، وإن وقعا ظرفا تعيّنا للخبر، كقولك: كم يوما سفرك/ لأنك لو جعلت كم مبتدأ وهي للزمان تعذّر أن يكون خبرها السّفر كما يتعذّر ذلك في: متى سفرك، فيجب أن يقدّر السّفر ونحوه مبتدأ، ويكون ما تقدّم ظرفا في موضع رفع على الخبر (¬1). واعلم أنّ إعراب أسماء الاستفهام والشّرط نحو: من وما، استفهاميتين وشرطيّتين مثل إعراب كم فإن كان بعدهما فعل متسلّط عليهما كان محلّهما النصب نحو: من ضربت، ومن تضرب أضرب وإن كان قبلهما حرف جرّ أو اسم مضاف فمحلّهما الجرّ نحو: بمن مررت وبمن مررت أمرر، وغلام من ضربت، وغلام من تضرب أضربه، فإن لم يكن بعدهما فعل، شأنه ما ذكرناه، ولا قبلهما مضاف ولا حرف جرّ فهما في محلّ الرفع بالابتداء، نحو: من ضربته، ومن تضربه، أضربه وفي مميّزكم في مثل قول الفرزدق يهجو جريرا. (¬2) كم عمّة لك يا جرير وخالة … فدعاء قد حلبت عليّ عشاري ¬
ذكر الظروف المبنية
ثلاثة أوجه: نصب عمة، وجرّها، ورفعها، فالنصب بأن تكون كم للاستفهام والجرّ بأن تكون خبريّة، وكم مبتدأ في الصورتين، والرفع بأن تكون عمة مبتدأ نكرة موصوفة بقوله: لك، وقد حلبت، خبرها (¬1) وكم في هذا الوجه في محلّ النصب على أنّها مصدر أو ظرف، والتقدير كم حلبة أو حلبة عمة لك وخالة قد حلبت، أو كم وقت أو وقتا عمة لك وخالة قد حلبت، فالمميّز أعني حلبة أو وقت محذوف، ومحلّهما إمّا الجرّ على أنّ كم خبريّة، أو النصب على أنها استفهامية، وبعد ذلك عمة وهي نكرة موصوفة مرفوعة بالابتداء، وقد حلبت الخبر. ويحذف المميّز (¬2) للعلم به نحو: كم مالك؟ في الاستفهاميّة أي: كم درهما مالك؟ وكم هنا، في محل الرفع على الابتداء، ونحو: كم ضربت في الخبريّة، أي كم ضربة أو مرة ضربت (¬3) وكم في محل النصب على المصدر أو الظّرف. ذكر الظروف المبنيّة (¬4) وهي ثامن المبنيّات، والظرف يكون معربا كما تقدّم في المنصوبات (¬5) ومبنيا وهو المراد هاهنا، والبناء في الظروف إمّا بقطعها عن الإضافة كما سنمثل، وإمّا بالإضافة إلى غير المتمكّن كيومئذ، وشرط بناء ما قطع عن الإضافة أن يكون المضاف إليه مرادا، فإن قطع ولم يكن المضاف إليه مرادا أعرب. نحو قوله: (¬6) ¬
فساغ لي الشّراب وكنت قبلا … أكاد أغصّ بالماء الفرات فأعرب قبلا، ونصبه على الظّرف، لأنّ المضاف إليه غير مقدّر فيه، وبنيت الظروف المقطوعة لافتقارها إلى المنويّ كافتقار الحرف إلى الغير، وبنيت على الضم، لأنّ ذلك لا يوهم إعرابا، لأنّ الضمّ لا يدخلها مضافة، ومثال الظروف المقطوعة المبنيّة على الضمّ، فوق وتحت وقبل وبعد وما أشبهها من الظروف المبهمة نحو: أمام ووراء وخلف وأسفل وأول في قولك: ابدأ بهذا أوّل وتسمّى هذه الظروف الغايات، لأنّها لمّا قطعت عن الإضافة جرت مجرى بعض الكلمة وصارت حدودا وغايات ينتهى إليها (¬1) وأجري مجراها/ غير وحسب في قولك: لا غير وليس غير، فلما قطع عن الإضافة غير وحسب بنيا على الضّمّ، وإن لم يكونا ظرفين لكون المضاف إليه منويا فيهما، فإن أضيفا أعربا. ومن الظروف المبنيّة «حيث» وبنيت لافتقارها إلى جملة تبيّن معناها كافتقار الموصول إلى الصلة، وبنيت على الضمّ تشبيها بقبل وبعد (¬2)، وقد جاء فيها الفتح والكسر (¬3) وتستعار للزمان (¬4) كقوله: (¬5) للفتى عقل يعيش به … حيث تهدي ساقه قدمه أي مدّة حياته، ولا تضاف إلّا إلى الجملة، وشذّ إضافتها إلى المفرد، نحو قول الشاعر: (¬6) ¬
… أما ترى حيث سهيل طالعا بنصب حيث لأنّ الموجب لبنائها قد زال (¬1) وجرّ سهيل بإضافتها إليه ونصب طالعا حالا من حيث. ومنها: إذا الشرطية (¬2) وإنّما بنيت لتضمّنها معنى حرف الشرط (¬3) ولا يجازى بها في غير الشعر، ولا يقع بعدها إلّا الجملة الفعليّة غالبا (¬4)، إمّا ظاهرة نحو: إذا جاء زيد فأكرمه، أو مقدّرة نحو قوله تعالى: إِذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ (¬5) أي إذا انشقّت السّماء انشقّت، وقد تتجرّد عن معنى الشّرط وتبقى للزّمان فقط (¬6) كقوله تعالى: وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشى (¬7) إذ التقدير أقسم بالليل حاصلا في وقت غشيانه. ومنها: إذا التي للمفاجأة نحو: خرجت فإذا السبع، أي فاجأت زمان وجود السبع (¬8)، وقد تقع جوابا للشرط كالفاء لما بين التعقيب والمفاجأة من المناسبة كقول تعالى: وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذا هُمْ يَقْنَطُونَ (¬9) أي فهم يقنطون، وهي ظرف معمول لما دلّ عليه من معنى فاجأت، ويلزم المبتدأ بعدها غالبا، لأنّه لا بدّ من إضافتها إلى جملة، فإنّك إذا قلت: خرجت فإذا زيد، فزيد مبتدأ وخبره محذوف أي فإذا زيد مفاجئ، فحذف لدلالة المعنى عليه. ¬
ومنها: إذ (¬1)، وهي للزمان الماضي (¬2) وعلّة بنائها ما قيل في إذا الشرطيّة ولا يختصّ بجملة معيّنة كما اختصّت إذا بالجملة الفعليّة بل يقع بعد «إذ» الجملتان؛ الفعليّة والاسميّة نحو: جئتك إذ قام زيد، وإذ زيد قائم، وإذ زيد يقوم، ولم يستفصحوا: إذ زيد قام (¬3) لأنّ إذ لما مضى من الزّمان وقام فعل ماض، فكان الأولى ألّا يفصل بينهما، لأنّها تطلب الفعل، إذا وجدته في الخبر كما تطلبه الهمزة في قولك: أزيدا لقيته بخلاف إذ زيد يقوم، لأنّ يقوم مضارع للاسم، لأنّه مثل: زيد قائم، فيحتمل فيه ذلك بخلاف قام لكونه غير مضارع للاسم، وقد تكون «إذ» للمفاجأة (¬4) كإذا وعليه قوله: (¬5) ... … فبينما العسر إذ دارت مياسير ومنها: أين وأنّى (¬6) وهما للمكان سواء كانا للاستفهام أو للشّرط نحو: أين زيد، وأين تكن أكن، وأنّى تقعد أقعد، وبنيا لتضمّنهما حرف الاستفهام أو حرف الشّرط، وقد استعملت أنّى للزمان والحال كمتى وكيف (¬7). ومنها: متى وهي ظرف زمان (¬8) في الاستفهام والشّرط، نحو: متى القتال ومتى تأتني أكرمك، والفرق/ بينها وبين إذا، أنّ متى للزّمان المبهم، وإذا للمعيّن. ¬
ومنها: أيّان، وهي ظرف زمان كمتى في الاستفهام كقوله تعالى: يَسْئَلُونَ أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ (¬1). ومنها: كيف، لزمان الحال (¬2) تقول: كيف زيد أي على أيّ حال هو، ولا يجازى بها في الأفصح (¬3) وإن دخلت ما عليها فتقول: كيف ما تكون أكون، وقد جازى بها الكوفيون مع ما، واختاره الزّجاجي (¬4) في الجمل (¬5) فتقول: كيفما تكن أكن. ومن الظروف المبنيّة مذ ومنذ (¬6) وهما بمعنيين: أحدهما: بمعنى أوّل المدّة فيليهما المفرد المعرفة، وهو الزمان الذي يصلح أن يكون جوابا لمتى ليدلّ على أول المدّة الذي هو المطلوب، كقولك: متى كان ابتداء رؤية زيد، فتقول في الجواب: منذ أو مذ يوم الجمعة، لأنّ جواب متى بتعيين الوقت، فلذلك وليهما المفرد المعرفة أعني قولك: مذ يوم الجمعة وشبهه. والثاني: أن يكونا بمعنى جميع المدّة، فيليهما المقصود بالعدد لبيان جميع المدّة التي هي المقصودة، وهي الزمان الذي يصلح أن يكون جوابا لكم، نحو: ما رأيته مذ أو منذ يومان، وبنيا لشبههما بمن لأنّهما لابتداء الغاية في الزمان كما أنّ من الابتداء لغاية في المكان (¬7) وقد يقع بعدهما أن أو الفعل أو المصدر نحو: ما رأيته مذ أن سافر، أو مذ أنّه سافر، أو مذ سافر أو مذ سفره، فيجب تقدير زمان مضاف إلى كلّ واحد ممّا ذكر، فيكون تقدير ذلك، ما رأيته مذ زمان أن سافر ومذ زمان سافر ومذ زمان سفره، ووجب ذلك لأنّ منذ ومذ لابتداء غاية الزّمان، فإذا ¬
وليهما غيره وجب تقديره ليتوفّر عليهما ما يقتضيانه من الزّمان، ومذ ومنذ في هذه الصور المذكورة مبتدأ وما بعدهما خبرهما (¬1) وهما معرفتان، لأنّهما في تأويل الإضافة لأنّهما بمعنى أوّل المدّة أو بمعنى جميع المدّة خلافا للزّجاج، فإنّهما عنده خبران، والمبتدأ ما بعدهما أي يوم الجمعة أول المدة، ويومان جميع تلك المدّة (¬2). ومنها: لدى (¬3) وهي من الظروف المبنيّة، وفيها ثماني لغات (¬4) أربع مع ثبوت النون، وأربع مع حذفها، فالأربع التي مع ثبوت النون، لدن بفتح اللام والدال، ولدن بفتح اللام وضم الدال، ولدن بفتح اللام وسكون الدال، ولدن بضم اللام وسكون الدال، والأربع التي مع حذف النون لد بفتح اللام وسكون الدّال، ولد بضم اللّام وسكون الدال، ولد بفتح اللّام وضمّ الدّال، ولدى بفتح اللّام وفتح الدّال، وإنّما بنيت لأنّ وضع لد ولد وضع الحرف، وأجريت بقية اللغات مجراها (¬5) ومعناها أخصّ من معنى عند، لأنّك تقول: عندي كذا، لما كان في حوزك سواء حضرك أو لم يحضرك، ولدى لما حضرك ولم يتجاوزك. وحكمها أن يجرّ بها على الإضافة، فتجرّ ما تضاف إليه، نحو: المال لدى زيد، لكن نصب العرب بلدن غدوة خاصة (¬6) كأنّهم شبّهوا نونها بالتنوين فنصبوا بها غدوة كما نصبوا زيتا في قولهم: رطل زيتا (¬7) قال الشاعر: (¬8) لدن غدوة حتّى أروح وصحبتي … عصاة على التّاهين شمّ المناخر بنصب غدوة. ¬
ومنها:/ قطّ، وهي للماضي المنفي (¬1) تقول: ما فعلته قطّ، ولا تقول: ما أفعله قطّ، وهي من القطّ الذي هو القطع، لأنّ الماضي منقطع من المستقبل، وبنيت لأنّ من لغاتها قط بتخفيف الطّاء وهو وضع الحروف (¬2) وأجريت أختها المشدّدة الطاء مجراها. ومنها: عوض، وهي ظرف للزمان المستقبل المنفي، تقول: لا أفعله عوض أي أبدا إلّا أنّ أبدا يستعمل في النفي والإثبات، وعوض تختصّ بالنفي، وبنيت لقطعها عن الإضافة إذ المعنى عوض العائضين كدهر الدّاهرين (¬3). ومنها: أمس، وبنيت لتضمّنها معنى لام التعريف لأنّها بمعنى الأمس، وبنو تميم يمنعونها الصّرف (¬4). والظروف المضافة إلى الجملة يجوز بناؤها على الفتح (¬5) ويجوز إعرابها كقوله تعالى: هذا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ (¬6) بفتح يوم ورفعه في السّبعة (¬7) وكذلك الظرف المضاف إلى إذ، نحو قوله تعالى: لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذابِ يَوْمِئِذٍ (¬8) بفتح ميم يوم وجرّه في السبعة (¬9) وكذلك يجوز بناء غير ومثل على الفتح إذا أضيفا إلى ما أو إلى أن المخفّفة أو المشدّدة (¬10)، كقوله تعالى: إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ ما أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ (¬11) ¬
ذكر اسم الجنس
برفع مثل وفتحه في السبعة (¬1). وقال الشاعر: (¬2) لم يمنع الشّرب منها غير أن نطقت … حمامة في غصون ذات أو قال بفتح غير مع أنّها فاعل يمنع (¬3)، لإضافتها إلى أن المصدرية وتقول: قيامي مثل ما أنّك تقوم، وهو فاضل غير أنّك أفضل منه، بفتح مثل وغير مع جواز رفعهما فقد جاز بناء غير ومثل على الفتح تشبيها بالظروف المضافة وجاز إعرابهما لأنّهما يستحقّان الإعراب. ذكر اسم الجنس (¬4) وهو ما علّق على شيء وعلى كلّ ما أشبهه (¬5) فإنّك تجد مثل ثوب ودار وما أشبههما موضوعا لواحد ولما ماثله بخلاف زيد وعمرو، فإنّه لواحد بعينه ولا يدخل فيه مماثلة ولا مخالفة، وينقسم اسم الجنس إلى اسم عين: إمّا غير صفة كرجل وفرس وثوب، وإمّا صفة كراكب وجالس، وإلى اسم معنى: إمّا غير صفة كعلم وجهل، وإمّا صفة كمفهوم ومضمر نحو: أتيت بكلام مفهوم، وفي النّفس سرّ مضمر (¬6). ¬
ذكر المعرفة
ذكر المعرفة (¬1) وهي ما وضع لشيء بعينه، قوله: بعينه، فصل، خرجت به النّكرة فإنّها موضوعة لشيء لا بعينه، والمعرفة مصدر، من عرفت الشيء عرفانا، ووصف بها الاسم كما قالوا: رجل عدل. والمعارف خمسة أنواع: الأول: المضمرات وقد تقدّم ذكرها. الثاني: المبهمات وهي شيئان: أسماء الإشارة، والموصولات، وقد تقدّما أيضا (¬2). الثالث: المعرّف، وهو شيئان معرّف بالنّداء نحو: يا رجل، ومعرّف باللام نحو: الرجل، والمعرّف باللّام تكون اللّام فيه لتعريف الماهيّة نحو: الإنسان حيوان ناطق، وتكون لتعريف الجنس نحو: الرجل خير من المرأة أي جنس الرجل خير من جنس المرأة، وتكون لتعريف استغراق الجنس وهي أن تدخل على جمع كقوله تعالى: الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ (¬3) وقيل: هي التي تصحّ أن تقع موقع كل (¬4) كقولك: الإنسان قابل لصناعة الكتابة، وتكون للعهد وهي لمعنيين، أحدهما: أن يكون لمعهود في الخارج، وهو أن يذكر منكورا ثم يعاد المنكور معرّفا كقوله تعالى: كَما أَرْسَلْنا إِلى فِرْعَوْنَ رَسُولًا فَعَصى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ (¬5) / والثاني: أن يكون لمعهود في الذهن كقولك: ادخل السوق، وليس بينك وبين المخاطب سوق وجوديّ معهود، وتكون بمعنى الذي نحو: الضارب والمضروب وقد مرّ (¬6) وأمّا ألفاظ التوكيد، فقد قيل: تعريفها بالإضافة المنويّة إذ تقدير أجمعون، أجمعهم (¬7) وأمّا عند ¬
المحققين فتعريفها من قبيل تعريف علم الجنس كتعريف فعلان وأفعل، وأسامة (¬1) فإنّ ألفاظ التواكيد موضوعة لماهيّة التواكيد، وأمّا القول بالإضافة المنويّة فيلزم منه صرفها ولذلك عدل عنه (¬2). الرابع: العلم (¬3) وهو ما وضع لشيء بعينه غير متناول غيره بوضع واحد. ويكون اسما: كزيد، وكنية: كأبي عمر وأم كلثوم، ولقبا، كبطة. وينقسم (¬4) إلى مفرد: كزيد، وإلى مركّب، وهو إمّا جملة كتأبّط شرا، وإمّا مزجيّ: كبعلبكّ وإمّا مضاف ومضاف إليه: كعبد مناف، وكالكنى (¬5)، وينقسم العلم أيضا، إلى منقول وإلى مرتجل، فالمنقول (¬6) هو ما نقل عن نكرة، وصار علما بالنّقل لا بالوضع، وهو إمّا منقول عن اسم عين: كثور أو عن معنى: كفضل، أو عن صفة: كمالك أو عن فعل (¬7) وهو إما ماض كشمّر قال الشاعر: (¬8) ... … وهل أنا لاق حيّ قيس بن شمّرا أو إمّا مضارع كيزيد، وإما أمر كأطرقا (¬9) قال الشّاعر: (¬10) على أطرقا باليات الخيام … إلّا الثّمام وإلّا العصيّ ¬
والمرتجل (¬1) ما وضع للشيء أولا من غير نقل ولا اشتقاق، بل اخترع عند التسميّة، وهو إمّا قياسيّ، وهو ما كان جاريا على قياس كلامهم نحو: غطفان وعمران فإنّ نظيرهما في كلامهم نزوان وسرحان، وإمّا غير قياسيّ وهو ما كان مخالفا للأصول، نحو: محبب وموهب وحيوة (¬2) أمّا محبب فقياسه الإدغام لأنّ كلّ مفعل عينه ولامه من جنس واحد يجب إدغامه، فكان يجب أن يقال: محبّ، وأمّا موهب فكان ينبغي أن يقال: بكسر الهاء لأنّه ليس في كلامهم مفعل بفتح العين، فاؤه واو، وأمّا حيوة فكان ينبغي أن يقال حيّة، لأنّ الواو والياء إذا اجتمعا وسبقت إحداهما بالسكون قلبت الواو ياء وأدغمت الياء في الياء (¬3) والمرتجل مشتق من الرّجل كأنّه قال ذلك وهو قائم على رجله. والخامس: المضاف إضافة معنويّة إلى المضمر، أو إلى المبهم أو إلى المعرّف باللام أو إلى العلم وقد تقدّم أيضا (¬4). ومن أقسام العلم، أعلام الأجناس وهي أنواع: علم جنس الوحوش، وعلم المعاني، وعلم الأوقات، وعلم الأعداد، وعلم الكنى، وعلم الأوزان. أمّا علم جنس الوحوش (¬5): فالعلم فيه لحقيقة الجنس، فإنّ الوحوش التي جنسها واحد، لمّا كانت صورها غير متميّزة بحيث يستحضرها الرائي، نزّل الجنس بمنزلة الواحد من الأناسي فكأنّ الواضع أخذ الجنس دفعة وسمّاه نحو: أسامة وأبي الحرث، فإنّ كلّا منهما علم لجنس الأسد، وثعالة وأبي الحصين علم لجنس الثّعلب، وقد يكون كنيته اسمه نحو: أبي براقش، لطائر يتلوّن وابن دأية للغراب، وإنّما حكم لها بالعلمية لانتصاب الحال عنها، وامتناع دخول لام التعريف عليها وامتناع إضافتها (¬6) وقد يفرّق بين علم/ الجنس، وعلم الشخص بأنّ علم الجنس ¬
يقال على الواحد والكثير بلفظ واحد، فتقول عن أسد واحد وعن جماعة أسود، هذا أسامة مقبلا، وعلم الشخص ليس كذلك، فإنّك تقول عن الواحد: زيد، وعن الجماعة زيدون، والفرق بين علم الجنس واسم الجنس، أنّ اسم الجنس يقبل اللّام، فتقول: أسد وعسل وماء، والأسد والعسل والماء، وعلم الجنس لا يقبل اللّام فلا يقال الأسامة (¬1) وكذلك ما أشبهه من أعلام المعاني وغيرها. وأمّا علم المعاني: فإنّهم كما وضعوا للأعيان أعلاما وضعوا للمعاني أيضا أعلاما (¬2) وهي في المعنى بمنزلتها في باب أسامة، فسمّوا التسبيح سبحان (¬3)، والذي يدلّ على أنه علم أنّه ورد في كلامهم غير منصرف، ومنه قول الشّاعر: (¬4) ... … سبحان من علقمة الفاخر وليس فيه غير الألف والنون، وهما في غير الصفات لا يمنعان الصرف إلّا مع العلميّة، فوجب القول بها، ولا يستعمل سبحان علما إلّا قليلا فإن أكثر استعماله مضافا (¬5)، وإذا كان مضافا فلا يكون علما، لأنّ الأعلام لا تضاف وهي أعلام، لأنّ المعرفة لا تضاف، وسمّوا الفجور بفجار، والذي يدلّ على أن فجار علم، أنّ مدلوله الفجرة، والفجرة معرفة فوجب أن يكون فجار معرفة، وتعريفه إنّما هو بالقصد، والقصد هو الذي نعني (¬6) به العلميّة (¬7). ¬
وأمّا علم الأوقات (¬1): فإنّهم وضعوا لها أعلاما كما وضعوا للمعاني (¬2) فمنها: غدوة وهي علم على ما بين صلاة الغداة وطلوع الشمس، والدليل على علميّتها، ورودها في كلامهم غير منصرفة، وليس فيها غير التأنيث بالتاء، وهو لا يمنع إلّا مع العلميّة وذلك إذا أردت غدوة يومك المعيّن، وتستعمل معرفة ونكرة، وإذا نكّرت وعرّفت، عرّفت باللّام كغيرها، ويتصرّف فيها بمعنى أنها تستعمل ظرفا وغير ظرف (¬3). ومن أعلام الأوقات سحر: وهو علم لقبيل الصبح إذا أردت به سحر ليلتك والذي يدلّ على أنه علم وروده غير منصرف كقولك؛ خرجت يوم الجمعة سحر، غير منصرف وليس فيه ما يمنعه الصّرف، غير أن تقدّر فيه العلميّة مع العدل عن الألف واللّام (¬4) وورد معرفة ونكرة، وإذا نكّر صرف كقوله تعالى: إِلَّا آلَ لُوطٍ نَجَّيْناهُمْ بِسَحَرٍ نِعْمَةً مِنْ عِنْدِنا (¬5) وحينئذ لا يكون لسحر ليلتك على التعيين لتنكّره. ومنها بكرة: ووردت غير منصرفة للتأنيث والعلميّة، كما قيل في غدوة إلّا أن بكرة لا تكون إلا ظرفا فلا يتصرّف فيها كما تصرّف في غدوة (¬6). وأمّا علم الأعداد: (¬7) فالقول بعلميّتها ضعيف، لأنهم صاروا إليه لئلّا يبتدئوا بنكرة غير مخصصّة، وذلك في نحو قولك: ستة ضعف ثلاثة وأربعة نصف ثمانية، فستة ونحوها في مثل ذلك مبتدأ، فلو لم تجعل علما للزم منع الصّرف بعلة واحدة، ولزم الابتداء بالنكرة من غير تخصيص، وأيضا فالمراد بها كلّ ستة، فلولا أنّها علم للزم استعمال مفرد النكرة في الإثبات للعموم، ووجه ضعفه أنه يؤدي إلى أن تكون أسماء الأجناس كلها أعلاما، إذ ما من نكرة إلّا ويصلح استعمالها كذلك مثل رجل ¬
خير من امرأة، وهو باطل (¬1) والأولى أن يقال في أعلام، الأعداد/ إنّها نكرات لا أعلام وإنّما جاز الابتداء بها على تقدير حذف المضاف، ويكون المضاف المقدّر «كلّ» وشبهه، بحيث يكون التقدير، كلّ ستّة ضعف ثلاثة، كما في كلّ نكرة قامت قرينة على أن حكمها غير مختص في جنسها مثل: تمرة خير من جرادة لكونه بمعنى كلّ تمرة، بناء على أنّ الخيريّة ليست مخصوصة بتمرة واحدة (¬2) والمحققون من المتأخرين قالوا: الحقّ أن يقال إنّ أعلام الأعداد أعلام لماهيّاتها (¬3) لأنّها من أعلام الجنس التي هي أعلام لماهيّاتها المخصوصة الغير المتناولة لغيرها، والماهيّة لا تقدّر بالكلّ ولا توصف به، لأنّه شيء واحد، وحينئذ لا يلزم الابتداء بنكرة، ولا منع الصّرف بعلّة واحدة، ولا عموم النكرة في الإثبات، لكونها أعلاما للماهيّات على ما ذكر آنفا فالقول بعلميتها حينئذ هو الأولى. وأمّا علم الكنى (¬4): فمنه ما يكنى به عن أعلام الأناسي، نحو: فلان وفلانة وأبو فلان وأمّ فلان، والدليل على علميته امتناع إضافته، وامتناع دخول لام التعريف عليه، إلّا أنّ وضعه ليس كوضع العلم الشخصي في الدلالة على مسمّى معيّن بل كوضع العلم الجنسي، لإطلاقه كناية على كلّ علم، ومدلوله الاسم لا نفس المسمّى، ومنه ما يكنى به عن البهائم، لكن يلزمه اللّام لنقصانه عن علم الأناسي نحو: الفلان والفلانة (¬5) وأمّا هن وهنة فليسا كنايتين عن الأعلام على الأصحّ وإنّما يكنى بهما عن أسماء الأجناس (¬6). وأمّا علم الأوزان (¬7): أي علم الأمثلة التي توزن بها الكلم، فهي إنّما وقعت ¬
في اصطلاح النحويين، فإنّهم وضعوها (¬1) أعلاما لماهيّات الأوزان المعهودة، وهذه الأعلام تنقسم إلى أمثلة تختصّ بوزن الأفعال نحو قولهم: فعل ماض، ويفعل مستقبل، وإلى أمثلة لا تختصّ بالأفعال سواء كانت للأسماء وحدها، أولها وللأفعال نحو قولهم: فعلان الذي مؤنّثة فعلى وأفعل، صفة لا ينصرف، أمّا الأمثلة المختصّة بوزن الأفعال، فحكمها حكم موزونها، بحيث إن كان الموزون معربا كان المثال معربا، وإن كان الموزون مبنيا كان المثال مبنيّا (¬2) وأمّا الأمثلة الغير المختصّة بالأفعال ففيها مذهبان: الأول: وهو اختيار الأكثر أن يجعل حكم المثال حكم نفسه لا حكم موزونه، بحيث إن كان في المثال ما يمنع من الصّرف منع وإلّا فلا. والثاني: أن يجعل حكمه حكم موزونه (¬3) كما قيل في الأمثلة المختصّة بالأفعال، فعلى الأول وهو أن يجعل حكم المثال حكم نفسه، تقول: وزن قائمة فاعلة فلا يصرف المثال الذي هو فاعلة، للعلميّة والتأنيث، وعلى الثاني، وهو أن يجعل حكم المثال حكم موزونه تقول: وزن قائمة فاعلة مصروفا، لأنّ موزونه أعني قائمة مصروف (¬4). ومن أقسام العلم: الأعلام التي تدخلها لام التعريف (¬5) وهي على ضربين: أحدهما: ما يلزمه اللّام (¬6) وهو كلّ اسم ليس بصفة ولا مصدر سمّي باللام نحو: النجم للثّريّا والدّبران (¬7)، أو غلبت عليه اللّام نحو الصّعق لخويلد بن نفيل (¬8) / وإنّما اشترط أن لا يكون صفة ولا مصدرا لأن العلم إذا كان صفة أو مصدرا لم يكن ¬
ذكر النكرة
من هذا القسم، لأن اللام تكون فيه جائزة لا لازمة كما سيذكر هو. ثانيها: ما لا تكون فيه اللام لازمة، وهو كل اسم كان صفة في الأصل أو مصدرا نحو: الحارث والفضل (¬1). ومن أقسام العلم: الأعلام التي يجوز إضافتها، وإدخال لام التعريف عليها (¬2) لا من قبيل أنّها صفة أو مصدر بل من قبيل وقوع العلم مشتركا بين جماعة من الأمة المسمّاة به نحو: مضر الحمراء وربيعه الفرس (¬3)، وقول الشّاعر: (¬4) باعد أمّ العمرو من أسيرها … حرّاس أبواب على قصورها ومن أقسام العلم، العلم بالغلبة (¬5) وهو ما كان عن غير قصد من واضع، ويلزمه أحد أمرين: إما الإضافة نحو: ابن عباس وابن عمر، فإنّ ذلك غلب عليهما واختصّا به دون إخوتهما، وإمّا اللّام كالصّعق حسبما تقدّم. والمعارف تترتّب في المعرفة، فأعرف المعارف المضمر المتكلّم ثمّ المخاطب ثمّ الغائب ثمّ الأعلام ثمّ المبهمات ثمّ الداخل عليه حرف التعريف والمنادى، والمضاف إلى أحدها إضافة معنوية، وقيل في ترتيبها غير ذلك وما ذكرنا، هو الأكثر (¬6). ذكر النّكرة (¬7) وهي ما وضع لشيء لا بعينه، وعلامات النكرة كثيرة، منها: أن يقبل الاسم لام التعريف أو يصحّ إضافته أو يقبل ربّ أو يدخل عليه كم الخبرية أو يكون حالا، ¬
ذكر اسم العدد
أو تمييزا، وتترتّب النكرات كما ترتّبت المعارف، فأنكر النكرات أعمّها كموجود ثمّ جسم ثمّ جسم نام ثمّ حيوان ثم إنسان ثمّ رجل ثمّ رجل كريم ابن فلان (¬1) ثم لا يزال الاسم يقترب بكثرة الصفات من المعرفة، حتّى يتعرّف فيوضع له اسم ينوب عن جميعها وهو العلم. ذكر اسم العدد (¬2) والعدد عند المحققين هو الكميّة المتألّفة من الوحدات، فعلى هذا لا يكون الواحد عددا بل مبدأ العدد (¬3). واختلف في الاثنين فعند الأكثر أنّه عدد، وأمّا عند النحويين فالواحد والاثنان من العدد لدخولهما تحت الكميّة (¬4) والمراد بدخولهما تحت الكميّة أنه لو قيل: كم عندك؟ صحّ أن تقول في الجواب: واحد واثنان، واعلم أنّ العدد معلوم الكميّة مجهول الجنس، ولذلك احتاج إلى المميّز، وهو بخلاف الجمع فإنّ الجمع معلوم الجنس مجهول الكميّة، وأصول الأعداد اثنتا عشرة كلمة (¬5) واحد إلى عشرة، ومائة وألف، ويتولّد منها أعداد غير متناهية، والتولّد، إمّا تثنية نحو: مئتين وألفين، أو جمع في المعنى نحو: عشرين ومئات وألوف، أو عطف نحو: أحد وعشرين، أو تركيب نحو: أحد عشر (¬6)، وأمّا استعماله بحسب التذكير والتأنيث: فواحد واثنان للمذكر، وواحدة واثنتان للمؤنّث وهو جار على القياس في كون المذكّر للمذكر، والمؤنّث للمؤنث، وثلاثة للمذكّر نحو: ثلاثة رجال، وثلاث للمؤنّث نحو: ثلاث نسوة، وثلاث ليال إلى عشرة رجال، وعشر نسوة، وعشر ليال، وهو غير جار على القياس/ المشهور (¬7) وأمّا قوله تعالى: مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ ¬
أَمْثالِها (¬1) فإنّ الأمثال هي الحسنات في المعنى، فاكتسبت التأنيث من المضاف إليه (¬2) وقد يحذف المميّز استغناء عنه بالصيغة الدّالّة عليه، فتقول: سرت ثلاثا وعشرا، المراد ثلاث ليال، وعشر ليال قال تعالى: يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً (¬3) أي وعشر ليال، ويجوز أن تقول: ثلاث دوابّ حملا على ظاهر لفظة دابّة، وثلاثة دوابّ بتقدير ثلاثة أشياء، وإذا جاوزت عشرة قلت للمذكّر: أحد عشر رجلا، واثنا عشر رجلا، وللمؤنّث إحدى عشرة واثنتا عشرة امرأة، وثلاثة عشر إلى تسعة عشر للمذكّر وثلاث عشرة إلى تسع عشرة للمؤنّث، والعين في ثلاثة عشر إلى تسعة عشر مفتوحة على الأفصح والسكون جائز (¬4) والشين في المؤنّث من ثلاث عشرة إلى تسعة عشر، ساكنة على الأفصح، وبنو تميم يكسرونها (¬5) فيقولون: ثلاث عشر، ولك في ثماني عشر للمؤنّث (¬6) فتح الياء وجاء إسكانها وحذفها بكسر النون، وشدّ حذفها بفتح النون. وعشرون وأخواتها، أي ثلاثون وأربعون إلى تسعين في المذكّر والمؤنّث بلفظ واحد نحو: عشرون رجلا وامرأة إلى تسعين رجلا وامرأة، وإذا عطفت عشرين إلى تسعين على واحد إلى تسعة، فتسعمل ما دون العشرة على ما عرفت، وتعطف عليها عشرين بتغيير لفظ واحد إلى أحد، وتغيير لفظ واحدة إلى إحدى، فتقول للمذكّر: أحد وعشرون رجلا، وللمؤنث: إحدى وعشرون امرأة، ثمّ تأخذ ما بعد الواحد على ما شرح، وتعطف (¬7) عليه، فتقول: اثنان وعشرون رجلا، واثنتان وعشرون امرأة إلى تسعة وتسعين رجلا، وتسع وتسعين امرأة، وإنّما لم تركّب الآحاد مع عشرين وأخواتها كما ركّبت مع العشرة، لأنّ الواو في عشرون والياء في عشرين وأخواتها علامة للإعراب، والتركيب موجب للبناء فتعذّر، وتقول في المذكّر ¬
ذكر تمييز الثلاثة إلى العشرة
والمؤنث: مائة ومائتان وألف وألفان بلفظ واحد، ونحو: مائة رجل ومائة امرأة وألف رجل وألفا امرأة، وإذا جاوزت المائة تستعمله على ما عرفت من واحد إلى تسعة وتسعين، وتعطفه على مائة، فتقول: مائة وخمسة رجال، ومائة وخمس نسوة ومائة وأحد عشر واثنا عشر رجلا، وإحدى عشرة، واثنتا عشرة امرأة، ومائة وثلاثة وعشرون رجلا، وثلاث وعشرون امرأة إلى مائة وتسعة وتسعين رجلا، وتسع وتسعين امرأة، وكذلك تعطف على المائتين إلى الألف. ذكر تمييز الثلاثة إلى العشرة (¬1) تمييز الثلاثة إلى العشرة مخفوض ومجموع إمّا لفظا نحو: ثلاثة رجال أو مجموع معنى نحو: تسعة رهط، إذ هو اسم جمع وليس بجمع، لأنّه لا واحد له من لفظه، أمّا خفضه فلإضافة العدد إلى المميّز المذكور، وإنّما أضيف إلى المميّز، لأنّ ما بعده هو المقصود وأمّا كونه/ جمعا؛ فليوافق العدد المعدود، لكونه إيّاه في المعنى، لكن إذا ميزت من الثلاثة إلى العشرة بالمائة، فإنّه يكون بمفرد مخفوض، ولا تجمع المائة فتقول: ثلاثمائة إلى تسعمائة، وكان القياس أن يقال: ثلاث مئات، أو ثلاث مئين (¬2) وقد أتى به الشّاعر على الأصل فقال: (¬3) ثلاث مئين للملوك وفى بها … ... لكنه شاذّ في الاستعمال، وإنّما أفردوه لأنهم استثقلوا اجتماع الجمع، أعني مئات والتأنيث، وليس كذلك ثلاث نساء، لأنّ مئات يلزمه الإضافة إلى ما بعده ولا يلزم إضافة نساء إلى ما بعده. ¬
ذكر تمييز أحد عشر إلى تسعة وتسعين
ذكر تمييز أحد عشر إلى تسعة وتسعين (¬1) ومميّز أحد عشر إلى تسعة وتسعين منصوب مفرد أمّا نصبه فلتمام الاسم قبله بتقدير التنوين من أحد عشر إلى تسعة عشر، لأنّ كلّ تنوين حذف لغير اللّام والإضافة فهو في تقدير الثبوت (¬2) وأمّا ما فيه نون كالعشرين إلى التسعين فإنّه يتعذّر إضافته مع وجود النون المشبهة لنون الجمع، ولو حذفت كان حذف حرف من كلمة ليست بجمع محقّق، فلمّا تعذّرت الإضافة وجب نصبه (¬3)، وقد تقدّم في باب التمييز (¬4) من تحقيق عدم إضافة عشرين وأخواتها إلى المميّز، ما أغنى عن الإعادة، وأمّا إفراده، فلحصول الغرض به مع كونه أخف من الجمع (¬5). ذكر تمييز المائة وما فوقها (¬6) ومميّز المائة والألف ومميّز تثنية المائة والألف، ومميّز جمع الألف، مخفوض مفرد، نحو: مائة رجل ومائتا رجل، وثلاثة آلاف رجل، أما خفضه فللإضافة، وأمّا إفراده فلحصول الغرض به وهو أخفّ من الجمع (¬7). ذكر ما لا يميّز وغير ذلك (¬8) لا يميّز الواحد والاثنان، فلا يقال: اثنا رجل للاستغناء بلفظ معدودهما عنهما، فإنّ رجلا يدل على الواحد، ورجلين على الاثنين (¬9) بخلاف الجمع نحو: رجال، فإنّه لا يدلّ على العدد المعيّن، فاحتيج فيه إلى ذكر العدد والمعدود، وأمّا قولهم: رجل ¬
ذكر التصيير والحال
واحد ورجلان اثنان فللتأكيد، وإذا كان المعدود مؤنثا ولفظه مذكّرا، أو بالعكس، جاز تذكير العدد وتأنيثه، فتقول: ثلاث أشخص، نظرا إلى المعنى، لأنّ الشّخص يطلق على المرأة أيضا، وثلاثة أشخص نظرا إلى اللفظ؛ لأنّ لفظ الشخص مذكّر وكذلك عكسه أعني أن يكون المعدود مذكّرا ولفظه مؤنّثا نحو: ثلاثة أنفس، نظرا إلى المعنى، لأنّ النفس تطلق على الرجل أيضا، وثلاث أنفس نظرا إلى اللفظ، لأنّ لفظ النفس مؤنث، واعتبار اللفظ أقيس لأنّه أظهر (¬1) ومن ذلك قوله تعالى: خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ (¬2) والمراد آدم. ذكر التصيير والحال (¬3) ويشتقّ من اسم العدد، اسم فاعل كقولك: ثالث ورابع وخامس ونحوه، وله معنيان: فالأول: أن يشتقّ اسم الفاعل باعتبار التصيير؛ بمعنى أن يكون زائدا على المذكور معه بواحد، كقولك: ثاني واحد، وثالث اثنين إلى عاشر/ تسعة في المذكّر، وثانية واحدة وثالثة اثنين إلى عاشرة تسع في المؤنّث، أي هذا الذي صيّر الواحد بانضمام نفسه إليه اثنين، وصيّر التسعة عشرة بنفسه، بمعنى أنه ثنّى الواحد، وعشّر التسعة (¬4) قال تعالى: ما يَكُونُ مِنْ نَجْوى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رابِعُهُمْ (¬5) أي إلّا هو مصيّر الثلاثة أربعة، ولا يتجاوز فيه عن العاشر والعاشرة، فلا يقال: خامس عشر أربعة عشر، وسيبويه والمتقدمون يجيزون خامس أربعة عشر (¬6) والصحيح عدم جواز ذلك، وهو مذهب الأخفش والمبرّد والمتأخرين (¬7) لأنّه مأخوذ من الفعل، والتقدير كان واحدا فثنّيته أو اثنين فثلّثتهما أو تسعة فعشّرتهم، وليس لما بعد العشرة ما يمكن ¬
ذكر تعريف الأعداد
منه ذلك، وأما خامس أربعة عشر، فليس هو اسم فاعل من العدد المركّب. والثاني: أن يشتقّ اسم الفاعل باعتبار حاله من غير أن يتعرّض فيه إلى أنه مصيّر، كما اعتبر في المعنى الأول، وهذا الاسم المذكور الذي لا يعتبر فيه التصيير، يضاف إلى عدد موافق له في اللفظ نحو: ثاني اثنين وثالث ثلاثة، قال الله تعالى: لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللَّهَ ثالِثُ ثَلاثَةٍ (¬1) لأنّ ثالث ثلاثة لو أضفته إلى أقل أو أكثر فسد، لأنّ الثالث في هذا المعنى ليس واحدا من الاثنين، ولا من الأربعة، وإنّما هو أحد ثلاثة، وهذا القسم الذي هو باعتبار الحال يجوز استعماله فيما زاد على العشرة لارتفاع المانع المذكور في القسم الأول، لأنّ اسم الفاعل فيه ليس مشتقّا من الفعل بل هو مثل لابن وتامر، فتقول: حادي عشر، أحد عشر إلى تاسع عشر، تسعة عشر (¬2) وبفتح الياء من حادي عشر وثاني عشر مع جواز سكونها أيضا، وكما تجب المطابقة بين الاسم المذكور وبين ما أضيف إليه في العدد، كذلك تجب المطابقة بينهما في التذكير والتأنيث، كقولك للمذكّر: حادي عشر أحد عشر إلى تاسع عشر تسعة كما تقدّم، وللمؤنّث: حادية عشرة إحدى عشرة إلى تاسعة عشرة تسع عشرة، فيجيء فيه تأنيثان، أعني تاء حادية وتاء عشرة، وألف إحدى وتاء عشرة وحادي عشر أحد عشر، وحادية عشرة إحدى عشرة مركّب مبنيّ على الفتح، لأنّ الأصل حادي وعشرة، ويجب فيه تسكين شين عشرة، لئلا يتوالى أكثر من أربع متحركات، ويجوز أن يقال: ثالث ثلاثة عشر، إذ لا لبس، لأنّ المراد: ثالث عشر ثلاثة عشر، إلّا أنك تعربه لفوات التركيب المقتضي للبناء (¬3). ذكر تعريف الأعداد تعريف العدد المركّب؛ هو أن تعرّف الاسم الأول بانفراده نحو: الأحد عشر رجلا، والاثنتا عشرة امرأة إلى التسعة عشر (¬4) لأنّه لمّا تنزّل بالتركيب منزلة الكلمة ¬
ذكر المذكر والمؤنث
الواحدة لم يدخل التعريف إلّا على الجزء الأول، وأمّا العدد المعطوف فيتعرّف الاسمان معا نحو: الأحد والعشرون رجلا، والإحدى والعشرون امرأة إلى التسعة والتسعين رجلا والتسع والتسعين امرأة/ وأمّا المميّز المجرور فإنّما يعرّف الاسم الأخير فقط (¬1) نحو: ثلاثة الرجال وثلاث النسوة، وثلاثمائة الدرهم، وثلاثة آلاف الرجل، وكذلك جميع هذا الباب وقد تقدّمت الإشارة إلى ذلك في باب الإضافة (¬2). ذكر المذكّر والمؤنّث (¬3) المؤنّث ما فيه علامة تأنيث لفظا أو تقديرا، والمذكّر بخلافه، وعلامة التأنيث التاء نحو: طلحة، والألف المقصورة نحو: حبلى، وسلمى، ودفلى، والألف الممدودة نحو: نفساء وكبرياء وخنفساء، وحمراء وعاشوراء (¬4)، والمؤنّث ينقسم إلى لفظي كما ذكرنا وإلى معنوي، ويقال له: التقديري أيضا، وهو ما يكون علامة التأنيث فيه مقدرة ولا يقدّر غير التاء، بدليل ظهورها في الاسم الثلاثي عند التصغير، نحو: عيينة وأذينة وأريضة، وأمّا الزائد على ثلاثة أحرف نحو: عناق، وهي الأنثى من ولد المعز (¬5) وعقرب، فإنّ الحرف الرابع فيه قام مقام التاء، ولذلك لا تأتي التاء في تصغيره (¬6). وكلّ من اللفظيّ والمعنويّ وهو التقديريّ، ينقسم إلى حقيقي، وهو ما بإزائه ذكر من الحيوان، وإلى غير حقيقي، وهو ما كان بخلافه، أمّا اللفظيّ الحقيقيّ فكامرأة وناقة وسعدى، وأمّا اللفظي الغير الحقيقي، فكذكرى وحمزة علما على رجل، وأمّا المعنويّ وهو التقديري، فالحقيقيّ منه كهند وزينب وأتان، والغير الحقيقي منه كقدم ¬
وأذن، وكذلك كلّ عضو زوج غير الخدّين وذلك كاليد، فإنّه مؤنث معنويّ أعني تقديريّا (¬1) ويستدلّ على المؤنّث المعنوي بأمور منها الإشارة، نحو: هذه قدر، وعود الضمير، نحو: وَالشَّمْسِ وَضُحاها (¬2) والنّعت، كدار واسعة، والحال، كأبصرت الشمس مشرقة، والخبر: كالشمس طالعة، ولحوق علامة التأنيث في الفعل، كقوله تعالى: وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ (¬3). ويجب أن يسند الفعل المتصرّف أو شبهه إلى المؤنّث الظاهر الحقيقي بالتاء (¬4) كقولك: قامت هند، وزيد قائمة جاريته، وأنت في ظاهر غير الحقيقي بالخيار إن شئت ألحقت التاء، وإن شئت لم تلحق، كقولك: جاءت البيّنة وجاء البينّة (¬5)، وأمّا تأنيث الأعلام فالمعتبر فيه المعنى دون اللفظ، لأنّها نقلت من معناها إلى مدلول آخر، فاعتبر فيها المدلول الثاني دون الأول، فلا يقال: جاءت طلحة وأعجبتني طلحة (¬6) خلافا لبعض الكوفيين، واعلم أنّه يجوز حذف التاء من المسند إلى الحقيقي إذا فصل بين الفعل والمؤنّث فاصل، ولم يلبس، كقولهم: حضر القاضي اليوم امرأة وكقول الشاعر: (¬7) لقد ولد الأخيطل أمّ سوء … ... وإذا أسند الفعل إلى ضمير المؤنّث، لزمت التاء، سواء كان مؤنّثا حقيقيّا أو غير حقيقي، كقولك: هند قامت، والشمس طلعت، لأنّ المضمر لمّا كان أشدّ اتصالا ¬
بالفعل، لزمت العلامة للفعل وأمّا قول الشّاعر: (¬1) فلا مزنة ودقت ودقها … ولا أرض أبقل إبقالها بحذف العلامة من أبقل/ وهو مسند إلى ضمير الأرض، فكان يجب أن يقول: أبقلت، فمؤوّل بأنّه أراد بالأرض: المكان والموضع، لا يقال ما ذكرتموه يلزم منه وجوب: طلحة جاءتني، وجواز: جاءتني طلحة مع كونه اسم رجل لكونه مؤنّثا لفظيّا، وهو خلاف المشهور، لأنّا نقول: إنّه قد تقدّم أن المعتبر في تأنيث الأعلام المعنى دون اللفظ، فحينئذ لا يرد. وحكم الجمع إذا أسند الفعل إلى ظاهر كحكم المؤنّث غير الحقيقي - سواء كان جمع المؤنّث السالم أو الجمع المكسّر - مطلقا (¬2) في جواز تذكير الفعل وتأنيثه، نحو: قام الرجال والزينبات، وقامت الرجال والزينبات (¬3) خلا جمع المذكر السالم، فإنّه لم يجز إلحاق التاء بفعله، لأن لفظ المذكّر الحقيقي موجود فيه فتقول: جاء المسلمون ليس إلّا (¬4) وإلحاق هذه التاء إنّما هو للإيذان بأنّ الفاعل مؤنث وليس بضمير أصلا. واعلم أنّه يجب تأنيث الفعل إذا أسند إلى ظاهر المثنّى الحقيقي، فتقول: قامت المسلمتان ليس إلّا، بخلاف ما إذا أسند إلى ظاهر جمع المؤنّث الحقيقي حيث جاز فيه الأمران، أعني تذكير الفعل وتأنيثه، كما تقدّم، وإنّما كان كذلك، لأنّ تاء التأنيث سقطت من الواحدة في جمع المؤنّث السالم لئلا يجتمع تأنيثان، وثبتت في المثنّى، ¬
ذكر التثنية
فوجب تأنيث الفعل حيث ثبتت، ولم يجز حيث سقطت، وإذا أسند الفعل إلى ضمير جمع من يعقل غير المذكّر السّالم (¬1) جاز فيه: فعلت وفعلوا، نحو: الرجال خرجت باعتبار الجماعة، وخرجوا باعتبار الجمع، وأمّا جمع المذكّر السّالم فلا يجوز في ضميره إلّا الواو فقط كقولك: المسلمون قدموا، ولا يجوز أن يقال: الزيدون قدمت، وكذلك ما أشبهه. وإذا أسند الفعل إلى ضمير جمع غير المذكّر العاقل جاز فيه فعلت وفعلن، وغير المذكّر العاقل ثلاثة أنواع وهي: جمع المؤنّث اللفظي، وجمع المؤنّث التقديري، وجمع المذكّر غير العاقل، فإنّ هذه الجموع إذا أسندت (¬2) الفعل إلى ضمائرها، جاز فيه الأمران تقول: [المسلمات والليالي والهندات والعيون والأيام حسنت وحسنّ] (¬3) وأمّا حكم الضمائر، فيجوز في ضمير جمع المذكّر العاقل المكسّر نحو: الرجال، أن تقول ضربتهم وضربتها، وفي ضمير جمع غير المذكّر العاقل وهو الأنواع الثلاثة المذكورة أعني المؤنث اللفظيّ والمؤنث التقديري، والمذكّر الغير العاقل، أن تقول: المسلمات والليالي والهندات والعيون والأيام أكرمتهنّ وأكرمتها، وأما في ضمير جمع المذكّر السالم، نحو: المسلمين والزيدين فلا يجوز أن تقول غير أكرمتهم فقط، فحاصل ذلك، أنّ أكرمتهنّ تختصّ بالأنواع الثلاثة المذكورة، وأكرمتها مشترك بين الأنواع الثلاثة، وبين الجمع المكسّر للمذكّر العاقل، وأكرمتهم مشترك بين جمع المذكّر السّالم والجمع المكسّر للمذكّر العاقل المذكور (¬4). ذكر التثنية (¬5) اعلم أن التثنية أصلها العطف بدليل أنّ الشّاعر إذا اضطر راجع الأصل كقوله: (¬6) ¬
ذكر تثنية الملحق بالصحيح، والمقصور والممدود
كأنّ بين فكّها والفكّ … فأرة مسك ذبحت في سكّ وإنّما عدل عنه إيجازا واختصارا، والمثنّى في الاصطلاح، هو ما لحق آخره ألف في حال الرفع، أو ياء مفتوح ما قبلها في حال النصب والجر ونون مكسورة، ليدلّ على أنّ معه مثله من جنسه، واعلم أنّه لا بدّ في التثنية من اتحاد اللفظين فإذا ثنّيت مختلفي اللفظ، فالوجه أن تغلّب أحد اللفظين على الآخر/ كالقمرين والعمرين (¬1) وأمّا تثنية الاسم المشترك باعتبار مدلوليه كقولك: عينان وأنت تريد بهما العين الباصرة والعين الفوّارة، فممنوع عند الأكثر، وأجازه بعضهم محتجّا بأنّ نسبة الاسم المشترك إلى مسميّاته كنسبة العلم المشترك إلى مسميّاته وتثنية العلم المشترك جائزة بالاتفاق فكذلك المشترك (¬2). ذكر تثنية الملحق بالصحيح، والمقصور والممدود (¬3) أمّا الملحق بالصحيح، وهو نحو: ظبي والقاضي، فيثنّى كالصحيح، فتقول: ظبيان وقاضيان، وظبيين وقاضيين، وأمّا المقصور وهو: ما في آخره ألف؛ فهو إن كان ثلاثيّا وألفه بدل عن واو، فيثنّى بقلب ألفه واوا نحو: عصوين، وإن لم يكن كذلك فهو على خمسة أقسام: الأول: الثلاثيّ الذي ألفه بدل عن الياء، نحو: فتى. الثاني: الثلاثي الذي ألفه ليست بدلا عن الواو ولا عن الياء وسمع فيه الإمالة نحو: متى، لو سمّي به. ¬
الثالث: الذي لا يكون ثلاثيّا وألفه بدل عن واو نحو: ملهى. الرابع: الذي لا يكون ثلاثيّا وألفه بدل عن ياء نحو: أعشى. الخامس: الذي لا يكون ثلاثيّا وألفه ليست بدلا عن واو ولا عن ياء، نحو حبارى، فإنّ ألف هذه الأقسام كلها تقلب ياء في التثنية، فتقول: فتيان ومتيان، وملهيان، وأعشيان، وحباريان، لكون الياء أخفّ من الواو (¬1). وأما الممدود وهو ما كان في آخره همزة، قبلها ألف زائدة فهو أربعة أقسام: أحدها: أن تكون همزته أصلية كقّراء بضم القاف وهو المتنسّك (¬2). ثانيها: أن تكون همزته زائدة للإلحاق نحو: حرباء ملحقا بسرداح، فيثنّى هذان القسمان بثبوت الهمزة فيهما لكونها أصلية أو في حكم الهمزة الأصليّة، فتقول: قرّاءان، وحرباءان، ومنهم من يقلب الهمزة التي للإلحاق ياء فيقول في حرباء: حربايان، كأنّ الزائد عنده للإلحاق هو الياء ثمّ قلبت همزة لوقوعها بعد ألف زائدة (¬3). ثالثها: أن تكون همزته زائدة للتأنيث، فيثنّى بقلب همزته واوا، إيذانا بزيادتها، وفرقا بينها وبين الأصليّة فتقول في صحراء وحمراء: صحراوان وحمراوان، -. رابعها: أن تكون همزته لا أصلية ولا للإلحاق ولا للتأنيث بل تكون منقلبة عن أصل، فيثنّى على الوجهين بردّها إلى أصلها، وإثباتها على حالها، لمشابهتها الأصليّة من حيث كونها غير زائدة فتقول في كساء ورداء: كساوان وردايان، وكساءان ورداءان (¬4) وتحذف نون المثنّى لإضافته (¬5) نحو: ضاربا زيد، لكون الإضافة تدلّ على الاتصال وثبوت النون يدلّ على الانفصال، وقد تحذف في غير الإضافة لضرورة ¬
ذكر الجمع
الشعر كقول الشّاعر: (¬1) هما خطّتا إمّا إسار ومنّة … وإمّا دم والقتل بالحرّ أجدر فيمن رفع فيه إسار، وأمّا من جرّه، فإنّه فصل بين المضاف والمضاف إليه بإمّا، وقد تحذف ألف التثنية إذا لقيها ساكن/ بعدها نحو: غلاما الرجل، وأمّا ياؤها فإن لاقت متحركا بقيت ساكنة نحو: غلامي زيد (¬2) وإن لاقت ساكنا كسرت كقوله تعالى: يا صاحِبَيِ السِّجْنِ (¬3) وتثبت تاء المؤنّث في التثنية لئلا يلتبس المؤنّث بالمذكّر نحو: مسلمتان، وحذفت على خلاف القياس في خصية وألية، عند تثنيتهما، فيقال: خصيان وأليان، وخصيين وأليين، قال: (¬4) ترتجّ ألياه ارتجاج الوطب لعدم التباس المذكّر بالمؤنّث فيه، وقد جاء إثباتها فيهما، وهو القياس والحذف أكثر استعمالا (¬5). ذكر الجمع (¬6) الجمع ما دلّ على آحاد مقصودة بحروف مفردة بتغيير ما (¬7). فقوله: ما دلّ على آحاد، يخرج به المفرد والتثنية، وقوله: مقصودة بحروف مفردة، يخرج به أسماء ¬
الجموع نحو: رهط فإنّه ليس له مفرد (¬1) ويدخل نحو: رجال، فإنه دال على آحاد بحروف مفرده، وقوله بتغيير ما، يعني أي تغيير فرضيّ، ولو في التقدير كما سنذكر في فلك وهجان. واعلم أنّ نحو: تمر وركب ليس بجمع على الأصحّ (¬2) وأجاز الكوفيون في تمر ونحوه، والأخفش في ركب ونحوه، أن يكونا جمعين والصحيح الأوّل، لأنّ وزن تمر وركب فعل، وفعل ليس من أبنية الجموع، ولأنّ تمرا اسم جنس، كعسل وأسماء الأجناس ليست بجمع (¬3)، والفلك والهجان جمع عند جماعة (¬4) ويقولون: إنّ ضمّة فلك في المفرد كضمّة قفل، وضمّة فلك في الجمع كضمّة أسد وسقف، وإنّ كسرة هجان في المفرد ككسرة كتاب وحمار، وكسرة هجان في الجمع ككسرة رجال (¬5)، وهجان يقع على الواحد والجمع، تقول: ناقة هجان ونوق هجان، والهجان الإبل البيض. واعلم أنّه قد اختلف في أقلّ الجمع فذهب الأكثرون إلى أنّه ثلاثة لأنّ لفظ التثنية مغاير للفظ الجمع، فوجب أن يكون معنى التثنية مغايرا لمعنى الجمع، فلا تصدق التثنية على أقل الجمع (¬6)، وذهب بعضهم إلى أنّ أقلّ الجمع اثنان لعود ضمير الجمع على الاثنين كقوله تعالى: وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا (¬7) وأيضا فلاشتراك تثنية المتكلّم وجمعه في الضمير نحو: قمنا، والجمع إمّا صحيح؛ وهو ما ¬
ذكر جمع المذكر السالم
سلم فيه بناء الواحد ونظمه، وإمّا مكسّر؛ وهو ما لم يسلم فيه، والصحيح إمّا لمؤنّث ويأتي بيانه، وإمّا لمذكّر. ذكر جمع المذكّر السّالم (¬1) وهو ما لحقته واو مضموم ما قبلها رفعا، أو ياء مكسور ما قبلها نصبا وجرّا ونون مفتوحة، ليدلّ على أنّ معه أكثر من جنسه، نحو: هؤلاء الزيدون، ورأيت الزيدين ومررت بالزيدين، والنون فيه عوض من حركة الواحد وتنوينه، وحرّكت لالتقاء الساكنين فتحا طلبا للتخفيف، وللفرق بينها وبين نون التثنية، وشرط هذا الجمع في الاسم أن يكون مذكّرا علما عاقلا (¬2) فيجمع نحو: زيد وعمرو ولا يجمع نحو: لا حق (¬3) وشذقم (¬4)، لكونه لغير عاقل، وعلم بقوله: مذكّر، أنّ ما فيه تاء التأنيث لا يجمع كذلك، نحو: طلحة وحمزة/ فإنّه يجمع بالألف والتاء نحو: طلحة وطلحات (¬5) وإن كان صفة، فشرطه أن يكون مذكّرا عالما، وإنّما قال: (¬6) عالما، ولم يقل عاقلا؛ ليدخل فيه صفات البارئ تعالى نحو: فَنِعْمَ الْماهِدُونَ (¬7) ¬
وَنَحْنُ الْوارِثُونَ (¬1) لأنّه لا يوصف بالعقل في العرف، ويوصف بالعلم، وشرط الجمع الصحيح في الصفة أن لا يكون فعلان فعلى نحو: سكران، ولا أفعل فعلاء نحو: أحمر وأبيض، ولا مستويا فيه المذكّر والمؤنّث نحو: جريح وصبور، أمّا فعلان فعلى، فلأنّ فعلان فعلانة جمع هذا الجمع نحو: ندمان وندمانون، فلو جمع سكران كذلك لالتبس به (¬2). وأما باب أحمر فللفرق بينه وبين أفعل التفضيل، فإنّ أفعل التفضيل جمع به، نحو: أفضل وأفضلون، وأمّا جريح وهو فعيل بمعنى مفعول، فللفرق بينه وبين فعيل بمعنى فاعل، فإنّه جمع مصحّحا نحو: سميع وسميعون، وأمّا صبور فإنّه لمّا وافقوا بين المذكّر والمؤنّث في المفرد، لم يخالفوا بينهما في الجمع، فلم يقولوا: صبورون ولا صبورات بل صبر فيهما، ومن شرط جمع الصفة أيضا، أن لا تكون بتاء تأنيث مثل: علّامة ونسّابة (¬3) خلافا للكوفيين فإنّهم يجيزون في علّامة ونسّابة، علّامون ونسّابون، وفي طلحة وحمزة، طلحون وحمزون، وكذلك ما أشبه ذلك. واعلم أنّ الاسم إن كان ملحقا بالصحيح فيجمع جمع الصحيح، فتقول في دلو وظبي: دلوون وظبيون علمين وإن كان معتلّا؛ فإن كان آخره ياء قبلها كسرة حذفت الياء وضمّ ما قبل الواو، نحو قاض، فيقال: قاضون في الرفع، وقاضين في النصب والجر، لأنّ أصل ذلك قاضيون فحذفت الضمّة استثقالا لها على الياء بعد الكسرة، فالتقى ساكنان الياء وواو الجمع، فحذفت الياء ثم قلبوا الكسرة التي على الضّاد ضمة، ليمكن النطق بالواو، وأصل قاضين قاضيين كرهوا الكسرة على الياء بعد الكسرة فحذفوها فالتقى ساكنان، ياء القاضي وياء الإعراب، فحذفت الأولى وبقي ما قبل ياء الإعراب مكسورا على ما كان عليه. وإن كان آخره ألفا حذفت لالتقاء الساكنين وترك ما قبل الياء مفتوحا لتدلّ الفتحة على الألف المحذوفة، فيقال في الرفع: مصطفون بفتح الفاء، وفي النصب ¬
ذكر جمع المؤنث الصحيح
والجر: مصطفين بفتحها أيضا، وأجاز الكوفيون ضمّ ما قبل الواو وكسر ما قبل الياء قياسا على المنقوص وهو ضعيف (¬1) لأنّ النصّ في قوله تعالى: وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ (¬2) وَإِنَّهُمْ عِنْدَنا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ (¬3) على خلافه، وأيضا فإنّ فتحة ما قبل الألف في نحو: مصطفى لم يتعذّر بقاؤها، فلم يجب التغيير، فبقيت الفتحة على حالها (¬4)، وكذلك القول في جميع ما هو من هذا الباب نحو: يحيى وما أشبهه، وتحذف نون جمع المذكّر السّالم بالإضافة (¬5)، لأنّها عوض عن حركة الواحد وتنوينه، كقوله تعالى: ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ (¬6) وأمّا ما ورد من نحو: أرضين وسنين من كونه جمع جمع سلامة وهو غير/ مذكّر عاقل فشاذ فلا يرد نقضا، وقد ثبتت نونه في الإضافة تنبيها على أنّ ذلك ونحوه ليس من جموع السّلامة القياسيّة (¬7)، كقول الشّاعر: (¬8) دعاني من نجد فإنّ سنينه … لعبن بنا شيبا وشيّبننا مردا ذكر جمع المؤنّث الصحيح (¬9) وهو ما في آخره تاء زائدة بعد ألف زائدة، كقولك: قائمات ومسلمات وقال زائدة (¬10) لئلا يتوهّم أنّ أبياتا وأصواتا ونحو ذلك منه، فإنّ التاء في نحو: الأبيات ¬
ذكر جمع التكسير
والأصوات، أصليّة لا زائدة، والمؤنّث إن كان صفة وله مذكر، فشرط جمعه بالألف والتاء أن يكون مذكّره جمع بالواو والنون لئلا يلزم مزية للفرع على الأصل في جمع السّلامة فلا يجمع نحو: سكرى وحمراء وجريح، هذا الجمع لامتناع جمع مذكره بالواو والنون، فلا يقال: حمراوات وسكريات لامتناع أحمرون وسكرانون (¬1) فإن قيل: قد جمع خضراء أخضر بالألف والتاء في قوله عليه السّلام: «ليس في الخضراوات صدقة» (¬2) فالجواب: أنه مؤوّل بأنه جمع لمسمّى الخضراوات نحو: البقل وغيره، لا للصفة التي هي خضراء، فإنّ مسمّى الخضراوات مذكّر غير عاقل، وهو مما يجمع جمع السّلامة أعني بالألف والتاء كما سنذكره الآن. وإن كان صفة وليس له مذكّر نحو: حائض وحامل مما حذف منه تاء التأنيث، فيجمع مكسرا كقولك: حوائض وحوامل، وأما إذا لم يحذف منه التاء فيجمع بالألف والتاء، كقولك في حائضة وحاملة: حائضات وحاملات لأنّه لو كان لهما مذكّر لجمع مصحّحا (¬3). وأما إن كان اسم المؤنّث غير صفة فيجمع بالألف والتاء من غير شريطة، نحو: بيضات وطلحات وزينبات، وقد جمع بالألف والتاء مذكّر غير عاقل نحو: بوقات وحمامات وسرادقات (¬4). ذكر جمع التكسير (¬5) وهو ما تغيّر فيه بناء واحده، نحو: رجال وأفراس، وقد يكون بزيادة نحو: رجل ورجال وبنقصان: ككتاب وكتب، وقد يكون تغير البناء تقديريا نحو: فلك ¬
ذكر الأسماء المتصلة بالأفعال
وهجان كما مرّ (¬1)، وجمع التكسير يعمّ من يعقل وغيرهم في أسمائهم وصفاتهم كرجال وأفراس وكرام وحمر وشقر، والجمع ينقسم إلى جمع قلّة، وجمع كثرة، فجمع القلّة: هو الذي يطلق (¬2) على العشرة فما دونها إلى الثلاثة وأقسامه: أفعل كأكلب، وأفعال كأجمال، وأفعلة كأرغفة، وفعلة كغلمة (¬3)، والجمع الصحيح، وهو نوعان: المذكّر السّالم كزيدين، والمؤنّث السالم كمسلمات، وجمع الكثرة ما عدا ذلك، ويستعار كلّ واحد منهما للآخر، كقوله تعالى: ثَلاثَةَ قُرُوءٍ (¬4) موضع أقراء (¬5). ذكر الأسماء المتصلة بالأفعال وهي ثمانية: المصدر، واسم الفاعل، واسم المفعول، والصفة المشبّهة، وأفعل التفضيل، وهذه الخمسة هي المذكورة في كتب النحو لكونها تعمل، وأمّا الثلاثة الباقية فهي: اسم الزمان واسم المكان واسم الآلة، وهذه/ الثلاثة من قسم التصريف، لكونها لا تعمل، وقد أثبتناها وغيرها من أبواب التصريف في كتابنا هذا لكونه من كتب الكنّاش، فأجري مجرى الكنّاش، ومعنى كون هذه الأسماء متصلة بالأفعال، أنّها لا تنفكّ عن معنى الفعل، لأنّ المصدر اسم الفعل (¬6) واسم الفاعل، اسم لما قام به الفعل، وكذلك البواقي على ما سيأتي. ذكر المصدر (¬7) وهو اسم الحدث الجاري على الفعل، والمراد بهذا الحدث الجاري، المعنى ¬
الصادر من الفاعل المجرّد عن الزمان، ومعنى الجاري على الفعل، أنّ كلّ مصدر لا بدّ له من فعل لفظا أو تقديرا، يذكر المصدر بيانا لمعنى ذلك الفعل نحو: ضربا في قولك ضربت ضربا (¬1) واعلم أنّ المفعول المطلق أعمّ من المصدر، لأنّ كلّ مصدر لا بدّ له من فعل من لفظه، وليس كلّ مفعول مطلق كذلك، نحو: ويحه وويله، واعلم أنّ مصدر الفعل الثلاثي المجرد من الزيادة سماعي (¬2) والمشهور أنه اثنان وثلاثون (¬3): 1 - فعل: كحمد وضرب. 2 - فعل كعلم وفسق. 3 - فعل: كشكر وشرب. 4 - فعلة: كرحمة وكثرة. 5 - فعلة: كحمية ونشدة. 6 - فعلة: كعجمة وكدرة. 7 - فعلى: بفتح الفاء كدعوى. 8 - فعلى بكسرها: كذكرى. 9 - فعلى بضمها: كبشرى. 10 - فعلان بالفتح: مختلف فيه كليّان (¬4) وأنكره المبرّد، وقال أصله ضم أوّله، وإنّما فتح للتخفيف. 11 - فعلان بالكسر: كحرمان ورضوان. 12 - فعلان بالضم: كغفران. 13 - فعلان بفتحهما: كغليان وهيجان. ¬
14 - فعل: كعمل وغضب. 15 - فعل: كلعب وكذب. 16 - فعل: كشبع وكبر. 17 - فعل: كهدى وسرى. 18 - فعلة: كغلبة. 19 - فعلة: كسرقة. 20 - فعال: كسماع ونبات. 21 - فعال: ككذاب وإياب. 22 - فعال بالضم: كنعاس وهو كثير في الأصوات كصراخ (¬1). 23 - فعالة: كنصاحة وجهالة. 24 - فعالة بالكسر كحماية وسراية (¬2). 25 - فعول: كقعود. 26 - فعول وهو ثلاثة: قبول وولوع ووقود (¬3). 27 - فعيل: كصهيل. 28 - فعولة: كسهولة وصعوبة. 29 - مفعل بفتح الميم والعين: كمدخل. 30 - مفعل بفتح الميم وكسر العين: كمرجع ومنبت. 31 - مفعلة بالفتح: كمرحمة. 32 - مفعلة: كمحمرة ومعصية. ¬
فهذه مصادر الثلاثي السماعية، وقد زادوا على ذلك ثلاثة أخر: فعالية: كطواعية وكراهية (¬1)، وفعالة بضم الفاء: كبغاية (¬2)، وتفعال بكسر التاء كتبيان وتلقاء (¬3)، وأمّا غير ذلك من نحو: التّفعال بفتح (¬4) التاء (¬5)، والفعّيلى بتشديد العين فللمبالغة (¬6). وأمّا الفعل الغير الثلاثي وهو الرباعي فصاعدا، فمصدره قياسيّ، وهو رباعيّ وخماسيّ وسداسيّ، والرباعيّ منه ما حروفه كلها أصول، ومنه (¬7) ما أحد حروفه زائد، ويكون من فعلل فعللة وفعلا لا نحو: دحرج دحرجة ودحراجا، ومن فعول فعولة، نحو: عنون عنونة، ومن فعيل فعيلة نحو: عذيط (¬8) عذيطة، ومن فيعل فيعلة، نحو بيطر بيطرة، ومن فوعل فوعلة/ نحو: حوقل حوقلة، ومن فعّل تفعيلا وتفعلة، نحو: كرّم تكريما وتكرمة وكلّم تكليما، فزادوا التاء في أول هذه المصادر عوضا من تضعيف عين الفعل (¬9) فإن كان آخره معتلا رجع التفعيل إلى تفعلة نحو: ولّى تولية، وسمّى تسمية، وإن كان آخره مهموزا جاز التفعيل والتّفعلة، نحو: نبّأ تنبيئا وتنبئة (¬10)، ومن أفعل إفعالا نحو: أكرم إكراما، فإن كان أفعل معتلّ العين رجع إفعال إلى إفالة، نحو: أشار إشارة وأقال إقالة (¬11) والتزمت التاء في الأكثر، لأنّها ¬
جعلت عوضا من العين المحذوفة إذ كان الأصل إفعالة كما سنذكر له زيادة شرح، ومن فاعل مفاعلة وفعالا، نحو: ضارب مضاربة وضرابا (¬1)، وجاء في معتلّه فعاليا، مثل: ترامى تراميا، ومن انفعل انفعالا، نحو: انطلق انطلاقا، ومن افتعل افتعالا، نحو: اختصم اختصاما، واقتتل اقتتالا، وجاء قتالا وقيتالا على البدل (¬2) ومن استفعل استفعالا، نحو: استخرج استخراجا (¬3) فإن كان استفعل معتلّ العين، رجع الاستفعال إلى استفالة، مثل: استعان استعانة واستكان استكانة، ومن افعلّ افعلالا نحو: احمر احمرارا، ومن تفعّل تفعّلا نحو: تلبّث تلبّثا ومن تفاعل تفاعلا (¬4) نحو: تطاول تطاولا، ومن تفعلل تفعللا نحو: تدحرج تدحرجا ومن تفوعل تفوعلا نحو: تجوهر تجوهرا، ومن تفعّل تفعّالا نحو: تحمّل تحمّالا (¬5)، ومن افعنلل افعنلالا نحو: احرنجم احرنجاما، ومن افعوعل افعيلالا نحو: اغدودن اغديدانا، ومن افعوّل افعوّالا نحو: اعلوّط اعلوّاطا (¬6) ومن افعللّ افعلالا نحو: اقشعرّ اقشعرارا (¬7) وإذا تقارب معنى فعلين جاز أن يستعمل مصدر أحدهما للآخر نحو: انطويت تطويا وتطويت انطواء. واعلم أنّ أفعل معتل العين نحو: أقام وأجاز وأطاق، مصدره بحسب الأصل إفعالا، لأنّ مصدر أفعل من الصحيح إفعالا كما تقدّم من أكرم إكراما، فمصادر هذه الأمثلة المذكورة بحسب الأصل إقواما، وإجوازا وإطواقا، إلّا أنهم أعلّوا المصدر كما أعلوا فعله فنقلوا الحركة عن حرف العلّة إلى الساكن قبله، وبعد الساكن ألف ولا يكون ما قبل الألف إلا مفتوحا، فينقلب حرف العلة ألفا، فاجتمعت ألفان فحذفت إحداهما لالتقاء الساكنين وعوض عنها الهاء في الآخر، فقيل: إقامة وإجازة وإطاقة (¬8). ¬
واعلم أنّ المصدر قد يرد على وزن اسمي الفاعل والمفعول سماعا لا قياسا (¬1) فوروده على وزن اسم الفاعل نحو: قم قائما بمعنى قياما ومنه قول الشّاعر: (¬2) أقاتل حتّى لا أرى لي مقاتلا … ... أي لا أرى قتالا، ومنه العافية في عافاه الله عافية، ووروده على وزن المفعول نحو: الميسور والمعسور والمرفوع والموضوع بمعنى اليسر والعسر والرّفع والوضع (¬3) وكما جاء اسم الفاعل في موضع المصدر جاء أيضا المصدر في موضع اسم الفاعل. نحو جاء ركضا/ ومشيا أي راكضا وماشيا (¬4)، ومنه قوله تعالى ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً (¬5) أي ساعيات، وهذا السّماعي إنّما هو في الفعل الثلاثي المجرّد، وأمّا المزيد فيه والرباعي، فيجيء منه اسم المفعول في موضع المصدر قياسا، كأخرجته مخرجا، وانطلق منطلقا، ومن المصادر ما جاءت لتكثير الفعل والمبالغة نحو: ما جاء على تفعال سماعا مثل: التّهدار، والتّرحال والتّرداد (¬6) بمعنى الهدر والرحيل والتردّد، ونحو: ما جاء على تفعيل وهو قياسي مثل: التقطيع ونحو: ¬
فعّيلى كقول عمر رضي الله عنه: (¬1) «لو أطيق الأذان مع الخلّيفى لأذّنت» وقول عمر بن عبد العزيز: (¬2) (¬3) «لا ردّيدى في الصّدقة» أي لا تردّ. والمصدر يعمل عمل فعله (¬4) سواء كان المصدر بمعنى الماضي أو الحال أو الاستقبال، لأنّ عمله لكونه في تقدير «أن» مع الفعل سواء كان ماضيا أو غيره، وإنّما يعمل المصدر إذا لم يكن مفعولا مطلقا، أي إذا لم يكن منصوبا بفعله المذكور معه لفظا أو تقديرا، ولا يضمر الفاعل في المصدر كما سيأتي (¬5) وإنّما سمّي المصدر مصدرا لأنّ الأفعال صدرت عنه، أي أخذت منه تشبيها بمصدر الإبل، وهو المكان الذي ترده الإبل ثم تصدر عنه (¬6) ولا يتقدّم معمول المصدر عليه فلا يقال: أعجبني زيدا ضرب عمرو، لكون المصدر في تقدير أن مع الفعل، فكما لا يتقدّم ما في حيّز صلة أن عليها، فكذلك لا يتقدّم ما في حيّز صلة المصدر عليه (¬7)، ولا يلزم ذكر فاعل المصدر بل يجوز أن تقول: أعجبني ضرب زيدا، ولم يذكر الفاعل، وإنّما لم يلزم ذكر الفاعل لأن التزامه كان يؤدي إلى الإضمار فيه عند ما يكون لغائب متقدم ذكره، ولا يضمر فيه الفاعل وإنّما لم يضمر فاعل المصدر فيه، فرقا بينه وبين الفعل والصفة، حيث يضمر فاعلهما فيهما، لأنّ الفعل خبر أو وصف جار مجرى الخبر في اقتضائه مسندا إليه، وكذلك الصفات فلو قدّر خلوّهما من الضمير لم ترتبط الصفة بالموصوف ولا الخبر بالمبتدأ، والمصدر اسم على كل حال، وليس بصفة، والاسم لا يلزم أن يكون مسندا إلى شيء، فلذلك لم يضمر فيه فرقا بينه وبين ما وجب فيه الإضمار، ويجوز إضافة المصدر إلى الفاعل، ¬
ذكر اسم الفاعل
فيبقى المفعول منصوبا نحو: أعجبني دقّ القصّار الثوب (¬1)، وقد يضاف إلى المفعول فيبقى الفاعل أكثر. واعلم أن عمله منونا أولى، لأنّه حينئذ أكثر مشابهة للفعل لكونه نكرة حينئذ، كالفعل ثم عمله مضافا أولى، وإعماله/ باللّام قليل (¬2) (¬3) وإن كان المصدر مفعولا مطلقا، فإمّا أن يكون مما التزم فيه حذف الفعل وصار المصدر بدلا عنه نحو: سقيا، أو لم يكن كذلك. فإن كان نحو: سقيا، ففيه وجهان: أحدهما: أن يكون الفعل عاملا، والثاني: أن يكون المصدر عاملا من حيث إنّه نائب عن الفعل فإذا قلت: سقيا زيدا، فزيدا منصوب بسقيا من حيث قام مقام سقى الله، لا من حيث كونه مصدرا، وإن لم يكن المصدر بدلا من الفعل، بل كان الفعل مذكورا نحو: ضرب ضربا زيدا أو محذوفا غير لازم نحو قولك لمن رفع السّوط: ضربا زيدا، فالعمل للفعل، لأنّه مراد لفظا أو تقديرا، وليس المصدر بدلا عنه (¬4). ذكر اسم الفاعل (¬5) اسم الفاعل ما اشتقّ من فعل لمن قام به بمعنى الحدوث، قوله: ما اشتقّ من فعل كالجنس يدخل فيه المحدود وغيره من اسم المفعول والصفة المشبّهة وغير ذلك، وقوله: لمن قام به، يخرج به نحو اسم المفعول، وقوله: بمعنى الحدوث يخرج الصّفة المشبّهة، لأنّ وضعها أن تدلّ على معنى ثابت، ولو قصد بها الحدوث ردّت إلى صيغة اسم الفاعل (¬6) كما سيأتي في الصفة المشبّهة. ذكر اسم الفاعل من الفعل الثلاثي المجرّد (¬7) وهو إن كان على فعل بفتح العين فيطرد منه اسم الفاعل على صيغة فاعل، ¬
ذكر اسم الفاعل من غير الثلاثي
مثل: ضرب فهو ضارب وقعد فهو قاعد (¬1) وأمّا ما جاء من الفعل الثلاثي المذكور على خلاف ذلك فمسموع ولا يقاس (¬2) عليه، وذلك نحو عتق العبد فهو عتيق. ذكر اسم الفاعل من غير الثلاثي (¬3) ويأتي منه على صيغة المضارع وهو أن يحذف حرف المضارعة ويجعل موضعه ميم، مثل: مكرم من يكرم، ومنطلق من ينطلق، ومدحرج من يدحرج، ومستخرج من يستخرج، وهذه الميم في اسم الفاعل لا تكون (¬4) إلا مضمومة سواء كان حرف المضارعة مضموما نحو: يخرج، أو مفتوحا: نحو يستخرج فإنك تقول: مخرج ومستخرج بضم الميم فيهما، وما قبل آخر اسم الفاعل المذكور لا يكون إلّا مكسورا نحو كسرة اللام في منطلق، والراء في مدحرج ومستخرج (¬5) فرقا بينه وبين المفعول، وأمّا ما جاء من أسماء الفاعلين من هذا الباب على صيغة اسم الفاعل من الفعل الثلاثي فشاذ يؤخذ بالسّماع، وذلك نحو: وارق من أورق العود، وما حل من محل البلد، وعاشب من أعشب المكان، ويافع من أيفع الغلام، فإنّ قياس ذلك، أن يكون اسم الفاعل منه على مفعل لا على فاعل. ذكر عمل اسم الفاعل (¬6) وهو يعمل عمل فعله المضارع المبنيّ للفاعل، لكن يشترط لعمله أن يكون بمعنى الحال أو الاستقبال مع اعتماده على صاحبه، أو على همزة استفهام، أو ما النافية، أما اشتراط كون اسم الفاعل المذكور بمعنى الحال أو الاستقبال، فلأنّه إنّما عمل لمشابهة الفعل المضارع في الموازنة والدلالة على المصدر (¬7) فضارب ¬
موازن يضرب، ومكرم موازن يكرم، فلمّا/ انعقد هذا الشبه بينهما عمل عمله، ولهذه المشابهة أيضا أعطيت الأفعال المضارعة الإعراب، وليس بين اسم الفاعل والفعل الماضي هذه الموافقة، فإنّ ضاربا مثل يضرب لا مثل ضرب، فإذا شرط فيه معنى الحال أو الاستقبال قوي شبهه به لفظا ومعنى، سواء كان الحال أو الاستقبال تحقيقا أو حكاية كقوله تعالى: وَكَلْبُهُمْ باسِطٌ ذِراعَيْهِ بِالْوَصِيدِ (¬1) فإنّ باسطا ها هنا، وإن كان ماضيا لكنّ المراد به حكاية الحال (¬2) والمراد بقولنا: يعمل عمل فعله: أنه يعمل عمله في التقديم والتأخير، والإظهار والإضمار، وفي اللزوم والتّعدي إلى مفعول أو إلى اثنين أو ثلاثة، وإنّ الفعل كما يتعدّى إلى الحال والمصدر والمفعول له والمفعول معه وسائر الفضلات، فكذلك اسم الفاعل منه، فمثال عمله في التقديم: زيد ضارب غلامه عمرا، وفي التأخير: زيد عمرا مكرم، فتنصب عمرا بمكرم، وفي الإظهار المثال المتقدّم، وفي الإضمار: زيد ضارب بكر وعمرا، بخفض بكر ونصب عمرا، أي ضارب عمرا لأنّ بكرا مخفوض فلما نصب عمرا، عطفا عليه لم يكن نصبه إلّا على تقدير وضارب عمرا (¬3) ومثاله في اللزوم: زيد قائم أبوه، وفي التعدي (¬4) إلى واحد: زيد ضارب عمرا وإلى مفعولين: زيد معط عمرا درهما، وظانّ خالدا منطلقا، وإلى ثلاثة نحو: زيد معلّم أباه عمرا منطلقا (¬5) وأمّا اشتراط اعتماد اسم الفاعل على صاحبه أو على الهمزة أو على ما النافية، فالمراد بصاحب اسم الفاعل، اسم قبله محكوم عليه فلو قلت: ضارب زيد عمرا من غير اعتماد لم يجز، لأنّ اسم الفاعل صفة في المعنى، فلا بدّ من موصوف نحو: مررت برجل ضارب أبوه عمرا، وقد يكون ذا حال نحو: جاءني الرجل (¬6) ضاربا عمرا. ¬
وأما الهمزة وما النافية فنحو: أقائم زيد، وما قائم زيد، فلوقوعهما (¬1) موقعا هو بالفعل أولى، واعلم أنه لا يختصّ ذلك بالهمزة وما، بل جميع أدوات الاستفهام أسماء كانت أو حروفا وجميع حروف النفي في ذلك سواء، وأجاز الأخفش، إعماله من غير اعتماد على شيء (¬2) نصّ عليه السّخاوي، وابن يعيش (¬3). وإن كان اسم الفاعل بمعنى الماضي وجبت إضافته إلى معموله إضافة معنوية (¬4) فتقول: زيد ضارب عمر أمس، خلافا للكسائي فإنه قال: لا يجب إضافته لأنه يعمل عنده سواء كان بمعنى الماضي أو الحال أو الاستقبال، واستدلّ الكسائيّ بقوله تعالى: فالق الإصباح وجاعل الليل سكنا (¬5) فيقول: لا ناصب لسكنا سوى جاعل، وهو بمعنى الماضي، وإذا نصب المفعول الثاني فلأن ينصب الأول أقرب (¬6)، وردّ بأنّ نصبه يكون بفعل مقدّر، وتقديره: وجاعل الليل جعله سكنا (¬7) واعلم أنه يجوز أن يقوّى اسم الفاعل المتعدي بدخول حرف الجرّ فتقول: زيد ضارب ¬
ذكر أبنية المبالغة
عمرا وضارب لعمرو/ وإنّما كان كذلك لأنّ أصل العمل إنّما هو للأفعال كما أنّ أصل الإعراب إنما هو للأسماء، فكلّ منهما فرع على الآخر فيما هو أصل فيه، والفروع أبدا منحطة عن الأصول، فلذلك جاز تقوية اسم الفاعل بحرف الجرّ، ولم يجز في الفعل لكون اسم الفاعل أضعف منه، هذا إذا تأخّر المفعول عن الفعل، فإن تقدّم عليه جاز إدخال اللّام تقوية لهما (¬1) تقول: لزيد عمرو ضارب، ولزيد ضربت قال الله تعالى: إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّءْيا تَعْبُرُونَ (¬2) وإذا جاءت اللّام في اسم الفاعل نحو: الضارب والقاتل، عمل، وإن كان بمعنى المضي، لأنّها موصولة، وأصل صلتها صريح الفعل وإنّما سبك (¬3) اسم فاعل ليناسب اللّام التي معناها معنى لام التعريف، فمن ثمّ قوي إعمال اسم الفاعل معها وإن كان بمعنى المضيّ (¬4). ذكر أبنية المبالغة (¬5) وهي: فعول كضروب، وفعّال كضرّاب، وفعيل كسميع، وفعل كحذر، ومفعال كمضراب، وهي مثل اسم الفاعل في العمل (¬6) نحو: زيد ضرّاب أبوه عمرا، وإنّما عملت هذه، وإن فات ما ذكرناه من الزنة، لأنّ فيها من معنى المبالغة ما يقوم مقام ذلك الشّبه، مع أنها لم تعمل بدون اللّام إلّا إذا كانت بمعنى الحال أو الاستقبال (¬7). ومثنّى اسم الفاعل ومجموعه مثل مفرده في العمل تقول: الزيدان ضاربان عمرا، والزيدون ضاربون عمرا الآن أو غدا، ويجوز حذف نوني تثنية اسم الفاعل وجمعه السّالم المعرّفين مع العمل أي مع نصب ما بعدهما نحو قول الشّاعر: (¬8) ¬
ذكر اسم المفعول
الحافظو عورة العشيرة لا … يأتيهم من ورائهم نطف فحذف النون من الحافظون تخفيفا واستطالة لصلة اللام التي هي بمعنى الذي، مع نصب عورة، وليعلم أنّه لا يجوز حذف النون مع العمل من غير تعريف، لأنّه لا يكون صلة حينئذ فلا يقال: ضاربو عمرا بنصب عمرو بل بالجر (¬1). ذكر اسم المفعول (¬2) وهو ما اشتقّ من فعل لمن وقع عليه، فقوله: ما اشتقّ من فعل كالجنس، وقوله: لمن وقع عليه فصله، واسم المفعول يعمل عمل الفعل الذي لم يسمّ فاعله، إذ معنى زيد مضروب غلامه، زيد يضرب غلامه، وكذلك مستخرج ومكرم بمعنى يستخرج ويكرم، وتقول فيما يتعدّى بحرف الجر: زيد منطلق به، كما تقول ينطلق به. واسم المفعول لا يبنى إلّا من فعل متعدّ ثلاثي لكون اسم المفعول جاريا على فعل ما لم يسمّ فاعله فإن عدّي اللازم بحرف الجرّ جاز بناء اسم المفعول منه (¬3)، وفي التنزيل: غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ (¬4) فعدّاه بقوله: «عليهم»، وهو إن كان من الثلاثي فصيغته على مفعول كمضروب (¬5) وكان قياسه أن يأتي على مفعل كمضرب إذ قياسه أن يكون على زنة مضارعه المبني للمفعول، كما أنّ أصل اسم الفاعل أن يكون على زنة مضارعه المبني للفاعل. لكنه عدل لئلّا يلتبس باسم المفعول والفاعل من أفعل نحو: مكرم من أكرم، وأمّا مسعود فهو اسم مفعول من الفعل الثلاثي أي من سعده، ¬
لأنّه يجوز أن يقال: سعده الله بمعنى أسعده الله (¬1) وكذلك محبوب (¬2) ومحزون فإنه/ جاء أحبّه وحبّه، وأحزنه وحزنه بمعنى (¬3)، وأمّا اسم المفعول من الزائد على الثلاثي مطلقا فصيغته مثل صيغة اسم الفاعل، إلّا أنّ اسم المفعول يفتح ما قبل آخره فرقا بينه وبين اسم الفاعل نحو: مستخرج ومدحرج بفتح الرّاء فيهما، وشذّ في هذا الباب ما ورد بخلاف ذلك نحو: أزكمه البرد فهو مزكوم وأحمّه الله فهو محموم، وأجنّه فهو مجنون، فإنّ قياس هذه المفاعيل أن يقال: مزكم ومحمم ومجنّ على مفعل مثل مكرم، لا على مفعول، لأنها ليست من الثلاثي (¬4) وكما شذت هذه المفاعيل كذلك شذّ في أفعالها بناؤها لما لم يسم فاعله من هذه الأفعال كما شذّت أسماء المفاعيل منها، وأمّا اسم المفعول من الفعل الثلاثي المعتل نحو: قال وباع فسيأتي في المشترك في فصل الإعلال (¬5). واعلم أنه قد يجيء المفعول من الثلاثي على صيغة المصدر نحو: هذا الدرهم ضرب الأمير، وهذا الثوب نسج اليمن أي مضروب الأمير ومنسوج اليمن، وقد جاء للمبالغة قليلا على وزن فعلة بضم الفاء وسكون العين نحو: زيد ضحكة غلامه. واعلم أنّ نحو: محمرّ اسم مفعول، ومختار اسم مفعول، موافق في اللفظ لاسم الفاعل، وهما في التقدير مختلفان، فاسم الفاعل في التقدير: محمرر بكسر ما قبل آخره، واسم المفعول في التقدير: محمرر بفتح ما قبل الآخر، وكذلك تقدير مختار فيهما، أعني مختير ومختير، فلمّا جاء الإدغام في محمرّ والإعلال في مختار استوى لفظهما في البابين، وأمر اسم المفعول في عمله عمل فعله وفي اشتراط ¬
ذكر الصفة المشبهة
الزمانين، والاعتماد كأمر اسم الفاعل (¬1) ثم إن كان فعله يتعدّى إلى مفعول ارتفع وبطل نصبه نحو: زيد مضروب غلامه، وإن تعدّى إلى اثنين ارتفع الأول وبقي الثاني منصوبا نحو: زيد معلوم قائما، ومعطى درهما، وكذلك يرفع الأول فقط إذا تعدّى إلى ثلاثة نحو: زيد معلّم (¬2) عمرا منطلقا، ولا يثنّى ولا يجمع إذا رفع به الظاهر نحو: أمضروب الزيدان (¬3) وقد يستوي اسم المفعول من الزائد عن الثلاثي وظرف الزمان والمكان والمصدر في الصيغة، تقول: هذا مقامك أي موضع إقامتك أو زمن إقامتك، وهذا مقامك أي إقامتك، قال الشّاعر: (¬4) أظليم إنّ مصابكم رجلا … يهدي السّلام تحيّة ظلم يريد: إنّ إصابتكم رجلا، فرجل منصوب بالمصدر الذي هو مصاب وهو على زنة المفعول من الرباعي. ذكر الصّفة المشبّهة (¬5) وهي ما اشتقّ من فعل لازم لمن قام به على معنى الثبوت (¬6) قوله: الصفة المشبّهة أي المشبهة باسم الفاعل، وقوله: ما اشتقّ من فعل لازم، يخرج به اسم المفعول واسم الفاعل من الفعل المتعدي، وقوله: لمن قام به، يخرج نحو: المجلس والمقام من أسماء المكان، والمطلع والمغرب من أسماء الزمان، لأنّ هذه وإن كانت مشتقة من الأفعال اللازمة لكن ليست لمن قام/ به، أي ليست صفات لموصوفات، ¬
ذكر التشابه والاختلاف بين الصفة المشبهة وبين اسم الفاعل
وقوله: بمعنى الثبوت، أي بمعنى بقائها زمانا ثابتا، ليخرج به اسم الفاعل من الفعل اللّازم نحو: قائم وقاعد إن قصدت الحدوث بهذه الصفة جئت بها على لفظ اسم الفاعل كقوله تعالى: فَلَعَلَّكَ تارِكٌ بَعْضَ ما يُوحى إِلَيْكَ وَضائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ (¬1) ولم يقل ضيّق ليدل على أنّ الضيق عارض في بعض الأحوال غير ثابت (¬2) وإنّما عدلوا بهذه الصفات عن صيغة اسم الفاعل (¬3) لأنّهم أرادوا أن يصفوا موصوفاتها بالمعنى الثابت، الذي ليس هو لاسم الفاعل، فقالوا: حسن وشديد وصعب وظريف وضيّق وكريم، أي إنّ هذه المعاني ثابتة للموصوف ومستقرة له. زمانا ثابتا فإذا أرادوا الحدوث أتوا بالصفة على صيغة الفاعل (¬4) كما قلنا في ضيّق وضائق، ومثل ذلك غضبان وغاضب وطويل وطائل وما أشبه ذلك. ذكر التشابه والاختلاف بين الصّفة المشبّهة وبين اسم الفاعل وهي تشابهه في التذكير والتأنيث والتثنية والجمع، فحسن كضارب وحسنة كضاربة وحسنان (¬5) كضاربان، وحسنون كضاربون (¬6) وأمّا مخالفتها لاسم الفاعل فمن وجوه: منها: الصيغة وصيغها سماعيّة وتجيء على فيعل كسيّد، وعلى فعل كعم وعلى فعلان كعطشان، وتأتي صيغها في الألوان على أفعل قياسا، كأحمر وأبيض وأسود وأحور وحوراء وأهيف وأغيد. ومنها: أنّها لا يتقدّم معمولها عليها فلا يقال: زيد وجها حسن كما يقال: زيد عمرا ضارب. ومنها: أنها لا تكون إلّا ثابتة أي باقية زمانا ثابتا واسم الفاعل لا يكون ثابتا أي ليس باقيا زمانا ثابتا. ¬
ذكر مسائلها الثماني عشرة
ومنها: أنها لا تكون إلّا من فعل لازم. ومنها: أنها لا يجوز أن يعطف على المجرور بها بالنّصب كما في اسم الفاعل فلا يقال: زيد كثير المال والعبيد، بنصب العبيد وجرّ المال، كما يقال: زيد ضارب عمرو وبكرا، بجرّ عمرو بالإضافة ونصب بكر، لأنّ بكرا عطف على موضع عمرو وهو النصب، وليس معمول الصفة المشبّهة كذلك بل هو مرفوع في المعنى، لأنّ أصل كثير المال، كثير ماله، وتعمل عمل فعلها المشتقة هي منه مطلقا (¬1) من غير اشتراط الحال أو الاستقبال لكونها بمعنى الثبوت (¬2) فحسن مثل حسن، لكنّ عمل هذه الصفات أوسع من عمل أفعالها، فإنّها تنصب معمولها على التشبيه باسم الفاعل المتعدّي. واعلم أنّ هذه الصفة المشبّهة وإن لم يشترط فيها معنى الحال أو الاستقبال كما اشترط في اسم الفاعل، فلا بدّ من اعتمادها على صاحبها أو الهمزة أو النفي كما قيل في اسم الفاعل، لما تبيّن من أنّ مطلق الصفة محتاجة إلى الاعتماد، وهذه الصفة (¬3) إمّا أن تكون باللام نحو: الحسن وإمّا أن تكون مجردة عن اللام نحو: حسن ومعمولها إمّا مضاف، وإمّا بلام التعريف، وإمّا مجرّد عنهما، وإذا ضربنا اثنين في ثلاثة، كان الحاصل ستة، وهي: الصفة باللام ومعمولها مثلها، ومضاف ومجرّد، والصفة مجردة ومعمولها مثلها، وباللّام ومضاف، وإعراب معمولها المذكور، رفع ونصب وجرّ، وإذا ضربت الستة في أقسام الإعراب/ وهو ثلاثة كان الحاصل ثماني عشرة مسألة. ذكر مسائلها الثماني عشرة (¬4) وهي: الصفة مجرّدة ومعمولها مضاف، نحو: رجل حسن وجهه، برفع وجهه ونصبه وجرّه، والصفة مجردة ومعمولها معرّف باللام، نحو: رجل حسن الوجه برفع ¬
الوجه ونصبه وجره، والصفة مجردة ومعمولها مجرّد عنهما نحو: رجل حسن وجه برفع وجه ونصبه وجرّه، فالمجموع تسعة، وكذلك تجيء الصفة باللّام على تسعة أقسام: فمثالها باللام ومعمولها مضاف، الرجل الحسن وجهه بالرفع والنصب والجرّ، ومثالها باللّام ومعمولها مجرّد، الرجل الحسن وجه بالرفع والنصب والجرّ، ومثالها ومعمولها باللّام، الرجل الحسن الوجه، بالرفع والنّصب والجر (¬1) فذلك ستة، وهي مع التسعة الأولى ثماني عشرة، اثنتان من هذه الثماني عشرة ممتنعتان، إحداهما: الحسن وجهه، والثانية: الحسن وجه بخفضهما على الإضافة لعدم إفادة الإضافة فيهما خفة (¬2). واختلف في صحّة مسألة واحدة وهي: حسن وجهه بالإضافة، فقال قوم: إنّها لا تصحّ لاستلزامها إضافة الشيء إلى نفسه لأن الوجه هو الحسن، وقال قوم: إنها تصحّ، ومنعوا استلزامها إضافة الشيء إلى نفسه لكون الحسن أعمّ من الوجه (¬3) والبواقي من الثماني عشرة على ثلاثة أقسام (¬4) أحدها: أحسن، وهو ما كان فيه ضمير واحد لتحقّق ما يحتاج إليه من غير زيادة. والثاني: حسن، وليس بأحسن، وهو ما كان فيه ضميران، أما حسنه فلوجود المحتاج إليه، وأمّا عدم أحسنيته فلوجود الزائد على المحتاج، والثالث: قبيح وهو ما لا ضمير فيه وقد بيّنا في هذه الدائرة التي اقترحناها المسائل الثماني عشرة، وبيّنا الأحسن والحسن والقبيح والممتنع والمختلف فيه وهذه صورتها/: ¬
ذكر الرافع والناصب والجار لمعمول الصفة المشبهة
ذكر الرّافع والنّاصب والجارّ لمعمول الصّفة المشبّهة (¬1) إنّما يرفع معمولها على الفاعليّة وهو الأصل في عمل هذه الصفة، إذ لا تقتضي إلّا مرفوعا كفعلها اللازم، والمختار في النّصب التفصيل؛ وهو إن كان المعمول معرفة فنصبه على التشبيه بالمفعول، وهو الحسن الوجه، لئلا يقع التمييز معرفة، وإن كان نكرة فنصبه على التمييز نحو: الحسن وجها (¬2) ومنهم من يقول: إنّ نصب معمول الصفة سواء كان معرفة أو نكرة إنّما هو على التشبيه بالمفعول لا على التمييز (¬3) عكس مذهب الكوفيين، فإنّ نصب معمولها عندهم على التمييز، سواء كان معرفة أو نكرة لجواز أن يكون التمييز معرفة عندهم، وأما جرّ معمولها فبإضافتها هي إليه ليس إلّا (¬4). ذكر الصفة التي فيها ضمير أو ضميران، أو لا ضمير فيها أصلا (¬5) وهو أن الصفة إذا نصبت ما بعدها، أو جرّته كان فيها ضمير، لاحتياج الصفة إلى الفاعل فتونّث وتذكّر وتثنّى وتجمع بحسب الضمائر المستكنّة فيها/ وتطابق من هي له، فيقال: مررت بهند الحسنة الوجه، ومررت برجلين حسني الوجهين، وبرجال حسني الوجوه، وإذا رفعت ما بعدها لم يكن فيها ضمير، لأنّ الضمير إنّما يكون حيث لم يكن الظاهر فاعلا، فإذا لم يكن فيها ضمير، وجب أن تكون مفردة لأنّها كالفعل رافعا ما بعده فلا تثنّى ولا تجمع فيقال في التثنية: مررت برجلين حسن وجهاهما، ومررت برجلين حسنة جاريتهما، كما يقال: حسنت جاريتهما ومررت برجال حسن غلمانهم ولا يقال: حسنين غلمانهم إلّا على ضعف، لكن يقال: حسان غلمانهم، على أنه جمع تكسير ليطابق مرفوعه (¬6) وإذا عرفت أن الصفة ليس فيها ضمير إذا كان ¬
ذكر اسم التفضيل
ما بعدها مرفوعا، وأنّه يجب أن يكون فيها ضمير إذا كان ما بعدها منصوبا أو مجرورا، فاعلم أنّه إذا لم يكن في معمولها المرفوع ضمير نحو: الحسن الوجه برفع الوجه، فهو قبيح لعدم الضمير فيها، وإن كان فيه ضمير نحو: الحسن وجهه برفعه أيضا فهو الأحسن، لوجود ضمير واحد، وأمّا المنصوب أو المجرور، فإن كان فيه ضمير نحو: حسن وجهه أو وجهه فهو حسن، لوجود ضميرين، أحدهما: ضمير الفاعل المستكنّ في الصفة، والثاني: الضمير المضاف إليه الوجه، وإن لم يكن في المعمول المنصوب أو المجرور ضمير نحو: حسن وجها وحسن وجه فهو الأحسن لوجود ضمير واحد، أعني في الصفة فقط. واسم الفاعل اللّازم والمفعول غير المتعدي إلى مفعولين مثل الصفة المشبّهة (¬1) فيما ذكر من المسائل الست عشرة، لأنّ الصفة إذا شبّهت في ذلك باسم الفاعل، فاسم الفاعل والمفعول أولى بالشبه به فتقول: زيد قائم الأب ومضروب الأب برفع الأب ونصبه وجرّه، إذا نونت قائم ومضروب في الرفع والنصب، وأضفته في الجرّ، وكذلك ضامر البطن، وجائلة الوشاح، ومعمور الدار، ومؤدّب الخدّام، يعرب كلّ واحد من هذه/ الأمثلة بالحركات الثلاث على الوجه المذكور (¬2) (¬3). ذكر اسم التفضيل (¬4) وهو ما اشتقّ من فعل لموصوف بزيادة على غيره، وإنّما قال: اسم التفضيل ولم يقل (¬5) أفعل التفضيل ليتناول صيغ التفضيل مثل: خير وشرّ، وفضلى وفضليان ¬
ذكر بناء أفعل التفضيل
وغيرها من الصّيغ وقوله: ما اشتقّ من فعل، كالجنس يدخل فيه سائر المشتقّات قوله لموصوف، يخرج به أسماء الزمان والمكان فإنّها مشتقات ولكن ليست بصفات، فلم يكن لموصوف وقوله: بزيادة على غيره، يخرج اسم الفاعل والمفعول والصفة المشبّهة. والأصل في صيغته أن تكون (¬1) على أفعل، إلّا أن يكون قد حذف منه شيء نحو: خير وشرّ، فإنّ أصل خير أخير، وأصل شرّ أشرّ، على وزن أفعل فنقلت حركة العين إلى الفاء وحذفت الهمزة وأدغم في شرّ الراء الأولى في الثانية (¬2) ذكر بناء أفعل التفضيل (¬3) وهو لا يبنى إلّا من فعل ثلاثيّ مجرّد ليس بلون ولا عيب أمّا امتناع بنائه من الثلاثي المزيد فيه أو الرباعي، فلما فيه من الحذف المخلّ، ألا ترى أنك لو أردت بناءه من استخرج لم يكن إلّا بحذف يخرجه عن معناه (¬4) وأمّا امتناعه من اللون والعيب فلأنّ منهما أفعل لا للتفضيل، فلو بني منهما أفعل التفضيل حصل اللّبس (¬5) فإنّك لو قلت: زيد الأسود وأنت تريد به التفضيل كما تقول: زيد الأكرم لم يعلم أنك أردت بذلك أنه ذو سواد، أو أنك فضّلته في السّواد على غيره (¬6) وأجاز الكوفيون بناء أفعل من السّواد والبياض خاصّة (¬7) وأنشدوا على ذلك (¬8). جارية في درعها الفضفاض … أبيض من أخت بني إباض وردّ بأنّه شاذ، وأمّا قوله تعالى: مَنْ كانَ فِي هذِهِ أَعْمى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمى ¬
ذكر كيفية استعماله من الزائد على الثلاثي ومن الألوان والعيوب
وَأَضَلُّ سَبِيلًا (¬1) فاعلم أنّ العيوب التي يمتنع أن يبنى منها أفعل التفضيل إنّما هي العيوب الظاهرة خاصّة، لا الباطنة، فقوله: أعمى، هو من عمى القلب والبصيرة لا البصر، ألا ترى أنّهم يقولون: زيد أجهل من عمرو، لكونه من العيوب الباطنة، وإنّما جاز بناؤه من العيوب الباطنة لكونها تقبل الزيادة والنّقص (¬2) فأمكن بناؤه منها بخلاف العيوب الظّاهرة، فإنّها لا تقبل ذلك، قال الخليل (¬3) الألوان والعيوب الظاهرة تجري مجرى الخلق الثابتة كاليد والرجل، وكذلك الحلي نحو: أقنى الأنف (¬4) وأبلج (¬5) فلم تقبل الزيادة والنقصان، وأفعل التفضيل لا يبنى إلّا ممّا يقبلهما، قال ابن الحاجب: (¬6) إنّ اللون والعيب إن لم يكن لهما أفعل لغير التفضيل، جاز أن يبنى منهما أفعل التفضيل، وأمّا استعمال أحمق للتفضيل في قولهم: أحمق من رجلة (¬7) مع وجود أحمق لغيره في قولهم: رجل أحمق، فإنّه ليس من العيوب الظاهرة، قال سيبويه: (¬8) ما أحمقه بمعنى ما أجهله/. ذكر كيفية استعماله من الزائد على الثلاثيّ ومن الألوان والعيوب (¬9) إذا قصد بناء أفعل التفضيل من الزائد على الثلاثي أو من الألوان والعيوب الظاهرة، توصّل إلى بنائه من فعل ثلاثيّ يصحّ بناؤه منه كأشدّ وأسرع ونحوهما، ثم يؤتى بمصادر تلك الأفعال فتنصب على التمييز، فيقال: زيد أشدّ من عمرو استخراجا ¬
ذكر استعماله للفاعل والمفعول
وبياضا وعمى وانطلاقا، وأجود منه إدراكا (¬1)، وقد شذّ أفعل من الرباعي (¬2) في نحو قولهم: هو أعطاهم للدرهم وأولاهم للمعروف، وأنت أكرم لي من زيد، وهذا المكان أقفر من غيره، وفي الحديث «جوف اللّيل أجوب دعوة» أي أشدّ إجابة (¬3). ذكر استعماله للفاعل والمفعول (¬4) قياس أفعل التفضيل أن يبنى للفاعل، كما أنّ فعل التعجّب لا يكون إلّا للفاعل، لأنّ الفاعل هو المقصود بالنسبة إليه في المعنى، والمفعول فضلة، فوجب أن يبنى لما هو المقصود، وقد يجيء أفعل التفضيل للمفعول كقولهم: هو أعذر وأشغل وأشهر، أي يعذر كثيرا أو معذور كثيرا وكذلك مشغول ومشهور (¬5). ذكر الأمور الثلاثة التي لا يستعمل أفعل إلّا بأحدها (¬6) لا يستعمل أفعل التفضيل إلّا مضافا، أو بمن، أو باللّام كقولك: زيد أفضل القوم، وزيد أفضل من عمرو، وقد يحذف من (¬7) إذا كان معلوما كقولهم: الله أكبر، أي من كلّ كبير (¬8) وأمّا استعماله باللام فنحو: زيد الأفضل (¬9) وإنّما وجب ذلك لأنّ الغرض بوضعه الزيادة على المفضّل عليه وذلك، لا يتأتّى إلّا بأحد هذه الثلاثة، أمّا ¬
من والإضافة، فظاهر، لأنّ المفضّل عليه مذكور معهما، وأمّا اللام فلأنّها تفيد تعريف المعهود على الصّفة التي هو عليها، وهي تلك الزيادة، فتدخل الزيادة في المعهود (¬1) واعلم أنّه لا يجوز اجتماع اثنين من هذه الثلاثة فلا يقال: زيد الأفضل من عمرو وأمّا قول الأعشى: (¬2) ولست بالأكثر منهم حصى … وإنّما العزّة للكاثر فمؤول بأنّ المراد بقوله: منهم؛ من بينهم، وإذا أضيف أفعل التفضيل فله معنيان: (¬3) الأول: وهو ما حدّ باعتباره أن يقصد به الزيادة على من أضيف إليه (¬4)، فيشترط أن يكون المفضّل داخلا في جملة من أضيف إليه، أعني أن يشترك المفضّل والمفضّل عليه فيما اشتقّ منه أفعل ليتميز بالتفضيل نحو: زيد أفضل الناس، وقد توهّم بعضهم (¬5) امتناع ذلك، لأنّ زيدا مفضّل على من أضيف إليه أفضل، ومن جملة الناس زيد، فيلزم تفضيل زيد على نفسه، وليس بجيّد، لأنّ لأفعل جهتين، الأولى: ثبوت أصل المعنى للمفضّل والمفضّل عليه، والجهة الثانية: ثبوت الزيادة في ذلك المعنى للمفضّل، فزيد إنّما ذكر في الناس للتشريك معهم في أصل الفضل المشترك فيه، لأنّه مشارك للمفضّل عليه في أصل الصفة، ولم يشاركه المفضّل عليه في أصل ¬
الزيادة، فهو مفضّل عليهم باعتبار الزيادة على أصل الفضل (¬1). والمعنى الثاني: (¬2) أن يقصد به زيادة مطلقة أي غير مقيّدة (¬3) بأصل مشترك فيه، بل هو زائد على من أضيف إليه/ مجموع تلك الصّفة، أي هو منفرد بها، ويضاف للتوضيح لا للتفضيل، أي ليتضح أنّ الصفة مخصوصة به دون المضاف إليهم، كما يضاف ما لا تفضيل فيه نحو حسن قريش (¬4) وإذا أضيف أفعل التفضيل بالمعنى الأوّل وهو أن يقصد به الزيادة على من أضيف إليه، يمتنع: يوسف أحسن إخوته، لأنّ شرط هذه الإضافة أن يكون المفضّل بعضا من المفضّل عليه ويوسف ليس هو بعض إخوته، فيمتنع كما امتنع: زيد أفضل الحجارة، لأنّه ليس منها بخلاف الياقوت أفضل الحجارة، والتحقيق أن يقال: إنّ يوسف خرج حينئذ عن الحسن بإضافة إخوته إلى ضميره، إذ القاعدة أنّ المعنى إذا قصد ثبوته للمضاف عند الإضافة خرج المضاف إليه عن ذلك المعنى، بدليل قولهم: جاءني إخوة يوسف، فإنّ يوسف خرج عن المجيء الذي قصد ثبوته للإخوة، لكن يجوز يوسف أحسن إخوته إذا أضيف أفعل التفضيل بالمعنى الثاني وهو أن يقصد بإضافته الزيادة من غير نظر إلى أصل مشترك كما ذكرنا (¬5). أعني أن يضاف للتوضيح لا للتفضيل فقولك: يوسف أحسن إخوته، معناه حسن إخوته مثل: حسن قريش، ومنه قولهم لنصيب (¬6) «أنت أشعر أهل بلدتك» أي شاعرهم، لأنّ نصيبا كان حبشيّا ولم يعلم في الحبش شاعر سواه، ومنه قولهم: النّاقص والأشجّ أعدلا بني مروان» أي عادلا بني مروان (¬7) واعلم ¬
أنه يجوز في أفعل إذا أضيف بالمعنى الأول الإفراد والمطابقة (¬1) مثال الإفراد قولك: الزيدان والزيدون أفضل القوم بإفراد أفضل (¬2) ومنه قوله تعالى: وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلى حَياةٍ (¬3) فأفرد أحرص مع أنّ المفعول الأول لتجدنّهم جمع، ووجهه؛ أنّ أفعل هنا لمّا كان بعضا من المضاف إليه أشبه لفظة بعض، وبعض لا يثنّى ولا يجمع نحو قولك: الزيدون بعض القوم (¬4) وأمّا المطابقة فنحو: زيد أفضل القوم، والزيدان أفضلا القوم، والزيدون أفاضل القوم، ومنه قوله تعالى: أَكابِرَ مُجْرِمِيها (¬5) وكذلك هند، وإنّما جازت المطابقة فيه لأنّ الإضافة تشبه (¬6) المعرّف باللام من جهة اختصاص كلّ منهما (¬7) بالأسماء، فحمل المضاف في المطابقة على المعرّف بالّلام، والمعرّف بالّلام يلزم فيه المطابقة، فجازت المطابقة والإفراد في المضاف لما ذكرنا. وأما المضاف بالمعنى الثاني والمعرّف باللام فلا بدّ فيهما من المطابقة (¬8) وإنّما وجبت المطابقة فيهما لتجرّد أفعل عن شبه الفعل بتجرّده عن من المعديّة له إلى المذكور بعده فلمّا خرج أفعل عن شبه الفعل باستغنائه عن تعدية من، وجب فيه ما يجب في سائر الصفات من المطابقة لموصوفه (¬9) ومثال المطابقة في المعرّف باللام: زيد الأفضل والزيدان الأفضلان، والزيدون الأفضلون، وهند الفضلى، والهندان الفضليان والهندات الفضل. وأمّا إن أتى ما يضاف إليه أفعل التفضيل نكرة نحو: زيد أفضل رجل، فيطابق ¬
بين النكرة والمفضّل نحو قولك: زيد أفضل رجل، والزيدان أفضل رجلين، والزيدون/ أفضل رجال وهند كزيد، كأنّ جنس العدد المفضّل عليه وهو الرجل في مثالنا هذا، قد قسّم رجلا رجلا ورجلين رجلين ورجالا رجالا، ثم فضّل ذلك على مطابقه (¬1). واختيار ابن الحاجب أن المفضّل عليه في هذه الصور محذوف وهو الجنس العامّ (¬2) ويكون التقدير في زيد أفضل رجل: زيد أفضل رجل من جميع الرّجال، وفي الزيدون أفضل رجال، الزيدون أفضل رجال من جميع الرجال. واختيار ابن مالك (¬3) أنّ المفضّل عليه مذكور، وهو النكرة المضاف أفعل إليها والتقدير: زيد أفضل من كلّ رجل قيس فضله بفضله، فحذفت من وكلّ وأضيف أفعل إلى ما كان مضافا إليه كل (¬4). واعلم أنّ إضافة أفعل التفضيل عند الأكثرين لا تفيد تعريفا في نحو قولك: أفضل القوم، وهو اختيار أبي على الفارسي بل هي إضافة لفظيّة في تقدير الانفصال، وقال بعضهم: إنّها تفيد التعريف كسائر المضافات إلى المعارف، وهو اختيار البصريين فتكون إضافة معنويّة وقال بعضهم: ما أضيف والتقدير فيه معنى اللّام فهو معرفة، وما أضيف والتقدير فيه معنى من فهو نكرة وهو مذهب الكوفيين (¬5) والحقّ أنه إن أضيف إلى معموله نحو: ما رأيت رجلا أحسن الكحل في عينه من عين زيد، فهي إضافة لفظيّة لا تفيد التعريف، وإن لم يضف إلى معموله نحو: زيد أفضل القوم، فهي إضافة معنويّة تفيد التعريف لأنّه من باب إضافة الصفة إلى غير معمولها نحو: مصارع مصر. ¬
ذكر أفعل المستعمل بمن
ذكر أفعل المستعمل بمن (¬1) المستعمل بمن مفرد مذكّر لا غير، نحو: الزيدان والزيدون والهندات أفضل من عمرو، لأنه أشبه فعل التعجب لفظا ومعنى، ولذلك لا يصاغ إلّا مما يصاغ منه فعل التعجب، والفعل لا يثنّى ولا يجمع فكذلك ما أشبهه، ويلزمه التنكير أيضا، فلا يقبل التعريف كما لا يقبله الفعل، وأمّا كونه مذكّرا فلشبه الفعل أيضا (¬2). ذكر عمل أفعل التفضيل (¬3) اعلم أنّ اسم التفضيل لمّا كان أضعف شبها باسم الفاعل من الصفة المشبّهة من قبيل أنّ الصفة المشبّهة جرت مجراه في التذكير والتأنيث والتثنية والجمع، ولم يجر اسم التفضيل إذا صحبته من وهو أقوى أحواله هذا المجرى، انحطّت رتبة اسم التفضيل عن رتبة الصفة المشبّهة كانحطاطها عن رتبة اسم الفاعل، لأنّه يجوز في اسم الفاعل أن يتقدّم معموله عليه كقولك: زيد عمرا ضارب بنصب عمرو، ولم يجز في الصفة المشبّهة أن يتقدّم معمولها عليها، فلو قلت: زيد الوجه حسن، لم يجز، فلما انحطت رتبة اسم التفضيل عن الصفة المشبّهة لم يستوف عملها فلم يرفع الظاهر إلّا بشروط (¬4) ستذكر، ولكن نصب النكرة على التمييز وارتفع به المضمر، فمثال انتصاب النكرة عنه: زيد أفضل منك أبا (¬5) ومثال ارتفاع المضمر به/: زيد أفضل منك، فزيد مبتدأ، وأفضل منك خبره، وفي أفضل ضمير فاعل عائد على زيد، وأمّا الظاهر بغير الشروط التي ستذكر فلا يرتفع به، فلا يجوز: زيد أفضل منك أبوه، كما جاز في الصفة المشبّهة: زيد حسن وجهه، لأنّ أفضل منك أبوه ليس بمعنى الفعل، كالصفة المشبّهة، والقاعدة في عمل (¬6) الصفات، أنّها لا تعمل إلّا إذا (¬7) كانت ¬
بمعنى الفعل، فأبوه حينئذ في المثال المذكور لا يجوز رفعه على الفاعليّة بدون الشروط التي ستذكر، فقد ظهر أنّ اسم التفضيل إنّما يرفع المضمر وينصب النكرة من غير شرط ولكن يرفع الظاهر بشروط: وهو أن يكون أفعل التفضيل صفة لشيء لفظا وهو في المعنى لمتعلّق ذلك الشيء، بشرط أن يكون ذلك المتعلّق مفضّلا على نفسه باعتبار ذلك الشيء، الذي هو الموصوف مفضّلا باعتبار غيره في حال يكون الأفعل منفيّا (¬1). نحو: ما رأيت رجلا أحسن في عينه الكحل منه في عين زيد، فإنّ أفعل التفضيل في المثال المذكور «أحسن»، وقد وقع منفيّا وهو صفة لشيء لفظا الذي هو «الرجل» وهو في المعنى لمتعلّق الرجل الذي هو «الكحل» والمتعلّق المذكور مفضّل على نفسه باعتبار الأول الذي هو الموصوف؛ أعني الرجل، ومفضّل أيضا باعتبار غيره الذي هو «عين زيد»، وإنّما رفع الظاهر بالشروط المذكورة لإمكان تقدير أفعل بمعنى الفعل الذي هو حسن، فيصير التقدير: ما رأيت رجلا حسن في عينه الكحل حسنه في عين زيد، بخلاف ما إذا فقد أحد الشروط المذكورة، فإنّ تقدير فعل بمعناه حينئذ يمتنع، وإنّما تعيّن رفع الكحل بأفعل لا بالابتداء، لأنّه لو رفع الكحل على الابتداء، لوجب أن يكون أحسن خبرا مقدّما عليه وهو غير جائز للفصل بين أحسن وبين معموله الذي هو «منه» بأجنبي وهو الكحل الذي هو المبتدأ، وإذا تعذّر رفع الكحل على الابتداء، تعيّن رفعه على أنه فاعل أحسن، ولك في هذه المسألة أن تنكّر فاعل أفعل، فتنكر الكحل، ولك فيها عبارة أخرى أخصر من الأولى فتحذف الضمير من «منه» مع حذف «في»، فيبقى: ما رأيت رجلا أحسن في عينه الكحل من عين زيد. ولك فيها عبارة أخرى؛ وهي أن تقدّم ذكر العين على اسم التفضيل من غير ذكر «من» معها كقولك: ما رأيت كعين زيد أحسن فيها الكحل (¬2). واعلم أنّه لا تستعمل فعلى تأنيث أفعل التفضيل إلّا مضافة أو معرّفة باللّام، ¬
ذكر اسم الزمان والمكان
ومن ثمّ خظّئ أبو نواس في قوله: (¬1) كأنّ صغرى وكبرى من فواقعها … حصباء درّ على أرض من الذّهب وأما استعمالهم دنيا وجلّى ونحوهما بدون ذلك فمؤوّل. أمّا دنيا وهي تأنيث الأدنى، فإنّها غلبت عليها الاسميّة بعد أن كانت صفة وصارت اسما لهذه الحياة الأولى، وأمّا جلّى فكانت صفة تأنيث الأجل، ثم غلبت عليها الإسميّة فجرّدت عن الألف واللام وصارت اسما للحرب (¬2) / قال الشاعر: (¬3) وإن دعوت إلى جلّى ومكرمة … يوما سراة كرام النّاس فاد عينا ذكر اسم الزمان والمكان (¬4) والمراد باسم الزمان والمكان الاسم المشتقّ لزمان الفعل أو مكانه والغرض من الإتيان بذلك ضرب من الإيجاز والاختصار، فإنه لولاهما للزم الإتيان بلفظ الفعل ولفظ الزمان والمكان نحو: هذا الزمان أو هذا المكان الذي قتل فيه زيد (¬5) فاشتقّ اسم الزمان أو المكان على مثال الفعل المضارع، وأوقعوا ميما موقع حرف المضارعة فقالوا: هذا مقتل زيد. وكيفية بنائه على مثال المضارع أن ينظر إلى حركة عين الفعل المضارع فإن ¬
كانت مضمومة أو مفتوحة، فتحت عين مفعل، وإن كانت مكسورة كسرت (¬1) مثاله مما عين مضارعه مضمومة، مصدر ومقتل ومدخل ومقعد ومقام ونحو ذلك، ومقام أصله مقوم على وزن مفعل، فقلبت واوه ألفا، لأنه لمّا وقع حرف العلّة منه في الموضع الذي أعلّ من الفعل، أعلّ كما أعلّ في فعله، ومثاله مما عين مضارعه مفتوحة، مشرب وملبس ومذهب، واستثني أحد عشر اسما مما عين فعله المضارع مضمومة، جاء مفعل منها مكسور العين وكان قياسه الفتح وهي: المنسك (¬2)، والمجزر وهو الموضع الذي ينحر فيه الجزور، يقال: جزر الجزور يجزرها بالضم (¬3) والمنبت وهو موضع النّبات وهو من ينبت بالضم (¬4)، والمطلع موضع الطلوع (¬5)، والمشرق والمغرب لموضع الشروق والغروب، وهما من فعل يفعل بالضم (¬6)، والمفرق اسم للموضع الذي يفرق فيه الشعر من وسط الرأس، وهو من يفرق بالضم (¬7)، والمسقط، موضع السقوط (¬8)، ومنه مسقط الرأس، موضع الولادة، والمسكن (¬9)، موضع السكنى، والمرفق موضع الرفق، ومنه مرفق اليد وهو موضع الاتصال بالعضد (¬10) والمسجد وهو البيت، فأمّا المصدر ومكان السجود فهو مسجد ¬
ذكر مفعل من معتل الفاء
بالفتح، وروي عن بعض العرب مسكن ومطلع بالفتح، وينبغي أن يزاد المنخر: وهو موضع النخير من نخر ينخر (¬1)، فتكون الأسماء الشاذة اثني عشر (¬2)، قال في الصحاح: (¬3) والفتح في كله جائز وإن لم يسمع به (¬4) وكان القياس يقتضي أن يجئ المفعل من مضموم العين بضمّ العين ليكون على مثال مضارعه، ولكن عدلوا عنه إلى مفتوح العين لأنّه ليس في كلامهم مفعل بالضم إلّا أن تلحقه هاء التأنيث كالمقبرة كما سيأتي، وأمّا مفعل بكسر العين (¬5) من الذي عين مضارعه مكسورة فنحو: المجلس لأنّ مضارعه يجلس، وكذلك المحبس والمصيف ومضرب الناقة ومنتجها، فالفعل منه مكسور العين، إن كان للموضع أو للزمان، وأمّا إن كان مصدرا فمفتوح العين للفرق بين المصدر والاسم تقول: نزل منزلا بفتح الزاي أي نزل نزولا، وهذا منزله بكسر الزاي إذا أردت الدار، ولم يفرّق بينهما في غير المكسور العين، لأنّ المفتوح العين ومضمومها يأتي المفعل منهما بفتح العين سواء كان اسما أو مصدرا. ذكر مفعل من معتلّ الفاء (¬6) وهو يأتي/ مكسور العين أبدا سواء كان عين فعله المضارع مكسورة أو مفتوحة، أما الذي عين مضارعه مكسورة نحو: موعد من يعد، ومورد من يرد، وكان الأصل يوعد ويورد، فسقطت الواو لوقوعها بين ياء وكسرة، وقد جرى اسم الزمان والمكان أعني المفعل في ذلك على القياس (¬7) وأمّا الذي عين مضارعه مفتوحة ¬
ذكر مفعل من معتل اللام
فنحو: الموحل والموجل والموضع (¬1) فتقول من وحل يوحل بالفتح هذا موحله بالكسر (¬2) وكذلك وجل يوجل هذا موجله، أمّا وضع يضع فكان أصله يوضع بالكسر فحذفت الواو لوقوعها بين ياء وكسرة، ثم فتح يضع بعد حذف الواو، فقيل هذا موضعه بالكسر، ومن العرب من يقول: موحل وموجل بالفتح (¬3) فيجيء به على القياس، وسمع الفرّاء موضع بالفتح (¬4). ذكر مفعل من معتلّ اللّام (¬5) وهو يأتي مفتوح العين أبدا، وتقلب الواو والياء فيه ألفا سواء انكسرت عين فعله المضارع أو انضمّت نحو: المرمى والمأتى والمثوى والمأوى (¬6) والمدعى والمغزى (¬7)، من يرمي ويأتي ويثوي ويأوي ويدعو ويغزو (¬8). فصل (¬9) وقد تدخل على بعض أسماء المكان تاء التأنيث نحو: المزلّة وهو موضع الزّلل، والمظنّة وهو الموضع الذي يظنّ كون الشيء فيه، والمقبرة والمشرقة بفتح عين مفعلة في ذلك كله (¬10)، ودخول الهاء في ذلك للمبالغة، وأمّا ما جاء على مفعلة بضمّ العين كالمقبرة والمشرقة، فليست أسماء لمكان الفعل، وإنّما هي أسماء ¬
ذكر اسم الزمان والمكان من الزائد على الثلاثي
للمواضع، فإنّ مقبرة بالفتح اسم مكان الفعل، ومقبرة بالضم اسم للبقعة التي من شأنها أن يقبر فيها، وكذلك القول في جميع ما يأتي مضموما من هذا الباب، وإنّما جاء مضموما ليعلم أنه لم يذهب به مذهب الفعل فجاءت صيغه مضمومة على خلاف هذا الباب ليدلّ خروج الصيغة على خروجها عنه (¬1). ذكر اسم الزمان والمكان من الزائد على الثلاثي (¬2) أما مفعل، إذا بني من الثلاثي المزيد فيه والرباعي، فعلى صيغة اسم المفعول لا يختلف كالمدخل والمخرج بضم الميم، من أدخل يدخل، وأخرج يخرج؛ ويأتي منه المفعول والمصدر واسم الزمان والمكان بلفظ واحد لا يختلف (¬3)، لأنّ مضارع ما جاوز الثلاثة لا يختلف بخلاف مضارع الثلاثي فإنّه مختلف، ولذلك اختلف فيه المفعل فمدخل بالضم اسم مفعول أدخل واسم مصدره إذا كان بمعنى الإدخال، واسم مكان الفعل أو زمانه ومنه قوله تعالى: وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ (¬4) وجاء ذلك كله على زنة يخرج مضارع ما لم يسمّ فاعله، ليكون على لفظ المفعول، لأنّه مفعول فيه كما أنّ مفعول ما لم يسمّ فاعله مفعول به، ومنه المضطرب موضع الاضطراب وهو الحركة، ويجوز أن يكون مصدرا، وكذلك المنقلب/ (¬5). ذكر ما جاء فيه مفعلة (¬6) إذا كثر الشيء في المكان قيل فيه مفعلة بفتح ميم مفعلة وعينها، فيقال: أرض ¬
ذكر اسم الآلة
مسبعة، ومأسدة، ومذأبة (¬1) ومحياة، للكثيرة السباع والذئاب والحيّات، ومفعأة لكثيرة الأفاعي، ومقثأة لكثيرة القثّاء، ومبطخة لكثيرة البطّيخ، وجاء مبطخة بضمّ الطاء (¬2) واعلم أنّ هذا الضرب من الأسماء الذي لزمته التاء ليس اسما لمكان الفعل (¬3) بل هو صفة للأرض التي يكثر فيها ذلك، والأرض مؤنّثة فكانت صفتها كذلك، ولم يأتوا بمثل ذلك فيما جاوز الثلاثة نحو: الثعلب والضفدع استثقالا له، لأنّهم يستغنون عن قولهم: مثعلبة مثلا بأن يقولوا: كثيرة الثّعالب (¬4)، ذكر اسم الآلة (¬5) والمراد بها ما يعالج به وينقل، والأولى أن يقال: هي اسم مشتقّ من فعل لما يستعان به في ذلك الفعل (¬6) ويجيء على مفعل ومفعلة ومفعال بكسر الميم كالمقصّ والمحلب والمكسحة، والمصفاة والمقراض والمفتاح (¬7) كأنهم أرادوا الفرق بين اسم الآلة وبين ما يكون مصدرا ومكانا، فالمقصّ بكسر الميم ما يقصّ به، والمقصّ بالفتح المصدر والمكان (¬8)، ومن ذلك منجل الحصاد، ومسلّة للإبرة العظيمة، ومطرقة ومخدّة ومصباح، وقيل (¬9). إن مفعل مقصور عن مفعال، والمراد بذلك أنّ كلّ ما جاز فيه مفعل جاز فيه مفعال أيضا نحو: مقرض ومقراض ومضرب ومضراب ومفتح ومفتاح، وزيدت الألف للمبالغة قال الشاعر: (¬10) ¬
إذا الفتى لم يركب الأهوالا … فابغ له المرآة والمكحالا واسع له وعدّه عيالا وليس كلّ ما جاز فيه مفعال جاز فيه مفعل (¬1) وقد جاء بعض أسماء الآلة مضموم الميم والعين (¬2) نحو: المسعط والمنخل والمدقّ والمدهن والمكحلة، ومن ذلك أيضا محرضة (¬3) ومما جاء بالضم أيضا الملاءة (¬4) وجاء بالفتح المنارة والمنقل وهو الخفّ (¬5)، وفي الحديث: نهى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم النساء عن الخروج إلّا عجوزا في منقليها» (¬6) أي (¬7) في خفّيها، وجميع ما جاء من ذلك مضموما لم يذهب به مذهب الفعل، ولكنّها جعلت أسماء لهذه الأوعية (¬8) فإنّها شذّت عن مقتضى القياس، لكونهم لم يراعوا فيها معنى الفعل والاشتقاق، ومما لم يذهب به مذهب الفعل اسم الآلة الذي ليس في أوله ميم، وهو زائد على ثلاثة أحرف وثالثه ألف، فإنّه جاء بكسر أوله نحو: العلاقة (¬9) والجراب والوسادة والعمامة ونحو ذلك، وشذّ من ذلك بالفتح القباء (¬10) ولا يعمل شيء من هذه الأسماء، لأنّه موضوع لآلة مشتقّة من الفعل المشتقّ منه من غير قيد، فلو عمل تقيّد وخرج عن موضوعه، ومما ألحقناه بقسم الاسم المصغّر والمنسوب. ¬
ذكر المصغر
ذكر المصغّر (¬1) / ويسميّه البصريون المحقّر (¬2)، والتصغير من خواصّ الأسماء، وهو اسم مزيد فيه ياء ليدلّ على تقليل مسمّاه، فالاسم المتمكّن إذا صغّر ضمّ صدره (¬3) وفتح ثانيه، وألحق ياء ساكنة ثالثة، وله أمثلة ثلاثة، فعيل كفليس، وفعيعل كدريهم وفعيعيل كدنينير (¬4) وأما ما خالف ذلك فثلاثة (¬5) أشياء، تصغير أفعال كأجيمال (¬6) وتصغير ما في آخره ألف التأنيث كحبيلى (¬7) وتصغير ما فيه ألف ونون مضارعتان لألفي التأنيث كسكيران (¬8) ولا يصغّر إلّا الثلاثي والرباعي، وأمّا الخماسي فتصغيره مستكره كتكسيره، لسقوط خامسه، فإن صغّر قيل في فرزدق: فريزد، وفي سفرجل: سفيرج، بحذف الخامس لكونه نشأ منه الثقل، ومنهم من يقول: فريزق (¬9). فصل (¬10) [وكل اسم على حرفين فإن التصغير يرده إلى أصله] وكلّ اسم على حرفين فإنّ التصغير يردّه إلى أصله حتى يصير إلى أمثال فعيل والذي هو كذلك على ثلاثة أضرب، ما حذف فاؤه أو عينه أو لامه، فالذي حذفت فاؤه نحو: عدة فتقول في تصغيرها: وعيدة، فتردّ الواو المحذوفة التي هي فاء الكلمة (¬11) وأمّا ما حذفت عينه فمثل: مذ، فإذا سمّيت به وصغّرته قلت: منيذ، فتردّ النون المحذوفة لأنّ الأصل منذ (¬12)، وأمّا ما حذفت لامه فنحو: دم وفم فتقول: ¬
فصل وإذا صغرت نحو ابن واسم، رددته إلى أصله وصغرته
دميّ بردّ الذاهب منه وهو الياء وتقول في فم: فويه بردّ لامه المحذوفة التي هي الهاء، لأنّ أصله فوه وتقول في حر: حريح، لأنّ أصله حرح فتردّ لامه المحذوفة (¬1) وأمّا الاسم الذي حذف منه، وبقى بعد الحذف على أكثر من حرفين (¬2) فإنّ التصغير لا يردّه إلى أصله، لأنّ الردّ ثمّ إنّما وجب ليحصل مثال التصغير، فإذا حصل من غير ردّ فلا حاجة إلى الردّ، فعلى هذا تقول في تصغير ميّت وهيّن: مييت وهيين بالتخفيف (¬3). فصل (¬4) وإذا صغّرت نحو ابن واسم، رددته إلى أصله وصغّرته فقلت: بنيّ وسميّ بردّ اللام الذاهبة (¬5) لأنّ أصل ابن بنو كجمل ثم قلبت الواو ياء، وأدغمت فيها ياء التصغير لأنّ الواو والياء إذا اجتمعتا وسبقت إحداهما بالسكون قلبت الواو ياء وأدغمت الياء في الياء فبقي، بنيّ، وأمّا اسم فأصله سمو مثل جذع (¬6) فإذا صغّر عادت الواو وقلبت ياء وأدغمت كما قيل في ابن، وإذا صغّر أخت وبنت وهنت قيل: أخيّة وبنيّة وهنيّة، بردّ الّلامات المحذوفة، لأنّ أصلهنّ أخوة وبنوة وهنوة على وزن صدقة، ثم حذفوا هاءات التأنيث من أخوة وبنوة وهنوة، وأبدلوا من الواوات تاءات لغير التأنيث، فإنّ التاء في أخت وبنت وهنت بدل من الواو وليست للتأنيث (¬7) لأنّ تاء التأنيث لا يكون ما قبلها ساكنا بل مفتوحا، إلّا أن يكون ما قبلها ألفا نحو: قطاة، فلما ردّ إلى أخت وبنت وهنت الواو الأصليّة صار أخيوة فاجتمعت الياء والواو وسبقت إحداهما بالسكون فقلبت الواو ياء وأدغمت فيها ياء التصغير ثم ردت هاء (¬8) ¬
فصل وكل اسم فيه حرف بدل من حرف آخر،
التأنيث/ الأصليّة التي كانت في أخوة وبنوة وهنوة لذهاب التاء التي كانت في أخت وبنت وهنت، لأنّها كانت تدلّ على التأنيث بحسب الصيغة وإن لم تكن تاء تأنيث، فصار تصغير ذلك أخيّة وبنيّة وهنيّة (¬1). فصل (¬2) وكلّ اسم فيه حرف بدل من حرف آخر، فتصغيره ينقسم إلى تصغير يردّ الاسم إلى أصله، وإلى تصغير لا يردّ الاسم إلى أصله: أما التصغير الذي يردّ الاسم إلى أصله فهو تصغير كلّ اسم فيه البدل غير لازم. والمراد بالبدل الغير اللازم بدل حرف بحرف، أوجب قلبه علّة تزول في التصغير أو الجمع وذلك نحو: ميزان وباب وناب، فتقول في تصغيرها: مويزين (¬3) وبييب ونييب (¬4) بردّها إلى أصلها، لأنّ الميزان من الوزن وأصله موزان بكسر الميم وسكون الواو، فاستثقل ذلك فقلبت الواو ياء لانكسار ما قبلها فصار ميزان، فلمّا صغّر ضمّت الميم فعادت الواو فصار تصغيره مويزين. وذلك القول في ميقات وميعاد. وأصل باب بوب لأنّ جمعه أبواب فلما تحركت الواو وانفتح ما قبلها قلبت ألفا، ولم يجز بقاء الألف في التصغير لزوال الفتح وانضمام ما قبلها فوجب ردّ الواو. وأصل ناب نيب لجمعه على أنياب، ويجمع النّاب من الإبل على نيب (¬5) فلما تحركت الياء وانفتح ما قبلها قلبت ألفا، ولم يمكن بقاء الألف في التصغير فردّت إلى أصلها وقيل: نييب (¬6). وأمّا التصغير الذي لا يردّ الاسم إلى أصله فهو تصغير كلّ اسم فيه البدل لازم والبدل اللازم؛ هو البدل الذي علّته تلزم في المصغّر كما تلزم في المكبّر، وذلك نحو: تخمة وتراث، فإنّ أصل تخمة وخمة لأنّه من وخم وأصل تراث من ورث ¬
فصل وإذا صغر ما ثالثه واو
فأصله وراث، ولكنّهم استثقلوا الضمّة على الواو فقلبوها تاء لأنّ التاء أجلد على الضمّة من الواو، وهذه العلّة لازمة في التصغير فلذلك قيل: تخيمة وتريث، وتقول في تصغير عيد: عييد، وكان حقّه أن يردّ إلى أصله لأنّه من عاد يعود، لكنّهم لمّا قالوا في الجمع أعياد، والجمع والتصغير من واد واحد، قيل في تصغيره: عييد، وإنّما جمعوه بالياء دون الواو؛ ليفرّقوا بين جمع عيد، وجمع عود (¬1). فصل (¬2) وإذا صغّر ما ثالثه واو نحو: أسود فأجود الوجهين أن يقال: أسيّد (¬3) لأنّ الواو والياء إذا اجتمعتا وسبقت إحداهما بالسكون قلبت الواو ياء وأدغمت الياء في الياء، ومنهم من يظهر فيقول: أسيود (¬4). وكلّ ما وقعت واوه لاما (¬5)، وسواء صحّت نحو: عروة (¬6) ورضوى أو اعتلّت نحو واو عصا وجب قلبها وإدغام ياء التصغير فيها فتقول: عريّة ورضيّة وعصيّة (¬7)، وإذا صغّرت نحو: معاوية (¬8) قلت: معيّة (¬9) لأنّ ألفه تحذف لأجل ياء التصغير فتبقى معيوية فيجتمع الواو وياء التصغير وتسبق الواو (¬10) بالسكون فتقلب/ الواو ياء وتدغم فيها ياء التصغير وتحذف ياء معيوية (¬11) الأخيرة لاجتماع ثلاث ياءات، ووقوعها طرفا فيبقى معيّة على مثال دريهم، وهذا على مذهب من يقول: أسيّد، أمّا على مذهب يقول: أسيود فيقول: معيوية (¬12). ¬
فصل وإذا كان في الاسم تاء التأنيث
فصل (¬1) وإذا كان في الاسم تاء التأنيث فهي إمّا ظاهرة وإمّا مقدّرة، فالظاهرة تثبت ولا تحذف، وطريق تصغيره أن تصغّر ما قبل علامة التأنيث ولا تعتدّ بها من حروف الكلمة ثم تضمّ إليها العلامة كما تفعل بالمركّب لأنّها بمنزلته، فيقال في طلحة طليحة (¬2) والمقدّرة تثبت ظاهرة، في كل ثلاثي (¬3) نحو: شميسة إلّا ما شذّ من نحو: عريس (¬4) ولا تثبت في الرباعي فما فوقه فرارا من الثقل لكثرة حروف الكلمة، ولأنّ الحرف الرابع قد نزّل منزلة تاء التأنيث فتقول في عقرب: عقيرب بغير تاء التأنيث إلّا ما شذّ من نحو: قديديمة في تصغير قدّام (¬5) وأمّا ألف التأنيث فإذا كانت مقصورة رابعة ثبتت كقولك: حبيلى في تصغير حبلى (¬6) وسقطت خامسة فصاعدا (¬7) كقولك: قريقر في تصغير قرقرى، وهو اسم موضع (¬8) وأمّا نحو: خنفساء فتصغيرها (¬9) خنيفساء بثبوت الألف لقوتها بالحركة (¬10). فصل (¬11) وإذا صغّرت ما رابعه حرف زائد من حروف المدّ واللين نحو: مصباح ¬
فصل وإذا صغرت ما فيه ثلاثة أصول وزيادتان،
وكردوس (¬1) وقنديل قلبت الألف أو الواو ياء، وقرّرت الياء بحالها وقلت: مصيبيح (¬2) وكريديس وقنيديل على مثال دنينير (¬3). فصل (¬4) وإذا صغّرت ما فيه ثلاثة أصول وزيادتان، بقّيت التي حذفها يخلّ بالمعنى كالميم في منطلق، مع النون، فإنّك تبقي الميم في التصغير وتحذف النون فتقول: مطيلق، لأنّك لو حذفت الميم لذهّبت معنى الفاعلية لأنّ الميم زيدت لمعنى الفاعليّة وليست النون كذلك (¬5) فإن لم تفضل إحدى الزيادتين الأخرى حذفت أيّهما شئت نحو: قلنسوة، فإنّ النون والواو فيهما زائدتان لا تفضل إحداهما الأخرى، فإن حذفت النون قلت: قليسية وإن حذفت الواو قلينسة (¬6). فصل (¬7) والزيادة إن كانت رابعة ألفا أو واوا أو ياء ثبتت ولم تحذف، ولكن تقلب ياء إن لم تكن إيّاها، كما قلنا في مصباح وكردوس وقنديل، وأمّا الذي زوائده ليست كذلك فتحذف كلّ زوائده في التصغير، فتقول في سرادق: سريديق بحذف الألف لأنّها زائدة وهي غير رابعة وتقول في عنكبوت: عنيكب، بحذف الواو والتاء لأنّهما زيادتان في غير الموضع المذكور، ويجوز التعويض وتركه فيما حذفت منه هذه الزوائد، فإذا حذفت وصارت الكلمة على مثال: دريهم فأنت مخيّر في التعويض ليصير على مثال: دنينير وفي التّرك، فإن شئت قلت: مطيلق وإن شئت قلت: مطيليق، وإن شئت قلت: عنيكب، وإن شئت قلت: عنيكيب لأنّك في التعويض/ وتركه لا تخرج عن مثال ¬
فصل وجمع القلة يصغر على بنائه
التصغير (¬1). فصل (¬2) وجمع القلّة يصغّر على بنائه كقولك في أكلب وأجربة وأجمال وغلمة: أكيلب وأجيربة وأجيمال وغليمة (¬3). وأمّا جمع الكثرة ففيه مذهبان: أحدهما: أن يردّ إلى واحده، ويصغّر عليه ثم يجمع على ما يستوجبه من الواو والنون أو الألف والتاء. وثانيهما: أن يردّ إلى بناء جمع قلّته إن وجد له، ثمّ يصغّر كما في نحو: غلمان فيقال: إمّا غليّمون أو غليمة (¬4) لاستكراههم صيغة واحدة تدلّ على التكثير والتقليل، وقد شذّ من المصغّرات ما جاء على غير واحده (¬5) كأنيسيان في إنسان (¬6)، وعشيشية في عشيّة، وأصيبيّة في صبية، وأغيلمة في غلمة، ورويجل في رجل (¬7)، وقولهم أيضا: أصيغر منك، ودوين هذا، فإنّه لتقليل ما بينهما من التفاوت، لا للذّات الموضوع لها اللفظ (¬8). ¬
فصل وتصغير الفعل ليس بقياس،
فصل (¬1) وتصغير الفعل ليس بقياس، وأمّا نحو: ما أميلحه، فإنّما يعنون الذي يوصف بالملح، ومن الأسماء ما جرى في كلامهم مصغّرا وترك تكبيره نحو: كميت وهو حمرة يخالطها سواد. فصل (¬2) والأسماء المركّبة نحو: بعلبكّ وحضرموت وخمسة عشر، يصغّر الصّدر منها ويضمّ إلى الآخر فيقال: بعيلبكّ وحضيرموت وخميسة عشر وثنّيا (¬3) عشر وثنيّتا عشرة ولم يجز تصغير الاسمين جميعا، لأنّ الثاني زيد في الأول كزيادة هاء التأنيث. فصل (¬4) وتصغير الترخيم أن تحذف كلّ شيء زيد في بنات الثلاثة والأربعة حتى تصير الكلمة على حروفها الأصول ثم تصغّر كقولك في حارث: حريث وفي أسود: سويد، وفي قرطاس: قريطس (¬5). فصل (¬6) وأمّا تصغير الغير المتمكّن فمنه الأسماء المبهمة، وقد خولف بتصغيرها تصغير ما سواها بأن تركت أوائلها غير مضمومة ضمّ تصغير، وألحقت بأواخرها ألفات، وزيد قبل آخرها ياء التصغير، وفتح ما قبل ياء التصغير، فقالوا في ذا، وتا: ذيّا وتيّا، ¬
ذكر المنسوب
وفي الذي والتي: اللذيّا واللتيّا (¬1) ومن الأسماء ما لا يصغّر (¬2) وهي المصغّر نحو: الكميت والمعظّم شرعا كاسم الله تعالى، والضمائر، وبعض المبنيّات ما لم تجعل أعلاما نحو: أين ومتى، وحيث، وعند، ومنذ، ومع، ومن، وما، وأمس، وكذلك غدا، وأول من أمس، والبارحة (¬3) وأيام الأسبوع (¬4)، والاسم عاملا عمل الفعل كحسبك، وضارب زيدا، ومن ثمّ جاز، ضويرب وامتنع ضويرب زيدا (¬5). ذكر المنسوب (¬6) اعلم أنّ النسبة لغة هي إضافة الشيء إلى غيره مطلقا (¬7) واصطلاحا هي إضافة الشيء إلى غيره بإلحاق الياء المشدّدة المكسور ما قبلها بآخر المضاف إليه، للدلالة على النسبة، ويسمّى المضاف منسوبا، والمضاف إليه منسوبا إليه، والغالب في المنسوب إليه أن يكون قبيلة كقرشيّ أو أبا كهاشميّ أو بلدا كمكيّ (¬8) أو صناعة كنحويّ، والنسبة من خواصّ الاسم وألحقت ياء النسب بآخر الاسم علامة للنسبة إليه، كما ألحقت التاء علامة للتأنيث/ وكما انقسم التأنيث إلى حقيقيّ وغير حقيقيّ فكذلك النسب حقيقيّ وغير حقيقي (¬9)، فالحقيقيّ: ما كان مؤثّرا في المعنى كهاشميّ، فإنّه نقل المنسوب إليه عن الاسميّة إلى الصّفة، وعن التعريف إلى التنكير، وغير الحقيقيّ: ما جاء على لفظ المنسوب لا غير نحو: كرسيّ، وكما جاءت التاء ¬
فارقة بين الجنس وواحده نحو: تمرة وتمر، فكذلك ياء النسبة فارقة بين الواحد والجنس كمجوسيّ ومجوس وروميّ وروم، ويجب أن تحذف من المنسوب إليه تاء التأنيث (¬1) نحو: فاطميّ، وإنّما حذفت لئلا يجمع بين زيادتين متنافيتين؛ لأنّ التاء تشعر بعدم الوصف وياء النسب تشعر بالوصف (¬2) وإذا نسب إلى مثنّى أو إلى جمع سواء كان جمعا سالما أو مكسّرا، وجب أن تحذف من ذلك علامة التثنية والجمع، وتردّ المنسوب إليه إلى واحده ثم تنسب إليه (¬3) فتقول في النسبة إلى زيدان وزيدين: زيديّ، وإلى مسلمين أو مسلمين: مسلميّ، وإلى مسلمات: مسلميّ، وإلى فرائض: فرضيّ بفتح الراء، وإلى رجال: رجليّ، لحصول الغرض بذلك لأنّ الغرض النسبة إلى مسمّى ذلك اللفظ، واغتفر اللّبس في ذلك (¬4) وأما إذا كان الجمع المكسّر علما نحو: كلاب ومدائن فتقول: كلابيّ ومدائنيّ (¬5) وأما إذا كان المثنّى علما نحو: أبانين (¬6) أو الجمع السالم علما نحو: قنّسرين (¬7) فالنسبة إليهما مترتّبة على إعرابهما فمن أعربهما بالحركة وهم الأكثر نسب إليهما من غير ردّهما إلى الواحد فيقول: هذا أبانينيّ ورأيت أبانينيا ومررت بأبانينيّ، وهذا قنّسريني ورأيت قنّسرينيا ومررت بقنّسرينيّ، ومن أعربهما علمين بالحرف حذف علامة التثنية والجمع في النسبة (¬8) فيقول: هذا أبانيّ وقنّسريّ، على أنّ إعرابهما بالحرف كما كان قبل العلميّة، وقس على ذلك، وأمّا جمع المؤنّث السالم نحو: أذرعات (¬9) فيقول على الأكثر: أذرعاتيّ، وعلى القول الآخر: أذرعيّ (¬10). ¬
فصل وإذا نسبت إلى ثلاثي مكسور العين
فصل (¬1) وإذا نسبت إلى ثلاثيّ مكسور العين كنمر، وجب فتح عينه فتقول: نمريّ بفتح الميم استثقالا لتوالي كسرتين مع ياءين، ولا فرق في ذلك بين المذكّر والمؤنّث فتقول في شقرة بكسر القاف وهي قبيلة: شقريّ بالفتح (¬2)، وكذلك النسبة إلى إبل بالفتح (¬3) استيحاشا من توالي الكسرات هذا هو الذي عليه الجمهور، قال السخاوي في شرح المفصّل: إنه بالكسر؛ لأنّ جميع حروفه مكسورة فيخفّ على اللسان، وأمّا الحرف المكسور في الزائد على الثلاثي مع سكون ما قبله نحو راء يثرب ولام تغلب. فلك فيه وجهان: الفتح (¬4) وإبقاؤه على الكسرة، والشائع الكسر، لانجبار ثقل الكسرتين، بخفّة سكون ما قبلهما فتقول: يثربيّ ويثربيّ بفتح الراء وكسرها. فصل (¬5) وينسب إلى فعيلة بفتح الفاء وكسر العين نحو: حنيفة حنفيّ فتحذف ياء حنيفة وجوبا، وكذلك تحذف الياء من فعيلة بضمّ الفاء وفتح العين نحو: جهينة وعقيلة فتقول: جهنيّ وعقيليّ، وكذلك تحذف الواو من فعوله/ بفتح الفاء وضمّ العين نحو: شنوءة فتقول: شنئيّ (¬6)، (¬7) وإنما حذفت الياء والواو من فعيلة وفعيلة وفعولة المذكورات للفرق بينها وبين فعيل وفعيل وفعول المذكّرين نحو: كريم وقريش وعجول، فإنّك تنسب إليها بغير حذف الياء والواو فتقول: كريميّ وقريشيّ ¬
فصل وإذا نسبت إلى نحو: أسيد وسيد وحمير
وعجوليّ (¬1) وما جاء بخلاف ذلك فهو شاذ كقولهم: قرشيّ على خلاف القياس (¬2) وإنما تحذف حرف العلّة من فعيلة وفعولة إذا لم تكن مضاعفة ولا معتلّة العين، فأمّا إذا كانت فعيلة مضاعفة نحو: شديدة فإنّك تنسب إليها بغير حذف الياء فتقول: شديديّ وكذلك تقول في فعيلة المعتلّة العين نحو: طويلة طويليّ بإثبات الياء (¬3). فصل (¬4) وإذا نسبت إلى نحو: أسيّد وسيّد وحميّر وهو كلّ اسم قبل آخره ياءان مدغمة إحداهما في الأخرى فإنّه يجب حذف الياء المتحركة منهما، وهي المدغم فيها وإبقاء الساكنة التي كانت مدغمة فتقول: أسيديّ وسيديّ وحميريّ (¬5) وكان يلزم أن يقال في طيء: طيئيّ مثل طيعيّ قال سيبويه: ولكنّهم جعلوا الألف مكان الياء فقالوا: طائيّ على خلاف القياس (¬6)، وينسب إلى فعيل وفعيلة (¬7)، بفتح الفاء منهما من معتلّ اللام نحو: غنيّ، وهو حيّ من أحياء العرب (¬8)، وضريّة وهي قرية (¬9) بحذف الياء الساكنة وقلب الثانية واوا، وإبدال الكسرة التي قبلها فتحة فيما هي فيه فتقول: غنويّ وضرويّ، على وزن فعلي بفتح الفاء، وتقول في فعيل وفعيلة بضمّ الفاء منهما من معتلّ اللّام نحو: قصي وأمّية: قصويّ وأمويّ، على وزن فعليّ بضم الفاء، وتقول في نحو: تحيّة: تحويّ، وفي فعول: فعوليّ كقولك في عدوّ: عدوّيّ (¬10)، وأما مؤنثه ¬
فصل وإذا نسبت إلى ما في آخره ألف
فبحذف الواو وفتح ما قبل الآخر على قول سيبويه (¬1) كعدويّ في عدوّة إجراء له مجرى الصحيح، والمبرّد خالفه في عدم التغيير كعدوّيّ بالتشديد كمذكّره إجراء للمشدّد مجرى الحرف الواحد (¬2). فصل (¬3) وإذا نسبت إلى ما في آخره ألف فإن كانت ثالثة أو رابعة وكانت منقلبة عن حرف أصلي قلبتها في النّسب واوا سواء كان أصلها الواو كعصا وأعشى أو الياء كرحى ومرمى فتقول: عصويّ وأعشويّ ورحويّ ومرمويّ (¬4) وإن كانت ألف التأنيث نحو ألف حبلى ودنيا فالقياس أن تحذف كما تحذف هاء التأنيث، فتقول: حبليّ ودنييّ وفي سكرى سكريّ وفي بصرى بصريّ (¬5) ويجوز أيضا: حبلويّ ودنيويّ وحبلاويّ ودنياويّ (¬6) وليس في الألف الخامسة فصاعدا إلّا الحذف فتقول في حبارى: حباريّ، وفي قبعثرى وهو العظيم الشديد قبعثريّ (¬7). فصل (¬8) وإذا كان آخر الاسم ياء قبلها كسرة وكان على ثلاثة أحرف نحو: الشجي فتحت العين في النسب كما تفتح في نمري، فتنقلب الياء ألفا لانفتاح ما قبلها ثمّ تقلبها واوا كما تقلب ألف عصا فتقول: شجويّ (¬9) وإن كانت الياء رابعة وقبلها كسرة نحو: القاضي والحاني ففيه وجهان: ¬
فصل وإذا كان آخر الاسم واوا أو ياء قبلها ساكن
أحدهما/ حذف الياء التي هي لام الكلمة وهو الأجود ثم تنسب إليه فتقول: قاضيّ وحانيّ. والثاني:، قلبهما واوا نحو: قاضويّ وحانويّ (¬1) والحانيّ منسوب إلى الحانة وهو بيت الخمّار، ووجه قاضويّ أنهم أبدلوا من الكسرة فتحة، ومن الياء ألفا، بقي قاضايّ ثم انقلبت الألف واوا مع ياء النسب فصار: قاضويّ، وليس في الياء الخامسة فصاعدا إلّا الحذف كقولك في مشتري ومستسقي: مشتريّ ومستسقيّ (¬2) وإذا نسبت إلى محيّ اسم فاعل من حيّاه الله، قلت: محويّ بحذف الياء الأولى من محييّ، فتقلب الياء الثانية ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها ثم تنقلب الألف واوا مع ياء النسب فيبقى: محويّ مثل أمويّ، وفيه وجه آخر وهو: محيّيّ فيجمع بين أربع ياءات لسكون الأولى والثالثة (¬3). فصل (¬4) وإذا كان آخر الاسم واوا أو ياء قبلها ساكن نحو: غزو وظبي فالنسبة إليهما كالنسبة إلى موازنهما من الصحيح نحو: بكر، فكما تقول: بكريّ كذلك تقول في غزو: غزويّ بسكون الزاي، وفي نحو: نحويّ، وفي ظبي: ظبييّ، فتجمع بين ثلاث ياءات (¬5) وكذلك فيما لحقته تاء التأنيث من ذلك عند الخليل وسيبويه نحو: ظبية فتقول في النسبة إليها ظبييّ، كما تنسب إلى ظبي، وقال يونس: ظبويّ وعلى مذهبه جاء قولهم: قرويّ في النسبة إلى قرية وهو شاذ عند الخليل وسيبويه (¬6)، فإنّ النسبة إلى قرية على مذهبهما كالنسبة إلى ظبية: وتقول في النسبة إلى حيّة: حيويّ (¬7) ¬
فصل وإذا نسبت إلى منسوب
وكذلك الحكم في فعلة بضم الفاء، نحو: عروة ورشوة (¬1) وفي فعلة بكسر الفاء نحو: فتية (¬2). فصل (¬3) وإذا نسبت إلى منسوب نحو: تميميّ وهجريّ وشافعيّ لم تقل إلّا ذلك (¬4). فصل (¬5) وما في آخره ألف ممدودة ينقسم إلى منصرف وغير منصرف، أما المنصرف فتبقيه على حاله وتنسب إليه، سواء كانت الهمزة فيه أصليّة كقرّاء، أو مبدلة من حرف أصلي ككساء، أو كانت للإلحاق كحرباء، فتقول: قرّائيّ وكسائيّ وحربائيّ والقلب في ذلك كله جائز (¬6) وهو أن تجعل مكان الهمزة واوا فتقول: قرّاويّ وكساويّ وحرباويّ، وأمّا غير المنصرف، وهو ما كانت فيه الهمزة للتأنيث نحو: حمراء فليس فيه إلّا القلب (¬7) فتقول: حمراويّ، وإنّما لم تحذف كما حذفت ألف حبلى، لأنّ الهمزة قوية حية بالحركة فجرت لذلك مجرى الحروف الأصلية في عدم الحذف فلم تحذف، وألف حبلى ضعيفة ميّتة بالسكون فحذفت (¬8) وتقول في زكرياء: زكرياويّ (¬9) لأنّهم لمّا عرّبوه أجروه مجرى كلامهم والهمزة في مثله للتأنيث فكان مثل حمراء، وتقول في خنفساء: خنفساويّ، لأنّ همزتها للتأنيث، وإن لم تكن الهمزة للتأنيث ولكنّ الاسم مؤنّث نحو: السماء ففيه وجهان، القلب والإبقاء فتقول: ¬
فصل وإذا نسب إلى اسم على حرفين وكان متحرك الوسط في الأصل والمحذوف منه
سمائيّ وسماويّ، والإبقاء أجود (¬1) للفرق بينه وبين حمراء وكذلك لك فيما لامه ياء (¬2) وهو على مثال سقاية (¬3) إن تقول: سقائيّ بالهمز، وأمّا ما لامه واو وهو على هذا المثال نحو: شقاوة فإنّه لا يغير فتقول شقاويّ/ (¬4) وفي نحو: راية وآية وجهان، الإبقاء والقلب إلى الهمزة وإلى الواو فتقول: راييّ وآييّ ورائيّ وآئيّ، وراويّ وآويّ (¬5). فصل (¬6) وإذا نسب إلى اسم على حرفين وكان متحرك الوسط في الأصل والمحذوف منه لام، ولم يعوّض همزة وصل، كأب وأخ وست وجب ردّ المحذوف (¬7) فيقال: أبويّ وأخويّ وستهيّ (¬8) إذ أصل ست، سته بالتحريك وتحذف عينها فتبقى سه وتحذف لامها فتبقى ست (¬9) وفي الحديث «العين وكاء السّه» وجاء «وكاء السّت» (¬10). وإن كان المحذوف فاء (¬11)، فهو إما معتل اللام أو، لا، أما معتل اللام فنحو شية: إذ أصلها وشي فحذفت فاؤها وعوّضت التاء، بقي شية، فيجب ردّ المحذوف ¬
أيضا لأنّ التاء تحذف في النسب فيبقى الاسم على حرفين ثانيهما حرف لين ولا يكون ذلك في الأسماء المعرّبة المستقلّة فوجب الرّدّ، ولا يشكل (¬1) بمثل عدة في النسبة إليه بغير ردّ، لأنّ ثاني الحرفين ليس حرف لين، ولا بذو مال، لأنّه ليس بمستقلّ، فتقول في النسبة إلى شية: وشويّ بفتح الشين وقلب الياء واوا (¬2) وقال الأخفش وشييّ بردّ الفاء (¬3) كما قلنا، وخالف بإبقاء الياء وسكون الشين على الأصل مع وجود الموجب لحذف الواو وهو حركة الشين التي سكّنها على غير قياس (¬4) وأمّا ما ليس بمعتلّ اللام والمحذوف فاء أو عين نحو: عدة وسه ومذ، أسماء إذ أصل سه: سته، ومذ: منذ، فإنك لا تردّ المحذوف فتقول: عديّ وسهيّ ومذيّ (¬5) وأمّا ما ورد في النسبة إلى عدة: عدويّ (¬6) فليس بردّ، لأنّ المحذوف هو الفاء لكن زيد فيه حرف كالعوض من الفاء (¬7) وما سوى هذين البابين الذي يجب في أحدهما الردّ والآخر ممتنع، سائغ فيه الأمران (¬8) إن شئت رددت، وإن شئت لم تردّ (¬9) نحو: غديّ وغدويّ ودميّ ودمويّ، ويديّ ويدويّ وحريّ وحرحيّ، والأخفش يسكّن ما أصله السكون فيقول: غدويّ (¬10) ومن ¬
فصل وإذا نسبت إلى بنت وأخت
ذلك ابن واسم (¬1) فينسب إليهما (¬2) بالحذف، وبالردّ فتقول: ابنيّ وبنويّ واسميّ وسمويّ بتحريك الميم بالفتح (¬3) وقياس قول الأخفش إسكانها. فصل (¬4) وإذا نسبت إلى بنت وأخت قلت: بنويّ وأخويّ عند سيبويه (¬5) لأنّ أصلهما بنوة وأخوة فحذفت الواو منهما، وعوّض عنها التاء فقيل: بنت وأخت، وكما ردّت الواو في التصغير فقالوا: بنيّة وأخيّة، فكذلك ردّت الواو في النسب وحذفت التاء لشبه هذه التاء أعني تاء بنت وأخت بتاء التأنيث وهم يحذفون تاء التأنيث في النسب، ويونس ينسب إليهما بغير تغيير فيقول: بنتي وأختي (¬6). فصل (¬7) وينسب إلى الصدر من الأسماء المركّبة / فتقول في نحو: معدي كرب وحضرموت وخمسة عشر إذا كان اسما: معديّ ومعدويّ وخمسيّ وحضريّ (¬8) وحضّرميّ (¬9) لأنّ الاسم الثاني من المركبين مثل هاء التأنيث في انضمامه إلى الأول (¬10). ¬
فصل وإذا نسبت إلى اسم مضاف
فصل (¬1) وإذا نسبت إلى اسم مضاف فالمضاف إليه إن كان يتناول مسمّى على حياله كابن الزّبير، فإنما تنسب إلى الاسم دون الأول (¬2) لأنّ الثاني هو الذي اشتهر به الأول فتقول: زبيريّ، وكذلك الكنى كأبي بكر وأبي مسلم فتقول: مسلميّ وبكريّ وإن كان المضاف إليه لا يتناول مسمّى على حياله نحو: امرئ القيس فتحذف الثاني، لأنه زائد على الأول وتنسب إلى الأول فتقول: امرئيّ، وقد خرجوا عن هذا القياس في عبد مناف، فقالوا: منافيّ خشية الإلتباس (¬3) وقد يلفّق من حروف الاسمين اسم وينسب إليه كقولهم في نحو عبد الدار وعبد القيس وعبد شمس: عبدريّ وعبقسيّ وعبشميّ (¬4) وهو نادر في كلامهم لا يقاس عليه. فصل (¬5) وقد جاءت أسماء منسوبة خارجة عن القياس وذلك نحو: بدويّ نسبة إلى البادية وكان قياسه باديّ، وكذلك بصريّ بكسر الباء الموحدة والقياس الفتح (¬6) وكذلك دهريّ بضمّ الدال للذي أتت عليه الدهور (¬7) للفرق بينه وبين الذي يقول بالدهر، فإنه دهريّ بفتح الدال، وكذلك أمويّ بفتح الهمزة وكان القياس الضمّ، وكذلك ثقفيّ وقرشيّ وهذليّ، والقياس ثقيفيّ وقريشيّ وهذيليّ بإثبات الياء (¬8) وكذلك جلوليّ في النسبة إلى جلولاء اسم بقعة (¬9) والقياس جلولاويّ، وكذلك ¬
فصل وقد يقوم مقام ياء النسب في إفادة معنى النسبة صيغتان
نحو: صنعانيّ في النسبة إلى صنعاء والقياس: صنعاويّ، وكذلك شتويّ في النسبة إلى الشتاء والقياس شتائيّ (¬1) وشذّ في لغة الأزد سليقيّ وسليميّ، نسبة إلى سليقة وسليمة، والقياس: سلقيّ وسلميّ، وشذّ في لغة كلب عميريّ (¬2) نسبة إلى عميرة والقياس: عمريّ، وشذّ: عبديّ وجذمي بضمّ الفاء فيهما نسبة إلى عبيدة وجذيمة (¬3) والقياس: عبديّ وجذميّ (¬4) (¬5). فصل (¬6) وقد يقوم مقام ياء النسب في إفادة معنى النسبة صيغتان وهما فعّال وفاعل، وكثر ذلك في الحرف: لأنّ فعّالا لما كان بناء للتكثير جعل لصاحب الحرفة المديم لها كالخيّاط والنجّار والعطّار، وأمّا فاعل فإنّه صاحب شيء كدارع ونابل وطاعم وكاس أي ذو درع وذو نبل وذو طعام وذو كسوة، وكذلك تامر ولابن أي صاحب تمر وصاحب لبن، فإن كان يديم بيعهما فهو: تمّار ولبّان (¬7). فصل في المقصور والممدود (¬8) فالمقصور في آخره ألف ليس بعدها همزة نحو: عصا والممدود ما في آخره همزة قبلها ألف نحو: كساء (¬9) وكلاهما منه ما طريق معرفته القياس ومنه ما لا يعرف إلا بالسّماع، والمراد بالقياسيّ: ما يعرف بقاعدة معلومة من استقراء كلامهم يرجع إليها فيها، والسّماعي ما ليس/ كذلك بل يفتقر كلّ اسم منه إلى سماع قصره أو مدّه. ¬
أما المقصور القياسيّ: فهو كلّ اسم قبل آخر نظيره من الصحيح فتحة، ولامه ياء أو واو، ويأتي من أسماء المفاعيل والمصادر ومن الجمع كما سنذكره. فمن ذلك: (¬1) كلّ اسم مفعول لامه ياء أو واو وفعله يزيد على ثلاثة أحرف وله نظير من الصحيح قبل آخره فتحة، فمتى وقع المعتلّ كذلك تحرّكت فيه الياء أو الواو وانفتح ما قبلها فقلبت ألفا، فيجب أن يكون مقصورا (¬2) وذلك نحو: مشترى ومعطى، لأن لام مشترى ياء وفعله اشترى وهو يزيد عن ثلاثة، ونظيره من الصحيح مشترك، وهو مفتوح ما قبل الآخر وأصل مشترى: مشتريّ مثل مشترك فتحركت الياء وانفتح ما قبلها فقلبت ألفا فمشترى مقصور لحصول الشرائط المذكورة، وبمثل ذلك بعينه انقلبت ياء معطى ألفا لكون نظيرة مخرج. ومنه: اسم الزمان والمكان والمصدر الميمي (¬3) إذا كان فيها معتلّ اللّام وهو على وزن مفعل أو مفعل نحو: مغزى وملهى لأنّ نظيرهما مقتل ومخرج إذ الأصل فيهما مغزي وملهو بالضم فقلبتا ألفا لتحركّها وانفتاح ما قبلهما. ومنه: المصدر المعتلّ اللام لفعل يفعل إذا كان اسم الفاعل منه على أفعل أو فعل أو فعلان نحو: العشا والصّدى والطّوى إذ نظيرها الحول والفرق والعطش، فعشي يعشى فهو أعشى نظيره حول يحول فهو أحول، وصدي يصدى فهو صد، نظيره فرق يفرق فهو فرق، وطوي يطوي فهو طيّان نظيره عطش يعطش فهو عطشان (¬4) والغراء بالمد شاذّ، لأنّه من غري فهو غر، والأصمعيّ (¬5) قصره على القياس (¬6). ¬
ومنه: جمع فعلة وفعلة، كعرى جمع عروة، وجزى جمع جزية (¬1) لأن نظائرهما ظلم جمع ظلمة، وكسر جمع كسرة، وشذّ من المقصور قرى بالقصر جمع قرية، لأن قرية فعلة بفتح الفاء مثل جفنة وجمعها جفان، فقياس نظيره من المعتل أن يكون ممدودا لا مقصورا (¬2). وأمّا الممدود القياسي: (¬3) فهو كلّ اسم معتلّ لامه ياء أو واو، وقبل آخر نظيره من الصحيح ألف (¬4)، ويأتي المعتلّ المذكور على وجوه: منها: أن يكون مصدرا لأفعل أو فاعل ويكون في آخر ذلك المصدر الواو والياء طرفا بعد ألف زائدة، ويكون قبل آخر نظيره من الصحيح ألف نحو: الإعطاء والرّماء (¬5) إذ نظيرهما الإكرام والطلاب، لأنّ أعطيت إعطاء مثل أكرمت إكراما، وراميت رماء مثل طالبت طلابا، والأصل الإعطاو والرماي فوقعت الواو والياء (¬6) طرفين بعد ألف فقلبتا همزة، وكذلك (¬7) حكم الألفين إذا وقعا طرفين، فإنّ الثانية تقلب همزة كما ستعلم ذلك في الفصل السّادس في الإبدال من قسم المشترك، وهكذا الكلام في جميع ما يأتي في هذا الفصل من الممدود القياسي فاعلم ذلك. ومنها: أن يكون مصدرا لافتعلت افتعالا (¬8) نحو: الاشتراء، لأن اشتريت اشتراء مثل افتتحت افتتاحا، والأصل الاشتراي فوقعت الياء بعد ألف زائدة في الاشتراء كوقوع الحاء بعد الألف الزائدة في الافتتاح، فقلبت الياء همزة فحصلت الهمزة طرفا بعد ألف زائدة وهو الممدود. ¬
ومنها: أن يكون مصدرا لافعنليت نحو: الاحبنطاء (¬1) لأنّه من احبنطيت احبنطاء مثل احرنجمت احرنجاما. ومنها: أن يكون مصدرا مضموم الأول، ويكون للصوت نحو: العواء والبغاء (¬2) والرّغاء لأنّ نظيرها من الصحيح الصّراخ والنّباح/ والصّياح، وأما البكاء فيمدّ ويقصر، فمن مدّ ذهب به مذهب الأصوات، ومن قصر ذهب به مذهب الحزن (¬3). ومنها: أن يكون مصدرا للعلاج فإنه أجري مجرى الصوت نحو: النّزاء وهو الوثوب، لأن نظيره القماص وهو جمز البعير (¬4). ومنها: الواحد الذي يجمع على أفعلة (¬5) نحو: قباء وكساء لجمعهما على أقبية وأكسية، لأن أفعلة واحدها، إمّا فعال بفتح الفاء أو فعال بكسرها أو فعال بضمها، كقذال وأقذلة (¬6)، وحمار وأحمرة، وغراب وأغربة، وأمّا مجيء ندى مقصورا فشاذ (¬7) لأنّه مثل قباء مفردا وجمعا، لأنّه يجمع على أندية، فكان قياسه المدّ (¬8). ومنها: الجمع الذي واحده على وزن فعل بضم الفاء وسكون العين مثل عضو وأعضاء لأنه مثل: قفل وأقفال. ومنها: الجمع الذي واحده على وزن فعل بكسر الفاء وسكون العين كشلو ¬
فصل في الوزن
وأشلاء، لأنه مثل عدل وأعدال (¬1). ومنها: الجمع أيضا الذي واحده على فعل بكسر الفاء وفتح العين كمعى وأمعاء، لأنه مثل عنب وأعناب. ومنها: فعلاء بضم الفاء وفتح العين إذا كان مفردا فإنه يكون ممدودا في الأكثر كنفساء وعشراء. ومنها: فعلاء بفتح الفاء وسكون العين وفتح اللّام (¬2)، إذا كان مؤنّثا ومذكّره أفعل كحمراء أحمر (¬3). ومنها: كلّ اسم على وزن فعّال في معنى النّسب نحو: غزّاء للكثير الغزو، وسقّاء وشّواء وما أشبهها (¬4). وأمّا السّماعي: فالمقصور منه نحو: عصا ورحى، والممدود منه نحو: السّماء والخفاء من خفي عليه الأثر، والإباء من أبيت الشيء إباء. فصل في الوزن (¬5) وإنّما ذكرناه في قسم الاسم لأنّا لمّا أردنا أن نذكر فيه أبنية الأسماء على نحو ما ذكره في المفصّل، لم يكن لنا بدّ من ذكر الأوزان لتوقّف معرفة الأبنية الأصول والمزيد فيها عليها، والغرض بالوزن بيان كيفية وزن الأبنية (¬6) في الاصطلاح وأبنية الاسم الأصول ثلاثية كرجل، ورباعية كجعفر وخماسية كسفرجل، وأبنية الفعل الأصول ثلاثية كضرب ورباعية كدحرج، وقد نقصت الأفعال عن الأسماء بدرجة لثقلها وخفة الأسماء، ويعبّر عن الحروف الأصول بالفاء والعين واللام، فيقال نصر على وزن فعل، نونه فاء الفعل، وصاده عين الفعل، وراؤه لام الفعل، لمقابلتهم ¬
الأصول في الوزن بهذه الحروف، ويعبّر عن الحرف الأصلي الزائد على الثلاثة بلام ثابتة فيقال: جعفر فعلل، وعن الأصلي الزائد على الأربعة بلام ثالثة (¬1) فيقال: جحمرش (¬2) فعلل بثلاث لا مات، ويعبّر عن الزائد بلفظه كقولك في ضارب فاعل وفي مضروب مفعول إلا المبدل من تاء الافتعال نحو: ازدجر واضطرب فلا يقال في زنته افدعل (¬3) ولا افطعل، ولكن افتعل تبيينا للأصل، وكذلك المكرّر سواء كان للإلحاق (¬4) أو لغيره، فإنّه لا يوزن بلفظه بل بما يوزن به الحرف الأصلي الذي قبله سواء فصل بين ذلك الأصلي/ وبين المكرّر الذي بعده حرف زائد كنحرير (¬5) أو لم يفصل كجلبب، فالمكرّر في نحرير الراء الثانية وقد فصل بينها وبين الرّاء الأصليّة الياء، وفي جلبب الباء الثانية فيقولون: وزن نحرير فعليل لا فعلير، وجلبب فعلل لا فعلبب، وأحمرّ افعلّ لا افعلر، وعلّم فعّل لا فعلل ولا فلعل، وإنّما عبر (¬6) عن المكرّر بما عبّر به عن (¬7) الحرف الأصلي الذي قبله، لأنّه إن كان للإلحاق فهو جار مجرى الأصلي، وإن كان لغير الإلحاق فالمقصود بهذه الزيادة هو تكرير ما قبلها الذي هو الأصلي، فلذلك قوبل بما يقابل به الأصلي الذي قبله، بخلاف الزيادة التي ليست لقصد التكرير بل قصدوا زيادة حرف واتّفق موافقته لما قبله، فإنّه إذا كان كذلك لم يعبّر عنه بما يعبّر عما قبله بل يعبّر عنه بلفظه ولا يجعل الحرف لغير التكرير والإلحاق إلا بدليل، على أنه لم يقصد به التكرار ولا الإلحاق، لأنّ الظاهر قصد التكرار ومن ثمّ كان حلتيت (¬8) فعليلا لا فعليتا، لأنّه لم يذكر دليل على عدم قصد التكرار فيجب الحمل على التكرار، ¬
ذكر ما جاء فيه دليل على أنه لم يقصد به التكرار بل زيد واتفق موافقة الزائد لما قبله
وسحنون (¬1) وعثنون (¬2) فعلول لا فعلون، لما قيل في حلتيت، ولعدم فعلون، لأنّه إذا تردّد الوزن بين أن يكون على زنة ما ثبت في كلامهم، وبين أن يكون على خلافه فحمله على ما ثبت في كلامهم هو الوجه (¬3). ذكر ما جاء فيه دليل على أنه لم يقصد به التكرار بل زيد واتّفق موافقة الزائد لما قبله (¬4) فمنه: سحنون بالفتح فهو فعلون لعدم فعلول في كلامهم، وكثرة فعلون كحمدون، وهو مختصّ بالعلم، لا يقال: قد جاء فعلول بالفتح لورود صعفوق (¬5) لأنّا نقول: إنه نادر والنادر كالمعدوم (¬6)، وأمّا خرنوب بالفتح، فضعيف، والفصيح الضمّ (¬7). ومنه: سمنان (¬8) وهو فعلان لا فعلال، لكثرة فعلان وعدم فعلال من غير المضاعف كزلزال (¬9) وأمّا خزعال (¬10) فنادر، وبهرام وشهرام عجميّان. ومنه: بطنان بالضمّ وهو فعلان لمجيئه في كلامهم كعثمان وعدم فعلال مع أنه نقيض ظهران وهو فعلان، إذ بطنان اسم لباطن الريش، وظهران اسم لظاهره (¬11). ¬
ذكر كيفية وزن الكلمة المقلوبة
وأمّا قرطاس بضم القاف فضعيف والفصيح قرطاس بالكسر (¬1). ذكر كيفية وزن الكلمة المقلوبة (¬2) وهو يتوقّف على معرفة الأصلي والزائد، فالأصليّ ما ثبت في تصاريف الكلمة لفظا أو تقديرا كفاء ضربت وعينه، لثبوتهما في ضرب يضرب فهو ضارب ومضروب، والزائد بخلافه كميم مضروب وواوه إذا عرفت ذلك فنقول: إنّه متى وقع في الموزون قلب وهو جعل أحد الأصول موضع الآخر، قلبت الزنة كما قلب الموزون، إذ فائدة الزنة التنبيه على الفاء والعين واللام، فتقول في قسيّ: فليع، لأنّ الأصل قوس، قافه فاء، وواوه عين وسينه لام، فوقعت العين التي هي واو قوس في قسيّ (¬3) موضع اللام فاجتمع في الآخر واوان مع ضمّتين (¬4) فقلبتا ياءين وأدغمت إحداهما في الأخرى، وكسرت السين ثم القاف للتبعيّة وكما وقعت الواو في قسيّ موضع اللّام، وقعت لام قوس وهي السين موضع العين فصار وزن قسيّ فليع (¬5). ذكر ما يتعرّف به القلب (¬6) وذلك أشياء أحدها: (¬7) / أنّه يتعرّف بأصل المقلوب نحو: ناء فإنّه مقلوب من نأي ينأى، وهو من النّأي الذي هو الأصل، ونأي؛ نونه فاء وهمزته عين وياؤه لام، فجعلت العين التي هي الهمزة لاما، والّلام التي هي الياء عينا، بقي نيأ فقلبت ¬
الياء ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها بقي ناء وزنه فلع (¬1). وثانيها: بثبوت الحروف التي من الأصل في أمثلة اشتقاقه أي برجوع تلك الكلم المشتقّة إلى أصل واحد، كرجوع الجاه والوجيه والتوّجيه والتوجّه إلى الوجه، فهو أصل لهذه الكلم المشتقّة منه، فواو الوجه فاء والجيم عين والهاء لام، فوقعت الجيم التي هي عين موضع الفاء في جاه، ووقعت فيه الواو التي هي فاء موضع العين فصار جوه، تحركت الواو وانفتح ما قبلها فقلبت ألفا فصار جاه على وزن عفل (¬2). وكذلك الحادي والواحد والتوحيد والتوحّد راجع إلى أصل واحد، وهو الوحدة، الواو فاء والحاء عين والدّال لام، فجعل في الحادي العين وهي الحاء موضع الفاء، واللام، وهي الدال موضع العين، والفاء وهي الواو موضع اللام، صارت الكلمة بألف فاعل حادو، وليس لهم اسم متمكّن آخره واو قبلها ضمّة فقلبت ياء، وأبدل من الضمة كسرة، فصار حادي على وزن عالف (¬3). وثالثها: بصحة حرف العلّة مع تحركّه، وانفتاح ما قبله نحو: أيس (¬4) فإنه لو لم يكن مقلوبا من يئس لوجب أن يقال فيه: آس لتحرّك عين الكلمة وانفتاح ما قبلها، فلمّا لم تنقلب علم أنه قد جعلت فيه الفاء عينا وبالعكس، فوزن أيس عفل، لا يقال: قد صحّت الواو في عور مع تحركها وانفتاح ما قبلها ومع ذلك ليس بمقلوب، لأنّا نقول: ما قبل الواو في عور ساكن حكما لأنّه بمعنى أعور فالعين ساكنة، وحركتها عارضة للابتداء، وأمّا ما قبل الياء في أيس فإنه متحرّك لفظا وحكما (¬5). ورابعها: بقلّة استعماله مع آخر كثير (¬6) الاستعمال وهما من أصل واحد لكن اختلف ترتيبهما نحو: آرام وأرآم جمعي رئم وهو الظبيّ الأبيض (¬7) وأرام أكثر استعمالا فهو أصل فآرام مقلوب منه لقلّة استعماله وكره استعمال أرآم، وأرآم أفعال، ¬
ذكر كيفية وزن الكلمة المحذوفة
راؤه فاء وهمزته عين وميمه لام، فقلب بأن جعلت فاؤه عينا وعينه فاء لأرآم أعني بأن جعلت فاء أرآم وهي الراء عينا، وجعلت عين أرآم وهي الهمزة الثانية فاء فانقلبت ألفا فصار آرام أعفال. وخامسها: بأنه إذا لم يجعل مقلوبا أدّى إلى منع الصّرف بغير علّة كأشياء فإنّها غير منصرفة بالاتفاق، والمختار أنّها لفعاء مقلوبة من شيئاء: (¬1) فمنع صرفها لألف التأنيث قال في الصّحاح عن شيئاء إنه جمع على غير واحده كما أن الشّعراء جمع على غير واحده، لأنّ فاعل لا يجمع على فعلاء انتهى كلام صاحب الصّحاح (¬2) وشيئاء فعلاء، الشين فاء والياء عين والهمزة الأولى لام، فجعلت اللام وهي الهمزة الأولى فاء، والفاء وهي الشين عينا، والعين وهي الياء لاما، فصار أشياء على وزن لفعاء وقال الكسائي أشياء أفعال جمع شيء لأنّ فعلا معتلّ العين يجمع على أفعال، كقيل وأقيال وهو مردود/ لاستلزامه منع الصّرف بغير علّة (¬3)، وأمّا القلب فكثير في كلامهم فوجب المصير إليه، وقال الفرّاء: أصل أشياء أشيئاء على وزن أفعلاء، جمع لشيّء على وزن فيعل، ورأى أنّ شيئا أصله شيّء ثم خفّف كما خفّف ميت من ميّت وجمع بحسب الأصل على أشيئاء، كما جمع بيّن على أبيناء ثم حذفت الهمزة التي بين الياء والألف وهي لام الكلمة تخفيفا كراهة لهمزتين بينهما ألف فصار وزنه عنده أفعاء، وهو مردود بأنه لم يسمع شيّء فلو كان هو الأصل لكان شائعا كميّت، وبأنه حذف لام الفعل على غير قياس، لأنّ الهمزتين إذا توسّطهما الألف لا تحذف إحداهما ولا هما (¬4). ذكر كيفيّة وزن الكلمة المحذوفة (¬5) اعلم أنّ الحذف كالقلب أي إن كان حذف في الموزون حذفت الزنة مثله (¬6)، ¬
فصل في الأبنية
فتقول في وزن قاض: فاع، لأنّ لامه التي هي الياء حذفت للتنوين، وفي يمق (¬1) يعل، لأنّ أصله يومق على وزن يفعل فحذفت فاء الفعل وهي واو يومق لوقوعها بين ياء وكسرة، لأنها بعد ياء المضارعة فصار وزن يمق يعل، بحذف الفاء لكن إن قصد في المقلوب والمحذوف تبيين القلب والحذف فيهما جاز أن تأتي بالزنة حينئذ على الأصل كما تقول أشياء على مذهب سيبويه وزنها في الأصل فعلاء، وقاض وزنه في الأصل فاعل. فصل في الأبنية والكلام في هذا الفصل على تقسيم الأبنية، وعلى أبنية الاسم الأصول المجرّدة عن الزيادة، وأما أبنية المزيد فيه فتأتي في فصل بعد هذا الفصل. ذكر تقسيم الأبنية الأصول (¬2) وهي تنقسم إلى صحيح ومعتلّ ومضاعف ومهموز. أمّا الصحيح: (¬3) فهو ما سلمت أصوله من حروف العلّة والهمزة والتضعيف (¬4) وإنما خصّص الأصول بالسلامة لجواز وقوع ذلك في غير الأصول كحرف العلّة في يضرب وضارب. وأمّا المعتلّ: فهو ما كان أحد أصوله حرف علة وهو الواو والألف والياء وذلك الأصل إمّا فاء كوعد ويسر أو عين كقال وباع أو لام كغزا ورمى، وسمّي معتلّ الفاء في اصطلاح المتقدّمين مثالا لمماثلته الصحيح في صحّته وعدم إعلاله «4» ومعتلّ العين أجوف لكون حرف العلّة في وسطه، وهو كالجوف ويقال له أيضا: ذو الثلاثة لكونه مع ضمير الفاعل المتحرّك على ثلاثة أحرف في المتكلّم والمخاطب المذكّر والمؤنّث نحو: قلت وبعت بضم التاء وفتحها وكسرها، ويسمّى معتلّ اللام منقوصا لنقصان ¬
ذكر أبنية الاسم الثلاثي المجرد
الحركة منه حال الرفع نحو: يغزو ويرمي أو لنقصان الّلام منه في الاسم نحو: قاض وفي الفعل في الجزم نحو: لم يغز (¬1)، ويقال له أيضا ذو الأربعة لأنه مع ضمير المتكلمّ والمخاطب المذكّر والمؤنّث على أربعة أحرف كقولك: غزوت وشريت بضم التاء وفتحها وكسرها ويسمى/ معتلّ الفاء والعين معا نحو: يوم، ومعتلّ العين والّلام معا نحو: طوى لفيفا مقرونا، لالتفاف حرفي العلّة واقترانهما، ويسمّى معتلّ الفاء والّلام نحو: ولي، لفيفا مفروقا لافتراق حرفي العلّة بغيرهما. وأمّا المضاعف: فالثلاثي ما كان عينه ولامه من جنس واحد نحو: مدّ وشدّ، والرباعي ما كان أوله وثالثه من جنس واحد، وثانيه ورابعه من جنس واحد نحو: صلصل. وأمّا المهموز: فهو ما كان أحد أصوله همزة فإن كانت فاء سمّي البناء قطعا، ومهموز الفاء نحو: أكل، وإن كانت عينا فيقال له: نبر ومهموز العين نحو: سأل، وإن كانت لاما فيقال له: همز، ومهموز اللام كقرأ، فلا يقاس وعدت على رميت في التسمية بذي الأربعة، ولا مهموز العين على مهموز الّلام في التسمية بالهمز، ولا مهموز الّلام على مهموز العين في التسمية بالنبر، لأنّ الصحيح أن لا قياس في اللغة. ذكر أبنية الاسم الثلاثي المجرّد (¬2) وأبنيته أكثر من أبنية الرباعي والخماسي وهي عشرة، والقسمة تقتضي اثني عشر، من ضرب ثلاث حركات، الأول في أربع حالات الثاني، وسقط فعل بضمّ الفاء وكسر العين، وفعل بكسر الفاء وضمّ العين استثقالا للخروج من الضمّة إلى الكسرة وبالعكس (¬3) وأمّا الدّئل بضمّ أوله وكسر ثانيه، فعلم منقول من فعل ما لم يسمّ فاعله (¬4)، وأمّا الحبك (¬5) بكسر أوله وضمّ ثانيه إن ثبت فعلى تداخل اللّغتين ¬
لأنّه ورد حبك بكسرهما، وحبك بضمهما، فركّب الحبك من كسرة فاء أحدهما وضمّة عين الآخر، وأمّا العشرة الباقية (¬1) فأربعة بفتح الفاء مع سكون العين وفتحها وكسرها وضمّها، كفلس وفرس وكتف وعضد، وثلاثة بكسر الفاء مع سكون العين وفتحها وكسرها، كحبر وعنب وإبل، وثلاثة بضمّ الفاء مع سكون العين وفتحها وضمّها، كقفل وصرد وعنق (¬2)، وبعض هذه الأمثلة قد يردّ إلى بعض فيكون الوزن الثاني فرعا من الأول فلفعل بفتح الفاء وكسر العين ممّا ثانيه حرف حلق مثل فخذ، له فروع ثلاثة: فعل كفخذ، وفعل كفخذ، وفعل كفخذ (¬3) وكذلك القول فيما أشبهه (¬4)، والفعل في ذلك كالاسم أعني أنّ الفعل إذا كان أوله مفتوحا وثانيه حرف حلق مكسور كشهد فله ثلاثة فروع فعل كشهد، وفعل كشهد بفتح الشين وكسرها مع سكون الهاء، وفعل كشهد بكسرهما، فإن لم يكن ثاني فعل حرف حلق نحو: كتف فله فرعان فقط، كتف وكتف على فعل وفعل بفتح الفاء وكسرها مع سكون العين، ولم يجز فيه كتف بكسرهما، لأنّ كسرة التاء ليست بقوية مثل قوّة كسرة حرف الحلق التي ناسبت لقوّتها أن تتبع بكسرة أخرى، ولفعل بفتح الفاء وضمّ العين مثل: عضد فرع واحد وهو عضد، بفتح فاء الفعل وسكون العين، ولفعل بضمّ الفاء والعين مثل: عنق فرع واحد أيضا وهو عنق بضمّ الفاء وسكون العين، ولفعل بكسر الفاء والعين/ مثل: إبل فرع واحد أيضا وهو: إبل بكسر الفاء وسكون العين، إلّا أنّ إسكان عين الفعل في عنق أفصح من إسكانها في إبل وفي فعل بضم الفاء وسكون العين كقفل: خلاف، فبعضهم يجوّز فيه فعل بضمهما (¬5) لمجيء عسر ويسر في عسر ويسر، والأكثر يمنعون منه، ويمنعون من أن يكون عسر فرعا لعسر بل هما أصلان، وهو الأجدر لئلا يلزم الانتقال من الخفّة إلى الثقل. ¬
ذكر أبنية الاسم الرباعي المجرد
ذكر أبنية الاسم الرباعي المجرّد (¬1) وهي خمسة بالاستقراء: أحدها: فعلل بفتح الفاء والّلام وسكون العين (¬2) نحو: جعفر. ثانيها: فعلل بكسر الفاء والّلام وسكون العين (¬3) نحو: زبرج وهو من أسماء الذهب. ثالثها: فعلل بضمّ الفاء والّلام وسكون العين (¬4) نحو: برثن (¬5). رابعها: فعلل بكسر الفاء وسكون العين وفتح الّلام (¬6) نحو: درهم. خامسها: فعلل بكسر الفاء وفتح العين وسكون الّلام الأولى (¬7). نحو: قمطر (¬8) وزاد الأخفش (¬9) بناء سادسا وهو: فعلل بضمّ الفاء وسكون العين وفتح الّلام نحو: جخدب (¬10) وسيبويه يرويه بضمّ الدّال (¬11) وأمّا ما ورد من الرباعي على خلاف ذلك وهو نحو: جندل (¬12) بفتح الفاء والعين وكسر اللام، وعلبط (¬13) بضمّ الفاء وفتح العين وكسر الّلام، فلا يعتدّ به لندوره، لأنّ كلامهم لا يجتمع فيه أربع ¬
ذكر أبنية الاسم الخماسي المجرد
حركات متوالية في كلمة واحدة، فحملا على أنّ الأصل جنادل وعلابط (¬1). ذكر أبنية الاسم الخماسي المجرّد (¬2) وهي أربعة: أحدها: فعلّل بفتح الفاء والعين وسكون الّلام الأولى وفتح الثانية نحو سفرجل (¬3). ثانيها: فعللّ بكسر الفاء وسكون العين وفتح الّلام الأولى وسكون الّلام الثانية نحو قرطعب (¬4) وهي الخرقة. ثالثها: فعلل بفتح الفاء وسكون العين وفتح الّلام الأولى وكسر الّلام الثانية (¬5) نحو: قهبلس وهو الذكر. رابعها: فعلل بضمّ الفاء وفتح العين وسكون الّلام الأولى وكسر الّلام الثانية (¬6) نحو: قذعمل وهو الشيء القليل انتهى الكلام على الأبنية الأصول. فصل في أبنية المزيد فيه (¬7) والمراد بالمزيد فيه ما زيد على أصوله بعض حروف الزيادة التي يجمعها اليوم تنساه حسبما نذكر هذه الحروف مفصلة في فصل الزيادة من المشترك إن شاء الله، والمذكور هنا إنما هو أبنية الاسم المزيد فيه الثلاثي ثم الرباعي ثم الخماسي، وقبل ذكر الثلاثي المزيد فيه لا بدّ من تقديم كلام على الزيادة. فنقول: الزيادة (¬8) تنقسم إلى زيادة من جنس حروف الكلمة ويقال لها الزيادة ¬
ذكر أبنية الاسم الثلاثي المزيد فيه
من موضعها كدال مهدد (¬1) وإلى زيادة من غير جنس حروف الكلمة كهمزة أحمر، وتكون الزيادة للإلحاق ولغير الإلحاق؛ والزيادة التي من جنس حروف الكلمة، إنّما تكون بتكرير حرف أصلي من العين أو الّلام؛ بأن يزاد على العين مثلها أو على الّلام مثلها فيحصل العين أو الّلام مضاعفة؛ إمّا بإدغام أو بغير إدغام، فمثال مضاعفة العين بغير إدغام، خفيفد وهو الظّليم (¬2) وبإدغام تبّع (¬3) ومثال مضاعفة اللام بغير إدغام خفيدد، وهو الظليم أيضا وأصلهما من الخفد وهو الإسراع، وبإدغام خدبّ وهو الضخم (¬4) وأما الفاء فلا تضاعف وحدها فإنّه لم يأت ففعل، وإنما تضاعف/ مع العين نحو: مرمريس وهو من أسماء الدّاهية ووزنه: فعفعيل، ولم تضاعف الفاء مع الّلام فلم يأت ففعلل، وجاءت العين مضاعفة من الّلام نحو: صمحح وهو الشديد ووزنه فعلعل (¬5). ذكر أبنية الاسم الثلاثي المزيد فيه (¬6) والزيادة كثرت في الثلاثي لسهولته وكثرة استعماله، وتقع الزيادة الواحدة فيه في أربعة مواضع؛ ما قبل الفاء، وما بين الفاء وبين العين، وما بين العين وبين الّلام، وما بعد الّلام، وتقع في هذه المواضع زيادة واحدة واثنتان وثلاث وأربع وهي غاية الزيادة كما سنذكر. ¬
ذكر الزيادة الواحدة بحسب المواضع الأربعة المذكورة
ذكر الزيادة الواحدة بحسب المواضع الأربعة المذكورة (¬1) أمّا قبل الفاء، فتقع فيه أحد أحرف أربعة، وهي: الهمزة، والميم، والتاء، والياء (¬2) نحو: أجدل (¬3) ومقتل، وتتفل (¬4) ويرمع (¬5)، وزاد الأخفش الهاء أيضا (¬6) نحو: هبلع (¬7). وأمّا ما بين الفاء والعين (¬8)، فأحد حروف خمسة، وهي: الألف والهمزة والياء والنون والواو (¬9)، نحو: خاتم وشأمل (¬10) وضيغم (¬11) وقنبر وعوسج (¬12). وأمّا ما بين العين والّلام (¬13)، فزيادته إمّا أحد الحروف الخمسة المزيدة بين الفاء والعين نحو: شمأل وغزال وحمير وترنج (¬14) وقعود، وإمّا من موضعها نحو: قنّب وسلّم. وأمّا ما بعد الّلام (¬15)، فهي إمّا حرف من حروف الزيادة نحو ألف الإلحاق في ¬
ذكر الزيادتين المفترقتين
نحو: معزى، أو ألف التأنيث في نحو: حبلى أو النون (¬1). في نحو: رعشن (¬2)، أو من موضعها بغير إدغام نحو: قردد، وهو الغليظ، أو بإدغام نحو: معدّ (¬3) وأما الزيادتان، فعلى قسمين: مفترقتين ومجتمعتين. ذكر الزيادتين المفترقتين (¬4) وهو أن يقع في الاسم الثلاثي زيادتان يفصل بينهما إمّا أحد الأصول أعني الفاء والعين واللّام، أو اثنان منها أو جميعها، وتقع الزيادتان بحسب ذلك على ستة أوجه: أحدها: أن تقعا قبل الفاء وبعدها بحيث تصير الفاء فاصلة بينهما فمن ذلك أن تكون الأولى التي قبل الفاء همزة وتكون الثانية إمّا نونا نحو: ألنجج (¬5) أو ألفا نحو: أجادل، ومنه: أن تكون الأولى ميما والثانية ألفا نحو: مساجد، ومنه: أن تكون الأولى تاء والثانية ألفا نحو: تناضب وهو شجر (¬6) ومنه أن تكون الأولى ياء والثانية ألفا أيضا نحو: يرامع، والفاء الفاصلة بين الزيادتين المذكورتين في ذلك كلّه هي لام ألنجج، وجيم أجادل وسين مساجد، ونون: تناضب وراء يرامع، فوزن ألنجج أفنعل، وأجادل أفاعل، ومساجد مفاعل وتناضب تفاعل، ويرامع يفاعل، وعلى نحو ذلك تأتي باقي أقسام هاتين الزيادتين المفترقتين (¬7). ثانيها: (¬8) أن تقع الأولى بين الفاء والعين والثانية بين العين واللّام (¬9) فتصير العين فاصلة بينهما؛ فمنه: أن تكون الأولى ألفا والثانية واوا نحو: عاقول وهو ¬
ما يستدير في البحر (¬1) ومنه: عكس ذلك نحو: طومار وهو السجلّ (¬2) ومنه: أن تكون الأولى ياء والثانية إمّا ألفا نحو: ديماس (¬3) أو واوا نحو: قيصوم (¬4) ومنه: أن تكون الأولى واوا والثانية ألفا نحو: توراب وهو التراب. ثالثها: (¬5) أن تقع الأولى بين العين واللّام، والثانية بعد اللّام فتصير اللّام فاصلة بينهما (¬6) فمنه: أن تكون الأولى ياء والثانية ألفا نحو: قصيرى وهي الضلع/ السّفلى، ومنه: أن تكون الأولى نونا والثانية ألفا نحو: قرنبى، وقرنبى مقصور بفتح القاف والراء، دويبة مثل الخنفساء وأعظم، ومنه: أن تكون الأولى ألفا والثانية ألفا نحو: حبارى (¬7) ومنه: أن تكون الأولى ياء والثانية من موضعها نحو: خفيدد، ومنه: أن تكون الأولى نونا والثانية هاء التأنيث نحو: جرنبة اسم مكان (¬8). رابعها: (¬9) أن تقع الأولى قبل الفاء والعين، والثانية بين العين واللّام فتصير الفاء والعين معا فاصلتين بينهما، فمنه: أن تكون الأولى همزة والثانية ألفا وذلك في ما هو على وزن إفعال نحو: إعصار، ومنه: أن تكون الأولى همزة والثانية ياء نحو: إخريط وهو نبت، ومنه: أن تكون الأولى تاء والثانية إمّا ياء نحو: تنبيت (¬10) على تفعيل أو واوا نحو: تذنوب. على تفعول وهو البسر الذي بدأ فيه الإرطاب (¬11) ¬
أو واوا من موضعها نحو: تنوّط على تفعّل بضمّ العين جمع تنوّطة وهو طائر (¬1) مثل التكسّر والتقطّع في المصادر، ومنه: أن تكون الأولى تاء أيضا والثانية من موضعها، إمّا شين نحو: تبشّر على تفعّل بضمّ التاء وكسر العين، وهو اسم طائر يسمّى الصّفراية (¬2) وإمّا باء نحو: تهبّط بكسر التاء والهاء وتشديد العين المكسورة وهو طائر أيضا (¬3) ومنه: أن تكون الأولى همزة والثانية واوا نحو: أسلوب ومنه: أن تكون الأولى ميما، والثانية إمّا ألفا نحو: مفتاح أو واوا نحو: مضروب، أو ياء نحو منديل، ومنه: أن تكون الأولى تاء والثانية ألفا نحو: تمثال ومنه: أن تكون الأولى ياء، والثانية إمّا واوا نحو: يربوع أو ياء نحو: يعضيد وهو نبت. خامسها: (¬4) أن تقع الأولى قبل العين والثانية بعد اللّام فتصير العين واللّام معا فاصلتين بينهما (¬5) فمنه: أن تكون الأولى ياء والثانية ألفا نحو: خيزلى، وهي مشية (¬6). سادسها: (¬7) أن تقع الأولى قبل الفاء والثانية بعد اللّام فتصير الفاء والعين واللّام فاصلة بينهما فمنه: أن تكون الأولى همزة والثانية ألفا (¬8) نحو: أجفلى وهو الدّعوة العامّة ومنه: أن تكون الأولى همزة والثانية من موضعها (¬9) نحو: أترجّ (¬10) ¬
ذكر الزيادتين المجتمعتين
الجيم الثانية أيضا زائدة لقولهم في معناه: ترنج، ومثله إرزبّ وهو القصير (¬1) الباء الثانية زائدة مثل أترجّ. ذكر الزيادتين المجتمعتين (¬2) وتقعان (¬3) في المواضع الأربعة كما وقعت الزيادة الواحدة أعني قبل الفاء وبين الفاء والعين، وبين العين واللّام، وبعد اللّام، فذلك أربعة أوجه: أحدها: أن تقعا قبل الفاء ولا يكون ذلك إلّا في الأسماء الجارية على الفعل نحو: الميم والنون، والميم والسين، والميم والهاء في منطلق ومستطيع ومهراق، ولم تقع (¬4) في غيرها إلّا في قولهم للشيخ: إنقحل وانقحر (¬5) فالهمزة والنون (¬6) زائدتان (¬7). ثانيها: (¬8) أن تقعا بين الفاء والعين، وأكثر ما يكون ذلك في جمع التكسير فمنه: حواجر (¬9) وغيالم (¬10) وجنادب (¬11) فالواو والياء والنون مع الألفات الثلاث زوائد وقد جاء في الإفراد قولهم: جمل دواسر (¬12). ¬
ثالثها: (¬1) أن تقعا بين العين واللّام، وتقعان على فعّال (¬2) كخطّاف (¬3) الطاء الثانية والألف زائدتان، ومنه: كلّاء (¬4) وهو موضع السفن من السّاحل فالهمزة هي لام الكلمة وقبلها/ الزيادتان، وهما اللّام الثانية المدغم فيها والألف، ومثله بالشرح حنّاء وكذلك صوّام ونسّاف اسم طائر، وتقعان أيضا على فعوال (¬5) كقرواش (¬6) وعلى فعيال (¬7) كجريال (¬8) وعلى فعيول (¬9) كهليون (¬10)، وعلى فعّيل (¬11) كبطّيخ، وعلى فعنعل (¬12) كعقنقل (¬13) النون والقاف الثانية زائدتان وعلى فعامل (¬14) نحو دلامص (¬15). رابعها: (¬16) أن تقعا بعد اللّام فمنه: الألف والهمزة أخيرا فيما جاء على وزن ¬
ذكر الزيادات الثلاث المفترقة
فعلاء (¬1) نحو: ضهياء (¬2) وحمراء، وعلى فعلاء (¬3) بالكسر نحو: علباء (¬4) ومنه: الألف والنون في نحو: كروان ومرجان وعثمان وسلطان ومنه: الواو والتاء في نحو: جبروت (¬5) والألف والطاء الأخيرة في نحو: فسطاط (¬6) ومنه: الميم والحاء الأخيرتان في صمحمح ووزنه فعلعل (¬7) بالفتح، والرّاء والحاء الأخيرة في ذرحرح (¬8) ووزنه فعلعل (¬9) بالضمّ، وأمّا الزيادات الثلاث فتقع (¬10) مفترقة ومجتمعة. ذكر الزيادات الثّلاث المفترقة (¬11) فمن ذلك أن تقع الأولى قبل الفاء والثانية بين العين واللّام، والثالثة بعد اللّام نحو اهجيرى (¬12) الهمزة ثمّ الياء ثمّ الألف الأخيرة زوائد (¬13)، ومنه: أن تقع الأولى قبل الفاء والثانية بين الفاء وبين العين، والثالثة بين العين وبين اللام فمنه: مخاريق (¬14) فالزوائد المتفرقة الميم ثمّ الألف ثمّ الياء (¬15) ومنه: تماثيل، التاء ثمّ الألف ثم الياء زوائد (¬16) ومنه: يرابيع (¬17) الياء ثمّ الألف ثم الياء الثانية ¬
ذكر الزيادات الثلاث المجتمعة
زوائد (¬1). ذكر الزيادات الثّلاث المجتمعة (¬2) ويقعن في ثلاثة مواضع، قبل الفاء، وبين العين واللّام، وبعد اللّام، أمّا وقوعهنّ قبل الفاء فلا يكون إلّا في اسم جار على الفعل وذلك في مستفعل نحو: مستخرج الميم والسين والتاء زوائد، وأمّا وقوعهنّ بين العين واللّام فنحو: سلاليم الألف ثمّ اللّام ثمّ الياء زوائد (¬3) وأمّا وقوعهنّ بعد اللّام فنحو: ما جاء على فعليان كصلّيان (¬4) الياء ثمّ الألف ثم النون زوائد، أو على فعلوان (¬5) نحو: عنفوان، الواو ثم الألف ثم النون زوائد، أو على فعلياء نحو: كبرياء، الياء ثمّ الألف ثمّ الهمزة زوائد (¬6). ذكر الزيادات الثّلاث على وجه تنفرد واحدة وتجتمع ثنتان (¬7) فمنه: أن تقع واحدة منفردة قبل الفاء، وثنتان مجتمعتان بعد اللّام نحو: أفعوان (¬8) فالهمزة قبل الفاء منفردة والألف والنون بعد اللّام مجتمعتان ووزنه (¬9) أفعلان (¬10) ومن ذلك: إضحيان (¬11) وأربعاء (¬12) ومنه: أن تقع المنفردة بين الفاء ¬
ذكر الزيادات الأربع
والعين والمجتمعتان بعد اللّام ويجيء على فنعلاء نحو: خنفساء (¬1) النون بين الفاء والعين منفردة، والألف والهمزة بعد اللّام مجتمعتان، ويجيء كذلك على فيعلان (¬2) كهيّبان أي هيوب ومنه: أن تقع المنفردة بين العين واللام نحو: فساطيط (¬3) وسراحين، فالألف زائدة منفردة فيهما بين العين واللام، والياء والطاء الأخيرة مجتمعتان بعد اللام، والياء والنون في سراحين (¬4) كذلك، ومن ذلك قلنسوة على فعنلوة (¬5) النون منفردة بين العين واللّام، والواو والهاء مجتمعتان بعد اللّام. ذكر الزيادات الأربع (¬6) وهي تقع في الثلاثي المذكور في مصدر افعيلال نحو: اشهيباب (¬7) ففيه أربع زيادات، الهمزة أولا للنطق بالساكن، ثم الياء لأنّها بدل من ألف اشهابّ/ قلبت في المصدر ياء لانكسار ما قبلها، ثمّ الألف التي بين الباءين ثم الباء الأخيرة لأنّها مكررة ألا ترى أنها ليست موجودة في الشهبة، وهذه غاية ما تنتهي إليه بنات (¬8) الثلاثة، وكذلك احميرار، الهمزة ثمّ الياء ثمّ الألف ثم الراء الأخيرة زوائد (¬9) وكذلك تقع الزوائد الأربع في الاستفعال نحو: استخراج، الهمزة ثم السين ثم التاء ثم الألف زوائد، وفي عاشوراء الألف ثم الواو ثم الألف الأخرى ثم الهمزة زوائد (¬10). ذكر أبنية الاسم الرباعي المزيد فيه وتقع في الرباعي زيادة وثنتان وثلاث. ¬
ذكر الزيادة الواحدة في الرباعي
ذكر الزيادة الواحدة في الرباعي (¬1) وهي تقع فيه قبل الفاء، وبين الفاء والعين، وبين العين واللّام الأولى، وبين اللّام الأولى والثانية، وبعد اللام الأخيرة، أما ما قبل الفاء فلا تلحقه الزيادة إلّا أن يكون اسما جاريا على الفعل نحو: مدحرج (¬2) وأمّا ما بين الفاء والعين فتزاد فيه النون نحو: قنفخر (¬3) وهو الضخم، وكنتأل (¬4) بضمّ الكاف وهو القصير، وكنهبل (¬5) وهو شجر (¬6). وأمّا ما بين العين واللام الأولى فتزاد الألف والياء والواو والنون، أمّا الألف فتقع في المفرد كعذافر (¬7) وهو الجمل العظيم، وفي الجمع كحبارج (¬8) وأمّا الياء فنحو: سميدع (¬9) وهو السيد، وأما الواو فنحو: فدوكس (¬10) وهو من أسماء الأسد، وأمّا النون فتختصّ بالصفات نحو: حزنبل (¬11) وهو القصير، وأمّا ما بين اللّامين فتزاد فيه الياء والواو والألف واللّام من موضعها، والراء من موضعها أمّا الياء فتزاد على فعليل بكسر الفاء (¬12) كقنديل وعلى فعليل بالضمّ (¬13) كغرنيق (¬14) وأمّا الواو فعلى فعلول (¬15) كزنبور، وعلى فعلول (¬16) كفردوس، وعلى ¬
فعلول (¬1) مثل كنهور وهو السحاب (¬2)، وعلى فعلول بفتح الفاء والعين (¬3) كقربوس (¬4)، وأمّا الألف فعلى فعلال بفتح الفاء وسكون العين (¬5) كصلصال (¬6) وعلى فعلال بكسرها (¬7) كسرداح وهي النّاقة العظيمة، وأمّا اللّام من موضعها فعلى فعلّل (¬8) كشفلّح وهو ثمر الكبر (¬9) والراء من موضعها نحو: زمرّد (¬10) وصفرّق (¬11)، وهو ضرب من النبات، وأمّا ما بعد اللّام الأخيرة فتزاد الألف واللّام والباء من موضعها، أمّا الألف فتزاد آخرا فيما جاء على وزن فعلّى (¬12) نحو: حبركى وهو الطويل الظّهر القصير الرجلين، وعلى فعللى (¬13) نحو: قرقرى اسم أرض (¬14) وعلى فعللى (¬15) نحو: هندبى (¬16) وعلى فعلّى (¬17) نحو: سبطرى وهي مشية فيها تبختر، وأمّا اللّام من موضعها فتزاد على فعلّل (¬18) نحو: سبهلل وهو الفارغ، وأمّا ¬
ذكر الزيادتين المفترقتين
الباء من موضعها فتزاد على فعللّ (¬1) نحو قرشبّ وهو المسنّ من الرجال، وعلى فعللّ (¬2) نحو: طرطبّ وهو الثدي العظيم، وأمّا الزيادتان في الرباعي فعلى قسمين: مفترقتين ومجتمعتين. ذكر الزيادتين المفترقتين (¬3) وتقعان في الرباعي على أوجه: أحدها: أن تقع الأولى بين العين واللّام الأولى، وتقع الثانية أخيرا بعد اللّام الثانية بحيث تفصل (¬4) اللّامان بين الزيادتين، فمن ذلك أن تكون الأولى واوا والثانية ألفا نحو: حبوكرى من أسماء الداهية على فعوللى (¬5). ثانيها: أن تقع الأولى بين الفاء والعين، والثانية بين اللّامين بحيث/ تفصل العين واللّام الأولى بين الزيادتين، فمنه: أن تكون الأولى ياء والثانية واوا نحو: خيتعور وهو كلّ شيء لا يدوم على حالة واحدة كالسّراب ووزنه فيعلول (¬6) ومنه: أن تكون الأولى نونا والثانية واوا نحو: منجنون (¬7) ووزنه فنعلول (¬8). ثالثها: أن تقع الأولى بين العين واللّام، والثانية بين اللّامين بحيث تصير اللّام الأولى فاصلة بين الزيادتين، فمنه: أن تكون الأولى ألفا والثانية ياء نحو: كنابيل (¬9) ¬
ذكر الزيادتين المجتمعتين
على وزن فعاليل، وهو من أسماء الأرض، ومنه أن تكون الأولى نونا والثانية ألفا نحو: جحنبار (¬1) وهو القصير على وزن فعنلال. ذكر الزيادتين المجتمعتين (¬2) وتقعان في الرباعي على أوجه: أحدها: أن تقعا مجتمعتين بين اللّامين، فمنه: أن تكون الأولى واوا والثانية ياء نحو: قندويل وهو الجمل (¬3) العظيم الرأس ووزن فعلويل (¬4). ثانيها: أن تقعا طرفا بعد اللّام الثانية، فمنه: أن تكون الأولى واوا والثانية هاء نحو: قمحدوة وهي خلف الرأس ووزنها فعلّوة (¬5) وزعم الجوهري أنّ الميم هي الزائدة (¬6) ومنه: أن تكون الأولى ياء والثانية هاء نحو: سلحفية (¬7)، ومنه: أن تكون الأولى واوا والثانية تاء نحو: عنكبوت ووزنه فعللوت (¬8) ومنه: أن تكون الأولى ياء والثانية لاما نحو: عرطليل (¬9) وهو الطويل والزائد الياء واللّام الأخيرة لأنّها مضاعفة ومنه: ألف التأنيث الممدودة وألف المدّ قبلها على فعللاء (¬10) بالفتح نحو: عقرباء وهي (¬11) اسم بلد (¬12) وعلى فعللاء بالكسر (¬13) ¬
ذكر الزيادات الثلاث في الرباعي
نحو: هندباء ومنه: أن تكون الأولى ألفا والثانية نونا، على فعللان (¬1) بالفتح نحو: شعشعان وهو الطويل وعلى فعللان بالضمّ (¬2) نحو: عقربان (¬3) في الاسم، وقردمان في الصفة وهو القباء (¬4) المحشوّ كالكبر (¬5) وعلى فعللان بالكسر (¬6) نحو: حندمان اسم قبيلة (¬7). ثالثها: أن تقع الزيادتان بين اللّامين، فمنه: أن تكون الأولى ميما مدغما فيها والثانية ألفا نحو: طرمّاح (¬8) على فعلّال (¬9) الزيادة الأولى هي الميم المدغم فيها لأنّها مضاعفة والثانية الألف. ذكر الزيادات الثلاث في الرباعي (¬10) وذلك غاية زيادة الرباعي وتقعن فيه على أوجه: أحدها: أن تقع فيه واحدة بين العين واللّام وثنتان آخرا فمنه: أن تكون الأولى واوا والأخيرتان ألفا ونونا نحو: عبوثران (¬11) على فعوللان (¬12) ومنه: أن تكون الأولى ياء والأخريان ألفا ونونا نحو: عبيثران لغة في عبوثران (¬13) ونحو ¬
ذكر أبنية الاسم الخماسي المزيد فيه
عريقصان، اسم نبت على فعيللان (¬1) ومنه: أن تكون الأولى ألفا والأخيرتان ألفا وهمزة نحو: جخادباء على فعاللاء (¬2) وهو ضرب من الجراد (¬3). ثانيها: أن تكون الأولى بين اللّامين والأخريان آخرا، فمنه: أن تكون الأولى ألفا والأخريان ألفا وهمزة نحو: برناساء وهو النّاس على فعلالاء (¬4). ثالثها: أن تقع الثلاث مجتمعات في الآخر، فمنه: أن تكون الأولى باء والثانية ألفا والثالثة نونا نحو: عقربّان بتشديد الباء لغة في عقربان المخفّف ووزن عقربّان فعللّان (¬5) بضمّ الفاء وسكون/ العين وضمّ اللّام الأولى وتضعيف اللّام الثانية، وزوائده الباء الثانية للتضعيف والألف والنون. ذكر أبنية الاسم الخماسي المزيد فيه (¬6) ولا تكون (¬7) زيادته إلّا واحدة، إمّا ياء أو واوا أو ألفا ومحلّها بين اللّام الثانية والثّالثة، أمّا الياء فجاءت في مثالين: خندريس (¬8) على فعلليل (¬9) وخزعبيل وهو الأباطيل على فعلّيل (¬10) وأمّا الواو ففي مثالين أيضا عضرفوط على فعللول (¬11) وهو ذكر العظاء، ويستعور اسم بلد بالحجاز (¬12) وهو بوزن عضرفوط وحكموا بأصالة ياء يستعور لكونه غير جار على الفعل، لأنّ الزّيادة لا تلحق أوّل بنات الأربعة إلّا أن ¬
يكون جاريا على الفعل فتعيّنت الواو للزيادة، ومثلهما زنة قرطبوس (¬1) وأمّا الألف فنحو: قبعثرى ووزنه فعلّلى (¬2) وهو الجمل الضخم الكثير الوبر، وزيدت الألف آخرة لتكثير الكلمة وليست للتأنيث لأنه سمع منوّنا، ولا للإلحاق لأنّه ليس في الأصول ما هو على هذه العدة ليلحق به. انتهى قسم الاسم ولله الحمد والمنّة. [بعونه تعالى، تم الجزء الأول من كتاب الكناش ويليه الجزء الثاني وأوله القسم الثاني في الفعل] (¬3) ¬
بسم الله الرّحمن الرّحيم
القسم الثاني في الفعل
القسم الثاني في الفعل (¬1) الفعل ما دلّ على معنى في نفسه مقترن بأحد الأزمنة الثلاثة، فقوله: ما دلّ على معنى كالجنس، وقوله: في نفسه فصل يخرج الحرف، وقوله: مقترن بأحد الأزمنة الثلاثة يخرج الاسم. واعلم أنّ الحدث والزمان هما جزءا الفعل، وأحدهما مقارن للآخر، والفعل يدلّ عليهما بالوضع، وعلى كلّ منهما مفردا بالتضمّن، ومن خواصّه دخول قد لما فيها من تقريب الماضي من الحال، وذلك خاصّ بالفعل والسين وسوف، لأنّ وضعهما للدلالة على الاستقبال، والفعل مخصوص به الاستقبال، ومن خواصّه أيضا لحوق الضمائر المتصلة البارزة المرفوعة نحو: ضربت ضربتما ضربتم ضربت ضربا ضربوا ضربن، فهذه هي المختصّة بالفعل بخلاف الضمائر المستكنّة لدخولها الأسماء أيضا نحو: ضارب وضاربان وضاربون وبخلاف الضمائر التي ليست مرفوعة نحو: إنّه وله، فإنّها لا اختصاص لشيء منها بالفعل، وإنّما اختصّت المرفوعة البارزة بالفعل، لأنّها فاعلة والفاعل مختصّ بالفعل حقيقة، ومن خواصّه أيضا دخول تاء التأنيث الساكنة لأنّ وضعها ساكنة لتكون فرقا بين تاء الأسماء وتاء الأفعال (¬2) فوجب اختصاصها. ¬
ذكر الفعل الماضي
ذكر الفعل الماضي (¬1) الماضي هو الفعل الدّالّ على زمان قبل زمان أنت فيه أعني زمان الحال من غير قرينة كلم ولمّا، فما دلّ على زمان، شامل لجميع الأفعال، وخرج بقوله: قبل زمان أنت فيه، المستقبل والحال، وخرج بقوله: الفعل نحو: أمس، فإنّه وإنّ دلّ على زمان قبل زمانك، فإنّه ليس بفعل، ويفهم من هذا التعريف تعريف المستقبل بأن يقال: ما دلّ على زمان بعد زمانك، وتعريف الحال بأن يقال: ما دلّ على زمان هو زمان إخبارك، والماضي مبنيّ على الفتح لفظا نحو: ضرب أو تقديرا نحو: رمى، وبني على الفتح لكونه أخفّ، وسكّنوا آخر الفعل/ الماضي إذا اتصل به ضمير مرفوع متحرك نحو: ضربت وضربتما، لأنّ الضمير المرفوع المتصل كالجزء فلمّا كان متحركا كرهوا بقاء الفعل الماضي متحرّكا لئلا يؤدي إلى توالي أربع متحركات فيما هو كالكلمة الواحدة، وإذا اتّصل بالفعل الماضي واو الجمع كقولك: ضربوا وقتلوا ضمّوا آخره ليناسب الواو (¬2). ذكر الفعل المضارع (¬3) وهو ما أشبه الاسم بأحد حروف نأيت، ووجه المشابهة بين الفعل المضارع والاسم، وقوع كلّ منهما مشتركا ومخصصا، أما اشتراك الاسم فكرجل وأما تخصيصه فنحو: هذا الرجل، وأمّا اشتراك الفعل المضارع فنحو: يضرب لكونه للحال والاستقبال، وأمّا تخصيصه فنحو: سيضرب وسوف يضرب (¬4) وأمّا معاني حروف نأيت، فالهمزة للمتكلّم المفرد مذكّرا كان أو مؤنثا نحو: أضرب وآكل، والنون قد تستعمل للواحد للتعظيم كقوله تعالى: نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ (¬5) وللمتكلّم مع غيره نحو: نقوم مذكّرين كانا أو مؤنّثين أو أحدهما مذكرا والآخر مؤنثا ¬
ومجموعا كان أو مثنّى، والتاء للمخاطب المذكّر ولمثنّاه وجمعه نحو: تضرب يا زيد وتضربان يا زيدان وتضربون يا زيدون، وللمخاطب المؤنّث ولمثنّاه وجمعه نحو: تضربين يا هند وتضربان يا هندان، وتضربن يا هندات، وللمؤنث الغائبة والغائبتين نحو: هند تضرب والهندان تضربان، قال الله تعالى: وَلَمَّا وَرَدَ ماءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودانِ (¬1) والياء لكلّ غائب غير الغائبة والغائبتين كما تقدّم في التّاء فمثال ذلك (¬2): زيد يقوم والزيدان يقومان والزيدون يقومون، وللجمع المؤنّث نحو: الهندات يقمن (¬3). واعلم أنّ الفعل المضارع إذا اتّصل به نون جماعة المؤنّث التي هي ضمير الفاعل رجع مبنيّا (¬4) فلم تعمل فيه العوامل لما سنذكر نحو: أنتنّ تضربن وهنّ يضربن ولا تضربن، واعلم أنّ نحو؛ يفعلان ويفعلون ليس تثنية للفعل، ولا جمعا له، لأنّ الأفعال لا تثنّى ولا تجمع؛ لأنّ الغرض من التثنية والجمع الدلالة على الكثرة؛ ولفظ الفعل يعبّر به عن القليل والكثير فإنّ نحو قولك: قام زيد، محتمل أن يكون قد قام مرارا أو قام مرة، وإنّما التثنية والجمع في يفعلان ويفعلون للفاعل خاصّة، فإنّ الألف في يفعلان اسم وهي ضمير الفاعل وليست كالألف في الزيدان لأنّها حرف (¬5) وهي في يضربان اسم، وكذلك القول (¬6) في واو يضربون ونحوه فإنّها اسم وهو ضمير الفاعل، وواو زيدون حرف، وكذلك الياء في تضربين ضمير الفاعل وهي اسم وإذا قلت: الهندات ضربن وقمن فالنون اسم وهو ضمير راجع على الهندات وإذا قلت: قمن الهندات فالنون حرف مؤذن بأنّ الفعل للمؤنّث على لغة أكلوني البراغيث مثل التاء في: قامت هند (¬7)، ولا يجوز أن تكون ضميرا لئلا يلزم الإضمار قبل الذّكر، ¬
وأمّا الياء في نحو: اضربي واخرجي، فإنها اسم وهي ضمير الفاعل (¬1) وقال بعضهم: إنّها حرف علامة للتأنيث والفاعل مستكنّ (¬2) كما في المذكّر نحو: قم واذهب، والأول أصحّ (¬3). وأمّا حركات حروف المضارعة (¬4) فقد ضمّت في الرباعي خاصّة وهو ما كان على أربعة أحرف (¬5) نحو: أكرم وكرّم ودحرج وقاتل، تقول: يكرم ويكرّم ويدحرج ويقاتل بضمّ الياء في ذلك كلّه، وفتحت فيما سوى الرباعي سواء نقص عن الرباعي نحو: يضرب أو زاد عليه نحو: ينطلق وشذّ الضمّ في فعلين من الخماسي، وهما أهراق يهريق، واسطاع يسطيع، لأنّ الأصل أراق وأطاع فزيدت الهاء والسين على غير قياس (¬6) وإنّما أعرب المضارع دون غيره من الأفعال لمشابهته الاسم كما مرّ، وإعرابه مشروط بأمرين (¬7). أحدهما: عدم إتصاله بنون التأكيد خفيفة كانت أو ثقيلة كمثل: هل تضربن يا رجل، وهل تضربنّ يا رجل، والثاني: عدم إتصاله بنون جمع الإناث نحو: تضربن يا هندات والهندات يضربن حسبما تقدّم، وإنّما بني مع نون التأكيد، لأنّه لو أعرب على ما قبل النون لالتبس مع من هو له (¬8)، ولو أعرب على النون لكان إعرابا على ما أشبه التنوين فكان ذلك مانعا من إعرابه (¬9) وإنّما بني مع نون جمع المؤنّث لأنّه لو أعرب بالحركات لكان على خلاف قياس إعراب فعل الجمع، ولو أعرب بالنون لأدّى إلى الجمع بين ضميرين أو نونين مع ¬
ذكر إعراب المضارع
مخالفة أخواته فلذلك بني (¬1). ذكر إعراب المضارع (¬2) وهو رفع ونصب وجزم، لأنّ مشابهته بالاسم لمّا كانت قوية أعرب من ثلاث جهات كإعرابه، والجزم فيه عوض الجرّ، وليس إعراب الأفعال لمعنى الفاعليّة والمفعوليّة الموجودة في الأسماء، ولكن دخلها الإعراب على وجه من الشّبه اللفظي (¬3)، والفعل المضارع الصحيح (¬4) إذا لم يتصل به ضمير التّثنية مطلقا ولا ضمير الجمع المذكّر خاصة، ولا ضمير المخاطبة وكانت لامه صحيحة وهو الفعل الذي لا يكون في آخره ألف ولا واو ولا ياء نحو: تضرب، فإعرابه بالضمّة حال الرفع وبالفتحة حال النصب وبالسكون حال الجزم، تقول: هو يضرب ولن يضرب ولم يضرب، وأمّا الأفعال المتصل بها الضمير البارز المرفوع وهي خمسة كما سنذكر قريبا فإنّها لا تعرب بالحركات بل بإثبات النون وحذفها. ذكر إعراب الفعل المعتلّ (¬5) المعتلّ إن كان آخره ياء أو واوا فرفعه بضمّة مقدّرة، والنصب بفتحة ملفوظ بها، وجزمه بالحذف كقولك: زيد يغزو ولن يغزو ولم يغز، وكذلك القول فيما آخره ياء نحو: زيد يرمي ولن يرمي ولم يرم، وإن كان معتلّا بالألف فرفعه ونصبه بضمّة مقدّرة لامتناع تحريكها، وجزمه بحذف الألف كقولك: زيد يخشى ولن يخشى ولم يخش، وأمّا قوله تعالى: سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسى (¬6) فيحتمل أن تكون لا نافية، فيكون التقدير: نقرئك قراءة لا تنساها (¬7) وقد كثر في قولهم لم يكن حتى جاز حذف النون ¬
ذكر إعراب الأفعال التي تقدم أن إعرابها بإثبات النون وحذفها، وهي الأفعال المتصل بها الضمير المرفوع البارز
على وجه التخفيف فقالوا/ لم يك ولم يجز في غيره نحو: لم يخن، وضعف حذفها في نحو: لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ (¬1) لقوّتها بالحركة (¬2). ذكر إعراب الأفعال (¬3) التي تقدّم أنّ إعرابها بإثبات النون وحذفها، وهي الأفعال المتصل بها الضمير المرفوع البارز: (¬4) وهي خمسة: الأول: الفعل المتصل به ضمير المثنّى المخاطب سواء كان مذكّرا أو مؤنّثا نحو: تضربان يا زيدان، وتضربان يا هندان. الثاني: المتصل به ضمير المثنّى الغائب سواء كان مذكّرا أو مؤنّثا نحو: الزيدان يضربان، والهندان تضربان بتاء مثنّاة من فوقها. الثالث: المتصل به ضمير جمع المذكرين المخاطبين نحو: أنتم تضربون. الرابع: المتصل به ضمير جمع المذكرين الغائبين نحو: هم يضربون. الخامس: المتصل به ضمير المؤنّث المخاطبة نحو: أنت تضربين. وإعراب هذه الأنواع الخمسة بالحرف، رفعها بإثبات النون، ونصبها وجزمها بحذف النون نحو: لم يضربا لم يضربوا لم تضربي، لن يضربا لن يضربوا لن تضربي، ومنه قوله تعالى: فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ (¬5)، وكأنّهم لمّا حملوا النصب على الخفض في ضاربين وضاربين (¬6) حملوا النصب على الجزم في تضربان ويضربون وتضربون وتضربين، لئلا يكون للفعل على الاسم مزية. ¬
ذكر الفعل المضارع المرفوع
ذكر الفعل المضارع (¬1) المرفوع (¬2) ويرتفع المضارع إذا تجرّد عن الناصب والجازم (¬3) وهو مذهب الكوفيين، ومذهب البصريين أنه مرتفع (¬4) بوقوعه موقع الاسم (¬5) كقولك: زيد يقوم فيقوم في موضع قائم، لأن خبر المبتدأ في الأصل إنما يكون اسما مثله وكذلك قولك: مررت برجل يقوم، هو في موضع قائم فالرافع له وقوعه موقع الاسم مرفوعا كان الاسم أو منصوبا أو مجرورا، وقد أورد على مذهب البصريين أنّ الفعل يرتفع ولا يصحّ أن يقع موقع الاسم في قولك: كاد زيد يقوم، إذ لا يقال: كاد زيد قائما، وأجابوا: أن الأصل صحة وقوع الاسم موقع الفعل المذكور، فيقال: كاد زيد قائما لكنّهم تركوا الأصل لغرض وهو أنّ معنى كاد زيد يقوم، قارب زيد القيام فعدلوا عن الأصل إلى لفظ الفعل، ليكون أدلّ على ما أرادوه من المقاربة وقد استعمل الأصل في قول الشاعر: (¬6) فأبت إلى فهم وما كدت آيبا … ... فهو على هذا واقع موقع الاسم. ذكر الفعل المضارع (¬7) المنصوب (¬8) وينتصب الفعل المضارع بأن ولن وإذن وكي، وأمّا باقي الحروف كالفاء وأو ¬
والواو وحتّى واللام، فالنصب إنّما هو بأن مقدرة بعدها. فأن الناصبة: معناها الطّمع والرجاء المنافيان لمعلوم التحقّق، ولذلك اشترط لها أن لا يكون قبلها فعل من أفعال العلم؛ لأنّ الواقع بعد العلم معلوم التّحقق، فلذلك لم تقع بعد العلم ومتى وقع بعد العلم أن فلا ينتصب/ بها الفعل لأنّها تكون المخفّفة من الثقيلة لا الناصبة ويلزم المخففة من الثقيلة الواقعة بعد العلم أحد ثلاثة أشياء إمّا؛ قد، أو حرف استقبال، أو حرف نفي، كما سنذكر ذلك مع أنّ المشددة، وإن وقعت أن المخففة بعد فعل ظنّ فيجوز أن تكون هي المخفّفة من الثقيلة ويلزمها حينئذ ما شرط فيها ويجوز أن تكون الناصبة كقوله تعالى: وَحَسِبُوا أَلَّا تَكُونَ فِتْنَةٌ (¬1) برفع تكون ونصبه في السبعة (¬2) وإنّما جاز الوجهان، لأنّ الظنّ إن رجح فيه التحقّق أجري مجرى العلم، وإن رجح فيه الرجاء والشك لم يجر مجرى العلم وعملت حينئذ. ولن: (¬3) تنصب مطلقا ومعناها نفي المستقبل مثل لا، إلّا أنّ لن آكد، تقول لا أبرح، فإذا أكدت قلت: لن أبرح (¬4)، قال الله تعالى: فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ (¬5). وإذن: (¬6) تنصب في المستقبل بشرط ألّا يعتمد ما بعدها على ما قبلها نحو قولك: إذن أكرمك جوابا لمن قال: أنا آتيك، فإذا انتفى الاستقبال بطل عملها نحو قولك لمن حدّث: إذن أظنّك كاذبا برفع أظنّك لأنّ الفعل للحال، ومثال بطلان عملها عند الاعتماد، قولك: أنا إذن أكرمك، لأنّ ما بعدها وهو أكرمك خبر المبتدأ (¬7) فلو عملت إذن، لزم توارد عاملين على معمول واحد، فألغيت إذن لذلك، وإذا وقعت إذن بعد الواو أو الفاء فالأفصح إلغاؤها (¬8) نحو قولك: وإذن أكرمك بالرفع في ¬
ذكر إضمار أن
جواب من قال: أنا آتيك، قال الله تعالى: وَإِنْ كادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْها وَإِذاً لا يَلْبَثُونَ خِلافَكَ إِلَّا قَلِيلًا (¬1) وقريء في غير السبعة: وإذن لا يلبثوا بحذف النون للنصب (¬2) .. وكي: (¬3) تنصب أبدا ومعناها أنّ ما قبلها سبب لما بعدها كقولك: أسلمت كي أدخل الجنة، فإنّ الإسلام سبب دخول الجنّة، وهي ناصبة للفعل المضارع عند الكوفيين وهو اختيار ابن الحاجب (¬4)، وذهب بعضهم (¬5) إلى أنّ كي حرف جرّ فلا تدخل على الفعل إلّا بتقدير أن بعدها، وردّ بأنّها لو كانت حرف جرّ لما جاز الجمع بينها وبين اللّام في نحو قولك: قمت لكي تقوم (¬6). ذكر إضمار أن وأن تنصب الفعل مضمرة بعد خمسة أحرف وهي: حتّى واللّام والفاء والواو وأو. ذكر حتّى (¬7) أمّا حتّى فإنّها حرف جرّ فإذا وقع بعدها الفعل المضارع فلا بدّ وأن تكون في تأويل الاسم ليصحّ دخول حرف الجرّ عليه، ولا تكون بتأويل الاسم إلّا (بأن أو ما أو كي) ولا يستقيم تقدير ما لأنّها لا تعمل مظهرة فكيف تعمل مقدّرة، ولا تقدير كي لفساده في مثل: سرت حتّى تغيب الشمس، فتعينت أن فوجب تقديرها (¬8)، وإنّما ¬
ينتصب ما بعد حتّى بشرط أن يكون ما بعدها مستقبلا بالنظر إلى ما قبلها سواء كان مستقبلا عند الإخبار أو لم يكن نحو قولك: سرت أمس حتّى/ أدخل البلد بالنصب، إذ الغرض هو الإخبار عن الدخول المترقّب عند ذلك السير من غير نظر إلى حصوله (¬1) وتكون حتّى بمعنى كي، أي للسببيّة وهو الغالب نحو: أسلمت حتّى أدخل الجنّة، بمعنى كي أدخل الجنّة وتكون بمعنى إلى أي بمعنى انتهاء الغاية نحو: سرت حتّى تغيب الشمس، لأنّ السير ليس سببا لغيبوبة الشمس إلّا أنّ في حتّى معنى ليس في إلى وهو الاستبعاد والاستعظام، ألا ترى من قال ضربتهم حتّى صغيرهم، فإنّه يريد استعظاما ومبالغة حين أراد أنّ ضربه انتهى إلى الغاية القصوى، فإن فقد كون ما بعد حتّى مستقبلا بالنسبة إلى ما قبلها وذلك بإرادتك الحال نحو: سرت حتّى أدخل البلد، وأنت مخبر عن السير حال الدخول كانت حرف ابتداء فيرفع ما بعدها، وإنما لم ينصب حينئذ لامتناع تقدير أن، لأنّ أن للطمع والرّجاء الدّالّين على الاستقبال فلا تقدّر أن بعدها إذا كانت للحال لتحقّق المنافاة بين الحال والاستقبال، وإذا كانت حرف ابتداء وجب أن يكون ما قبلها سببا لما بعدها لأنّها إذا كانت حرف ابتداء صار ما بعدها مستقبلا في الإخبار به فوجب الاتصال المعنوي لتتحقّق (¬2) الغاية التي هي مدلولها، وذلك كقولهم: شربت الإبل حتّى يجيء البعير يجرّ بطنه (¬3) فهنا حتّى حرف ابتداء وما قبلها أعني الشرب سبب لما بعدها أعني جرّ البطن، ومن ذلك قولهم: مرض حتى لا يرجونه، فالمرض هو سبب عدم الرّجاء (¬4) ويمتنع: ما سرت حتى أدخلها بالرفع، لأنّ نفي السير ليس سببا للدخول (¬5) وكذلك يمتنع أسرت حتى تدخلها، لأنّه لا يستقيم إثبات المسبّب مع الشكّ في وجود السّبب، وكذلك يمتنع: كان سيري حتى أدخلها بالرفع إذا كانت كان الناقصة، ويتحتّم النصب لأنّ كان الناقصة تحتاج إلى خبر (¬6)، فلو رفعت ما بعد حتّى للزم أن تكون جملة تامة، لأنّ ¬
ذكر لام كي، ولام الجحود
التقدير حتّى أنا أدخلها فلا تكون هذه الجملة خبرا لكان لخلوها من الضمير العائد على اسم كان، ولفصل حتى بين اسم كان الذي هو سيري وبين ما وقع خبرا عنه من غير سبب، وأمّا لو زدت شيئا يصلح أن يكون خبرا لكان (¬1) وقلت مثلا: كان سيري سيرا متعبا أو أمس حتى أدخلها، جاز النصب والرفع، فتكون حتى في النصب بمعنى إلى أن، وفي الرفع حرف ابتداء أي حتّى أنا أدخلها، وكذلك يجوز الوجهان إذا كانت كان في المثال المذكور تامّة فإنّها لا تحتاج حينئذ إلى خبر ويصير التقدير: وجد سيري حتى أدخلها بالرفع والنصب على الوجهين المذكورين في حتى وأمّا قولك: أيّهم سار حتى يدخل/ البلد، فيجوز فيه الرفع والنصب لأنّه لم يشك في السير وإنّما شكّ في السائر ويكون المعنى في الرفع: أيّهم سار حتى هو يدخلها، وفي النصب: أيّهم سار إلى أن يدخلها (¬2). ذكر لام كي، ولام الجحود (¬3) أمّا لام كي؛ فمعناها معنى كي، وينصب الفعل بعدها بتقدير أن، وأمّا لام الجحود فهي لام لتأكيد النفي الداخل على كان كقوله تعالى: وَما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ (¬4) وينصب الفعل بتقدير أن بعدها كما قيل في حتّى، والفرق بينهما وبين لام كي، لزوم اختلال المعنى بحذف لام كي، بخلاف لام الجحود لكونها زائدة (¬5). ذكر الفاء الناصبة للفعل (¬6) أمّا الفاء فتنصب الفعل باضمار أن بشرطين: أحدهما: أن يكون ما قبلها سببا لما بعدها، والثاني: أن يكون قبلها أحد الأمور الستة وهي: الأمر والنهي والنفي ¬
والاستفهام والتمني والعرض (¬1) ولذلك ارتفع يغضب في قولهم: الذي يطير فيغضب زيد الذباب، لفوات أحد الأمور الستة وإن كانت الفاء فيه للسبب، وأمّا قول الشّاعر (¬2). سأترك منزلي لبني تميم … وألحق بالحجاز فأستريحا فأجري الكلام الموجب مجرى أحد الأمور الستة لضرورة الشعر. واعلم أنّ الفعل الذي بعد الفاء في تقدير المصدر، وهو معطوف بالفاء فوجب أن يجعل ما قبله في تقدير المصدر لئلا يلزم عطف الاسم على الفعل، فمثال الأمر: أكرمني فأكرمك أي ليكن منك إكرام فإكرام مني، ومثال النهي قوله تعالى: وَلا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي (¬3) أي لا يكن منكم طغيان فحلول غضب مني، ومثال النفي: ما تأتينا فتحدّثنا (¬4) أي لا إتيان منك فلا حديث، ومثال الاستفهام قوله تعالى: فَهَلْ لَنا مِنْ شُفَعاءَ فَيَشْفَعُوا لَنا (¬5) أي هل حصول شفعاء فشفاعة لنا، ومثال التمني قوله تعالى: يا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزاً عَظِيماً (¬6) أي ليت لي (¬7) كونا معهم ففوزا عظيما لي، ومثال العرض: ألا تزورنا فنكرمك، أي ألا يكون زيارة منك فإكرام منا. واعلم أنّ الفاء كما تنصب بإضمار أن بعد الأمور الستة كما ذكرناه فكذلك تنصب بعد الدعاء والتحضيض، مثال الدّعاء: اللهمّ ارزقني بعيرا فأحجّ عليه، ومثال ¬
ذكر الواو الناصبة للفعل
التحضيض قوله تعالى: لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ (¬1) لأنّ لولا هنا حرف تحضيض مثل هلا أي هلّا تأخير منك فتصدّق مني، وقد يرفع ما بعد الفاء إمّا على العطف كقوله تعالى: وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ (¬2) وإمّا على القطع كقول الشّاعر: (¬3) ألم تسأل (¬4) الرّبع القواء فينطق … ... أي فهو ينطق، لأنه لم يجعل السؤال سببا للنطق بل جعله ينطق مع قطع النّظر عن السؤال، وللفاء بعد النفي معنيان: أحدهما: ما تقدّم أعني مثال النفي وهو: ما تأتينا فتحدثنا أي لا إتيان فلا حديث/ لأنه إذا انتفى السّبب وهو الإتيان انتفى المسبّب وهو الحديث. والثاني: أن يكون بانتفاء أحد الأجزاء وهو نفي الحديث وإن وقع الإتيان فكأنه يقول: كلّما أتيتني لم تحدثني أي لا يجتمع الإتيان والحديث، ومنه قوله صلّى الله عليه وسلّم، «لا يموت لأحد ثلاثة من الولد فتمسّه النّار إلّا تحلّة القسم» (¬5) أي لا يجتمع على أحد موت ثلاثة من الولد ومسّ النار وهو مغاير للمعنى الأول قطعا (¬6). ذكر الواو الناصبة للفعل (¬7) أما الواو فتنصب الفعل بإضمار أن بشرطين: أحدهما: أن تكون الواو للجمع ¬
بين ما قبلها وما بعدها والثاني: أن يكون ما قبلها أحد الأمور المذكورة مع الفاء أعني الأمر أو النهي إلى آخرها. والعلّة في اشتراط الشرطين في الواو هي العلّة المذكورة في الفاء، والأحكام كالأحكام، لأنّ الواو والفاء للعطف ويلزم منه جعل الفعل الذي قبل الواو في تقدير المصدر، ليكون عطف الاسم على الاسم، فمثال الأمر: أكرمني وأكرمك أي فيجتمع الإكرامان (¬1)، ومنه قول الشّاعر (¬2): فقلت ادعي وأدعو إنّ اندى … لصوت أن ينادي داعيان بنصب أدعو أي ليجتمع الدّعاءان، ومثال النهي: لا تأكل السّمك وتشرب اللّبن، أي لا تجمع بينهما بمعنى لا يكون منك أكل للسمك وشرب للّبن (¬3)، ومن ذلك (¬4): لا تنه عن خلق وتأتي مثله … عار عليك إذا فعلت عظيم أي لا يكن منك نهي عن شيء وإتيان ما نهيت، ومثال الاستفهام قول الشّاعر: (¬5) ألم أك جاركم ويكون بيني … وبينكم المودّة والإخاء ¬
فالمسؤول عنه اجتماع الجوار والمودّة، ومثال النفي: ما تأتيني وتحدثني، فالمنفي اجتماع الأمرين، ومثال التمني: قوله تعالى: يا لَيْتَنا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ بِآياتِ رَبِّنا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (¬1) قريء في السبعة نكذّب ونكون بالنصب (¬2) فيهما والمعنى تمني اجتماع الأمرين وهو الردّ وانتفاء التكذيب (¬3) ومثال العرض: ألا تنزل عندنا وتصيب خيرا، ومثال التحضيض: هلّا تأتيني وتكرمني، وهذا معنى الجمعيّة في كلّ واحد من الأمثلة المذكورة، ويجوز الرفع بعد هذه الواو إمّا على العطف، وإمّا على القطع والاستئناف بحسب ما قبلها (¬4)، وينتصب أيضا بعد الواو العاطفة بتقدير أن إذا عطفت فعلا مضارعا على اسم ليكون في تأويل الاسم فيستقيم عطفه على الاسم نحو (¬5): للبس عباءة وتقرّ عيني … أحبّ إليّ من لبس الشّفوف بنصب تقرّ، وأمّا نحو قوله تعالى: وَيَعْفُ عَنْ كَثِيرٍ وَيَعْلَمَ الَّذِينَ (¬6) في قراءة - غير (¬7) نافع وابن عامر - النصب (¬8) فإنّه قدّر معطوفا على فعل مقدّر منصوب أي لينتقم ويعلم، وعند الكوفيين أنّ الفعل المضارع إذا صرف عن جواب الشرط إلى غيره كانت الواو ناصبة (¬9). ¬
ذكر أو الناصبة للفعل
ذكر أو الناصبة للفعل (¬1) وأو تنصب الفعل بتقدير أن، لأنّها في معنى إلى فيجب فيها تقدير أن، وقال بعضهم: إنّها في معنى إلّا المتصلة (¬2) ومنه قوله/ تعالى: لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظالِمُونَ (¬3) ومنه قول الشّاعر (¬4): وكنت إذا غمزت قناة قوم … كسرت كعوبها أو تستقيما إمّا بتقدير إلى أن، أو بتقدير إلّا أن، ومنه قول امرئ القيس (¬5): فقلت له لا تبك عينك إنّما … نحاول ملكا أو نموت فنعذرا أي إلى أن نموت فنعذر، أو إلّا أن نموت فنعذر، ونصب فنعذر عطفا على أن نموت، واعلم أنّه ليس يتحتم نصب الفعل بأوفي هذه المواضع قال سيبويه في البيت المذكور: لو رفعت نموت لكان عربيّا جائزا. كأنك قلت: إنما نحاول وإنما نموت (¬6). واعلم أنك إذا عطفت فعلا على فعل منصوب نحو: أريد أن تأتيني ثم تحدثني، فإن أردت منه الحديث مرتّبا على الإتيان نصبت تحدثني، وإن لم ترد ذلك وقطعته عن المعطوف عليه بمعنى أريد إتيانك ثم قد استقرّ عندي أنك تحدثني، أي هذا منك معلوم عندي، رفعت، ومنه قول الشاعر (¬7): ¬
ذكر المواضع التي يجوز فيها إظهار أن والتي يجب والتي يمتنع
الشّعر صعب وطويل سلّمه … يريد أن يعربه فيعجمه بالرفع أي فإذا هو يعجمه، ومنه: أريد أن تتكلم بخير أو تسكت فيجوز في تسكت الرفع والنصب، فالرفع على تقدير أو أنت تسكت، والنصب على تقدير أن تسكت، وكذلك حكم العطف على المجزوم نحو: إن تأتني آتك فأحدثك عطفا على الجواب الذي هو آتك، وكذلك لو عطفت بالواو أو ثمّ، ويجوز رفع فأحدثك على الابتداء (¬1). ذكر المواضع التي يجوز فيها إظهار أن والتي يجب والتي يمتنع (¬2) أمّا المواضع التي يجوز فيها إظهار أن فبعد لام كي نحو: جئت لتكرمني ولأن تكرمني، وبعد الحروف العاطفة نحو: أريد حضورك وتكرمني وأن تكرمني (¬3)، وأمّا موضع وجوب إظهارها، فبعد لام كي إذا توسّط بينها وبين الفعل لا النافية كقوله تعالى: لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتابِ (¬4) كراهة دخول حرف الجرّ على حرف النفي (¬5) فأظهرت أن لتفصل (¬6) بينهما، وأمّا مواضع امتناع إظهار أن فيمتنع إظهارها مع سوى لام كي وحرف العطف، وإنّما وجب إضمارها مع غير ذلك لدلالة القرينة عليها، وكون الحذف أخصر، وإنما جاز إظهارها مع الحروف العاطفة لكراهتهم عطف الفعل على الاسم ظاهرا كقولك: أريد حضورك وأن تكرمني، وإن كانت القرينة حاصلة (¬7). ¬
ذكر جوازم الفعل
ذكر جوازم الفعل (¬1) وهي قسمان: القسم الأول: جوازم فعل واحد، وهي أربعة: لام الأمر: وهي اللام المكسورة التي يطلب بها الفعل، كقوله تعالى: لِيُنْفِقْ/ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ (¬2)، ولم: وهي لقلب المضارع ماضيا ولنفيه. كقولك: لم يخرج، ولمّا: مثلها إلّا أنها آكد في قلب المضارع إلى الماضي، وتفيد دوام الانتفاء إلى حين الإخبار، نحو ندم ولمّا ينفعه النّدم، فيلزم استمرار عدم النفي من الماضي إلى وقت الإخبار لازدياد معناها بزيادة ما (¬3) ولا: للنهي وهي التي يطلب بها ترك الفعل (¬4)، كقوله تعالى: وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَهُمْ إِلى أَمْوالِكُمْ (¬5). والقسم الثاني: جوازم فعلين، وهي كلم المجازاة (¬6) تدخل على الفعلين لتدلّ على أنّ الأول سبب للثاني، فالأول: سبب والثاني: مسبّب وسمّي الأول شرطا، والثاني جزاء، وكلم المجازاة حروف وأسماء، فالحروف: إن وإذ ما على رأي (¬7) والأسماء ما عداهما كما سنذكرها، وإنما جزمت الأسماء لتضمّنها معنى إن، لما في ذلك من الايجاز والاختصار، وهي ضربان: ظروف وغير ظروف. الضرب الأول: الأسماء التي هي ظروف: وهي إذ ما على رأي نحو قوله (¬8): ¬
إذ ما أتيت على الرسول فقل له … ... فدخول الفاء في جوابها يدلّ على الجزم بها، ولا تستعمل في المجازاة إلّا مع ما، وحيثما كذلك نحو (¬1): ... … وحيثما يكن أمر صالح أكن وأين في المكان، ويجازى بها مجردة ومع ما كقوله تعالى: أَيْنَما تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ (¬2) وكقول الشّاعر (¬3): أين تضرب بنا العداة تجدنا … نصرف العيس نحوها للتّلاقي (¬4) ومتى في الزمان، كقول الشّاعر (¬5): متى تأته تعشو إلى ضوء ناره … تجد خير نار عندها خير موقد بجزم تأته وجزم تجد، وأمّا تعشو فمرفوع وهو مثل قولك: إن تأتني تسلني أعطك، ومعناه إن تأتني سائلا أعطك، فإنّ الفعل إذا كان في موضع الحال فهو مرفوع وتعشو كذلك، أي متى تأته عاشيا تجد، وأمّا قول الشّاعر (¬6): ¬
متى تأتنا تلمم بنا في ديارنا … تجد حطبا جزلا ونارا تأجّجا فإنّما جزم تلمم على البدل من تأتنا، ونظيره في الأسماء قولك: مررت برجل عبد الله ففسّر الإتيان بالإلمام (¬1) وتأجّجا ألفه للتثنية والفعل ماض وهو للحطب والنّار (¬2) .. وأنّى: ظرف مكان نحو قول لبيد (¬3): وأصبحت أنّى تأتها تلتبس بها … ... ولا تستعمل أنّى مقترنة بما. الضرب الثاني: الأسماء التي هي غير ظروف، وهي: ما ومن وأي ومهما نحو قوله تعالى: وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ (¬4) ومن يكرمني أكرمه، وقوله تعالى: أَيًّا ما تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى (¬5) وقوله تعالى: وَقالُوا مَهْما تَأْتِنا بِهِ مِنْ آيَةٍ لِتَسْحَرَنا بِها فَما نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ (¬6)، والجزم بكيفما شاذّ خلافا للكوفيين، فإنّهم يجزمون بكيف مع ما وبدونها (¬7) وكذلك (¬8) الجزم بإذا شاذّ (¬9)، وقد ورد في الشعر وكقوله (¬10) - ¬
ذكر امتناع دخول الفاء في الجزاء والجواز والوجوب
وإذا تصبك من الحوادث نكبة … فاصبر فكلّ عماية فستنجلي واعلم أنّ الشّرط والجزاء (¬1) إن كانا مضارعين نحو: إن تقم أقم فجزم كلّ واحد منهما واجب، لكون كل منهما معربا، والجازم موجود، فإن اقترن بالجزاء «لا» نحو: إن تقم لا أقم، لم يتحتم الجزم بل يجوز الرفع على تأويل لا، بليس فيكون الجزاء لا مع اسمها وخبرها وتكون الفاء مقدرة حينئذ، ومنه قوله تعالى: وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً (¬2) قرئ يضرّكم بالوجهين في السبعة (¬3) وإن كان الشرط مضارعا والجزاء ماضيا نحو: إن تضرب ضربت فالجزم أيضا واجب في الأول لكونه معربا، وإن كان الشرط ماضيا والجزاء مضارعا نحو: إن ضربت أضربك، فيجوز فيه الرفع والجزم خلافا للمبرّد، فإنه لا يجوز فيه عنده إلّا الجزم (¬4) ومثال رفعه قول زهير (¬5): وإن أتاه خليل يوم مسغبة … يقول لا غائب مالي ولا حرم ذكر امتناع دخول الفاء في الجزاء والجواز والوجوب (¬6) إذا وقع الفعل الماضي جزءا وكان معناه الاستقبال بأداة الشرط، لم يجز دخول ¬
الفاء، كقولك: إن أكرمتني أكرمتك، إلّا إذا كان الجزاء الماضي المذكور مع قد لفظا أو معنى فيجب دخول الفاء كقوله تعالى: قالُوا إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ (¬1) ومثال معنى قد قوله تعالى: وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ أَهْلِها إِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكاذِبِينَ (¬2) وإذا وقع المضارع جزاء مثبتا أو منفيا بلا، جاز دخول الفاء وجاز حذفها، لصحّة تقدير تأثير الشّرط فيهما وصحّة نفي تأثيره، فدخولها نحو: إن قمت فيقوم أي فهو يقوم، قال الله تعالى: وَمَنْ عادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ (¬3) وحذفها نحو: إن قمت تقم، ومثال دخولها في المضارع المنفي بلا، قوله تعالى: فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ فَلا يَخافُ بَخْساً وَلا رَهَقاً (¬4) ومثال حذفها قوله تعالى: وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً (¬5) هذا إذا كان الجزاء منفيا بلا خاصة، فأمّا إذا لم يكن الجزاء كذلك فيجب دخول الفاء (¬6) سواء كانت الجملة اسميّة كقوله تعالى: أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخالِدُونَ (¬7) أو أمرا كقوله: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي (¬8) أو نهيا كقوله تعالى: فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِناتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ (¬9) أو استفهاما نحو: إن تركتنا فمن يرحمنا، أو دعاء نحو: إن أكرمتنا فيرحمك الله، وقد ورد حذف هذه الفاء شاذا، كقول الشاعر (¬10): ¬
ذكر الجزم بتقدير إن
من يفعل الحسنات الله يشكرها … ... أي فالله وقد تجيء إذا مع الجملة/ الاسميّة موضع الفاء (¬1) كقوله تعالى: وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذا هُمْ يَقْنَطُونَ (¬2) وإنما جاز وقوع إذا موضع الفاء لدلالتها على المفاجأة والتعقيب كالفاء (¬3) وضابط دخول الفاء وحذفها هو أنّ كلّ موضع أفاد حرف الشّرط في جزائه الاستقبال، امتنع دخول الفاء لوضوحه في الارتباط، وكلّ موضع لا يفيد حرف الشرط فيه الاستقبال فلا بدّ من الفاء لتوضح الارتباط، وكلّ موضع يحتمل التقديرين جاز فيه الأمران (¬4). ذكر الجزم بتقدير إن (¬5) وينجزم الفعل المضارع بإن مضمرة بعد أمور خمسة: وهي الأمر والنهي والاستفهام والتمني والعرض، وإنما انجزم الفعل في جواب هذه الخمسة لوجود معنى الشّرط فيها ومعنى الجزاء في جوابها، لأنّ هذه الخمسة كلّها فيها طلب الفعل المستلزم وقوعه وقوع الفعل الذي بعده، ففي الأمر طلب الفعل، وفي النهي طلب الانتهاء عنه، وفي الاستفهام طلب الإخبار، وفي التمني طلب الشيء الذي يتمناه، وفي العرض طلب نحو النزول، وهذه المطلوبات كلّها شروط لما وقع بعدها، وإذا كانت شروطا لما بعدها ففيها معنى الشرط فإذا قلت في الأمر: أكرمني أكرمك كان المعنى إن تكرمني أكرمك، وإذا قلت في النهي: لا تضرب زيدا يكن خيرا لك كان التقدير إن لا تضربه يكن خيرا لك، وإذا قلت في الاستفهام: ألا تأتيني (¬6) أحدثك ¬
وأين بيتك أزرك، كان التقدير إن تأتني أحدثك وإن تعلمني بيتك أزرك، فإذا قلت في التمني: ألا ماء أشربه، وليته عندنا يحدثنا، كان التقدير إن أجد الماء أشربه وإن تكن عندنا تحدثنا، وإذا قلت في العرض: ألا تنزل عندنا تصب خيرا، كان التقدير إن تنزل تصب خيرا (¬1) وكذلك ما فيه معنى الأمر والنهي فإنه منزّل منزلة الأمر والنهي في جزم الجواب (¬2) وذلك مثل قولهم: اتّقى الله امرؤ وفعل (¬3) خيرا يثب عليه، بجزم يثب على جواب الأمر إذا كان المراد، ليتق امرؤ وليفعل خيرا يثب عليه بمعنى إن يفعل خيرا يثب عليه، وكذلك: صه أكرمك، والمعنى اسكت إن تسكت أكرمك. واعلم أنه من حقّ المضمر أن يكون من جنس المظهر ليدل عليه (¬4)، لأنّ المضمر إذا لم يكن من جنس المظهر إيجابا أو نفيا لم يصح أن يكون المظهر دليلا عليه، لأنّه إنما يدلّ على ما هو من جنسه، فإذا قلت: لا تعص الله يدخلك الجنة، كان صحيحا، لأنّ التقدير: إن لا تعصه يدخلك الجنة لأنّك إنّما تضمر مثلما تظهر من النفي والإثبات، وإذا قلت: لا تدن من الأسد يأكلك كان فاسدا، لأنّ النهي لا يدلّ على الإثبات، لأنّ التقدير إن لا تدن من الأسد يأكلك، وهو فاسد، وإنما كان هذا هو التقدير، لأنّ قولك: لا تدن من الأسد، إنما يدلّ على ما هو من جنسه والذي/ هو من جنسه هو النهي، وإذا قدرت النهي لم يستقم المعنى (¬5)، وأجاز الكسائي لا تدن من الأسد يأكلك، اعتمادا على وضوح المعنى، وتقديره عنده لا تدن من الأسد إن تدن منه يأكلك (¬6) واعلم أنّ القرّاء كلّهم خلا أبي عمرو قرأوا فأصدق وأكن من الصالحين (¬7) بجزم أكن عطفا على موضع أصدّق، لأنّه في موضع جزم كأنّه قال: ¬
ذكر صيغة الأمر
إن أخرتني أصدّق وأكن، وقرأه أبو عمرو خاصة فأصدق وأكون بنصب أكون عطفا على قوله فأصّدّق على لفظه (¬1) وإنما لم يلحق النفي بالأمور الخمسة في ذلك، لأنّ النفي مجرّد إخبار لأنّك إذا قلت: ما أتيتنا، قطعت بأنه ما أتى فليس فيه طلب، فلا يتضمّن معنى الشرط كما تضمّنه الأمر والنهي إلى آخر الأمور الخمسة، لأنّ الفعل إنما ينجزم إذا كان جوابا لما فيه معنى إن الشرطية، وليس في النفي معنى إن كما هو في الأمور الخمسة فمن ثمّ لم يجز: ما تأتنا تحدثنا بالجزم، ولكنه يجوز برفع تحدثنا على الحال أي ما تأتينا محدثا لنا وهو مثل قوله تعالى ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ (¬2) أي لاعبين، ومثل قولك: انطلق تتكلّم أي انطلق متكلّما، وأمّا قولك: إن تأتني تسألني أعطك، وإن تأتني تمشي أمش معك، فهو برفع المتوسّط على الحال (¬3)، وجزم الطرفين، وتقديره: إن تأتني سائلا أعطك وإن تأتني ماشيا أمش معك ومثله (¬4): متى تأته تعشو إلى ضوء ناره … تجد خير نار عندها خير موقد بجزم تأته وتجد، ورفع تعشو على الحال أي متى تأته عاشيا تجد كيت وكيت (¬5). ذكر صيغة الأمر (¬6) ويقال له أيضا: مثال الأمر (¬7)، وإنّما سمّي فعل الأمر بمثال الأمر، لأنّ الأمر من فعل قد يماثل الأمر من فعل آخر، نحو: هب من وهب، فإنّه يماثل الأمر من هاب يهاب، وكل أمرك إلى الله، يماثل الأمر من كال الطّعام يكيله فسمّي (¬8) الباب كله مثالا لوقوع ما ذكرنا فيه وصيغة الأمر هي التي يطلب بها الفعل من الفاعل ¬
المخاطب، بحذف حرف المضارعة فتقول في يضع: ضع، وفي يضارب: ضارب وفي يدحرج: دحرج، ولا يريد (¬1) بصيغة الأمر ما يدلّ على الطلب مطلقا بل هذه الصيغة المخصوصة فيخرج: ليفعل زيد كذا، لأنه ليس للفاعل المخاطب، ويخرج: لتفعل كذا لأنّه ليس يحذف حرف المضارعة، وإن كان قولهم: لتفعل كذا بالتاء المثّناة من فوقها، قليلا ومنه القراءة الشّاذّة فبذلك فلتفرحوا هو خير مما يجمعون (¬2) وعلى كلّ حال فإنّ الفعل الداخل عليه لام الأمر لم يحذف منه حرف المضارعة، وهو معرب بالجزم وصيغة الأمر مبنية (¬3) فلا مدخل لأحدهما في باب الآخر، وحكم آخره حكم المجزوم (¬4) باللّام لاشتراكهما في الطلب نحو: اضرب اضربوا، اغز ارم/ اخش فإنّه مثل: ليضرب ليضربا ليضربوا ليغز ليرم ليخش، وإذا حذفت حرف المضارعة، فلا يخلو ما بعده من أن يكون متحركا أو ساكنا فإن كان متحركا نطقت به على ما هو عليه كقولك في يقول: قل وفي يعد: عد وفي تدحرج: دحرج وفي تتعلّم تعلّم وفي تقي وتفي وترى: قه وفه وره، والتزموا هاء السكت في مثل ذلك إذا وقفوا عليه. ليحصل الابتداء بالمتحرّك، والوقوف على الساكن، وإن كان ما بعد حرف المضارعة ساكنا وليس برباعي زدت همزة وصل ليتوصّل بها إلى النطق بالسّاكن مضمومة إن كان بعد السّاكن ضمّة أصليّة نحو: اخرج واقتل، واحترز بقوله: أصلية (¬5) عن الضمّة العارضة في نحو: يمشون ويبنون، فإن أصلهما: يمشيون ويبنيون فاستثقلت الضمّة على الياء، فحذفت فالتقى ساكنان الياء والواو فحذفت الياء ثم ضمّ ما قبل الواو للمناسبة، فصار يمشون ويبنون، فالضّمّة فيهما ¬
ذكر فعل ما لم يسم فاعله
عارضة فلذلك لم تعتبر هذه الضمّة، وكسرت همزة الوصل في نحو: امشوا وابنوا ولم تضمّ، وأمّا إذا لم يكن بعد الساكن ضمّة أصليّة، فإنك تكسر همزة الوصل سواء كان ما بعد السّاكن كسرة أو فتحة نحو: اضرب وانزل (¬1) واعلم واجعل، وإن كان الفعل رباعيا وما بعد حرف المضارعة ساكن نحو: يعلم ويرسل، جئت بالهمزة المحذوفة من المضارع لزوال المقتضي لحذفها، لأنّ أصل يعلم ويرسل يؤعلم ويؤرسل، لأنّ حروف المضارعة تزاد على الماضي، وماضيهما أعلم وأرسل مثل دحرج، وكما أنّ المضارع من دحرج: يدحرج فكذلك المضارع من أعلم وأرسل، يؤعلم ويؤرسل لكن كرهوا اجتماع الهمزتين في كلمة واحدة، فحذفوا الثانية تخفيفا ثم أجروا حروف المضارعة كلّها مجرى واحدا، فلمّا حذفوا حرف المضارعة لبناء صيغة الأمر، زال موجب حذف هذه الهمزة فوجب الإتيان بها مفتوحة مقطوعة فتقول في الأمر من أعلم وأرسل: أعلم وأرسل، بفتح أولهما كما تقول في الأمر من دحرج: دحرج، والأمر مبنيّ على السكون لذهاب حرف المضارعة الذي به حصل الشّبه المقتضي للإعراب، والكوفيون يقولون معرب بالجزم بلام مقدّرة فإنّ قولك: اغز وارم واخش مثل المعرب المجزوم بلام الأمر أعني: ليغز وليرم وليخش (¬2). ذكر فعل ما لم يسمّ فاعله (¬3) وهو الفعل الذي حذف فاعله وأسند إلى ما يقوم مقام الفاعل إمّا للاختصار أو للإبهام أو للجهل بالفاعل، وكيفية بنائه أنّ الفعل إذا كان ماضيا ضمّ أوله وكسر ما قبل آخره نحو: ضرب وقتل ودحرج، فإن كان في أول الفعل همزة وصل فتضمّ الهمزة والحرف الثالث وهو ما يلي الساكن الذين بعد الهمزة/ نحو: اقتدر واستحرج بضمّ الهمزة والتاء فيهما، لأنّه لو اقتصر على ضمّ الهمزة وحدها وهي تزول في الوصل، لالتبس بالأمر عند سقوطها نحو: ألا اقتدر وألا استخرج، وإن كان في أول ¬
الفعل تاء (¬1) نحو باب تفعّل وتفاعل فتضمّ التاء مع ضمّ الحرف الثاني فتقول في تعلّم وتجاهل: تعلّم وتجوهل بضمّ التاء والحرف الثاني، إذ لو اقتصر على ضمّ التاء لم يدر مضارع هو أم فعل لم يسمّ فاعله. وإذا كان الماضي ثلاثيا معتلّ العين مثل: قال وباع فلك فيه ثلاث لغات (¬2): إحداها: أن تقول: قيل وبيع بالياء فيهما وهي أفصحها. والثانية: أن تقول: قول وبوع بالواو فيهما، وهي أضعفها. والثالثة: أن يشمّ أولها الضمّ تنبيها على أنّ أصله الضمّ وهي فصيحة (¬3) وإنما كان قيل وبيع أفصحها، لأنّ الأصل بيع بضمّ الباء الموحدة وكسر الياء فكرهوا الكسرة على الياء بعد الضمّ فأسكنوها، فلم يمكن بقاؤها ساكنة مع ضمّ ما قبلها، ودار الأمر بين جعل موضع الباء واوا، أو تغيير ضمّة الباء بكسرة، فكان تغيير الحركة أولى من تغيير الحرف فقيل: بيع بكسر الباء وحملوا قيل عليه لأنّهما من باب واحد، وقد علم بذلك ضعف لغة قول وبوع لأنّهم قلبوا الياء واوا فحملوا الأخفّ على الأثقل، ومثله باب اختير (¬4) لأنّ أصل اختير اختير بضمّ التّاء وكسر الياء فجرى في تير من اختير اللغات الثلاث كما جرت في بيع، والقول فيه كالقول في بيع، وكذلك نحو: انقيد، وأما أقيم، واستخير فأصلهما أقوم واستخير فليس فيهما قبل حرف العلة ضمّة لسكون القاف والخاء كما ترى، فلا يجيء فيه ما قيل في بيع وقيل، وحكم ذلك أن تنقل حركة الواو والياء إلى ذلك الساكن وحركتهما الكسرة، فلذلك وجب أن يقال: أقيم واستخير بكسر القاف والخاء اللذين كانا ساكنين لغة واحدة. وإن بنى المضارع لما لم يسمّ فاعله (¬5) ضمّ أوّله وفتح ما قبل آخره ليتميّز عن ¬
ذكر الفعل المتعدي
بناء الفاعل نحو: يضرب (¬1) وإن كان المضارع معتلّ العين فتقلب عينه ألفا سواء كانت واوا أو ياء، تقول في يقول ويبيع: يقال ويباع، لأنّ أصلهما يقول ويبيع فنقلت حركة الواو والياء إلى ما قبلهما وقلبت ألفا لتحركهما في الأصل وانفتاح ما قبلهما، فصارا يقال ويباع (¬2). ذكر الفعل المتعدّي (¬3) المتعدّي هو الذي لا يعقل إلّا بمتعلّق غير الفاعل نحو: ضرب زيد، فإنّ فهمه يتوقف على شيء يتعلّق به ضرب الضّارب، بخلاف غير المتعدي نحو: قعد زيد، فإنّ فهمه لا يتوقّف على شيء آخر، وغير المتعدي يصير متعدّيا، إمّا بالهمزة نحو: أذهبت زيدا، أو بتضعيف العين نحو: فرّحت زيدا أو بحرف الجرّ نحو: ذهبت بزيد (¬4) والمراد بتعدية الفعل تضمينه معنى التصيير إذ معنى خرجت به صيّرته خارجا، والفعل المتعدّي إن كان متعلّقه واحدا كان متعدّيا إلى واحد، وإن كان/ متعلّقه اثنين كان متعدّيا إلى اثنين مثل: كسوت وأعطيت وعلمت وظننت، وليس في المعاني ما تتوقّف عقليّته على ثلاث متعلّقات غير فعلين وهما: أعلمت وأريت أدخل على علمت ورأيت الهمزة فتعدّى إلى ثلاثة، لزيادة الهمزة الفعل معنى ازداد بسببه مفعولا آخر، فإذا قلت أعلمت زيدا عمرا فاضلا، كان معناه صيّرت زيدا ذا علم بأن عمرا فاضل، وكذلك أريت، وزاد الأخفش أظننت وأحسبت وأخلت وأزعمت، وهو غير مسموع (¬5) وأجري مجرى أعلمت وأريت: أخبرت وخبّرت وحدّثت وأنبأت ونبّأت، فنصبوا بها ثلاثة مفاعيل ¬
ذكر أفعال القلوب
أيضا كما نصبوا بأعلمت ثلاثة مفاعيل، وأصلها أن تتعدّى إلى الثاني بحرف الجرّ نحو: حدّثت زيدا عن عمرو، ولكن لمّا كان الإنباء مرادفا للإخبار، والإخبار مرادفا للإعلام أعملت الأفعال المذكورة إعمال أعلمت (¬1). ذكر أفعال القلوب (¬2) وهي: ظننت وحسبت وعلمت وزعمت ورأيت ووجدت وخلت، تدخل على الجملة لأنّها تتعلّق بالنّسب ولا تكون نسبة إلّا من جزءين، فلذلك افتقرت إلى جزءين وإنّما سمّيت أفعال القلوب، لأنّ المفعول الثاني فيها محكوم به على الأوّل والحكم على الشيء أمر عقلي فعبّروا عن ذلك بالقلب (¬3) والمشهور أنّ هذه الأفعال سبعة ثلاثة للظنّ وهي: ظننت وحسبت وخلت بمعنى ظننت، وثلاثة لليقين وهي: علمت ورأيت ووجدت إذا كانت (¬4) بمعنى علمت، وواحد محتمل للأمرين وهو زعمت، ومنهم من يلحق بها أفعالا أخرى (¬5) وهي: شعرت ودريت وألفيت وتوهّمت، وهب في قوله: (¬6): هبوني امرأ منكم وجعلت واتخذت، أما جعلت فإذا كانت إما بمعنى سمّيت كقوله تعالى: وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبادُ الرَّحْمنِ إِناثاً (¬7) أي سمّوهم، أو بمعنى صيّرت كقوله تعالى: وَجَعَلَنِي (¬8) نَبِيًّا (¬9) وأمّا اتخذت ففي نحو قوله تعالى: وَاتَّخَذَ اللَّهُ ¬
ذكر خصائص هذه الأفعال
إِبْراهِيمَ خَلِيلًا (¬1) وتختصّ هذه الأفعال بالجملة الاسميّة لبيان ما تكون عليه تلك الجملة من ظنّ أو علم، وتنصب الجزأين بمعنى المفعولين، وإنّما نصبتهما لأنّهما متعلّقان لها كما (¬2) ينصب بأعطيت ونحوه مفعولين (¬3). ذكر خصائص هذه الأفعال (¬4) من خصائصها: أنّه لا يقتصر على أحد مفعوليها، وإن جاز أن لا يذكرا معا، كقوله تعالى: وَيَوْمَ يَقُولُ نادُوا شُرَكائِيَ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ (¬5) أي زعمتموهم إيّاكم، لأنّ هذه الأفعال داخلة على المبتدأ والخبر، فكما أنّه لا بدّ للمبتدأ من الخبر وبالعكس، فكذلك لا بدّ لأحد المفعولين من الآخر هذا هو المشهور، والأجود أن يقال (¬6): لأنّ متعلّقها النسبة، وهي لا تتحقّق بدون المنتسبين (¬7) وليس كذلك/ باب أعطيت لأنّه غير داخل على المبتدأ والخبر. ومن خصائصها: إذا توسطت هذه الأفعال بين المفعولين أو تأخرت جاز إلغاؤها وجاز إعمالها كقولك: زيد علمت منطلق، وزيدا علمت منطلقا، وكقولك: زيد مقيم ظننت، وزيدا مقيما ظننت، والإعمال أولى، إذا توسّطت لقربها من رتبتها، والإلغاء أولى إذا تأخرت وإنّما جاز الإلغاء لاستقلال الجزءين كلاما، بخلاف باب أعطيت، ولم تلغ إذا قدّمت على الأصحّ لقوّتها بالتقدّم (¬8). ومن خصائصها: أنّها تعلّق مع لام الابتداء ومع النفي ومع الاستفهام، ومعنى تعليقها إبطال عملها (¬9) نحو: علمت لزيد منطلق، وعلمت ما زيد قائم، وعلمت ¬
أزيد عندك أم عمرو (¬1) لأنّ ما ذكر له صدر الكلام فلا يعمل ما قبله فيما بعده. واعلم أنّ الفرق بين التعليق والإلغاء أن الإلغاء: هو إبطال عملها لفظا ومحلا، وأمّا التعليق: فهو إبطال عملها لفظا لا محلا، فإنّ موضع الجملة في قولك: علمت لزيد قائم، نصب (¬2) وإنّما لم يعمل لفظا، لأنّ لام الابتداء وحرف النفي وحرف الاستفهام لهنّ صدر الكلام، والعامل له حكم التّصدر على معموله فتدافعا (¬3). ومن خصائص هذه الأفعال أيضا: أنه يجوز أن يكون فيها ضمير فاعل ومفعول لشيء واحد كقول الشخص عن نفسه علمتني منطلقا، وفي غيرها يعدل إلى لفظ النفس فيقال: ضربت نفسي وكرهت نفسي، لأنّ الغالب في غير أفعال القلوب تعلّق فعل الفاعل بغيره، فلو جمع بينهما لسبق الفهم إلى المغايرة (¬4) وليس كذلك أفعال القلوب لأنّها تتعلّق بالاعتقادات من العلم والظنّ، وعلم الإنسان وظنّه يتعلّق بصفات نفسه أكثر من صفات غيره (¬5) وقد تجيء بعض هذه الأفعال بمعنى آخر (¬6) فتجيء ظننت من الظّنّة بمعنى التّهمة، وتجيء علمت بمعنى عرفت كقوله تعالى: وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ (¬7) أي عرفتم، وتجيء وجدت بمعنى وجدان الضّالّة أي بمعنى الإصابة تقول: وجدت ناقتي أي أصبتها، وتجيء رأيت بمعنى رؤية البصر تقول: رأيت زيدا أي أبصرته وإذا استعملت هذه الأفعال في هذه المعاني المذكورة فلا تتعدّى إلى أكثر من مفعول واحد، لأنّ معانيها حينئذ لا تقتضي إلّا التعلّق بمعنى واحد فتقول: علمت زيدا كما تقول: عرفت زيدا (¬8). ¬
ذكر الأفعال الناقصة
ذكر الأفعال النّاقصة (¬1) وهي: كان وصار وظلّ وبات وأصبح وأمسى وأضحى وآض وعاد وغدا وراح وما فتئ وما برح وما انفكّ وما زال وما دام وليس، وهذه الأفعال تدخل على الجملة الاسميّة لإعطاء الخبر حكم معناها فترفع الأول وتنصب الثاني، وسيبويه لم يذكر منها غير أربعة وهي: كان وصار وما دام وليس، ثم قال: وما كان نحوهنّ من الفعل مما لا يستغني عن الخبر (¬2) وذلك يدلّ على أنّ هذه الأفعال/ غير محصورة لما أعطاه من الضابط (¬3) وقد جاء: ما جاءت حاجتك (¬4)، وقعدت كأنّها حربة (¬5)، بنصب حاجتك لأنّه خبر جاء وهي بمعنى صار واسم جاء ضمير يعود إلى ما، والتقدير: أيّة حاجة صارت حاجتك ومنهم من يرفع حاجتك ويجعل ما استفهامية والأشهر النصب، وأما قعدت كأنّها حربة أي أرهف شفرته حتى قعدت كأنّها حربة أي حتى صارت كأنها حربة، فموضع كان واسمها وخبرها نصب، لأنّه خبر قعدت واسم قعدت مضمر يعود إلى الشفرة، قال الله تعالى: لا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُوماً مَخْذُولًا (¬6) أي فتصير (¬7)، وإنما سميّت هذه الأفعال ناقصة لنقصها عن غيرها من الأفعال، لأنّ غيرها يتمّ كلاما بمرفوعه، وهذه إن لم يذكر منصوبها مع المرفوع لم ¬
يكن كلاما (¬1)، وجميعها تدخل على الفاعل لتفيد تقريره على صفة باعتبار معناها، فيكتسب الخبر حكم معناها (¬2) وهو إما إثبات كما في كان، وإمّا نفي، كما في ليس وإما استمرار كما في ما زال، وإنما رفعت الأول لأنها تفتقر إلى اسم يسند إليه كسائر الأفعال، فارتفع ما أسندت إليه تشبيها له بالفاعل، فلما رفعت الأول وجب نصب الثاني على التشبيه بالمفعول، ويسمّى الأول اسم كان والثاني خبر كان (¬3) وحال اسم كان وأخواتها وخبرها مثل حالهما في باب المبتدأ والخبر، فيكون الأصل في اسمها أن يكون معرفة، وخبرها نكرة، وأمّا قول القطامي: (¬4) قفي قبل التّفرّق يا ضباعا … ولا يك موقف منك الوداعا فإنه قلب فجعل الاسم نكرة والخبر معرفة، لأنّ المعنى غير مجهول مع ضعف ذلك (¬5) وقد روي: ولا يك موقفي، ومثل ذلك قول حسّان: (¬6) وربّ سبيئة من بيت رأس … يكون مزاجها عسل وماء (¬7) ومثله بيت الكتاب: (¬8) فإنّك لا تبالي بعد حول … أظبي كان أمّك أم حمار فاسم كان نكرة وهو ظبي، لأنّ التقدير أكان ظبي، لاقتضاء الهمزة الفعل بعدها، وخبرها معرفة وهو قوله: أمّك، وارتفع حمار على تقدير أم هو حمار. ¬
ذكر معاني كان
ذكر معاني كان (¬1) وتكون ناقصة وتامّة وزائدة: أمّا الناقصة فهي التي لا تدلّ على الحدث وهي التي ترفع الاسم وتنصب الخبر وهي على أربعة أوجه: أحدها: أن تدلّ على أمر كان فيما مضى ثم انقطع، كقولك: كان هذا الفقير غنيّا. ثانيها: أن تدلّ على أنّ هذا الذي نشاهده الآن كان أيضا كذلك فيما مضى بمعنى لم يزل، كقوله تعالى: وَكانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزاً (¬2). ثالثها: أن يكون فيها ضمير الشأن والقصة، ولا يكون خبرها إلا جملة (¬3) نحو قولك: كان زيد قائم، أي كان الحديث زيد قائم وكقول الشاعر/ (¬4). إذا متّ كان النّاس صنفان … شامت وآخر مثن بالذي كنت أصنع فالناس مبتدأ، وصنفان خبره، واسم كان مضمر فيها، وهذه الجملة مفسرة له أي كان الشأن هذه الجملة، لأنّ قولك: الناس صنفان شأن وجملة وحديث، فإذا قيل ضمير الشأن فمعناه ضمير هذه الجملة لأنّها قصة وشأن وحديث (¬5). رابعها: أن تكون بمعنى صار كقوله تعالى: كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا (¬6) وقيل: هي زائدة (¬7) وكقول الشّاعر: (¬8) ¬
بتيهاء قفر والمطيّ كأنّها … قطا الحزن قد كانت فراخا بيوضها أي صارت، لأنّ البيض لا يكون فراخا (¬1)، بل الفراخ كانت (¬2) بيضا، وكان الناقصة لا مصدر لها (¬3) لأنّ الفعل إنّما يتعدّى إلى ما كان فيه دلالة عليه، وليس في كان الناقصة دلالة على المصدر، فلا يصحّ أن يكون منصوبا بها فإن اقترن بها مصدر فهو منصوب بفعل آخر يدلّ عليه هذا، فلو قلت: كرهت كون زيد قائما، فهو مصدر كان التامّة، ويجوز أن تقول في التامة: كان الأمر كونا كما تقول: وقع وقوعا، ولا يجوز أن تقول في الناقصة: كان زيد قائما كونا، فهذه معاني كان الناقصة، وأمّا التامة فتكون بمعنى حضر أو ثبت أو حدث أو وقع كقوله تعالى: وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ (¬4) ومنه: ما شاء الله كان، أي ما شاء الله وقع، ومنه قوله تعالى: إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (¬5) أي أحدث فيحدث، ومنه: كانت الكائنة أي حدثت وحصلت. وأمّا الزائدة فهي التي لا يختلّ أصل الكلام بإسقاطها، كقول الشّاعر: (¬6) سراة بني أبي بكر تسامى … على كان المسوّمة العراب وكقوله تعالى: كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا (¬7)، ونصب صبيّا على الحال، أي كيف نكلّم من في المهد صبيّا، وقيل: هي بمعنى صار (¬8) كما تقدّم، ¬
ذكر معنى صار
وإنما أتي بالزائدة تحسينا للكلام وتأكيدا له (¬1) وإنّما ذكر كان التامة والزائدة في باب الناقصة للاتفاق في اللفظ. ذكر معنى صار (¬2) ومعناها الانتقال وهي في ذلك على استعمالين: أحدهما: باعتبار العوارض، نحو: صار زيد غنيّا، وصار زيد إلى عمرو. والثاني: باعتبار الحقائق نحو: صار الطين خزفا، وصار الماء هواء (¬3). ذكر أصبح وأمسى وأضحى (¬4) وهي على ثلاثة معان: أحدها: اقتران مضمون الجملة بأوقاتها الخاصة التي هي الصباح المساء والضحى، والمراد بمضمون الجملة نسبة الخبر إلى الاسم، ومعنى اقتران مضمون الجملة بأوقاتها، أن يثبت للخبر الحصول في الزمان المستفاد من لفظ (¬5) هذه الأفعال نحو: أصبح زيد عالما، وأمسى زيد عارفا، وأضحى زيد أميرا، إن اقترن بالصبح ثبوت/ العلم لزيد، وكذا الكلام في أمسى وأضحى (¬6). وثانيها: أن تكون بمعنى صار نحو: أصبح أو أمسى أو أضحى زيد غنيّا أي صار، قال الشاعر: (¬7) ثمّ اضحوا كأنّهم ورق ج … فّ فألوت به الصّبا والدّبور وثالثها: أن تكون تامة بمعنى أنّ فاعلها دخل في هذه الأوقات (¬8) كقولك أصبحنا أو أمسينا. ¬
ذكر ظل وبات
ذكر ظلّ وبات (¬1) وهما على معنيين: أحدهما: اقتران مضمون الجملة بوقتيهما فظلّ لجميع النّهار، وبات لجميع الليل، أي لثبوت الخبر لاسمهما نهارا أو ليلا قال الشّاعر: (¬2) ولقد أبيت على الطّوى وأظلّه … حتّى أنال به كريم المأكل أي أبيت على الطوى ليلا وأظله نهارا. والثاني: بمعنى صار (¬3) كقوله تعالى: وَإِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا (¬4) أي صار. ذكر ما فتئ وما زال وما برح وما انفكّ (¬5) هذه الأربعة بمعنى واحد، وهي للدلالة على استمرار خبرها لاسمها مذ قبله فإذا قلت: ما فتئ أو ما زال زيد أميرا كان معناها، أنه لم يمض له زمان إلّا وهو فيه كذلك، وذلك مذ كان قابلا للإمارة لا في حال طفوليّته، قال الله تعالى: تَاللَّهِ تَفْتَؤُا تَذْكُرُ يُوسُفَ (¬6) أي لا تزال تذكر يوسف، ولدخول النفي على النفي في هذه الأفعال جرت مجرى كان في كونها للإثبات (¬7). ¬
ذكر ما دام
ذكر ما دام (¬1) وهي لدلالة توقيت فعل بمدّة ثبوت خبرها لاسمها، كقولك: أقوم ما دمت قائما، فقولك: ما دمت قائما، توقيت لقيام المتكلّم بمدّة ثبوت قيام المخاطب، ومن ثمّ احتاجت ما دام إلى كلام، لأنّها ظرف ولا بدّ له مما يقع فيه (¬2)، ويجوز في الباب كلّه تقديم الخبر عليها أنفسها (¬3) نحو: قائما كان زيد، إلّا ما أوله ما، فإنه لا يقدّم عليها الخبر فلا يقال: قائما ما فتئ زيد، لأنّ ما، إمّا نافية أو مصدرية ويمتنع تقديم ما في حيّز النفي عليه، وتقديم معمول المصدر على المصدر (¬4)، وأمّا جواز تقديم أخبارها على أسمائها نحو: كان قائما زيد، وأكرمك ما دام قائما زيد، فمتّفق على جوازه (¬5) وجوّز ابن كيسان تقديم الخبر على الجميع ولم يستثن غير ما دام فقط (¬6). ذكر ليس (¬7) أصل ليس، ليس بكسر الياء ثمّ لزمها التخفيف بالسكون لجمودها عن التصرّف (¬8) ومعناها نفي مضمون الجملة الاسميّة في الحال عند الأكثر (¬9) تقول: ¬
ذكر أفعال المقاربة
ليس زيد قائما في الحال ولا تقول غدا، وقيل: إنها للنفي مطلقا للحال والاستقبال، واستدلّ هذا القائل بقوله تعالى: أَلا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفاً عَنْهُمْ (¬1) فهذا نفي لصرف العذاب عنهم يوم القيامة، فهي لنفي المستقبل (¬2)، ومذهب بعض النحاة أنها حرف (¬3) واحتجّ على ذلك بوقوعها موقع ما (¬4) في قول العرب: ليس الطيب إلّا المسك، بالرفع على المبتدأ والخبر كما تقول/ ما الطيب إلا المسك، بالرفع، والصحيح أنها فعل لاتصال الضمائر بها نحو: لست ولست ولستم وما أشبه ذلك، وذلك من خواصّ الأفعال، ويقع فيها ضمير الشأن (¬5)، وأمّا جواز تقديم خبرها عليها نفسها فقد اختلف فيه (¬6) فمنهم من ألحقها بكان لكونها فعلا محققّا، ومنهم من ألحقها بما فتئ، واستدلّ من ألحقها بكان بقوله تعالى: أَلا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفاً عَنْهُمْ (¬7) ووجه الاستدلال أنّ يوم يأتيهم معمول لمصروفا، وإذا قدّم المعمول، صحّ أن يقدّم العامل لأنّ المعمول فرع للعامل، وأجيب عن ذلك أنه من الجائز أن يكون تقديمه لاتّساعهم في الظروف فلا يجوز تقديم غير الظّرف (¬8). ذكر أفعال المقاربة (¬9) وهي ما وضعت لدنّو الخبر أي مقاربته ثم دنو الخبر وقربه تارة يكون على سبيل الرجاء، وتارة يكون على سبيل مقاربة حصوله، وتارة يكون على سبيل الأخذ والشروع فيه، فحينئذ أفعال المقاربة على ثلاثة أقسام: ¬
القسم الأول: الفعل الذي وضع لدنو الخبر على سبيل الرجاء وهو عسى
القسم الأول: (¬1) الفعل الذي وضع لدنوّ الخبر على سبيل (¬2) الرّجاء وهو عسى فإنّها وضعت لدنو الفعل على سبيل الرّجاء نحو قولك: عسى الله أن يشفي مريضك، تريد أن قرب شفائه مرجو من الله، وعسى فعل غير متصرّف بمعنى؛ أنه لا يأتي منه المضارع ولا اسم الفاعل ولا الأمر ولا النهي، وإنما لم تتصرّف لتضّمنها معنى (¬3) لعلّ، فإنه كما منع الاسم الإعراب لمشابهة الحرف، كذلك منع الفعل التصرّف لمشابهة الحرف لأنّ الحروف وضعت لإنشاء المعنى، لا للإخبار عن المعنى، والتصرّف ينافي الإنشاء، لأنّ التصرف يدلّ على الخبر في الماضي أو في الحال أو في الاستقبال بحسب صيغته (¬4) وتأتي عسى على ضربين ناقصة وتامة: ذكر عسى الناقصة وهي تقدّر بفعل متعدّ فتقدّر بمعنى قارب، ويقع بعدها اسم إمّا ظاهر أو مضمر، وخبرها أن مع الفعل، ولا تتمّ بدون الخبر نحو: عسى زيد أن يخرج، وعسيت أن أخرج، والتقدير: عسى زيد الخروج، أي قارب زيد الخروج، وأصل خبر عسى الناقصة أن يكون اسما قياسا على خبر كان، إلّا أنه صار متروكا، وقد شذّ مجيئه اسما صريحا كقولهم: (¬5) «عسى الغوير أبؤسا»، وقد تمثّلت به الزباء لمّا عدل قصير عن الطريق وأخذ على الغوير، فاستنكرت حاله وقالت: عسى الغوير أبؤسا أي ¬
ذكر عسى التامة
عسى أن تأتي تلك الطريق بشرّ، والبأس مصدر وجمعه أبؤس، وقيل: لا يجوز أن يكون أن مع الفعل خبرا لاسم عسى، لأنّ ذلك في تأويل المصدر، والمصدر لا يخبر به عن الجثّة، إذ تقديره: عسى زيد الخروج، وأجيب عنه بجوابين: أحدهما: أنّ المصدر هنا بمعنى اسم المفعول، إذ تقديره: قارب زيد الخروج، والثاني: أنّه على تقدير حذف المضاف أي عسى زيد ذا خروج (¬1). ذكر عسى التّامّة وهي تقدّر بفعل لازم وهو قرب إذا تقدّم الخبر على اسمها نحو: عسى أن يقوم زيد، فقولك: أن يقوم فاعل عسى، وزيد فاعل يقوم، والتقدير قرب/ قيام زيد فإن قدمت زيدا على عسى، جاز أن تكون تامة وجاز أن تكون ناقصة، فإذا قلت: زيد عسى أن يقوم، فإن جعلت في عسى ضميرا يعود إلى زيد فعسى ناقصة، وأن يقوم في موضع نصب بأنه خبرها، وإن لم تجعل فيها ضميرا فهي التامّة، وأن يقوم في موضع رفع فاعل عسى، فتقول في الناقصة: الزيدان عسيا أن يقوما، وفي التامة: الزيدان عسى أن يقوما، فتبرز الضمير المستكنّ في الناقصة، والتامّة لا ضمير فيها؛ لأنّ ما بعدها هو الفاعل (¬2)، ويجوز في الناقصة حذف أن من خبرها حملا على كاد، فتقول: عسى زيد يخرج، ومنه قول الشّاعر: (¬3) ¬
القسم الثاني من أقسام أفعال المقاربة وهو كاد
عسى الهمّ الذي أمسيت فيه … يكون وراءه فرج قريب فحذف أن من قوله يكون، والفصيح أن لا يحذف. القسم الثاني من أقسام أفعال المقاربة (¬1) وهو كاد (¬2) ووضع لمقاربة الخبر على سبيل الحصول، وكاد خبر محض فلذلك تصرّف، وفاعله اسم محض وخبره فعل مضارع من غير «أن» ليدلّ على تقريب حصول الخبر من الحال، نحو: كاد زيد يجيء (¬3)، وقد تدخل أن على خبره تشبيها بعسى كقولك: كاد زيد أن يخرج، قالوا: ولا يحسن في سعة الكلام (¬4) لأنّ كاد للتقريب من الحال، وأن للاستقبال والفعل يتباعد عن الحال بدخول أن، وقد جاء في الشعر كقول رؤبة: (¬5) قد كاد من طول البلى أن يمصحا يصف ربعا، ومعنى أن يمصح: أن يعفو، يقال: مصح الأثر إذا ذهب (¬6) ولا يدخل حرف الاستقبال على كاد فلا يقال: سيكاد ولا سوف يكاد؛ لمنافاة السين لمعنى كاد؛ لأنّ كاد تفيد التقريب من الحال، ولذلك لا يقال: كاد زيد يسافر بعد سنة، ويقال ذلك في عسى كقولك: عسى زيد أن يسافر بعد سنة، وإذا دخل النفي ¬
على كاد ففيها ثلاثة مذاهب (¬1): الأول: وهو الأصحّ، أنّها كالأفعال إذا دخل عليها النفي كان معناها نفيا، وإذا تجرّدت من النفي كان معناها إثباتا، لأنّ قولك: كاد زيد يقوم، معناه إثبات قرب القيام لا إثبات نفس القيام، فإذا قلت: ما كاد زيد يقوم، فمعناه نفي قرب القيام. والمذهب الثاني: أن تكون (¬2) كاد على العكس من الأفعال الماضيّة والمستقبلة، إثباتها نفي ونفيها إثبات، كما إذا قلت: كاد زيد يخرج، فالخروج غير حاصل، وما كاد زيد يخرج، فالخروج حاصل. والمذهب الثالث: أن تكون كاد في نفي المستقبل كالأفعال تمسّكا بقوله تعالى: إِذا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَراها (¬3) لأنّه لا يستقيم أن يكون المعنى إلّا كذلك لأنه واقع بعد قوله تعالى: يَغْشاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحابٌ ظُلُماتٌ بَعْضُها فَوْقَ بَعْضٍ «3» وفي الماضي خاصة/ على العكس من الأفعال نفيا وإثباتا تمسّكا بقوله تعالى: فَذَبَحُوها وَما كادُوا يَفْعَلُونَ (¬4) ووجه التمسّك أنّ فعل الذّبح واقع بلا شك، واللفظ منفيّ، أعني ما كاد، والجواب: أنه محمول على أنّ حالهم كانت قبل الذّبح في التعنّت حال من لم يقارب الفعل، فالإخبار عن نفي مقاربة الذّبح قبل الذّبح عند ذلك التعنّت، والإخبار عن الذّبح بعد ذلك، أي فذبحوها وما كادوا قبل ذلك يقاربون أن يفعلوا (¬5) وقد أخذ على ذي الرّمة من يرى أنّ كاد نفيها إثبات في قوله: (¬6) إذا غيّر الهجر المحبين لم يكد … رسيس الهوى من حبّ ميّة يبرح وهو أنه فهم من ذلك الإثبات وهو زوال رسيس الهوى، والصواب حمل البيت المذكور على الصّحة، لأنّ المعنى؛ إذا غيّر الهجر المحبين لم يقارب حبّي التغيير ¬
القسم الثالث من أقسام أفعال المقاربة: وهو ما وضع لدنو الخبر على وجه الشروع فيه والأخذ في فعله
وهو أبلغ من نفي نفس التغيير (¬1). القسم الثالث من أقسام أفعال المقاربة: (¬2) وهو ما وضع لدنوّ الخبر على وجه الشروع فيه والأخذ في فعله وهو خمسة أفعال، أربعة منها تستعمل استعمال كاد بغير أن، وهي جعل وطفق وكرب وأخذ كقولك: جعل زيد يقول، وكقوله تعالى: وَطَفِقا يَخْصِفانِ عَلَيْهِما مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ (¬3) وكربت الشمس تغيب، وأخذ زيد يقول، وواحد وهو أوشك يستعمل استعمال عسى في مذهبيها، واستعمال كاد بغير أن، فمثاله بمعنى عسى الناقصة: أوشك زيد أن يقوم وبمعنى التامة: أوشك أن يقوم زيد، ومثاله بمعنى كاد: أوشك زيد يقوم (¬4). ذكر فعل التعجّب (¬5) فعل التعجّب ما وضع لإنشاء التعجّب فلا يدخل فيه مثل: تعجّبت وعجبت لأنّه خبر وليس بإنشاء للتعجّب، والتعجّب انفعال النفس عند رؤية ما خفي سببه (¬6) وخرج عن نظائره، ومن هنا يعلم أنّ الله تعالى لا يصدر منه التعجّب لفقد الانفعال، وما جاء في التنزيل على صيغة التعجّب، فبالنّظر إلى المخاطب كقوله تعالى: فَما أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ (¬7) وفعل التعجّب غير متصرّف، لأنّه لمّا تضمّن معنى الإنشاء أشبه الحرف فمنع من التصرّف كما قيل في عسى. وللتعجب صيغتان؛ إحداهما: ما أفعله، والثانية: أفعل به نحو: ما أحسنه ¬
وأحسن به، فما أحسنه هي الأصل وهي جملة اسميّة لأنّها مصدّرة بالاسم وهو ما، وأحسن به معدول عنها وهي جملة فعليّة وأحسن بزيد، ليس بأمر بل هو عند سيبويه خبر بلفظ الأمر (¬1) وجاء الخبر بلفظ الأمر كما جاء الأمر بلفظ الخبر في نحو قوله تعالى: وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ (¬2) وكما جاء الدّعاء بلفظ الخبر في قولك: رحمك الله، ويدلّ على أن قولك: أكرم بزيد، ليس بأمر، دخول التصديق فيه وخلو الفعل من الضمير الذي يلحق فعل الأمر في المثنّى والمجموع نحو: أحسنا وأحسنوا، فإنه لا يقال: أحسنا بزيد، ولا أحسنوا بزيد، ولا يبنى فعلا التعجّب إلّا مما يبنى منه أفعل التفضيل (¬3) لكون كلّ/ واحد منهما للمبالغة فلا يبنيان إلّا من فعل ثلاثيّ ليس بلون ولا عيب (¬4) ويتوصّل في الممتنع بمثل ما يتوصّل به إلى التفضيل فيقال: ما أشد استخراجه واشدد باستخراجه، كما قالوا في التفضيل: زيد أشدّ استخراجا من عمرو، وكذلك تقول: ما أشدّ حمرته وما أقبح عوره، وقد شذّ نحو: ما أعطاه وما أولاه للمعروف، وما أفقره وما أكرمه، وقيل (¬5): إنه مردود من الرباعي إلى أصله الثلاثي؛ أي من عطا يعطو، ومن ولي يلي، ومن فقر وكرم، ولا يبنى فعل التعجّب إلّا للفاعل دون المفعول نحو قولهم: ما أبغضه إليّ وأحبّه وأشغله، ولا يتصرّف في صيغتي فعل التعجّب بتقديم ولا تأخير ولا فصل (¬6) لكونهما غير متصرفين فلا يقال: ما زيدا أحسن ولا زيدا ما أحسن، ولا يقال أيضا: بزيد أحسن ولا ما أحسن اليوم زيدا، وأجاز المازني الفصل بالظرف لما سمع من العرب: ما أحسن بالرجل أن يصدق (¬7) ففصل بين أحسن ومعموله بالجار والمجرور، و «ما» ¬
في ما أفعله مبتدأ نكرة بمعنى شيء عند سيبويه والخليل وأصله شيء أحسن زيدا (¬1) والجملة أعني أحسن زيدا في محل الرفع بأنه خبره، وهو مثل: شرّ أهرّ ذاناب (¬2) حسبما تقدّم في موضعه (¬3) والأخفش يرى (¬4): أنّ «ما» في: ما أفعله موصولة والجملة التي بعدها صلتها، والصلة مع الموصول في محلّ الرفع بأنه مبتدأ وخبره محذوف تقديره: الذي أحسن زيدا شيء (¬5) ومذهب سيبويه في: أكرم بزيد أنّ الجارّ والمجرور أعني بزيد في موضع رفع بأنه فاعل أكرم؛ فلا ضمير فيه، والباء زائدة في الفاعل كقوله تعالى: وَكَفى بِاللَّهِ شَهِيداً (¬6) فجعل فعل الأمر أعني: أكرم بزيد، بمعنى الماضي أي: أكرم زيد بمعنى صار ذا كرم، وفي هذا المذهب شذوذان أحدهما: استعمال الأمر بمعنى الماضي، والثاني: زيادة الباء في الفاعل (¬7)، ومذهب الأخفش أنّ بزيد في أكرم بزيد مفعول به (¬8) وهو المتعجّب منه، فعلى هذا يكون أفعل أمرا لا خبرا (¬9) فيكون فيه ضمير مرفوع بأنه فاعله يعود إلى المخاطب أي أنه أمر لكلّ مخاطب بأن يجعل زيدا كريما أي بأن يصفه بالكرم هذا أصله ثم أجري مجرى الأمثال فلم يغير عن لفظ الواحد تقول: يا رجل ويا رجلان ويا رجال أحسن ¬
بزيد، والباء على هذا الوجه إمّا زائدة، وإما للتعديّة، فعلى تقدير أنّها زائدة تكون الهمزة للتعدية والباء زائدة مثل: ألقي بيده، وعلى تقدير أنّها للتعدية تكون الهمزة للصيرورة مثل قولهم: أغدّ البعير، ثم جيء بالباء لتعدية الفعل فصار ما كان فاعلا مفعولا وعلى التقديرين، زيد في أكرم بزيد مفعول لأكرم وأكرم متعدّ إليه إمّا بالهمزة وتكون الباء زائدة، وإمّا بالباء وتكون الهمزة للصيرورة لا للتعدية (¬1) ومعنى فعل التعجّب معنى قائم برأسه/ متميز عن غيره وهو أنّ ذلك الوصف على أبلغ ما يكون، وأنّه نهاية وغاية وزائد على نظرائه نادر في بابه، وإذا قلت: ما كان أحسن زيدا فقد زيدت كان إيذانا بأنّ التعجّب واقع فيما مضى (¬2) كما زيد مستقبل كان ليؤذن بالتعجّب في المستقبل، إذا كان في الحال الحاضرة دليل عليه كقولهم: ما يكون أطول هذا الصبيّ، فإن قيل: كيف جاز ما كان أحسن زيدا، وأحسن فعل ماض فكيف دخل كان عليه، فالجواب: أنّ فعل التعجّب لمّا منع عن التصرّف كان ماضيه كلا ماضي، لأنه لمّا لم يتصرّف ولزم طريقة واحدة أشبه الأسماء ولذلك صغّر في نحو: (¬3) يا ما أميلح غزلانا عرضن لنا (¬4) وقد قالوا: ما أصبح أبردها، وأمسى أدفأها، وهو شاذّ عند أكثر النّحاة (¬5) والضمير في أصبح وأمسى للغداة والعشيّة، وإذا قلت: ما أحسن ما كان زيد، رفعت ¬
ذكر أفعال المدح والذم
زيدا بكان وهي التامّة والتقدير: ما أحسن كون زيد، وأجاز المبرّد: ما أحسن ما كان زيدا بالنّصب على تقدير: ما أحسن الرجل الذي كان زيدا (¬1). ذكر أفعال المدح والذّمّ (¬2) وهي ما وضع لإنشاء مدح أو ذمّ، والأصل فيها نعم وبئس فلا يدخل في ذلك نحو: مدحته وذممته وكرم وقبح، لأنّها من باب الخبر لا الإنشاء (¬3) فنعم للمدح وبئس للذمّ، وشرط فاعل نعم مثل شرط فاعل بئس من غير فرق، وشرطهما أن يكون فاعلهما أحد أمور ثلاثة، وهو أن يكون معرّفا باللّام تعريف العهد الذهني (¬4) نحو: نعم الرجل زيد، أو يكون مضافا إلى المعرّف باللّام نحو: نعم صاحب الرجل زيد، أو يكون مضمرا مميّزا بنكرة منصوبة، أو بما (¬5)، مثال المضمر المميّز بالنكرة المنصوبة نحو: نعم رجلا زيد، أي نعم الرجل رجلا زيد، ومثال المميّز بما قوله تعالى: إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقاتِ فَنِعِمَّا هِيَ (¬6) وهنا ما بمعنى شيء وموضعها النصب على التمييز (¬7) وهي المميّزة لفاعل نعم أي: فنعم الشيء شيئا هي، وهي ضمير الصدقات وهي المخصوصة بالمدح، وهذا المضمر (¬8) المميّز بالنكرة إضمار قبل الذكر على شريطة التفسير فأصل نعم رجلا زيد، نعم الرجل ثم أضمرت الرجل، فصار نعم هو ثم استكنّ الضمير المرفوع في الفعل فاستتر فيه، فيلزم أن يبيّن (¬9) ويفسّر بنكرة منصوبة على التمييز، وقيل: (¬10) تعريف الرجل في قولك: نعم الرجل، ¬
هو تعريف الجنس لا تعريف العهد، لأنّك إذا مدحت جنس الشيء لأجل ذلك الشيء فقد بالغت في مدح ذلك الشيء (¬1) واعلم أنّ من قال أنه للعهد، إنما يريد به أنه لمعهود في الذهن لا لمعهود معيّن في الخارج، وذلك المعهود الذهني مبهم باعتبار الوجود الخارجي، كما أنّ أسامة معرفة باعتبار الذهن/ وليس معرفة باعتبار الوجود في الخارج. وبعد ذكر الفاعل يذكر المخصوص بالمدح أو الذمّ فإذا قلت: نعم الرجل زيد، فالمخصوص بالمدح هو زيد، كأنهم قصدوا إلى إبهام المخصوص أولا ليعظم وقعه في النفس وتتشوق النفس إلى تفسيره ثم فسّر بنحو: زيد، وكذلك إذا قيل: نعم رجلا زيد فإنّ الفاعل أضمر وأبهم ثم فسّر جنس ذلك المضمر بالنكرة المميزة، فيكون التقدير: نعم الرجل رجلا زيد. واعلم أنه يجوز الجمع بين الفاعل الظاهر وبين النكرة المميزة تأكيدا للفاعل الظاهر فتقول: نعم الرجل رجلا زيد، وهو جمع بين المفسّر والمفسّر، لكن جوّز لتأكيد الظاهر، وللتنبيه على أنّ هذا هو الأصل (¬2) وفي إعراب المخصوص بالمدح أو الذمّ وجهان: أحدهما: أن يكون مبتدأ والجملة التي قبله أعني نعم وفاعلها خبره، فيكون أصله: زيد نعم الرجل، واستغنى الخبر عن ضمير يعود إلى المبتدأ الذي هو زيد، لكون زيد هو الرجل، لأنّ المخصوص عبارة عن الفاعل ومفسّر له ولا يحتاج إلى عائد. والثاني: أن يكون خبرا والمبتدأ محذوف على تقدير: هو زيد، فعلى الوجه الأول يكون نعم الرجل زيد، جملة واحدة، وعلى الوجه الثاني يكون جملتين (¬3) وشرط هذا المخصوص (¬4) أن يكون مطابقا لفاعل نعم في المعنى والإفراد والتثنية ¬
والجمع والتذكير والتأنيث، تقول: نعم الرجل زيد، ونعم الرجلان الزيدان، ونعم الرجال الزيدون، ونعمت المرأة هند واعلم أنّه يجوز نعم المرأة هند (¬1) وإن كان لا يجوز: قام المرأة، لأنّ نعم غير متصرّف، بخلاف قام، وإنّما وجب مطابقة المخصوص للفاعل، لأنّ المخصوص عبارة عن الفاعل، ولمّا كان المخصوص لا بدّ وأن يكون مطابقا لفاعل نعم أو بئس، وجب تأويل ما جاء على خلافه مثل قوله تعالى: بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا (¬2) لأنّ المخصوص هو الذين كذّبوا وهم غير مطابقين لمثل القوم الذي هو الفاعل، لأنّهم ليسوا من جنس المثل، لأنّ المثل هو القول الوجيز، والذين كذّبوا ليسوا بقول وجيز، وتأويله على حذف المضاف أي بئس مثل القوم مثل الذين كذّبوا (¬3). ومما يناسب بئس، ساء (¬4) وهي مثل بئس معنى واستعمالا فحكمها حكمها، وقد تستعمل على غير ذلك كقولك: ساءني ما صنعت (¬5). والمخصوص قد يعلم فيجوز حذفه (¬6) كقوله تعالى: إِنَّا وَجَدْناهُ صابِراً نِعْمَ الْعَبْدُ (¬7) بعد أن تقدّم ذكر أيوب فعلم أنّ المراد نعم العبد أيوب، وكذلك قوله تعالى: وَالْأَرْضَ فَرَشْناها فَنِعْمَ الْماهِدُونَ (¬8) أي فنعم الماهدون نحن يدلّ عليه سياق الكلام (¬9). ¬
ومما يناسب نعم، حبّذا (¬1) وهو مركّب من حبّ وذا - (¬2) وفاعله ذا، ويراد به مشار إليه في الذهن، وذا في حبّذا، لا يتغيّر سواء كان المخصوص مفردا أو مثنّى أو مجموعا أو مذكرا أو مؤنثا (¬3)، تقول: حبّذا زيد وحبّذا الزيدان وحبّذا الزيدون وحبّذا هند وحبّذا الهندان وحبّذا الهندات، وإنما لم يتغيّر عن هذا اللفظ، لأنّهم جعلوا الفعل والفاعل كالكلمة الواحدة فكرهوا التصرّف فيه، واستغنوا بالمخصوص عن تفسير الفاعل ولم يستغنوا في نعم بالمخصوص عن تفسير الفاعل المضمر بل فسّروه بالنكرة، لئلا يؤدي حذف النكرة المفسّرة في نعم إلى التباس المخصوص بفاعل نعم في كثير من الصور، ألّا ترى أنّك لو قلت نعم السلطان وجوّزت الإضمار في نعم من غير تفسير، لم يعلم هل الفاعل السلطان أم المخصوص بالمدح بخلاف حبّذا فإن «ذا» مؤذن بأنه الفاعل، وإعراب مخصوص حبّذا كإعراب مخصوص نعم (¬4) في كون المخصوص مبتدأ وما قبله خبره، أو خبر مبتدأ محذوف (¬5) ويجوز قبل ذكر مخصوص حبّذا أن يقع حال موافق للمخصوص في الإفراد والتثنية والجمع والتذكير والتأنيث نحو: حبذا راكبا زيد، وحبّذا راكبين الزيدان، ويجوز وقوع هذه الحال بعد المخصوص أيضا نحو: حبّذا زيد راكبا وحبّذا الزيدان راكبين، ويجوز أيضا أن يقع قبل المخصوص وبعده تمييز على وفق المخصوص في الإفراد وغيره كما قيل في الحال نحو: حبّذا رجلا زيد، وحبّذا زيد رجلا (¬6) والعامل في هذه الحال وهذا التمييز ما في حبّذا من معنى الفاعليّة، وذو الحال ذا في حبّذا لا زيد، لأنّ زيدا هو ¬
ذكر أبنية الماضي الثلاثي المجرد عن الزيادة
المخصوص، والمخصوص لا يجيء إلّا بعد تمام المدح لفظا أو تقديرا (¬1). ذكر أبنية الماضي الثلاثي المجرّد عن الزيادة (¬2) ولا تكون فاؤه إلّا مفتوحة (¬3) لكنّ عينه تتحرّك بالحركات الثلاث فهو بحسب ذلك ثلاثة أقسام: فالأول: فعل بفتح العين نحو: ضرب وجلس. والثاني: فعل بكسر العين نحو: شرب وفرح وكلّ من هذين القسمين يكون متعديّا ولازما كما رأيت من الأمثلة المذكورة. والثالث: فعل بضمّ العين ولا يكون إلّا لازما نحو: كرم. واعلم أنّ مضارع هذه الثلاثة يجيء على القياس وعلى غير القياس، والمراد بالقياسي أن يكون المضارع مخالفا للماضي في البناء بحيث، إن كان الماضي مفتوح العين يكون المضارع إمّا مكسور العين أو مضمومها، وإن كان الماضي مكسور العين يكون المضارع إمّا مفتوح العين أو مضمومها (¬4) إلّا أنّ ضمّ المضارع مع كسر الماضي أهمل لثقله، وما ورد منه فمركّب كما يأتي بيانه، ويسمّى ما جاء على القياس الدعائم نحو: كتم يكتم وشتم يشتم وعلم يعلم وما بخلافه ليس من الدعائم نحو: فعل يفعل بفتحهما معا، أو بضمّهما معا، أو بكسرهما معا/. [ذكر ابنية المضارع] ذكر مضارع فعل بفتح العين (¬5) اعلم، أنّ المضارع يحصل بزيادة حرف المضارعة على الماضي وقد جاء مضارع فعل على ثلاثة أمثلة: ¬
أحدها: يفعل بكسر العين ومثاله من المتعدّي: ضرب يضرب ومن اللّازم: جلس يجلس. ثانيها: يفعل بضمّ العين ومثاله من المتعدّي: قتل يقتل، ومن اللّازم: قعد يقعد. ثالثها: يفعل بفتح العين على خلاف الأصل ولا يكون إلّا مما عينه أو لامه حرف حلق، وحروف الحلق، الهمزة والهاء والحاء والعين والخاء والغين نحو: سأل يسأل وذهب يذهب ومدح يمدح ومنع يمنع وسلخ يسلخ وصبغ يصبغ (¬1) بفتح عين يفعل في الجميع (¬2) ولكن ليس الفتح لازما في كلّ ما هو كذلك بل يجوز أن يأتي على الأصل نحو: يصبغ (¬3) بالضمّ (¬4) وشذّ ما جاء على فعل يفعل بالفتح وليس عينه أو لامه حرف حلق نحو: أبى يأبى (¬5) وركن يركن، وقيل: إنّ ركن يركن مركّب كما سيأتي بيان التركيب، وإنّما فتحت عين يفعل من هذه الأفعال بسبب حروف الحلق لأنّ حروف الحلق ثقيلة (¬6) والفتحة تناسب ذلك لينجبر الثّقل بالخفّة (¬7). واعلم أنّ فعل بفتح العين إذا كان معتلّ الفاء أو العين أو اللّام أو مضاعفا فلمضارعه أحكام أخر، أمّا معتلّ الفاء بالواو فمضارعه على يفعل بكسر عين المضارع (¬8) نحو: وعد يعد، وشذّ: وجد يجد بالضمّ (¬9) وأما معتلّ العين أو اللّام ¬
ذكر مضارع فعل بكسر العين
بالواو فمضارعه (¬1) على يفعل بالضم، نحو: قال يقول ودعا يدعو لمناسبة الضمّة للواو وقد شذّ: طاح يطيح وتاه يتيه عند من قال: طوّحت أطوح وتوّهت أتوه، لأنّ قياسه حينئذ أن يأتي على طاح يطوح وتاه يتوه (¬2)، وأمّا معتلّ العين أو اللّام بالياء فمضارعه على يفعل بالكسر للمناسبة (¬3) نحو: باع يبيع ورمى يرمي، وأمّا فعل المضاعف اللّام، فإن كان متعديّا فمضارعه مضموم العين لا سيما إن لحقه الضمير نحو: شدّة يشدّه ومدّه يمدّه، وجاء الكسر في بعضه نحو: نمّه ينمّه وبتّه يبتّه، وأمّا حبّه فيحبّه بالكسر ليس إلّا (¬4)، وإن كان لازما فمضارعه مكسور العين (¬5) غالبا نحو حنّ يحنّ وأنّ يئن. ذكر مضارع فعل بكسر العين (¬6) ومضارعه يأتي على مثالين: أحدهما: يفعل بفتح العين ومثاله من المتعدّي شرب يشرب، ومن اللّازم فرح يفرح. وثانيهما: يفعل بكسر العين مثل الماضي ومثاله من المتعدّي: حسب يحسب، ومن اللّازم: نعم ينعم وبئس يبئس ويئس ييئس ويبس ييبس إذا/ جفّ، وقد جاء الفتح أيضا في هذه الأفعال المذكورة أعني يحسب وينعم إلى آخرها بفتح عين ¬
ذكر مضارع فعل بضم العين
يفعل (¬1)، وجاء وله يله والأكثر يوله (¬2) وولغ يلغ، وحكي يولغ ويلغ (¬3) وجاء منها بالكسر فقط، ورث يرث ووثق يثق وومق يمق وورم يرم، وأمّا ما جاء على فعل يفعل بكسر عين الماضي وضمّ عين المضارع مثل: فضل يفضل فمركّب (¬4) والمراد بالتركيب أن يبادل بين صيغتين لفعل واحد، قد جاء ماضي كل صيغة منهما ومضارعها على الأصل كما جاء فضل يفضل على صيغة قتل يقتل، وجاء أيضا فضل يفضل على صيغة شرب يشرب فأعطي ماضي إحداهما مضارع الأخرى فتركّب من ذلك فضل يفضل بكسر عين الماضي وضمّ عين المضارع على خلاف بابه (¬5). ذكر مضارع فعل بضمّ العين (¬6) وهو لا يكون (¬7) إلّا لازما ومضارعه على مثال واحد على يفعل بضمّ العين مثل ماضيه نحو: كرم يكرم وكأنّه إنّما جاء كذلك كراهة أن يشارك غير المتعدّي المتعدّي (¬8). ذكر أبنية الثلاثي المزيد فيه (¬9) وهي خمسة وعشرون بناء، خمسة عشر منها للإلحاق وعشرة لغير الإلحاق (¬10) والمراد بالإلحاق جعل مثال على مثال أزيد منه بجعل الزائد مقابل الأصلي، وميزانه اتّحاد المصدرين أو الجمعين كما سيظهر من الأمثلة الآتي ذكرها. ¬
أما الخمسة عشر الموازنة للرباعي على سبيل الإلحاق: فمنها ستة ملحقة بدحرج أي بالرباعي المجرّد وهي: جلبب وحوقل وبيطر وجهور وقلنس وقلسى (¬1) لأنّهم زادوا في كلّ واحد منها زيادة ليوافق دحرج في وزنه، فجلبب فعلل، زيدت فيه الباء من موضع لام الفعل، وحوقل فوعل زيدت فيه الواو ثانية، وبيطر فيعل، زيدت فيه الياء ثانية أيضا، وجهور فعول زيدت فيه الواو ثالثة، وقلنس فعنل زيدت فيه النون ثالثة، وقلسى من قلسيته بالقلنسوة فقلسيت على فعليت، زيدت فيه الياء رابعة، ودليل إلحاق هذه كلّها بدحرج، أنّها مثله في الماضي والمستقبل والمصدر واسم الفاعل نحو: جلبب يجلبب فهو مجلبب وقس على ذلك البواقي (¬2). ومنها سبعة ملحقة بتدحرج (¬3) أي بالرباعي المزيد فيه التاء (¬4) وهي نحو: تجلبب وتجورب (¬5) وتشيطن (¬6) وترهوك (¬7) وتمسكن وتغافل وتكلّم، فكما أنّ جلبب ملحق بدحرج، كذلك تجلبب ملحق بتدحرج وكذلك القول في تشيطن وترهوك، وأمّا تمسكن على وزن تمفعل، فقد قيل: إن تمسكن وتمدرع شاذّان (¬8) والأكثر أن يقال فيهما: تدّرع وتسكّن وكذلك الكلام في تمندل إذا مسح يده بالمنديل، فإن الأولى أن يقال: تندّل (¬9)، وتغافل ملحق بتدحرج فتصريفه مثله يقال: ¬
تغافل يتغافل تغافلا كما يقال: تدحرج يتدحرج، تدحرجا وإن كان غافل/ غير ملحق بدحرج، وكذلك تكلّم ملحق بتدحرج (¬1) ودليل إلحاق هذه كلها بتدحرج أنها مثله في الماضي والمستقبل والمصدر واسم الفاعل. ومنها اثنان ملحقان باحرنجم (¬2) أي بالرباعي المزيد فيه النون وهما: اقعنسس واسلنقى (¬3)، لتصرّفهما تصرّف احرنجم في الماضي والمستقبل والمصدر، ومعنى احرنجم اجتمع، واقعنسس تأخّر. وأمّا العشرة الغير الملحقة فمنها ثلاثة موازنة للرباعي (¬4) لكن على غير سبيل الإلحاق وهي: أخرج وجرّب وقاتل، فزيادة أخرج الهمزة، وزيادة جرّب من جنس الكلمة بتضعيف عين الفعل من موضعها، وزيادة قاتل الألف، فهذه الثلاثة وإن وافقت دحرج في وزنه بما زيد فيها فليست ملحقة به، لأنّ حرف الإلحاق هو الذي ليس له معنى غير الإلحاق، بخلاف الهمزة في أفعل، فإنّها موضوعة لمعان كالتعدية وغيرها، وكذلك تضعيف العين في نحو: جرّب، وأمّا الألف في نحو: قاتل فموضوعة لأن يكون من غيرك إليك ما كان منك إليه (¬5)، وهذا كلّه بخلاف حروف الإلحاق (¬6)، فإنّ زيادتها لا تفيد معنى غير الإلحاق، وأيضا فإنّ مصادر هذه مخالفة لمصدر دحرج، لا يقال: أخرج إخراجا مثل دحرج دحراجا، لأنّا نقول: إنّ الاعتبار إنّما هو بالفعللة لا بالفعلال، لأنّ الفعللة هي المصدر الملازم لباب دحرج بخلاف ¬
ذكر معاني فعل بفتح العين
دحراج (¬1). ومنها سبعة غير موازنة للرباعي (¬2) بوجه وهي: انطلق واقتدر واستخرج واشهابّ واشهبّ (¬3) واغدودن (¬4) واعلوّط بالطاء المهملة (¬5) لأنّ استخرج مثلا ليس موازنا لاحرنجم، لأنّا لا نعني بالموازنة صورة حركات وسكنات، وإنما نعني وقوع الفاء والعين واللّام في الفرع موقعها في الأصل الملحق به، واستخرج بالنسبة إلى احرنجم بخلاف ما ذكرناه في الأصليّة والزيادة جميعا، أمّا الأصليّة، فهو أنّ الخاء من استخرج فاء وقد وقعت موقع النون من احرنجم، وهي زائدة في الأصل وليس الأمر كذلك فيما هو ملحق، وأمّا الزيادة فالنون واقعة في الأصل بعد الفاء والعين وليس في استخرج الذي هو الفرع نون في موضعها ولا في غير موضعها، وأيضا فإنّ مصادر هذه الأفعال مخالفة لمصدر احرنجم (¬6). ذكر معاني فعل بفتح العين (¬7) ومعانيه لا تنضبط كثرة لخفّة بنائه، فيقع على ما كان عملا مرئيا (¬8) نحو: ضرب وقتل وعلى غير المرئي نحو: شكر ومدح ونطق الإنسان وهدر الحمام وصهل الفرس وعلى ضدّه نحو: سكت وصمت، وعلى باب المغالبة وهو أن يكون الفعل بين اثنين ويغلب أحدهما فيقع بفتح عين الماضي وضمّ المستقبل نحو: كارمته فكرمته أكرمه، وخاصمني فخصمته أخصمه، وكاثرني فكثرته أكثره (¬9) / إلّا باب معتلّ الفاء ¬
ذكر معاني فعل بكسر العين
بالواو، ومعتلّ العين واللّام بالياء (¬1) فإنّ مضارعها لا يجيء مضموما بل على يفعل بكسر العين (¬2) نحو: وامقه فومقه يمقه، وبايعه فباعه يبيعه، وراماه فرماه يرميه (¬3)، وعن الكسائي فيما عينه أو لامه حرف حلق على يفعل بفتح العين نحو: شاعرته فشعرته أشعره وما ذكره غيره أولى (¬4)، لثبوت الضمّ في مثله نقلا، قال أبو زيد: شاعرته أشعره وفاخرته أفخره بالضمّ فيهما على الأصل (¬5). ذكر معاني فعل بكسر العين (¬6) وهو يكثر في (¬7) الأعراض من الأفراح والأحزان والعلل والألوان كفرح وحزن ومرض وسقم وأدم وشهب وسود (¬8). ذكر معاني فعل بضمّ العين (¬9) وهو للمعاني التي تكون في الأشياء أي الغرائز كحسن وقبح وصغر وكبر وضعف ونظف وملح وصلب وصعب. ذكر معاني تفعلل (¬10) يجيء مطاوع فعلل كجوربه فتجورب ومعنى المطاوعة قبول المفعول به فعل الفاعل، فإذا قلت: كسرته فانكسر أي قبل الكسر، وقد يكون تفعلل بناء مقتضيا غير ¬
ذكر معاني تفعل
مطاوع لشيء نحو: ترهوك وهو ملحق بتدحرج يقال: ترهوك النّاس في كذا إذا تحرّكوا فيه. ذكر معاني تفعّل (¬1) يجيء مطاوع فعّل نحو: كسّرته فتكسّر، وقطّعته فتقطّع، ويجيء بمعنى التشبيه بالشيء كقول رؤبة: (¬2) كقيس عيلان ومن تقيّسا أي تشبّه بقيس، ومنه تهوّد وتنصّر، ويجيء بمعنى تكلّف الشيء نحو: تشجّع وتصبّر إذا تكلّف ذلك، ويجيء بمعنى استفعل نحو: تكبّر وتعظّم بمعنى استكبر واستعظم ويجيء بمعنى أخذ الشيء بعد الشيء في مهلة، نحو: تجرّع الماء وتحسّاه (¬3) ومنه: التجسّس والتفهّم والتبصّر والتسمّع (¬4) والتعرّف والتعهّد، ويجيء بمعنى اتّخاذ الشيء نحو: توسّدت التراب وتديّرت المكان أي اتخذته دارا، وتبنّى فلان فلانا أي اتّخذه ابنا (¬5)، ويجيء بمعنى التجنّب للشيء نحو: تهجّد أي اجتنب الهجود وهو نوم الليل (¬6) ويجيء وليس فيه شيء من هذه المعاني نحو: تبسّم وتكلّم (¬7). ذكر معاني تفاعل (¬8) يجيء لما يكون من اثنين فصاعدا غالبا نحو: تضاربا وتضاربوا فإن كان فاعل من المتعدّي إلى مفعول واحد كضارب لم يتعدّ تفاعل بل يكون لازما نحو: تضارب ¬
ذكر معاني أفعل
زيد وعمرو، وإن تعدّى إلى مفعولين نحو: نازعته (¬1) الحديث تعدّى إلى واحد نحو: تنازع زيد وعمرو الحديث وتجاذبا الرّداء، ويجيء تفاعل أيضا ليري الفاعل من نفسه حالا ليس هو فيها ولا يريد أن يكون هو فيها (¬2) وذلك نحو: تعاميت وتغافلت وتناسيت وتمارضت، كقول الشّاعر: (¬3) إذا تخازرت وما بي من خزر … ثمّ كسرت الطرف من غير عور والتخازر أن يضيّق جفنه ويكسره، ويجيء بمعنى فعلت ولا يراد به الفعل من اثنين نحو: توانيت في الأمر وتلافيته وتداركته، ويجيء بمعنى تفعّلت نحو: تعاهدت إذا فعلت الشيء مرّة بعد أخرى، ويجيء مطاوع فاعلت نحو: باعدته/ فتباعد، ويجيء متعديا بمعنى أفعله كقوله تعالى تُساقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً (¬4) أي تسقط عليك النخلة رطبا. ذكر معاني أفعل (¬5) صيغة (¬6) أفعل تأتي على وجوه (¬7): ¬
1 - أن تكون لتعدية الفعل في الأكثر نحو: أجلسته. 2 - أن تكون لتعريض الشيء للشيء وأن يجعل بسبب منه نحو: أقتلته أي عرّضته للقتل، وأبعت الغلام وغيره عرّضته للبيع، ومنه قوله تعالى: ثُمَّ أَماتَهُ فَأَقْبَرَهُ (¬1) أي جعل له قبرا. 3 - أفعل الشيء إذا صار ذا كذا أي ذا أمر من الأمور التي دلّ عليها الفعل نحو: أغدّ البعير إذا صار ذا غدّة، والغدّة في الإبل كالطاعون في الإنسان. وأقشع السحاب إذا صار ذا انكشاف. 4 - أفعل إذا حان وبلغ نحو: أحصد الزرع إذا بلغ الحصاد. 5 - أن تكون أفعلته بمعنى وجدته (¬2) كذلك تقول: أحمدت الرجل أي وجدته محمودا أو موصوفا بالحمد، وتقول: أبخلته أي وجدته بخيلا. 6 - أن تكون بمعنى السلب والإزالة نحو: شكا فأشكاه أي زال شكواه، وأعجمت الكتاب إذا نقطته لأنك تزيل عجمته، لأنّه قبل النقط ذو عجمة لا تعرف الباء من التاء. 7 - أن تكون بمعنى الدخول في الشيء مثل: أظلم إذا دخل في الظلام، وأصبح إذا دخل في الصباح، وأحرم إذا دخل في الأشهر الحرم، وأحرم إذا لم يأت ما يوجب عليه عقوبة، لأنّه دخل في حرمة لا تهتك، وأحرم إذا دخل في الصلاة والحج (¬3). 8 - أن يقال: ألبن الرجل وأتمر وألحم وأشحم إذا كثر عنده ذلك. 9 - أن تجيء لمعنى في نفسه ولم يرد به شيء من هذه المعاني، نحو: أشفق وألحّ. 10 - أن تجيء بمعنى فعل نحو: قاله البيع، وأقاله، وشغله وأشغله، وأشغل ¬
ذكر معاني فعل
لغة رديئة (¬1) وبكرت بكورا وأبكرت إبكارا بمعنى (¬2). ذكر معاني فعّل (¬3) وفعّل يؤاخي أفعل في التعدية نحو: فرّحته، ويجيء فعّلته ويراد به النسبة نحو: فسّقته وزنّيته وفجّرته، ويجيء ويراد به قلت له ذلك نحو: جدّعته وعقّرته أي قلت له: جدعا له وعقرا (¬4)، ويجيء بمعنى التنحية نحو: قرّعته إذا أزلت قرعه وهو بثر أبيض، وقذّيت عينه إذا أزلت قذاها، وجلّدت البعير إذا أزلت جلده، كما يقولون: سلخت الشاة ولا يكاد يقولون سلخت البعير، وقرّدته، أزلت قراده (¬5) ويجيء بمعنى فعل نحو: بكرت وبكّرت، وميّزت الشيء بمعنى عزلت بعضه عن بعض ومزته، وتقول: أعاضني وعاضني وعوضني بمعنى (¬6)، وقصرت الصلاة وقصّرتها، ويجيء بمعنى التكثير غالبا نحو: علّقت الأبواب وقطّعت الثوب وجوّل في الأرض. ويجيء بمعنى صار الشيء بصفة كذا نحو: عجّزت المرأة وثيّبت، ويجيء ولا يراد به شيء مما ذكر نحو: كلّم وسلّم ووقّر وبجّل وجرّب (¬7). ذكر معاني فاعل (¬8) يجيء لما يكون بين اثنين غالبا بأن يفعل [كلّ منهما مع الآخر ذلك] (¬9) - الفعل نحو: قاتل وضارب، فإذا قلت: ضارب زيد عمرا، نسبت الفعل إلى أحدهما فرفعت (¬10)، وجعلته واقعا على الآخر فنصبته، والفاعل هنا مفعول أيضا في المعنى ¬
ذكر معاني انفعل
كما أنّ المفعول فاعل أيضا في المعنى، ولهذا جاز عند البصريين في الضرورة خاصة: خاصم زيد عمرو برفعهما، وحكى ابن الأنباري (¬1) أنّ بعض النحاة يجيز نصبهما كما يجيز رفعهما (¬2)، ويجيء فاعل بمعنى فعل نحو: سافر (¬3)، ويجيء بمعنى أفعلت نحو: عافاه الله أي أعفاه، وطارقت النّعل أي أطرقها، ويجيء بمعنى فعّل نحو: صاعر خدّه أي صعّر، وضاعف أي ضعّف، ويجيء بمعنى تفاعل نحو: سارع وتسارع وجاوز وتجاوز بمعنى (¬4). ذكر معاني انفعل (¬5) لا يكون إلّا مطاوع فعل، نحو: كسرته فانكسر إلّا ما شذّ من مجيئه مطاوعا لأفعل نحو: أقحمته فانقحم، وأغلقته فانغلق، وأزعجته فانزعج، ولا يكون إلّا حيث علاج وتأثير، لأنّه قبول المفعول فعل الفاعل، ولهذا كان قولهم: انعدم، خطأ، لأنّه لا معالجة فيه إنّما هو فقد وذهاب فليس هو مثل انقطع الذي هو قبول القطع، فأما قولهم: هذا القول لا ينقال وقد انقال، فهو لأنّ القائل يعمل في تحريك لسانه وإدارته ويقال: طردته فذهب ولا يقال: انطرد استغناء بذهب عنه (¬6). ذكر معاني افتعل (¬7) وهو يجيء بمعنى انفعل (¬8) غالبا في كونه مطاوع فعل كقوله: غممته فاغتمّ ¬
ذكر معاني استفعل
وانغمّ (¬1) ويجيء افتعل أيضا بمعنى تفاعل نحو: اختصموا والتقوا واجتوروا كما تقول: تخاصموا وتلاقوا وتجاوروا وكذا اختصما (¬2) واصّطلحا، مثل: تخاصما وتصالحا، ويجيء بمعنى اتخاذ الشيء نحو: اذّبح إذا اتّخذ لنفسه ذبيحة، والأصل اذتبح، وكذلك اشتوى واختبز إذا اتخذهما (¬3) ويجيء بمعنى فعل نحو: قرأ واقترأ وخطف واختطف، ويجيء لزيادة المعنى نحو: كسب واكتسب وعمل واعتمل، فمعنى كسب أنه أصاب الشيء، ومعنى اكتسب أنه أصابه بتصرّف وطلب وكذلك اعتمل، ويجيء وليس فيه شيء من ذلك نحو: اشتمل وارتجل (¬4). ذكر معاني استفعل (¬5) أصل استفعل أن يكون لطلب الفعل (¬6) فإذا قلت: استعلمت منه الخبر فالمعنى طلبت منه أن يعلمني، واستحقّ إذا طلب حقا، واستعملته طلبت منه العمل، واستعجل طلب العجلة، ويجيء بمعنى التحوّل من حال إلى حال نحو: استحجر الطين أي تحوّل حجرا واستنسر البغاث أي صار نسرا، وفي المثل، «إنّ البغاث بأرضنا يستنسر» (¬7)، ويجيء بمعنى وجود الشيء على صفة نحو: استسمنته بمعنى وجدته، كذلك واستعظمته أي وجدته كذلك، واستسمنت ذا ورم أي اعتقدت فيه السمن، ويجيء بمعنى فعل نحو: استعلى أي علا، ويجي بمعنى أفعل نحو: استنقذه ¬
ذكر معاني افعوعل
أي أنقذه، ويجيء بمعنى الحينونة والبلوغ نحو: استرقع/ الثوب (¬1) واستحفر النهر، ويجيء ولا يراد به شيء مما ذكر نحو: استرجع عند المصيبة (¬2). ذكر معاني افعوعل (¬3) وهو بناء مبالغة وتوكيد نحو: اخشوشن واعشوشبت الأرض واحلولى الشيء مبالغات في خشن وأعشبت وحلا (¬4) واعروى: إذا ركب الفرس أو الحمار عريّا. ذكر أبنية الفعل الرباعي (¬5) للمجرّد منه بناء واحد على فعلل، ويكون متعديّا وغير متعدّ، فالمتعدّي نحو: دحرجت الحجر، وغير المتعدي نحو: دربخ الرجل، إذا ذلّ، ودربخت الحمامة للذكر إذا خضعت له. وللمزيد فيه ثلاثة: افعنلل وافعلّل وتفعلل (¬6) نحو: احرنجم احرنجاما، واقشعررت اقشعرارا، وتدحرج تدحرجا، وجميع المزيد المذكور لازم (¬7)، واعلم أنّ مضارع غير الثلاثي المجرّد سواء كان ثلاثيا مزيدا فيه أو رباعيا مجرّدا أو رباعيّا مزيدا فيه فإنه يكسر ما قبل آخره إذا لم يكن أول الماضي تاء نحو: ينطلق ويدحرج ويحرنجم، وأما إذا كان أول ماضيه تاء زائدة نحو: تضارب وتدحرج وتكلّم فمضارعه حينئذ لم يكسر ما قبل آخره ولكن يبقى مفتوحا نحو: يتضارب ويتدحرج ويتكلّم. ¬
القسم الثالث في الحرف
القسم الثالث في الحرف (¬1) وهو ما دلّ على معنى في غيره، والهاء في غيره راجعة إلى ما دلّ، وقد تقدّم الكلام على الحرف في أول الكتاب (¬2) والحرف يأتي لمعنى في الاسم خاصة؛ كحرف التعريف، وحرف الجرّ، وحرف النداء، ويأتي لمعنى في الفعل خاصة كقد والسين وسوف والجوازم والنواصب، ويأتي للربط ويندرج فيه ما يربط بين اسمين أو بين فعلين مجرّدين عن الضمير تقديرا كحرف العطف، أو بين اسم وفعل، كحرف الجرّ أو بين جملتين كحرف الشّرط، وإذن، وواو الحال، وحرف الجواب، ويأتي لقلب معنى الجملة، وهو إمّا مغيّر للإعراب نحو: ليت ولعلّ وكأنّ، وإمّا غير مغيّر كحرف الاستفهام، وحرف النفي، ويأتي للتوكيد؛ إمّا مغيّر للإعراب نحو: إنّ وأنّ، أو غير مغيّر له نحو: لام الابتداء، ويأتي للزيادة إمّا في الجملة نحو: بحسبك زيد، وما زيد بقائم، وإمّا في غير الجملة كقوله تعالى: فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ (¬3) والحرف ينقسم: (¬4) إلى بسيط: ويراد به ما هو حرف واحد كالباء واللّام وكاف التشبيه ونحوها، وإلى مركّب: إمّا ثنائي كمن وعن وإمّا ثلاثي كعلى أو رباعي كحتّى أو خماسي نحو: لكنّ (¬5) ولا يتجاوز أصول الأسماء في العدّة. ¬
ذكر حروف الجر
ذكر حروف الجرّ (¬1) حرف الجرّ ما وضع للإفضاء بفعل أو شبهه أو معناه إلى ما يليه، قوله: ما وضع للإفضاء أي للإيصال، وقوله: إلى ما يليه، أي إلى ما يلي حرف الجرّ من الأسماء وقوله: بفعل احتراز من الاسم، والحرف، فإنّ الأصل/ في الاسم أن لا يعمل، وما عمل منه (¬2) إنّما كان لشبهه بالفعل، وكذلك الحرف قوله: وشبهه (¬3) أو معناه أي شبه الفعل من الأسماء أو معنى الفعل من الأسماء كاسم الفاعل والمفعول وغير ذلك، أمّا الفعل فنحو: مررت بزيد، وأمّا شبه الفعل فنحو: أنا مارّ بزيد، ومروري بزيد حسن فالباء هي التي أوصلت الفعل وشبهه إلى ما يليها من الاسم، وأمّا معنى الفعل فنحو: زيد في الدار لإكرامك، فاللّام متعلّقة بما في الدّار من معنى الاستقرار، وكذلك هذا أبوك في الدّار، فإنّ العامل ما في هذا من معنى الإشارة وإذا قلت: خرجت من البصرة فمن أوصلت معنى الخروج إلى البصرة على سبيل الابتداء، وكذلك قدمت إلى بغداد فإلى أوصلت معنى القدوم إلى بغداد، على سبيل الانتهاء. وسمّيت حروف الجرّ إمّا لأنّها تجرّ معاني الأفعال إلى الأسماء (¬4) وإما لأنّها أضيفت إلى عملها كقولهم: حروف الجزم وحروف النصب (¬5). وحروف الجرّ ثمانية عشر حرفا وهي: من وإلى وحتّى وفي والباء واللام وربّ وواو ربّ وواو القسم وتاؤه وعن وعلى والكاف ومنذ ومذ وحاشا وعدا وخلا. واعلم أنّ عشرة من هذه الحروف وهي: من وإلى وحتّى وفي والباء واللّام وربّ وواو ربّ وواو القسم وتاؤه لا تكون إلّا حروفا، وخمسة تكون حروفا وأسماء وهي: عن وعلى والكاف ومنذ ومذ، والثلاثة البواقي تكون حروفا وأفعالا وهي: ¬
حاشا وعدا وخلا. أما من (¬1) فتكون للتبعيض وللبيان وللابتداء فالتي للتبعيض هي التي يحسن مكانها بعض نحو: أخذت من الدّراهم، والتي للتبيين، هي التي يحسن مكانها الذي نحو قوله تعالى: فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ (¬2) أي الرجس الذي هو وثن (¬3) والتي للابتداء تعرف بأن يحسن في مقابلتها إلى، إمّا لفظا أو تقديرا نحو: سرت من البصرة إلى الكوفة، وزيد أفضل من عمرو، فإنّ معناه أنّ ابتداء فضله كان متراقيا في الزيادة من عمرو (¬4) وأما أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، فابتداء الاستعاذة كان من الشيطان مع قطع النّظر عن الانتهاء، لأنّه لا يتعلّق به غرض، وكذلك أخاف من عقاب الله فإنّ ابتداء الخوف من العقاب لا يقبل الانتهاء، والبصريون يخصّصونها بأنّها للابتداء في غير الزّمان (¬5)، والكوفيون يعمّمونها في الزمان وغيره، ويستدلّون بقوله تعالى: مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ (¬6) فقد دخلت على الزمان وتأولها البصريون بمعنى من تأسيس أول يوم (¬7) وتقع من زائدة وتعرف بأنّك لو حذفتها لكان المعنى الأصلي على حاله ولا يفوت بحذفها سوى التأكيد، كقولك: ما جاءني من أحد (¬8) وهي مختصّة عند البصريين بغير الموجب، وجوّز الكوفيون والأخفش زيادتها في الموجب أيضا (¬9) واستشهدوا/ بقولهم «قد كان من مطر» وتأويله قد كان شيء من مطر، فيكون ¬
للتبعيض واستدلّوا أيضا بقوله تعالى: يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ (¬1) وقد قال: يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً (¬2) والجواب: أنّ من هاهنا أيضا للتبعيض، أي يغفر لكم بعض ذنوبكم وهو خطاب لقوم نوح (¬3). وأمّا إلى وحتّى (¬4) فلانتهاء الغاية، إلّا أنّ حتّى تفيد معنى، «مع» أي يدخل ما بعدها فيما قبلها (¬5) بخلاف إلى، فإذا قلت: قدم الحاجّ حتّى المشاة فكأنك قلت: مع المشاة، وأكلت السمكة حتى رأسها ونمت البارحة حتّى الصباح أي أكلت الرأس مع السمكة ونمت الصباح مع البارحة، هذا هو المختار، وقيل: الضابط في دخول ما بعد حتّى فيما قبلها، أن يكون ما بعدها داخلا في مسمّى ما قبلها فيدخل الرأس في الأكل لدخوله في مسمّى السمكة ولا يدخل الصباح في النوم، لأنّه غير داخل في مسمّى البارحة وإلى لا يدخل ما بعدها فيما قبلها في الأصحّ (¬6) وقيل: يدخل، وقيل: إن كان من جنس ما قبله دخل وإلا لم يدخل (¬7)، وعلى الأصحّ فإنّما دخلت المرافق والكعبان في قوله تعالى: فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ (¬8) ببيان ذلك من النبيّ صلّى الله عليه وسلّم بالفعل، ولولا ذلك لم يحكم بدخوله (¬9). وتجئ إلى بمعنى مع قليلا (¬10) كقوله تعالى: وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَهُمْ إِلى أَمْوالِكُمْ (¬11) وأمّا قوله تعالى: كَما قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوارِيِّينَ مَنْ أَنْصارِي إِلَى ¬
اللَّهَ (¬1) فهي للغاية أي من ينصرني إلى أن يتمّ أمر الله (¬2) وحتّى لا تدخل إلّا على اسم ظاهر (¬3) فلا يقال حتّاه كما يقال: إليه، خلافا للمبرّد (¬4). وأمّا في (¬5) فمعناها الظرفيّة كقولك: جلست في المسجد وتكون كعلى قليلا كقوله تعالى: وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ (¬6) أي على (¬7). وأمّا الباء (¬8) فتكون للإلصاق كقولك: به داء أي التصق الدّاء به، وكقولك: أقسمت بالله أي ألصقت قسمي بالله، وللاستعانة كقولك: كتبت بالقلم، وللمصاحبة كقولك: اشتريت الفرس بسرجه ولجامه، وللتعدية كخرجت به (¬9)، ومنه قوله تعالى: نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (¬10) أي أهبط القرآن جبريل، وللمقابلة نحو: بعت هذا بهذا، وبمعنى في كقولك: ظننت به خيرا، وتكون زائدة في غير الموجب في خبر المبتدأ نفيا واستفهاما قياسا نحو: ما زيد بقائم، وهل زيد بقائم، وفي الموجب سماعا نحو: ألقى بيده، وبحسبك زيد (¬11). وأمّا الّلام (¬12) فتستعمل لمعان: 1 - للاختصاص نحو: الجلّ (¬13) للفرس، والمال لزيد. 2 - للتعليل نحو: ضربته للتأديب. ¬
3 - للزيادة كقوله تعالى: عَسى أَنْ يَكُونَ رَدِفَ لَكُمْ (¬1) أي ردفكم (¬2). 4 - أن تكون بمعنى «عن» إذا استعملت مع القول كقوله تعالى: قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كانَ خَيْراً ما سَبَقُونا إِلَيْهِ (¬3) وليس معنى الآية أنّ الكافرين/ خاطبوا المؤمنين لأنّه لو كان كذلك لوجب أن يقول: سبقتمونا إليه، فعلم أنّ معناه قال الذين كفروا عن الذين آمنوا (¬4). 5 - أن تكون بمعنى واو القسم في التعجّب في اسم الله تعالى كقول الشّاعر: (¬5) لله يبقى على الأيّام ذو حيد … بمشمخرّ به الظّيّان والآس وأمّا ربّ فللتقليل (¬6) كما أنّ كم للتكثير، ولربّ أحكام: أحدها: أنّ لها صدر الكلام لكونها لإنشاء التقليل. والثاني: اختصاصها بنكرة موصوفة بمفرد أو جملة نحو: ربّ رجل كريم اجتمعت به، وربّ رجل أبوه عالم، وربّ رجل مررت به، واختصّت بالنكرة لعدم الاحتياج إلى المعرفة، ووجب أن تكون النكرة موصوفة على الأصحّ (¬7) ليتحقّق ¬
التقليل الذي هو مدلول ربّ، لأنّه إذا وصف الشيء صار أخصّ مما لم يوصف (¬1). والثالث: أن يكون فعلها أي جوابها وعاملها فعلا ماضيا محذوفا غالبا؛ لأنّ وضعها لتقليل تحقّق، ولأنّ الصفة قد أغنت عنه وسدّت مسدّه، وإنّما قيّد الحذف بالغالب (¬2)، لأنّه قد يظهر نحو: ربّ رجل كريم اجتمعت به، فكريم صفة لمجرور ربّ، واجتمعت به هو فعلها الماضي، وهو جوابها، وعاملها الذي يتعلّق به ربّ، ولا يتعلّق إلّا بما بعدها لما ذكرنا من أنّ لها صدر الكلام فلا يكون العامل إلّا بعدها، وجوّز بعضهم (¬3) كون فعلها مضارعا نحو: ربّ رجل وجيه يقول ذلك، وقد تدخل ربّ على مضمر يميّز ذلك المضمر بنكرة منصوبة نحو: ربّه رجلا، وهذا الضمير مبهم كالضمير المستتر في: نعم رجلا زيد، وهذا الضمير مفرد مذكّر عند البصريين نحو: ربّه رجلا، وربّه رجلين، وربّه رجالا، وربّه امرأة وربّه امرأتين، وربّه نساء، لكونه راجعا إلى مقدّر ذهني لا لشيء مقدّم ذكره لتجب مطابقته، خلافا للكوفيين فإنهم قالوا: بمطابقة هذا الضمير للتمييز في الإفراد والتثنية والجمع والتذكير والتأنيث، فيقولون: ربّهما وربّهم وربّها وربّهنّ (¬4). وتلحق ربّ ما الكافة فتدخل على الجملة سواء كانت فعلية أو اسمية إذا قصدوا تقليل النسبة المفهومة من الجمل نحو: ربّما قام زيد، وربّما زيد قائم، ولا يقال: ربّما يقوم زيد، لأنّ ربّ للزمان الماضي (¬5)، وأمّا قوله تعالى: رُبَما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كانُوا مُسْلِمِينَ (¬6) فهو بمنزلة المضيّ لصدق الوعد به (¬7). وأما واو ربّ فهي الواو التي يبتدأ بها في أول الكلام بمعنى ربّ ولهذا تدخل ¬
على النكرة الموصوفة وتحتاج إلى جواب مذكور أو محذوف ماض، كما قيل في ربّ وهذا مذهب الكوفيين والمبرّد (¬1) فإنّ الجرّ عندهم بالواو لا بربّ، والمذهب الآخر مذهب سيبويه (¬2) وغالب البصريين أنّ واو ربّ إنّما تجرّ بربّ مضمرة بعدها لأنّ ربّ تضمر بعد ثلاثة أحرف/ الواو والفاء وبل، أمّا الواو فكقوله: (¬3) وبلدة ليس بها أنيس … إلّا اليعافير وإلّا العيس فجرّ بلدة بربّ مضمرة قالوا: (¬4) لأنّ الواو حرف عطف في الأصل، وهو لا يعمل، وأمّا الفاء فكقوله: (¬5) فإن أهلك فذي حنق لظاه … عليّ يكاد يلتهب التهابا أي فربّ ذي حنق، ومثله قوله: (¬6) فحور قد لهوت بهنّ عين أي فربّ حور، وأمّا بل فكقوله: (¬7) بل بلد ملء الفجاج قتمه ¬
وأمّا واو القسم وتاؤه (¬1) فيتوقّفان على معرفة القسم، وهو مصدر أقسمت، والقسم في العرف اليمين، والأفعال الموضوعة للقسم: أقسمت وحلفت وآليت وقد أجري مجراها: علم الله، ويعلم الله، وهو خبر في اللفظ، إنشاء في المعنى، بمنزلة قولك: بعت واشتريت وطلّقت ونحوها، ولا يتمّ القسم إلّا بجملتين أولى وثانية، الأولى نحو: حلفت بالله، والثانية نحو: لقد قام زيد، أو لتقومنّ، ولكلّ واحدة منهما أحكام تخصّها: منها أنّ الأولى لا تكون إلّا إنشائيّة بخلاف الثانية فإنّها تكون خبريّة وطلبيّة، والأولى لا تكون إلّا مؤكّدة للثانية، والثانية مؤكّدة بالأولى، والأولى هي القسم بالحقيقة لأنّها تشتمل على الاسم الذي يلصق به القسم ليعظم به ويفخّم وهو المقسم به كاسم الله في حلفت بالله، والثانية هي المقسم عليها، وإذا كانت الثانية خبريّة فهو القسم لغير الاستعطاف نحو: حلفت بالله لقد قام زيد، وإذا كانت طلبيّة فهو القسم للاستعطاف نحو: حلفت بالله لتقومنّ، ولكثرة القسم في كلامهم أكثروا التصرّف فيه على وجوه من التخفيف: منها أنّهم حذفوا الفعل وحرف القسم كما سنذكر، وحذفوا الخبر من الجملة الأولى وهو قسمي في قولك: لعمري ولعمر أبيك، ولعمر الله ويمين الله وايمن الله وايم الله وأمانة الله وعمر بفتح العين وضمّها بمعنى، ولكنّ المستعمل في القسم المفتوح العين، ومعنى لعمر الله، الحلف ببقاء الله ودوامه، وإذا قلت: لعمرك الله فكأنّك قلت: بتعميرك الله أي بإقرارك له بالبقاء، وأمّا ايمن الله فاسم مفرد عند البصريين موضوع للقسم مأخوذ من اليمين والبركة كأنهم أقسموا بيمين الله، وهمزته همزة وصل مفتوحة (¬2) وتدخل عليه لام الابتداء كما تدخل في قولك: لعمرك وذهب الكوفيون: إلى (¬3) أن أيمن جمع يمين وهمزته همزة قطع وإنما سقطت في الوصل ¬
لكثرة الاستعمال، وتحذف نونه فيبقى: ايم الله، ويجوز في: ايم الله بحذف النون، فتح الهمزة وكسرها، وأمانة الله كذلك (¬1) مرفوعة بالابتداء والخبر محذوف، ومن ذلك: عليّ عهد الله، فعهد الله مرفوع بالابتداء وعليّ الخبر (¬2) ولمّا كانت أفعال القسم غير متعدية بنفسها، عدّيت بالحروف التي هي واو القسم وتاؤه والباء. أمّا الواو: (¬3) فلا تكون إلّا عند حذف الجملة الأولى المقسم بها فلا يقال: حلفت والله، لأنّ الواو عوض عن الباء والفعل/ لأنّ الواو للجمع والباء للإلصاق وما ألصق بالشيء فقد جامعه، ولا تستعمل أيضا في قسم الاستعطاف، فلا يقال: والله أخبرني كما يقال: بالله أخبرني، ولا تدخل على المضمر فلا يقال: وك لأفعلنّ كما يقال: بك لأفعلنّ وبه لأقومنّ، وإنّما اختصّت الواو بالظاهر، لأنّها بدل عن الباء، والمضمر بدل عن المظهر، فلم يجوّزوا دخولها على المضمر، لئلا يجمعوا بين البدلين (¬4). وقد يحذف حرف القسم وحذفه على ضربين: بعوض وبغير عوض، أمّا حذفه بعوض فنحو: ها الله لأفعلنّ أي والله لأفعلنّ، وها الله لا أفعلنّ أي والله لا أفعلنّ، فهنا قد عوّض من حرف القسم حرف التنبيه، وكذلك يعوّض منه ألف الاستفهام نحو: آلله لأفعلنّ بالمدّ، وجرّ اسم الله كما هو مع حرف التنبيه (¬5)، وأمّا حذفه بغير عوض فنحو: الله لأفعلنّ بنصب اسم الله تعالى بفعل القسم المقدّر قال امرؤ القيس: (¬6) فقالت يمين الله مالك حيلة ¬
ذكر أحكام جواب القسم
بنصب يمين، ويجوز عند سيبويه (¬1) الله لأفعلنّ، بالجرّ على إرادة الحرف المحذوف، وردّه المبرّد بأنّ حرف الجرّ لا يعمل مضمرا (¬2)، وإنّما يجوز الجرّ في اسم الله تعالى خاصّة لكثرة القسم به، والنصب فيه وفي غيره. وأمّا التاء: فمثل الواو في وجوب حذف الفعل معها، وهي مختصّة ببعض الظاهر وهو اسم الله تعالى: (¬3) تَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنامَكُمْ (¬4) والتاء بدل من الواو كما أبدلت في تجاه وتراث فهي فرع الواو التي هي فرع الباء فلذلك ضاق مجالها، واختصّت باسمه تعالى (¬5). وأمّا الباء: فهي أعمّ من الواو والتاء لأنّها تستعمل مع الفعل، وحذفه، ومع السؤال وغيره ومع الظّاهر والمضمر ومع اسم الله وغيره (¬6) فمثالها مع الظّاهر ومع الفعل: حلفت بالله، ومثالها مع حذفه: بالله قم، ومثالها مع المضمر: حلفت بك وبه، وأمثلة الباقي ظاهرة، وإنّما اختصّت الباء بهذه الأمور، لأنّها حرف جرّ وحروف الجرّ تضيف معنى الفعل وشبهه إلى ما بعدها، فلذلك أضافت معنى أقسمت إلى المقسم به، وظهر الفعل معها ودخلت على المضمر. ذكر أحكام جواب القسم (¬7) قد علمت أنّ القسم نوعان: قسم لغير السؤال والاستعطاف، وقسم للسؤال والاستعطاف، أما قسم غير السؤال والاستعطاف فيجاب أي يتلقّى بإنّ أو باللّام أو بكليهما، أو بحرف النفي، نحو: والله إنّ زيدا قائم، وو الله لزيد قائم، ونحو قوله ¬
تعالى: وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ (¬1) فتلقّي القسم بهما، وو الله ما زيد قائما، وو الله لا رجل أفضل منك، وإن كان المقسم عليه جملة فعليّة وفعلها ماض مثبت جاز تلقّيه باللّام وقد معا نحو: والله لقد قام زيد، وأجاز بعضهم تلقيه بقد وحدها (¬2) كقوله تعالى: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها (¬3) جواب: وَالشَّمْسِ وَضُحاها (¬4) وما بعده، قال التبريزي (¬5) والتقدير لقد (¬6)، وجاز تلقّيه باللّام وحدها كقول امرئ القيس (¬7): حلفت لها بالله حلفة فاجر … لناموا فما إن من حديث ولا صال فتلقّاه/ بقوله لناموا، وإن كان فعل الجملة المقسم عليها مضارعا مثبتا فيتلقّى باللّام ونون التأكيد، كقوله تعالى: وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ ما آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُوناً مِنَ الصَّاغِرِينَ (¬8) وقد تحذف نون التأكيد في ضرورة الشّعر كقوله: (¬9) لئن تك قد ضاقت عليّ بيوتكم … ليعلم ربّي أنّ بيتي أوسع أي ليعلمنّ ربّي، وإن كان الفعل منفيا فيلزم الماضي «ما»، نحو: والله ما قام زيد، وقد يكون ماضيا لفظا ومستقبلا معنى فتدخل عليه، «لا» نحو: والله لا قمت، ¬
وكقول الشّاعر: (¬1) حسب المحبّيين في الدّنيا عذابهم … والله لا عذّبتهم بعدها سقر أي لا تعذّبهم، ويلزم المضارع أعني المنفي ما أو لا مع نون التأكيد وبدونها نحو: والله لا أفعلنّه أبدا، وو الله ما أفعل، ويجوز حذف حرف النفي من المضارع المنفي المذكور لدلالة الحال عليه كقول الشاعر: (¬2) تنفكّ تسمع ما حييت بهالك حتّى تكونه أي لا تنفكّ، وكقوله تعالى: قالُوا تَاللَّهِ تَفْتَؤُا تَذْكُرُ يُوسُفَ (¬3) أي لا تزال، وكقول امرئ القيس: (¬4) فقلت يمين الله أبرح قاعدا … ولو قطعوا رأسي لديك وأوصالي أي لا أبرح، وكقول الآخر: (¬5) لله يبقى على الأيّام ذو حيد أي لا يبقى. وأمّا قسم السؤال والاستعطاف، فلا يحتاج جوابه إلى ما ذكر من إنّ أو اللام أو حرف النفي، لقيام الطلب أو ما في معناه مقام ذلك كقولك: بالله أخبرني هل قام زيد، وكقولك في النهي: بالله لا تقم ونحو ذلك. ¬
ذكر حذف جواب القسم
ذكر حذف جواب القسم (¬1) ويحذف جواب القسم إذا تقدّم على القسم ما يدلّ عليه نحو: زيد عالم والله، وكذلك يحذف إذا اعترض القسم أي توسّط نحو: زيد والله قائم، فجواب القسم في كله محذوف لدلالة الجملة المتقدمة والمعترضة على الجواب لأنّه مثلها بعينها (¬2). وأمّا عن: (¬3) فللمجاوزة نحو: رميت عن القوس، لأنّها يقذف عنها بالسّهم ويتجاوز عنها، وأطعمه عن جوع وكساه عن عري لأنّه يجعل الجوع والعري متجاوزين عنه، ويدخل عليها حرف الجرّ فتكون اسما بمعنى الجانب نحو: جلست من عن يمينه، أي من جانبها (¬4). وأما على (¬5): فمعناها الاستعلاء تقول: جلست على الحصير، وعليه دين، وفلان أمير علينا، قال تعالى: فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ عَلَى الْفُلْكِ (¬6) (¬7) وتقول في سعة الكلام: مررت عليه إذا جزته، وتكون اسما كقولك: قمت من على الحائط، وكقول الشاعر: (¬8) غدت من عليه بعد ما تمّ ظمؤها … ... ¬
أي من فوقه يصف قطاة غدت من فوق فرخها طالبة للورد. وأما الكاف (¬1): فللتشبيه نحو: زيد كالأسد، وزائدة (¬2) كقوله تعالى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ (¬3) ويدخل عليها حرف الجرّ فتكون اسما بمعنى مثل (¬4) كقوله: (¬5) يضحكن عن كالبرد المنهمّ وأمّا منذ ومذ: (¬6) فيكونان اسمين وقد تقدّما في الظروف، ويكونان حرفي جر، ويفرّق بينهما، أمّا من جهة اللفظ، فإنّهما إذا كانا اسمين رفع ما بعدهما وإن كانا حرفين جرّ ما بعدهما وأمّا من جهة المعنى، فإنّهما إذا كانا حرفين/ تعلّقا بما قبلهما وكان الكلام بهما جملة واحدة، وإذا كانا اسمين ورفع ما بعدهما كقولك: ما رأيته مذ يومان، كان الكلام جملتين الجملة الأولى فعليّة والثانية اسميّة يصحّ أن يصدق في إحداهما ويكذب في الأخرى (¬7) فيصدق في قوله: ما رأيته ويكذب في قوله: مذ يومان، وهذا المعنى مستحيل فيهما إذا كانا حرفين، وفرق آخر: أنّهما إذا كانا حرفين فالمعنى كائن فيما دخلا عليه لا فيهما، فإذا قلت: زيد عندنا مذ شهر، وخفضت كان الشّهر هو الذي حصل فيه الاستقرار هناك وكانت مذ حينئذ بمعنى في، وإن رفعت الشهر تعيّنت مذ للاسميّة وكان المعنى أنّ الوقت الذي حصل فيه الاستقرار شهر، وذهب قوم من النحاة إلى أنهما لا يكونان إلّا اسمين فإذا رفعت ما بعدهما كان التقدير ¬
ذكر حذف حرف الجر
ما تقدّم، وإذا خفضت كانا في تقدير اثنين مضافين وإن كانا مبنيين (¬1) كقوله تعالى: مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ (¬2) وهما لابتداء الغاية في الزمان الماضي، كما أنّ من الابتداء الغاية في المكان نحو: ما رأيته مذ يوم الجمعة، ويدخلان على الزمن الحاضر فيكونان بمعنى في نحو: ما رأيته مذ يومنا أو مذ شهرنا، أي في يومنا أو شهرنا (¬3)، والبصريون يخصّون من بغير الزمان فلا يجيزون: ما رأيته من يوم الجمعة، والكوفيون يجيزونه (¬4). وأمّا حاشا وعدا وخلا (¬5): ففيها معنى الاستثناء، وإذا جررت بها تكون حروفا (¬6)، وإذا نصبت بها تكون أفعالا قد أضمر فاعلوها، فإن دخلت «ما» عليها كقولك: قام القوم ما عدا عمرا، تعيّنت للفعليّة وتعيّن النصب، واعلم أنّ «كي» عند الزمخشري (¬7) وغيره من البصريين حرف جرّ بمنزلة اللام إذا قال: جئتك لأمر، فتقول: كيمه كما تقول: لمه، لأنّ كي دخلت على ما الاستفهاميّة وهي اسم فلا بدّ من أن تكون كي حرفا من حروف الجرّ لدخولها على الاسم، لأنّها لو كانت هي الناصبة للفعل لم تدخل على الاسم، لأنّ عوامل الأفعال لا تدخل على الأسماء. ذكر حذف حرف الجرّ (¬8) ويحذف حرف الجرّ فيتعدّى الفعل بنفسه كقوله تعالى: وَاخْتارَ مُوسى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا (¬9) أي من قومه وكقول الشاعر: (¬10) ¬
أستغفر الله ذنبا لست محصيه … ... أي من ذنب، ودخلت الدار أي في الدار، وكقول الشّاعر: (¬1) أمرتك الخير فافعل ما أمرت به … فقد تركتك ذا مال وذا نشب أي أمرتك بالخير، وكقولك: كلت زيدا، ووزنت زيدا، أي كلت لزيد الطعام، ووزنت لزيد الدراهم، فحذفوا حرف الجرّ، وحذفوا أيضا الطعام والدراهم، لأنّ معناه: كلت الطعام ووزنت الدراهم لزيد (¬2) وإذا حذفت حروف الجرّ وجب النصب لأنه مفعول، فلا وجه إلا النصب، ويحذف حرف الجرّ مع أنّ المفتوحة المشددة وأن المفتوحة المخففة كثيرا مستمرا والمراد بالمفتوحة/ المخففة الناصبة للفعل لا المخففة من الثقيلة، ولا المفسرة نحو: عجبت أنك قائم وجئت أنّك أكرمتني أي من أنك ولأنّك (¬3) وكقوله تعالى: يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشاءِ، وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ (¬4) أي وبأن تقولوا، ومثل ذلك كثير في الكتاب العزيز وغيره، وجميع ذلك إمّا منصوب أو في موضع النصب. فإن قيل: إذا كان الفعل لا يتعدّى إلّا بحرف الجرّ فكيف تعدّى بعد حذفه فنصب المفعول؟ فالجواب: أنّ الفعل إذا تعدّى بحرف الجرّ وكثر استعماله وصار ذلك معلوما حذف اختصارا حين علم أنّ أصل الكلام كذلك كما حذفوا أشياء كثيرة من الكلام لحصول العلم بها تخفيفا، كحذف المبتدأ والخبر ونحوهما، وهذا هو المسمّى بالمنصوب بنزع الخافض وقد يزاد حرف الجرّ مع الفعل المتعدّي تأكيدا ¬
للمعنى وتقوية لعمل العامل نحو: نصحت زيدا ونصحت له وشكرته وشكرت له (¬1)، وقد يزاد حملا على تداخل المعنيين كقوله: (¬2) نضرب بالسيف ونرجو بالفرج فعدّى نرجو بالباء لمّا كان الرجاء بمعنى الطّمع أي ونطمع بالفرج، والقياس أن لا يضمر حرف الجرّ، لأنّه والمجرور كشيء واحد، وقد جاء ذلك في مواضع لا يقاس عليها منها: إضمار ربّ وإضمار باء القسم قليلا في قولك: الله لأفعلنّ بجرّ اسم الله تعالى، وجرّ هذا عند المحققين لا يجوز إلّا مع همزة الاستفهام أو هاء التنبيه كقولك: الله لأفعلنّ وها الله لأفعلنّ، ليكون عوضا عن حرف القسم (¬3)، وأضمر حرف الجرّ شاذا، فمنه إضماره في قول رؤبة: (¬4) «خير عافاك الله» بجرّ خير، إذ قيل له: كيف أصبحت، وأجاز سيبويه في قول زهير: (¬5) بدا لي أنّي لست مدرك ما مضى … ولا سابق شيئا إذا كان جائيا خفض سابق على إضمار الباء في مدرك، أي لست بمدرك ولا سابق (¬6). ¬
ذكر الحروف المشبهة بالفعل
ذكر الحروف المشبّهة بالفعل (¬1) وهي: إنّ وأنّ وكأنّ وليت ولعلّ ولكنّ، تدخل على الجملة الاسميّة فتنصب المبتدأ ويسمّى اسمها وترفع الخبر ويسمّى خبرها، ووجه شبهها بالفعل المتعدي أنّها تقتضي اسمين كما يقتضيهما الفعل المتعدّي، فتنصب أحدهما وترفع الآخر كما صنع في مقتضى الفعل المتعدّي، وقدّم المنصوب على المرفوع للفرق بين الفعل وما أشبهه (¬2) وكلّها لها صدر الكلام غير أنّ المفتوحة، وإنّما كان لها صدر الكلام لأنّ كلا منها يدلّ على قسم من أقسام الكلام من تمن أو ترجّ أو استدراك أو غير ذلك فوجب التقديم، وأمّا أنّ المفتوحة فإنّها مع ما في حيّزها في تأويل المفرد، وإنّما التزموا أن لا تكون أوّل الكلام (¬3) لئلا تبقى عرضة لدخول إنّ المكسورة عليها، فإنه لا يجوز أن تقول: إنّ أنّ زيدا منطلق عند سيبويه (¬4) وذكر أنّ/ العرب اجتنبت ذلك كراهة لاجتماع اللفظين المشتبهين، وأجازه الكوفيون (¬5) وتلحق هذه الحروف ما (¬6) فتلغيها عن العمل على الأفصح، وتدخل حينئذ على الجملة الفعليّة أيضا، كقولك: إنّما زيد قائم، وإنما قام زيد (¬7)، ولا يتحتم الإلغاء مع ما بل يجوز الإعمال أيضا (¬8) ¬
ذكر إن وأن
كما في قول النّابغة: (¬1) قالت ألا ليتما هذا الحمام لنا … إلى حمامتنا ونصفه فقد بالوجهين، برفع الحمام ونصبه (¬2) ذكر إنّ وأنّ (¬3) إنّ المكسورة لا تغيّر معنى الجملة بمعنى أنّها لا تخرجها عن حكم الاستقلال ولذلك يحسن السكوت على الجملة التي دخلت عليها، كما كان يحسن السكوت عليها قبل دخولها فإذا قلت: إنّ زيدا قائم، أفدت به ما أفدت بقولك: زيد قائم مع زيادة التأكيد والمبالغة، وأنّ المفتوحة تغيّر معنى الجملة وتجعلها في تأويل المفرد، الذي هو مصدر خبرها نحو: أعجبني أنّك قائم أي قيامك، وأعجبني أنّ زيدا أخوك أي أخوّة زيد، فهي مع الجملة التي بعدها في تأويل المفرد، فإن تعذّر قدّرت بالكون نحو: أعجبني أنّ هذا زيد، أي كونه زيدا، ومن أجل كون المكسورة لا تغيّر معنى الجملة، وجب الكسر لفظا أو حكما في كلّ موضع تبقى فيه الجملة بحالها، ومن أجل كون المفتوحة تغيّر معنى الجملة وتجعلها في حكم المفرد، وجب الفتح لفظا أو حكما في كلّ موضع تكون مع ما بعدها في محلّ المفرد. (¬4) ¬
ذكر المواضع التي تكسر فيها إن
ذكر المواضع التي تكسر فيها إنّ (¬1) وهي تكسر إذا وقعت ابتداء لكونه موضع الجملة نحو: إنّ زيدا قائم، وتكسر أيضا بعد القول نحو: قلت إنّ زيدا قائم، لأنّ مقول القول جملة (¬2)، وتكسر أيضا إذا وقعت جواب القسم، نحو: والله إنّ زيدا قائم لأنّ جواب القسم لا يكون إلّا جملة (¬3) وتكسر أيضا بعد الموصول نحو: جاءني الذي إن أباه عالم، لأنّ صلة الموصول لا تكون (¬4) إلّا جملة، قال الله تعالى: وَآتَيْناهُ مِنَ الْكُنُوزِ ما إِنَّ مَفاتِحَهُ لَتَنُوأُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ (¬5) أي الذي إن مفاتحه لتنوء بالعصبة، وتكسر أيضا إذا وقعت بعد واو الحال نحو: جاءني زيد وإنه ضاحك، وبعد حتّى التي للابتداء خاصة نحو: قام القوم حتّى إن زيدا قائم، وبعد «ألا» و «أما» (¬6) من حروف التنبيه نحو قوله تعالى: أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهاءُ (¬7) وكذلك تكسر إذا وقع في خبرها الّلام نحو: علمت إنك لقائم، قال الله تعالى: إِنَّ رَبَّهُمْ بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَخَبِيرٌ (¬8) وبعد حروف التصديق نحو: نعم إنّ زيدا قائم. ذكر مواضع فتحها (¬9) وهي تفتح إذا كانت مع ما بعدها فاعلة نحو: بلغني أنّ زيدا عالم أي بلغني علم زيد، لوجوب كون الفاعل مفردا، وتفتح أيضا إذا وقعت مفعولة نحو: كرهت أنّ زيدا جاهل أي كرهت جهل زيد، وتفتح أيضا إذا كانت مع ما بعدها/ مبتدأ نحو: عندي أنك عالم، لأنّ المبتدأ من خواصّه أن يكون مفردا، وتفتح أيضا إذا وقعت بعد «لولا» ¬
ذكر المواضع التي يجوز فيها كسر إن وفتحها
نحو: لولا أنّك منطلق انطلقت لأنّ ما بعد لولا مبتدأ خبره محذوف، لأنّ المفرد بعد لولا ملتزم في الاستعمال، وتفتح أيضا إذا وقعت بعد «لو» نحو: لو أنّك قائم لوقوعها موقع المفرد لكونه فاعلا لفعل محذوف أي لو وقع قيامك كان كذا، وتفتح أيضا إذا وقعت بعد حرف الجرّ نحو: عجبت من أنّك منطلق أي من انطلاقك لأنّ المجرور لا يكون إلّا مفردا، وتفتح أيضا إذا وقعت بعد حيث أيضا على المختار، وإن كانت الجملة بعدها ملتزمة اعتبارا بالأصل لأنّها ظرف، والأصل إضافتها إلى المفرد فاعتبر الأصل فيها (¬1) واعلم أنه إذا تعذّر تأويل الجملة التي بعد أنّ بالمفرد قدّرت بالكون، كقوله تعالى: وَلَوْ أَنَّما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ (¬2) أي لو ثبت كون ما في الأرض (¬3). ذكر المواضع التي يجوز فيها كسر إن وفتحها (¬4) وهو أنّ كلّ موضع وقعت فيه واحتمل أن تقدّر موضعا للجملة، وأن تقدّر موضعا للمفرد، جاز الكسر والفتح باعتبار التقديرين مثل قوله: (¬5) وكنت أرى زيدا كما قيل سيّدا … إذا أنّه عبد القفا واللهازم فإن قدّرت أنّها وقعت موقع إذا هو عبد القفا، كسرت لمكان الجملة، وإن قدّرت إذا العبوديّة والخبر محذوف فتحت لوقوعها موقع المفرد، لأنّ المعنى فإذا العبودية حاصلة، وكذلك إذا قلت: من يكرمني فإنّي أكرمه إن قدّرت أنّها وقعت موقع ¬
ذكر العطف على اسم إن المكسورة بالرفع
فأنا أكرمه، كسرت لمكان الجملة، وإن قدّرت فجزاؤه أني أكرمه أي فجزاؤه الإكرام فتحت لوقوعها خبر المبتدأ وهو موضع المفرد الذي هو الإكرام (¬1). ذكر العطف على اسم إنّ المكسورة بالرفع (¬2) لمّا كانت إنّ المكسورة لم تغيّر معنى الجملة صحّ أن تقدّر كالعدم، فيعطف على محلّ اسمها، لأنّ معنى الابتداء باق فيه لكن بشرط أن تكون مكسورة لفظا أو حكما، لأنّ المفتوحة تغيّر معنى الجملة إلى المفرد، فمثال إن المكسورة لفظا: إنّ زيدا منطلق وعمرو بالرفع عطفا على محلّ اسمها، ومثال إنّ المكسورة حكما الداخلة على ما أصله المبتدأ والخبر، كالداخلة على مفعولي أفعال القلوب فهي مكسورة حكما وإن كانت مفتوحة لفظا نحو: ظننت أنّ زيدا قائم فيجوز العطف على موضع اسمها بالرفع، وإنّما قلنا إنّ: المفتوحة بعد أفعال القلوب في حكم المكسورة، لأنّ هذه الأفعال إذا علّقت رجع ما بعدها إلى أصله من المبتدأ والخبر نحو: علمت لزيد قائم (¬3) ومن ذلك بيت الكتاب: (¬4) وإلّا فاعلموا أنّا وأنتم … بغاة ما بقينا في شقاق / فعطف على محلّ المكسورة حكما المفتوحة لفظا، أنتم، وهو صيغة المرفوع، وبغاة خبر أنتم، وأمّا خبر أنّ فمحذوف لدلالة خبر المعطوف عليه، لأنّه بلفظه إذ تقديره: فاعلموا أنّا بغاة وأنتم بغاة، وشرط العطف بالرفع أن يمضي الخبر لفظا أو تقديرا، فاللفظ كقولك: إنّ زيدا قائم وعمرو والتقدير كقولك: إنّ زيدا وعمرو قائم، وأنّا وأنتم بغاة، لأنّ التقدير: إنّ زيدا قائم وعمرو قائم، بخلاف قولك: إنّ زيدا وعمرو قائمان، فإنه ممتنع عند البصريين (¬5) لأنه لم يجئ عنهم مثله ¬
ولا يستقيم قياسه على محلّ الإجماع أعني: إنّ زيدا وعمرو قائم، لأنّ الأول منصوب بإنّ، والثاني مرفوع بالابتداء بخلاف: إن زيدا وعمرو قائمان لأنّه يلزم أن يكون قائمان معمولا لإنّ وللابتداء معا وهو باطل (¬1)، لأنّه من حيث هو معمول للابتداء لا يكون معمولا لإنّ، ومن حيث هو معمول لإنّ لا يكون معمولا للابتداء، وإلّا لزم اجتماع عاملين مختلفين على معمول واحد، فيلزم أن يكون معمولا لإنّ، غير معمول لإنّ وهو فاسد، والمبرّد (¬2) من البصريين جوّز العطف بالرفع على اسم إنّ قبل مضيّ الخبر - لا لفظا ولا تقديرا - بشرط أن يكون اسم إنّ مبنيّا نحو: إنّي وزيد ذاهبان، لأنّ اسم إن لمّا كان مبنيا لم تعمل فيه إنّ فلم تعمل في الخبر أيضا فيكون الخبر معمولا للابتداء فقط. وقد ثبت بالنصّ عن العرب قولهم: إنك وزيد ذاهبان (¬3) وأمّا: إنّ زيدا وعمرو ذاهبان، فالمبرّد وغيره من البصريين متفقون على امتناعه خلافا للكوفيين، فإنهم يجوّزون: إنّ زيدا وعمرو ذاهبان برفع عمرو (¬4)، وإذا عطفت على اسم إنّ قبل مضيّ الخبر فالواجب عند البصريين النصب في المعطوف، وأمّا الخبر فالمختار تثنيته مع الواو حينئذ نحو: إنّ زيدا وعمروا قائمان، وإفراده مع أو ومع لا ومع ثمّ ومع الفاء نحو: إنّ زيدا أو عمرا قائم، وإنّ زيدا لا عمرا قائم، وكذلك مثال ثمّ والفاء، ولكنّ المشددة (¬5) مثل إنّ المكسورة في جواز العطف والرفع على محلّ اسمها بذلك الشرط، والنصب على اللفظ نحو: كان كذا لكنّ عمرا منطلق وبشر وبشرا، وإنّما جاز ذلك في إنّ المكسورة وفي لكنّ خاصة لكون كلّ منهما لا يغيّر معنى الجملة بخلاف الأربعة الباقية التي هي أنّ المفتوحة وكأنّ وليت ولعلّ، فإنه لا يجوز العطف على ¬
ذكر دخول لام الابتداء مع إن المكسورة
محلّ اسمها كما جاز في إن المكسورة ولكنّ المقدمتي الذكر، لتغيير هذه الأربعة معنى الابتداء، لأنّ هذه الأربعة تضمّنت معاني أفعال مخصوصة من جعلها في تقدير المفرد من تشبيه وتمن وترج (¬1). ذكر دخول لام الابتداء مع إنّ المكسورة (¬2) وتدخل لام الابتداء مع إنّ المكسورة دون أخواتها إمّا على خبرها، نحو: إنّ زيدا لقائم (¬3) وإمّا على متعلّق الخبر، بشرط تقديمه على الخبر (¬4) نحو: إنّ زيدا لطعامك آكل، وإمّا على اسمها/ إن فصل بينه وبين إنّ فاصل نحو: إنّ في الدار لزيدا، أما لو أخّرت متعلّق الخبر وأدخلتها عليه نحو: إنّ زيدا آكل لطعامك لم يجز، لأنّها لا تتأخّر عن الاسم والخبر جميعا، وإنّما اشترط في دخولها على الاسم الفصل، لامتناع دخولها إذا لم يفصل بينهما، نحو: إنّ لزيدا قائم لكراهتهم اجتماع حرفي ابتداء. واعلم أنّ دخول هذه الّلام مع لكنّ كما شرح في إنّ ضعيف استعمالا (¬5) وإن لم يزل معنى الابتداء، وقد جاء مع ضعفه كقوله: (¬6) ... … ولكننّي من حبّها لعميد ¬
ذكر تخفيف إن المكسورة
ذكر تخفيف إنّ المكسورة (¬1) وتخفّف المكسورة فيلزمها الّلام نحو: إن زيد لقائم بالرفع ولزمتها الّلام فرقا بينها وبين النافية في مثل: إن زيد قائم بمعنى ما زيد قائم، ويلزمها أيضا هذه الّلام عند عملها، وإن لم تشتبه بالنافية حينئذ طردا للباب نحو: إن زيدا لقائم ويجوز إعمالها وإلغاؤها، فمثال إعمالها قوله تعالى: وَإِنَّ كُلًّا لَمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمالَهُمْ (¬2) ومثال إلغائها قوله تعالى: وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنا مُحْضَرُونَ (¬3) وإن المكسورة إذا خففّت جاز دخولها على الأفعال العاملة في المبتدأ والخبر (¬4) ويبطل عملها حينئذ نحو: إن كان زيد لقائما وكقوله تعالى: وَإِنْ وَجَدْنا أَكْثَرَهُمْ لَفاسِقِينَ (¬5) وقوله تعالى: وَإِنْ كُنَّا عَنْ دِراسَتِهِمْ لَغافِلِينَ (¬6) خلافا للكوفيين في التعميم فإنهم عمّموا دخولها على الأفعال سواء كانت الأفعال عاملة في المبتدأ والخبر أو غير عاملة وأنشدوا: (¬7) بالله ربّك إن قتلت لمسلما … وجبت عليك عقوبة المتعمّد ¬
ذكر تخفيف أن المفتوحة
فدخلت إن على قتلت وهو ليس من الأفعال الداخلة على المبتدأ والخبر وهو شاذّ عند البصريين (¬1). ذكر تخفيف أنّ المفتوحة (¬2) وتخفّف المفتوحة كما تخفّف المكسورة فتعمل على سبيل الوجوب في ضمير شأن مقدّر، وإنّما كان كذلك لأنّ المفتوحة أكثر مشابهة (¬3) للفعل من المكسورة وقد عملت المكسورة حسبما تقدّم، ولم تعمل المفتوحة المخففّة في الظاهر فقدّروا عملها في ضمير شأن مقدّر لئلا ينحطّ الأقوى عن الأضعف، وتدخل المخففة المفتوحة على الجمل الاسميّة والفعليّة سواء كان الفعل عاملا في المبتدأ والخبر أو غير ذلك، ويلزمها إذا دخلت على الأفعال، إما حرف نفي أو قد أو سوف إلّا أن يكون الفعل غير متصرف فلا يلزم ذلك كقوله تعالى: وَأَنْ عَسى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ (¬4) وإنّما لزمها ذلك إمّا لتكون كالعوض عمّا ذهب منها، أو للفرق بينها وبين أن المصدرية، فأن المصدرية لا تجامع شيئا من الأمور الثلاثة المذكورة، ويفرّق بينهما أيضا أنّ المصدرية تنصب الفعل المضارع والمخففة/ المذكورة لا تنصبه، وأن المصدرية لا تقع بعد العلم، والمخففة تقع بعده، ومثال المخففّة مع حرف النفي: علمت أن لا يخرج زيد، وكقوله تعالى: أَفَلا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلًا (¬5) وقد استعملت معها ليس مكان لا لشبهها بها في النفي كقوله تعالى: وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى (¬6) وقد عوّضوا لم عنها قال الله تعالى: أَيَحْسَبُ أَنْ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ (¬7) وأمّا قوله تعالى: وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ أَنْ إِذا سَمِعْتُمْ آياتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِها وَيُسْتَهْزَأُ ¬
ذكر كأن
بِها (¬1) فلما في «إذا» من معنى الشرط المختصّ بالاستقبال، صارت بمنزلة السين وسوف، ومثالها مع قد علمت (¬2) أن قد خرج زيد، ومثالها مع السين قوله تعالى: عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضى (¬3) وأمّا إذا دخلت على الاسم فلا يلزمها شيء من هذه الحروف، لأنّها حينئذ لا تشتبه بأن المصدريّة نحو بيت الكتاب: (¬4) في فتية كسيوف الهند قد علموا … أن هالك كلّ من يحفى وينتعل وشذّ إعمال أن المفتوحة في غير ضمير الشأن المقدر كقول الشاعر: (¬5) فلو أنك في يوم الرّخاء سألتني … فراقك لم أبخل وأنت صديق فأوقع بعدها صيغة المنصوب. ذكر كأنّ (¬6) وهي لإنشاء التشبيه نحو: كأنّ زيدا الأسد، وتخفّف فتلغى على الأفصح (¬7) لكونها أضعف من أنّ، نحو قوله: (¬8) ونحر مشرق اللّون … كأن ثدياه حقّان وتدخل على الفعلية أيضا حينئذ كقوله تعالى: فَجَعَلْناها حَصِيداً كَأَنْ لَمْ تَغْنَ ¬
ذكر لكن
بِالْأَمْسِ (¬1) ومنهم من يعملها كقوله: (¬2) كأن وريديه رشاءا خلب ذكر لكنّ (¬3) وهي للاستدراك، تتوسّط بين كلامين متغايرين بالنفي والإثبات لرفع وهم نشأ من كلام سابق، والمعتبر فيه إنما هو التغاير المعنوي لا اللفظي، تقول: ما جاء زيد لكنّ عمرا جاء، فالتغاير هنا حاصل لفظا ومعنى، وتقول: سافر زيد لكنّ عمرا حاضر، فالتغاير هاهنا حاصل معنى لا لفظا. وتخفّف فتلغى (¬4) أي يبطل عملها مطلقا لعدم الاختصاص الموجب للعمل أعني لدخولها على الجملتين الاسمية والفعلية (¬5) وأكثر ما تستعمل مع الواو كقوله تعالى: وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ رَمى (¬6) وقوله تعالى: وَما كَفَرَ سُلَيْمانُ وَلكِنَّ الشَّياطِينَ كَفَرُوا (¬7) بتخفيف لكن ورفع ما بعدها في قراءة ابن عامر (¬8) وحمزة والكسائي (¬9) وقال ¬
ذكر ليت
بعضهم: (¬1) إذا خففت لكن كانت حرف عطف فلم يجز معها ذكر الواو لامتناع دخول حرف العطف على مثله. ذكر ليت (¬2) وتستعمل لإنشاء التمني كقوله تعالى: فَخَرَجَ عَلى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قالَ/ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا يا لَيْتَ لَنا مِثْلَ ما أُوتِيَ قارُونُ (¬3) وكقوله تعالى: فَقالُوا يا لَيْتَنا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ بِآياتِ رَبِّنا (¬4) وجوّز الفراء ليت زيدا قائما، إجراء لها مجرى أتمنّى، وجوّزه الكسائي أيضا لكن بتقدير كان أي ليت زيدا كان قائما وتمسّكا بقول الشّاعر: (¬5) يا ليت أيّام الصّبا رواجعا وأجيب عنه: بأنّ رواجع منصوب على الحال من الضمير المقدّر في الخبر المحذوف أي يا ليت أيام الصبا لنا رواجعا، فرواجع حال من الضمير المستكن في لنا (¬6). ذكر لعلّ (¬7) وهي لإنشاء ترجّي وقوع أمر والفرق بين التمني والترجي؛ أنّ الترجي لا يكون إلّا في الممكنات، والتمني يكون في الممكنات والمستحيلات، فإن الإنسان لا يترجّى الطيران وقد يتمناه، وزعم أبو زيد أنّ من العرب من يجرّ بلعل (¬8) ¬
ذكر حروف العطف
وأنشد (¬1): فقلت ادع أخرى وارفع الصّوت مرّة … لعلّ أبي المغوار منك قريب وهي لغة عقيليّة وأجابوا: بأنّ ذلك شاذّ (¬2) وفيها لغات: لعلّ وعلّ ولعنّ وعنّ (¬3). ذكر حروف العطف (¬4) وهي عشرة: الواو والفاء وثمّ وحتّى وأو وإمّا (¬5) وأم ولا، وبل ولكن فأربعة وهي: الواو والفاء وثمّ وحتّى، للجمع بين الثاني والأول في الحكم الذي نسب إلى الأول، تقول: جاءني زيد وعمرو فتجمع الواو بين الرجلين في المجيء، وتقول: زيد يقوم ويقعد، فتجمع بين الفعلين في إسنادهما إلى ضمير زيد، وتقول: زيد قائم وأخوه قاعد، وهل قام بشر وسافر خالد، فتجمع بين مضموني الجملتين في الحصول، وكذلك: ضربت زيدا فعمرا، وذهب عبد الله ثمّ أخوه ورأيت القوم حتّى زيدا، ثم إنها تفترق بعد ذلك. فالواو للجمع المطلق ليس فيها دلالة على أنّ الأول قبل الثاني ولا بالعكس ولا أنهما معا، بل كلّ ذلك جائز (¬6)، ويدلّ على ذلك قوله تعالى: ما هِيَ إِلَّا حَياتُنَا ¬
الدُّنْيا نَمُوتُ وَنَحْيا (¬1) فالموت بعد الحياة مع أنه قدّمه عليها. والفاء للجمع مع الترتيب أي أن الثاني بعد الأول بغير مهلة، والأخفش يجوز وقوع الفاء زائدة (¬2) خلافا لسيبويه (¬3) وينشد (¬4): لا تجزعي إن منفسا أهلكته … فإذا هلكت فعند ذلك فاجزعي فزيدت الفاء على عند، لأنّ التقدير: فاجزعي عند ذلك، وثمّ مثل الفاء إلّا أن بينهما مهلة وتراخيا (¬5) وقد تجيء بمعنى الواو نحو: ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ (¬6) وقيل زائدة (¬7). وأما حتى (¬8) فللترتيب بمهلة لكنّ الواجب فيها أن يكون المعطوف بها جزءا من المعطوف عليه، إمّا جزؤه الأفضل أو جزؤه الأضعف (¬9)، نحو: مات الناس حتى الأنبياء، وقدم الحاجّ حتى المشاة وثلاثة وهي: أو وإمّا وأم لإثبات الحكم إمّا للمعطوف أو للمعطوف عليه، مبهما أي لا على التعيين لكن أو وإما يقعان في الخبر ¬
والأمر والاستفهام فمثالهما في الخبر/ جاءني زيد أو عمرو ومنه قوله تعالى: وَأَرْسَلْناهُ إِلى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ (¬1). على أحد التأويلين، والتأويل الثاني: مذهب الكوفيين، أنّها بمعنى الواو (¬2)، وجاءني إمّا زيد وإمّا عمرو، ومثالهما في الأمر: اضرب رأسه أو ظهره، واضرب إمّا رأسه وإمّا ظهره، ومثالهما في الاستفهام: ألقيت عبد الله أو أخاه! وألقيت إمّا عبد الله وإمّا أخاه، والمشهور في أو وإمّا، أنهما في الخبر للشك وفي الأمر للتخيير والإباحة فمثال الشكّ ما تقدّم من قولك جاءني زيد أو عمرو، ومثال التخيير خذ هذا أو ذلك، ومثال الإباحة: جالس الحسن (¬3) أو ابن سيرين (¬4) وقد تأتي أو في الخبر لغير الشك، كقولهم: كنت بالبصرة آكل السمك أو التمر أي هذا مرّة وهذا مرّة، ولم يرد به الشك وقد تكون أو بمعنى الواو (¬5) كقول الشّاعر (¬6): فقالوا لنا ثنتان لا بدّ منهما … صدور رماح أشرعت أو سلاسل ¬
فأوهنا بمعنى الواو بدليل قوله: لا بدّ منهما (¬1) وتقع أو في النهي كقوله تعالى وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً (¬2) أي لا تطع واحدا منهما، فيكون معناها النهي عنهما معا (¬3) والفرق بين أو وإمّا أن كلامك مع «أو» من أوله مبنيّ على صورة اليقين ثمّ يعترضه الشكّ نحو جاءني زيد أو عمرو وكلامك مع إمّا من أوله مبنيّ على الشّكّ لأنّه لا بد من تقدّم إمّا قبل المعطوف عليه تقول: جاءني إمّا زيد وإمّا عمرو (¬4) وأمّا أم فتكون متصلة ومنقطعة فالمتصلة تختصّ بالاستفهام فلا تستعمل في غيره ويلزم أن تستعمل مع همزة الاستفهام، والأفصح أن يقع أحد الأمرين بعد الهمزة والآخر بعد أم نحو: أرجل في الدار أم امرأة، ليتضح للمسؤول من أول الأمر المسؤول عن تعيينه، ولا يحسن أن يفصل بين الهمزة وبين المسؤول عن تعيينه نحو: أفي الدار رجل أم امرأة، ومن أجل أنّ أم المتصلة يليها أحد المستويين ويلي المستوى الآخر الهمزة ضعف أو امتنع أن يقال: أرأيت زيدا أم عمرا لكون ما يليهما مختلفا؛ لأنّ ما يلي الهمزة فعل وما يلي أم اسم، وذهب بعضهم إلى أنّ ذلك ليس يمتنع ولا ضعيف (¬5) وإنّ سيبويه نصّ على جوازه وحسّنه (¬6) ومنه قول الشاعر (¬7). ليت شعري نعمى أتهوين من يه … واك أم من رضيته بالشّباب فأوقع بعد الهمزة فعلا وهو تهوين وبعد أم اسما وهو من ويجب أن يكون جواب قولك: أرجل في الدار أم امرأة، تعيين لأحدهما لا، لا، ولا، نعم (¬8) لأنّ السائل عالم أنّ أحدهما في الدار لكن لا على التعيين بخلاف أو في قولك: أرجل في الدار أو امرأة فإنّ المتكلم متردد هل في الدار أحد أم لا، فجوابه نعم أو لا، ولو ¬
أجبت بالتعيين كان الجواب وزيادة، لأنّ أو، لا/ تقتضي وجود أحدهما وأم تقتضيه. والمنقطعة (¬1) معناها معنى بل وهمزة الاستفهام، وتستعمل مع الهمزة، وتستعمل في الخبر والاستفهام، أمّا الخبر فكقولك لشبح رأيته: إنّها لإبل قطعا، فإذا حصل الشكّ في أنه شاء قلت: أم شاء قاصدا إلى الإضراب عن الإخبار الأول واستئناف سؤال، فكأنك قلت: بل أهي شاء (¬2) وأمّا الاستفهام فكقولك: أعندك زيد أم بكر؟ وكأنك سألت أولا عن حصول زيد ثم أضربت عنه إلى السؤال عن حصول بكر وجوابه لا أو نعم. وثلاثة وهي لا وبل ولكن المخففة (¬3)، لإثبات الحكم لأحد الأمرين معينا، فلا: لنفي ما وجب للأول عن الثاني نحو: جاءني زيد لا عمرو، فثبت الأول ونفي الثاني. وبل: للإضراب عن الأول موجبا كان أو منفيا نحو: جاءني زيد بل بكر، إذا وقع الإخبار عن زيد، غلطا، ونحو: ما جاء زيد بل عمرو فيحتمل إثبات المجيء لعمرو مع تحقّق نفيه عن زيد، ويحتمل أن يكون بيانا لمن نسب إليه المجيء المنفي أولا كما في الإثبات. وأما لكن، فإن وقع بعدها مفرد كانت للاستدراك، ولزم تقدّم النفي عليها نحو: ما جاءني زيد لكن بكر (¬4) وأجاز الكوفيون العطف بها بعد الإيجاب في المفردات وهو ضعيف (¬5) وإن وقع بعدها جملة فيجوز أن تقع بعد النفي والإيجاب كما قيل في بل في عطف المفردات فمالثها في النفي: ما قام زيد لكن عمرو قام، ومثالها في الإيجاب: قام عمرو لكن بكر لم يقم، فهي أدّت لعطف جملة على جملة لمغايرة ما بعدها لما قبلها وقيل: التي تقع في الجمل ليست بعاطفة بل حرف ابتداء (¬6) وقد ¬
ذكر حروف التنبيه
ظهر على الأفصح أن لكن في المفردات لا تكون إلّا بعد النفي وبل تقع بعد المنفي وبعد الموجب (¬1). ذكر حروف التنبيه (¬2) وهي ثلاثة: ها وأمّا وألا، والقصد منها تنبيه المخاطب بذكرها على ما يأتي بعدها من القول (¬3). أمّا أما وألا: فلا تدخلان إلّا على الجملة كقولك: أما زيد قائم، وكقوله تعالى: أَلا إِنَّ أَوْلِياءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (¬4) وتحذف ألف أما في القسم نحو: أم والله لأفعلنّ، لكثرة الاستعمال (¬5). وأما ها فتدخل على المفرد والجملة قال الله تعالى: ها أَنْتُمْ أُولاءِ تُحِبُّونَهُمْ (¬6) وها هو قائم، وها زيد قائم، وأمّا قولهم: ها أنذا ونحوه فحرف التنبيه داخل على الاسم المضمر عند سيبويه، لأنّ أنا في ها أنذا، هو الذي يلي حرف التنبيه وأمّا عند الخليل فداخل على المبهم أعني «ذا» والتقدير «أنا هذا» ففصل بالمضمر بين حرف التنبيه وبين المبهم (¬7) وتدخل على أسماء الإشارة نحو: هذا وهذه وتدخل على المضمر نحو ما ذكرنا أعني ها هو، وها أنت وها أنا، وقيل: دخولها على أسماء الإشارة هو الأكثر، لأنّ أسماء الإشارة لمّا كانت مبهمة تصلح لكلّ حاضر من حيوان وجماد/ زيد عليها حرف التنبيه تقوية على تعيين ذلك المشار إليه بخلاف ها أنت فإنه لا يكون إلّا للمخاطب، فلا يحتاج إلى التنبيه كما يحتاجه المبهم (¬8). ¬
ذكر حروف النداء
ذكر حروف النّداء (¬1) وهي: يا وأيا وهيا وأي والهمزة، والمراد بها تنبيه المدعوّ ودعاؤه أي طلب إقباله، فيا أعمّ هذه الحروف استعمالا، لأنّها تستعمل في القريب والبعيد والمتوسط (¬2) وأيا وهيا تختصّان بالمنادى البعيد، وأي والهمزة بالمنادى القريب لكنّ الهمزة للمنادى الأقرب، وأمّا وا فتختصّ بالمندوب (¬3) حسبما تقدّم ذكره في أوائل الكتاب (¬4). ذكر حروف الإيجاب والتّصديق (¬5) وهي ستة: نعم وبلى وإي وأجل وجير وإنّ، وإنّما سميّت حروف التصديق والإيجاب لأنّها مصدّقة لما سبقها، فنعم لتصديق ما سبقها من الكلام وتقريره مثبتا كان أو منفيّا، استفهاما كان أو خبرا، تقول لمن قال: قام زيد، أو ما قام زيد أو لم يقم زيد أو ألم يقم زيد: نعم، تصديقا لما قاله هذا بحسب اللغة دون العرف، ألا ترى أنه لو قيل لك: أليس لي عندك كذا مالا، فقلت: نعم لألزمك القاضي به تغليبا للعرف، وأمّا بحسب اللغة فلا يلزم شيء لأنّه تصديق لقول ليس لي عليك شيء. وبلى مختصّة بإيجاب بعد النفي استفهاما كان ذلك أو خبرا تقول في جواب من يقول: لم يقم زيد أو ألم يقم زيد: بلى، أي بلى قد قام زيد، ومنه قوله تعالى: أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا: بَلى (¬6) أي بلى أنت ربّنا، ولو قيل في الجواب: نعم كان كفرا (¬7) لأنّ ¬
ذكر حروف الزيادة
نعم مقررة لما قبلها نفيا كان أو إيجابا إلّا أن تحمل على العرف كما قلنا. وإي بكسر الهمزة، حرف للتحقيق وهي للإثبات بعد الاستفهام، ويلزمها القسم قال الله تعالى: وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ (¬1) فيلزم أن يقع قبلها الاستفهام، وبعدها القسم. والثلاثة الباقية وهي أجل وجير وإنّ، تصديق للمخبر كقولك في جواب من يقول: أقام زيد: أجل أو جير أو إنّ، واستشهادهم في إنّ على أنّها بمعنى نعم بقول الشّاعر (¬2): ويقلن شيب قد علا … ك وقد كبرت فقلت: إنّه ضعيف؛ لاحتماله إنّ الأمر كذلك، وإنّما يظهر ذلك في قول ابن الزبير (¬3) لمّا قال: - لمن قال له: لعن الله ناقة حملتني إليك -: إنّ وصاحبها (¬4). ذكر حروف الزيادة (¬5) وهي: الباء ومن وإن وأن وما ولا واللّام، وإنّما سمّيت هذه الحروف حروف الزيادة لأنّها قد تقع زائدة (¬6)، والغرض من حروف الزيادة التأكيد والفصاحة أو غيرهما قال ابن السرّاج: (¬7) إنّه لا زائد في كلام العرب لأنّ كلّ ما يحكم بزيادته ¬
فإنّه يفيد التوكيد، فهو داخل في قسم المؤكّد (¬1) فالباء ومن واللّام تقدّم ذكرها في حروف الجرّ (¬2) وإن المكسورة الخفيفة تزاد بعد ما النافية لتأكيد النفي (¬3) ويبطل عمل ما حينئذ، كقول الشّاعر: (¬4) فما إن طبّنا جبن ولكن … منايانا ودولة آخرينا وكقول النّابغة:/ (¬5) ما إن أتيت بشيء أنت تكرهه … إذن فلا رفعت سوطي إليّ يدي وكقول امرئ القيس: (¬6) حلفت لها بالله حلفة فاجر … لناموا فما إن من حديث ولا صال وتزاد أيضا بعد ما المصدريّة قليلا (¬7) نحو: انتظرني ما إن جلس القاضي، أي مدة جلوسه، وكذلك تزاد بعد لمّا قليلا (¬8) نحو: لمّا إن قمت قمت. وأن المفتوحة المخففة تزاد بين لو والقسم نحو: والله أن لو قمت قمت، وبعد لمّا في الكثير (¬9) كقوله تعالى: فَلَمَّا أَنْ جاءَ الْبَشِيرُ أَلْقاهُ عَلى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيراً (¬10) وقلّت زيادتها بعد الكاف ¬
كقوله (¬1): ... … كأن ظبية تعطو إلى ناظر السّلم (¬2) فيمن رواه بجرّ ظبية كأنه قال، كظبية، فجرّ ظبية بالكاف، وأن زائدة، و «ما» تزاد مع متى (¬3) وإذا وأين وأيّ ومع إن، إذا وقعت شروطا نحو: متّى ما تكرمني، وإذا ما أكرمتني أكرمتك، وأينما تكن أكن، ونحو قوله تعالى: قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ أَيًّا ما تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى (¬4) وأمّا زيادة ما بعد إن الشرطية، فكقوله تعالى: فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ (¬5) وإذا زيدت ما بعد إن الشرطية فيلزم (¬6) فعلها نون التأكيد غالبا، ويكون مضارعا كقوله تعالى: فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَداً فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمنِ صَوْماً (¬7)، وتكون لغير التأكيد كقول الأعشى (¬8): إمّا ترينا حفاة لا نعال لنا … إنّا كذلك ما نحفى وننتعل ¬
وإذا قصدت بإذ وحيث المجازاة فلا بدّ معهما حينئذ من ما كقوله (¬1): إذ ما دخلت على الرسول فقل له … ... فدخول الفاء في الخبر دليل المجازاة، وحيثما تكن أكن (¬2)، وتزاد ما أيضا بعد بعض حروف الجرّ كقوله تعالى: فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ (¬3) وفَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ (¬4) ومِنْ خَطاياهُمْ (¬5) وقلّت زيادتها بين المضاف والمضاف إليه نحو: غضبت من غير ما جرم أي من غير جرم (¬6)، وأمّا قولهم: جئت لأمر ما، فقد قيل: زائدة وقيل: صفة كما تقدّم في الموصولات (¬7) و «لا» تزاد مع الواو لتأكيد نفي سابق كقوله تعالى: غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ (¬8) وكذلك تزاد بعد أن المصدرية كقوله تعالى: ما مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ (¬9) وكقوله تعالى: لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتابِ (¬10) وتزاد «لا» قبل أقسم قليلا كقوله تعالى: لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيامَةِ (¬11) أي أقسم بيوم القيامة، وقال بعضهم: هي نافية في التقدير وأقسم بعدها للإثبات (¬12) ¬
ذكر حرفي التفسير وهما أي وأن
وشذّت زيادة «لا» بين المضاف إليه كقوله: (¬1) في بئر لا حور سرى وما شعر أي في بئر حور، والحور جمع حائر، من حار إذا هلك أي في بئر هلاك. ذكر حرفي التفسير وهما (¬2) أي وأن أمّا أي: فيكون حرف نداء كقولك: أي زيد أقبل، ويكون تفسيرا لمعنى قول صريح كتفسيرك لقوله تعالى: وَاخْتارَ مُوسى قَوْمَهُ سَبْعِينَ (¬3) أي من قومه، ويكون تفسيرا لغير قول صريح كما تفسر/ قولك: استكتمته سرّي أي سألته كتمانه، ويكون تفسيرا لمعنى قول غير صريح كقولك: أشرت إليه أي افعل كذا، فسّرت الإشارة بذلك. وأمّا «أن»: فلا يفسّر بها إلّا ما كان في معنى القول لا نفس القول على الأصحّ (¬4) كقوله تعالى: وَنادَيْناهُ أَنْ يا إِبْراهِيمُ (¬5) وكتبت إليه أن قم، فلو قلت: قلت له: أن قم، لم يجز لأنّه لا يفسّر بها نفس القول بل معناه. ذكر الحرفين المصدريين (¬6) وهما: ما وأن، وسمّيا مصدريين لأنّهما مع الفعل الذي بعدهما بتأويل المصدر نحو: أعجبني ما صنعت أي صنيعك، وأعجبني أن خرجت وأن تخرج أي خروجك، ¬
ذكر حروف التحضيض
ومنه قوله تعالى: وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوى (¬1) وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ (¬2) وأَنْ جاءَهُ الْأَعْمى (¬3) مصدريّة عند البصريين في موضع نصب على المفعول من أجله أي، لأن جاءه الأعمى، وعند الكوفيين أنها بمعنى إذ، أي إذ جاءه الأعمى (¬4)، وألحق ابن الحاجب بهما حرفا ثالثا وهو أنّ المشددة المفتوحة (¬5) وهي بتأويل الاسميّة بمصدر خبرها أو بما في معناه أو بالكون نحو: أعجبني أنّ زيدا قائم وأنّه أخوك وأنه في البحر أي قيامه، وأخوّته؛ وكونه فيه. ذكر حروف التحضيض (¬6) وهي: هلّا ولولا ولوما وألا، واعلم أنّ هذه الحروف إذا دخلت على الفعل الماضي دلّت على اللّوم والتوبيخ على ترك الفعل نحو: هلّا قرأت، وإذا دخلت على الفعل المضارع دلّت على الحثّ والطّلب نحو قوله تعالى: وَقالُوا يا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ لَوْ ما تَأْتِينا بِالْمَلائِكَةِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (¬7) وتلزم هذه الحروف الفعل لفظا أو تقديرا، لأنّ معناها لا يصحّ إلّا فيه لأنّ الحثّ على الشيء توكيد للأمر بفعله، فمثال وقوع الفعل بعدها لفظا: هلّا ضربت زيدا، ومثاله تقديرا: هلّا زيدا ضربته، أي هلّا ضربت زيدا ضربته ومنه قول جرير: (¬8) ¬
ذكر حرف التوقع
تعدّون عقر النّيب أفضل مجدكم … بني ضوطرى لولا الكميّ المقنّعا فنصب الكميّ بفعل مقدّر أي هلّا تعدون الكميّ، والضوطرى: الضخم لا غناء عنده، ومعنى البيت: أنكم تفتخرون بعقر النّيب - وهو جمع ناب وهي المسنّة من الإبل (¬1) - وليس لكم في الشجاعة نصيب، ومن ذلك قوله تعالى: لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ (¬2) وقوله: فَلَوْلا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ تَرْجِعُونَها (¬3) والتقدير: فلولا ترجعونها إن كنتم غير مدينين، ولحروف التحضيض صدر الكلام لكونها دالة على نوع من أنواع الكلام، فوجب أن يكون لها صدر الكلام لما مرّ في باب إنّ وغيرها. ذكر حرف التوقّع (¬4) وهو قد، وقيل له حرف التوقّع لاقترانه بالأفعال المتوقعة في الحال، ومنه قول المقيم: قد قامت الصّلاة، لقوم يتوقّعون قيامها، وإذا دخل على الماضي قرّبه من الحال نحو: كنت أتمنى الحجّ، وقد حججت في زمن قريب من زمن إخباره وإذا/ دخل على المضارع كان للتقليل كقولهم: إنّ الكذوب قد يصدق (¬5)، فهو في هذا النوع من الأفعال بمنزلة ربّ في الأسماء، وقد يحذف الفعل بعده إذا فهم كقوله: (¬6) أزف التّرحّل غير أنّ ركابنا … لمّا تزل برحالنا وكأن قد ¬
ذكر حرفي الاستفهام
أي وكأن قد زالت، ويجوز الفصل بين قد وبين الفعل بالقسم، كقولك: قد والله أحسنت، ونحو: قد لعمري بتّ ساهرا، وقد تأتي للتحقيق نحو: قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ (¬1). ذكر حرفي الاستفهام (¬2) وهما الهمزة وهل، ويدخلان على الجملتين الاسميّة والفعليّة كقولك: أزيد قائم، وأقام زيد، وهل عمرو خارج، وهل خرج عمرو، ولهما صدر الكلام لكونهما لنوع من أنواع الكلام وذلك يقتضي تقديمهما ليحصل العلم في أول الأمر بأنّ الكلام للاستفهام. والهمزة أكثر تصرفا في الاستعمال من هل، لأنّ الخبر إذا كان في الجملة الفعليّة فعلا، جاز استعمال الهمزة دون هل فيجوز: أزيد قام ولم يجز: هل زيد قام إلّا على شذوذ، لأنّ أصل هل أن تكون بمعنى قد (¬3) كقوله تعالى: هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ (¬4) فكما لا يقال: قد زيد خرج لا يقال: هل زيد خرج، فإن قيل: لو كان كذلك لامتنع: هل زيد خارج، كما امتنع: قد زيد خارج، قلنا: إنّما جاز هل زيد خارج حملا على أختها وهي: أزيد خارج وإنّما لم تحمل عليها في: أزيد خرج، لأنّ اعتبار هل في هذه الجملة أعني خرج أولى من حملها على أختها لكونها بمعنى قد، وقد وجد ما تقتضيه (¬5) وتقع الهمزة لكونها أعمّ تصرفا للإنكار أيضا كقولك: أتضرب زيدا وهو أخوك؟ ويقع بعدها المفعول كقولك: أزيدا ضربت؟ وتقع للتقرير كقوله تعالى: أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ ماءٍ مَهِينٍ (¬6) أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ (¬7) وتقع مع أم نحو: أزيد عندك أم عمرو، وتدخل الهمزة على حروف العطف كقوله تعالى: أَوَ ¬
ذكر حروف الشرط
كُلَّما عاهَدُوا عَهْداً نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ (¬1) وكقوله تعالى: أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ (¬2) وقوله تعالى: أَثُمَّ إِذا ما وَقَعَ آمَنْتُمْ بِهِ (¬3) ولا تقع هل هذه المواقع إمّا لكون الهمزة أخصر وأكثر استعمالا، وإمّا لكون هل في الأصل بمعنى قد (¬4). ذكر حروف الشّرط (¬5) وهي: إن ولو وأمّا، وما يقع شرطا من غيرها فأسماء تضمّنت معنى الشّرط وقد تقدّم ذكرها في قسم الاسم، ولحروف الشّرط صدر الكلام لأنّها لإنشاء نوع من أنواع الكلام، وتدخل إن ولو على جملتين فتجعلان الأولى شرطا والثانية جزاء كقولك: إنّ تضربني أضربك، ولو جئتني لأكرمتك، لكن إن للاستقبال (¬6) بمعنى أنها تجعل الفعل الذي دخلت عليه بمعنى الاستقبال، سواء كان الفعل ماضيا نحو: إن ضربت ضربت، أو مضارعا نحو: إن تضرب أضرب، ولو للمضي سواء دخلت على الماضي نحو: لو ضربت ضربت، أو المضارع نحو: لو تضرب أضرب ويلزمان الفعل لفظا أو تقديرا، فالفعل لفظا نحو: إن ضربت ضربت، ولو ضربت ضربت، وتقديرا نحو قوله تعالى: وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ (¬7) وقوله تعالى: قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزائِنَ/ رَحْمَةِ رَبِّي (¬8) أي وإن استجارك أحد، ولو تملكون، وقال السّيّد (¬9) في حروف الشّرط: وينبغي أن يعلم أن مفسّر المحذوف مضارع مجزوم إن كان المفسّر مضارعا مجزوما نحو: إن زيد يقم، ليطابق المذكور. وأمّا الأسماء المتضمنة معنى ¬
الشرط نحو: من، فلا تحذف أفعالها لكونها فرع إن الشرطيّة فلا يتصرّف فيها كما تصرّف في إن إلّا في الضرورة كقول الشّاعر: (¬1) فمن نحن نؤمنه يبت وهو آمن … ومن لا نجره يمس منّا مفزّعا وتقديره: فمن نؤمنه نحن، ومن أجل أنّ لو وأن يلزمان الفعل، قيل: لو أنك انطلقت (¬2) بأن المفتوحة المشددّة لأنّها في تأويل المفرد، لكونها هي وما عملت فيه فاعلا للفعل المقدّر بعد لو، والتقدير: لو تحقّق أو ثبت انطلاقك انطلقت، وإنّما كان الفعل المقدّر تحقّق أو ثبت، لما في أنّ من الدلالة على التحقيق والثبوت ولأجل دلالة أنّ على ذلك، استغني عن فعل مفسّر للفعل المقدّر المذكور ولكن التزم أن يكون خبر أنّ في هذه الصورة فعلا إن أمكن (¬3) ليكون كالعوض عن لفظ الفعل المفسّر لتحصل لأنّ المفتوحة المشددة التقوية بصورة الفعل فلذلك جاز: لو أنك انطلقت لانطلقت ولم يجز: لو أنك منطلق انطلقت، لفوات التقوية بصورة الفعل، لأنّه أوقع منطلق مع إمكان انطلق (¬4)، ومنه قوله تعالى: وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ (¬5) وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ (¬6) ويلزم أن يكون الفعل الواقع في خبر أنّ هذه ماضيا ليطابق معنى لو في الماضي، أمّا إذا تعذّر أن يكون خبر أنّ فعلا بأن يكون جامدا، جاز أن يقع غير فعل حينئذ نحو: لو أنك زيد لأكرمتك، لتعذّر الإتيان بالفعل ومنه قوله تعالى: وَلَوْ أَنَّما فِي الْأَرْضِ مِنْ ¬
فصل والفعل الواقع بعد إن الشرطية معناه الاستقبال وقد يراد به الماضي مع المستقبل جميعا
شَجَرَةٍ أَقْلامٌ (¬1) إذ لا فعل بمعنى أقلام فيوقع خبرا، وقد أوردوا قوله تعالى: لَوْ أَنَّهُمْ بادُونَ فِي الْأَعْرابِ (¬2) لأنّه أوقع بادون خبرا مع إمكان بدوا، وأجيب عن ذلك: بأنّ لو هذه ليست لو الشرطية وإنّما هي للتمني بمعنى يودّون لو أنّهم بادون (¬3). فصل والفعل الواقع بعد إن الشرطية معناه الاستقبال وقد يراد به الماضي مع المستقبل جميعا (¬4) كقوله تعالى: وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ (¬5) فيدخل في مثل ذلك الماضي والمستقبل إذ المراد: من آمن، وَمَنْ يُؤْمِنْ (¬6)، لأنّ سياق الكلام يقتضي ذلك، وكذلك: وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا (¬7) سواء كانوا جنبا أو يجنبون في المستقبل، فإنّ الحكم لا يختصّ بأحدهما (¬8). فصل (¬9) وإذا اجتمع القسم والشّرط وتقدّم القسم على الشّرط نحو: والله إن أتيتني لأكرمتك كان الجواب للقسم دون الشّرط، ووجب أن يكون فعل الشّرط ماضيا كما في المثال المذكور أعني: أتيتني، فلو أجبت الشرط دون القسم وقلت: والله إن أتيتني/ أكرمك، كان رديئا، وإنّما أجيب القسم دون الشرط لأنّ الشرط جاء معترضا بين القسم وجوابه، والمعترض في حكم العدم، فألغي جوابه لذلك وإنّما لزم أن يكون فعل الشرط ماضيا لفظا كما ذكرنا أو معنى نحو: والله إن لم تكرمني لأكرمنّك، ¬
لأنّ حرف الشرط لمّا بطل عمله في الجواب الذي هو لأكرمنّك لكونه جوابا للقسم، طلب أن يكون فعل الشرط ماضيا حتّى لا يظهر لحرف الشرط فيه عمل لئلا يكون العامل في الجزاء القسم، والعامل في الشرط حرف الشرط فيختلف العامل في الشرط والجزاء وهو غير جائز، فلذلك التزم أن يكون فعل الشرط ماضيا، لأنّ الماضي لا يظهر فيه عمل لحرف الشرط ولا لغيره. وإن توسّط القسم وتقدّم عليه إمّا شرط أو غير شرط، والشرط مؤخّر عن القسم، جاز اعتبار القسم وإلغاؤه لإمكان ذلك، فمثال تقدّم الشرط والقسم معترض قولك: إن تكرمني فوالله لأكرمنّك، فيجوز اعتبار القسم لإمكان الوفاء بجواب الشرط وجواب القسم، لأنّ الشرط إنّما يجاب في مثل ذلك بالفاء ولا يمتنع دخولها على القسم، فأمكن جواب الأمرين على ما تقتضيه أبوابهما (¬1)، ويجوز إلغاء القسم بأن يجعل معترضا فيتعيّن الجواب للشرط كقولك: إن تكرمني والله أكرمك، ومثال تقدّم غير الشرط على القسم والشرط مؤخّر عن القسم قولك: أنا والله إن تكرمني أكرمك، فيجوز أن تعتبر القسم وتقول: أنا والله إن أكرمتني لأكرمنّك فتجعل الشرط معترضا، فيتعيّن الجواب للقسم، ويكون القسم وجوابه والشرط خبر المبتدأ، ويجوز أن تجعل القسم معترضا وتقول: أنا والله إن تكرمني أكرمك، فيتعيّن الجواب للشرط ويكون الشرط وجوابه والقسم خبرا للمبتدأ، وإذا كان القسم مقدّرا قبل الشرط ولم يكن ملفوظا به فهو كالملفوظ به في كون الجواب للقسم لفظا كقوله تعالى: وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ (¬2) وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ (¬3) فإنّ تقديره: والله إن قوتلتم، وإن أطعتموهم، فإنه لولا تقدير القسم قبل الشرط لوجب دخول الفاء على: إنكم لمشركون (¬4). ¬
وأمّا أمّا الشرطية (¬1) فحرف شرط ولذلك لزمتها الفاء، وتستعمل لتفصيل أمور في نفس المتكلّم، إلّا أنهم لم يلتزموا ذكر المتعدد بل قد يذكر الجميع نحو قوله تعالى: فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ (¬2) وقد يذكر واحد ويترك غيره نحو قوله تعالى: فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ (¬3) ولم يذكر بعدها أمّا أخرى، لكونه معلوما من الأوّل (¬4) ومن ذلك قول القائل: أمّا أنا فقد فعلت كذا، ويسكت، وكان الواجب في «أما» أن يليها الفعل لكونها حرف شرط لكن التزموا حذف الفعل معها وجعلوا الواقع بعدها عوضا من الفعل المحذوف نحو: أمّا زيد فمنطلق، فزيد قد وقع قبل الفاء وبعد أمّا، ليكون عوضا من الفعل المحذوف، لأنّ الاسم الواقع، بعد أمّا هو المقصود دون الفعل وأصله أن يكون/ بعد الفاء، لأنّ معناه، مهما يكن من شيء فزيد منطلق، فوقعت أمّا موقع مهما، وزيد موضع الفعل المحذوف، أعني «يكن» فصار أما زيد فمنطلق، وحينئذ، إمّا أن يكون الاسم الذي بعد أمّا مرفوعا أو منصوبا، فإن كان مرفوعا فهو مبتدأ خبره ما بعد الفاء نحو: أمّا زيد فمنطلق، وإن كان منصوبا نحو: أمّا زيدا فأنا مكرم، وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ (¬5) فالأصحّ أنّ العامل فيه ما بعد الفاء لاقتضاء ما بعد الفاء إياه، ولأنّه قدّم على عامله ليكون عوضا عن الفعل المحذوف، لأنّ التقدير: إن أردت بيان من تعلّق به إكرامي فأنا مكرم زيدا، وإن أردت بيان من تعلّق به النهي عن القهر مني، والنهي عن النهر مني؛ فلا تقهر اليتيم ولا تنهر السائل (¬6)، وكذا إذا كان المنصوب الذي بعد أما ظرفا نحو: أمّا يوم الجمعة فزيد منطلق، فيوم الجمعة معمول لمنطلق، لأنّ التقدير إن أردت بيان زمان وقع فيه انطلاق زيد فزيد منطلق يوم ¬
ذكر حرف الردع
الجمعة، وقد ظهر - ممّا قلنا - أنّ أصل المنصوب أن يكون بعد الفاء وقدّم على عامله ليكون عوضا عن الفعل المحذوف (¬1). وبعضهم منع أن يعمل ما بعد الفاء فيما قبلها كما هو مذهب البصريين (¬2) وذهبوا إلى أنّ العامل في الاسم الذي بعد أمّا إنّما هو الفعل المحذوف المقدّر بعد أمّا، فإذا قلت: أمّا يوم الجمعة فزيد منطلق، كأنك قلت: مهما تذكر يوم الجمعة فزيد منطلق، ومهما تذكر اليتيم فلا تقهر، ومهما تذكر السائل فلا تنهر. وقال قوم: (¬3) إن جاز تقديم الاسم المنصوب بعد أمّا على جواب أمّا نحو: أمّا يوم الجمعة فزيد منطلق، فهو معمول بما في حيّز الفاء، لأنّ يوم الجمعة يجوز أن يكون ظرفا لمنطلق ومتقدّما عليه، وإن لم يجز تقديمه نحو: أمّا زيدا فإني مكرم، فالعامل فيه الفعل المحذوف المقدّر أعني: مهما تذكر زيدا فإني مكرمه، لامتناع أن يعمل ما بعد إن فيما قبلها (¬4). ذكر حرف الرّدع (¬5) وهو كلّا، لأنّه وضع للرّدع والتنبيه على الحقّ، وإنّما يستعمل إذا سمع محال أو تقوّل على إنسان، كما إذا قيل: فلان يشتمك فتقول: كلّا، أي: ارتدع عن هذا، وقد جاء كلّا بمعنى حقّا نحو قوله تعالى: كَلَّا إِنَّ الْإِنْسانَ لَيَطْغى (¬6) أي حقّا، وإذا وقفت على التي بمعنى الردع كان مستقيما (¬7)، وكلّا التي بمعنى حقّا، اسم عند بعضهم، لكنّه بني لموافقته كلّا التي بمعنى الرّدع في اللفظ (¬8). ¬
ذكر تاء التأنيث الساكنة
ذكر تاء التّأنيث الساكنة (¬1) اعلم أنّ تاء التّأنيث الساكنة حرف يلحق الأفعال الماضية خاصّة للإيذان من أول الأمر بأنّ الفاعل مؤنّث نحو: قامت هند، ولا تدخل المضارع لأنّ التاء في قولك: تقوم هند، أغنت عن ذلك، والفرق بين تاء التأنيث الداخلة على الأسماء التي تقدّم ذكرها في باب المذكّر والمؤنث/ نحو: طلحة وبين هذه التاء، أنّ اللاحقة للأسماء تكون متحركة في الوصل نحو قولك: طلحة الطلحات وامرأة قائمة أمامك، وهذه التاء التي تلحق الأفعال لا تكون إلّا ساكنة وصلا ووقفا إلّا إذا لقيها ساكن فإنها تحرّك لالتقاء الساكنين فهي ساكنة بالذّات ومتحرّكة بالعرض نحو قولك: رمت المرأة ورمتا وقامتا، فإن لحقت نحو: غزا ورمى حذفت آخرهما لالتقاء الساكنين، تاء التأنيث وحرف العلّة، فقلت: غزت ورمت بحذف الألف ولا تردّ، ولو تحركت التاء في نحو: رمت المرأة ورمتا فلا يقال: رماتا (¬2) كما سنذكر في التقاء الساكنين، وأمّا إلحاق الفعل علامة التثنية والجمعين (¬3) نحو: قاما الزيدان وقاموا الزيدون وقمن النساء، فضعيف استعمالا قويّ قياسا على التاء مع جواز جعل ما جعل فاعلا (¬4) مبتدأ خبره ما قدّم عليه، والعلامة ضمير عائد إليه معنى، وهي لغة أكلوني البراغيث (¬5) وفي أكلوني البراغيث شذوذان آخران؛ أحدهما: جعل الواو علامة لما لا يعقل، والثاني: جعل القرص أكلا (¬6) وعلى تقدير إلحاقها فإنها ليست بضمائر لئلا يلزم الإضمار قبل الذكر، بل علامات ألحقت بالفعل لتدلّ على أحوال الفاعل كتاء التأنيث، وإنّما قوي إلحاق علامة التأنيث وضعف إلحاق علامة التثنية والجمع، للزوم التأنيث الحقيقي للاسم، وعدم لزوم التثنية والجمع لعروضهما، واعلم أنّ التاء في: ¬
ذكر التنوين
ثمّت وربّت ولات، ليست تاء التأنيث المذكورة بل دخلت هذه التاء لتأنيث اللفظة للمبالغة في معناها كما دخلت في: علّامة ونسّابة للمبالغة لا لتدلّ على أنّ الفاعل مؤنّث. ذكر التنوين (¬1) التنوين نون ساكنة تتبع حركة الآخر لا لتأكيد الفعل واحترز بقوله: لا لتأكيد الفعل، عن نون التوكيد نحو: اضربنّ والتنوين ستة أنواع: أحدها: تنوين التنكير (¬2)، وهو يدلّ على أنّ الاسم نكرة نحو: صه وصه وسيبويه وسيبويه آخر. والثاني: تنوين التمكين (¬3)، وهو يلحق الاسم ليدلّ على أنّ له مكانة في الاسميّة نحو: زيد ورجل، ولا بدّ من زيادة شرح لتنوين التمكين وتنوين التنكير فنقول: إنّ الأسماء المعربة تنقسم إلى خفيف في غاية الخفّة، وهو ما لم يخرج عن أصله إلى مشابهة الفعل بوجه نحو: رجل وفرس، وإلى ثقيل وهو ما لا ينصرف، وإلى متوسط وهو ما فيه علة واحدة فرعيّة نحو: زيد وعمرو فتنوين التمكين هو الداخل على الاسم النكرة الخفيف في الغاية نحو: رجل، وعلى المعرفة المنصرفة نحو: زيد، وعلى الاسم الذي ينكّر فيفصل مما لا ينصرف، ويلحق بزيد، نحو: مررت بعثمان وعثمان آخر وبأحمد وأحمد آخر، وأمّا تنوين التنكير: فهو الذي يلحق الاسم المبنيّ للفرق بين معرفته ونكرته/. نحو ما تقدّم من صه وصه وسيبويه وسيبويه آخر، فإنّه معرفة إذا لم ينوّن، ونكرة إذا نوّن، وإذا قلت: صه بغير تنوين أمرته بالسكوت المعهود، وإذا نونت أمرته بسكوت ما. والثالث: (¬4) تنوين العوض وهو الذي يلحق الاسم عوضا إمّا عن الياء أو عن إعلاله نحو: جوار حسبما تقدم في أوائل الكتاب (¬5)، وإمّا عن المضاف إليه نحو: ¬
يومئذ أي يوم إذ كان كذا، فلمّا حذف المضاف إليه وهو: كان كذا، عوض عنه التنوين، وكذلك: مررت بكل قائما، أي بكلّهم، وهو جواب قول القائل: هل لك عهد بالقوم؟ فيقال: مررت بكلّ قائما. والرابع: تنوين المقابلة، ولا يكون إلّا في جمع المؤنّث، فإنّه لمقابلة نون جمع المذكّر السالم ولو حمل على غير ذلك لم يتّجه، فإنك لو جعلت تنوين مسلمات للصرف تعذّر، لوجوده في عرفات مع المانع من الصّرف وكذلك لو جعلته للتمكين (¬1) أو للتنكير لم يتّجه، فتعيّن أن يكون للمقابلة. والخامس والسادس: تنوين الترنّم والتنوين الغالي، ويلحقان أواخر الأبيات والأنصاف المصرّعة لتحسين الإنشاد، وهو إن لحق القافية المطلقة سمّي تنوين الترنم (¬2) وتنوين الإطلاق كقوله: (¬3) يا أبتا علّك أو عساكن ومنه: (¬4) أقلّي اللّوم عاذل والعتابن … وقولي إن أصبت لقد أصابن فناب التنوين مناب حرف الإطلاق في (¬5) نحو: ألف العتابا، ويقع في الأسماء والأفعال ولا يختصّ بأحدهما، وإن لحق القافية المقيّدة سمّي التنوين الغالي (¬6) نحو ¬
ذكر نون التأكيد
قول رؤبة: (¬1) وقاتم الأعماق خاوي المخترقن وقد جمع بعضهم أقسام التنوين نظما وهو: (¬2) عوّض بتنوين وقابل به … نكّر به الاسم ومكّنّه وإن ترنّمت فعمّم به … ومثله الغالي فعينّه ويحذف التنوين من العلم الموصوف بابن مضاف إلى علم آخر نحو: جاءني زيد بن عمرو، لشدّة اتصال الموصوف بالصفة (¬3) ويعلم منه أنه لو كان صفة لغير العلم نحو: جاءني رجل ابن ظالم، أو كان ابن مضافا إلى غير العلم نحو: زيد ابن أخي لم يحذف التنوين، وكذلك لم يحذف التنوين إذا لم يكن صفة نحو: أن يكون أحدهما مبتدأ والآخر خبرا وشبه ذلك كقولك: زيد ابن عمرو. واعلم أنّه حيث يسقط التنوين من الموصوف بابن تسقط الألف من الخطّ أعني همزة ابن، وحيث يثبت التنوين في اللفظ تثبت الهمزة في الخطّ فتسقط من زيد بن عمرو وتثبت في زيد ابن أخي وشبهه، واعلم أنّ حكم ابنة كحكم ابن في جميع ما ذكرنا (¬4). ذكر نون التأكيد (¬5) وهي نوعان: خفيفة ساكنة، ومشدّدة مفتوحة مع غير الألف لأنّها تكسر مع الألف في المثنّى والمجموع المؤنّث نحو: اضربانّ واضربنانّ/ واعلم أنّ الثقيلة أبلغ ¬
في التأكيد من الخفيفة (¬1) ولا يؤكّد بالمخفّفة والمشدّدة إلّا الفعل المستقبل الذي فيه معنى الطّلب كالأمر والنهي والاستفهام والتمني والعرض والقسم والتحضيض (¬2)، وإنّما دخلت النون في هذه المواضع، لأنّها مواضع طلب فتدخل النون تأكيدا لذلك الطلب وحثّا على إيقاعه، ولذلك لم يؤكّد الماضي والحال، لأنّ الماضي وقع، والحال حاصل فلا طلب فيهما لحصولهما، ولا يؤكد النفي إلّا قليلا (¬3) نحو: زيد ما يقومنّ، لخلوّه عن معنى الطلب وإنّما جاز فيه ذلك على قلّته تشبيها له بالنهي، ومنه (¬4): يحسبه الجاهل ما لم يعلما … شيخا على كرسيّه معمّما وهذا مشبّه بالنهي، لأنّ يعلم مجزوم مثل النهي، وألف يعلما ألف نون التأكيد، كان يعلمن فوقف عليها بالألف، وأمّا قول جذيمة الأبرش (¬5): ربّما أوفيت في علم … ترفعن ثوبي شمالات فهي على التشبيه بالنفي، لأنّ ربّ للتقليل، والتقليل يقارب النفي، وقال ¬
ذكر حركات ما قبل نون التأكيد بحسب الضمائر
يونس: (¬1) إنّهم يقولون: ربّما تقولنّ ذاك، وهو مثل: ربّما أوفيت في علم … ترفعن ... ولزمت نون التأكيد في جواب القسم المثبت نحو: والله ليخرجنّ زيد، لأنّ القسم وضع للتأكيد، ولمّا لزم ذلك في القسم المثبت تعيّن للنفي في قولك: والله يخرج زيد ونحوه أي لا يخرج، لأنّه قد علم أنه لو كان مثبتا لم يكن بدّ له من النون (¬2) ولا يحذف في جواب القسم المنفي من حروف النفي إلّا «لا» خاصة فلو حذفت ما وقلت: والله زيد منطلقا تعني ما زيد منطلقا لم يجز، وكثر دخول نون التأكيد مع فعل الشرط عند تأكيد إن الشرطية بما كقوله تعالى: فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَداً (¬3) ويجوز تركها كقول الشّاعر: (¬4) فإمّا تريني ولي لمّة … فإنّ الحوادث أودى بها فزاد «ما» مع حرف الشرط ولم يؤكد فعله بالنون فقال: تريني، فإنه لو أكده انكسر وزن البيت. ذكر حركات ما قبل نون التأكيد بحسب الضمائر والضمائر تنقسم إلى بارزة وغير بارزة: ذكر أحكام نون التأكيد مع الضمائر البارزة (¬5) والمذكور هنا منها إنّما هو ضمير جمع المذكّر وضمير المؤنّث المخاطبة، وأمّا ¬
ضمير التثنية مطلقا وضمير جمع المؤنث فسنذكر حكمهما في فصل مفرد لهما، وحكم الضميرين البارزين المذكورين أعني ضمير جمع المذكّر وضمير المؤنث المخاطبة مع نوني التأكيد الخفيفة والشديدة كالكلمة المنفصلة كما سيظهر من الأمثلة ويجب في الضميرين المذكورين أن يضمّ ما قبل نون التأكيد مع ضمير جمع المذكّر، ويكسر مع ضمير المخاطبة نحو: هل تضربنّ يا قوم بضمّ الباء، وهل تضربنّ يا هند بكسر الباء وأصلهما تضربون وتضربين (¬1) فحذفت نون الإعراب/ منهما لزوال الإعراب بدخول نون التأكيد ثم حذفت الواو التي هي ضمير الجمع والياء التي هي ضمير المخاطبة لالتقاء الساكنين أعني الواو والياء، ونون التأكيد كما تحذف كلّ من الواو والياء المذكورتين إذا لقيهما ساكن من كلمة أخرى منفصلة نحو: يا رجال اضربوا القوم، ويا هند اضربي القوم، بحذف الواو والياء لسكونهما وسكون لام التعريف. وأمّا حكم الفعل المعتلّ اللّام مع الضميرين البارزين المذكورين فالذي لامه واو أو ياء حكمه كما ذكر، فتقول مع ضمير جمع المذكّر: هل تغزنّ وهل ترمنّ يا قوم بضمّ ما قبل النون، والأصل تغزون وترمون فحذفت نون الإعراب (¬2) ثمّ واو ضمير الجمع لما تقدّم شرحه، كما تحذفها لساكن في كلمة أخرى نحو: يا رجال اغزوا القوم وارموا القوم، وتقول مع ضمير المخاطبة: هل تغزنّ وهل ترمنّ بكسر ما قبل النون والأصل تغزين وترمين فحذفت نون الإعراب ثمّ ياء ضمير المخاطبة لما ذكر، كما تحذفها لساكن في كلمة أخرى نحو: يا هند اغزي القوم وارمي القوم. وأمّا الذي لامه ألف فلا تحذف ولكن تحرّك بالضّمّة مع ضمير جمع المذكّر، وبالكسرة مع ضمير المخاطبة فتقول مع ضمير جمع المذكّر: يا قوم اخشونّ الله كما تقول: يا قوم اخشوا الرجال، قال الله تعالى: ثُمَّ لَتَرَوُنَّها عَيْنَ الْيَقِينِ (¬3) فحرّك الواو بالضّمّ، وتقول مع ضمير المخاطبة: يا هند اخشينّ الله كما تقول: اخشي القوم، قال الله تعالى: فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَداً (¬4) فحرّك الياء بالكسر، لأنّ نون ¬
ذكر أحكام نون التأكيد مع الضمائر المستترة
الإعراب لمّا حذفت التقى ساكنان حرف العلّة ونون التأكيد فضمّت الواو وكسرت الياء كما يفعل بهما إذا اتصلا بساكن من كلمة أخرى، وإنّما حرّك ما أصله الألف ولم يحذف كما حذفت الواو والياء في: يا قوم اغزنّ ويا هند اغزنّ لوجود الضمّة والكسرة في اغزنّ واغزنّ الدالّتين على الواو والياء والمحذوفتين بخلاف ما أصله الألف، لانفتاح ما قبله فلو حذف (¬1) لم يبق على حذفه دليل. ذكر أحكام نون التأكيد مع الضمائر المستترة (¬2) وهي ضمير المفرد المذكّر مخاطبا كان أو غائبا وضمير المؤنث الغائبة، وحكم نوني التأكيد مع هذه الضمائر المستترة كحكمها مع الكلمة المتصلة، والمراد بالكلمة المتصلة الفعل المتصل به ضمير المثنّى نحو: قاما وغزوا، ويجب في الضمائر المذكورة أن يفتح ما قبل نون التأكيد طلبا للخفّة نحو: زيد ليقومنّ وأنت لتقومنّ، وهند لتقومنّ، والفعل المعتلّ اللّام كذلك تقول: هل ترينّ يا رجل فتقلب الألف وتحرّكها لسكون نون التأكيد كما تحركها إذا لقيها ضمير التثنية نحو: ألم تريا وتقول: اغزونّ يا رجل، فتحرك الواو بالفتح كما تحركها لاتصال ضمير التثنية نحو: اغزوا وكذلك حكم الياء، تقول للمفرد المذكر: ارمينّ يا رجل فتحرك الياء بالفتح كما تقول: ارميا، وإنّما حرّكت الواو والياء هنا ولم يحذفا كما حذفا مع الضمائر البارزة، لأنّ الواو/ والياء هنا لو حذفا وقع اللّبس، ولو لم يحذفا مع الضمائر البارزة لوقع اللّبس أيضا، ألا ترى أنّك لو قلت في جمع المذكّر: اغزونّ وحرّكت الواو بالفتح لالتبس بالمفرد المخاطب، ولو حرّكتها بالكسر لحصل الاستثقال، أو بالضمّ اجتمع الواو وضمها مع ضمّ ما قبلها وذلك مستثقل أيضا. ذكر نون التأكيد مع المثنّى مطلقا، ومع جمع المؤنّث (¬3) وهو أن تثبت الألف في المثنّى وتأتي بالنون المشدّدة نحو: اضربانّ لئلا تشتبه بالواحد، وتقول في جمع المؤنّث: اضربنان بزيادة ألف بعد نون الجمع وقبل نوني ¬
التوكيد لئلا تجتمع ثلاث نونات (¬1) ويجب كسر نون التأكيد المشددة مع المثنّى، وجمع المؤنث السالم لوقوعها بعد الألف، ولا تدخل نون التوكيد الخفيفة المثنّى وجمع المؤنّث، لأنّه يستلزم إما تحريك النون، وإمّا حذفها لالتقاء الساكنين على غير حده وهما يتعذّران خلافا ليونس (¬2) فإنّه أجازه، وجوّز التقاء الساكنين على غير حده (¬3)، كما سيأتي بيانه في باب التقاء الساكنين في قسم المشترك إن شاء الله تعالى، فلو أتيت بنون التأكيد المخفّفة لم يكن الساكن الثاني مدغما، فلم يكن على حدّه فلم يجز. ونون التأكيد المخفّفة تحذف لأحد أمرين: وهما التقاء الساكنين والوقف. أمّا حذفها لالتقاء الساكنين فنحو قول الشاعر: (¬4) لا تهين الفقير علّك أن تر … كع يوما والدّهر قد رفعه أي لا تهينن، والذي يدلّ على أنّه كذلك أنه لو لاه لقيل: لا تهن، لأنه يكون مجزوما وحينئذ كان ينكسر وزن البيت، وربّما حذفت نون التأكيد الخفيفة المذكورة في الشعر وإن لم يكن بعدها ساكن على توهم الساكن نحو قوله: (¬5) اضرب عنك الهموم طارقها … ضربك بالسّيف قونس الفرس ¬
أي اضربن فحذف نون التأكيد الخفيفة، وبقيت فتحة الباء دالّة عليها، ولولا ذاك لكانت الباء ساكنة لفعل الأمر. وأمّا حذفها للوقف (¬1) فتحذف إذا لم يكن ما قبلها مفتوحا كما يحذف التنوين، وإذا حذفت وجب ردّ ما كان قد حذف لأجلها، فيرجع الفعل معربا على حسبه، فتقول في هل تخرجنّ يا قوم: هل تخرجون بردّ الواو والنون، وهذه النون نون الإعراب لأنّ نون التأكيد حذفت للوقف، وكذلك إذا وقفت على هل تخرجنّ يا امرأة قلت: هل تخرجين كما قيل في هل تخرجون (¬2) وأمّا نون التأكيد التي يكون ما قبلها مفتوحا، فتقلب ألفا عند الوقف تشبيها لها بالتنوين كقولك في اضربن يا رجل: اضربا، لتكون علامة التأكيد باقية بوجه مع كون الفتحة مناسبة للألف ومنه قوله تعالى: كَلَّا لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعاً بِالنَّاصِيَةِ (¬3) / وكذا قوله تعالى: وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ ما آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُوناً (¬4) فإذا وقفت وجب أن تقف بالألف فتقول: لنسعفا وليكونا، وإذا لقيت ساكنا بعدها حذفتها كقولك في اضربن الرجل: اضرب الرجل وتبقى الفتحة التي كانت قبل نون التأكيد لتدلّ عليها، ولم يحرّكوها كما حرّكوا تنوين الأسماء فرقا بين ما يدخل الاسم وبين ما يدخل الفعل، ليكون لما يدخل الأسماء على ما يدخل الأفعال مزية (¬5) وقد وضعنا جدولا لجميع أمثلة نون التأكيد وهذه صورته: ¬
ذكر حرفي الخطاب
ذكر حرفي الخطاب (¬1) وهما الكاف والتاء اللاحقتان علامة للخطاب، واحترز بقوله: علامة للخطاب عن كاف المذكّر والمؤنّث المخاطبين نحو: ضربتك وضربتك فإنّها اسم بدليل دخول الجار عليها نحو: مررت بك وبك وعجبت منك ومنك، فأما التي تأتي لمجرّد الخطاب علامة له فتلك حرف. وتلحق أواخر الضمائر نحو: إيّاك، وإنّما لحقت أخر هذا الضمير لبيان المخاطبين، وتلحق اسم الإشارة نحو: ذاك، وذلك وأولئك وهناك (¬2) وتلحق أيضا اسم الفعل نحو: هاك ورويدك (¬3) وأمّا تاء الخطاب/ فهي التاء في نحو: أنت وأنت وهي حرف بخلاف التاء في نحو: قمت وقمت، فإنّها اسم لأنها فاعل، وأما كونها حرفا في نحو: أنت فلاتصالها بالمضمر الذي هو أن في قولك: أنت قائم، وحرفا الخطاب تلحقهما التثنية والجمع والتذكير والتأنيث كما تلحق الضمائر كقولك: ذلكم وذلكنّ (¬4) قال الله تعالى: ذلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ (¬5) وقال تعالى: قالَتْ فَذلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ (¬6) وكذلك أنتما وأنتم وأنتنّ، وإنما لحقهما علامة التثنية والجمع والتذكير والتأنيث، لاختلاف أحوال المخاطبين تثنية وجمعا وتذكيرا وتأنيثا ولا موضع لهذين الحرفين من الإعراب لأنهما ليسا بضميرين. ونظير كاف الخطاب (¬7) الهاء في إياه، والياء في إياي فإنهما حرفان مجرّدان عن الاسمية للخطاب، وإيا، هو الضمير (¬8) وهذه اللواحق لا موضع لها من ¬
ذكر حرف التعليل
الإعراب، وكذلك إياهما وإياهم وإيانا كلّها حروف منزلة منزلة حرفي الخطاب (¬1). ذكر حرف التعليل (¬2) وهو كي، يقول القائل: قصدت فلانا، فتقول له: كيمه، فيقول: كي يحسن إليّ، وكيمه مثل: فيمه وعمّه ولمه، دخل حرف الجرّ على ما الاستفهامية محذوفا ألفها ولحقت بها هاء السكت، واختلف في إعراب ما الاستفهامية حينئذ فهي عند البصريين مجرورة، وعند الكوفيين منصوبة بفعل مضمر تقديره كي تفعل ماذا (¬3). ذكر هاء السكت (¬4) وهي التي في نحو قوله تعالى: ما أَغْنى عَنِّي مالِيَهْ هَلَكَ عَنِّي سُلْطانِيَهْ (¬5) وإنما سميت هاء السكت لأنها يسكت عليها، وهي مختصة بالوقف، لأنها اجتلبت لبيان الحركة الموجودة في الوصل، والحركة موجودة في الوصل، ولما كان الوقف يذهب الحركة، جعل السكت على الهاء وثبتت الحركة قبلها، وهي تلحق كلّ متحرك ليست حركته إعرابية ولا مشبهة به (¬6) فلحقت المبنيّات، وكانت حركة البناء أحقّ بها من حركة الإعراب، لأنّ حركة الإعراب تنتقل وتتغير وحركة البناء لا تتغيّر وكذلك وقف بهذه الهاء على نحو: ليته وكيفه وثمّه وثمّ مه أي وثمّ ماذا، وإنّه بمعنى نعم، وحيّهله أي أسرع، وتلحق أيضا لبيان الألف وذلك نحو: وا زيداه وا ربّاه واعجباه ويا مرحباه، قال السخاوي في شرح المفصل: ولا يرى النحاة إدخالها في الوصل، لأنّه إذا وصل أمكن تحريك الحرف وظهرت الألف أيضا فلم يكن إليها حاجة، فعند هؤلاء لا يجوز الوصل بالهاء وإن لم يؤدّ إلى تحريك الهاء، ويقول هؤلاء في قوله تعالى: ¬
ذكر حرف الإنكار
(كتابيه وحسابيه) (¬1) ونحو ذلك: أنه يجب أن يتعمّد الوقف عليه لئلّا يخالف الخطّ ثم قال: وأقول: إنّ هذه الهاء في بعض المواضع قد وقع الإجماع على إثباتها في الوصل وفي بعض المواضع قد أثبتها أكثر القرّاء، انتهى كلام السخاوي. وقد منع وصاحب المفصّل/ من تحريكها في الوصل وأنكر ذلك (¬2) والتحريك إنما يجيء في التي تأتي لبيان الألف وقد جاء ذلك في الشعر في قوله: (¬3) يا مرحباه بحمار عفراء … إذا أتى أدنيته لما شاء من الحشيش والشعير والماء وقال: (¬4) لا (¬5) مرحباه بحمار ناجيه … إذا أتى أدنيته للسّانيه والبصريون يحملون مثل هذا على تشبيه هاء السكت بهاء الضمير (¬6) وقيل: إنه لما جعل الهاء آخر المنادي ضمّها، وأجاز الكوفيون: يا مرحباه ويا عجباه بالكسر لالتقاء الساكنين (¬7). ذكر حرف الإنكار (¬8) وهو زيادة تلحق الآخر في الاستفهام، وله معنيان: أحدهما: إنكار أن يكون ¬
ذكر شين الوقف وسينه
الأمر على ما ذكر المخاطب والثاني: إنكار أن يكون على خلاف ما ذكر كقولك: أزيد نيه لمن قال: قدم زيد، منكرا لقدومه أو لخلاف قدومه. ذكر شين الوقف وسينه (¬1) وكلّ منهما تلحق بكاف المونّث في الوقف نحو قولك: أكرمتكش وأكرمتكس، ومررت بكش ومررت بكس، ويسمّى الوقوف على الشين المعجمة الكشكشة وهي في تميم (¬2) والوقوف على السين المهملة الكسكسة، وهي في بكر (¬3) والغرض بالكشكشة والكسكسة بيان كسرة الكاف تأكيدا لبيان التأنيث. ذكر حرف التذكّر (¬4) وهو حرف يشغل المتكلّم لسانه به إلى أن يتذكر، لأنّه لا يريد أن يقطع الكلام فهو يشعر السامع بأنه يتذكّر نحو إذا أراد أن يقول: قال زيد فذهب عنه زيد، فيقول: قالا، فيأتي بألف يشتغل بها إلى أن يتذكّر زيدا، وكذلك إذا أراد أن يقول؛ زيد يقول لعمرو، فذهب عنه لعمرو فيقول: زيد يقولو، فيشتغل بالواو، وكذلك إذا أراد أن يقول: خرجت من العام الذي جاء فيه زيد، فذهب عنه ما بعد العام فيقول: خرجت من العامي، فيشتغل بالياء إلى أن يتذكّر (¬5)، وهذه الزيادة تابعة لما قبلها، إن كان متحركا بمنزلة زيادة الإنكار، فتكون ألفا إن كان قبلها فتح، وواوا إن كان قبلها ضم، وياء إن كان قبلها كسر، فإن عرض التذكر عند ساكن فتكون كسرة، فتقول في: زيد قد ضرب قدي حسبما تقدم، وكذلك حكم التنوين لأنّ التنوين لا يتحرك إلا في ثلاثة مواضع كلها لالتقاء الساكنين نحو: سيفني في سيف قاطع، وزيد العاقل، وأزيدنيه في ¬
ذكر اللامات
الإنكار (¬1)، قال السخاوي: والتنوين يتحرك أيضا في موضع رابع: وهو أن تلقى عليه حركة الهمزة نحو: زيد أبوك. ذكر اللّامات (¬2) قد أكثر النحاة في ذكر اللّامات حتّى صنّف بعضهم فيها كتابا (¬3) وقد أثبتنا من أوصافها ما اخترنا إثباته، فنقول: إنّ اللّام تجيء في الاستعمال على عدّة وجوه: أحدها: لام الجرّ ويقال لها: لام الإضافة (¬4) وهي وإن كان تقدّم ذكرها في حروف الجرّ لكن إعادتها هنا لا يخلو من زيادة فائدة، ولام الإضافة ضروب منها:/ لام الملك كالمال لزيد، ولام الاستحقاق كالحمد لله والفضل والمنة له؛ لأنّ هذه الأحوال ليست مما تتملّك وإنما تستحقّ (¬5) واللّام التي بمعنى إلى كقوله تعالى: قُلِ اللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ (¬6)، وَلَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ (¬7) واللّام التي بمعنى على كسقط (¬8) لوجهه وكقوله تعالى: يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ سُجَّداً (¬9) واللام التي بمعنى مع كقول متمّم (¬10): ¬
فلمّا تفرّقنا كأني ومالكا … لطول اجتماع لم نبت ليلة معا واللّام التي بمعنى بعد كقوله تعالى: أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ (¬1) أي بعد دلوكها وك «صوموا لرؤيته» (¬2) أي بعد رؤيته، واللّام التي بمعنى من كسمعت لزيد صياحا أي منه، واللّام التي بمعنى في كقوله تعالى: وَنَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيامَةِ (¬3) أي فيه، واللّام التي للتعليل (¬4) بمعنى من أجل كقولك: جئتك للسمن واللبن، وكقوله تعالى: وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ (¬5) أي من أجل حبّ الخير، ولام التعدية، كنصحت له، ولام التعجب كلله درّه أي لله ما يجيء منه بمنزلة درّ الناقة، وكقول الأعشى (¬6): شباب وشيب وافتقار وثروة … فلله هذا الدّهر كيف تردّدا ولام التبيين وهي التي تكون بعد المصادر المنصوبة كبعدا له وسقيا له ورعيا له، وويلا له، فإنه لو لاها لم يعلم المدعو له من المدعوّ عليه، فإن قلت: ويل لزيد، كانت لام الاستحاق ك وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ (¬7) واللّام الداخلة بين المضاف والمضاف إليه لتوكيد الإضافة مثل: يا ويح لزيد، ولام الاستغاثة ولام كي، ولام الجحود وقد تقدمت، واللّام التي بمعنى «أن» (¬8) وتشبه لام كي كقوله تعالى: وَما أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ (¬9) ولا تكون هذه اللام إلّا بعد «أمرت أو أردت»، ولام العاقبة ¬
ويسمّيها الكوفيون لام الصيرورة (¬1) وهي تشبه لام كي أيضا كقول سابق البربري: (¬2) أموالنا لذوي الميراث نجمعها … ودورنا لخراب الدّهر نبنيها وكقول الآخر: (¬3) هم سمّنوا كلبا ليأكل بعضهم … ولو أخذوا بالحزم ما سمّنوا الكلبا كأنه فعل ليكون عاقبة الفعل هذا (¬4). ثانيها: لام التعريف: (¬5) وإنما لم تعمل مع أنّها مختصّة بالأسماء، لأنّها تصير مع ما دخلت عليه كبعض أجزائه، وهي ضروب منها: لام تعريف الجنس، ولام العهد وتفترقان، أنك تريد بالتي للجنس استغراق الجنس، وبالتي للعهد شيئا واحدا معهودا لك ولمن تخاطبه وقد تقدّم ذكرهما (¬6) واللام التي تكون عوضا من ياءي النسب كاليهود والمجوس فدخول اللّام عليهما إنما هو عوض عن ياء النسبة (¬7) لأنّ الأصل يهوديّون ومجوسيّون، واللام التي بمعنى الذي وقد تقدم ذكرها (¬8) واللّام الزائدة كقول الشاعر (¬9): ¬
أما ودماء لا تزال كأنّها … على قنّة العزّى وبالنّسر عند ما فالألف واللام/ في قوله: وبالنّسر زائدتان لأن نسرا مثل زيد وعمرو، قال الله تعالى: وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً (¬1) فاللام زائدة لأنّ نسرا مثل زيد، وأما اللام في مثل: الحارث والحسين والحسن، فقال الخليل: (¬2) دخلت لتجعل الاسم لشيء بعينه، لأنّ الأصل أن يقال: رجل حارث والمعرّف عند الخليل الألف واللّام (¬3) مثل قد وهل، وقال: وأصل همزتها القطع وإنما وصلت لكثرة الاستعمال ويدلّ على ذلك ثبوتها مع حرف الاستفهام (¬4) وفي قولهم: يا ألله، وقال سيبويه: اللّام وحدها حرف التعريف وإنما جيء بالهمزة ليتوصل بها إلى النطق بالساكن كما زيدت في ابن (¬5)، وقد مال أبو العلاء المعري (¬6) إلى قول الخليل في قوله (¬7): وخلّين مقرونين لمّا تعاونا … أزالا قصيّا في المحلّ بعيدا وينفيهما إن أحدث الدّهر دولة … كما جعلاه في الديار طريدا وسمّى التنوين قصيا لأنه يكون في آخر الاسم، والألف واللّام في أوله أي أنهما يطردان التنوين فإذا زال التعريف عاد التنوين ونفاهما. ثالثها: لام جواب القسم: ك: والله لأفعلنّ، والله لزيد قائم، وو الله لزيد أفضل من عمرو وقد تقدّم ذكرها (¬8). رابعها: اللام الموطئة للقسم: وهي ما تدخل على الشرط بعد تقدّم القسم ¬
عليه، إيذانا من أول الأمر بأنّ الجواب له لا للشّرط كقولك: والله لئن أكرمتني لأكرمنّك، فاللّام في لأكرمنك هي جواب القسم، وفي لئن هي الموطئة، وهي زائدة ومؤكدة ومشعرة باستقبال اليمين ويجوز إسقاطها لأنها زائدة (¬1). خامسها: لام جواب لو ولولا (¬2): كقوله تعالى: لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتا (¬3) وكقوله وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطانَ (¬4) ودخولها لتأكيد ارتباط إحدى الجملتين بالأخرى، ويجوز حذفها كقوله تعالى: لَوْ نَشاءُ جَعَلْناهُ أُجاجاً (¬5) ويجوز حذف الجواب أصلا كقولك: لو كان لي مال، وتسكت، أي: لأنفقت وفعلت (¬6). سادسها: لام الأمر (¬7) نحو: ليفعل زيد، وهي مكسورة ويجوز تسكينها عند واو العطف وفائه كقوله تعالى: فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي (¬8) وهي تدخل على المأمور الغائب، لأنك إذا خاطبت المأمور استغنيت عن اللّام بقولك: اذهب وقم، وقد تدخل على المخاطب كما قرئ (¬9) فبذلك فلتفرحوا (¬10) وقد جاء حذفها في ضرورة الشعر نحو (¬11): ¬
محمّد تفد نفسك كلّ نفس … إذا ما خفت من أمر تبالا أي لتفد نفسك، وقد منع بعضهم (¬1) من ذلك ولم يجوزه في ضرورة الشعر أيضا. سابعها: لام الابتداء: (¬2) وهي مفتوحة كقولك: (¬3) لزيد منطلق، وتدخل على الاسم والفعل المضارع كقوله تعالى: لَأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً (¬4)، وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ (¬5) وتدخل على المقسم به كقولك: لعمرك لأقومنّ، والخبر محذوف أي لعمرك قسمي، وهذه اللّام تعلّق الفعل عن العمل وتؤكد مضمون الجملة وليست بلام القسم، وإن شابهتها لأنّك إذا قلت: لزيد قائم فإنما قصدت تحقيق خبرك من غير يمين، فأما إذا صحبتها إحدى النونين فهي لام القسم، ذكر القسم قبلها أو لم يذكر كقولك: لأقومنّ ولتخرجنّ يا زيد (¬6). ثامنها: اللام الفارقة: (¬7) وتسمّى أيضا لام الفصل، ويسميها الكوفيون لام إلّا (¬8) كقوله تعالى: وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغافِلِينَ (¬9) ونحو: إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْها حافِظٌ (¬10) وإن هذه هي المخففة من الثقيلة وسميت الفارقة لأنها تفرق بين «إن» التي بمعنى «ما» نحو قوله تعالى: إِنْ عِنْدَكُمْ مِنْ سُلْطانٍ بِهذا (¬11) وبين «إن» ¬
ذكر الواو
المخففة من الثقيلة، لأنك لو لم تأت باللّام الفارقة وقلت: إن زيد ذاهب، وأردت المخففة من الثقيلة لم يكن بينها وبين قولك: إن زيد ذاهب وأنت تريد: ما زيد ذاهب فرق، فإذا قلت: إن زيد لذاهب تعينت أنها المخففة ولم يحتمل أن تكون التي بمعنى «ما». ذكر الواو وهي ضروب: فمنها: واو العطف، والاعتذار في إعادة ذكرها كما تقدّم في الّلام، وواو العطف ضروب، الواو التي للجمع كما تقدم في حروف العطف، والواو التي بمعنى مع ولا تنصب (¬1) نحو: مزجت عسلا وماء ويحسن موضعها الباء، والواو التي بمعنى مع وتنصب وقد تقدّم ذكرها (¬2). والواو الزائدة عند الكوفيين (¬3) وقد قوّى ذلك ابن مالك (¬4) نحو قوله تعالى: حَتَّى إِذا جاؤُها وَفُتِحَتْ أَبْوابُها (¬5) وكقول الشّاعر: (¬6) فلمّا رأى الرحمن أن ليس منهم … رشيد ولا ناه أخاه عن الغدر وصبّ عليهم تغلب ابنة وائل … فكانوا عليهم مثل راغبة البكر (¬7) قوله: وصبّ الواو زائدة، والواو المحذوفة كقوله صلّى الله عليه وسلّم (¬8) «تصدّق رجل من ¬
ديناره من درهمه من صاع تمره» (¬1) ومنه سماع أبي زيد من العرب: أكلت خبزا لحما تمرا (¬2) ومنه قول الشّاعر: (¬3) كيف أصبحت كيف أمسيت … مما يغرس الودّ في فؤاد الكريم فإنّ واو العطف مقدرة في ذلك كله. والواو التي بمعنى أو كقوله تعالى: فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ (¬4) أي مثنى أو ثلاث أو رباع (¬5). ومنها: واو الابتداء وهي المنقطعة عن العطف لأنّ ما بعدها مبدوء به مستقلّ بنفسه لا تعلّق له بما قبله نحو: وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (¬6) ويقال لها أيضا واو الاستئناف (¬7). ومنها: واو الحال كقولك: مررت بزيد وعمرو جالس وقد تقدّم ذكرها في الحال. ومنها: الواو التي بمعنى ربّ، وهي تجرّ بنفسها عند الأخفش (¬8) وقيل/ تجرّ بإضمار ربّ بعدها. ومنها واو القسم حسبما تقدّم ذكرها (¬9) ومنها الواو التي ينصب بعدها الفعل ¬
ذكر الفاء
المضارع بإضمار أن وقد تقدّم ذكرها (¬1) أيضا. ومنها: واو الإضراب كقول بعضهم مخاطبا لعمر بن الخطاب رضي الله عنه: لا وأصلح الله الأمير (¬2) (¬3). واعلم أنّ من هذه الواوات ثنتين ينجرّ ما بعدهما وهما: واو ربّ وواو القسم، وثنتين ينصب ما بعدهما وهما واو مع، وواو الجمع الناصبة للفعل بإضمار أن، وثنتين يرتفع ما بعدهما وهما: واو الحال وواو الابتداء. ذكر الفاء ولها مواضع: منها ما تقدّم في ربّ، وكونها زائدة. ومنها: أن يعطف بها، وتدلّ على الترتيب والتعقيب مع اشتراك ما بعدها مع ما قبلها (¬4) كقولك: ضربت زيدا فعمرا. ومنها: أن يكون ما قبلها علة لما بعدها وتجري على العطف والتعقيب دون الإشتراك كقولك: ضربه فبكى وضربه فأوجعه، إذا كان الضرب علة للبكاء والوجع (¬5). ومنها: أن تكون للابتداء ويقال لها فاء الجواب (¬6) لمجيئها في جواب الشّرط كقولك: إن تزرني فأنت محسن، وأما كونها للابتداء فلأنّ ما بعدها كلام مستأنف يعمل بعضه في بعض، لأنّ قولك أنت مبتدأ ومحسن خبره، وقد صارت الجملة ¬
ذكر حروف النفي
جوابا بالفاء وكذلك (¬1) حكمها إذا وقعت بعد الأمر، والنهي، والنفي، والاستفهام، والتمني، والعرض، إلّا أنّك تنصب ما بعد الفاء في هذه الأشياء الستة بإضمار أن حسبما تقدم (¬2). واعلم أنّ فاء الجواب إنما تأتي في غير الموجب أي في غير الخبر الثابت كالشرط والجزاء والأمور الستة المذكورة، ولا تأتي هذه الفاء في الموجب أصلا فإنك لو أدخلتها في الموجب وقلت: تأتيني فأعطيك لم يجز لفوات معنى: إن تأتني (¬3) أعطك، وإذا قلت: إن تأتني فأعطيك كان المعنى: إن تأتني أعطك فيصحّ، فلما كانت هذه الأشياء كلها غير موجبة وجاء الجواب عنها بالفاء على إضمار إن، حصل معنى الشرط والجزاء، وذلك أنّ هذه الأمور تناسب الشرط من قبل أنها غير موجبة كما أنّ الشرط غير موجب (¬4). ذكر حروف النفي (¬5) وهي ما، ولا، ولم، ولما، ولن، وإن: ف «ما» لنفي الحال ولنفي الماضي المقرّب من الحال أيضا في قولك: ما فعل، فكأنها نفي لقول القائل: قد فعل (¬6)، وتدخل على الأسماء والأفعال، كقولك: ما زيد قائما وقائم على اللّغتين، وما قام زيد. و «لا» لنفي المستقبل في قولك: لا تفعل وهي نفي لقولك: ستفعل (¬7)، وتدخل على النكرة، فتنفيها نفيا عاما مستغرقا للجنس (¬8) في قولك: لا رجل في الدار، وهو إخبار في خلو الدار عن الجنس كله قليله وكثيره، وتكون لنفي ليس بعام ¬
ولا مستغرق كقولك: لا رجل في الدار ولا امرأة ولا زيد في الدار ولا عمرو، فيجوز أن يكون في الدار رجلان فصاعدا أو امرأتان فصاعدا وتكون نهيا (¬1) في قولك: لا تقم، ولا يقم زيد بالجزم ولا يتصور النهي إلا في المستقبل/ والدعاء كالنهي نحو: لا قطع الله يده ولا رعاه ولا يغفر له بالجزم، وقد تنفي الماضي نحو: فَلا صَدَّقَ وَلا صَلَّى (¬2). ولم ولمّا لقلب معنى المضارع (¬3) إلى الماضي، ونفيه فيصير الفعل المستقبل منفيا فيما مضى إلّا أنّ بينهما فرقا، وهو أنّ لم يفعل، نفي فعل، ولمّا يفعل، نفي قد فعل (¬4) وأصل لمّا، لم زيدت عليها ما، فأفادت طول المعنى كما طالت الكلمة، فلذلك دلّت على نفي المتوقع، فإذا قلت: ندم ولم ينفعه الندم، أخبرت أن ندمه لم ينفعه لا غير، وإذا قلت: لمّا ينفعه الندم، أخبرت أنه إلى الآن على ذلك، وتكون لمّا ظرفا منصوبا انتصاب الظروف (¬5) كقولك: لمّا قام قمت، ولا بدّ فيها من فعلين، أحدهما جواب الآخر، فكأنك جعلت قيامك كالجزاء لقيامه لأنّك علّقت وقوعه بوقوعه، والعامل في لمّا هو الجواب، وتكون بمعنى إلّا أيضا (¬6). ولن لتأكيد ما تعطيه لا، من نفي المستقبل تقول: لا أبرح اليوم مكاني، فإذا أكدت قلت: لن أبرح (¬7) والصحيح أنّها حرف برأسها لا أنّها من لا أن (¬8). وإن المكسورة الخفيفة تكون نفيا وغير نفي (¬9)، فإذا كانت نفيا كانت بمنزلة ما في نفي الحال، ودخلت حينئذ على الجملتين الفعليّة والاسميّة كما دخلت ما عليهما ¬
ذكر حروف الاستثناء
كقولك: إن قام زيد، وإن زيد قائم، كما تقول: ما زيد قائم، قال الله تعالى: إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ (¬1) أي ما يتبعون إلّا الظنّ، وقال تعالى: إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ (¬2) أي ما الحكم إلّا لله، ولا يجوز إعمالها عمل ليس عند سيبويه (¬3) وأجازه المبرد (¬4). ذكر حروف الاستثناء (¬5) وهي: إلّا وحاشا وعدا وخلا في بعض اللغات (¬6) وحاشا حرف جر (¬7) وفيه معنى الاستثناء، وهي فعل عند المبرّد وغيره (¬8) وفيها لغات أخر، حاش وحشا وحشى، وعدا وخلا حرفا جرّ وفيهما أيضا معنى الاستثناء، والأكثر أن يكونا فعلين وينصب الاسم بعدهما على أنه مفعول والفاعل مضمر فإذا قلت: جاء القوم عدا أو خلا زيدا كان معناه عدا بعضهم زيدا وخلا بعضهم زيدا (¬9). ذكر حروف الاستقبال (¬10) وهي: سوف والسين وأن ولا ولن، فإنّ هذه الحروف إذا دخلت على الفعل الذي يحتمل الحال والاستقبال أخلصته للاستقبال، وإنّما لم تعمل السين وسوف، وقد اختصّتا بالفعل لأنهما جعلا مع الفعل كأحد أجزائه وأحد الأجزاء لا يعمل في سائرها، وبنيت سوف على الفتح، وفي سوف زيادة تنفيس على السين، ومنه سوّفته ¬
ذكر الهمزة
إذا قلت له مرّة بعد مرة: سوف أفعل (¬1). و «أن» تدخل على الماضي والمضارع فيكونان معها في تأويل المصدر وإذا دخلت على المضارع لا يكون إلّا مستقبلا كقولك: أريد أن تخرج، ومما يدلّ على أنها للاستقبال أنها لا بدّ منها في خبر عسى (¬2)، لأنّ عسى لمّا كانت فعلا على لفظ الماضي، غير متصرف، وهي للترجي والترجي مخصوص بالاستقبال فلذلك اشترط في/ خبرها «أن» لتخصّصها بالاستقبال الذي هو معنى الترجي، ولذلك لم يجعل المصدر مكان «أن» والفعل لأنّ المصدر مبهم لا يعلم وقته. ذكر الهمزة (¬3) وهي عند البصريين ضربان همزة وصل نحو: اخرج وهمزة قطع نحو: أكرم، والمراد بهمزة القطع الهمزة التي بنيت الكلمة عليها لمعنى، كالتعدية وغيرها، وهمزة الوصل هي التي ليس لها معنى غير الوصلة إلى النطق بالساكن، وعند الكوفيين الهمزات ستّ: همزة وصل، وهمزة قطع كما ذكر والثالثة: همزة أصل نحو همزة إي وأي، والرابعة: همزة الاستفهام نحو: أَأَنْتَ قُلْتَ (¬4) والخامسة: همزة المتكلم نحو: أقوم والسادسة: همزة ما لم يسمّ فاعله نحو: استخرج المال وانطلق بزيد. ¬
القسم الرابع في المشترك
القسم الرابع في المشترك وهو ما التقطناه من مشترك المفصل، ويشتمل على فصول: الفصل الأول في الإمالة (¬1) ويشترك فيها الاسم والفعل، وهي أن تنحو بالفتحة نحو الكسرة (¬2) ليتجانس الصوت كما أشربت الصّاد صوت الزاي في نحو: المصدر، لتحصل الموافقة بين الصاد والدال، لأنّ جري اللسان في طريق واحد أخفّ من جريه في طرق مختلفة وليست الإمالة أمرا لا يخرج عنه، فإنه قد يميل أحدهم ما ينصبه الآخر، وعلى هذا جاء القرآن العزيز، والإمالة هي لغة بني تميم ومن جاورهم (¬3) وهي ضدّ التفخيم الذي هو لغة أهل الحجاز (¬4)، واعلم أنّ الألف اللينة صوت لا معتمد له في الفم فلا يكون إلّا تابعا للحركة التي قبله فإذا أردت إمالة الألف نحو الياء قرّبت الفتحة التي قبله من الكسرة فحينئذ تميل الألف. وأسباب الإمالة سبعة: (¬5) ¬
أحدها: أن يقع بقرب الألف كسرة ككسرة عين عماد ولام عالم يستوي في ذلك التأخر والتقدّم، وإنّما تؤثّر الكسرة قبل الألف إذا تقدمته، إمّا بحرف ككسرة عين عماد، أو بحرفين أولهما ساكن ككسرة شين شملال، فإن تقدمت الكسرة الألف إما بحرفين متحركين نحو قولك: أكلت عنبا أو بثلاثة أحرف نحو: فتلت قنّبا لم تمنع الإمالة، وأمّا قولهم: يريد أن ينزعها ويضربها وهؤلاء عندها، وله درهمان بإمالة الألف لكسرة الزاي في ينزعها وراء يضربها وعين عندها، ودال درهمان، فشاذ، والذي سوغه أنّ الهاء خفية فهي كالمعدومة فلم تعدّ حاجزا (¬1). واعلم أنّ الألف تمال مع الفتحة في نحو: يريد أن يضربها، ولا تمال مع الضمة في قولك: هو يضربها، لأنّ الضمة من الواو، والواو الساكنة لا إمالة معها، والفتحة أقرب إلى الكسرة من الواو، فلذلك أميلت مع الفتحة ولم تمل مع الضمة. ثانيها: أن تقع بقرب الألف ياء وتقدمت الياء نحو: سيال وشيبان (¬2) وأميلت فيهما الألف من أجل الياء، لأنّ الألف تطلب فتح الفم والياء تطلب خلاف ذلك، فأميلت الألف ليجري اللسان على/ طريقة واحدة والسيال: ضرب من الشجر (¬3). ثالثها: أن تكون الألف منقلبة عن واو مكسورة نحو ألف: خاف فإنّها ممالة واختلف في سبب (¬4) إمالتها، والأولى أن يقال: إنّها للكسرة التي كانت في عين الفعل إذا أصل خاف خوف (¬5). رابعها: أن تكون الألف منقلبة عن ياء نحو: ألف هاب لأنّه من الهيبة وألف ناب لأن جمعه أنياب، فالإمالة هنا لتدلّ على أنّ أصل الألف الياء وليست للمشاكلة كما تقدّم إذ لا ياء ها هنا في اللفظ ولا كسرة (¬6). ¬
خامسها: أن تكون الألف صائرة ياء في موضع نحو ألف دعا فإنّها تصير ياء في: دعي ونحو ألف: مغزى من الغزو فإنّها تصير ياء في التثنية، لأنّ ما كان على أكثر من ثلاثة أحرف، رجع إلى الياء وإن كان من الواو، ونحو ألف حبلى وأخرى وموسى، فإنّها وإن لم يكن لها أصل في الياء لكنّها تصير ياء في التثنية والجمع كقولك حبليان وحبليات فأشبهت الألف التي لها أصل فأميلت (¬1). سادسها: الإمالة لأجل الإمالة وهو سبب ليس بقويّ (¬2) نحو: رأيت عمادا في الوقف بإمالة الألف المبدلة من التنوين، لأجل إمالة الألف التي قبل الدال الممالة لأجل كسرة العين. سابعها: الإمالة للتشاكل كإمالة ضُحاها (¬3) لتشاكل جَلَّاها (¬4) وهو ليس بكثير الوقوع وإن كان قويا، وقد أجروا في الإمالة الألف المنفصلة مجرى المتصلة (¬5) والكسرة العارضة مجرى الأصليّة، والمراد بالمنفصلة الألف المبدلة من التنوين، وبالمتصلة ألف التأنيث، والألف في نحو: عيلان (¬6) فقالوا: رأيت زيدا كما قالوا: رأيت حبلى، ومررت بغيلان بالإمالة، لأنّ كلّ واحد من الألفين المذكورتين زيادة زيدت على الكلمة لمعنى، وليست منقلبة عن واو ولا ياء، والمراد بالكسرة العارضة كسرة نحو اللام في قولك: أخذت من ماله، فهي عارضة لأنّها حركة إعراب تتغيّر ولا تلزم فأشبهت الأصلية في نحو: عالم وكافر. واعلم أنّ الألف إذا وقعت آخر الكلمة (¬7) فإن كانت في فعل أميلت نحو: غزا وإن كانت في اسم ولم يعرف انقلابها عن الياء لم تمل ثالثة وتمال رابعة فلا يمال ألف قفا وعصا ونحوهما لأنّ الأسماء لم تنتقل من حال إلى أخرى، ولم تتصرف بخلاف ¬
الأفعال، فإن ألفها من الواو ترجع إلى الياء في بعض الأحوال مثل اغزي وغزي، فرجعت إلى الياء. والألف المتوسطة أعني التي هي عين الفعل إن كانت منقلبة عن ياء أميلت سواء كانت في اسم كناب أو في فعل ك «باع»، وإن كانت منقلبة عن واو فلا تمال إلّا إذا كانت في فعل وكان يقال فيه فعل بكسر العين نحو: خاف، وقد خرج مما قلناه ما كان من الأسماء من ذوات الواو نحو: باب، وخرج أيضا من الأفعال ما كان من ذوات الواو مما لا يقال فيه فعلت نحو: قال. ويمنع الإمالة سبعة أحرف (¬1) إذا وليت الألف سواء كانت قبل الألف أو بعدها وهي: الصاد كصاعد وعاصم/ والضاد كضامن وعاضد والطاء كطائف وعاطس والظاء كظالم وعاظل (¬2) والغين كغائب وواغل والخاء كخامد وناخل والقاف كقاعد وناقف، وهذه الحروف السبعة تسمّى المستعلية لأنّ اللسان يطلب العلوّ في النطق بها إلى الحنك الأعلى، ولما كانت كذلك، وكانت الألف أيضا تستعلي، والإمالة انخفاض فيتنافيان، فكره الجمع بين هذين الأمرين من الاستعلاء والانخفاض فامتنعت الإمالة ليكون العمل في وجه واحد، لأنّه أخفّ فلم تمل (¬3) واستثني باب رمى وباع، فإن الحرف المستعلى لا يمنع الإمالة في هذين البابين وكذلك طاب وخاف، فإنه يمال مع وجود حروف الاستعلاء لأنّ سبب الإمالة قوي، لأنّ الالف نفسها ياء أو عليها كسرة بخلاف ما لا يمال، فإنّ السبب إما قبل الألف أو بعدها، وكما منعت هذه الحروف الإمالة إذا وليت الألف قبلها وبعدها فكذلك تمنع الإمالة إذا وقعت بعد الألف بحرف أو حرفين على الأكثر كناشص (¬4) ومقاريض (¬5) وعارض ومعاريض (¬6) وناشط ومناشيط (¬7) ¬
باهظ ومواعيظ (¬1) وبالغ ومباليغ (¬2) ونافخ ومنافيخ (¬3) ونافق ومغاليق (¬4) وأمّا إذا كانت هذه الحروف قبل الألف بحرف، وهي مكسورة أو ساكنة بعد مكسور أو كانت قبل [الألف] (¬5) بحرفين أو أكثر لم يمنع عند الأكثر نحو: صعاب ومصباح وضعاف ومضحاك وطلاب ومطعام وظماء وإظلام وغلاب ومفتاح وخباث وإخباث وقفاف ومقلات (¬6)، وإنّما منعت متأخرّة لثقل الاستعلاء بعد الاستفال ولم تمنع متقدمة (¬7) لأنّ الاستعلاء قبل الاستفال أخفّ من الاستعلاء بعد الاستفال، وأمّا من سوّى بينهما وهو الذي ليس بالأكثر فلا إشكال عليه (¬8). وإذا كانت الراء مفتوحة أو مضمومة وجاورت الألف قبلها أو بعدها منعت الإمالة منع المستعلية (¬9) كهذا راشد وحمارك ورأيت حمارك لأنّ الراء لما فيها من شبه المضاعفة تكون فتحتها كفتحتين وضمّتها كضمّتين فلا يقوى سبب الإمالة عليها، فأمّا إن كانت الراء مكسورة كانت كسرتها ككسرتين فيقوى سبب الإمالة نحو: وَانْظُرْ إِلى حِمارِكَ (¬10) ومررت بطارد فتميلها، والراء المكسورة بعد الألف إذا وليت الألف تغلب الراء غير المكسورة كما غلبت الراء المكسورة المستعلية كقولك: من قرارك بالإمالة فإن تباعدت الراء المكسورة لم تؤثر أي لم توجب الإمالة عند أكثرهم ¬
الفصل الثاني في الوقف
فأمالوا: هذا كافر ولم يميلوا مررت بقادر، لأنّ الراء لمّا تباعدت لم تغلب حرف الاستعلاء لكنّ بعضهم خالف ففخم نحو: كافر وأمال نحو: بقادر (¬1)، وشذ إمالة الحجاج والناس، لأنهما في حالة الرفع والنصب ليس فيهما كسرة ولا ياء ولا شيء من أسباب الإمالة (¬2) وقد أميلت الفتحة قبل الرّاء المكسورة من أجلها لتشبه الفتحة الكسرة نحو/ من الضّرر ومن الكبر والمحاذر (¬3) بإمالة الذال دون الألف لأنّ كسرة الراء لم تقو على إمالة الألف مع الذال، لأنّ الألف قبلها فتحة، والحرف الذي بعدها وهو الذال مفتوح أيضا (¬4) والحروف لا تمال نحو: حتّى وعلى وأمّا، وإلّا (¬5)، إلّا إذا سمّي بها، وقد أميلت «بلى» لشبهها بالاسم لكونها على ثلاثة أحرف، وأميلت «لا» في «إمّا لا» لإغنائها عن الجمل لأنّها قد تقع جوابا ويكتفى بها وكذلك «يا» في النداء أميلت لأنّها نائبة عن الفعل، والأسماء المبنيّة (¬6) يمال منها ما يستقلّ بنفسه، نحو: ذا ومتى، وأنّى، ولا يمال ما ليس بمستقلّ نحو «ما» الاستفهامية أو الموصوفة أو الشرطية ونحو: إذا، وأمّا «عسى» فإمالتها جيّدة (¬7). الفصل الثاني في الوقف (¬8) وهو قطع الكلمة عمّا بعدها لفظا أو تقديرا، ويشترك فيه الاسم والفعل والحرف، وفي الوقف على ما هو متحرك في الوصل لغات: منها: الإسكان الصريح في كلّ حال كقولك: هذا بكر ورأيت بكر ومررت ببكر ¬
لأنه لمّا وجب الابتداء بالمتحرك اختير الوقف بالسكون ليخالف الانتهاء الابتداء، وإن اجتمع ساكنان فإنه يجوز في الوقف الجمع بين ساكنين لأنّ الوقف يوفّر على الحرف الموقوف عليه الصوت فيجري ذلك له مجرى تحريكه كما جرى المدّ مجرى الحركة، وليس كذلك الوصل ألا ترى أنّك إذا قلت: بكر في حال الوقف وجدت في الراء من التكرير وزيادة الصوت ما لا تجده في حال الوصل (¬1). ومنها: الإشمام وهو ضمّ الشفتين بعد الإسكان على صورتهما إذا لفظت بالضمّة، فذلك (¬2) هو الدلالة على الأشمام، والغرض الفرق بين ما هو متحرك في الوصل - وإنّما سكّن في الوقف - وبين ما هو ساكن في كلّ حال، ويختصّ الإشمام بالمرفوع والمضموم (¬3) لأنّه هو الذي يمكن فيه أن يجعل العضو على صورة الضمّة، دون المنصوب والمجرور. ومنها: الرّوم وهو أن تروم التحريك (¬4) والغرض به هو الغرض بالإشمام إلّا أنه أتمّ في البيان، والقرّاء لا يرومون حركة المنصوب لخفّة النطق بها، ولا المنصوب المنوّن للوقوف عليه بالألف ولكن يرومون ما سواهما (¬5) وإذا رمت الحركة فهي موجودة فلم تحتج (¬6) إلى دليل عليها. ومنها: التضعيف، وهو تشديد الحرف الذي تقف عليه نحو: يا فرجّ بتشديد الجيم والغرض به الإعلام بأنّ هذا الحرف متحرك في الوصل، ويختصّ التضعيف بكلّ كلمة آخرها حرف صحيح قبله متحرك، فإن كان قبله ساكن لم يصحّ التضعيف، لاستلزامه الجمع بين ثلاثة سواكن، وكذا إن كان آخره همزة لم يضعّف وكذا حرف العلّة لا يضعّف لثقلهما (¬7) وكذا المنصوب المنوّن لا يضعّف للوقوف عليه بالألف، ¬
فأمّا ما لا ينون فيضعّف نحو: رأيت أحمدّ، فحينئذ قد اشترك في التضعيف المرفوع والمجرور والمنصوب غير المنون/ وقد جعلوا لهذه الأربعة علامات فعلامة الإسكان الخاء، والإشمام نقطة، والروم خطّ بين يدي الحرف، والتضعيف الشين (¬1). ومنها: أن تقف على المنصوب المنوّن حال النصب بالألف وفي الرفع والجرّ بالإسكان. ومنها: الوقف على المرفوع بالواو، والمنصوب بالألف، والمجرور بياء سواء فيه المنون وغيره تقول: رأيت أحمدا ومررت بأحمدي وجاءني أحمدو (¬2). ومنها: تحويل ضمّة الحرف الموقوف عليه وكسرته على السّاكن قبله دون الفتحة في غير الهمزة كما سيأتي حكمها، فتقول: هذا بكر ومررت ببكر ورأيت بكرا، فتبدل من التنوين في حال النصب ألفا، ويشترط لهذه اللغة أن يكون ما قبل الآخر ساكنا صحيحا كسكون كاف بكر، وأن لا تخرج الكلمة بالتحويل إلى ما لا نظير له فلا يقال: هذا عدل لعدم فعل بكسر فاء الفعل، وضمّ عينه ولا مررت بقفل لعدم فعل أعني ضمّ الفاء وكسر العين، وأجازه الأخفش متمسكا بدئل اسم قبيلة (¬3)، ويشترط أيضا أن لا يكون مثل: ثوب وزيد، فلا يقال: ثوب وزيد لثقل الضمّ والكسر على الواو والياء، ويشترط أيضا أن تكون الحركة حركة إعراب غالبا فلا يقال: من قبل ومن بعد، لأنّ الحرص إنّما هو على معرفة حركة الإعراب لا على حركة البناء، ويجري ذلك في المعرّف باللّام أيضا فتقول: هذا البكر ومررت بالبكر، قال الشّاعر: (¬4) قد نصر الله وسعد في القصر ¬
وقال: (¬1) أنا جرير كنيتي أبو عمر … أضرب بالسيف وسعد في القصر أراد أبو عمرو: فحوّل كسرة الراء إلى الميم، وكذلك حوّل كسرة راء القصر إلى الصاد، وأما في حال النّصب فلا تحوّل، لأنّ أصله أن يظهر إعرابه في الوقف إذا كان منونا، ولكن لمّا زال التنوين للّام كان التنوين كأنّه موجود فيه فتقول على هذه اللغة: رأيت البكر بفتح الراء كأنك قلت: رأيت بكرا وقد حوّلت الحركة في نحو: لم أضربه وهند ضربته (¬2) وكان ينبغي أن لا تحوّل لأنّ حركة الهاء فيها ليست بحركة إعراب، ولكن لما سكنت الهاء خفيت وزادها خفاء الساكن قبلها، فلذلك حولت حركتها إلى ما قبلها قال زياد الأعجم: (¬3) عجبت والدّهر كثير عجبه … من عنزيّ سبّني لم أضربه كان لم أضربه (¬4) فسكّن الهاء وحوّل حركتها إلى الساكن الذي قبلها وهو الباء صار: لم أضربه. فأمّا ما آخره همزة (¬5) إذا وقفت عليها في هذه اللغة فتحوّل حركاتها الثلاث الضمّة والكسرة والفتحة أيضا إلى ما قبلها وذلك لخفاء الهمزة والحرص على بيانها فتقول في الخبء بالهمز وسكون الباء: هذا الخبؤ ورأيت الخبأ ومررت بالخبئ بتسكين الهمزة وتحريك الباء بالضّمّ/ والفتح والكسر، وكذلك تقول في البطء بسكون الطاء: هذا البطؤ ورأيت البطأ ومررت بالبطئ فتسكن الهمزة وتحرك الطاء ¬
ذكر الوقف على المعتل
بالضمّ والفتح والكسر، وكذلك تقول: هذا الرّدؤ ورأيت الرّدأ ومررت بالرّدئ، وجوّزوا الرّدؤ وشبهه على وزن فعل بكسر الفاء وضمّ العين، وإن لم يكن في الكلام فعل، كلّ ذلك لما قلنا من الحرص على بيان الهمزة لخفائها، ومنهم من يقول: هذا الرّدئ فيكسرون الدّال اتباعا للكسرة التي قبلها (¬1) ويقول: من البطؤ فيضمون الطاء إتباعا للضمّة التي قبلها كراهة الانتقال من ضمّ إلى كسر وبالعكس. ومن لغات الوقف على المهموز (¬2) أن يبدلوا من الهمزة حرف لين سواء تحرك ما قبلها نحو: الكلأ أو سكن نحو: الخبء وسواء كان فاء الكلمة مفتوحا، أو مضموما، أو مكسورا، فيقولون: هذا الكلو والخبو والبطو والرّدو - ورأيت الكلا والخبا والبطا والرّدا، ومررت بالكلي والخبي والبطي والرّدي، ومنهم من يقول: هذا الرّدي بالياء في الأحوال الثلاث وهذا البطو بالواو في الأحوال الثلاث على إتباع حركة ما قبل الهمزة حركة فاء الفعل، وأهل الحجاز يقولون في الكلأ وأكمؤ وأهنئ مهموزة: الكلا بالألف وأكمو بالواو وأهني بالياء في الأحوال الثلاث (¬3)، لأنّ الهمزة سكّنت للوقف فقلبت على حسب ما قبلها، فقلبت في كلأ ألفا كما قلبت في رأس ألفا، وفي أكمؤ واوا كما قلبت في جؤنه، وفي أهني ياء كما قلبت في ذئب (¬4) وأكمؤ جمع قلّة لكمء (¬5) أحد الكمأة التي تؤكل وجمع الكثرة كمأة، وقد جاء الكمء للمفرد بغير هاء، والكمأة بالهاء للجمع على خلاف القياس والهنيء العطاء يقال: هنأته أهنؤه هناء أي أعطيته (¬6). ذكر الوقف على المعتلّ (¬7) وإذا اعتلّ الآخر وما قبله ساكن كظبي ودلو فيجري في الوقف مجرى الصحيح فتقول: هذا ظبي ومررت بظبي ورأيت ظبيا، وإن كان ما قبل حرف العلّة متحركا وهو ¬
ياء قبلها كسرة كقاضي وقد حذفت للتنوين في الوصل نحو: قاض وجوار في الرفع والجرّ، فالأكثر أن يوقف على ما قبله كما تصل (¬1) فلا تردّ الياء في الوقف لأنّها غير موجودة حكما لأنّ الياء إنّما حذفت له لا للوقف، وسيبويه يختار هذا المذهب (¬2). ومنهم من يردّ الياء في الوقف لأنّ الموجب لحذفها في الوصل هو التنوين وقد زال للوقف، فتقول: هذا قاضي وجواري، ومررت بقاضي وجواري ويونس يختار هذا المذهب (¬3) وهو كقوله تعالى: ولكل قوم هاد (¬4) وما عند الله باقي (¬5) بإثبات الياء (¬6) فإن كانت هذه الياء ثابتة في الوصل نحو: جاء القاضي، ويا قاضي، في النداء، ورأيت جواري، فالوقف عليه بالياء عند الأكثر (¬7) لأنّه لا تنوين ها هنا تحذف/ له الياء، لسقوطه في القاضي للألف واللام، وفي يا قاضي، للنداء، وفي رأيت جواري لعدم الصّرف. وذهب قوم إلى حذفها (¬8) فقالوا: هذا القاض ومررت بالقاض ويا قاض وهذا عكس ما حذفت فيه الياء للتنوين وصلا نحو: قاض فإنّ الوقف عليه بغير ردّ الياء هو الأكثر وبردّها هو الأقل والذي فيه الياء ثابتة في الوصل نحو: القاضي ويا قاضي ورأيت جواري، الوقوف عليه بالياء هو الأكثر والوقوف عليه بحذف الياء هو الأقلّ. ويوقف على اسم الفاعل (¬9) من أرى يري بتخفيف الهمزة بالياء، وإن كان قد أذهبها التنوين في الوصل فتقول: هذا مري ويا مري لئلّا يجمعوا عليه ذهاب الهمزة ¬
والياء (¬1). وإن كان حرف العلّة ألفا (¬2) فالأكثر أن تقف عليه بالألف فتقول: هذه عصا ومررت بعصا ورأيت عصا، وكذلك حبلى تقف عليها بالألف في الأحوال الثلاث وبعضهم يقول: هذه حبلي بالياء (¬3) وبعضهم يقول: حبلو بالواو (¬4) وبعضهم يقول: حبلأ بقلب الألف همزة في الوقف لمناسبة الهمزة الألف لأنّه من مخرجها (¬5) ومذهب سيبويه أن ألف عصا الموقوف عليها في حالة النصب هي المبدلة من التنوين إجراء للمقصور مجرى الصحيح (¬6) وأمّا في الرفع والجرّ فهي الألف الأصليّة التي هي لام الكلمة المنقلبة عن الواو في عصا وعن الياء في رحى، وذهب المبرّد إلى أنها أصليّة في الأحوال الثلاث (¬7) أي المنقلبة، وذهب المازني إلى أنها ألف التنوين في الأحوال الثلاث (¬8) والوقوف على الفعل الصحيح كالوقوف على الاسم حسبما تقدم. وأمّا المعتل فيوقف على المرفوع والمنصوب من الفعل الذي اعتلّت لامه بإثبات أواخره (¬9) نحو: هو يغزو ولن يخشى، وأما الوقوف على المجزوم ففيه وجهان: الأوّل: وهو الأجود، أن تقف عليه بهاء السكت نحو: لم يغزه ولم يرمه ولم يخشه، وكذلك المبني نحو: أغزه وارمه واخشه بحذف لام الفعل للجزم وإلحاق هاء السكت، ليقع الوقف عليها بالسكون وتسلم الحركات التي قبلها لتدلّ على المحذوف. والثاني: أن تقف بلا هاء بحذف اللّام وإسكان ما قبلها فتقول: لم يغز ولم يرم ¬
ولم يخش واغز وارم واخش هذا إذا كان الباقي بعد الحذف حرفين فصاعدا، فأما إذا أفضى الحذف إلى أن يبقى على حرف واحد، لم يكن بدّ من الهاء نحو قولك في الأمر من وقى يقي: قه ومن رأى: ره ومن وعى يعي: عه واغتفر أمر الإلباس بهاء الضمير، لأنّه لا يوقف عليه إلّا كذلك ضرورة عند الابتداء به (¬1) ويجوز في الوقف على القوافي ثلاثة أوجه: أحدها: (¬2) أن تصل المضموم بالواو والمكسور بالياء والمفتوح بالألف للترنّم بالشعر نحو: (¬3) ... … ... الخيامو ... ومنزلي (¬4) … ... ... والعتابا (¬5) … ... ثانيها: إبدال (¬6) حروف المدّ نونا ساكنة بعد حرف الروي نحو: (¬7) ¬
عتابن … ... للترنم بالشعر أيضا. ثالثها: وهو يشمل القوافي/ وفواصل الآيات، أن تقف عليها كما تقف على غيرها من الكلام، وتحذف الواو والياء إن كانتا أصليتين (¬1) وإن كان الحرف الأصلي لا يحذف في الكلام فإنه إذا جاء في القوافي بعد حرف الروي، أو في الآيات بعد الفواصل حرف أصلي من واو أو ياء جاز حذفه واستوى الأصلي والزائد، لأنّ حرف المدّ وإن كان أصليا فإنه إذا جاء بعد الروي أو الفاصلة وقع موقع الزائد وهو من جنسه فيحذف، وأنشد سيبويه: (¬2) لا يبعد الله إخوانا تركتهم … لم أدر بعد غداة الأمس ما صنع بتسكين العين، أراد ما صنعوا، واعلم أنّ الوزن ينكسر بمثل هذا الوقف وإنّما جاز ذلك لأنّه قد أتى من الكلام بما يدلّ على المعنى وليس من شرط دلالة الكلام على المعنى أن يكون موزونا، وأمّا الوقف على فواصل الآيات على هذا الوجه الثالث فنحو قوله تعالى: وَاللَّيْلِ إِذا يَسْرِ (¬3) ليوافق وَالْفَجْرِ وَلَيالٍ عَشْرٍ وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ (¬4) فالفاصلة الراء، والياء في يسري واقعة موقع الزائد، كالواقعة بعد حرف الروي وقوله: الْكَبِيرُ الْمُتَعالِ (¬5) لأنّ الفاصلة اللّام، فحذفت الياء الواقعة بعدها وهي من أصل الكلمة وكذلك يَوْمَ التَّنادِ (¬6) الفاصلة الدّال وكذلك وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ (¬7) ومثله كثير في الكتاب العزيز (¬8) وتقلب تاء التأنيث في الاسم ¬
المفرد هاء (¬1) في الوقف رفعا ونصبا وجرا تقول: جاءني طلحه وقائمه ورأيت طلحه وقائمه ومررت بطلحة وقائمه، بخلاف الوصل، فإنها تبقى تاء على حالها كقوله: (¬2) .... … ... طلحة الطّلحات ومنهم من يقف عليها بالتاء (¬3) إجراء للوقف مجرى الوصل فيقول: هذا طلحت وعليك السّلام والرحمت، قال الشّاعر: (¬4) والله أنجاك بكفّي مسلمت … من بعد ما وبعد ما وبعد مت صارت نفوس القوم عند الغلصمت … وكادت الحرّة أن تدعى أمت أي بعد ما، فأبدل من الألف هاء ثم أبدل من الهاء تاء، ومثل ذلك في الموقوف عليه بالهاء والتاء هيهات (¬5) فمن فتح آخرها كتبها بالهاء، ووقف عليها بالهاء، فيقول هيهاه، لأنّها واحدة كأرطاة ومن كسر آخرها كتبها بالتاء فتقول: هيهات لأنها جمع هيهاة (¬6) عندهم، فيقف عليها بالتاء كما يقف على جمع المؤنّث نحو: مسلمات (¬7) ويجوز أن يجري الوصل مجرى الوقف وقد قيل: إنّه يختصّ بالضرورة، وقيل: لا يختصّ بها لوقوعها في كلام الله تعالى نحو: مالِيَهْ وسُلْطانِيَهْ (¬8) ومنه مِنْ ¬
ذكر الوقف على الكلم غير المتمكنة
سَبَإٍ (¬1) بإسكان الهمزة في الوصل، إجراء للوصل مجرى الوقف (¬2) وكذلك قول الشاعر: (¬3) لقد خشيت أن أرى جدبّا … في عامنا ذا بعد ما ما أخصبّا فإنّ التشديد إنّما يكون/ في الوقف نحو ما تقدّم في الوقف بالتضعيف من يا فرج واحمرّ فشدّد الشاعر أخصبّا في الوصل تشبيها بالوقف فإنه يقال في الوقف أخصبّ بغير ألف الوصل، فجمع في أخصبّا بين الحركة والتشديد، وشرط أحدهما انتفاء الآخر، فأجري المشدّد في الوقف مجرى غير المشدّد في الوصل (¬4)، وحكى سيبويه أنهم يقولون في العدد: ثلاثة اربعة إجراء للوصل مجرى الوقف (¬5). ذكر الوقف على الكلم غير المتمكّنة (¬6) تقول في الوقف عليها: أنا، وأنه، إمّا بالألف أو بهاء السّكت (¬7) لأنّك لو سكّنت النون وقلت: أن بمعنى أنا أشبه أن التي هي حرف، فجيء بالألف أو بهاء السكت للفرق بينهما (¬8) وتقول: هو وهي بإسكان الواو والياء، وهوه وهيه بتحريكهما وإلحاق هاء السكت، أمّا سكونهما فلأنّ حكم ما يوقف عليه السكون، ¬
وأمّا إلحاق هاء السكت فلأنّ الواو والياء في هو وهي متحركتان في الوصل فجيء بالهاء في الوقف لبيان حركتهما (¬1) وتقول: ها هنا وها هناه، وهؤلاء وهؤلاه، إذا قصرا أعني إذا قصر هؤلاء وهؤلاه، والهاء لبيان الألف لأنها خفية، ولا يجوز أن تأتي بهذه الهاء في الأسماء المتمكنة التي آخرها ألف فلا تقول: أفعاه كما قلت: هؤلاه، لئلا تلتبس بالإضافة وتقول: أكرمتك وأكرمتكه بإلحاق هاء السكت لبيان الحركة (¬2) وتقول: غلامي بالإسكان وغلاميه بإلحاق الهاء، أمّا السكون فعلى الأصل، وأما إلحاق الهاء فلبيان حركة ياء المتكلّم في الوصل، لأنّ ياء المتكلّم مفتوحة على المختار (¬3) وتقول: ضربني بإثبات الياء ساكنة، وضربنيه بإلحاق الهاء وضربن بالحذف وسكون النون، أما ثبوت الياء ساكنة فعلى الأصل في الوقف، وأما إلحاق الهاء فلبيان حركة ياء المتكلّم، وأما الحذف وسكون النون، فلأنّ الوقف من شأنه حذف الحركة وقرأ أبو عمرو (¬4) أكرمن وأهانن (¬5) قال الأعشى: (¬6) ومن شانئ كاسف وجهه … إذا ما انتسبت له أنكرن وتقول: ضربكم وضربهم وعليهم وبهم بإسكان الميم في الوقف، لأنّ من شأن الوقف أن يحذف الحركة وما يجري مجراها من حروف المدّ واللين، لما بينهما من المجانسة والمناسبة فيحذف حرف المدّ الذي هو الواو في ضربهمو وما أشبهه في الوقف، لأنه كالحركة ومنه قولك: أخذت منه وضربه بإسكان الهاء في الوقف، ومثل هذا لا يكون في الوصل إلا موصولا أي متحرك الهاء، وتقول في الوصل: هذي أمة الله فإذا وقفت قلت: هذه، لأنّ الوقف لمّا كان مسلّطا على حذف الحركة وما جانسها من الياء والواو حذفت له الياء من هذي فبقي الاسم على حرف واحد فوجب إلحاق الهاء للعوض فقالوا: هذه، وأمّا قولهم: هذ هي، فهو لأنّهم أجروا ¬
هذه الهاء مجرى الهاء التي لإضمار/ المذكّر في نحو: به فإذا وقفت على هذ هي، حذفت الياء فقلت هذه، ليس إلّا، كما تفعل في به (¬1)، وتقول: حتّام، وحتّامه وفيم وفيمه، بغير هاء وبإلحاق الهاء، لأنّ ما الاستفهامية المتصلة بحروف الجرّ المذكورة لك فيها أن تحذف ألفها في الوقف كما تحذفه في الوصل من غير تعويض كقولك: حتّام كما تقول في الوصل: حتّام أنت واقف، ولك أن تعوّض من ألفها هاء السكت كما قلنا في حتامه وفيمه لأنّه قد بقي اسم الاستفهام على حرف واحد، وتقول في الوصل: مجيء م جئت، ومثل م أنت، فإذا وقفت عوّضت وقلت: مجيء مه ومثل مه، بإلحاق هاء السكت ليس إلّا، لأنّ اتصال ما الاستفهامية بمجيء وبمثل، ليس كاتصاله بحرف الجرّ، لأنّ مجيء ومثل يصحّ الوقوف عليهما منفصلين عن ما، فتبقى «ما» على حرف واحد فيجب إلحاق الهاء بخلاف حرف الجرّ، فإنه لا ينفصل من ما لشدّة اتصال حرف الجرّ، فلذلك وجبت الهاء في ما مع مجيء ومثل، ولم تجب في حتّام وبابها (¬2)، وتقول في الوقف على نون التأكيد الخفيفة في اضربن: اضربا، فتبدلها ألفا حسبما تقدم في نون التأكيد، قال الأعشى: (¬3) ... … ولا تعبد الشّيطان والله فاعبدا وتقول في يا قوم هل تضربن: هل تضربون بإعادة واو الجمع، لأنّ نون التأكيد، حذفت للوقف كما تحذف للتنوين لشبهها به، فعادت واو الجمع ونون الإعراب، لأنّهما إنما حذفا من أجل نون التأكيد وقد زالت للوقف (¬4). وهو أيضا مما تقدّم مع نون التأكيد، واعلم أنّ الزمخشريّ ذكر في المشترك القسم بعد الوقف ونحن ¬
الفصل الثالث في تخفيف الهمزة
قدّمناه في قسم الحروف فلذلك لم نذكره هنا. الفصل الثالث في تخفيف الهمزة (¬1) وهو أن تردّ الهمزة إلى وجه من التخفيف، ويشترك فيه الأضرب الثلاثة الاسم والفعل والحرف، وإنّما خفّفت الهمزة، لأنّها أبعد الحروف مخرجا فاستثقل إخراجها من أقصى الحلق إذ هو مثل السّعلة أو التهوع (¬2). وفي تخفيفها ثلاثة أوجه (¬3): الإبدال والحذف وأن تجعل بين بين، أي بين مخرجها وبين مخرج الحرف (¬4) الذي منه حركتها وهذا هو بين بين المشهور، وأما غير المشهور فهو بين بين الشاذ، وهو أن تجعل الهمزة بين الهمزة وبين الحرف الذي منه حركة ما قبلها في بعض المحال، ولا تخلو الهمزة من أن تكون ساكنة أو متحركة: أما الهمزة الساكنة فتبدل بحرف يجانس حركة ما قبلها فإن كانت حركته فتحة، أبدلت ألفا نحو: رأس وراس وإن كانت كسرة أبدلت ياء نحو: بئر وبير، وإن كانت ضمّة أبدلت واوا نحو: لؤم ولوم، وكذلك حكم الهمزة إذا كانت في كلمة والحركة التي قبلها من كلمة أخرى نحو قوله تعالى: إِلَى الْهُدَى ائْتِنا (¬5) اجتمع في «ائتنا» همزتان، الأولى همزة وصل مكسورة جيء بها وصلة إلى النطق بالساكن، والثانية فاء الفعل ساكنة فلمّا اتصلت/ بالهدى سقطت همزة الوصل فاجتمع ساكنان ألف الهدى وهمزة ائتنا الساكنة فحذفت الألف فبقيت الهمزة ساكنة وقبلها مفتوح أعني دال الهدى فبقي إلى «الهدأتنا» فإذا خفّفت انقلبت ألفا لسكونها وانفتاح ما قبلها كما قلبت في رأس فتبقى إلى «الهداتنا» بألف محضة، وقس (¬6) على ما ذكرناه ما يأتي من ذلك نحو ¬
ذكر الهمزة المتحركة التي قبلها ساكن
الَّذِي اؤْتُمِنَ (¬1) فتسقط همزة الوصل للاتصال بالذي، فيلتقي ساكنان ياء الذي وهمزة ائتمن الساكنة فتحذف ياء الذي فتبقى «الذئتمن» فتحصل الهمزة ساكنة وقبلها كسرة فتقلب ياء كما قلبت في ذئب فتبقى «الذيتمن» (¬2) وأمّا الهمزة المتحركة فإن لم يتقدّمها شيء، نحو قولك ابتداء: أب أمّ إبل فلا يمكن تخفيفها بل تبقى همزة خالصة، وإن تقدّمها شيء فلا يخلو ما قبلها من أن يكون ساكنا أو متحركا فذلك قسمان: ذكر الهمزة المتحركة التي قبلها ساكن (¬3) وهي إن كان السّاكن الذي قبلها ياء أو واوا زائدتين مدّتين أو ما يشبه المدّة نحو ياء التصغير قلبت الهمزة إلى مثل تلك المدّة جوازا وأدغمت فيها تلك المدّة فتقول في خطيئة ومقروءة بالهمز: خطيّة ومقروّة بقلب الهمزة ياء وواوا والإدغام فيها، وكثر ذلك في نبيّ وبريّة لكثرة استعمالهما (¬4) والمراد بالمدّة ياء ساكنة مكسور ما قبلها أو واو ساكنة مضموم ما قبلها ومعنى كونهما زائدتين مدّتين أن تكونا قد زيدتا للمدّ، لأنّهما إذا زيدتا لا لمعنى، فإنما جاءتا (¬5) للمدّ لا غير، وذلك مثل ياء خطيئة فإنها ياء مكسور ما قبلها زائدة لا للإلحاق ولا لغيره فهي للمدّ ليس إلّا، وكذا الكلام في واو مقروّة، وأما مشابهة ياء التصغير للمدّة فهو إنما تشبهها في أنّها لا تكون إلّا ساكنة فلذلك إذا اجتمعت مع الهمزة المتحركة تقلب الهمزة ياء، وتدغم فيها ياء التصغير وذلك نحو: أفيّس جمع فأس والأصل أفؤس، فصغّر لأنّه جمع قلّة فصار أفيئس على ¬
وزن أفيعل، فقلبت الهمزة ياء وأدغم فيها ياء التصغير مثل خطيّة فصار أفيّس، وإن كان السّاكن الذي قبل الهمزة المتحركة ألفا (¬1) وأردت تخفيفها جعلتها بين بين لتعذّر الإدغام، لأنّ الألف لا تدغم ولا يدغم فيها، ولتعذّر إلقاء حركتها على الألف، لأنّ الألف لا تتحرّك فلما تعذّر قلبها والإدغام فيها، وتعذّر نقل حركتها وحذفها، لم يبق إلّا أن تجعل بين بين إذ فيه بقيّة منها، وفيه تخفيفها وتليينها وتسهيل نبرتها (¬2) فإن كانت الهمزة مفتوحة جعلتها بين الهمزة والألف نحو: ساءل، وإن كانت مضمومة جعلتها بين الهمزة والواو نحو: التساؤل، وإن كانت مكسورة جعلتها بين الهمزة والياء نحو: قائل، وإن كان الساكن الذي قبلها حرفا صحيحا وأردت تخفيفها ألقيت عليه حركة الهمزة وحذفتها وبقّيت من أعراضها ما يدلّ/ عليها وهو حركتها المنقولة إلى الساكن قبلها فتقول في مسألة: مسله وفي الخبء: هذا الخب يا فتى، وكذلك الحكم في كلمتين نحو: من أبوك فتقول من أبوك فتلقي الحركة على النون وتفتحها وتسقط الهمزة، وتقول: كم ابلك فتكسر الميم بنقل كسرة همزة إبلك إليها وتحذف الهمزة (¬3) وإن كان السّاكن الذي قبلها ياء أو واوا زائدتين لا للمدّ، ولكن لمعنى وهو إلحاق بناء ببناء كان حكمها حكم الحرف الصحيح في إلقاء حركة الهمزة عليهما وحذفهما فتقول في جيأل: جيل وهو علم للضبع وياؤه لإلحاقه بجعفر فتنقل حركة الهمزة وهي فتحة إلى الياء الساكنة التي قبلها وتحذف الهمزة فيصير: جيل (¬4)، فإن قيل: كيف لم تنقلب ياء جيل حينئذ ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها؟ فالجواب: أنّ الياء في نيّة السكون والهمزة في نيّة البقاء وكذا تقول في حوأبة حوبة وهي الدّلو الضخمة، وواوها لإلحاقها ببنات الأربعة والكلام في عدم انقلاب واوها ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها كالكلام في جيل (¬5) وكذا حكم الياء والواو الأصليتين المنفصلتين فتقول في هذا أبو إسحاق ونحوه: أبو سحاق فتلقى حركة الهمزة على الواو وتحذفها وتبقى الواو مكسورة لأنّك حرّكتها بحركة ¬
ذكر الهمزة المتحركة التي قبلها متحرك
الهمزة وكذا مررت بأبي إسحاق فتقول: بأبي سحاق تنقل كسرة الهمزة إلى الياء وتحذف الهمزة فتبقى الياء متحركة بالكسرة يليها السين الساكنة، وتقول في ذو أمرهم: ذو مرهم فتنقل فتحة الهمزة إلى الواو وتحذف الهمزة فتبقى الواو مفتوحة يليها الميم الساكنة (¬1)، وتقول في قاضو أبيك: قاضوبيك بنقل فتحة الهمزة إلى الواو وحذف الهمزة، وتقول في ابتغى أمره: ابتغي مره (¬2)، وقد التزم تخفيف الهمزة في باب أرى وترى ويرى (¬3) لأنّ الماضي رأى فكان قياس المضارع أن يكون أرأى وترأى ويرأى كما قالوا في نأى ينأى فالتزم تخفيفه بنقل حركة همزة ترأى إلى الراء وحذف الهمزة وجوبا (¬4) ولزم هذا التخفيف لكثرة الاستعمال، وقد جاء على الأصل في ضرورة الشعر (¬5) كقوله: (¬6) ألم تر ما لاقيت والدّهر أعصر … ومن يتملّ العيش يرأى ويسمع وقد شذّ عند سيبويه (¬7) تخفيف همزة المرأة والكمأة حيث قالوا: المراة والكماة بألف خالصة، فأبدلوا من الهمزة المفتوحة ألفا فانفتح ما قبل الألف ضرورة وإنما كان شاذّا لأنّ طريق هذه الهمزة أن تلقى حركتها على ما قبلها وتحذف فتبقى: مرة وكمه لكن قالوا: مراة وكماة فيقتصر فيه على السّماع ولا يقاس عليه عند البصريين، وأمّا الكوفيون فيقيسون عليه ويجعلونه مطردا (¬8). ذكر الهمزة المتحرّكة التي قبلها متحرّك (¬9) وهي تسعة أقسام، مفتوحة وقبلها/ الحركات الثلاث، ومكسورة، وقبلها ¬
الحركات الثلاث، ومضمومة وقبلها الحركات الثلاث، أمّا المفتوحة وقبلها مفتوح ومكسور ومضموم فنحو: سأل ومائة ومؤجّل، وأمّا المكسورة وقبلها الحركات الثلاث المذكورة فنحو: سئم ومستهزئين وسئل، وأمّا المضمومة وقبلها الحركات الثلاث المذكورة فنحو: رؤوف ومستهزئون ورؤوس. فقسمان من هذه التسعة وهما المفتوحة وقبلها مضموم أو مكسور، يخفّفان بقلب الهمزة واوا أو ياء فتقلب المفتوحة التي قبلها مضموم واوا فتقول في جؤن جمع جونة: جون وفي مؤجّل: مؤجّل بواو مفتوحة محضة فيهما بغير همزة، وتقلب المفتوحة التي قبلها مكسور في نحو: مائة ياء محضة مفتوحة، وإنما لم تجعل بين بين لأنّ الهمزة إذا جعلت بين بين تقرب من الألف وقبلها ضمّة أو كسرة فكرهوا الضمّ أو الكسر على ما يقرب من الألف (¬1). وباقي الأقسام من التسعة وهي سبعة: المفتوحة التي قبلها مفتوح، والمكسورة التي قبلها الحركات الثلاث، والمضمومة، التي قبلها الحركات الثلاث، إنّما تخفّف بجعلها بين بين لا بالنّقل ولا بالإبدال، أما النقل، وهو أن تنقل حركتها إلى ما قبلها وتحذف فلتعذّره لأنّ ما قبلها متحرّك ولا سبيل إلى تحريكه بحركتين، وأما الإبدال، فلقوّة الهمزة بالحركة خلا ما تقدّم من نحو: مؤجل ومائة، كما تقدّم، وإذا انتفى في هذه الأقسام النقل والإبدال تعيّن بين بين. وقد جوّز بعضهم (¬2) في قسمين من هذه السبعة، الإبدال. أحدهما: المضمومة المكسور ما قبلها نحو: مستهزئون فجوّز أن تقلب همزتها ياء محضة، وثانيهما: المكسورة المضموم ما قبلها نحو: سئل فجوّز (¬3) أن تقلب همزتها واوا محضة، وأما عند سيبويه فلا يجوز فيهما غير جعلهما بين بين (¬4) لكن سئل ومستهزئون خاصة يجوز جعلهما بين بين المشهور وبين بين الشاذ أيضا، وباقي الأقسام إنّما تجعل بين بين المشهور لا غير، وقد تقلب الهمزة المتحركة المتحرك ما قبلها حرف لين من ¬
جنس حركة ما قبلها على غير قياس، لأنّ قياس مثلها أن يجعل بين بين فقلبوها على غير قياس ياء إذا انكسر ما قبلها نحو قوله في واجئ (¬1) بالهمز: هو واجي بياء محضة في الوصل (¬2)، وألفا إذا انفتح ما قبلها نحو: سأل بألف محضة في نحو قول حسّان (¬3): سالت هذيل رسول الله فاحشة … ضلّت هذيل بما سالت ولم تصب وكانوا قد سألوا من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إباحة الزّنا، والشاهد فيه قوله: سالت بألف محضة، والأصل سألت بهمزة مفتوحة قبلها سين مفتوحة، وقياسها بين بين لا قلبها ألفا، واعلم أنّ الخارج عن القياس إنّما هو واجي بقلب الهمزة ياء في الوصل كما/ قلنا، لا واجيء في البيت المشهور الذي هو: (¬4) وكنت أذلّ من وتد بقاع … يشجّج رأسه بالفهر واجي خلافا لسيبويه (¬5) فإنّ قلبها ياء في البيت المذكور شاذّ عنده، وليس بحقّ لأنّ الهمزة سكّنها الوقف وقبلها مكسور وهو الجيم فهو كثير (¬6) فقياسها أن تقلب ياء محضة كما فعل الشّاعر وقد حذفوا الهمزة في «كل ومر وخذ» حذفا غير قياسي، لأنّ قياس الأمر من هذه الأفعال أن يقال: أؤكل وأؤمر وأؤخذ، لأنّ الأصل أأكل، أأخذ، أأمر، إلا أنّ هذه الأفعال كثر استعمالها فاستثقلوا ذلك فيها، فأسقطوا الهمزة الثانية ¬
ذكر تخفيف همزة باب الأحمر
على غير قياس فحصل الاستغناء عن همزة الوصل، لأنّ ما بعد الهمزة الساكنة الساقطة متحرك، وقد التزموا الحذف في كل وخذ دون مر (¬1) قال الله تعالى: وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ (¬2) واعلم أنّ قولك: مر أفصح من أؤمر، وأمر أفصح من ومر (¬3). ذكر تخفيف همزة باب الأحمر (¬4) إذا خفّفت همزة نحو: الأحمر، بأن ألقيت حركتها على لام التعريف ففي ألف الوصل بعد ذلك مذهبان: الأوّل: حذف ألف الوصل اعتدادا بحركة اللّام كقولك: لحمر وهو القياس لأنّ الحاجة إلى همزة الوصل كانت من أجل سكون اللّام، فإذا تحركت فقد استغني عن همزة الوصل. الثاني: إبقاء ألف الوصل لعدم الاعتداد بحركة لام التعريف لأنّها عرضة لسكون اللام في الأصل كقولك ألحمر. وقد جاء على المذهب الأول أعني مثل لحمر عادلولى (¬5) في قراءة أبي عمرو بادغام نون التنوين في اللّام (¬6) ومنه قولك في من الآن: ملّان، بتسكين نون من وادغامها في اللام، ومنه: قولك في اسأل: سل، وقد جاء على المذهب الثاني أعني مثل ألحمر: من لان بتحريك النون لالتقاء السّاكنين، وهما نون من ولام التعريف، لعدم الاعتداد بحركة لام التعريف، ومنه قراءة من قرأ (¬7) (من لرض) في مِنَ الْأَرْضِ (¬8) و (من لخرة) في مِنَ الْآخِرَةِ (¬9)، ومن لخسرين في من ¬
ذكر التقاء الهمزتين والثانية ساكنة
الأخسرين بتحريك نون من لسكون اللّام في الأصل، ومنه أيضا قول الشاعر (¬1): أبلغ أبا دختنوش مألكة (¬2) … غير الذي قد يقال ملكذب الأصل من الكذب، فحذف النون تخفيفا لالتقاء الساكنين لعدم الاعتداد بحركة اللّام، وكان الوجه تحريكها لا حذفها، فحذفها على غير قياس. ذكر التقاء الهمزتين والثانية ساكنة (¬3) ويلتقيان على وجهين: أحدهما: أن يلتقيا في كلمة واحدة فتقلب الثانية حرف لين، ومذهب سيبويه أنّ ذلك واجب (¬4) لأنّه إذا استثقلت الهمزة الواحدة، فإذا اجتمع ثنتان في كلمة كان الثقل أبلغ. فمن ذلك آدم وأيمّة وجاء وخطايا، أمّا آدم فأصله أأدم بهمزتين فقلبت الثانية ألفا لسكونها وانفتاح ما قبلها كما قيل في رأس، لكن رفضت هذه الهمزة وصارت ألفا كألف كاهل وضارب، ولذلك جمع على أوادم وصغّر على أويدم، كما جمع كاهل على كواهل، وصغّر على كويهل (¬5). وأما أيمة، فالأصل/ أأممة على وزن أفعلة جمع إمام كما جمع مثال على أمثلة، فلما اجتمع في أأممة همزتان الأولى همزة الجمع والثانية فاء الفعل، كان القياس قلب الثاني ألفا لسكونها وانفتاح ما قبلها لكن لما وقع بعدها مثلان، وأرادوا الإدغام نقلوا حركة الميم الأولى وهي كسرة إلى الهمزة الثانية الساكنة وأدغموا الميم في الميم، فانقلبت الهمزة الثانية ياء، لأنّ الهمزتين لمّا اجتمعتا في كلمة لزم الثانية ¬
البدل، فأبدلت ياء لانكسارها فصار أيّمة بياء مكسورة (¬1). وأما جاء بهمزة وتنوين مثل قاض فأصله جايئ بياء قبل الهمزة وعين الفعل في مثله تقلب همزة كما في قائل وبائع على ما سيذكر في الإعلال (¬2)، فلمّا قلبت ياء جايئ همزة صار جائئ بهمزتين فأبدلت الهمزة الأخيرة ياء، وذلك من جنس حركة ما قبلها، فصار جائي مثل قاضي، ثمّ حذفت الياء في الرفع والجرّ للتنوين فصار جاء كقاض. وأمّا خطايا جمع خطيئة فالأصل خطائئ بهمزتين الثانية لام الفعل، والأولى الياء التي في خطيئة المنقلبة (¬3) همزة في الجمع كياء سفينة وقبيلة المنقلبة همزة في سفائن وقبائل، فقلبت الثانية ياء لاجتماع الهمزتين، فصار خطائي فاستثقلوا الياء بعد الكسرة مع الهمزة فأبدلوا من كسرة الهمزة فتحة، ومن الياء ألفا فصار خطاءا، فاجتمع ثلاثة أمثال، الألفان والهمزة المفتوحة، فاستثقل ذلك فقلبت الهمزة ياء فصار خطايا (¬4) وقال الفرّاء وأصحابه: خطيّة مثل هديّة بغير همز فتجمع على خطايا كما قيل: هدايا (¬5). وثانيهما: أن تلتقي همزتان في كلمتين نحو أَأَنْتَ قُلْتَ (¬6)، فإذا التقتا كذلك، جاز تحقيقهما وتخفيفهما وتخفيف الأولى دون الثانية وبالعكس (¬7) بأن تجعل المخفّفة بين بين (¬8) قال ابن الحاجب: (¬9) وهو غير مستقيم فإنه يكون تخفيف ¬
إحداهما بغير ذلك، وأهل التحقيق (¬1) يحققونهما معا (¬2) فيقولون: جاءَ أَشْراطُها (¬3) بهمزتين خالصتين وهو مذهب الكوفيين وبه قرأ ابن عامر (¬4) ومن العرب من يدخل بينهما ألفا فرارا من ثقل اجتماعهما (¬5) نحو قول ذي الرّمة: (¬6) ... … آأنت أم أمّ سالم ونحو قول الآخر: (¬7) حزقّ (¬8) إذا ما القوم ابدوا فكاهة … ففكّر آإيّاه يعنون أم قردا والحزقّ القصير، ومثله في الكتاب العزيز كثير نحو قوله تعالى: أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ (¬9) أَإِذا مِتْنا (¬10) أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ (¬11). ¬
فصل وفي نحو قولك اقرأ آية ثلاثة أوجه
فصل (¬1) وفي نحو قولك اقرأ آية ثلاثة أوجه: أولها: إبدال الأولى ألفا؛ لأنّها ساكنة وقبلها فتحة فتقول: اقرأ آية تجعل الأول ألفا والثانية همزة بحالها. ثانيها: تحريك الأولى بحركة الثانية وحذف الثانية التي ألقيت حركتها على الأولى فتقول: اقرأية بتحريك الهمزة الأولى وحذف الثانية كما قلت: من ابوك. ثالثها: لغة أهل الحجاز، أن تبدل الأولى ألفا وتجعل الثانية بين بين فتقول: اقرأ آية (¬2)، وسها في المفصّل (¬3) حيث قال «وأن تجعلا معا بين بين» لأنّ الأولى ساكنة/ والساكنة لا تجعل بين بين أصلا، لأنّ الغرض من بين بين تقريبها من السكون، فتقرب إلى الخفّة، وإذا كانت ساكنة فقد بلغت الغاية في الخفة فلا يصحّ أن تخفّف حينئذ بالتقريب من السكون. الفصل الرابع في التقاء الساكنين (¬4) وتشترك فيه الأضرب الثلاثة، واجتماع الساكنين قسمان: الأول: اجتماعهما من غير أن يغير واحد منهما بشيء لا بحذف ولا بتحريك ولا غير ذلك. ¬
ذكر القسم الأول وهو التقاء الساكنين من غير تغيير
والثاني: إزالة اجتماعهما. إمّا بحذف أحدهما أو بتحريكه. ذكر القسم الأول وهو التقاء الساكنين من غير تغيير (¬1) وله أربع صور: إحداها: أن يلتقيا على حدّهما وهو أن يكون الساكنان في كلمة واحدة حال الدرج، والساكن الأول حرف مدّ ولين، والثاني مدغم والمراد بحرف المدّ واللين الألف والواو الساكنة المضموم ما قبلها، والياء الساكنة المكسور ما قبلها نحو قوله تعالى: وَلَا الضَّالِّينَ (¬2) والْحَاقَّةُ مَا الْحَاقَّةُ (¬3) ونحو قولك: تمودّ (¬4) الثوب وهو من تماددنا الثوب إذا بنيته لما لم يسمّ فاعله، فتضمّ التاء وما بعدها مثل: تضورب، وإنما وجب في التقاء الساكنين على حدّهما أن يكون الاول حرف مدّ ولين، والثاني مدغما، لما في حرف المدّ من المدّ القائم مقام الحركة بسبب استمرار الصوت المتوصّل به إلى النطق بالسّاكن بعده، ولما في الحرف المشدّد من سهولة النطق لعمل اللّسان عملا واحدا، ولا بدّ في التقائهما على حدّهما من حصول هذين الشرطين (¬5) فإنّ حرف المدّ وحده في نحو: قوم، أو المدغم وحده في نحو: يشدّ لا يكفي ويجب إزالتهما حينئذ بتحريك ميم قوم وشين يشدّ، ولا بدّ مع ذلك أن يكونا في كلمة واحدة، لأنّه لو كان المدّ في آخر كلمة، والمدغم في أول أخرى لم يكن إجتماعهما على حدّهما ووجب إزالة اجتماعهما بحذف الأول نحو: قالوا ادّارأنا (¬6)، وقالا ادّارأنا (¬7)، وفي ادّارأنا، فتحذف الواو والألف والياء في هذه الصور. ¬
ثانيها: أن يلتقيا حال الوقف فإنّ التقاء الساكنين فيه قد اغتفر لما قدّمناه في باب الوقف، من توفّر الصوت على الحرف الموقوف عليه حتّى صار بمنزلة الحركة (¬1). ثالثها: أن يلتقيا حال إبدال همزة الوصل ألفا عند اجتماعها مع همزة الاستفهام فيلتقي ساكنان الألف المنقلبة عن همزة الوصل، ولام التعريف الساكنة خوف اللّبس كما سنبيّنه، ويقع ذلك في كلّ كلمة أولها همزة وصل مفتوحة، ودخلت همزة الاستفهام عليها فيما فيه لام التعريف، وفي ايمن وايم الله خاصّة، إذ لا ألف وصل مفتوحة في سوى ذلك كقولك آلحسن عندك، آلرجل عندك؟ بقلب همزة الوصل ألفا، فيلتقي ساكنان، هذه الألف ولام التعريف الساكنة التي بعدها وكان من حقّ هذه الألف حين دخلت همزة الاستفهام عليها أن تحذف (¬2) لأنّها/ أبدا تسقط في الوصل لكن لو سقطت لالتبس الاستفهام بالخبر وكذلك: آيمن الله يمينك، وآيم الله يمينك؟ بإبدال همزة الوصل ألفا لدخول همزة الاستفهام عليها، فيلتقي ساكنان، هذه الألف والياء في ايمن وايم للبّس المذكور، وليس في العربية موضع تثبت (¬3) فيه همزة الوصل في الوصل إلّا في هذين الموضعين أعني مع همزة الاستفهام فيما فيه لام التعريف وفي ايمن وايم (¬4)، وبعض العرب يجعل همزة الوصل فيما ذكرنا بين بين وليس بالفصيح كقول الشاعر (¬5): وما أدري إذا يمّمت أرضا … أريد الخير أيّهما يليني أالخير الذي أنا أبتغيه … أم الشّرّ الذي هو يبتغيني فإنه لو لم يجعلها بين بين لم يقم الوزن. رابعها: أن يلتقيا فيما يعدّد من حروف الهجاء وغيرها، إذا كان قبل السّاكن حرف لين، نحو جيم، عين، قاف، ميم، ثور، زيد، اثنان، لعدم التركيب وقد قيل: ¬
ذكر القسم الثاني وهو الذي لا بد فيه من إزالة اجتماع الساكنين
إن السكون في مثله للوقف إجراء للوصل مجرى الوقف كما تقدّم الكلام عليه في الوقف. ذكر القسم الثاني وهو الذي لا بدّ فيه من إزالة اجتماع الساكنين إما بحذف أحدهما، أو بتحريكه لتعذّر النّطق بهما. القول على إزالة اجتماع الساكنين بالحذف (¬1) ويزال اجتماعهما بالحذف إذا كان السّاكن الأول حرف مدّ، إما ألفا أو ياء قبلها كسرة أو واوا قبلها ضمّة، أمّا حذف الألف فمثل: لم يخف، كان يخاف فسكنّت الفاء للجزم، والتقت مع الألف، فحذفت الألف لالتقاء الساكنين (¬2) ومثل: اخشي يا امرأة، أصلها اخشيي تحركت الياء وانفتح ما قبلها فانقلبت ألفا، فاجتمعت مع ياء الضمير، فحذفت الألف بقي اخشي، ومثل: رمت وغزت كان الأصل رميت وغزوت فتحركت الياء والواو وانفتح ما قبلهما فانقلبتا ألفا بقي: رمات وغزات، فالتقى ساكنان الألف وتاء التأنيث، فسقطت الألف بخلاف رميا وغزوا، فإنّ الألف فيهما لم تحذف ولكن انقلبت إلى الأصل ليمكن تحريكها بالفتح، لوقوعها قبل ألف ضمير المثنّى (¬3)، وكذا إذا التقيا في كلمتين فتقول: يخشى القوم بحذف ألف يخشى لسكونها وسكون لام التعريف، وتقول في التثنية لم يضربا القوم، بحذف ألف يضربا لسكونها وسكون لام التعريف وتقول: عصا الرجل، ورحى الحرب، وحبلى الرجل ومعزى الرجل، وغلاما الرجل، بحذف الألف في ذلك جميعه، لسكونها وسكون لام التعريف وشذّ قولهم «التقت حلقتا البطان» (¬4) بالجمع بين ساكنين من كلمتين، وهما ¬
القول على إزالة اجتماع الساكنين بالتحريك
ألف حلقتا، ولام التعريف، والقياس حذفها، لأنّها مثل: غلاما الرّجل (¬1) وقد جاءت في الشعر محذوفة على القياس وهو قوله (¬2): قد التقت حلقتا البطان بأق … وام وجاشت نفوسهم جزعا وأمّا حذف الياء فمثل: لم يبع، كان يبيع فسكنت العين للجزم، والتقت مع الياء فحذفت/ الياء لالتقاء الساكنين، ومثل: ارمي يا امرأة، أصله ارميي استثقلت الكسرة على الياء فحذفت فالتقى ساكنان، الياء الأولى وياء الضمير فحذفت الياء الأولى، ومثل: يا قوم ارموا، أصله ارميوا كرهت الضمة (¬3) على الياء بعد الكسرة فسكنت فاجتمع ساكنان؛ الياء وواو الضمير فحذفت الياء وأبدل من كسرة الميم ضمّة، بقي ارموا، وكذلك الحكم في كلمتين تقول: يرمي الغرض بحذف الياء لسكونها وسكون لام التعريف، وتقول: لم تضربي ابنك فتحذف الياء لالتقائها (¬4) الساكن الذي بعدها وهو الباء الموحدة، وكذا: هذا غازي المسلمين بحذف الياء لسكون لام التعريف بعدها، وأما حذف الواو فمثل؛ لم يقل، كان يقول فسكنت اللّام للجزم والتقت مع الواو فحذفت الواو لالتقاء الساكنين، وتقول: يا قوم اغزوا، أصله اغزووا، وكرهت الضمة على الواو بعد الضمة، فسكنت فاجتمع ساكنان هي وواو الضمير فحذفت وبقيت واو الضمير، وكذلك الحكم في كلمتين، تقول: يغزوا القوم بحذف الواو لسكون لام التعريف بعدها وتقول: هذا أخو القوم بحذف الواو لسكونها وسكون لام التعريف بعدها. القول على إزالة اجتماع الساكنين بالتحريك وذلك بأن يكون الساكن الأوّل إمّا حرفا صحيحا أو حرفا من حروف اللين غير مدة أو يكون لام التعريف، فإنها تحرّك لالتقاء الساكنين كما سيأتي. ¬
ذكر تحريك الصحيح لالتقاء الساكنين
ذكر تحريك الصّحيح لالتقاء الساكنين (¬1) وهو نحو قولك: اذهب اذهب بكسر الباء لسكونها وسكون ذال اذهب التي بعدها لسقوط همزة الوصل، ولم أبله، والأصل أبالي، فحذفت الياء للجزم فصار لم أبال فأجروه مجرى ما لم يحذف منه، فجزموا اللام فاجتمع ساكنان هي والألف فحذفت الألف فصار لم أبل ثم لحقته (¬2) هاء السكت وهي ساكنة فحركت اللّام بالكسر لالتقاء الساكنين فصار لم أبله، ولم يردّوا الألف لمّا تحركت اللّام لعروض حركتها، لأنّ هاء السكت غير لازمة لسقوطها في الوصل (¬3)، وكذلك الحكم في كلمتين نحو: أخذت من ابنك، فتكسر نون من لاجتماع الساكنين، النون والباء، ونحوه: مذ اليوم، فتحرك الذال لسكونها وسكون لام التعريف بعدها وتحركها بالضم اتباعا لضمّة الميم (¬4) ونحو قوله تعالى: الم اللَّهُ (¬5) بتحريك الميم بالفتح وكان القياس الكسر (¬6)، ولكن حرّكت بالفتح، أما تحريكها (¬7) فلالتقاء الساكنين الميم واللّام من اسم الله تعالى، وأما الفتح فلأنّ قبل الميم ياء وقبل الياء كسرة فكرهوا الكسر فيها فحرّكت بالفتح كما كرهوه في أين وكيف للثقل، والثقل في الميم أبلغ (¬8) ونحو: نون التنوين فإنّها حرّكت بالكسر في نحو قوله تعالى: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ (¬9) لالتقاء السّاكنين، النون واللّام من اسم الله تعالى، وقد حذفت هذه/ النون لالتقاء الساكنين كما حذفت المدة، وكان من حقّها أن تحرّك ولا تحذف في نحو قول ¬
ذكر تحريك حرف اللين لالتقاء الساكنين إذا كان غير مدة
الشّاعر (¬1): ... … ومن بني خلف الخضر الجلاعيد (¬2) وفي قوله: (¬3) عمرو الذي هشم الثّريد لقومه … ورجال مكّة مسنتون عجاف وإنّما جاز ذلك لأنّ النون تؤاخي حروف اللّين في كونها تدغم في الياء والواو، وتزاد كما تزاد حروف المدّ، فلذلك حذف التنوين من خلف ومن عمرو في الشعر المذكور. ذكر تحريك حرف اللّين لالتقاء السّاكنين إذا كان غير مدّة (¬4) والمراد بغير المدّة الواو والياء إذا كان ما قبلهما مفتوحا، وذلك نحو: يا قوم اخشوا الله بتحريك الواو بالضمّ لالتقاء الساكنين الواو ولام التعريف، وحرّكت هذه الواو ولم تحذف لأنّها غير مدّة، وحرّكت بالضمّ لما سنذكر، ونحوه قوله تعالى: أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى (¬5) بتحريك الواو بالضمّ لالتقاء الساكنين الواو ولام التعريف، كان الأصل اشتريوا مثل اجتمعوا فاستثقلت الضمّة على الياء فحذفت فالتقى ساكنان الياء والواو فحذفت الياء بقي اشتروا فلّما لقيت الواو ساكنا بعدها، وهو لام التعريف حرّكت بالحركة التي كانت على الياء فقرأوا: (¬6) اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بتحريك الواو بالضمّة، ولو قرئت بالكسر (¬7) اشتروا الضلالة لكان ¬
جائزا، وقرأ بعضهم اشتروا الضلالة بالفتح، وكذلك ما كان مثله نحو عَصَوُا الرَّسُولَ (¬1) فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ (¬2)، وَآتَوُا الزَّكاةَ (¬3) فيجوز فيه تحريك الواو بالحركات الثلاث، فالكسر على الأصل (¬4)، والضمّ لما قدمنا ذكره، والفتح لأنّه أخفّ، وكذلك الكلام فيما أشبهه من اخشوا الله وشبهه ونحو قولك: اخشي الله يا امرأة بتحريك ياء اخشي بالكسر للالتقاء الساكنين، هي ولام التعريف في اسم الله تعالى، ونحو: مصطفي الله بتحريك الياء بالكسر، كان مصطفين جمع مصطفى، سقطت النون للإضافة فالتقى ساكنان الياء واللّام في اسم الله، فحركت الياء بالكسر (¬5) ونحو قوله تعالى: لَوِ اسْتَطَعْنا لَخَرَجْنا مَعَكُمْ (¬6) بتحريك واو لو بالكسر للالتقاء الساكنين هي والسين (¬7) واعلم أنّ الحرف المجزوم (¬8) إذا تحرّك لملاقاة ساكن بعده نحو: خف الله ورمت المرأة ويا قوم اخشون الله، واخشين، لم يردّ ما حذف منه فلا يقال: خاف الله ولا رمات المرأة، ولا اخشوون بواوين ¬
ذكر تحريك لام التعريف لالتقاء الساكنين
ولا اخشيين بيائين، لأنّ هذه الحركة إنما جاءت لملاقاة السّاكن بعدها وهو غير لازم، فلا يعتدّ بها لكونها حركة عارضة لسقوطها في الوقف، وعند عدم الساكن بعدها، بخلاف ما إذا تحرّك المجزوم بحركة لازمة فإنه يعتدّ بها للزومها فيردّ المحذوف لزوال (¬1) السكون نحو: يا زيدان خافا، ويا زيدون خافوا، ويا هند خافي، لأنّ الضمير المتصل كالجزء فمن ثمّ ردّت/ الألف في: خافا وخافوا وخافي، ولم تردّ في خف الله ورمت المرأة (¬2). ذكر تحريك لام التعريف لالتقاء الساكنين (¬3) وهي تحرّك بالكسر لالتقاء الساكنين إذا دخلت على اسم أوله ساكن، ولكن أجتلبت له همزة الوصل ليمكن النطق به، نحو: الاسم والابن والانطلاق والاستغفار (¬4) لأنّ الأول من هذه الأسماء ساكن، ودخلت عليه همزة الوصل توصّلا إلى النّطق بالسّاكن فلّما دخلت عليه لام التعريف استغني عن همزة الوصل فحذفت، فالتقى ساكنان لام التعريف وفاء الكلمة، فحركت اللّام لالتقاء الساكنين بالكسر، وكذلك الكلام في الانطلاق والاستغفار، واعلم أنه كما أزيل اجتماع الساكنين بتحريك الأول كما تقدّم من الأمثلة كذلك قد يزال بتحريك أخيه أعني الساكن الثاني. ذكر تحريك السّاكن الثاني (¬5) اعلم أنّ تحريك الأول هو الأصل ومقتضى القياس، لأنّ الأول هو الذي منع من الوصول إلى الثاني فلا يعدل عنه إلّا لعلّة. فمن ذلك تحريك الثاني في أين وكيف ومنذ، فإنه لو حرّك الأول في أين وكيف وهو الياء لانقلبت ألفا لتحرّكها وانفتاح ما قبلها، لأنّ هذه الحركة لو وجدت لكانت لازمة لكونها حشوا، ولزم لسكون الألف تحريك النون لسكونها في الأصل، وسكون ¬
الألف، فكان يلزم أن يتلوه تغيير بعد تغيير، فلذلك حرّك الثاني من أول الأمر، ولو حرّك الأول في «منذ» لذهب وزن الكلمة فلا نعلم هل هي من ساكن الوسط في الأصل أو متحركة. ومن ذلك تحريك نون التثنية والجمع وهي الساكن الثاني في قولك: مسلمان ومسلمون، وحرّك فيها الثاني لامتناع تحريك الأول، أعني ألف مسلمان وواو مسلمون. ومن ذلك تحريك الثاني إذا سكّنوا اللّام في الأمر من نحو: انطلق يا زيد، فيحركون الساكن الثاني بالفتح وهو قاف انطلق لالتقاء الساكنين، وهما اللّام والقاف من انطلق، لأنّ الأول سكّن تخفيفا لتوالي الحركات حملا على فخذ فإن طلق من انطلق مثل فخذ، فسكّنت اللّام كما سكّنت خاء فخذ وحركت القاف لالتقاء الساكنين، وحرّكت بالفتح، لأنّه أخفّ وأشبه بحركة ما قبل اللّام، أعني طاء انطلق ومن ذلك قول الشاعر: (¬1) عجبت لمولود وليس له أب … وذي ولد لم يلده (¬2) أبوان أراد لم يلده فأسكن اللّام للضرورة تشبيها بكتف فالتقى ساكنان اللّام والدّال فحرّك الثاني بالفتح، وأراد بالمولود عيسى بن مريم، وبذي الولد آدم وبعده: وذي شامة سوداء في حرّ وجهه … مجلّلة لا تنجلي لزمان ويكمل في تسع وخمس شبابه … ويهرم في سبع مضت وثمان يعني القمر/ ومن ذلك: ويتّقه في قراءة عاصم (¬3) وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ (¬4) بإسكان القاف ¬
ذكر أن أصل هذه الحركة أن تكون بالكسر
وكسر الهاء، كان أصله يتقي، حذفت الياء للجزم، ثمّ ألحقت هاء السكت صار يتّقه، ثم أسكنت القاف تشبيها لتقه بكتف ثمّ حركت هاء السكت وهي الساكن الثاني لالتقاء الساكنين (¬1)، قال ابن الحاجب: (¬2) وفيه تعسّف مع الاستغناء عنه، والأولى أن يقال إنّ الهاء ضمير عائد على اسم الله وسكنت القاف على ما ذكر بقي: ويتّقه من غير اجتماع ساكنين، ومن غير تحريك هاء السكت وإثباتها في الوصل. ومن ذلك: «ردّ» في لغة بني تميم، وهي في لغة الحجاز اردد، فنقل بنو تميم حركة الدّال الأولى إلى الرّاء فسقطت همزة الوصل وسكّنت الدال الأولى لثقل حركتها، فأدغموها في الدال الثانية، فالتقى ساكنان الدّال الأولى المدغمة، والثانية الساكنة بفعل الأمر، فوجب تحريك الساكن الثاني لاجتماع الساكنين، لأنّهم لو حركوا الأول لبطل الإدغام وانتقض ما أرادوه من التخفيف بالإدغام فقالوا: ردّ، وقالوا في المعرب: لم يردّ، فالذين أدغموا دال ردّ، شبّهوه بالمعرب المنصوب والمرفوع نحو: لن يردّ وهو يردّ، فإنّه أدغم إجماعا، فشبّهوا المبنيّ والمجزوم بالمعرب فأدغموا لكن المعرب لا يجتمع فيه ساكنان لحركة الرفع والنصب، وأهل الحجاز كما قالوا في المني: اردد قالوا في المعرب: لم يردد، فلم يجتمع في لغتهم ساكنان (¬3). ذكر أنّ أصل هذه الحركة أن تكون بالكسر (¬4) اعلم أنّ الأصل فيما حرّك من الساكنين أن يكون بالكسر لما بين الكسر ¬
والسكون من المؤاخاة من حيث اختصاص كلّ واحد منهما بقبيل من المعربات، لأنّ الجزم في الفعل نظير الجرّ في الاسم، فلذلك جعل الكسر عوضا عن السكون عند الحاجة إلى الحركة ولا يعدل عن تحريكه بالكسر إلى الضمّ أو الفتح إلّا لمعارض يقتضي ذلك جوازا أو وجوبا، والجواز قد يكون على السواء، وقد يكون الأصل أولى، وقد يكون المعدول إليه أولى، أما الجواز على السواء فهو أن يكون ما بعد الساكن الثاني ضمة أصلية لفظا أو تقديرا في نفس الكلمة الثانية التي الساكن الثاني فيها، فمثال الضمّة الأصلية لفظا، قوله تعالى: وَقالَتِ اخْرُجْ (¬1) سقطت همزة الوصل فالتقى ساكنان الأول تاء قالت والثاني خاء اخرج، وبعد الثاني الراء وهي مضمومة لفظا ضمّة أصلية فاستوى في تاء قالت الأمران أمّا الضمّ فلئلا يخرجوا من كسرة إلى ضمّة لازمة ولم يتعدوا بالساكن حاجزا، وأمّا الكسر فعلى الأصل (¬2). ومن ذلك أيضا ما قرئ في هاتين الآيتين فالأولى: أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطانُ بِنُصْبٍ وَعَذابٍ ارْكُضْ بِرِجْلِكَ (¬3) والثانية إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ ادْخُلُوها (¬4) فإنه قرئ: وعذابن اركض، وعيونن ادخلوها بتحريك نون تنوين عذاب ونون تنوين عيون بالضمّ لالتقاء الساكنين، وهما التنوين/ المذكور وراء اركض ودال ادخلوها، واستوى في تحريك التنوين الأمران؛ أعني الضمّ والكسر، أما الضمّ فلاتباع ضمّة كاف اركض وخاء ادخلوها، وأمّا الكسر فعلى الأصل (¬5) ومثال الضمّة الأصلية تقديرا ضمّة زاي ¬
اغزي يا هند، لأنّ الأصل اغزوي مثل اخرجي فاستثقلوا كسرة الواو فحذفوها فالتقى ساكنان الواو والياء فأسقطوا الواو لالتقاء الساكنين، وأبدلوا من ضمّة الزاي التي كانت قبل الواو كسرة لتصحّ الياء بعدها، لأنّها لو بقيت لانقلبت الياء واوا، فضمّة زاي اغزي أصلية تقديرا (¬1) فإذا اتّصل بها كلمة من قبلها، آخرها ساكن فتسقط همزة الوصل ويستوي في تحريك الساكن الأول الضمّ والكسر كقولك: قالت اغزي بتحريك تاء قالت بالضمّ والكسر لما قلنا فلو وجدت ضمّة في نفس الكلمة الثانية لكنّها ضمّة غير أصلية لم يستو الأمران مثل أَنِ امْشُوا (¬2) وإِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ (¬3) فإنّ ضمّة شين امشوا ليست أصلية لأنّ الأصل: امشيوا بكسر الشين وضمّ الياء فاستثقلت الضمة على الياء فحذفت، فالتقى ساكنان الياء والواو فحذفت الياء وأبدل من كسرة الشين ضمّة لتصحّ الواو وكذلك ضمّة راء امرؤ لزوالها في النصب والجرّ كقولك: رأيت امرأ ومررت بامرئ، ولو وجدت ضمّة بعد السّاكن الثاني لكن لا في الكلمة الثانية، وإن كانت أصلية لم يكن تحريك أحد الساكنين بالضمّ والكسر على السّواء مثل: إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ (¬4) فإن ضمّة الحاء وإن كانت أصلية بعد السّاكن الثاني، ولكن ليست في الكلمة الثانية، لأنّ حرف التعريف كلمة مستقلة فالضمّة التي بعده في كلمة أخرى لا في الثانية، لأنّ الثانية هي لام التعريف، وليس فيها ضمّة فلا يستوي فيه الأمران وإنما استوى الضمّ والكسر فيما تقدّم ولم يلزم الضم كما لزم في همزة الوصل في نحو: اخرج واقتل، لأنّ همزة الوصل مع الضمّة في كلمة واحدة، وليس ما ذكرناه مع هذه الضمة في كلمة واحدة فافترقا. ومما حرّك على خلاف الأصل قوله تعالى: مُعْتَدٍ مُرِيبٍ، الَّذِي (¬5) فإنّه ¬
قريء في الشاذ «مريبن الذي» بتحريك نون مريب بالفتح هربا من توالي الكسرات. وأما الذي تحريكه على الأصل أولى فهو الأكثر فيما حرّك لالتقاء الساكنين. ومنه واو لو فإنّ تحريكها بالكسر أولى، نحو قوله تعالى: لَوِ اسْتَطَعْنا (¬1) لما سنذكره الآن، وأمّا الذي تحريكه على خلاف الأصل أولى فمنه ضمّ واو الضمير كما تقدّم من نحو: اخشوا الله اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ (¬2) وإنما كان الضمّ أولى للفرق بين واو الضمير وبين واو «لو» فإنّ الواو المفتوح ما قبلها إن كانت ضميرا ولقيت ساكنا بعدها مثل وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ (¬3) فتحريكها بالضمّ أولى، وإن كانت حرفا من نفس الكلمة نحو واو «لو» فتحريكها بالكسر أولى في مثل لَوِ اسْتَطَعْنا (¬4) وإنما تخصّص ما هو اسم بالضمّ دون/ الحرف لأنّ الواو التي هي اسم أعني واو الضمير قد سقط من قبلها حرف مضموم، لأنّ الأصل في لا تنسوا، لا تنسيوا، وفي اخشوا اخشيوا وفي ارموا ارميوا وكذلك جميع ما يأتي من هذا الباب، فلما تحرّكت الياء وانفتح ما قبلها قلبت ألفا ثمّ حذفت لسكونها وسكون واو ضمير الجمع، فلمّا احتاجوا إلى تحريك هذه الواو حرّكوها بالحركة المحذوفة، وهي ضمّة وكانت أولى من حركة غريبة (¬5) وأمّا الواو التي هي حرف وهي من نفس الكلمة نحو واو «لو» فحركت على الأصل في التقاء الساكنين (¬6) واعلم أنّه جاء كسر واو الضمير تشبيها لها بواو «لو»، وضمّ واو «لو» تشبيها لها بواو الضمير، لكون كلّ منهما واوا ساكنة قبلها فتحة، وللنحاة مثل ذلك في جعلهم كلّ قبيل مشبها بالآخر، كإجازاتهم الجرّ في الضارب الرجل تشبيها بالحسن الوجه، وإجازتهم النصب في الحسن الوجه تشبيها بالضارب الرجل. ومنه (¬7) ردّ وشدّ ومدّ، فالأولى تحريك الساكن الثاني بالضم للاتباع، لأنّ عمل ¬
اللسان في جهة واحدة أخفّ، فلذلك حركوا الساكن الثاني بحركة ما قبل الساكن الأول، وحرّك الثاني لالتقاء الساكنين، وهما الدّال الأولى المسكّنة للادغام، والدال الثانية الساكنة للأمر، ومنهم من يحرّك ذلك كلّه بالكسر على الأصل فيقول: ردّ ولم يردّ بالكسر ومنهم من يفتح فيقول: ردّ ولم يردّ بالفتح طلبا للخفّة هذا إذا لم يتصل به ما يقتضي خلاف ذلك نحو: يا زيد ردّ القوم، فالأكثر فيه الكسر، لأنه مثل: اضرب القوم مع جواز الضمّ والفتح أيضا، وإنما لم يجب في ردّ القوم الكسر كما وجب في اضرب القوم للإدغام، وينشد بيت جرير (¬1): فغضّ الطّرف إنّك من نمير … ... على الأوجه الثلاثة، وكذلك ذم في قول الشّاعر: (¬2) ذمّ المنازل بعد منزلة اللّوى … والعيش بعد أولئك الأيّام وأمّا ما عدل به عن الأصل وجوبا: فمنه: ردّ وشبهها إذا اتصل بها ألف الضمير فتقول: ردّها وعضّها ونحوهما بفتح ما قبل الهاء وجوبا وذلك لخفاء الهاء حتى كأن الدال في ردّها أو الضاد في عضّها قد وليت الألف (¬3) ومنه: ردّه وعضّه إذا اتّصل به واو، ولذلك حرّك الساكن الثاني في ردّه بالضمّ لمناسبة الواو المتصلة بالهاء لخفاء الهاء حتى كأنها لم تحجز، وليس ضمّ ردّه بقوة فتح ردّها (¬4)، وكذلك وقع الخلاف ¬
فصل ومنهم من كره اجتماع الساكنين مطلقا وإن كانا على حدهما ولم يمكنه تحريك الألف فيقلبها همزة
في ردّه وشبهه فجوّز فتحه قوم ومنعه الأكثر وغلّطوا ثعلبا (¬1) في جواز الفتح أعني دال ردّه (¬2). ومنه: من مع لام التعريف (¬3) نحو: من الرجل بفتح نون من وجوبا والتزموا الفتح لكثرة وقوع من مع لام التعريف طلبا للخفّة، وقد جاء الكسر على الأصل فقالوا: من الرّجل بكسر النون وهو ضعيف وهو بعكس من ابنك لأنّ كسر نون من في قول: من ابنك هو الفصيح، لأنّه على الأصل، وقد جاء فيه الفتح، وهو أضعف فقالوا من ابنك مثل/ من الرجل، فأمّا نون عن فعلى الأصل في الموضعين فتقول: عن الرّجل، وعن ابنك بالكسر فيهما ليس إلّا (¬4). ومنه: هلمّ يا هؤلاء (¬5) بتحريك الساكن الثاني وهي ميم هلمّ المدغم فيها بالفتح وجوبا في لغة أهل الحجاز، وأمّا أهل نجد فيقولون: هلمّوا وهلمّي (¬6) على ما سبق في موضعه. فصل (¬7) ومنهم من كره اجتماع الساكنين مطلقا وإن كانا على حدّهما ولم يمكنه تحريك الألف فيقلبها همزة لأنّها أقرب الحروف إليها فقالوا: دأبّة وَلَا الضَّالِّينَ (¬8) بالهمز (¬9) وكذلك جميع ما هو من بابه. ¬
الفصل الخامس في حكم أوائل الكلم
الفصل الخامس في حكم أوائل الكلم (¬1) وتشترك (¬2) فيه الأضرب الثلاثة، والأصل أن لا يبتدأ إلّا بمتحرك ولا يوقف إلّا على ساكن، أمّا الابتداء بالمتحرك فلضرورة النطق، وليس ذلك لقياس اقتضاه (¬3) وإنّما هو من قبيل الضرورة وعدم إمكان الابتداء بالسّاكن، وأمّا الوقف على الساكن فلازم استحسانا لا لتعذّره لأنّه ممكن، وقد جاء من الكلم ما وضع أوله على السكون وذلك يكون في الأسماء والأفعال والحروف. القول على الأسماء التي هي كذلك وهي ضربان: أسماء غير مصادر وهي سماعيّة، وأسماء هي مصادر وهي قياسية. ذكر الأسماء غير المصادر التي هي السّماعية (¬4) هي عشرة أسماء ابن وابنة وابنم واسم واست واثنان واثنتان وامرؤ وامرأة وايمن الله. فأمّا ابن فأصله بنو بفتح الفاء والعين كجمل دلّ عليه جمعه، والنسبة إليه لأنّه يجمع على أبناء كأجمال وينسب إليه بنويّ فحذفوا منه اللّام وهي واوه تخفيفا وسكنوا أوله وأدخلوا همزة الوصل عوضا مما حذف منه. وأمّا ابنة فأصلها بنوة تأنيث ابن حذفت الواو تخفيفا وسكّن أولها وأدخلوا همزة الوصل عليها عوضا عن المحذوف فصارت ابنة، والتاء فيها للتأنيث بخلاف بنت فإنّ تاءها ليست للتأنيث وإنّما هي بدل من لام الكلمة المحذوفة حسبما سبق في التصغير، ¬
وأمّا ابنم فأصله ابن زيدت عليه الميم للمبالغة والتوكيد كما زيدت في زرقم وستهم بمعنى عظيم الزّرقة، والعظيم العجيزة أي الأست. وليست الميم بدلا من اللّام المحذوفة من ابن، وإلّا لكانت اللّام كالثابتة وبطل دخول همزة الوصل. وأمّا اسم فأصله سمو بكسر فاء الفعل (¬1) فحذفت لامه التي هي الواو وسكّن أوله، وعوّض همزة الوصل. كما قيل في ابن. وأما است فأصله سته على وزن فعل بفتح العين فحذفت اللّام التي هي الهاء وعوّض بهمزة الوصل كما قيل في ابن، ومنهم من حذف العين وهي تاء سته فصار «سه» وهو قليل (¬2) ومنه قوله عليه السّلام: «العين وكاء السّه» (¬3). وأمّا اثنان فأصله ثنيان بتوالي ثلاث فتحات مثل: غليان وهو من ثنيت بدليل وقولهم: ثنويّ فحذفت ياؤه على غير قياس، بقي ثنان، فأسكنت فاؤه وجعلت/ همزة الوصل، عوضا مما حذف منه. وأما اثنتان فالقول فيها كالقول في اثنين (¬4) والتاء فيها للتأنيث. وأمّا امرؤ فخففت الهمزة من آخره بالحذف لكثرة الاستعمال وعوّض منها همزة الوصل ولم يحذفوا همزة الوصل إذا رجعت الهمزة لأنّ حذف هذه الهمزة سائغ أبدا، فلما كانت إذا رجعت بصدد الزوال صار وجودها كعدمها قال ابن يعيش في شرحه: وكثرت هذه الكلمة في كلامهم حتّى صارت عبارة عن كلّ ذكر وأنثى من الناس (¬5) وأمّا امرأة فالقول فيها كالقول في امرئ. وأما أيمن الله فقد تقدّم الكلام على معناها في القسم، وأمّا همزتها فهي همزة وصل عند البصريين عوضا عن اللّام المحذوفة وهي نون أيمن في قولك: أيم الله (¬6) ¬
ذكر المصادر التي تلزمها همزة الوصل لسكون أوائلها
ولم يحذفوا هذه الهمزة وإن عادت النون، لأنّها بصدد أن تحذف وهي همزة مفتوحة لشبه أيمن بالحرف، لأنّها اسم غير متمكن، ولم يستعمل إلّا في القسم، ففتحت الهمزة معها كما فتحت مع لام التعريف وحكى يونس: ايمن بكسر الهمزة (¬1). ذكر المصادر التي تلزمها همزة الوصل لسكون أوائلها (¬2) أمّا الأسماء العشرة التي هي غير مصادر المقدمة الذكر، فمسموعة معدودة، وأمّا المصادر فقياسيّة لأنّها تأتي من كلّ فعل بعد ألفه أربعة أحرف فصاعدا إذا ابتدئ به وكان ماضيا أو أمرا كانطلق انطلاقا، واستخرج استخراجا وقد خرج من ذلك نحو: دحرج دحرجة وأكرم إكراما لعدم الألف في أول دحرج، ولكون ما بعد ألف أكرم أقل من أربعة، فإذا كان الفعل بالصفة المذكورة أعني أن يكون أوله ألفا وبعدها أربعة فصاعدا كان أوله ساكنا، وهمزته همزة وصل، وكان مصدره كذلك فإن قيل: أسطاع إسطاعا بمعنى أطاع بقطع الهمزة عند بعض العرب، وأهراق إهراقا فعلان أولهما ألف وبعدها أربعة أحرف، ومع ذلك فليست الهمزة فيهما ولا في مصادرهما للوصل؟ فالجواب: أنّ زيادتهما على غير القياس، فهما شاذّان (¬3) والأفعال التي مصادرها كذلك ثمانية: 1 - انفعل انفعالا كانطلق انطلاقا. 2 - افتعل افتعالا كاقتدر اقتدارا. 3 - استفعل استفعالا كاستخرج استخراجا. 4 - افعلّ افعلالا كاحمرّ احمرارا. 5 - افعنلل افعنلالا كاقعنسس اقعنساسا. 6 - افعالّ افعيلالا كاشهابّ اشهيبابا. 7 - افعوّل افعوّالا كاخروّط اخروّاطا. ¬
ذكر الأفعال التي تلزمها همزة الوصل لسكون أوائلها
8 - افعوعل افعوعالا كاخشوشن اخشيشانا (¬1). فجميع مصادر هذه الأفعال وما أشبهها يلزمها همزة الوصل، لأنّ أوائلها وضعت على السكون وتسقط همزاتها في الوصل وجوبا. ذكر الأفعال التي تلزمها همزة الوصل لسكون أوائلها (¬2) فمنها أفعال المصادر المذكورة التي هي: انطلق واقتدر واستخرج إلى آخرها إذا كانت ماضية أو أمرا، فمهما جاء من ذلك فهمزته همزة وصل تسقط في الدرج، ومنه كلّ فعل ثلاثي سكّن فيه ما بعد حرف المضارعة نحو يضرب إذا بنيته/ للأمر نحو اضرب فيلزمه همزة وصل مكسورة إلّا فيما بعد ساكنه ضمة أصلية نحو: اقتل واغز فإنها تضمّ وخرج بقوله: (¬3) ضمة أصلية، باب ارموا وامشوا فإنّ الهمزة فيهما مكسورة لأنّ الأصل: ارميوا وامشيوا فما بعد الساكن إنّما هو كسرة في الأصل والضمّة عرضت بعد الحذف لأجل الواو حسبما تقدم ذكره. ذكر الحروف التي تلزمها همزة الوصل لوضعها على السكون وهي لام التعريف وميمه في لغة طيء (¬4) كقولك: الرجل وامرجل. وهمزة الوصل فيهما مفتوحة لأنّها كثرت في كلامهم ففتحوها طلبا للخفّة. فأوائل جميع ما ذكرناه من الأسماء والأفعال تبقى ساكنة على حالها في الدّرج، لأنّ الكلام المتصل صار وصلة إلى النطق بالسّاكن، فأغنى عن الهمزة فلذلك كان إثباتها في الوصل لحنا، لأنّها إنّما وضعت ليتوصّل بها إلى النطق بالساكن، وقد حصل ذلك بالكلام الذي اتصل به إلا في ضرورة الشعر نحو قول ¬
ذكر حكم الهمزات المتوصل بها إلى النطق بالساكن
قيس بن الخطيم: (¬1). إذا جاوز الإثنين سرّ فإنّه … بنشر وتكثير الحديث قمين فأثبتها في الإثنين لضرورة قيام الوزن. وإلّا (¬2) مع همزة الاستفهام فيما فيه لام التعريف، ومع أيمن نحو: آلرجل عندك؟ آيمن الله يمينك؟ فإنهم التزموا جعل همزة الوصل في الموضعين المذكورين ألفا للبس الاستخبار بالخبر (¬3) حسبما تقدّم في التقاء الساكنين. ذكر حكم الهمزات المتوصّل بها إلى النطق بالسّاكن (¬4) وتسمّى هذه الهمزات همزات الوصل، للتوصل بها إلى النطق بالسّاكن بعدها (¬5) وحكمها أن تكون مكسورة لأنها ساكنة في الأصل (¬6) وحركت لاجتماعها مع لام التعريف الساكنة، والأصل فيما حرّك لالتقاء الساكنين أن يحرّك بالكسر، وإنّما قلنا: إنّ أصلها السكون لأنّها زيدت في الأول كزيادة هاء السكت في الآخر لبيان الحركة فكما أنّ هاء السكت ساكنة فكذلك هذه الهمزة (¬7) لكن تكون مضمومة إذا كان ثالث الفعل مضموما ضما لازما (¬8) نحو: أخرج وكذلك إذا بنيت الأفعال المقدمة الذكر لما لم يسمّ فاعله نحو: استخرج المال وانطلق بزيد واقتدر على عمرو، بضمّ همزة الوصل مع ضمّ ما بعد الساكن فيتبع الضمّ الضمّ لأنّهم استثقلوا ¬
الخروج من كسر إلى ضمّ، ولم يعتدّوا بالساكن بينهما حاجزا لأنّ الساكن كالميّت، وتكون مفتوحة مع لام التعريف وميم التعريف وإنّما فتحت معهما ليفرّقوا بين دخولها على الحرف وبين دخولها على الاسم والفعل، وفتحت في كلمتي القسم أيضا وهي: ايمن الله وايم الله لشبههما بلام التعريف في لزومهما موضعا واحدا وهو القسم ففتحت معهما كما فتحت مع لام التعريف (¬1). واعلم أنّ هو وهي إذا اتصلتا بالواو/ أو الفاء أو لام الابتداء أو همزة الاستفهام جاز إسكانهما (¬2) لأنّ قولك: وهو كعضد وقولك: وهي ككبد فسكنت الهاء فيهما تشبيها بضاد عضد وباء كبد، فمثال التسكين مع الواو قوله تعالى: وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (¬3) ومع الفاء فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (¬4) وقوله: وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ (¬5) وقوله: فَهِيَ كَالْحِجارَةِ (¬6) جميع ذلك قريء بالإسكان والتحريك (¬7) ومثاله مع لام الابتداء قوله تعالى: لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ (¬8) ومثاله مع الهمزة قول الشّاعر: (¬9) ¬
الفصل السادس في زيادة الحروف
فقمت للزّور مرتاعا وأرّقني … فقلت أهي سرت أم عادني حلم فإذا ابتدئ بهما ردّتا إلى أصلهما كقولك مبتدئا: هو، بضمّ الأول وهي، بكسر الأول، ولام الأمر أصلها الكسر نحو: ليقم زيد بالكسر لا غير، فإذا اتصل بها الواو والفاء جاز إسكانها تخفيفا نحو: وَلْيُوفُوا (¬1) ونحو: فَلْيَنْظُرْ (¬2) وكذلك يجوز إسكانها أيضا مع ثمّ كقوله تعالى: ثُمَّ لْيَقْطَعْ (¬3) وكقوله: ثُمَّ لْيَقْضُوا (¬4) بإسكان اللّام فيهما لأنه جعل الميم الثانية من ثمّ بمنزلة الفاء في قولك: فليقضوا، وإنما أورد (¬5) تسكين الهاء في هو وهي ولام الأمر في باب ما وضع أوله على السكون وإن لم يكن منه، خوفا من أن يتوهّم متوهم أنه منه، فبيّن أنّ سكون ذلك عارض لضرب من التخفيف فلا يعتدّ به وأنت بالخيار في تسكين ذلك وتحريكه. الفصل السادس في زيادة الحروف (¬6) ويشترك فيها الاسم الفعل (¬7)، والزيادة تكون لأحد سبعة أمور: 1 - أن تكون للدلالة على معنى كزيادة حروف المضارعة وحروف التثنية والجمع وما أشبهها (¬8). 2 - أن تكون للإلحاق حسبما تقدم في أبنية الأسماء والأفعال كزيادة الواو في جوهر إلحاقا بجعفر. ¬
3 - أن تكون لتليين اللفظ (¬1) وإزالة قلق اللّسان بسبب توالي الحركات ولا تكون الزيادة لهذا المعنى إلا من حروف المدّ كألف عماية وياء صحيفة وواو عجوز. 4 - أن تكون للعوض عمّا حذف كتاء إقامة (¬2). 5 - أن تكون للتكثير كميم زرقم وستهم (¬3). 6 - أن تكون للإمكان كألف الوصل وهاء السكت في قه في الوقف لأنه لا يمكن أن يبتدأ (¬4) بحرف، ويوقف عليه. 7 - أن تكون للبيان كزيادة هاء السكت أيضا في نحو: مالِيَهْ (¬5) لبيان الحركة وفي نحو: يا زيداه لبيان الألف (¬6). وحروف الزيادة عشرة يجمعها قوله: اليوم تنساه، ومعنى كونها حروف زيادة أنه إذا وقع في الكلمة حرف زائد لغير الإلحاق ولغير التضعيف فلا يكون إلّا منها، وليس المراد أنها لا تقع إلا زائدة فإنها قد تقع أصولا نحو: هول، ويعرف الزائد من الأصلي بواحدة من ثلاث وهي: الاشتقاق وعدم النظير وكثرة وقوع الحرف زائدا، والمقدّم في ذلك الاشتقاق وهو اشتراك اللفظين في المعنى/ الأصلي، والحروف الأصول، كضارب ومضروب من الضرب، ولذلك حكم بزيادة النون في عنسل (¬7) وهو الناقة السريعة لأنّه موافق في الحروف الأصول وفي المعنى الأصلي لعسل إذا أسرع ومنه عسلان الذئب (¬8)، والحرف الزائد هو الذي يسقط في تصاريف الكلمة ¬
ذكر زيادة الهمزة
تحقيقا وتقديرا (¬1) وقد تقدّم في قسمي الاسم والفعل عند ذكر الأبنية المزيد فيها نبذ من القول في زيادة هذه الحروف، وأمّا المذكور هنا فهو ما يميّز به بين مواقع أصالتها ومواقع زيادتها (¬2) وابتدأنا ب ذكر زيادة الهمزة ثمّ الألف ثمّ الياء ثم الواو ثم الميم ثم النون ثم التاء ثم الهاء ثم السين ثم اللام. ذكر زيادة الهمزة (¬3) وهي إمّا أن تقع أولا أو غير أول، أمّا التي تقع أولا، فإن وقع بعدها ثلاثة أحرف أصول قضي بزيادتها (¬4) كأرنب وأكرم إلّا أن يقوم دليل على أصالتها كإمّعة (¬5) وإمّرة (¬6) أو على جواز الأمرين كأولق (¬7) أما زيادة الهمزة في أرنب فلكثرة زيادتها في هذا الموضع فيما عرف اشتقاقه، وأما أكرم فللاشتقاق لأنّ كرم ليس فيه همزة وكذلك ما يأتي من هذا الباب مثل أحمد وأسود وما أشبههما لعدم الهمزة في حمد وسود، وأمّا أصالتها في إمّعة فلما صرفنا عن زيادتها وهو أنّ إمّعة صفة للذي يكون تبعا لغيره لضعف رأيه، فلو كانت الهمزة فيها زائدة لكان وزنها إفعلة لكن ليس في الصفات إفعلة فلذلك حكم بأصالتها فيكون وزنها فعّلة (¬8) وأمّا جواز الأصالة والزيادة في همزة أولق وهو ضرب من الجنون، فبعضهم - وهم الأكثر - يقولون: إنّ همزته أصلية والواو زائدة فيكون وزن أولق على هذا فوعل، لأنّه من ألق فكما أنّ الهمزة في ¬
ذكر زيادة الألف
ألق فاء الفعل، فكذلك هي في أولق، وبعضهم يقول: هو من ولق إذا أسرع فوزنه على هذا أفعل (¬1)، لأنّ الواو أصلية فهي فاء الفعل والهمزة زائدة كما رأيت من أصالة الواو في الفعل الذي هو ولق (¬2)، وإن وقعت الهمزة أولا ووقع بعدها حرفان أصليان أو أربعة أصول قضي بأصالتها كإتب وإزار وإصطبل وإصطخر (¬3) أمّا أصالة همزة إتب وهو ثوب بلا كمّ ولا جيب، فلئلا ينقص الاسم عن مثال الأصول فيبقى على حرفين لو جعلنا همزته زائدة، وإزار كذلك لأنّ الألف زائدة، وأمّا أصالتها في إصطبل وإصطخرو ما أشبههما فلأنّ الأربعة مستثقلة والهمزة حرف ثقيل وما كانوا ليزيدوا الثقيل ثقلا، فيحكم بأصالتها حتى يقوم دليل على الزيادة (¬4) وأمّا الهمزة التي تقع غير أول فكذلك يقضى (¬5) بأصالتها، لأنّ الحشو لا يكاد يزاد فيه إلّا أن يأتي ما يصرف عن ذلك ويوجب زيادتها كهمزة شمأل، ونئدل وهو الكابوس، وجرائض وهو العظيم البطن، وضهيأة وهي التي لا تحيض، كأنها ضاهت الرجال، أما زيادة همزة شمأل، فلأنّه من شملت الريح (¬6)، وأمّا نئدل فلأنه من النّدل، ولقولهم: نيدلان بغير همز ولولا/ سقوطها في النّدل وفي التثنية لقضي بأصالتها (¬7) وأما جرائض فلقولهم: جرواض وجرياض بغير همز، وأما ضهيأة فلقولهم فيها أيضا: ضهيأ بغير هاء فتكون الهمزة زائدة ووزنها فعلاء، لأنك لو جعلت الهمزة لام الفعل لكان وزنها فعيل بالفتح وهو غير موجود في كلامهم (¬8). ذكر زيادة الألف (¬9) وهي إذا كانت في الأسماء والأفعال ومعها ثلاثة أصول فصاعدا قضي بزيادتها، فألف غزا ورمى ليست زائدة، لأنّها مع أقل من ثلاثة أصول، ولا تزاد الألف أولا ¬
ذكر زيادة الياء
لامتناع الابتداء بالسّاكن، لكن تزاد ثانية كضارب وخاتم (¬1)، وثالثة كحمار وكتاب. ورابعة كحبلى وجلباب وسرداح وهي الناقة الكثيرة اللحم، وخامسة نحو: حلبلاب وهو نبات يتعلّق بالشجر (¬2) ولا تزاد الألف في حشو الاسم للإلحاق لكن في آخره كألف معزى، فإنّها للإلحاق بدرهم لا للتأنيث، أمّا زيادتها فلقولهم: معز ومعز (¬3) وأمّا كونها ليست للتأنيث فلتنوين معزى، والمعزى أعجمي أجرته العرب مجرى رجل وفرس فدخله الإلحاق بزيادة الألف كما دخل في الأسماء العربيّة. وأمّا إذا وقعت الألف آخرا فهي على أحد ثلاثة أوجه: إمّا للإلحاق كما قلنا في ألف معزى، وإمّا للتأنيث كألف حبلى، وإمّا لغيرهما كألف قبعثرى وهو العظيم الخلق فإنّ ألفه كألف كتاب لا للتأنيث ولا للإلحاق، أما كونها لغير التأنيث فلتنوين قبعثرى، وأمّا كونها لغير الإلحاق فللزيادة على الغاية، لأنّ غاية الأصول خمسة وليس لهم أصل سداسيّ ليلحق به (¬4). ذكر زيادة الياء (¬5) وهي إن كانت مع ثلاثة أصول فهي زائدة أينما وقعت سواء كانت أولى (¬6) كيلمع وهو السّراب، ويهير وهو الحجر الصلب، ويضرب، أو ثانية (¬7) كبيطر أو ثالثة (¬8) كعثير وهو الغبار، أو رابعة (¬9) كزبنية (¬10)، أمّا زيادتها في يلمع فلقولهم: لمع وأمّا في يهيرّ والزائدة (¬11) هي الأولى، فلأننا لو جعلنا الثانية هي الزائدة لزم ¬
وجود فعيل وهو غير موجود في كلامهم فوزنه يفعل (¬1)، وأمّا بيطر فلأنّه من بطر إذا شقّ وأمّا في عثير وزبنية وهو واحد الزبانية، فلأنها لا تكون في مثلها فيما عرف اشتقاقه إلا زائدة فوجب القضاء بزيادتها فيما لم يعرف اشتقاقه حملا على ما عرف اشتقاقه إلى أن يقوم دليل على خلافه كالياء في يأجج وهو واد بقرب مكّة (¬2)، وفي مريم ومدين، وفي صيصية وهي شوكة يسوّي بها الحائك السّداة (¬3) واللّحمة، وفي قوقيت، أمّا الدليل على أصالتها في يأجج فزيادة الجيم الأخيرة، لأنّها زائدة للإلحاق بجعفر ولأجل الإلحاق لم تدغم فيها الجيم الأولى وإذا كانت الجيم زائدة لزم أصالة الياء لئلا تنقص الكلمة عن مثال الأصول فوزن يأجج فعلل لا يفعل (¬4) / وأمّا الياء في مريم ومدين فلعدم فعيل بفتح الفاء فوزنهما فعلل، وكان القياس أن يقال: مريم ومدين بكسر أولهما، ليصيرا على وزن عثير، وأما أصالتهما في صيصية فلأنّهم لو جعلوا الياءين زائدتين نقصت الكلمة عن مثال الأصول، ولا وجه للقضاء بزيادة إحداهما دون الأخرى، فلما امتنع أن تكونا زائدتين لزم أصالتهما (¬5) وأمّا قوقيت فياؤه مبدلة من واو كان الأصل قوقوت، فقلبوا الواو الثانية ياء لوقوعها رابعة كما قلبت في ادعيت والكلام في أصالتها كالكلام في صيصية (¬6). وأمّا إذا كانت الياء مع أربعة أصول، فإن كانت الياء أولا كيستعور وهو اسم مكان بالحجاز (¬7) فهي أصل لأنّ بنات الأربعة إذا لم تكن جارية على الفعل فلا تلحقها الزوائد من أولها، لأن بنات الأربعة أقل تصرفا من بنات الثلاثة، وقد ضعفت الزيادة في أوائل بنات الثلاثة ولم تتمكن كتمكنها في الوسط والآخر، لأنّه قد يجتمع فيهما زيادتان ولم يقع ذلك في أوائلها، وإذا كان كذلك لم تجز في أوائل بنات الأربعة، بخلاف الجارية على الفعل فتلحقها خاصة الزيادة من أوائلها نحو: منطلق ومدحرج، وأمّا إذا لم تكن الياء ¬
ذكر زيادة الواو
أولا على الوجه المذكور فهي زائدة كما في سلحفية لجمعها على سلاحف، لأنّ الزيادة في غير الأوائل لا تمتنع في بنات الأربعة (¬1). ذكر زيادة الواو (¬2) وهي لا تزاد أولا لكن في غير الأوائل، فمثالها زائدة ثانية (¬3) عوسج لأنّه من عسج إذا مدّ عنقه (¬4)، وثالثة (¬5) قسور لأنّه من القسر (¬6)، ورابعة (¬7) عنفوان وهو أول الشباب لأنّه من العنف ضد الرفق، وخامسة (¬8) قلنسوة لأنّها من قلنس، فالواو في مثل هذا كله زائدة، إلّا أن يعترض ما يقضي بأصالتها نحو واو عزويت وهو اسم موضع (¬9) لأنّه لو قضي بزيادتها لكان وزنه فعويل فيدخل في الكلام ما ليس منه، لأنّه ليس في كلامهم فعويل، وإذا انتفى فعويل كان وزنه فعليت مثل عفريت، فتكون الياء والتاء زائدتين، والواو لام الكلمة، وأمّا في أوائل الكلم فلا تقع الواو زائدة لأنّهم قد يبدلون الواو الأصلية إذا وقعت أولا استثقالا لها كما أبدلت تاء في تراث وهمزة في أقتّتت فلئلا (¬10) تزاد أولا بطريق الأولى، وأمّا واو ورنتل وهو الداهية، فأصلية وليست زائدة وإنما الزائد النون للإلحاق بسفرجل كزيادتها في جحنفل وهو الجيش العظيم ووزنه فعنلل، فإن قيل: إنّ الواو (¬11) لا تكون أصلا في بنات الأربعة إلّا مع التضعيف ولا تضعيف في ورنتل فليست الواو فيه أصلا، فالجواب: أنّ جعل الواو أصلا في ورنتل أقرب وأولى من جعلها زائدة، لأنّها ثبتت أصلا في بنات الأربعة مع ¬
ذكر زيادة الميم
التضعيف ولم تكن قط زائدة في بنات/ الأربعة لا مع التضعيف ولا مع غيره. ذكر زيادة الميم (¬1) وهي إمّا أن تقع أولا أو غير أول، أمّا التي تقع أولا فإن وقع بعدها ثلاثة أحرف أصول، فحكمها حكم الهمزة في القضاء بزيادتها، وهي إنما تزاد أولا في الأسماء فتزاد في مفعول من الفعل الثلاثي كمضروب، وفي اسم الزمان والمكان كمقتل، وفي اسم الفاعل من بنات الأربعة وما وافقه كمكرم ومدحرج، وفي مفعال للمبالغة كمقياس ومفتاح (¬2). وزيادة الميم أولا أكثر من زيادة الهمزة أولا، والذي يدلّ على زيادتها في جميع ما ذكرناه الاشتقاق ألا ترى أنّ مضروبا ومقتلا ومحبسا من الضرب والقتل والحبس ومدحرج من دحرج ومكرم من أكرم ومقياس من قاس، ومفتاح من فتح، فإن أبهم ما يأتي فيه الميم أولا حمل على ما علم إلى أنّ يقوم دليل على أصالتها كميم معدّ، ومعزى، ومأجج اسم مكان (¬3) ومهدد اسم امرأة ومنجنون وهو الدولاب (¬4)، ومنجنيق، فإنّ الميم في جميع ذلك أصلية أمّا معدّ فلقولهم: تمعددوا، أي كونوا على ما كان عليه معدّ من خلقه وطريقته، فميم معد هي ميم تمعددوا، وهي في تمعددوا أصل لأنّ الميم لا تزاد في الأفعال فهي في معدّ أصل، ووزنه فعل بتشديد اللّام (¬5) وأمّا معزى فلقيام الدليل على زيادة الألف للإلحاق بدرهم فلو لم تكن الميم أصلا لنقص الاسم عن مثال الأصول (¬6) وأمّا مهدد ومأجج فإنما كانت الميم أصلية فيهما، لأنّهما من مهد يمهد، ومؤج يمؤج الماء إذا صار أجاجا، وحملهما على ذلك أولى من جعل الميم زائدة حملا على هدد وأجج، لأنّ عدم تغيير العلم أولى من المصير إلى تغييره، فوزن مأجج ومهدد فعلل واللّام الثانية زائدة للإلحاق بجعفر، ولذلك لم تدغم لأنّه لو أدغم لفات الغرض الذي له زيدت اللام، ¬
وهو الإلحاق (¬1) ولو قلنا بزيادة الميم واللام معا لنقص الاسم عن مثال الأصول، فلزم أن تكون الميم أصلا، وأمّا منجنون فميمه أصلية وقد تكررت فيه النون عينا ولاما للإلحاق بعضر فوط فوزنه فعللول إذ ليس في العربية منفعول، ومن الدليل على أصالة النون أيضا جمعه على مناجين، وإذا ثبتت أصالة النون فيه ثبتت أصالة الميم، وإلّا لكان وزنه مفعلول، وهو معدوم في كلامهم (¬2) وأيضا فاجتماع زيادتين في أول الكلمة لا يكون إلّا فيما كان جاريا على الفعل نحو: منطلق ومستخرج (¬3) وأمّا منجنيق ففي أصالة الميم خلاف ومذهب الأكثر (¬4) أنّها أصل، والنون زائدة لقولهم: مجانيق فسقوطها في الجمع دليل على زيادتها وإذا ثبتت زيادة النون، قضي بأصالة الميم، لأنّه لا يجتمع زيادتان في أوّل الاسم، إلّا أن يكون جاريا على فعله في نحو: منطلق ومستخرج، وإذا كانت الميم أصلا فيه/ كان وزنه فنعليل، وأمّا إذا وقعت أولا خامسة فهي أصل كمرزنجوش (¬5) لما سبق من أنّ زيادة الهمزة مستثقلة في ذوات الأربعة لطولها فلم يكونوا ليزيدوا الثقيل ثقلا، وإذا كانت لا تزاد أولا في ذوات الأربعة فذوات الخمسة بذلك أولى، فيحكم بأصالتها ما لم يقم دليل على الزيادة. وأمّا الميم التي تقع غير أول (¬6) فهي أصل لأنّه ليس بموضع زيادتها إلّا أن يدلّ دليل على الزيادة كميم دلامص (¬7) وقمارص وهرماس وزرقم، أمّا دلامص وهو البرّاق فلقولهم: دلاص (¬8) وأمّا قمارص وهو الحامض، فلقولهم: لبن قارص لكونه يقرص اللسان (¬9) وأمّا ¬
ذكر زيادة النون
هرماس وهو الأسد فلأنّه من الهرس، وأمّا زرقم ونحوه ستهم فلأنه بمعنى الأزرق والأسته، فقد دلّ على زيادة الميم حشوا في ذلك كلّه، الاشتقاق، لسقوط الميم فيما ذكر من دلاص وقارص، والهرس والأزرق والأسته (¬1)، والميم من زيادات الأسماء، ولا حظّ للفعل فيها، ولذلك قضي بأصالة ميم معدّ، لكونها أصلا في تمعددوا، وأما قولهم: تمسكن وتمدرع وتمندل فشاذ (¬2). ذكر زيادة النون (¬3) ولها في ذلك موضعان: أحدهما: موضع تكثر زيادتها فيه فمتى وجدت في ذلك الموضع قضي بزيادتها فيه إلّا أن يقوم دليل على أصالتها، وثانيهما: موضع يقلّ زيادتها فيه، فمتى وجدت في ذلك الموضع قضي بأصالتها إلّا أن يقوم دليل على زيادتها. أمّا الموضع الذي تكثر زيادتها فيه فله عدّة صور: منها: أن تقع النون أخيرا بعد ألف زائدة قبلها ثلاث أحرف أصول (¬4) فإذا وقعت كذلك فاحكم بزيادتها إلّا أن يقوم دليل على أصالتها كما سيأتي، فإذا وقعت النون على هذه الصفة فالأصل أن تلحق الصفات مما مؤنثه فعلى نحو: سكران لأنّ الصفات بالزيادة أولى، لشبهها بالأفعال، وأمّا الأعلام من نحو: مروان وقحطان وعثمان، فمحمولة على الصفات في ذلك، وأمّا نحو: عنان وسنان، فنونهما أصل لعدم تقدّم ثلاثة أصول على الألف (¬5) وأمّا دهقان (¬6) وشيطان، فإنه وإن كان قبل الألف ثلاثة أصول ولكنّ النون فيهما أصل لقيام الدليل على أصالتها، لأنّ دهقان من تدهقن، وشيطان من تشيطن، وكذلك حسّان وحمار قبّان (¬7) وفينان وهو الرجل ¬
الكثير الشعر فيمن صرفها (¬1)، لأنّها من حسن وقبن وفنن إذا أبعد في الأرض (¬2) فنون جميع ذلك غير زائدة، ولذلك صرفت، ومنهم من جعل النون في حسّان وحمار قبّان زائدة ومنعهما الصرف حملا على الأكثر وهو القياس، فيكون حسّان من الحسن وحمار قبّان من القب (¬3)، والقاعدة في ذلك أنّ ما آخره ألف ونون بعد ثلاثة أصول إن كان مشتقا مما ليس فيه نون، فنونه زائدة وهو غير منصرف كسكران لأنه من السكر فنونه زائدة وهو غير منصرف، وإن كان مشتقا مما فيه النون فنونه غير زائدة، وهو منصرف كندمان، لأنّه من الندامة فنونه غير زائدة وهو منصرف، وأمّا دهقان وشيطان فإن كانا/ من تدهقن وتشيطن فنوناهما غير زائدتين وهما منصرفان وإن كانا من دهق وشيط كانت النون فيهما زائدة وهما غير منصرفين لزيادتها. ومنها: زيادتها في أول الفعل المضارع، والفعل المطاوع نحو: نفعل وانفعل. ومنها: زيادتها في آخر الجمع نحو: غربان، وفي المصدر نحو: غليان. ومنها: زيادتها سادسة في نحو: زعفران وسابعة في نحو: عبيثران لأنها لو جعلت أصلية فيهما لخرجا عن وزن أبنية الأصول. ومنها: أن تزاد ثالثة ساكنة نحو: جحنفل (¬4)، وشرنبث وهو الغليظ الكفين وعصنصر وهو اسم جبل (¬5) وغضنفر (¬6) وعرندد (¬7) فالنون زائدة في ذلك كلّه، لأنّ الألف والواو والياء تكثر زيادتها إذا وقعت هذا الموقع في بنات الأربعة كالألف. في نحو: مساجد، والواو في نحو: فدوكس وهو الأسد، والياء في نحو: دريهم، ¬
ذكر زيادة التاء
فكذلك النون إذا وقعت هذا الموقع لأنّها من حروف الزيادة، وقد وقعت في موقع كثر فيه زيادة الحروف المذكورة فوزن ما ذكر من جحنفل إلى غضنفر فعنلل (¬1) وأمّا الموضع الذي تقلّ زيادة النون فيه، فهو أن تقع غير ثالثة سواء كانت أولى كنهشل وهو الذئب وهو فعلل مثل جعفر فلذلك لم يمكن الحكم بزيادة نونه، أو كانت ثانية كحنزقر وهو القصير، وإنّما كانت نونه أصليّة لأنها في مقابلة الأصول إذ هي بإزاء الرّاء من قرطعب (¬2) قال سيبويه (¬3): إذا كانت النون ساكنة ثانية لا تجعل زائدة إلّا بدليل، وأمّا إذا قام دليل على الزيادة فهو مقدّم فيحكم بزيادتها حينئذ كما في نرجس وعنبس وهو الأسد، وعنسل (¬4) وعفرنى وهو من أسماء الأسد، وبلهنية، وخنفقيق (¬5) أمّا نرجس فلعدم النظير لو قلنا بأصالة نونه، لأنّه ليس في الكلام مثل جعفر بكسر ما قبل آخره فوزنه نفعل، وأمّا عنبس وعنسل فمن العبس والعسل وهو الإسراع، وعسلان الذئب شدّة عدوه (¬6)، وأمّا عفرنى فالنون والألف فيه للإلحاق وهو من قولهم: جاء في عفرّة الحرّ بضم العين والفاء أي في شدّة الحرّ (¬7) وأمّا بلهنيّة وخنفقيق فالنون زائدة فيهما لقولهم: عيش أبله (¬8) وخفق الريح يخفق أي أسرع (¬9). ذكر زيادة التاء (¬10) وهي تزاد في الأوائل وفي الأواخر، فهي تزاد حيث لا تزاد الواو، وقد اطّردت ¬
زيادة التاء في التفعيل (¬1) كالتقطيع، لأنّه من قطّع فكانت التاء في التقطيع عوضا من تشديد الطاء، وفي التّفعال كالتسال والتكرار، وفي التّفعّل كالتكلم وفي التفاعل كالتخاصم وفي فعليهما نحو: تكلّم وتخاصم، وزيدت ثانية في نحو: الاقتطاع وفي فعله نحو: اقتطع وافتقر، وزيدت في أوائل الفعل المضارع نحو: تقوم وزيدت/ في الآخر للتأنيث (¬2) نحو: قامت ومسلمة صالحة، وزيدت في جمع المؤنث السّالم (¬3) نحو: مسلمات، وفي رغبوت (¬4) وهو عظيم الرغبة، وفي جبروت وعنكبوت لورود العنكب بمعناه (¬5) ثمّ التاء فيما سوى هذه المواضع أصل إلا في نحو: ترتب (¬6) وهو الأمر الراتب الثابت، والتاء الأولى فيه زائدة، لأنّه ليس في الكلام فعلل بضمّ اللّام الأولى، فهو تفعل (¬7)، وإلّا في نحو: تولج وهو كناس الوحش، والتاء فيه بدل من الواو لأنّه من الولوج فوزن تولج تفعل، وقيل: إنّ تفعل قليل، وفوعل كثير فهو فوعل، فتكون التاء أصلا على هذا القول الآخر (¬8) وإلّا في سنبتة وهي قطعة من الدّهر، وتاؤها زائدة لقولهم: مضى سنب من الدّهر، وسنبتة فسقوط التاء دليل على زيادتها (¬9). ¬
ذكر زيادة الهاء
ذكر زيادة الهاء (¬1) وهي قد زيدت آخرا زيادة مطردة للوقف وذلك لبيان الحركة أو حروف المدّ (¬2) أمّا زيادتها لبيان الحركة فإنّما تلحق بالحركة الغير الإعرابيّة وغير المشبهة بها نحو حِسابِيَهْ (¬3) وثمّة، ولا تدخل على حركة بناء تشبه الإعراب فلا تدخل على الفعل الماضي نحو: قامه وضربه ولا على المنادى نحو: يا زيده لأنّهما يشبهان المعرب، وإذا لم تدخل على ما يشبه المعرب فلئلا تدخل على المعرب بطريق الأولى، وأمّا زيادتها لبيان حروف المدّ التي هي: الألف والواو والياء فنحو وا زيداه. وا غلامهوه (¬4) ونحو: حِسابِيَهْ (¬5) وزيدت الهاء أيضا زيادة غير مطردة مما سمع ولا يقاس عليه في جمع أمّ كقولك: أمّهات، وقالوا: أمّات بغير هاء لكنّ أمّهات بالهاء يكثر في الأناسي، وأمّات بغير هاء يكثر في البهائم (¬6) وقد جمع اللغتين من قال (¬7): إذا الأمّهات قبحن الوجوه … فرجت الظّلام بأمّاتكا وزيدت الهاء أيضا في الواحد، فقالوا: أمّهتي قال الشاعر: (¬8) أمّهتي خندف والياس أبي ¬
ذكر زيادة السين
ووزن أمّ فعل فالهمزة فاء، والميم الأولى عين، والميم الثانية لام (¬1) وزيدت أيضا في أهراق إهراقة وذلك أنّه ورد هراق وأهراق فمن قال: هراق، فالهاء بدل من همزة أراق كما قالوا: هردت أن أفعل في أردت (¬2) ومن قال: أهراق فالهاء عنده زائدة كالعوض من حركة العين (¬3) لأنّ من قال أهراق سكّن الهاء وجمع بينها وبين الهمزة، فالهاء حينئذ عنده عوض لا من حرف بل من فتحة عين الكلمة لأنّ الأصل أروق أو أريق، فنقلت الفتحة إلى الراء التي قبلها فانقلبت الواو ألفا ثم جعلت الهاء في أهراق عوضا عن نقل فتحة عين الفعل عن العين إلى الفاء، وأصل يريق يؤريق فأبدلوا من الهمزة هاء بقي يهريق، وزيدت أيضا في هركولة وهي الجسيمة (¬4) ووزنها هفعولة، لأنّها من الرّكل وهو الرفس، وزيدت أيضا في هجرع وهو الطويل ووزنه هفعل، لأنّه من الجرع وهو المكان السّهل (¬5) وزيدت أيضا في هلقامة عند الأخفش وهو من أسماء الأسد، لأنّه من اللّقم، ويجوز أن تكون مزيدة في سلهب/ لقولهم سلب ومعناهما الطويل (¬6). ذكر زيادة السين (¬7) وزيادتها قليلة ولكن اطردت زيادتها في استفعل (¬8) وما تصرّف منه نحو: استخرج يستخرج استخراجا وهو مستخرج، والغالب عليه الطلب في قولك: استفهم ¬
ذكر زيادة اللام
واستعلم، إذا طلب الفهم والعلم (¬1) وزيدت غير مطردة في نحو: أسطاع يستطيع والمراد أطاع يطيع فزيدت السين عوضا من سكون عين الفعل، لأنّ أصل أطاع أطوع فنقلت فتحة الواو إلى الطاء، وانقلبت الواو ألفا لتحركها في الأصل وانفتاح ما قبلها وعوّض السين عن نقل حركة عين الفعل عن العين إلى الفاء كما تقدّم في أهراق (¬2)، وزيدت السين أيضا مع كاف الضمير في خطاب المؤنّث وهي لغة بعض العرب (¬3) فيتبعون كاف خطاب المؤنّث سينا في الوقف تبيينا لكسرة الكاف ويقولون: مررت بكس وأخذت منكس ورأيتكس. ذكر زيادة اللّام (¬4) وهي أبعد حروف الزيادة شبها بحروف المدّ واللين ولذلك قلّت زيادتها ولكن زيدت في أسماء الإشارة (¬5) كقولك: ذلك وهنالك وألا لك، لأنّ الأصل ذاك وهناك وألاك، قال (¬6): ... … وهل يعظ الضّلّيل إلّا ألالكا وكسرت هذه اللّام لئلا تلتبس بلام الملك في قولك: ذالك (¬7) وزيدت أيضا في ¬
الفصل السابع في إبدال الحروف
قولهم: عبدل بمعنى عبد، وزيدل بمعنى زيد (¬1) وفحجل بمعنى الأفحج، وهو وسيع الخطوة، وأمّا قولهم: هيقل وفيشلة فيحتمل أن تكون اللّام زائدة لقولهم لذكر النّعام: هيق بمعنى هيقل (¬2) ولقولهم فيشة بمعنى فيشلة، ويحتمل أن تكون اللّام أصلا، وتكون الياء زائدة لأنّ زيادة الياء ثانية كثير، وزيادة الياء أيضا أكثر من زيادة اللّام. الفصل السابع في إبدال الحروف (¬3) وهو جعل حرف مكان حرف من حروف الإبدال التي ستذكر، والإبدال يقع في الأضرب الثلاثة كقولك في وجوه: أجوه، وفي أراق: هراق وفي هلّا فعلت ألا فعلت، فالذي أثبت هو البدل والزائل هو المبدل منه، وكذلك العوض والمعوض منه، وربما فرّقوا بين البدل والعوض بأنّ البدل يختصّ بجعل الحرف في موضع المبدل منه، نحو: تاء تخمة لأنّها موضع الواو المبدل منها، والعوض يختصّ بجعل الحرف في غير موضع المعوّض منه نحو همزة اسم فإنها عوض من لامه المحذوفة فلمّا أقيمت الهمزة في غير موضع المحذوف وهو الواو سمّي ذلك عوضا، ولا يقال له بدل إلا تجوّزا مع قلّته (¬4) والبدل يأتي لتسهيل اللفظ بمشاكلة الحروف وهو على ضربين: بدل هو إقامة حرف مقام آخر نحو: إقامة تاء تخمة مقام الواو، وبدل هو قلب الحرف نفسه إلى لفظ غيره، والقلب إنّما يكون في حروف العلّة وفي الهمزة كقام فإنّ أصله قوم، فالألف واو في الأصل، وكراس فألفه همزة في الأصل. ولا نريد بالبدل هنا البدل الحادث/ مع الإدغام بل الذي بدون الإدغام (¬5) وأمّا حروف الإبدال فقال في المفصّل: وحروفه حروف الزيادة والطاء والدّال والجيم ويجمعها قولك: استنجده يوم طال (¬6)، وقال السّخاوي ما معناه: إنه غلط في جعله السين من حروف ¬
القول على إبدال الهمزة من غيرها
البدل، وقال ابن الحاجب: (¬1) إنّ ما ذكر من حروف البدل غير جامع لها ولا مانع لغيرها وبيان أنّها غير مانعة أنّ حرف البدل إنّما يعني به الحرف المبدل لا المبدل منه، بدليل أنّ العين يبدل منها وليست معدودة في حروف الإبدال باتفاق، فإذا كان كذلك فعدّه السين من حروف البدل خطأ، لأنّها لا تبدل وإنما يبدل منها قال: فقد ثبت بما ذكر أنّ الحروف المذكورة غير مانعة لأنه أدخل غيرها فيها، وبيان أنّها غير جامعة هو أنّ الصّاد والزاي يبدلان من السين ولم يعدهما هاهنا من حروف البدل وقد ذكر ذلك في المفصّل (¬2) انتهى كلام المذكور. وقد ذكرنا حروف الإبدال على ما رتّبها في المفصّل ونبّهنا على السين والصّاد والزاي في موضعها كما ستقف عليه. وعدّتها في المفصّل ثلاثة عشر حرفا وأولها الهمزة ثمّ الألف ثمّ الواو ثم الياء ثمّ الميم ثم النون ثم التاء ثم الهاء ثم اللام ثم الطاء ثم الدال ثم الجيم ثم السين. القول على إبدال الهمزة من غيرها (¬3) وهي تبدل من خمسة أحرف من حروف اللين الثلاثة، ومن الهاء والعين. ذكر إبدال الهمزة من حروف اللّين وهو يأتي على ثلاثة أقسام: أحدها: إبدال واجب مطّرد. ثانيها: إبدال جائز مطّردّ. ثالثها: إبدال غير مطّرد، والمراد: بالمطّرد جري الباب قياسا من غير حاجة إلى سماع في كلّ فرد فرد منه، والمراد بالواجب ما لا يجوز غيره، والمراد بغير المطّرد ما يتوقّف كلّ فرد فرد منه على السّماع، والمراد بالجائز ما يجوز فيه الإبدال وتركه. ¬
أما القسم الأول وهو إبدال الهمزة من حروف اللين إبدالا واجبا مطردا، فله عدة صور
أمّا القسم الأول وهو إبدال الهمزة من حروف اللين إبدالا واجبا مطردا (¬1)، فله عدة صور منها: وجوب إبدالها من ألف التأنيث في نحو: حمراء، وصحراء وعشراء وما أشبهها، وإنما وجب إبدال الهمزة من الألف المذكورة لأنّ الأصل كان حمرى وصحرى وعشرى بألف واحدة مقصورة مثل: حبلى وسكرى فزادوا قبلها ألفا أخرى تكثيرا لأبنية التأنيث ليصير له بناءان ممدود وهو باب حمراء، ومقصور وهو باب حبلى، فالتقى في آخر الكلمة ساكنان الألف الأولى المزيدة للمدّ والألف الثانية التي للتأنيث، ولم يجز حذف إحداهما لأنهم لو حذفوا الأولى لبطل المدّ الذي بنيت الكلمة عليه، ولو حذفوا الثانية زالت علامة التأنيث فلم يبق إلّا التحريك فلو حركت الأولى لبطل المد المقصود، لانقلابها همزة، لأنّ الألف لا تقبل التحريك وكانت الكلمة تؤول إلى القصر، فحرّكت الثانية فانقلبت همزة فصارت صحراء (¬2) فهمزة صحراء وما أشبهها بدل من ألف التأنيث/ ولذلك جمعت على صحاري بانقلاب الهمزة ياء ولو كانت أصلية لثبتت الهمزة في الجمع وكان يجب أن يقال: صحارئ بالهمز. ومنها: وجوب إبدال الهمزة من الواو أو من الياء إذا كانتا لامين كهمزة كساء ورداء لأنّ أصل كساء كساو، بواو هي لام الفعل. لأنّه من الكسوة وأصل رداء رداي بياء هي لام الفعل لأنّه من قولهم: فلان حسن الرديّة، فوقعت الواو والياء طرفا بعد ألف زائدة وكان ينبغي أن يصحّا لسكون ما قبلهما كما صحّتا في دلو وظبي، لكنهم أعلوهما لضعفهما بالتطرف (¬3) ووقوعهما بعد ألف زائدة فقلبتا ألفا إمّا لعدم الاعتداد بالألف حاجزا حتّى صار حرف العلة كأنه قد ولي الفتحة التي قبل الألف وإمّا لكون الألف منزّلة منزلة الفتحة لأنّها من جوهرها فقلبوا حرف العلّة بعدها ألفا فالتقى ساكنان الألف الأولى والألف الثانية المنقلبة عن حرف العلّة، ولم يمكن حذف إحداهما لئلا ينقلب الممدود مقصورا، فحركت الأخيرة لما تقدّم في صحراء فانقلبت ¬
همزة، فالهمزة في الحقيقة في كساء ورداء إنما هي بدل من الألف التي هي بدل من الواو والياء (¬1). ومنها: وجوب إبدال الهمزة من الياء في نحو: علباء وهو عصب العنق، لأنّ الأصل علباي، لقولهم: علب البعير إذا أخذه داء في جانبي عنقه وبعير معلب موسوم في علبائه (¬2)، ومثله حرباء (¬3) وإنما وجب إبدالها من الياء المذكورة لوقوع الياء طرفا بعد ألف زائدة للمدّ، فقلبت الياء ألفا ثمّ قلبت الألف همزة كما قيل في كساء (¬4). ومنها: وجوب إبدال الهمزة من الواو والياء إذا كانتا عين الفعل كما في نحو: قائل وبائع (¬5) لأنّهم لمّا أرادوا بناء اسم الفاعل من قال وباع زادوا قبل ألف قال وباع ألفا لبناء اسم الفاعل، كما زيدت في ضارب فاجتمع ساكنان ألف اسم الفاعل، وألف باع وقال، ولم يمكن الحذف لأنّه يزيل صيغة اسم الفاعل ويصيّره إلى لفظ الفعل، ولم يجز ردّه إلى الأصل فيقال: قاول وبايع، للزوم إعلال اسم الفاعل لاعتلال الفعل، فقلبت الألف الثانية فيهما همزة، وكسرت كما كسرت عين فاعل فهذه الهمزة بدل من ألف قال وباع، والألف بدل من الواو في قال، ومن الياء في باع كما قيل في كساء ورداء. ومنها: وجوب إبدال الهمزة من الواو إذا كانت الواو فاء الكلمة ومعها واو أخرى لازمة نحو: أو اصل وأواقي جمع واصلة وواقية (¬6) وهي ما تقيك وتحفظك، كان الأصل وواصل ووواقي فلما اجتمع الواوان وجب قلب الأولى همزة لثقل ذلك، ولأنّها كانت تبقى معرضة لدخول واو العطف وواو القسم عليها فيجتمع ثلاث واوات وذلك مستثقل، فلذلك وجب أن يبدل من الواو الأولى همزة فقيل أواصل وأواقي، ¬
وأما القسم الثاني وهو إبدال الهمزة من حروف اللين إبدالا جائزا مطردا فله أيضا صور
قال/ (¬1) ... … يا عديّ لقد وقتك الأواقي واحترز بقوله: واو أخرى لازمة عن الواو التي تقع (¬2) ثانية غير لازمة، وهي ما زيدت للمدّ ساكنة نحو الثانية في قولك ووعد فإذا كانت الثانية غير لازمة لم تكن الأولى من قبيل الهمز اللازم بل الجائز فتقول: ووعد وأوعد لأنّ الثانية بمنزلة الألف من فاعل لسكونها وانضمام ما قبلها فجاز همز الأولى ولم يجب كما سيأتي في: وجوه. ومنها: وجوب إبدال الهمزة من الواو الأولى في تصغير واصل وواقية فتقول: أو يصل وأويق، والأصل وويصل ووويق فأبدل من الواو الأولى همزة وجوبا كما في جمعهما (¬3) حسب ما تقدّم. وأمّا القسم الثاني وهو إبدال الهمزة من حروف اللين إبدالا جائزا مطّردا (¬4) فله أيضا صور: منها: إبدالها من الواو المضمومة ضمّا لازما سواء كانت الواو فاء كوجوه وكوقّتت أو عينا غير مدغم فيها كأدور وأثوب فإذا وقعت كذلك جاز إبدال الهمزة منها جوازا حسنا استثقالا للواو المضمومة لأنّها كالواوين، وجاز إبقاء الواو لأنه هو الأصل فتقول مخيّرا في ذلك بين أجوه وأقّتت بالهمز، وبين وجوه ووقتت بالواو، وكذا أدؤر وأثؤب بالهمز وأدور وأثوب بالواو (¬5) وإنما قال «مضمومة» أي (¬6) ضمّا ¬
وأما القسم الثالث: وهو إبدال الهمزة من حروف اللين إبدالا غير مطرد فله صور أيضا
لازما ليخرج ضمّة الإعراب نحو: هذا دلو وضمّة التقاء الساكنين نحو: اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى (¬1) ويمكن أن يستغنى عن قولنا: ضمّا لازما بتقييد الواو بكونها فاء أو عينا، فإذا وقعت مضمومة فاء أو عينا لا يكون ضمّها إلّا لازما حسبما ذكره في المفصل، وقال: غير مدغم فيها، ليخرج مثل: التحوّل والتضوّر، فإن إبدالها غير جائز لئلا يزول الادغام. ومنها: جواز إبدال الهمزة من الواو المضمومة المذكورة إذا كانت عينا وكانت مشفوعة بواو أخرى مثل النّوور وهو النّيلج (¬2) والغوور من غار الماء غوورا (¬3) كلّ منهما بواوين الأولى مضمومة والثانية ساكنة، فيجوز لك أن تبدل من الأولى المضمومة همزة، ويجوز أن تبقيها واوا على حالها (¬4)، أما قلبها همزة فلتنزّل الواو المضمومة منزلة واوين، لأنّ الضمّة واو صغيرة فجاز القلب لاستثقال اجتماع ثلاثة أمثال، لا لاجتماع الواوين فقط، لأنّ الثانية مدّة، وأمّا إبقاؤها واوا على حالها فلأنه الأصل، ولأنّ ضمّة الواو حركة والحركة لا يكون لها حكم الواو حقيقة، ولم يكره اجتماع الواوين هنا لكون الثانية مدة. وأمّا القسم الثالث: وهو إبدال الهمزة من حروف اللين إبدالا غير مطّرد (¬5) فله صور أيضا: منها: إبدال الهمزة من الألف وهو غير مقيس عليه، وليس كلّ العرب تفعله مثل دأبة وشأبة وابيأضّ والعألم والخأتم وقوقأت الدجاجة، كلّ ذلك بإبدال الهمزة من الألف حسبما سبق بعضه في التقاء الساكنين (¬6). ومنها: إبدال الهمزة من الواو التي هي غير مضمومة/ وهو أيضا إبدال غير ¬
مقيس عليه، وغير المضمومة إمّا مكسورة أو مفتوحة أما الواو المكسورة فقد أبدلوا الهمزة منها إذا وقعت أولا إبدالا غير مطرد نحو: وشاح ووسادة ووفادة وهو اسم الوفد، فتقول: إشاح وإسادة وإفادة بهمز ذلك كله (¬1) وقد رأى المازنيّ (¬2) أنّ الإبدال من المكسورة خاصّة مقيس مطّرد وقرأ (¬3) أبيّ (¬4) وسعيد (¬5) من إعاء أخيه (¬6) أي «وعاء أخيه» وأما المكسورة الواقعة حشوا نحو: طويل، فلم تهمز بوجه، وأمّا الواو المفتوحة فقد أبدل منها الهمزة على قلّة في نحو قولهم: امرأة أناة والأصل وناة، لثقل حركتها بسبب عظم عجيزتها وفي نحو: أسماء اسم امرأة، فإنّ همزتها بدل من واو مفتوحة، لأنّ الأصل وسماء من الوسامة وهو الحسن وفي نحو: أحد فإنّ همزته أيضا بدل من واو مفتوحة لأنّ الأصل وحّد من الوحدة، وأما ما بالدار من أحد فهمزته أصلية لأنه ليس بمعنى الوحدة (¬7) وفي الحديث أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم رأى سعد بن أبي وقاص (¬8) يدعو ويشير بأصبعيه في الدّعاء فقال له صلّى الله عليه وسلّم: أحّد ¬
ذكر إبدال الهمزة من الهاء
أحد (¬1) أي أشر بإصبع واحدة، والأصل وحّد. ومنها: إبدال الهمزة من الياء وهو أيضا غير مقيس عليه فمنه: قطع الله أديه أي يديه (¬2)، وقولهم: في أسنانه ألل أي يلل، واليلل قصر الأسنان العليا، وقولهم الشّيمة وهي الخليقة (¬3) وأصلها الشّيمة بالياء فهذا إبدال الهمزة من حروف اللين. ذكر إبدال الهمزة من الهاء (¬4) وهو أيضا قليل غير مطّرد، فمنه قولهم: ماء وأصله موه الميم فاء والواو عين والهاء لام فقلبوا الواو ألفا لتحريكها وانفتاح ما قبلها فصار في التقدير: ماه فأبدلوا من الهاء همزة فصار ماء وإنّما كانت همزته بدلا من الهاء لقولهم في الجمع: أمواه وفي التصغير: مويه، ولقولهم: أمّهت الدواة إذا صببت فيها الماء، ومنه قولهم في الجمع: أمواء والأصل أمواه فأبدلوا من الهاء في الجمع أيضا همزة (¬5) قال الشاعر: (¬6) وبلدة قالصة أمواؤها … ما صحة رأد الضّحى أفياؤها والأصل أمواهها، فأبدل من الهاء في الجمع أيضا همزة، ومنه قولهم: أل فعلت بمعنى هل فعلت، وقولهم: ألا فعلت بمعنى هلّا فعلت (¬7). ¬
ذكر إبدال الهمزة من العين
ذكر إبدال الهمزة من العين (¬1) وهو أيضا قليل (¬2) فمنه قولهم في عباب: أباب فأبدلوا الهمزة من العين لقرب مخرجيهما وأنشدوا عليه: (¬3) أباب بحر ضاحك زهوق أي مرتفع. القول على إبدال الألف من غيرها وهي تبدل من أربعة أحرف: من الواو والياء والهمزة والنون. ذكر إبدال الألف من الواو والياء (¬4) وهو يأتي واجبا مطردا وغير مطّرد، أمّا الإبدال الواجب المطّرد، فإبدال الألف من الواو والياء عينين ولامين في فعل أو اسم على وزن الفعل إذا تحركت الواو والياء بحركة لازمة غير منقولة ولا عارضة، وانفتح ما قبلهما/ ولم يلزم من القلب لبس، ولم يكونا في معنى ما يكتنفه ساكن، فإذا اجتمع في الواو والياء هذه القيود وجب قلبها ألفا سواء كانتا عينا أو لاما (¬5) فمثالهما عينين في الفعل واو قول، وياء بيع فقلبوهما ألفا لاجتماع القيود المذكورة، ومثالهما لامين في الفعل غزا ورمى والأصل غزو ورمي، فتحركت الواو والياء بالحركة الموصوفة وانفتح ما قبلهما فقلبتا ألفا فصارا (¬6) غزا ورمى، ومثالهما عينين في الاسم باب وناب الأصل بوب ونيب فقلبتا ألفا لحصول القيود المذكورة فيهما، فصارا باب وناب وكذلك ما يأتي من ذلك نحو: ¬
دار أصلها دور فقلبت الواو ألفا فصار دار، ومثالهما لامين في الاسم عصا ورحى، والأصل عصو ورحي فقلبتا ألفا لما قلنا فصارا عصا ورحى فإذا فقد قيد من القيود المذكورة تعذّر قلبهما ألفا حينئذ ولنذكر أمثلة ذلك للإيضاح؛ فمثال الحركة غير اللازمة قولك: جيل فلا تنقلب هذه الياء ألفا وإن تحركت وانفتح ما قبلها، لأنّ حركتها غير لازمة لأنّها منقولة إليها من الهمزة المفتوحة لأنّ أصله جيأل، وكذلك حركة الواو في قوله تعالى: اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى (¬1) فإنها عارضة لالتقاء الساكنين والعارض كالمعدوم، ومثال ما يلزم من قبلها اللّبس: النّزوان والغليان والهذيان فإنّها لو قلبت في ذلك ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها لاجتمع ألفان ووجب حذف إحداهما فيصير اللفظ إلى نزان وغلان على وزن فعال، فيلتبس بناء فعلان بفعال، وكذلك الزيدان رميا وغزوا فلو أعلّا صارا (¬2) رمى وغزا، والتبس الاثنان بالواحد، وقد حمل الحيدان والجولان على النزوان، لأنّهم لمّا صحّحوا حرف العلّة الذي هو اللّام في النزوان والغليان مع ضعفهما بتطرفهما، كان تصحيح العين في الحيدان والجولان أولى، لقوتهما بقربهما من الفاء، ومثال كونهما في معنى ما يكتنفه الساكن: اجتوروا واعتونوا، لأنّه في معنى تجاوروا وتعاونوا فلا تقلب الواو هنا ألفا لأنّ ما قبلها ساكن وهو الألف وكذلك حول وعور وصيد يقال: صيد البعير إذا رفع رأسه (¬3) لأنّ ذلك بمعنى أحول وأعور وأصيد، فكما لم تقلب في أحول وبابه، لم تقلب فيما هو بمعناه وشذّ صحتهما في نحو: القود والأود والخونة (¬4). وأمّا إبدال الألف منهما غير المطّرد (¬5) ليكون دليلا على ما غيّر من ذلك أي الذي يؤخذ بالسّماع ولا يقاس عليه فنحو إبدال الألف من الياء في قولهم: طائيّ نسبة إلى طيّء والأصل طيئيّ (¬6) فقلبوا الياء الأولى ألفا وحذفوا الثانية، وكذلك قالوا: ¬
ذكر إبدال الألف من الهمزة
حاريّ في النسبة إلى الحيرة وهو بلد بقرب الكوفة (¬1) بقلب الياء ألفا. وكذلك قالوا: ياجل في يوجل بقلب الواو الساكنة ألفا. وأمّا بقاء حروف العلّة عينا في قولهم: نوى وعوى وشوى وما أشبهها/ فلاعتلال اللّام، لأنّهم لمّا أعلوا لامه لم يجمعوا بين إعلالين في كلمة واحدة وكانت اللّام أولى بالإعلال لتطرفها. ذكر إبدال الألف من الهمزة (¬2) وهو ينقسم إلى لازم وغير لازم، فاللّازم إبدال الألف من الهمزة الثانية الساكنة إذا تقدمها همزة مفتوحة لتضاعف الثقل باجتماعهما فتبدل الثانية حرفا من جنس حركة ما قبلها كما في آدم وآمن، وغير اللازم إبدال الألف من الهمزة الساكنة التي قبلها حرف مفتوح غير همزة كما في رأس حسبما تقدّم ذكر ذلك في تخفيف الهمز (¬3). ذكر إبدال الألف من النون (¬4) ولا يكون إلّا في الوقف، وهو على ثلاثة أوجه: أحدها: إبدال نون المنون المنصوب ألفا كقولك في الوقف: رأيت زيدا لكن ما آخره تاء التأنيث وإن كان في الدرج منصوبا منونا فإنه لا يوقف عليه بالألف بل بالهاء كقولك: تزوّجت (¬5) امرأة وأكلت ثمره. وأما غير تاء التأنيث فسواء كانت أصلية كبيت، أو للإلحاق كعفريت أو مبدلة من حرف أصلي كبنت وأخت فيوقف عليها في النصب بالألف كغيرها كقولك: بنيت بيتا ورأيت عفريتا وتزوجت بنتا. ثانيها: إبدال نون التأكيد الخفيفة ألفا في الوقف كما سبق فتقف على لَنَسْفَعاً بِالنَّاصِيَةِ (¬6) لنسفعا. ثالثها: إبدال نون إذن في الوقف ألفا كقولك: «كان إذا» فتقف بالألف بدلا من ¬
القول على إبدال الياء من غيرها
إذن، وإن كانت نونا أصلية غير زائدة لسكونها وانفتاح ما قبلها، ولم تجر نون عن وأن مجراها في ذلك لكون إذن مشابهة للاسم دونهما (¬1). القول على إبدال الياء من غيرها وهي تبدل من ثمانية عشر حرفا، تسعة لا يلزم أن تكون للتضعيف، وتسعة كلّ منها أحد حرفي التضعيف وقد نظموا الحروف المذكورة التي تبدل الياء منها فقالوا: (¬2) هل كان سرّ بصدّي … أثمت عوّض بحدّ ونحن نذكر إبدال الياء من الحروف المذكورة في قسمين: القسم الأول: في إبدال الياء من الحروف التسعة التي لا يلزم أن تكون للتضعيف وهي الألف ثم الواو ثم الهمزة ثم النون ثم العين ثم الباء ثم التاء ثم السين ثم الثاء. ذكر إبدال الياء من الألف (¬3) وتبدل الياء منه مطردا متى انكسر ما قبل الألف كما في تصغير مفتاح وتكسيره كقولك: مفيتيح ومفاتيح وكذلك إذا كان قبل الألف ياء فتقلب الألف ياء وتدغم كما في تصغير حمار فتقول: حميّر، وكذلك إذا وقعت الألف رابعة فصاعدا واحتيج إلى تحريكها، أبدل من تلك الألف ياء وذلك في التثنية والجمع كقولك: ملهيان ومعطيان وحبليان وملهيات ومعطيات وحبليات (¬4) وكذلك تبدل الياء من الألف في: رأيت كليهما، ومررت بكليهما. ذكر إبدال الياء من الواو (¬5) وتبدل الياء من الواو سواء كانت الواو فاء أو عينا متى اجتمع في الواو ثلاث ¬
شرائط/ أحدها: انكسار ما قبلها، ثانيها: سكونها، ثالثها: كونها غير مدغمة، ولانقلاب الواو ياء عدة أمثلة (¬1): منها: ميقات وميزان والأصل: موقات وموزان لأنّه من الوقت والوزن فقلبت الواو ياء لحصول الشرائط المذكورة الموجبة للقلب، فلو فقد أحدها لم تقلب إلّا فيما يستثنى من ذلك كما سيأتي، كما لو فقد انكسار ما قبلها كقولك: موزون أو فقد سكونها كقولك: طوال أو وجد الادغام كقولك: اجلوّاذ (¬2) فإنّ الواو تبقى في مثل ذلك سالمة على حالها لزوال موجب القلب أعني مجموع الأمور الثلاثة، لكن منهم من يقلب الواو المدغمة ياء إذا انكسر ما قبلها فيقول: اجليواذ (¬3) كما قيل ديوان، والأصل: دوّان بدال مكسورة وواو مشددة فأبدلت الواو الأولى ياء لضرب من التخفيف، وإنّما لم تقلب الواو ياء في اجليواذ وديوان، وقد اجتمعت الواو والياء وسبقت إحداهما بالسكون لأنّ الياء فيهما غير لازمة، لأنّها إنّما أبدلت من الواو تخفيفا، فلذلك لم تقلب لها الواو الأخيرة ومنها: عصيّ جمع عصا، والأصل عصوّ فأبدل من واو فعول ياء بقي عصيو ثم قلبت الواو التي هي لام الكلمة ياء وأدغمت الياء في الياء ثم كسرت الفاء والعين للتناسب بقي: عصيّ وكان من حقّه أن تدغم الواو في الواو من غير قلب فيقال: عصوّ لكن قلبت كراهة للواو المشددة مع كونها في جمع (¬4) والجمع أثقل من الواحد، وكونها في موضع يكثر فيه التغيير، وهو الطّرف فلذلك قلبت ياء (¬5). ومنها: غاز وغازية والأصل: غازو وغازوة، لأنّه من غزوت فوقعت الواو طرفا، والتغيير لازم للطرف فلذلك كفي في القلب سبب واحد وهو انكسار ما قبلها، وأمّا التي في غير الطرف فلا يكفي في قلبها ياء سبب واحد، لبعدها عن محلّ التغيير بل لا بدّ من المجموع (¬6) كما تقدّم. ¬
ومنها: أدل وأحق جمع دلو وحقو والأصل: أدلو واحقو، فوقعت الواو طرفا بعد ضمّة وليس ذلك في الأسماء المتمكنة فأبدلوا من الضمّة كسرة ومن الواو ياء فصار من قبيل المنفوص (¬1). ومنها: كلّ مصدر وقعت فيه الواو بعد كسرة وبعدها ألف وقد أعلّ فعل ذلك المصدر نحو: القيام والانقياد، والأصل: القوام والانقواد فحصلت الواو فيهما بالشرائط المذكورة فقلبت ياء وجوبا (¬2) فلو فقد أحد الشرائط المذكورة لم تقلب كما لو وقعت كذلك ولكن لم يعلّ فعل ذلك المصدر فإنها لا تقلب نحو: قاوم قواما، فإنّ الواو صحّت لصحتها في قاوم، وإن كان قبلها كسرة وبعدها ألف. ومنها: حياض وبابه نحو: ثياب ورياض، والأصل: حواض وثواب ورواض، لأنّ المفرد حوض وثوب وروضة وكان حقّ جمعه أن تسلم فيه الواو لأنّها متحركة وليس فيها سبب ظاهر غير سبب واحد، وهو انكسار ما قبلها والسبب/ الواحد لا يكفي في غير الطرف، والوجه أن يقال: إنّها إنّما قلبت في الجمع المذكور لاجتماع خمسة أسباب (¬3): أحدها: انكسار ما قبل الواو في حياض. ثانيها: كونها في جمع، ثالثها: سكون الواو في المفرد، أعني في حوض ونحوه رابعها: كون لام حياض صحيحة لأنّ اللّام إذا صحّت قوي إعلال العين، خامسها: وقوع الألف في الجمع بعد الواو. فلهذه العلل قلبت الواو ياء في حياض وبابه لا لانكسار ما قبلها فقط، فإنه ليس بعلّة تامة؛ ألا ترى صحّة الواو في طوال مع انكسار ما قبلها لكون الواو في مفرده الذي هو طويل، متحركة (¬4). ومنها: سيّد وليّة والأصل: سيود ولوية فاجتمعت الواو والياء وسبقت إحداهما بالسكون فقلبت الواو ياء وأدغمت الياء في الياء (¬5). ¬
ذكر إبدال الياء من الهمزة
ومنها: أغزيت واستغزيت (¬1) والأصل: أغزوت واستغزوت لأنّه من الغزو فقلبت الواو ياء قلبا مطّردا لوقوعها رابعة فصاعدا. ومنها: ما شذّ قلبها فيه وهو نحو: صبية وثيرة وعليان وييجل، أمّا صبية فالأصل: صبوة وصبوان، لأنه من صبوت (¬2) وأمّا ثيرة جمع ثور فحقّه أن يقال فيه ثورة مثل زوج (¬3) وزوجة وقال المبرد: أرادوا أن يفرّقوا بين الثّور الذي هو الحيوان والثور الذي هو القطعة من الأقط (¬4) فقالوا في الحيوان: ثيرة وفي الأقط: ثورة (¬5) وأما عليان وعليانة وهي الناقة الطويلة فأصلها: علوانة لأنها من علوت فقلبت الواو ياء في ذلك كلّه على غير قياس، وأما ييجل فأصله يوجل لأنه من الوجل فكرهوا الخروج من الياء إلى الواو كما كرهوا الخروج من الكسرة إلى الضمّة فقلبوا الواو ياء فصار ييجل وهو أيضا غير مطّرد وإنما يسمع ولا يقاس عليه (¬6). ذكر إبدال الياء من الهمزة (¬7) وتبدل منها متى انكسر ما قبلها ساكنة كانت الهمزة أو مفتوحة كذيب ومير بدلا مطّردا، والمير جمع مئرة وأصل ميرة: مئرة بالهمز وهي العداوة فقلبت كما تقدّم في تخفيف الهمز. ذكر إبدال الياء من النون (¬8) وقد أبدلت في جمع إنسان وظربان (¬9) فقالوا: أناسيّ وظرابيّ بتشديد الياء ¬
ذكر إبدال الياء من العين
والأصل: أناسين وظرابين فالياء الثانية في أناسي وظرابي بدل من النون (¬1) وأبدلت الياء من النون في التضعيف أيضا وذكرناه هنا وإن كان التضعيف يذكر في القسم الثاني ليجتمع الكلام في النون كقولهم: تظنّيت والأصل: تظنّنت فقلبوا النون الثالثة ياء (¬2) وكذلك قالوا: دينار والأصل: دنّار بنونين، فأبدلوا من النون الأولى ياء، يدلّ على ذلك جمعه على دنانير وكذلك لَمْ يَتَسَنَّهْ (¬3) أصله يتسنّن أي يتغير فأبدلوا من النون الثالثة ياء بقي يتسنّى ثم قلبت الياء ألفا لتحركها في الأصل وانفتاح ما قبلها بقي: يتسنّى ثم حذفت الألف للجزم فصار اللفظ: لَمْ يَتَسَنَّهْ (¬4)، وأبدلت من نون إنسان (¬5) في قوله: (¬6) فياليتني من بعد ما طاف أهلها … هلكت ولم أسمع بها صوت إيسان فأبدل/ من نون إنسان الأولى ياء. ذكر إبدال الياء من العين (¬7) وهو نحو قولهم في الضفادع: ضفادي فأبدلوا من العين ياء، وكذلك أبدلت الياء من العين في التضعيف فقالوا: تلعّيت والأصل: تلعّعت من اللّعاعة وهي بقلة ومنه: «لعاعة الدّنيا» (¬8) فأبدلوا من العين الثالثة ياء، والاعتذار في ذكر إبدال الياء من ¬
ذكر إبدال الياء من الباء الموحدة
العين المضاعفة هنا ما قيل في النون وكذلك الكلام فيما يأتي من ذلك. ذكر إبدال الياء من الباء الموحّدة (¬1) وأبدلت منها في قول الشاعر: (¬2) لها أشارير من لحم تتمّره … من الثّعالي ووخز من أرانيها أي من الثعالب، ومن أرانبها، فأبدل الياء من الباء فيهما، يصف عقابا والأشارير جمع إشرارة، وهي القطعة من اللّحم تجفّف للادّخار، ومعنى تتمره تجففه من التمر، والوخز القطعة من اللّحم، وأبدلت الياء أيضا من الباء في التضعيف في قولهم: لا وربيك (¬3) والأصل: لا وربّك بباء مشددة، فأبدلوا من الباء الثانية ياء، وكذلك ديباج والأصل دبّاج عند من جمعه على دبابيج (¬4). ذكر إبدال الياء من التاء المثنّاة الفوقيّة (¬5) وهو نحو قول الشّاعر: (¬6) ... … وايتصلت بمثل ضوء الفرقد فأبدل من التاء الأولى في اتّصلت ياء. ¬
ذكر إبدال الياء من السين
ذكر إبدال الياء من السين (¬1) وهو نحو قول الشاعر: (¬2) إذا ما عدّ أربعة فسال … فزوجك خامس وأبوك سادي أي سادس فأبدل من السين ياء. ذكر إبدال الياء من الثّاء المثلّثة (¬3) وهو نحو قول الشّاعر: (¬4) قد مرّ يومان وهذا الثّالي … وأنت بالهجران لا تبالي أي الثالث فأبدل من الثاء ياء (¬5). القسم الثاني: في إبدال الياء من أحد حرفي التضعيف وحروف التضعيف التسعة التي تبدل منها الياء أولها بحسب ما رتبناها: اللّام ثم الصّاد ثم الراء ثم الضاد ثم الميم ثم الدّال ثم الهاء ثم الكاف ثم الجيم. ذكر إبدال الياء من اللّام المضاعفة (¬6) وقد أبدلت الياء منها في قولهم: أمليت والأصل: أمللت (¬7) قال الله تعالى ¬
ذكر إبدال الياء من الصاد المضاعفة
وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ (¬1) وعلّة إبدال الياء من أحد حرفي التضعيف حيث وجد، إنّما هو فرارهم من التضعيف وكراهتهم لاجتماعهما من غير إدغام (¬2). ذكر إبدال الياء من الصّاد المضاعفة (¬3) وأبدلت الياء منها، في قولهم: قصّيت أظفاري والأصل: قصصت بتشديد الصّاد فأبدلوا من الصّاد الثالثة ياء (¬4). ذكر إبدال الياء من الرّاء المضاعفة (¬5) وأبدلت الياء منها في قولهم: تسرّيت والأصل: تسرّرت لأنّ السرّيّة من السرّ وكذلك قيراط أصله: قرّاط براء مشدّدة فأبدلوا من الراء الأولى ياء وكذلك: شيراز والأصل شرّاز لقولهم: قراريط وشراريز (¬6). ذكر إبدال الياء من الضّاد المضاعفة (¬7) وأبدلت الياء منها في قول العجاج: (¬8) إذا الكرام ابتدروا الباع بدر … تقضّي البازي إذا البازي كسر ¬
ذكر إبدال الياء من الميم المضاعفة
فالأصل تقضّض لأنّه من الانقضاض فأبدلوا من الضاد الثالثة ياء. ذكر إبدال الياء من الميم المضاعفة (¬1) وأبدلت الياء منها في قول الشّاعر: (¬2) تزور امرأ أمّا الإله فيتّقي … وأمّا بفعل الصّالحات فيأتمي يريد/ يأتمم فأبدل من الميم الأخيرة ياء، وكذا أبدلوا في ديماس والأصل: دمّاس (¬3) على رأي من جمعه على دمّاميس (¬4). ذكر إبدال الياء من الذّال المضاعفة (¬5) وأبدلت الياء منها في تصدية فقالوا: تصدية والأصل: تصدّه من صددت، وتصدّه مثل: تحلّة وتعلّة والأصل: التّحللة والتّعللة فلما أبدلت الياء من إحدى الدّالين من تصدّه للتخفيف بطل الإدغام وبقي تصدية (¬6). ذكر إبدال الياء من الهاء المضاعفة (¬7) وأبدلت الياء منها في دهديت الحجر، لأنّ الأصل: دهدهت فأبدلوا من الهاء ¬
ذكر إبدال الياء من الكاف المضاعفة
الثانية ياء، وكذلك صهصيت والأصل: صهصهت (¬1). ذكر إبدال الياء من الكاف المضاعفة (¬2) وأبدلت الياء منها في جمع مكّوك وهو مكيال فقالوا: مكاكيّ والأصل: مكاكيك فأبدلوا من الكاف الأخيرة ياء، وأدغموا فيها الياء التي قبلها فصار مكاكيّ. ذكر إبدال الياء من الجيم المضاعفة (¬3) وابدلت الياء منها في دياجي لأنّ الأصل: دياجيج (¬4). القول على إبدال الواو من غيرها وهي تبدل من ثلاثة أحرف: من الألف والياء والهمزة. ذكر إبدال الواو من الألف (¬5) فمنه: أنّها تبدل واجبا مطردا من ألف فاعل كضارب وخاتم وألف فاعال (¬6) كساباط: (¬7) وألف فاعول كعاقول (¬8) وفي التصغير والتكسير كقولك: ضويرب وخويتم وضوارب وخواتم وسويبيط وسوابيط وعويقيل وعواقيل، أمّا انقلاب الألف واوا في تصغير الأسماء المذكورة؛ فلانضمام ما قبلها وأمّا في تكسيرها فحملا للتكسير على التصغير لأنهما من واد واحد؛ من قبيل أنّ علم التصغير ياء ساكنة ثالثة قبلها فتحة، وعلم التكسير ألف ثالثة ساكنة قبلها فتحة، والياء أخت الألف وما بعد ياء التصغير حرف مكسور وما بعد ألف التكسير حرف مكسور فلذلك حمل كلّ منهما ¬
ذكر إبدال الواو من الياء
على الآخر، أمّا حمل التكسير على التصغير، فكما ذكرنا، وأمّا حمل التصغير على التكسير فنحو: أسيود فإنّ القياس يقتضي في مثله قلب الواو ياء وإدغام الياء في الياء، فيقال: أسيّد فلم يدغموا، حملا لأسيود المصغّر على أساود المكسّر (¬1) وآدم كخاتم فتقلب ألفه واوا في تصغيره وتكسيره، فتقول: أويدم، وأوادم لما تقدّم في تخفيف الهمز. ومنه: أنّ الواو تبدل أيضا من الألف في كل اسم مقصور نسبت إليه سواء كانت ألفه من الواو أو الياء نحو: عصويّ ورحويّ وإنما انقلبت الألف في ذلك إلى الواو دون الياء لئلّا يجمع بين الياءات والكسرات. ومنه: أنّ الواو تبدل من الألف في تثنية نحو: إلى ولدى وإذا وعلى، إذا سميت بها شخصا كقولك: إلوان ولدوان وإذوان وعلوان فتقلب الألف في جميع ذلك وما أشبهه واوا لأنّ هذه الحروف لمّا انتقلت إلى الأسماء حكم على ألفها كما حكم على ألفات الأسماء التي لا تحسن إمالتها مثل: عصا وقطا. ذكر إبدال الواو من الياء (¬2) فمنه/ أنها تبدل مطردا من كلّ ياء ساكنة غير مدغمة قبلها ضمّة نحو: موقن وموسر، كان الأصل: ميقن وميسر، لأنّه من اليقين واليسر، فسكنت الياء، وانضمّ ما قبلها فقلبت واوا (¬3)، وكذلك طوبى أصلها طيبى لأنّها من الطيب فقلبت الياء واوا لسكونها وانضمام ما قبلها. ومنه: أنّ الواو تبدل أيضا مطردا من الياء في فيعال مصدر فاعل كضيراب مصدر ضارب في التصغير إذا سمّي به فتقول: ضويرب وكذلك تقول في قيتال: قويتيل لأنّ الياء في ضيراب وقيتال وهي ألف فاعلت، وإنما صارت ياء لانكسار ما قبلها فلمّا انضمّ ما قبلها للتصغير صارت واوا (¬4). ¬
ذكر إبدال الواو من الهمزة
ومنه: أنّ الواو تبدل من الياء في كلّ اسم معتل اللام على وزن فعلى مثل تقوى وبقوى ورعوى وفتوى والأصل تقيا وبقيا ورعيا وفتيا، لأنّه من وقيت وبقيت ورعيت وأفتيت للفرق بين الاسم والصفة فإنّ الصفة من هذا الباب لا تقلب فيها الياء واوا كقولك: صديا وريّا وخزيا (¬1). ومنه: ما هو مسموع وهو إبدال الواو ياء في قولهم: هذا أمر ممضوّ (¬2) عليه وهو أمور بالمعروف ونهوّ عن المنكر، وجبيت الخراج جباوة (¬3) قالوا: وليس لقلب الياء واوا في ذلك وما أشبهه علة إلّا تعويض الواو بذلك عن كثرة دخول الياء عليها فيكون ذلك كالقصاص. ومنه: إبدال الواو في بوطر والأصل بيطر فسكنت الياء وانضمّ ما قبلها فقلبت واوا وكذلك ما أشبهه. ذكر إبدال الواو من الهمزة (¬4) وهو نحو قولك في جؤن بالهمزة: جون بإبدال الواو المحضة من الهمزة. حسبما سبق الكلام عليه في تخفيف الهمز. القول على إبدال الميم من غيرها وهي تبدل من أربعة أحرف: من الواو واللام والنون والباء. ذكر إبدال الميم من الواو (¬5) وأبدلت في فم وحده، كان أصله «فوه»، عينه واو، ولامه هاء، لتصغيره على ¬
ذكر إبدال الميم من اللام
فويه وتكسيره على أفواه، ووزنه فعل بفتح الأول وسكون الثاني، فحذفت هاؤه لوقوعها طرفا على حدّ حذف حروف اللين لأنّ الهاء حرف مهموس مشابه للألف لأنّها تزاد في الوقف لبيان الحركة كما تزاد الألف وتشارك الألف في الخفاء، فلمّا حذفت بقي «فو» الأول مفتوح، والثاني واو فلو بقيت واوا لتحركت حال الإفراد بحركات الإعراب وانقلبت ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها وأدّى ذلك إلى حذف الألف لملاقاة ساكن بعده، فيبقى الاسم المتمكن على حرف واحد، وهو معدوم فلما كان بقاء الواو يفضي إلى ذلك أبدلوا منها ميما لكون الميم حرفا صحيحا وهو من مخرج الواو لأنّهما من الشفه، وإنّما قلنا حال الإفراد لأنّه إذا أضيف كقولك فوك وفيّ، زال الموجب لإبدال الواو ميما لامتناع دخول حركات الإعراب عليها حينئذ (¬1). ذكر إبدال الميم من الّلام (¬2) وأبدلت من لام التعريف فقط في لغة/ طيء كما في الحديث: «ليس من امبر امصيام في امسفر» (¬3) وهو بدل شاذّ (¬4). ذكر إبدال الميم من النون (¬5) فمنه: مطّرد وهو إبدال الميم من كلّ نون ساكنة بعدها باء نحو: عنبر وشنباء (¬6) فتبدل النون ميما في اللفظ دون الخط وتقول: عمبر وشمباء. ومنه: إبدال غير مطّرد ولكن مسموع وهو أن تبدل الميم من النون المتحركة نحو: الشّنب والعنب، لأنّ النون تقوى بالحركة فلا يبدل منها لكن جاء ذلك في قول ¬
ذكر إبدال الميم من الباء الموحدة
الشّاعر: (¬1) يا هال ذات المنطق التّمتام … وكفّك المخضّب البنام فأبدل (¬2) من نون البنان ميما، وجاء أيضا: طامه الله على الخير، والأصل: طانه الله على الخير أي جبله فأبدل من النون المتحركة ميما. ذكر إبدال الميم من الباء الموحّدة (¬3) فمنه قولهم: بنات مخر وهي سحائب بيض تأتي قبل الصّيف، والأصل بنات بخر من البخار، فأبدلوا من باء بخر ميما، ومنه: ما زلت راتما على هذا الأمر أي راتبا ورأيته من كثم (¬4) من كثب وهو القرب، ومنه: قوله (¬5) فبادرت شاتها عجلى مثابرة … حتّى استقت دون محنى جيدها نغما أراد نغبا وهو جمع نغبة وهي الجرعة، فأبدل الميم من الباء في ذلك كلّه. القول على إبدال النون من غيرها (¬6) وهي تبدل من حرفين من الواو واللام، أمّا إبدال النون من الواو فمنه: قولهم: صنعانيّ وبهرانيّ، والأصل: صنعاويّ وبهراويّ فأبدلوا النون من الواو وأمّا إبدال النون من الّلام ففي: لعنّ والأصل لعلّ (¬7). ¬
القول على إبدال التاء من غيرها
القول على إبدال التاء من غيرها وهي تبدل من خمسة أحرف من الواو والياء والسين والصّاد والباء الموحّدة، وزاد السّخاوي على ما في المفصّل إبدالها من الطّاء والدال فصارت سبعة. ذكر إبدال التّاء من الواو (¬1) وهي تبدل من الواو فاء ولاما، أمّا إبدالها من الواو فاء: فمنه: إبدال مطّرد واجب، وهو إبدال التاء من كلّ واو وقعت فاء في افتعل وما تصرّف منه، نحو: اتّعد واتّزن، ويتّعد ويتّزن ومتّعد ومتّزن والأصل، اوتزن ويوتزن وموتزن وكذا اوتعد إلى آخرها فقلبوا الواو تاء وأدغموها في تاء الافتعال (¬2). ومنه: إبدال التاء من الواو بدلا غير مطرّد، وقد جاء منه أشياء: منها: التاء في أتلجه بمعنى أولجه (¬3)، قال امرؤ القيس: (¬4) ربّ رام من بني ثعل … متلج كفيّه في قتره الشاهد فيه: متلج بمعنى مولج فأبدل فيه التاء من الواو، والقترة بالضمّ بيت الصّائد الذي يكمن فيه لئلا ينفر الوحش منه. ومنها: التاء في تجاه وتراث وهي بدل من الواو لأنّ ذلك من واجه وورث، وإنما كان غير مطّرد، لأنّه لا يقال في وقوف: تقّوف ولا في ورود: تروّد (¬5)، ومنها: التاء في تخمة وتهمة وتقيّة وتترى وتوراة وتولج: وهو كناس الوحش، وتلاد، وهو المال الأصلي، فإنّ التاء في ذلك كله، بدل من الواو، لأنّه من الوخم، ومن الوهم ومن الوقاية، ومن المواترة، ومن وري الزّند، إذا ظهر نوره، ومن الولوج في/ الكناس، ومن الولاد (¬6)، ومنها: التاء في ¬
ذكر إبدال التاء - المثناة من فوق - من الياء آخر الحروف
تيقور وهو فيعول من الوقار فهي بدل من الواو لأنّ الأصل: ويقور، وكذلك التاء في تكلان لأنّه من وكلت الأمر، وفي «تكلة» والأصل: وكلة، وهو العاجز الذي يكل أمره إلى غيره، فالتاء في ذلك كلّه بدل من الواو فاء (¬1). وأمّا إبدال التّاء من الواو لاما (¬2) فمنه: التاء في أخت وبنت وفي هنت وفي كلتا، لأنّ الأصل أخوة وبنوة وهنو وكلوي فأبدلت التاء من الواو في ذلك كلّه، ولذلك لم تكن التاء في بنت وأخت للتأنيث، وإنما هي بدل من الواو التي هي لام الكلمة (¬3). ذكر إبدال التّاء - المثنّاة من فوق - من الياء آخر الحروف (¬4) فمنه مطّرد، وهو أن تبدل التاء من كلّ ياء وقعت فاء افتعل نحو: اتّسر والأصل ايتسر لأنّه من اليسر فأبدلوا من ياء ايتسر تاء وأدغمت التاء في التاء كما أبدلت التاء من الواو في نحو: اتّزن حسبما تقدّم. ومنه: إبدال التاء من الياء لاما في أسنتنا (¬5) والأصل أسنينا لأنّ الثلاثي وهو سنوة إذا زيد فيه رجعت واوه ياء، مثل أغزينا ثم أبدلوا من الياء في أسنينا تاء ليتميّز أسنتنا - وهو القحط - من أسنينا إذا دخلنا في السّنة (¬6)، وكذا التاء في قولك: ثنتان وكيت وذيت، والأصل ثنيان فأبدلوا من الياء التي هي لام الكلمة تاء صار ثنتان ولذلك كانت تاء ثنتين ليست للتأنيث مثل تاء بنتين تثنية بنت بخلاف قولك اثنتان فإنها للتأنيث كما أنها في قولك ابنتان للتأنيث حسبما سبق ذلك. وأما كيت وذيت فالأصل كيّة وذيّة فحذفوا تاء التأنيث وأبدلوا منها ياء ثم أبدلوا من الياء الأخيرة تاء فصار: كيت وذيت (¬7). ¬
ذكر إبدال التاء من السين
ذكر إبدال التاء من السين (¬1) فمنه: إبدالها في نحو: طست وستّ لأنّ أصل طست: طسّ بسين مشدّدة فأبدل من السين الأخيرة التاء صار: طست وأصل ستّ: سدس أبدل من السين الأخيرة تاء فصار: سدت ثم أبدل من الدال تاء أخرى، وأدغمت التاء في التاء صار: ستّ (¬2) ومما أبدلت فيه التاء من السين قول الشاعر: (¬3) عمرو بن يربوع شرار النّات أي الناس. ذكر إبدال التاء من الصّاد (¬4) فمنه: لصت قال الشّاعر: (¬5) ... … ... كاللّصوت المرّد والأصل: لصّ فأبدل من الصّاد الثانية تاء. ذكر إبدال التاء من الباء (¬6) فمنه: الذعالت بالتاء المثنّاة من فوقها، والأصل: الذعالب بالباء الموّحدة، وهي جمع ذعلوب، وهو الخلق من الثياب (¬7)، وأمّا إبدال التاء من الطّاء والدّال وهو ¬
القول على إبدال الهاء من غيرها
ما ذكره السّخاوي زائدا على المفصّل فنحو قولهم: فستاط والأصل: فسطاط (¬1) ونحو قولهم: ناقة تربوت والأصل: دربوت لأنّه من الدّربة (¬2). القول على إبدال الهاء من غيرها وهي تبدل من أربعة أحرف من الهمزة والألف والياء والتاء. ذكر إبدال الهاء من الهمزة (¬3) وهو مسموع لا يقاس عليه، ومع ذلك فقد أبدلت من الهمزة الزائدة والأصلية أمّا إبدالها من الهمزة الزائدة/. فمنه: هرقت الماء أي أرقته، وهرحت الدّابة أي أرحتها، وهنرت الثوب أي أنزته (¬4) وهردت الشيء أي أردته. وأمّا إبدال الهاء من الهمزة الأصلية: فمنه: هيّاك أي إيّاك ولهنّك أي لأنّك، وهما والله لقد كان كذا أي أما والله، وهن فعلت فعلت أي إن فعلت فعلت في لغة طيء (¬5)، ومنه قول الشّاعر: (¬6) وأتى صواحبها فقلن هذا الذي … منح المودّة غيرنا وجفانا الشاهد فيه هذا الذي بمعنى أذا الذي، فأبدل الهاء من همزة أذا. ذكر إبدال الهاء من الألف (¬7). فمنه: قول الشّاعر: (¬8) ¬
ذكر إبدال الهاء من الياء
قد وردت من أمكنه … من هاهنا ومن هنه إن لم تروّها فمه أي من هاهنا ومن هنا، وإن لم أروّها فما أصنع، فأبدل الهاء من الألف في هنا وفي ما. ومنه: إبدالها من ألف أنا في قولك: أنه (¬1)، مع جواز أن لا تكون بدلا من الألف بل هاء للسكت كما تقدّم في الوقف. ومنه: حيّهله والأصل حيّهلا فأبدلت الهاء الأخيرة من الألف (¬2). ومنه: يا هناه في قوله: (¬3) وقد رابني قولها يا هنا … هـ ... وهي لفظة ذمّ، وهي مبدلة من الألف المنقلبة عن الواو في هنوات، لأنّ الأصل: هناو، فقلبت الواو ألفا فالتقى ألفان فقلبت الأخيرة هاء فصار: هناه. ذكر إبدال الهاء من الياء (¬4) فمنه قولهم: هذه أمة الله، فالهاء الثانية في هذه بدل من الياء لأنّ الأصل: هذي أمة الله (¬5). ¬
ذكر إبدال الهاء من التاء
ذكر إبدال الهاء من التاء (¬1) وهو يأتي في الوقف على نحو: طلحة حسبما تقدم في الوقف قالوا: وحكى قطرب (¬2) في لغة طيء: كيف البنون والبناة وكيف الأخوة والأخواة (¬3) فأبدل الهاء من تاء البنات وتاء الأخوات. القول على إبدال الّلام من غيرها وهي تبدل من حرفين من النون والضاد، أمّا إبدال الّلام من النون، فمنه: قول الشّاعر: (¬4) وقفت فيها أصيلالا أسائلها … أعيت جوابا وما بالرّبع من أحد والأصل، أصيلان تصغير أصيل على غير قياس فأبدل لام أصيلال من نون أصيلان (¬5)، وأمّا إبدال اللام من الضّاد فمنه قول الشّاعر: (¬6) مال إلى أرطاة حقف فالطجع بمعنى اضطجع، فأبدل الّلام من ضاد اضطجع. ¬
القول على إبدال الطاء من غيرها
القول على إبدال الطّاء من غيرها (¬1) وهي تبدل من التاء: فمنه: واجب مطّرد، وهو إبدال الطّاء من تاء افتعل وما تصرّف منه، متى كانت فاء افتعل أحد حروف الأطباق المستعلية وهي أربعة: الصّاد والضّاد والطّاء والظّاء، لأنّ التاء حرف مهموس غير مستعل وحروف الأطباق مستعلية وهي تضادّ التاء فأبدلت الطاء منها ليتجانس (¬2) الصوت ويكون العمل من جهة واحدة وسيأتي في الإدغام مشروحا/ فمثال فاء افتعل صادا: اصطبر وضادا: اضطرب وطاء: اطّرد، وظاء: اظطلم والأصل اصتبر واضترب واطترد واظتلم، فأبدلت الطاء من التاء في ذلك (¬3). ومنه: بدل غير واجب نحو قولهم: فحصط برجلي (¬4) والأصل: فحصت فوقع لام الفعل صادا وبعده تاء فعلت فأبدلت الطّاء من التاء وهو في لغة بني تميم فقالوا: فحصط، للتناسب وليس بلغة شائعة (¬5). القول على إبدال الدّال من غيرها (¬6) وهي تبدل من تاء افتعل أيضا متى كانت فاء افتعل زايا أو ذالا أو جيما في بعض اللّغات، وهو شاذ، لأنّ الزاي حرف مجهور والتاء مهموسة فيتضادان، فأبدلت التاء دالا لتناسب الزاي وكذلك الكلام في الذال والجيم فمثال فاء افتعل زايا: ازدهى وازدجر وازدان وازدلف والأصل: ازتهى وازتجر وازتان وازتلف، فأبدلت الدّال من التاء في ذلك للتناسب (¬7) ومثال فاء افتعل دالا: ازدكر غير مدغم والأصل: اذتكر ومثالها جيما على بعض اللغات: اجدمعوا والأصل: اجتمعوا ومنه: اجدزّ بمعنى ¬
القول على إبدال الجيم من غيرها
اجتزّ قال الشّاعر: (¬1) فقلت لصاحبي لا تحبسانا … بنزع أصوله واجدزّ شيحا أي اجتزّ شيحا، وقد أبدلوا الذال أيضا من التّاء في تولج وهو كناس الوحش فقالوا: دولج، وأصل تائه بدل من الواو. القول على إبدال الجيم من غيرها (¬2) وقد أبدلت من التاء المشدّدة في الوقف وهو قليل شاذ لا ينطق به إلّا بعض العرب كما حكي أنه سئل بعضهم ممن أنت؟ فقال: فقيمج أي فقيميّ (¬3) وقد أجري الوصل مجرى الوقف من قال: (¬4) خالي عويف وأبو علجّ … المطعمان اللّحم بالعشجّ يعني أبو علي والعشي، فنوى الوقف على الياء وأبدلها جيما، لأنّ الياء إنّما أبدلت جيما لخفائها بالسكون في الوقف وإلّا فالياء المتحركة لا تبدل جيما لقوتها وزوال خفائها بالحركة. القول على إبدال السين قد تقدّم في صدر الفصل أن السين ليست من حروف البدل لكنها مبدل منها ¬
القول على إبدال الصاد من السين
فإيرادها في حروف البدل ليس بسديد (¬1)، ويبدل منها حرفان: الصّاد والزاي. القول على إبدال الصّاد من السّين (¬2) فمنه: أنّه يجوز إبدال الصّاد من السين متى وقع بعد السين غين أو خاء أو قاف أو طاء (¬3)، لأنّ هذه الحروف مستعلية والسين مهموسة مستفلة، ولمّا كانت الصاد مستعلية وهي مع ذلك مهموسة وافقت هذه الأحرف في الاستعلاء ووافقت السين في الهمس والصفير والمخرج، فلذلك أبدلت منها، فمثال السين التي بعدها الغين سالغ وهو من البقر كالبازل من الإبل، يقال: عجل ثمّ تبيع ثمّ جذع ثمّ رباع ثمّ سديس ثم سالغ (¬4)، ويجوز صالغ بإبدال الصّاد من السّين، ومثال السين التي بعدها خاء سخر وسلخ فتقول: صخر وصلخ بالصّاد/ أيضا (¬5) ومثال السين التي بعدها قاف: سويق وسبقت، فيجوز: صويق وصبقت بالصّاد أيضا (¬6) ومثال السين التي بعدها طاء: سراط وساطع، فيجوز صراط وصاطع بالصّاد أيضا (¬7) فإن تأخرت السين عن هذه الحروف لم يجز فيها ذلك، فلا يقال في قست: قصت ولا في خسرت: خصرت، ويجوز في صاد نحو: الصراط، المضارعة، وهي إشراب الصّاد صوت الزاي (¬8). القول على إبدال الزاي من غيرها (¬9). وهي تبدل من السّين والصّاد: ¬
أمّا إبدالها من السّين، فتبدل الزاي مطردا جائزا من كلّ سين ساكنة بعدها دال نحو: يسدر فيجوز فيه يزدر، وفي يسدل ثوبه؛ يزدل ثوبه (¬1) وكلب وهم بطن من قضاعة يبدلون الزاي من السين إذا وقع بعد السين قاف فيقولون في سقر: زقر (¬2). وأمّا إبدال الزاي من الصّاد (¬3) فتبدل أيضا مطّردا جائزا من كلّ صاد ساكنة بعدها دال نحو: فصدي فيجوز فيه: فزدي بالزاي ويجوز إبقاء الصّاد بحالها وهو أكثر (¬4)، ويجوز أن يضارع بها الزاي (¬5) ولا تقع المضارعة إلّا حيث يتجاور حرفان بينهما منافرة فيؤتى بحرف يصلح للتوسّط بينهما ليزيل المنافرة، وذلك كما ينحى بالصّاد نحو الزاي إذا تقدمت الصّاد على الدّال فتأتي بحرف مخرجه بين مخرج الصّاد ومخرج الزاي، وليس كذلك السين في يسدر فلا يجوز فيها المضارعة فإن تحركت الصّاد، امتنع إبدال الزاي منها لكن يجوز فيها المضارعة فتقول في نحو صدر عن كذا بالصّاد، وبمضارعة الصّاد الزاي دون إبدال الصّاد زايا، فالحروف المذكورة حينئذ على ثلاثة أوجه: فمنها: ما يجوز فيه الإبدال والمضارعة نحو الصاد مع الزاي في نحو: فصدي. ومنها: ما يجوز فيه الإبدال دون المضارعة وهو السين الساكنة إذا كان بعدها دال نحو: يسدر، ومنها: ما يجوز فيه المضارعة دون الإبدال وهو ما فيه شين معجمة مع دال أو جيم مع دال نحو: أشدق وأجدر، فتشرب الجيم صوت الشين وتشرب الشين صوت الجيم (¬6) وهي لغة قليلة رديئة لعسر النطق بذلك، ولذلك لم تأت في القرآن الكريم ولا في كلام فصيح (¬7). ¬
الفصل الثامن في الإعلال
الفصل الثامن في الإعلال (¬1) وهو تغيير حرف العلّة للتخفيف ويجمعه: القلب والحذف والإسكان، وحروف الإعلال ثلاثة: الألف والواو والياء وسميت حروف العلّة لكثرة تغيّرها، وثلاثتها تقع في الأضرب الثلاثة كقولك: مال وناب (¬2) وسوط وبيض، وقال وحاول وبائع، ولا ولو وكي. القول على الألف (¬3) وهي لا تكون أصلا في الأسماء المتمكنة ولا في الأفعال بل إمّا زائدة كألف كتاب أو منقلبة عن واو أو ياء كألف مال ورحى (¬4) / وإنّما حكموا بعدم أصالتها في الأسماء والأفعال لحصول الاشتقاق والتصريف في الأسماء والأفعال المستدلّ بهما على الزيادة والانقلاب كفقد ألف ضارب في المشتقّ منه، وهو الضّرب (¬5) بخلاف الحروف، فإنّ الألف فيهن أصل ليس إلّا، لأنّ الحروف جوامد غير متصرفة ولا مشتقة، فلا يعرف لها أصل غير ما هي عليه فلا يقال في ألف ما ولا وحتى إنها زائدة أو بدل لعدم الاشتقاق وعدم التصرف (¬6) لأنّ البدل ضرب من التصرف، ويجري مجرى الحروف في أصالة الألف، الأسماء المبنية المتوغلة في شبه الحروف نحو: متى، والأسماء الأعجمية نحو، ماه (¬7)، لأنا إنّما قضينا بعدم زيادة الألف في الحروف لعدم الاشتقاق وهذا موجود في هذه الأسماء. القول على مواقع الواو والياء الأصليتين (¬8) وهما يتفقان في مواقعهما من الكلمة ويختلفان: ¬
أمّا اتفاقهما افيتفقان في وقوعهما فاء كوعد ويسر، وعينا كقول وبيع، ولاما كغزو ورمي، ويتفقان أيضا في وقوعهما عينا ولاما معا فمثال الواو عينا ولاما: قوة، ومثال الياء عينا ولاما: حيّة ويتفقان في وقوعهما مجتمعتين في أول الكلمة وتقدّم كلّ منهما على الأخرى نحو: ويح ويوم ولكنّ تقديم الواو أكثر فباب ويح أكثر من باب (¬1) يوم. وأمّا اختلافهما: فمنه: أنّ الواو تقدّمت فاء على الياء لاما نحو: وفيت، وأنّها تقدمت أيضا عينا على الياء لاما نحو: طويت دون العكس أي دون أن تتقدّم الياء على الواو، وكذلك فإن قيل: فالحيوان قد تقدمت فيه الياء عينا على الواو لاما فالجواب: أن الأصل في حيوان عند الخليل وسيبويه حييان (¬2)، لأنّه من حييت، والحيّة من ذلك، وإنّما قالوا: حيوان لأنّ اختلاف الحرفين أخفّ من اتفاقهما. ومنه: أنّ الياء وقعت مضاعفة فاء وعينا معا، ولم يأت ذلك إلّا في كلمة واحدة وهي «يين» اسم مكان (¬3) ولا تقع لواو كذلك، والمراد بالتضعيف أن يتجاور المثلان (¬4). ومنه: أنّ الياء وقعت فاء ولاما معا نحو قولهم: يديت إليه يدا (¬5). ومنه: أنّ الياء وقعت فاء وعينا ولاما في قولهم: يييت ياء حسنة إذا كتبتها، ولم تقع الواو فاء ولاما إلا في قولهم واو، وكذلك لم تقع الواو فاء وعينا ولاما إلّا في الواو على قول الأخفش إن ألفها منقلبة عن واو فهي على قوله موافقة للياء في يييت، وقال الفارسيّ: إنّ ألف واو منقلبة عن ياء (¬6) فهي على قوله موافقة لها في يديت وهو أولى من قول الأخفش فإنّه لم يسمع كلمة كلّها من حرف واحد إلّا يييت وهو شاذ، ولكون العربيّة ليس فيها كلمة فاؤها/ ولامها واو، جعلوا كون الفاء واوا، دليلا على أنّ اللّام ياء ¬
القول على الواو والياء فاءين
واتفقوا على أنّ كلّ كلمة فاؤها واو إنّما تكتب لامها ياء فلذلك كتبوا الوغى بالياء (¬1). القول على الواو والياء فاءين ذكر الواو فاء (¬2) وهي تثبت صحيحة وتسقط وتقلب، أمّا ثباتها على الصحّة فنحو: وعد وولد فعلين والوعد والولد اسمين لا مصدرين لأنّ مصدر مثل ذلك تسقط منه الواو فيقال: عدة ولدة كما سنذكره الآن في سقوط الواو، وأمّا سقوط الواو فاء، ففي مضارع فعل أو فعل إذا كان مضارعهما مكسور العين لفظا أو تقديرا لوقوع الواو حينئذ بين ياء وكسرة. أمّا العين المكسورة لفظا: فنحو: يوعد ويومق سقطت الواو لوقوعها بين ياء وكسرة بقي يعد ويمق، ثم طردوا الحذف مع باقي حروف المضارعة فقالوا: أعد وتعد ونعد، وإن لم تقع الواو بين ياء وكسرة ليأتي المضارع على وجه واحد طردا للباب (¬3). وأمّا العين المكسورة تقديرا: فنحو: يوضع ويوسع فإنّ العين فيهما مكسورة بحسب الأصل فهي مكسورة تقديرا ولكن فتحت من أجل حرف الحلق، فالفتحة عارضة والعارض لا اعتداد به لأنّه كالمعدوم (¬4) فلذلك سقطت الواو فيهما فقالوا: يضع ويسع فأمّا إذا انفتحت العين ولم تكن مكسورة تقديرا، فإنّ الواو تثبت كما في قوله تعالى: لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (¬5) فحذفت الواو من «يلد» لانكسار ما بعدها وثبتت في «يولد» لانفتاح ما بعدها، وإنّما حذفت الواو إذا وقعت بين ياء وكسرة طلبا للخفة لأنّ الواو ثقيلة وقد اكتنفها ثقيلان الياء والكسرة، والفعل أثقل من الاسم، فحذفت ¬
ذكر الياء فاء
الواو فيه لاجتماع هذا الثقل، وكذلك تحذف الواو من المصدر الذي حذفت من فعله نحو: العدة والمقة والأصل: الوعدة والومقة وإنّما حذفت لأمرين أحدهما: كون الواو مكسورة وهو مستثقل، وثانيهما: كون الفعل أعلّ أعني يعد ويمق، لأنّ المصدر يعتلّ باعتلال فعله، وأمّا قلب الواو، ففي ما مرّ من الإبدال في نحو: تخمة وميزان. ذكر الياء فاء (¬1) وهي مثل الواو فيما ذكر إلّا في السقوط إذا وقعت بين ياء وكسرة فإنّ الياء تثبت ولا تحذف لأنّهما من جنسهما فثبتت في نحو: ينع الثّمر يينع، ويسر ييسر وهو قمار العرب بالأزلام والاسم الميسر وقد حكى سيبويه على سبيل الشذوذ أنّ بعضهم يجري الياء مجرى الواو في الحذف في يئس ييئس فيقول: يئس يئس (¬2) كومق يمق من أجل مجيء الهمزة مستثقلة معها، فلذلك تحذف في ييئس لأجل الهمزة ولا تحذف عند فقدها، فلا يقال: يسر يسر بالحذف بل يسر ييسر لفقد الهمزة، وأمّا قلب الياء فقد سبق في الإبدال وهي تقلب مثلما تقلب الواو فيقال في ايتسر: اتّسر/ كما يقال في اوتعد: اتّعد (¬3). ذكر التنبيه على موضع ثبوت الواو وموضع حذفها (¬4) اعلم أنّ الفرق بين وجل يوجل ووجع يوجع حيث ثبتت الواو فيهما، وبين وضع يضع ووسع يسع، حيث حذفت الواو فيهما وكلّ من القبيلين فيه حرف الحلق، أن فتحة يوجل ويوجع أصلية، لأنه من باب فعل يفعل مثل علم يعلم وشرب يشرب وفتحة يضع ويسع عارضة ومثله من المعتلّ ورم يرم وورث يرث فالكسرة مرادة وإنما فتح لحرف الحلق فحذفت الواو في يضع ويسع للكسرة المرادة وقد شبّهت الفتحة ¬
ذكر ما جاء في مضارع أفعال تذكر
العارضة في يضع ويسع بكسرة التجاري وهو مصدر تجارى، وقياسه الضّمّ مثل التّحاسد والتكاثر، وإنّما كسرت الراء فيه لتصحّ الياء وشبّهت الفتحة الأصلية في يوجل ويوجع بكسرة التجارب جمع تجربة فكسرة التجاري عارضة كفتحة يضع ويسع وكسرة راء التجارب أصلية كفتحة يوجل ويوجع (¬1). ذكر ما جاء في مضارع أفعال تذكر (¬2) اعلم أنه قد جاء عن العرب قلب الواو والياء في مضارع افتعل ألفا فيقولون: يا تعد ويا تسر (¬3) وجاء في مضارع يئس لغتان: ييأس بفتح العين وهو الأصل، وييئس بالكسر على خلاف الأصل، وجاء أيضا فيهما إبدال الألف من الياء فقالوا في ييأس بالفتح: ياءس وفي ييئس بالكسر: يائس. وجاء في مضارع فعل يفعل مثل وجل يوجل أربع لغات: وجل يوجل بإثبات الواو لأنها لم تقع بين ياء وكسرة وهي أجودها، وياجل بقلب الواو ألفا على حدّ قلبها في يا تعد ويا تزن، وييجل بقلب الواو ياء، وييجل بكسر المضارعة لتكون وسيلة إلى قلب الواو ياء لسكون الواو حينئذ وانكسار ما قبلها، وليس كسر هذه الياء من لغة من يقول تعلم بكسر حرف المضارعة (¬4) وهو التاء المثناة الفوقية (¬5) بل لأجل أن تنقلب الواو ياء كما ذكرنا، لأنّ من يقول: تعلم بكسر التاء الفوقية لا يقول يعلم بكسر الياء التحتية فهي لغة أخرى. واعلم أنّهم يستثقلون الابتداء بالياء المكسورة، ولذلك لا يوجد اسم أوله ياء مكسورة غير يسار لليد فاعرفه (¬6). ¬
ذكر بناء افتعل من أفعال تذكر
ذكر بناء افتعل من أفعال تذكر (¬1) وهو أنك إذا بنيت افتعل من نحو: أكل وأمر جعلت همزة أكل ياء وأتيت بتاء افتعل بعدها فقلت: ايتكل وايتمر والأصل: ائتكل بهمزتين الأولى: همزة الوصل وهي مكسورة، والثانية: فاء الفعل وهي ساكنة، فقلبت الثانية ياء لسكونها وانكسار ما قبلها على حدّ قلبها في ذئب وبئر، ولا يجوز أن يقال في ايتكل وايتمر: اتّكل واتّمر بادغام هذه الياء المنقلبة عن الهمزة في تاء افتعل كما قيل في ايتسر اتّسر، لأنّ الياء في ايتكل ليست لازمة لعودها إلى أصلها عند زوال/ همزة الوصل في نحو المضارع نحو: يأتكل ويأتمر، فتعود الياء همزة لزوال الموجب لقلبها وهو همزة الوصل، ومعنى ايتكل أخذ أموال الرّشا (¬2) ويقال: ايتكلت أسنانه من الكبر، ومعنى ايتمر قبل الأمر (¬3) وكذلك تقول: ايتزر بالإزار لما قلنا من أن ياء ايتزر غير لازمة، ولا يجوز فيه اتّزر لأنّ اتّزر وهو ركوب الوزر (¬4). القول على الواو والياء عينين (¬5) إذا كانت عين الكلمة واوا أو ياء فإمّا أن تعلّ أو تحذف أو تسلم فذلك ثلاثة أقسام: القسم الأول في إعلال الواو والياء عينين اعلم أنّ إعلالهما قد وقع في عدد من الأفعال والأسماء مما تحركت فيها الواو والياء عينا وانفتح ما قبلها فقلبت ألفا طلبا للخفة لثقل الحركة على حرف العلّة (¬6)، أمّا الأفعال المعتلّة فنحو: قال وخاف وباع وهاب، لأنّ أصلها قول وخوف وبيع ¬
وهيب فتحركت الواو والياء فيهنّ وانفتح ما قبلهما فقلبتا ألفا ثم أعلّوا المضارع كما أعلوا الماضي، وإن لم تقم فيه علّة الإعلال ليكون المضارع والماضي على سنن واحدة، فقالوا: يقول ويخاف ويبيع ويهاب والأصل: يقول ويخوف ويبيع ويهيب بتحريك حرف العلّة وسكون ما قبله فنقلت ضمّة واو يقول إلى القاف بقي: يقول، وتقلب فتحة واو يخوف إلى الخاء فانفتح ما قبل الواو فقلبت ألفا لتحركها بحسب الأصل وانفتاح ما قبلها بقي: يخاف، ونقلت كسرة ياء يبيع إلى الياء بقي: يبيع (¬1) ونقلت فتحة ياء يهيب إلى الهاء فانفتح ما قبل الياء فقلبت ألفا لتحركها بحسب الأصل وانفتاح ما قبلها بقي: يهاب. وأمّا الأسماء المعتلّة (¬2) فنحو: باب وناب ورجل مال ولاع، إذ أصل باب وناب: بوب ونيب لجمعهما على أبواب وأنياب، والاسم إذا ساوى الفعل في الزنة ووقوع حرف العلة منه موقعه من الفعل حيث أعلّ حكم عليه بحكم الفعل فلذلك قلبت الواو والياء في بوب ونيب ألفا لتحركهما وانفتاح ما قبلهما، وأصل رجل مال: مول يقال: مول مول مثل حذر فهو حذر، واللّاع الجبان وأصله لوع فتحركت الواو في مول ولوع وانفتح ما قبلها فقلبت ألفا بقي رجل مال ولاع وكذلك ما هو من ذلك مما تحركتا فيه وانفتح ما قبلهما ومن ذلك أسماء فاعلي الأفعال المذكور ومفعوليها نحو: قائل وخائف وبائع وهائب ومقول ومخوف (¬3) ومبيع ومهيب مما أعلّت لاعتلال أفعالها (¬4) على ما سيذكر في أثناء هذا الفصل. ومن الأسماء المعتلّة مفعل وإخوته (¬5): اعلم أنه قد جاء من هذه الأفعال المعلولة مفعل ومفعلة بفتح العين ومفعل ومفعلة بكسرها ومفعلة/ بضمّها، أمّا مفعل بالفتح، فنحو: معاذ أصله معوذ فنقلت فتحة الواو إلى العين فقلبت ألفا لتحركها في الأصل وانفتاح ما قبلها بقي: معاذ، وأما مفعلة بالفتح فنحو: مقالة أصلها مقولة ¬
ذكر الأفعال المعتلة التي لحقتها الزيادة
فنقلت فتحة الواو إلى القاف، وقلبت الواو ألفا كما قيل في معاذ بقيت مقالة، وأما مفعل بالكسر فنحو: مسير، أصله مسير على وزن مفعل فنقلت كسرة الياء إلى السين بقي مسير، وأما مفعلة بالكسر فنحو: معيشة أصلها معيشة نقلوا كسرة الياء إلى العين بقيت معيشة (¬1) وأما مفعلة بالضمّ فنحو: مشورة أصلها مشورة فنقلت ضمّة الواو إلى الشين فسكنت الواو وانضمّ ما قبلها، واستقرّت وبقيت مشورة مثل: مثوبة ومعونة (¬2). ذكر الأفعال المعتلّة التي لحقتها الزيادة (¬3) وهي تعتلّ كما أعلّت الأفعال التي لم تلحقها الزيادة لكن إذا لم يكن ما قبل حرف العلّة ألفا أو واوا أو ياء كما سنذكر، فالتي أعلّت نحو: أقام واستقام واختار وانقاد، فأقام أصله: أقوم فقلبت فيه الواو ألفا، وإن لم ينفتح ما قبلها، لأنّ هذه الواو هي التي أعلّت قبل الزيادة في قام فأجري حرف العلّة مع الزيادة مجراه قبل الزيادة فنقلت فتحة واو أقوم إلى القاف وقلبت ألفا لتحركها في الأصل وانفتاح ما قبلها بقي: أقام، وكذلك استقام أصله استقوم فقلبت واوه ألفا لما قلنا في أقام بعينه، وكذلك اختار أصله: اختير على وزن افتعل، وانقاد أصله: انقود على وزن انفعل تحركت الياء والواو فيهما وانفتح ما قبلهما فقلبتا ألفا بقي اختار وانقاد، واعلم أنّ جميع ما أعلّ ولم تستكمل فيه علّة الإعلال، فإنّما أعلّ اتباعا للفعل الذي قامت العلّة في إعلاله قال في المفصّل (¬4): لكونها منها ولضربها بعرق فيها. ومعناه أنّ علّة اعتلالها اعتلال الأفعال التي علّتها كاملة، لأنّها جارية عليها أي ضرب فيها عرق الإعلال (¬5). ذكر الأفعال التي لا تعلّ لكون ما قبل حرف العلّة ألفا أو واوا أو ياء (¬6) أما الألف قبل الواو والياء فنحو: قاول وتقاولوا وزايل وتزايلوا، فلم تعلّ الواو ¬
القسم الثاني: في حذف الواو والياء عينين
والياء فيهما لأنّ نقل حركتهما إلى ما قبلهما غير ممكن لكون ما قبلهما ألفا وهي لا تقبل الحركة، وأمّا الواو والياء قبل الواو فنحو: عوّذ وتعوّذ وزيّن وتزيّن بالإدغام فلم يقلب حرف العلّة المدغم فيه، لأنّه لو نقلت حركته إلى ما قبله وقلب ألفا لبطل الإدغام وزال البناء عمّا وضع له (¬1). القسم الثاني: في حذف الواو والياء عينين وهما تحذفان على ثلاثة أضرب للالتقاء الساكنين، أو للتخفيف، أو لضرورة الإعلال. ذكر الحذف لالتقاء السّاكنين (¬2) / وهما هاهنا عين الفعل ولامه إذا كان عين الكلمة حرف علّة. فمنه: أن تسكّن اللّام في الفعل المجرّد، إمّا للأمر نحو: قل وبع أو للجزم نحو: لم يقل ولم يبع، أو لاتصال ضمير الفاعل نحو: قلت وقلن، فيلتقي ساكنان حرف العلّة المسكن واللّام المسكنة (¬3) لأحد هذه الأمور الثلاثة أعني للأمر أو للجزم أو لاتصال ضمير الفاعل، فيحذف حرف العلّة للالتقاء الساكنين. واعلم أنّ ضمير الفاعل الي تسكّن له لام الفعل، إنّما هو البارز المتحرك للمذكّر والمؤنّث للمتكلّم والمخاطب نحو: قلت وبعت وقلت وبعت، والأصل: قولت وبيعت بضم الواو وكسر الياء فنقلت الحركة عنهما إلى ما قبلهما أعني إلى فاء الفعل بعد حذف حركتها فالتقى ساكنان حرف العلّة ولام الفعل فحذف حرف العلّة، وأمّا ضمير المؤنث فإذا كان للمخاطب نحو: قلت وكذلك ضمير جماعة المؤنث أيضا في الماضي والأمر والمضارع نحو: قلن وبعن، ويا هندات قلن وبعن، وهنّ يقلن ويبعن والأصل في الماضي والأمر: قولن بضمّ الواو وبيعن بكسر الياء فنقلت حركتهما إلى ما قبلهما وحذفتا كما تقدّم في قلت وبعت بقي: قلن وبعن وأمّا في ¬
ذكر الحذف للتخفيف
الأمر فأصله أقولن وأبيعن نقلت حركة حرف العلّة إلى ما قبلها فاستغني عن همزة الوصل فحذفت والتقى ساكنان حرف العلّة ولام الفعل فحذف حرف العلّة بقي: قلن وبعن، وأمّا في المضارع فالأصل تقولن بضمّ الواو ويبيعن بكسر الياء وسكون ما قبلهما فنقلت حركتهما إلى ما قبلهما وحذفتا لالتقاء الساكنين كما تقدّم في قلت وبعت بقي: يقلن ويبعن. ومنه: ما كان من هذا النحو مزيدا فيه نحو: أقام واستقام فيقال: أقم واستقم فيحذف حرف العلّة، والأصل: أقوم واستقوم، فنقلت حركة حرف العلّة فيهما إلى ما قبلهما وحذف حرف العلّة كما حذف في قم لا فرق بين المزيد فيه والمجرّد في ذلك (¬1). ذكر الحذف للتخفيف (¬2) وهو جائز ولازم، أمّا الجائز: فمنه: سيد وهين وميت بالتخفيف والأصل: سيود وهيون وميوت على فيعل بكسر العين (¬3)، اجتمعت الواو والياء وسبقت إحداهما بالسكون فقلبت الواو ياء وأدغمت الياء في الياء بقي: سيّد وهيّن وميّت ثم خففوه بحذف إحدى الياءين وهي الياء التي كانت واوا، وهي عين الكلمة بقي سيد وهين وميت. وأمّا التخفيف اللازم: فمنه: قيلولة وكينونة والأصل قيولولة وكيونونة فقلبت الواو الأولى ياء وأدغمت الياء في الياء على القاعدة بقي قيّلولة وكيّنونة ثم خفّف ذلك بحذف إحدى الياءين (¬4) ولزم التخفيف لطول الاسم، والقيلولة النوم في الظهيرة. والكينونة من كان يكون (¬5). ¬
ذكر الحذف لضرورة الإعلال
ذكر الحذف لضرورة الإعلال (¬1) فمنه/ الإقامة والاستقامة والأصل: إقوام واستقوام وهما من المصادر التي أعلّت أفعالها، فوجب إعلالها كذلك، فنقلوا فتحة الواو في إقوام واستقوام إلى ما قبلها وقلبوا الواو ألفا لتحركها في الأصل وانفتاح ما قبلها فالتقى ألفان فحذفت إحداهما وهي الثانية عند سيبويه والخليل لأنّها الزائدة وهي الأولى عند الأخفش التي هي عين الفعل (¬2) بقي: أقام واستقام فعوّض المصدر التاء في آخره عمّا حذف منه بقي: إقامة واستقامة. القسم الثالث: في سلامة الواو والياء عينين (¬3) وهما يسلمان إذا فقدت أسباب الإعلال والحذف، أو وجدت لكن منع مانع، أما ما فقدت فيه علّة الإعلال: فمنه: سكون ما قبل حرف العلّة في الأصل نحو: أعين وأزواج ومقول (¬4). ومنه: حركة ما قبل حرف العلّة بغير الفتح نحو: قوباء (¬5) وخيلاء (¬6). وأمّا ما وجدت فيه أسباب الاعتلال لكن منع مانع: فمنه: صورى وهو اسم ماء بقرب المدينة (¬7)، فلو قلبت واوه ألفا لبقي صارا فيلبس، وكذلك حيدى وهو الحمار الذي يحيد من كلّ شيء، فلو قلبت ياؤه ألفا لصار حادى فيلتبس بالفعل. ومنه: الجولان والحيكان وهو مصدر حاك يحيك وهو مشي القصير إذا مشى ¬
القول على أبنية الأفعال المعتلة وهي مثل أبنيته الصحيحة
وحرّك منكبيه، فهنا قد وجدت أسباب القلب ولكن منع منه مانع وهو كون الاسم ليس على مثال الأفعال، وشرط إعلاله أن يكون على مثال الأفعال نحو: باب ودار، لأنّ أصلهما وهو بوب ودور على مثال الفعل بخلاف ما ذكر من الجولان وشبهه (¬1). القول على أبنية الأفعال المعتلّة وهي مثل أبنيته الصحيحة (¬2) أمّا المعتلّة بالواو: فمنها: ما هو على فعل يفعل نحو: قام يقوم والأصل: قوم يقوم مثل خرج يخرج من الصحيح. ومنها: ما هو على فعل يفعل نحو: خاف يخاف والأصل: خوف يخوف مثل علم يعلم، ومنها: ما هو على فعل يفعل نحو: طال يطول وجاد يجود والأصل: طول يطول وجود يجود مثل حسن يحسن وذلك إذا كانا لازمين بمعنى أنّه صار طويلا أو جوادا، فأمّا إن أريد بطال يطول وجاد يجود المتعدي بمعنى أنه طال غيره وجاد على غيره فلا يكون من فعل يفعل حينئذ ولكن من فعل يفعل مثل قتل يقتل، واسم الفاعل من اللّازم طويل وطوال كظريف وسراع وهو اسم الفاعل من سرع، أما اسم الفاعل من المتعدي فطائل كما أنه من قال قائل. وأمّا المعتلّة بالياء: فمنها: ما هو على فعل يفعل نحو: باع يبيع والأصل بيع يبيع مثل ضرب يضرب. ومنها: ما هو على فعل يفعل نحو: هاب يهاب والأصل هيب يهيب مثل شرب يشرب ولم يجئ في اليائي يفعل بضمّ العين مثل: يخرج ولا في الواوي فعل يفعل بكسر العين مثل: حسب يحسب وذهب الخليل في طاح يطيح وتاه يتيه أنّهما فعل يفعل كحسب/ يحسب وهما من الواوي لقولهم: طوّحت وتوّهت وهو أطوح منه وأتوه (¬3) وإنما كانا من فعل يفعل بكسر عين الماضي والمضارع معا لقولهم: طحت ¬
ذكر تحويل الأبنية المعتلة
وتهت بكسر فاء الفعل ولو كانا من فعل بفتح العين وهو واوي، لضمّوا الفاء كقلت فلمّا جاء الكسر وقد ثبت أنهما من الواوي علم أنّ الكسر إنما يكون مما تكون عين ماضيه مكسورة، فثبت أنّه لا يستقيم يطيح ويتيه من الواوي إلّا أن تكون عين الماضي مكسورة وهذا الذي قاله الخليل خارج عن القياس، وأمّا من قال: طيّحت وتيّهت، فلا إشكال في أنهما مثل باع يبيع، وهما من فعل يفعل وهو القياس (¬1). ذكر تحويل الأبنية المعتلّة (¬2) إذا كانت عين الفعل واوا واتّصل به ضمير الفاعل البارز المتحرك للمتكلّم أو المخاطب حوّل ذلك الفعل من فعل بفتح العين إلى فعل بضمّها ثم تنقل ضمّة العين إلى الفاء وتحذف العين نحو: قلت قلنا قلت قلتم قلت قلتن كان الأصل: قولت بفتح العين فحوّل إلى فعل بضمّها فصار قولت ثم نقلت ضمّة العين إلى الفاء بعد حذف فتحة الفاء الأصلية فسكنت الواو والتقت مع اللّام الساكنة لاتصال الضمير فحذفت الواو بقي: قلت قلنا إلى آخرها. وإن كانت عين الفعل ياء حوّل الفعل مع الضمائر المذكورة من فعل بفتح العين إلى فعل بكسرها ثم تنقل كسرة العين إلى الفاء وتحذف الياء بعين ما قلنا في الواو فيبقى: بعت بعنا بكسر فاء الفعل إلى آخر الضمائر المذكورة (¬3). وإنّما حوّل في الواوي من فعل إلى فعل وفي الياء من فعل إلى فعل للفرق بين بنات الواو وبنات الياء، وإنّما غيرت حركة الفاء الأصلية بنقل حركة العين إليها لتدلّ الضمّة والكسرة على الواو والياء المحذوفتين، وقد فرّقوا هنا بين الواوي واليائي ولم يفرّقوا في موضع بقاء العين نحو: قال وباع إمّا لتعذّر الضمّ والكسر مع الألف، وإمّا لكون ما انقلبت إليه الواو والياء موجودا، وكذلك لم يفرقوا فيما فيه العين مكسورة في الأصل نحو: خفت وهبت والأصل خوف وهيب فلم يحول فيه الواوي إلى فعل بضمّ العين ولكن نقلوا كسرة العين لكونها أصلية إلى الفاء للإيذان بأن المحذوف ¬
ذكر ما لم يسم فاعله من الأفعال المعتلة
مكسور في الأصل أعني خوف وهيب ولا يكون هذا النقل والتحويل إلّا مع الضمير البارز المذكور خاصّة، فلا يقع مع الضمير المستكن في الفعل الماضي وغيره للّبس بفعل ما لم يسمّ فاعله وأيضا فإنّ النقل والتحويل إنما يكون عند حذف العين كقلت وبعت للدلالة على المحذوف، وبعض العرب (¬1) لا يبالي باللّبس ويقول: كيد زيد يفعل وما زيل زيد يفعل كذا بمعنى كاد وما زال وأصل كاد وزال هاهنا كيد وزيل فينقل في كيدا كسرة العين إلى الفاء بعد حذف حركة الفاء ويسكّن العين من غير أن/ يحذفها ولا يخاف اللّبس بما لم يسمّ فاعله لأنّ كاد وما زال لا زمان وما لم يسمّ فاعله لا يكون من اللّازم، وهو شاذّ لخروجه عن القياس (¬2). ذكر ما لم يسمّ فاعله من الأفعال المعتلّة (¬3) فمن ذلك: أنك تقول: قيل وبيع بالياء وكسر الفاء صريحا وتقول: قيل وبيع بإشمام الفاء شيئا من (¬4) الضمّة، وقد عبّروا عن هذه الحركة بالإشمام [وهي في الحقيقة روم (¬5) فاعلمه. وتقول: قول وبوع بالواو (¬6) وكذلك اختير وانقيد له بالياء وبالإشمام (¬7)] (¬8) وتقول أيضا: اختور وانقود له، بالواو وقد تقدّم الكلام عليهما في ما لم يسمّ فاعله في قسم الفعل. ومنه: أنّ باب قيل وبيع إذا بني للمتكلّم والمخاطب جاز فيه أيضا ثلاثة أوجه فتقول عن نفسك إذا عادك النّاس وللمخاطب إذا عاده النّاس عدت وعدت والأصل: ¬
ذكر صحة حرف العلة عينا
عودت وعودت مثل ضربت وضربت فنقلت كسرة العين وهي الواو إلى الفاء بعد إزالة ضمّتها، وحذفت العين لسكونها وسكون لام الفعل لاتصال ضمير الفاعل بها بقي عدت بكسر العين ولك في ذلك الإشمام أيضا، ولك أن تبقي ضمّة الفاء فتقول: عدت وعدت وباب اخترت كذلك فتقول اخترت يا رجل واخترت أنا بكسر الفاء وضمّها الخالصين وبالإشمام، وجمع المؤنّث المخاطب كذلك نحو: عدتنّ وعدتنّ، وأمّا باب أقيم واستقيم لا يجئ فيه غير كسر الفاء، لأنّ الأصل أقوم واستقوم مثل أخرج واستخرج فنقلت الكسرة عن العين وهي الواو في أقوم واستقوم إلى الفاء فسكنت الواو وانكسر ما قبلها فقلبت ياء بقي: أقيم واستقيم (¬1) وقد تقدّم أيضا الكلام على ذلك في قسم الفعل. ذكر صحّة حرف العلّة عينا (¬2) فمن ذلك: عور وحول وصيد وازدوجوا واجتوروا وإنّما صحّ حرف العلّة في هذه الكلمات مع تحركه وانفتاح ما قبله لأنّ عور بمعنى أعور وحول بمعنى أحول وصيد بمعنى أصيد، وهو داء يصيب البعير فيرفع له رأسه، وازدوجوا بمعنى تزاوجوا واجتوروا بمعنى تجاوروا، وحرف العلّة في هذه يجب أن يصحّ لسكون ما قبله (¬3) ولذلك صحّ فيما هو بمعناه، وشذّ عارت عينه تعار قال الشّاعر: (¬4) ... … أعارت عينه أم لم تعارا ومنه: ما لحقته الزيادة (¬5) من ذلك نحو: أعور الله عينه، وأصيد بعيره وكذلك ¬
إذا بني منها استفعل نحو: استعورت عينه فيصحّ حرف العلّة في المزيد فيه كما صحّ في عور وصيد لأنّ حكم المزيد فيه كحكم أصله. ومنه: ليس وأصلها ليس بكسر الياء مثل علم، وإنما لم تقلب فيها الياء ألفا لتحركها في الأصل وانفتاح ما قبلها لأنّهم ألزموها السكون ليكون ذلك إشعارا بأنها لا تنصرف فلم يقولوا في ليس لاس، كما قالوا في هيب هاب لأنّها لمّا كانت لا تتصرّف صارت مثل الحرف الساكن/ أبدا نحو: ليت ولقوّة مشابهة ليس بليت لم يقولوا: لست (¬1) كما قالوا هبت، وقد جاء في صيد البعير: صيد وفي علم: علم بالإسكان فيهما مثل ليس وهو جائز فيها غير لازم، لأنّهما لم يشبها ليت كمشابهة ليس لها وصيد وعلم بالتسكين فرعان لصيد وعلم المتحركين، لأن فعل بسكون العين لا يكون في الأفعال (¬2). ومنه: صحّة العين في الاسم نحو: هو أقول الناس، من أقاله البيع (¬3) وهو أبيعهم، لأن الاسم إذا جاء على مثال الفعل وليس فيه ما يفرق بينهما صحّح ليكون تصحيحه وإعلال الفعل فارقا بينهما، وأمّا صحّة العين في فعل التعجب نحو: ما أقوله من أقاله البيع وما أبيعه، فلكونه فعلا غير متصرّف فأشبه الأسماء فصحّح فيه حرف العلّة كما صحّح في الأسماء (¬4)، وشذّ: أجودت والقياس أجادت لأنّ أصله الثلاثي جاد وهو قد أعلّ (¬5) وكذلك شذّ: استروح إليه واستحوذ، ومعناه غلب، واستجود (¬6) واستصوب والقياس استراح واستحاذ واستجاد واستصاب، وكذلك شذّ: أطيبت إذا جاءت بالطيب، وأغيلت إذا أرضعت ولدها وهي حامل، وأخيلت إذا تهيّأت للمطر، وأغيمت واستغيل والقياس: أطابت وأغالت وأخالت وأغامت واستغال وكذلك شذّ استنوق (¬7) ¬
ذكر إعلال اسم الفاعل
والقياس استناق. ذكر إعلال اسم الفاعل (¬1) إذا بني من نحو: قال وباع على وزن فاعل قيل فيه: قائل وبائع بقلب عين الفعل همزة حملا له على فعله في الإعلال لقربه منه وقلبت همزة تشبيها لها بكساء ورداء أعني لوقوعها بعد ألف زائدة، كأنّهم قلبوها ألفا، ولم يمكن حذف إحداهما لئلّا يصير اسم الفاعل إلى لفظ الفعل، ولا ردّ الألف الثانية إلى أصلها لوجوب إعلال اسم الفاعل لاعتلال فعله، فلم يبق إلّا تحريك الألف الثانية بالكسر، لأنّها عين فاعل، فصارت همزة لأنّ الألف لا تقبل الحركة؛ فقيل: قائل وبائع بالهمز وإنما وجب إعلال اسم الفاعل مع سكون ما قبل حرف العلّة لاعتلال فعله لقرب اسم الفاعل من الفعل (¬2) [وربما حذفت العين] (¬3) نحو: شاك (¬4) أي تامّ السّلاح (¬5). وأمّا اسم الفاعل من جاء ففيه قولان موقوفان على معرفة أصله: وأصله جايئ الجيم فاء والياء عين، والهمزة لام، فالقول الأوّل: إنّه مقلوب بأن أخرت في اسم الفاعل العين (¬6) التي هي الياء إلى موضع الّلام وقدّمت اللّام التي هي الهمزة إلى موضع العين صار جائي ثم حذفت الياء في الرفع والجرّ للتنوين فصار جاء مثل قاض (¬7) والثاني: أن أصله كما قلنا (¬8) ولكن قلبت الياء التي هي عين الفعل همزة ¬
ذكر إعلال اسم المفعول
على حدّ قلبها في قائل وبائع فاجتمع همزتان فقلبت الأخيرة ياء ثمّ حذفت للتنوين (¬1) وقد تقدّم ذلك أيضا في أواخر تخفيف الهمزة، وقد صحّت العين في اسم الفاعل في قولهم: عاور وصايد لصحّة عينهما في الفعل أعني: عور وصيد وكذلك/ مقاوم ومباين ومبايع، لصحّتها في الفعل وهو: قاوم وباين وبايع. ذكر إعلال اسم المفعول (¬2) وهو يعتلّ لاعتلال فعله لأنّه جار على الفعل جريان اسم الفاعل، وإنما يبنى على صيغة مفعول من ثلاثي متعدّ نحو: مقول ومبيع والأصل: مقوول ومبيوع على وزن مفعول، فاستثقلت الضمّة على الواو والياء وهما عين الفعل ونقلت ضمّتهما إلى ما قبلهما وهو فاء الفعل أعني القاف والباء فالتقى ساكنان العين وواو مفعول فحذفت إحداهما؛ والمحذوف عند الخليل وسيبويه هو واو مفعول لزيادتها وأصالة العين ولقولهم (¬3): مبيع، إذ لو كان المحذوف هو الياء لقالوا: مبوع وعند الأخفش أنّ المحذوف هو العين دون واو مفعول لمجيئها لمعنى، وما كان لمعنى فهو أولى بالبقاء (¬4) وأمّا قولهم: مبيع دون مبيوع فلأنّ الضمّة لمّا نقلت (¬5) عن الواو والياء قلبت كسرة في باب مبيع إمّا للتنبيه على بنات الياء أو للياء التي سكّنت بعدها ثم حذفت، فلمّا قلبت كسرة في باب مبيوع انقلبت واو مفعول ياء لسكونها وانكسار ما قبلها، ورجّح مذهب الخليل وسيبويه بأنّه أقلّ تغييرا. وشذّ مشيب والقياس مشوب والأصل: مشووب ولكن لمّا قالوا في الفعل شيب بقلب الواو ياء قالوا: مشيب حملا لاسم المفعول على فعله (¬6) وكما قالوا مشيب بناء على شيب قالوا: مهوب بالواو وهو من الياء بناء على هوب على لغة من قال فيما لم ¬
ذكر حكم الياء المضموم ما قبلها
يسمّ فاعله: قول وبوع فكأنه قال: هوب زيد فهو مهوب، وشذّ أيضا: مخيوط ومزيوت ومبيوع وتفاحة مطيوبة، ويوم مغيوم (¬1) وجاء ذلك في لغة بني تميم فإنهم يتمّون مفعولا في اليائي دون الواوي لأنّ الياء لمّا كانت أخفّ من الواو وسكّن ما قبلها أجروها مجرى الحرف الصحيح، وقال سيبويه (¬2): ولا نعلمهم أتمّوا في الواو لأنّ الواو أثقل عليهم من الياءات، وقال غيره: (¬3) إنه ورد مصوون ومدووف بالإتمام في الواوي، وورد بالحذف على القياس أيضا كقولك: مصون ومدوف. ذكر حكم الياء المضموم ما قبلها (¬4) فمذهب سيبويه أنّ كلّ ياء هي عين ساكنة مضموم ما قبلها أن تقلب الضمّة كسرة لتسلم الياء نحو: بيض، جمع بيضاء والأصل بيض بضمّ الفاء مثل: حمر جمع حمراء فانقلبت (¬5) الضمّة كسرة لتصحّ الياء، ومذهب الأخفش أن تقلب الياء واوا فتقول بوض (¬6) وهو يقصر قلب الياء واوا على الجمع نحو: بيض جمع أبيض فلو بني نحو: برد من البياض لكان الأصل بيض بضمّ الباء الموحّدة وسكون الياء المثناة فعلى مذهب سيبويه تبدل من ضمّة الباء الموحّدة كسرة لتصحّ الياء فتبقى بيض، وعلى مذهب الأخفش تبدل من الياء واوا فبقي بوض، ومذهب سيبويه هو القياس لأنّ الضرورة ملجئة في اجتماع الياء والضمّة إلى تغيير إحداهما (¬7)، وتغيير الحركة أولى من تغيير الحرف، لأنّ المحافظة على الحروف أولى من المحافظة على الحركة. ومعيشة على مذهب سيبويه يجوز أن تكون معيشة بضمّ العين وأن تكون على/ ¬
ذكر ما يعل وما لا يعل من الأسماء الثلاثية المجردة
مفعلة بكسرها (¬1). أمّا إذا كانت معيشة بضمّ العين فقد نقلت الضمّة عن الياء وهي عين الكلمة إلى الفاء وهي العين، فحصلت ياء ساكنة وقبلها ضمّة فوجب على مذهب سيبويه قلب الضمّة كسرة فصارت معيشة، وأمّا إذا كانت مفعلة بكسر العين فواضح؛ لأنّك نقلت كسرة الياء إلى ما قبلها، فسكنت الياء وانكسر ما قبلها فاستقرت الياء وبقيت معيشة ومذهب الأخفش أنّ أصلها معيشة بالكسر ليس إلّا، ولا يجوز أن تكون مفعلة بضمّ العين لأنها لو كانت كذلك لكانت ياء ساكنة قبلها ضمّة، فيجب قلب الياء واوا على مذهبه فيصير معوشة. ولو بنيت من البيع على مذهب سيبويه نحو: ترتب، لقلت: تبيع، والأصل: تبيع فنقلت الضمّة عن الياء إلى الباء التي قبلها فبقيت الياء ساكنة وقبلها ضمّة، فأبدلت من الضمّة كسرة لتصحّ الياء فصار تبيع، وعلى مذهب الأخفش تبوع والأصل: تبيع فلمّا نقلت الضمّة عن الياء إلى الباء انقلبت الياء واوا لسكونها وانضمام ما قبلها، وقد شذّ مضوفة وهو الأمر الذي يشفق منه (¬2) لأنّ أصله مضيفة بضمّ الياء على مفعلة، وقياسها على مذهب سيبويه نقل الضمّة إلى الضّاد وقلبها كسرة فيبقى: مضيفة، ولكن جاءت مضوفة على قياس مذهب الأخفش وشذت على مذهب سيبويه (¬3) كما شذّ القود (¬4) والقصوى عنده، والقياس عنده القصيا لأنّ بنات الواو إذا جاءت على فعلى تردّ إلى الياء كالدّنيا والدّهيا (¬5) والعليا فجاءت القصوى شاذا، وعند الأخفش قياس. ذكر ما يعلّ وما لا يعلّ من الأسماء الثلاثية المجردّة (¬6) أمّا ما يعلّ فقد تقدّم أنّ الأسماء المجرّدة إنّما تعلّ إذا كانت على مثال الفعل بأن ¬
تكون على فعل أو فعل أو فعل بفتح الفاء وتحريك العين بالحركات الثلاث، وكيفما كانت العين فالقلب واقع بها لتحركها وانفتاح ما قبلها، فمن ذلك: نحو باب ودار لأنّ الأصل: بوب ودور كما أنّ أصل قام: قوم فأعلا كما أعلّ قوم بقلب العين ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها. ومنه: شجرة شاكة (¬1) والأصل: شوكة. ومنه: رجل مال والأصل: مول مثل حذر وقد تقدّم الكلام عليه (¬2) وقد شذّ ما صحّ من ذلك للتنبيه على الأصل فيما جاء معتّلا نحو: القود والحوكة في الحاكة والخونة والجورة (¬3) ورجل روع أي فزع وحول بمعنى أحول. وأما ما لا يعلّ فهو ما كان من الأسماء الثلاثيّة ليس على مثال الفعل، وذلك بأن يكون إمّا على فعلة بضمّ الفاء نحو: نومة للكثير النوم، ولومة للكثير اللّوم، وعيبة للذي يعيب الناس، وإمّا على فعل بكسر الفاء نحو: العوض والعودة جمع عود وهو الذي جاوز البازل، فصحّت العين في ذلك لأنّه ليس على وزن الفعل (¬4) فإن قيل فقد أعلوا قيما بكسر القاف وتخفيف الياء وفتحها وكان القياس يقتضي أن يقال: قوم بتصحيح الواو لأنّه على فعل مثل عوض فالجواب: أنه أعلّ لأنّه مصدر كالصّغر والكبر وفعله/ قام يقوم قوما وهو بمعنى القيام فأعلّ كما أعلّ القيام لاعتلال فعله، وقد جاء قيم صفة في قوله تعالى: دِيناً قِيَماً (¬5) بكسر القاف وتخفيف الياء وفتحها وقريء في السبعة كذلك (¬6) ولا إشكال في الوصف بالمصدر كقولك: رجل عدل، وأمّا القراءة الأخرى أعني دينا قيما بفتح القاف وتشديد الياء وكسرها فقيّما صفة مشبهّة مشتقّة من القيام مثل سيّد وميّت، وشذّ من المصادر حول بمعنى التحوّل في ¬
ذكر فعل بضم الفاء والعين
مثل قوله تعالى: لا يَبْغُونَ عَنْها حِوَلًا (¬1) وكان القياس حيلا بإعلال الواو ياء لأن فعله وهو «حال» معتلّ، فكان ينبغي إعلال حول لاعتلال فعله كما أعلّ قيم لاعتلال فعله فيصحّ على خلاف القياس (¬2). ذكر فعل بضمّ الفاء والعين (¬3) ما جاء من الأسماء المعتلّة من ذوات الواو على فعل بضمّ الفاء والعين فتسكّن عينه تخفيفا لاجتماع الضمّتين والواو فيقال في جمع نوار (¬4) وهي النفور من الريبة نور وفي جمع عوان: عون والأصل نور وعون فسكنت الواو طلبا للتخفيف لأنّه لمّا سكّن نظيره من الصحيح طلبا للخفة نحو: كتب ورسل كان تسكينه في المعتلّ أولى (¬5) وأمّا في ضرورة الشعر فيجوز التثقيل، وهو ضمّ الواو في باب نور وعون قال الشاعر: (¬6) أغرّ الثّنايا أحمّ اللّثا … ت تمنحه سوك الإسحل وأمّا ما جاء على فعل من ذوات الياء فهو كالصحيح لأنّ الضمّة على الياء أخفّ منها على الواو فقالوا: رجال غير جمع غيور وبيض جمع بيوض ومن خفّف كتب ورسل فأسكن الضمّة فإنه يخفّف نحو: غير وبيض أيضا فيقول: رجال غير ودجاج بيض لأنّه لمّا سكّن عين الكلمة كما أسكن في كتب ورسل بقيت العين ساكنة وقبلها ضمّة فأبدل من الضمة كسرة لتصحّ الياء وليس هذا التخفيف بواجب كما أنّ ليس تخفيف كتب ورسل بواجب (¬7). ¬
القول على الأسماء المزيد فيها
القول على الأسماء المزيد فيها وهي تنقسم إلى ما يعلّ وإلى ما يصحّح: ذكر ما يعلّ (¬1) وهو ما وافق الفعل في الزنة أي: في الحركات والسكنات وفارقه إما بزيادة ليست من زيادات الأفعال كالميم في أوله أو بكونه على مثال لا يكون الفعل عليه، أمّا ما وافق الفعل في الزنة وفارقه بزيادة لا تكون في الفعل فنحو: مقال ومسير ومعونة، فأعلت لأنّها بالإعلال لا تلتبس بالفعل، لأنّ الفعل لا تكون الميم في أوله وأصل مقال: مقول فنقلت فتحة حرف العلّة إلى ما قبله وقلب ألفا لتحركه في الأصل وانفتاح ما قبله بقي: مقال، وأصل مسير: مسير بكسر الياء وليس فيه غير نقل كسرة الياء إلى ما قبلها فبقي: مسير، وأصل معونة: معونة بضمّ الواو فنقلت الضمّة إلى العين بقيت، معونة والتاء فيها للتأنيث بمنزلة اسم ضمّ إلى اسم فلا اعتداد بها في البناء (¬2) وقد شذّ مكوزة ومزيد ومريم ومدين، إذ قياسها أن تنقل فتحة حرف العلّة/ إلى ما قبله ويقلب ألفا لتحركه في الأصل وانفتاح ما قبله فيبقى: مكازة ومزاد ومرام ومدان كما قالوا: مقام ومقال وإنّما جاءت كذلك لأنّها أعلام والأعلام كثر فيها التغيير بحسب الوضع نحو: محبب وموهب، وشذّ في غير العلم مشورة بفتح الواو والقياس: مشارة وأما مشورة بضم الواو فقياسها مشورة بضمّ الشين وتسكين الواو، وشذّ أيضا مصيدة وفي الحديث (¬3) «الفكاهة مقودة إلى الأذى» وقرئ (¬4) لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ (¬5) والقياس: مصادة ومقادة ومثابة بقلب حرف العلّة في ذلك كلّه ألفا، ¬
ذكر ما صحح من الأسماء المعتلة المزيد فيها لمماثلتها الفعل
لا يقال قالوا: مقول ومخيط بغير إعلال والقياس إعلاله فيقال: مقال ومخاط لأنّه على مثال الفعل، وقد فارقه بزيادة لا تكون في الفعل فهو مثل مقام، فالجواب: أنه منقوص من مقوال ومخياط فكما لم يعلّ الأصل لمفارقته وزن الفعل بزيادة الألف، ولأنّ حرف العلّة قد اكتنفه الساكن، فكذلك لم يعلّ الفرع. وأمّا ما وافق الفعل في الحركات والسكنات وفارقه بمثال لا يكون للفعل فنحو: أن يبنى من باع وبابه مثل تحلئ (¬1) بكسر التاء الفوقية وهو القشر الذي فيه الشّعر فوق الجلد، فإذا بنيت مثله من باع ونحوه فتعلّه لأنّه ليس على مثال المضارع لأنّ الأفعال ليس فيها تفعل (¬2) بكسر التّاء فتقول على هذا تبيع بإسكان الياء وإلقاء حركتها على الساكن الذي قبلها ولو صححت لقلت تبيع بكسر الياء التحتية (¬3). ذكر ما صحّح من الأسماء المعتلّة المزيد فيها لمماثلتها الفعل (¬4) وهو أنّ كلّ ما كان من الأسماء على مثال الفعل وليس فيه ما يفارقه به فإنّه يصحّحّ فرقا بينه وبين الفعل فمن ذلك أدور بضمّ الواو جمع دار ومنه: أبيض وأسود ومنه: أعين بضمّ الياء وإخوان وأخونة الذي يؤكل عليه (¬5) وأعينة فصحّ حرف العلّة في ذلك، ولم يعلّ بنقل حركته إلى الساكن الذي قبله لأنه لو أعلّ كذلك لبقي: أدور وأباض وأساد وأعين وأخانة وأعانة وهو جمع عيان وهي حديدة في رأس المحرك فيصحّ في ذلك كله لأنّ الزيادة في أوله همزة، والهمزة من زوائد الأفعال فصحّح لئلا يلبس بالفعل، ومما يجب فيه تصحيح حرف العلّة أيضا أنك لو بنيت تفعل بفتح التاء وكسر العين، أو تفعل بفتحهما من زاد يزيد أو قال يقول لقلت في الأول: تزيد وتقول على وزن تفعل وقلت في الثاني: تزيد وتقول على تفعل بفتحهما، ووجب ¬
ذكر ما يعل من الأسماء المزيد فيها على وجه آخر
التصحيح لأنّه لو أعلّ لالتبس بالفعل (¬1). ذكر ما يعلّ من الأسماء المزيد فيها على وجه آخر (¬2) ما تقدّم من الأسماء المزيد فيها إنّما أعلّت لموافقتها الفعل في الوزن ومفارقتها له بما تقدّم ذكره، وأمّا الأسماء التي أعلّت على وجه آخر فهي أسماء مزيد فيها أيضا، ولكن لم توافق الفعل في وزنه وهي أقسام: فمنها: مصادر معتلّة العين بالواو نحو: قيام/ وعياذ واجتياز وانقياد (¬3) إذ أصلهما قوام وعواد واجتواز وانقواد فقلبت الواو في المصادر المذكورة ياء لاعتلال أفعالها، لأنّ المصدر يعلّ لاعتلال فعله ويصحّ بصحته كصحّة قوام ولواذ لصحّة فعله وهو قاوم ولاوذ، لكن اعتلال الفعل وحده ليس بكاف في قلب الواو ياء بل لا بدّ معه من وقوع الكسرة قبل الواو والألف بعدها كما في قيام وشبهه (¬4) وإنّما اعتبرت الألف لأنّها أقرب إلى الياء من الواو وفعلوا ذلك طلبا للخفّة ليكون العمل من وجه واحد، لأنّ الخروج من الكسر إلى الياء إلى الألف أخفّ من الخروج من الكسرة إلى الواو إلى الألف. ومنها (¬5): اسماء جموع أعلّت لاعتلال الواحد مع وقوع الكسرة قبل الواو والألف بعدها نحو: ديار ورياح وجياد إذ أصلها: دوار ورواح وجواد فقلبت الواو ياء لاعتلال وحدانها وهي: دار وريح وجيد، لأنّ الجمع يعلّ لاعتلال الواحد (¬6) كما يعلّ المصدر لاعتلال الفعل مع وقوع الكسرة قبل الواو والألف بعدها في الجموع المذكورة. ومنها: (¬7) أسماء جموع لم تعل وحدانها نحو: سياط وثياب ورياض وحياض، ¬
فقلبت الواو ياء فيها وإن لم تقلب في وحدانها وهي: سوط وثوب وروضة وحوض، لأنّ الواو في وحدانها ساكنة ميتة فأشبهت ما اعتلّ لأنّها بالسكون صارت مثل ألف دار وياء ريح المعتلّين وانضمّ إلى سكون الواو وقوع الكسرة قبلها والألف بعدها في الجموع المذكورة فلذلك قلبت الواو ياء (¬1) فيها وقد تقدّم الكلام على هذا القسم فيما مضى (¬2). ومنها: (¬3) ما جاء شاذا وهو نحو: تير وديم جمع تارة وديمة (¬4) فأعلّ الجمع لإعلال واحده، لأنّ أصل ألف تارة وياء ديمة الواو فكان القياس: «تور ودوم» لأنّ حكم الجمع يراعى فيه حكم الواحد، ولكن لمّا اعتلّ الواحد وانكسر ما قبل الواو في الجمع قلبت الواو ياء، لكنّ إعلال الواحد مع الكسرة لا يستقلّان بدون الألف ولذلك كان قلبها في تير وديم شاذا (¬5) وكذلك ثيرة جمع ثور وقياسه ثورة لأنّ ما كانت الواو ظاهرة في واحده كان الظاهر في جمعه نحو: عود وعودة (¬6) وكوز وكوزة (¬7) وزوج وزوجة وعلّة قلب الواو ياء في ثيرة سكون الواو في الواحد ووقوع الكسرة قبل الواو في جمعه وهما بدون الألف لا يستقلّان فلذلك كان شاذا (¬8) وقد تقدّم الكلام عليه أيضا فيما مضى (¬9) وقالوا: طوال في جمع طويل بالتصحيح لتحرّك الواو في واحده وهو طويل وأما قول الشاعر: (¬10) ¬
ذكر الأمور المانعة من الإعلال غير ما تقدم
… وأنّ أعزّاء الرّجال طيالها فشاذ غير معروف (¬1)، فإن قيل: إنّه قد اجتمعت الأسباب الثلاثة في رواء جمع ريّان (¬2) ومع ذلك لم تقلب فيه الواو ياء، أمّا الكسرة قبل الواو والألف بعدها في جمعه أعني في رواء فظاهر، وأمّا إعلال الواحد فلأنّ أصله رويان/ فقلبت الواو ياء وأدغمت في الياء فالجواب: أنه منع مانع من إجراء القياس فيه لأنّهم لو أعلوه وقالوا: رياء لجمعوا بين إعلالين، إذ أصل الجمع المذكور رواي فقلبت الياء التي هي لام الكلمة همزة لتطرفها بعد ألف زائدة، فلو قلبوا الواو التي هي عين الكلمة ياء لجمعوا بين إعلالين وكانت اللام أولى بالتغيير، فلذلك صحّت الواو لكونها عينا، وأمّا نواء بتصحيح الواو جمع ناو فلا يرد أيضا لعدم اجتماع الأسباب الثلاثة فيه، لأنّ الواو في واحده لم تعلّ فلا يكون نظيرا لرواء جمع ريّان لأنّ الواو في ريّان معتلّة وفي ناو صحيحة متحركة (¬3) كما في طويل وطوال، يقال جمل ناو أي سمين. ذكر الأمور المانعة من الإعلال غير ما تقدّم (¬4) لأنّه تقدّم أنّ الاسم يصحّ إذا كان على مثال الفعل وليس فيه ما يفارقه (¬5) به والذي هو غير ذلك عدة أمور: أحدها: كون الكلمة اسما لأنّ أصل الإعلال للفعل لتغيره لفظا ومعنى، فإنّ قام غير يقوم لفظا ومعنى، بخلاف الاسم فإنّ زيدا فاعلا ومفعولا ومضافا هو زيد فلزم من تغيّر الفعل في نفسه وتصرّفه، أن يكون الإعلال له في الأصل. ثانيها: كون الاسم غير مناسب للفعل بالجريان عليه أو بالزنة. ثالثها: سكون حرف العلّة. ¬
رابعها: سكون ما قبل حرف العلة أو ما بعده، وأمّا ما أعلّ مما سكّن فيه ما قبل حرف العلّة أو ما بعده فهو ما كان من الأسماء جاريا على الفعل حملا له على أصل له أجري مجراه نحو: الإقامة والاستقامة والأصل: إقوامة واستقوامة بسكون ما قبل حرف العلّة، فكان القياس يقتضي تصحيحهما، ولكن لما اعتلّ فعلهما أعلّ المصدر بأن نقلت فتحة الواو إلى ما قبلها وقلبت ألفا فاجتمع ألفان فحذفت إحداهما، وهي الأولى عند الأخفش والثانية عند الخليل حسبما تقدّم (¬1). خامسها: كون حرف العلّة أصليا كما سيظهر مما يذكر من الأمثلة. فمن ذلك: حوّل وصحّت فيه الواو المتحركة المدغم فيها لسكون ما قبلها وكون الاسم غير مناسب للفعل وليس فيه من أسباب الإعلال غير كون حرف العلّة متحركا، والسّبب الواحد لا يؤثّر لا سيما مع وجود أسباب التصحيح، والحوّل: العارف بتحويل أموره. ومنه: عوّار وهو القذى في العين، ومشوار وتقوال، وصحّت فيها الواو لوقوعها في الأسماء المذكورة بين ساكنين، وكونها أسماء غير جارية على الفعل (¬2). ومنه: سووق جمع ساق وصحّت واوه لسكون ما بعدها، وكونها في اسم غير مناسب للفعل. ومنه: غوور هو مصدر غار الماء غورا وغوورا، وصحّت فيه الواو الأولى لسكون ما بعدها أعني الواو الثانية، ولأنّه لو أعلّ لسكنّت الواو الأولى وبعدها واو ساكنة فكان يجب الحذف ويصير/ على فعل فيلتبس فعول بفعل. ومنه: طويل وصحّت واوه مع تحركها وانفتاح ما قبلها لكونها في اسم غير جار على الفعل، لأنّ الجاري إنّما هو قولك طائل غدا (¬3). ومنه: مقاوم جمع مقام فصحّ حرف العلّة فيه لكونه اسما قد بعد عن شبه الفعل بكونه جمعا، لأنّ الفعل لا يجمع وإن كان قد أعلّ واحده وهو مقام، لأنّ أصله مقوم ¬
ذكر حكم حرف العلة بعد ألف الجمع
فأعلّ لشبهه بالفعل، لأنّ «مقوم» مثل مفعل (¬1). ومنه: أهوناء وأبيناء جمع هيّن وبيّن وصحّا لأنّ كلا منهما غير مناسب للفعل ولأنّ ما قبل حرف العلّة فيهما ساكن (¬2). ومنه: شيوخ لسكون ما بعد حرف العلّة وكونه غير مناسب للفعل (¬3). ومنه: هيام وخيار لكونهما غير مناسبين للفعل، وما بعد حرف العلة فيهما ساكن (¬4). ومنه: معايش جمع معيشة أمّا معيشة فمعتلّة حسبما تقدّم فيهما (¬5) وأمّا جمعها وهو معايش بياء صريحة، فإنّما لم تعل بجعلها همزة لوجود سبب التصحيح فيها، وهو كون حرف العلّة أصليا، وقد وقع بعد ساكن وهو ألف الجمع الذي أعلّ بالسكون في معيشة (¬6). ذكر حكم حرف العلّة بعد ألف الجمع (¬7) إذا كان الجمع على مفاعل أو فواعل مما بعد ألفه حرفان واكتنف الألف واوان أو ياءان، أو واو وياء، فإنك تقلب الحرف الذي بعد الألف همزة لاستثقالهم حرفي علّة بينهما ألف مع قرب الأخير من الطرف فقلب همزة تشبيها بقائل، فمثال الألف بين واوين، أوائل إذ أصله أواول، جمع أوّل، فقلبت الواو الثانية همزة لما قلنا، ومثله بين ياءين خيائر جمع خيّر من الخير، ومثاله بين ياء وواو سيائق إذ أصله سياوق جمع سيّقة والأصل: سيوقة وهو ما يسوقه العدوّ من الدّوابّ، ومثاله بين واو وياء جمع فوعلة من البيع فإنك إذا بنيت من البيع فوعلة قلت في جمعها: بوائع وشذّ ضياون (¬8) جمع ضيون وهو سنّور الذّكر، وكان القياس ضيائن لكن لما صحّت في ¬
الواحد وهو ضيون صحّت في الجمع وهو شاذ (¬1) كما أنّ القود شاذ واعلم أنّ قلب الواو والياء بعد ألف الجمع همزة على ما ذكرناه إنّما هو مذهب سيبويه وهو الأصحّ، وأمّا الأخفش فيقصر القلب على الواوي خاصّة ولا يقلب اليائي (¬2)، وأمّا إذا كان بعد ألف الجمع ثلاثة أحرف واكتنف ألف الجمع حرفا علّة على ما شرح فلا يقلب الثاني همزة (¬3) لأنّه ليس من ذلك، لبعد الثاني حينئذ عن الطرف؛ لأنّ حرف العلّة يقوى ببعده عن موضع التغيير وذلك نحو: عواوير وطواويس وأمّا قول الشاعر (¬4): وكحّل العينين بالعواور بحذف الياء من العواوير جمع عوّار، ولم يقلب الواو همزة، لأنّه (¬5) يريد الياء المحذوفة، وما كان مرادا بالنيّة فهو كالملفوظ وهذا عكس قول الشاعر:/ (¬6) فيها عيائيل أسود ونمر بإعلال حرف العلّة الذي بعد الألف بجعله همزة مع بعده عن الطّرف، وإنّما فعل ذلك لعدم الاعتداد بالياء الثانية، لأنّها مزيدة لإشباع كسرة الهمزة مثل قوله: (¬7) ¬
ذكر حكم الواو والياء المجتمعتين
… نفي الدّراهم تنقاد الصّياريف وعيائيل جمع عيّل وهو أحد العيال، يقال: عنده عشرون عيّلا، فالياء الأخيرة في عيائيل مقدّر عدمها من حيث كانت زائدة للاشباع وهو عكس عواور، لأنّ ياءها المحذوفة قدّرت موجودة، وهي معدومة، وهذه قدّرت معدومة وهي موجودة، ولذلك لم يعتد بحذف ياء عواور، ولا بإثبات ياء عيائيل، وقالوا: صيّم وقيّم (¬1) بقلب الواو ياء لقربها من الطّرف وهو جائز غير واجب، ولذلك صحا ولم يعلا فقالوا: صوّم وقوّم وصوّام وقوّام بالتصحيح (¬2) وشذّ قولهم: فلان من صيّابة قومه، أي من صميمهم وخيارهم (¬3) والأصل: صوّابة لأنّه من صاب يصوب وكذلك شذّ (¬4): ألا طرقتنا ميّة ابنة منذر … فما أرّق النّيّام إلّا سلامها والقياس: النّوام، فقلبت الواو ياء مع بعدها عن الطّرف (¬5). ذكر حكم الواو والياء المجتمعتين (¬6) إذا اجتمعت الواو والياء وسبقت إحداهما بالسكون قلبت الواو ياء وأدغمت في ¬
ذكر ما يهمز من الجمع وما لم يهمز
الياء لما بينهما من المقاربة والمماثلة وإن تباعد مخرجاهما، ليكون العمل من وجه واحد، وإنّما اشترط سكون السابقة منهما ليمكن الإدغام، لأنّ الإدغام من شرطه سكون الأول، وإنّما قلبت الواو إلى الياء دون العكس لأنّ الياء أخفّ، فمثال اجتماعهما في الثلاثي: شيّ وليّ وطيّ وفي المزيد، سيّد وميّت وديّار وقيّوم والأصل: شيو وليو وطيو وسيود وميوت وديوار وقيووم، فقلبت الواو في جميع ذلك ياء وأدغمت الياء في الياء، والصحيح أنّ وزن سيّد فيعل بكسر العين، وهو بناء مختص بالمعتلّ، لأنّ المعتلّ ضرب بذاته ولا حاجة إلى أن يقال: إنّه فيعل بفتح العين، ثمّ نقل إلى كسرها لعدم فيعل بكسر العين، لأنّه إنّما هو معدوم في الصحيح خاصّة لا في المعتلّ (¬1) وأمّا إذا اجتمعتا على الوجه المذكور وخيف من القلب اللّبس فإنها لم تقلب وذلك في نحو: سوير وبويع وتسوير وتبويع لأنّهم لو قلبوا وقالوا. سيّر الأمير وبيّع المتاع لالتبس فوعل بفعّل فيلتبس سوير الأمير بسيّر زيد إلى موضع كذا، وبويع ببيّع أي يلتبس فوعل بفعّل نحو: مزّق، فاغتفروا الثقل خيفة اللّبس وذلك إذا وقع اللّبس في أبنيتهم كما ذكرنا في فوعل وفعّل (¬2). ذكر ما يهمز من الجمع وما لم يهمز (¬3) إذا وقعت الواو أو الياء بعد ألف الجمع وكانت تلك الواو والياء أصليّة ساكنة في المفرد، حرّكت ولم تهمز وذلك نحو: مقاوم ومعاون ومعايش لأنّها جمع مقامة ومعونة ومعيشة أمّا سكون الواو والياء في معونة ومعيشة فظاهر، وأمّا كونهما أصليتين/ فلأنهما من العون والعيش، وأمّا مقامة فألفها واو أصلية كما تقدّم، فيجب في الجموع المذكورة التصحيح بالواو والياء من غير همز، لأنّ كلا من الواو والياء بعد الألف إنما تقلب همزة لأحد ثلاثة أمور: وهي إذا اكتنف ألف الجمع حرفا علّة وتطرفت الثانية كما تقدّم في أوائل، أو إذا كانت عينا في اسم الفاعل كقائل، أو كانت زائدة وليس لها أصل في الحركة كياء صحايف وليس هذا الباب بواحد من ذلك، ¬
فوجب أن تبقى الياء والواو في نحو الجموع المذكورة على حالهما ولذلك كانت قراءة معائش (¬1) بالهمز خطأ، فإنه لا يعلّ بالهمز، فإن كان قد أعلّ واحده وهو معيشة لشبهها بالفعل لأنّها إن كانت مفعلة بالضمّ فهي مثل يخرج، إذ لا اعتداد بالهاء في الوزن، وإن كانت مفعلة بالكسر فهي مثل يضرب بخلاف جمعها فإنه بعد عن شبه الفعل، لأنّ الفعل لا يجمع، فوجب بقاء حرف العلّة على حاله لكن لم يحرك لأنّه لمّا وقع ساكنا بعد الألف فلم يكن بدّ من حذف أو تحريك، والحذف يزيل المثال، فوجب التحريك لأنّه كان متحركا بحسب الأصل أعني معيشة، وأما إذا وقع بعد ألف الجمع ألف أو واو أو ياء وكانت في المفرد مدة زائدة لا أصل لها في الحركة نحو ألف رسالة وواو عجوز وياء صحيفة فإنّها تعلّ في الجمع بقلبها همزة، ولا تحرك فتقول: رسائل وعجائز وصحائف بهمز الجميع، لأنّه لمّا وقع بعد ألف الجمع المدّات المذكورة، التقى ساكنان فلم يكن بدّ من الحذف أو التحريك، ولم تحذف خوفا من زوال الأمثلة، ولم تحرك إذ لا أصل لها في الحركة، لأنّ الزائد للمدّ لا أصل له في الحركة فلم يبق إلّا قلبه همزة. وأمّا مصايب بالياء فشاذ، والأصل: مصاوب بواو صريحة لأنّ أصلها مصوبة (¬2) من صاب يصوب لكن لكثرته في كلامهم خفّف على غير قياس. وأما مدائن فتهمز ولا تهمز فمن همز قال: هي فعائل من مدن فتكون الميم أصلية والياء زائدة فتهمز، ومن لم يهمز قال: هي مفاعل من دان يدين فتكون الميم زائدة والياء أصلية ولها أصل في الحركة فلذلك تحرّك ولا تهمز (¬3). ¬
ذكر حكم فعلى
ذكر حكم فعلى (¬1) إذا كانت عين فعلى ياء، قلبت في الاسم واوا وبقيت في الصفة ياء على حالها، أمّا الأسماء فنحو: طوبى وكوسى والأصل: طيبى وكيسى، لأنّه من الطيب والكيس فقلبت الياء واوا لسكونها وانضمام ما قبلها وهذا على قاعدة الأخفش لأنّ الياء إذا وقعت عينا وقبلها ضمّة فالأخفش يقلب الياء واوا، وسيبويه يقلب الضمّة كسرة لتسلم الياء، وأمّا الصفات فنحو: مشية حيكى (¬2) وقِسْمَةٌ ضِيزى (¬3) بإبقاء الياء على حالها، وفعلوا ذلك فرقا بين الأسماء والصفات ولما كانت الصفات أثقل اختاروا لها الأخفّ (¬4). القول على الواو والياء لامين وحكمهما أن تعلّا أو تحذفا/ أو تسلما. ذكر إعلالهما (¬5) وهو ينقسم إلى القلب وإلى التسكين، أما القلب: فهو إما إلى الألف وإمّا قلب إحداهما إلى صاحبتها. أمّا قلبهما إلى الألف فشرطه أن تقعا متحركتين وينفتح ما قبلهما ولم يقع بعدهما ساكن، لأنّ الساكن بعدهما يمنع قلبهما ألفا لئلا يجتمع ساكنان فمثال قلبهما لامين غزا ورمى وعصا ورحى، كان الأصل غزو ورمي وعصو ورحي، فتحركت الواو والياء وانفتح ما قبلهما فقلبتا ألفا. وأمّا قلب إحداهما إلى الأخرى، فهو قسمان: ¬
ذكر حذفهما
أحدهما: قلب الواو إلى الياء نحو: أغزيت والغازي ودعي ورضي، أمّا قلبها في أغزيت ونحوه ممّا جاء فيه الماضي على أربعة أحرف فصاعدا فلانقلابها ياء في مضارعه لسكونها فيه وانكسار ما قبلها، لأنّ الأصل في مضارع أغزى يغزو بكسر الزاي وسكون الواو فقلبت فيه ياء وجوبا لسكون الواو وانكسار ما قبلها وكونها طرفا وحمل الماضي الذي هو أغزيت عليه ليجري الماضي والمضارع على سنن واحد (¬1). وأمّا قلبها في الغازي والأصل غازو وبتحريك الواو وانكسار ما قبلها فليس فيه غير علّة واحدة وهي انكسار ما قبل الواو ولكن لمّا وقعت الواو طرفا كفي في القلب علّة واحدة، لكون الطرف موضع التغيير وإنّما يحتاج إلى علّتين إذا بعدت عن الطرف، وكذلك قلبت الواو في دعي ورضي عن زيد، والأصل دعو ورضو بفتح الواو للفعل الماضي فقلبت الواو ياء لانكسار ما قبلها وكونها طرفا (¬2). وثانيهما: قلب الياء إلى الواو نحو: البقوى والشّروى، والجباوة، والأصل البقيا والشريا والجباية لأنّه من بقيت الشيء إذا انتظرته ومن شريت، ومن جبيت الخراج، فقلبت الياء في ذلك كلّه واوا استيفاء للواو من الياء لكثرة دخول الياء عليهما، وغلبتها لها، وللفرق بين الاسم الصفة (¬3) حسبما تقدّم. وأما الإسكان فنحو: يغزو ويرمي وهذا الغازي، وراميك وقاضيك، فسكنت اللام في ذلك كلّه استثقالا للحركة على حرف العلّة (¬4). ذكر حذفهما (¬5) فمنه نحو: لا تغز ولا ترم، واغز وارم بحذف حرف العلّة وإبقاء حركة ما قبله، وحذف حرف العلّة للجزم وللبناء في الأمر كما حذفت الحركة بهما من الصحيح، ومنه نحو، يد ودم وأخ وأب والأصل: يدي وأخو وأبو فحذفت الّلام من ذلك طلبا ¬
ذكر سلامتهما
للتخفيف على غير قياس، وما حذف لغير علّة يسمّى الحذف على سبيل الاعتباط بالعين المهملة لأنّ القياس لا يقتضي حذفها. ذكر سلامتهما (¬1) وتسلمان لامين في نحو: الغزو والرمي ويغزوان ويرميان وغزوا ورميا، أمّا صحتهما في الغزو والرمي فلسكون ما قبلهما لأنّ حرف العلّة إذا سكّن ما قبله صحّ وأمّا في يغزوان وما بعده فللألف التي بعدهما لأنّها إذا وقعت بعد حرف العلّة أوجبت/ صحته. القول على إعراب حروف العلّة ذكر إعراب الواو والياء (¬2) وهمّا إمّا أن يكون ما قبلهما ساكنا أو متحركا، فإن سكّن ما قبلهما كان حالهما في الإعراب حال الصحيح فيجريان في تحمّل حركات الإعراب رفعا ونصبا وجرّا مجرى الاسم الصحيح لخفتهما بسكون ما قبلهما، ولا فرق بين أن يكون الساكن حرفا صحيحا كدلو وظبي، أو واوا كعدوّ أو ياء كعديّ، أو ألفا كواو وزاي، فيعرب ذلك كلّه بالحركات الثلاث، كإعراب الصحيح، لأنّ الواو الأولى من عدوّ، والياء الأولى من عديّ، وألف واو وألف زاي، بمنزلة لام دلو وباء ظبي، وكذلك آي جمع آية، تعرب بالحركات الثلاث، وإنّما صحت الواو الأخيرة في واو والياء في زاي وآي مع وقوعهما طرفا بعد الألف ولم تقلبا همزة كما قلبتا في كساء ورداء لأنّ ألف كساء ورداء زائدة غير منقلبة فلا يلزم من قلبهما بعدها همزة الجمع بين إعلالين بخلاف الألف في الواو والزاي والآي فإنها منقلبة فلو قلبتا همزة بعدها لزم الجمع بين إعلالين، لأنّ ألف واو منقلبة عن واو عند الأخفش وعن ياء عند غيره (¬3) وألف زاي منقلبة عن واو أيضا لأنها من زويت وأمّا ألف آي جمع آية كتمر وتمرة، فأصل آية أيية ¬
بهمزة مفتوحة وياءين متحركتين فقلبت الأولى ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها، بقي: أأية فلمّا كانت الألف منقلبة في الأسماء المذكورة وهي عين الأسماء المذكورة لم يجز قلب الواو والياء بعدها همزة لأنّ الواو والياء لام الأسماء المذكورة فلذلك لم تعلّ بجعلها همزة، لئلا يجمع بين إعلالين وإن تحرّك ما قبلهما فتلك الحركة إما ضمّة أو كسرة لا فتحة لأنّ الواو والياء طرفين لو انفتح ما قبلهما قلبتا ألفا لكنّ الاسم لا تقع لامه واوا مضموما ما قبلها، لأنّ ذلك لا يوجد في الأسماء المتمكنة حسبما سبق الكلام عليه (¬1) فلم يبق في الأسماء غير الياء المكسور ما قبلها نحو: القاضي. وأمّا الفعل: فتكون لامه واوا وياء متحركا ما قبلهما نحو: يغزو ويرمي فإذا وقعت الواو والياء كذلك كان لهما مع حركات الإعراب حالات. أما حالهما مع النصب فهما يتحمّلانه دون غيره من حركات الإعراب نحو: لن يغزو ولن يرمي، وأريد أن نستسقي ونستدعي، ونحو: رأيت الرامي والعمي والمضوضي، وهو المصوّت، وقد شذّ تسكينهما (¬2) في موضع الفتح كقول الشّاعر (¬3): ... … أبى الله أن أسمو بأمّ ولا أب وقوله: (¬4) فآليت لا أرثي لها من كلالة … ولا من حفى حتّى تلاقي محمّدا وقوله (¬5): ¬
يا دار هند عفت إلّا أثافيها … ... فحذفت الفتحة من أسمو وهي منصوبة بأن، ومن تلاقي وهي منصوبة بحتّى ومن أثافيها وهي منصوبة على الاستثناء، للضرورة ومن ذلك المثل/ «أعط القوس باريها» (¬1) والأمثال يقع فيها ما لا يقع في غيرها، وقيل: إنهما سكنتا في ذلك تشبيها للواو والياء بالألف، وقيل حملوا النصب على الرفع لأنّ الرفع بالتسكين كما سيأتي. وأمّا حالهما مع الرفع فهما تسكّنان (¬2) فيه استثقالا للضمّة عليهما وقبلهما إما ضمّة في الواو أو كسرة في الياء وقد شذّ التحريك في قول الشّاعر: (¬3) ... … موالي ككباش العوس سحّاح والعوس: ضرب من الغنم، وسحّاح: سمان، والشاهد تحريك ياء موالي بالضمّ وإنما جاء التحريك في الياء دون الواو لأنّ الياء أخفّ فاحتملت ذلك. وأما حالهما مع الجرّ (¬4) فهو يختصّ (¬5) بالياء لما تقدّم من أنّ الاسم المتمكن لا يكون آخره واوا قبلها ضمّة، وحكم الياء لاما في الجرّ حكمها في الرفع وهو التسكين استثقالا للكسرة على الياء مع الكسرة التي قبلها، وقد شذّ تحريك الياء في الجرّ كما شذّ في الرفع فمنه قول الشّاعر: (¬6) ¬
فيوما يجازين الهوى غير ماضي … ويوما ترى منهنّ غول تغوّل وقوله: (¬1) لا بارك الله في الغواني هل … ... وقوله: (¬2) ما إن رأيت ولا أرى في مدّتي … كجواري يلعبن في الصّحراء بتحريك الياء في ماضي وفي الغواني وفي جواري بالكسر. وأمّا حالهما مع الجزم (¬3) فهما تسقطان فيه سقوط الحركة من الصحيح، ولا يقع الجزم إلّا في الفعل، وشذّ إثباتها فيه كقول الشّاعر: (¬4) هجوت زبّان ثمّ جئت معتذرا … من هجو زبّان لم تهجو ولم تدع وقوله: (¬5) ¬
ذكر إعراب الألف
ألم يأتيك والأنباء تنمي … ... وفي رواية ابن كثير: (¬1) إنه من يتقي ويصبر (¬2) وفيه تأويلان: أحدهما: أن تكون من شرطا، وقد حمل يتّقي على الصحيح نحو: يقتدر، ويكون يصبر مجزوما على ما يقتضيه الشرط. وثانيهما: أن تكون من بمعنى الذي فيكون يتقي مرفوعا لأنّ رفعه بإثبات الياء ويصبر مرفوعا، أيضا لكن سكّنت لامه تخفيفا حملا للصحيح على المعتلّ، لأنّ المعتلّ تسكّن لامه في الرفع والأول أولى (¬3) لأنّه حمل للفرع على الأصل، لأنّ المعتلّ فرع والصحيح أصل، بخلاف الثاني فإنه حمل للأصل على الفرع. ذكر إعراب الألف (¬4) وهي تثبت ساكنة رفعا ونصبا وجرّا، لأنّ تحريكها يخرجها عن حقيقتها وتسقط في الجزم كسقوط أختيها، إذ موجب حذفهما موجب لحذفها أيضا نحو: لم يخش، وشذّ إثباتها في الجزم كما شذّ إثبات أختيها فيه كقول الشّاعر: (¬5) ... … كأن لم ترى قبلي أسيرا يمانيا ¬
ذكر ما يصنع بالواو إذا وقعت طرفا وانضم ما قبلها
وقوله: (¬1) ما أنس لا أنساه آخر عيشتي … ما لاح بالمعزاء ريع سراب وقوله: (¬2) إذا العجوز كبرت فطلّق … ولا ترضّاها ولا تملّق بإثبات الألف في ترى وحقّها الحذف للجزم بلم، وبإثباتها في لا أنساه وحقّها الحذف للجزم على جواب الشرط، فقياسه لا أنسه، وفي ولا ترضّاها وحقّها الحذف للنهي وقياسه/ ولا ترضها، وثبتت الألف في ذلك كما ثبتت الواو في لم تهجو والياء في ألم يأتيك. ذكر ما يصنع بالواو إذا وقعت طرفا وانضمّ ما قبلها (¬3) قد تقدّم أنّه ليس في الأسماء المتمكنة ما آخره واو قبلها ضمّة، فإذا أدّى إليها قياس فحكمه أن تقلب الضمّة كسرة لتنقلب الواو ياء لانكسار ما قبلها (¬4) واعلم أنّ ذلك لا يختصّ بالواو المنضمّ ما قبلها بل كلّ لام هي واو متى تحرّك ما قبلها بأي حركة عرضت (¬5) ولم يكن بعد تلك الواو علامة تثنية فإنّها تقلب لأنّها إن انفتح ما قبلها قلبت ألفا نحو: عصا، وإن انكسر قلبت ياء أيضا نحو: غاز لأنّ الأصل غازو، ولكن كلامنا في هذا الباب إنما هو في الواو إذا كانت لاما، وانضمّ ما قبلها فمن ذلك قولهم في جمع دلو وحقو على أفعل: أدل وأحق والأصل: أدلو وأحقو مثل كلب وأكلب فلمّا وقعت الواو في أدلو وأحقو طرفا وانضمّ ما قبلها وجب أن يفعل بها ما ذكر من قلب الضمّة التي قبلها كسرة لتنقلب الواو ياء، فيبقى أدلي وأحقي، فتصير من ¬
قبيل المنقوص نحو: قاض، وكذلك إذا جمعت عرقوة وهي خشبة الدّلو، وقلنسوة على حدّ جمع تمرة على تمر فتحذف التاء للجمع تبقى عرقو وقلنسو، فتقع الواو طرفا وقبلها ضمّة فيفعل بها ما ذكر، فتبقى عرق وقلنس، قال الشاعر: (¬1) لا صبر حتّى تلحقي بعنس … أهل الرّياط البيض والقلنسي كان قلنسو بضمّ السين وبعدها واو فأبدل من الضمّمة كسرة فانقلبت الواو ياء لسكونها وانكسار ما قبلها. واعلم أنّ الجمع على حدّ تمر وتمرة، إنما يكون في المخلوقات كالتمر، وأمّا في المصنوعات فقد جاء قليلا كعرقو وقلنسو (¬2) ومنه: سفينة وسفين (¬3) وأمّا إذا وقعت الواو حشوا فإنّها تسلم ولا تعلّ (¬4) كما في نحو: قلنسوة وقمحدوة وأفعوان وعنفوان حيث لم تتطرف، ولها في إعلالها طرفا وسلامتها حشوا فيما ذكرنا نظير مما تقدّم، أمّا نظير إعلالها طرفا في نحو: أدل وقلنس فنحو: كساء ورداء، وأمّا نظير سلامتها حشوا في قلنسوة وقمحدوة فنحو: النّهاية والعظاية والصّلاية وهي الفهر (¬5) والشقاوة والأبوة والأخوة فكما أنّ الهاء في قمحدوة منعت من قلب الواو ياء، كذلك الهاء في النهاية وما بعدها فإنّه لو لاها لوجب قلب الواو ياء والياء همزة ولذلك أعلوا قلنس جمع قلنسوة، ولم يعلّوا قلنسوة لمنع الهاء من إعلالها فإن قيل: فقد قالوا في صلاية صلاءة وفي عباية عباءة وفي عظاية عظاءة، فهمزوا حرف العلّة حشوا، وكان القياس يقتضي أن لا يقلب همزة لوجود الهاء بعدها وجريان الإعراب عليها فالجواب: أنّ تاء التأنيث في حكم كلمة أخرى منضمّة إلى التي قبلها فيصير حرف العلّة في صلاءة وبابها/ كأنه قد وقع طرفا فلذلك أعلّ وإن كانت الهاء حرف ¬
ذكر حكم الواو المتطرفة بعد مدة
الإعراب، فلم تجر الصّلاية مجرى النّهاية لأنّ الهاء لحقت الصلاءة بعد النظر إلى الإعلال، وأمّا من قال صلاية فإنه لم ينظر إلى انفصال تاء التأنيث ورآها أنّها من نفس الكلمة فلم تعل لوقوعها حشوا (¬1) ويشبه عدم اعتبارهم تاء التأنيث في صلاءة وعظاءة وعباءة حيث أعلّ ما وضع للمثنّى من غير نظر إلى المفرد نحو قولهم: علقته بثنايين (¬2) فلم تهمزه العرب لأنّهم بنوه على التثنية من أول الأمر، ولو كان تثنية «ثنأ» لوجب أن يقولوا: ثناءين بالهمز كما قالوا: كساءين، ومثل ذلك قولهم: مذروان (¬3)، فإنّه وضع للمثنّى، إذ لو ثنّي على واحده لقيل مذريان كما قالوا مغزيان ومثله قولهم، خصيان فإنه لو ثنّي على واحده لقيل: خصيتان بإثبات التاء لأنّ مفرده خصيه فكأنه وضع أصليّا للمثنّى (¬4). ذكر حكم الواو المتطرفة بعد مدّة (¬5) إذا اجتمع في الطرف واوان في اسم على وزن فعول والأولى مدّة مدغمة، قبلها ضمّة نحو: عتوّ فإمّا أن يكون ذلك الاسم جمعا أو غير جمع: فإن كان جمعا قلبت الواو المتطرفة ياء نحو: عتيّ وجثيّ (¬6) وعصيّ جمع عات وجاث وعصا لأمرين أحدهما: لكون الكلمة جمعا، والجمع مستثقل، وثانيهما: لكون الواو الأولى في عتوّ وجثوّ وعصوّ مدة زائدة فلم يعتد بها حاجزا، فصارت الواو التي هي لام الكلمة كأنّها قد وليت الضمّة، فلذلك قلبت الضمّة كسرة والواو ياء كما قلبت في نحو: أدل وقلنس وكسروا العين في عصيّ كما كسروها في أدل ليكون العمل من وجه واحد، وفعلوا بهذه الواو ذلك ولم يعتدوا (¬7) بالمدّة التي قبلها حاجزا نظير ما فعلوا في كساء ¬
ذكر حكم الواو والياء طرفا بعد ألف
ورداء حيث لم يعتدّوا بالألف حاجزا لكونها زائدة للمدّ، فقدّرت واو كساو، كأنّها قد وليت فتحة السين، فقلبوها ألفا ثم همزة حسبما تقدّم في موضعه (¬1) إجراء لكساء مجرى عصا حيث قلبوا الواو في كساو ألفا ثم همزة للفتحة التي قبل الألف كما قلبوها بعد الفتحة في عصا وهذا الصنيع مستمر في عتوّ وبابه، أعني فيما كان جمعا فإنّ الواو تقلب فيه ياء على الوجه المذكور قياسا مطرّدا إلّا ما شذّ من قولهم: إنّك لتنظر في نحوّ كثيرة (¬2) وأمّا ما ليس بجمع بل مفرد نحو مصدر عتا عتوا وجثا جثوّا وكذلك مغزّو فالوجه إبقاء الواو صحيحة لخفّة المفرد قال الله تعالى: وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيراً (¬3) مع جواز القلب أيضا فيه كقولهم: عتيّ ومغزيّ (¬4) قال الشّاعر: (¬5) وقد علمت عرسي مليكة أنني … أنا الّليث معديّا عليه وعاديا يروى معدّيا ومعدوّا، وقالوا: أرض مسنيّة (¬6) والقياس مسنوّة، لأنّه من سنوتها إذا سقيتها بالسّانية (¬7) / وقالوا: مرضيّ والقياس مرضوّ لأنّه من الرضوان وقد جاء مرضوّ على القياس أيضا قال سيبويه: (¬8) والوجه فيما كان واحدا صحّة الواو مع أنّ قلبها عربيّ أيضا تشبيها له بالجمع والوجه فيما كان جمعا قلب الواو ياء ليس إلّا، إلّا ما جاء شاذّا حسبما تقدّم. ذكر حكم الواو والياء طرفا بعد ألف (¬9) ما يقع طرفا من واو أو ياء بعد ألف فلا تخلو تلك الألف من أن تكون زائدة أو ¬
أصلية، فإن كانت زائدة قلبتا بعدها همزة كما تقدّم في كساء ورداء وإنّما اشترط في القلب أن تكون الألف زائدة غير أصلية إمّا لأنّ تقدير الزائد كالمعدوم أقرب من تقدير الأصلي كالمعدوم، فيصير حرف العلّة كأنه قد ولي الفتحة فيعامل في القلب والإعلال معاملة عصا ورحى كما تقدّم في كساء أو لأنّ الزائد تكثر به حروف الكلمة فتستثقل والواو مستثقلة فخففّت بالقلب مع الحروف الكثيرة وحملت الياء عليها، ولم تقلب مع الأصلي؛ لأنّه لا تكثر به الحروف ولذلك قالوا: غزوت وأغزيت فبقّوها واوا مع قلّة الحروف وقلبوها ياء مع الحروف الكثيرة، وإن كانت الألف أصلية لم تقلبا بعدها نحو الألف في: واو وزاي وثاية، أمّا ألف واو وزاي، فإن أريد بهما أنهما حرفا هجاء لم يحكم على ألفهما بواو أو ياء، لأنّ ذلك تصريف ولا يكون في الحروف (¬1) وإن أريد بهما أنّهما اسمان في نحو قولك: هذه واو أو زاي حسنة، جرى فيهما حكم الأسماء فيحكم على الألف حينئذ أنّها منقلبة، وألف واو في حالة كونها اسما منقلبة عند الأخفش عن واو، قال: لأنّه لم تسمع فيها الإمالة فتكون الواو عنده من ثلاث واوات، وكذلك ألف زاي منقلبة عن واو لقولهم: زويت فالألف الأصلية حينئذ تكون غير منقلبة كما في الحروف، وتكون منقلبة كما في الأسماء وعلى كلا التقديرين لا يقلب ما بعدها؛ لأمرين: أحدهما: استبعاد تقدير الأصلي معدوما كما قدّر الزائد معدوما حتّى صار حرف العلّة كأنه قد ولي فتحة ما قبل الألف الزائدة كما تقدّم. وثانيهما: لكون الألف الأصلية في الأسماء لا تكون إلّا منقلبة فإذا أخذت تقلب ما بعدها، واليت ما بين إعلالين وذلك إجحاف، فلهذه العلّة لم تقلب الياء في ثاية وشبهها من نحو: غاية وراية وآية، همزة لأنّ ألف ثاية وبابها هي عين الفعل وهي منقلبة، فلو قلبوا اللّام بعدها لوالوا بين إعلالين، والثاية حجارة يجعلها الراعي حول الغنم وألفها منقلبة عن واو لقولهم: ثويت وجاء إعلال ألف ثاية وشبهها على خلاف القياس، لأنّ القياس يقتضي تصحيح العين وإعلال الّلام، فأعلت العين في ذلك/ وصحّت الّلام (¬2). ¬
ذكر حكم الواو المتطرفة بعد كسرة
ذكر حكم الواو المتطرفة بعد كسرة (¬1) والواو إذا كانت لاما وانكسر ما قبلها قلبت ياء لا محالة، ولا يشترط فيها السكون لاستثقالها لاما مع الكسرة قبلها، كما في نحو: غازية ومحنية والأصل غازوة ومحنوة، لأنّه من غزوت وحنوت، وإذا كانت الواو قد قلبت ياء من أجل كسرة ما قبلها مع حاجز بينهما كما في نحو: قنية (¬2) وهو ابن عمي دني، وابن عمّة دنيا (¬3) والأصل دنو ودنوا، فلئن تقلب إذا وليتها الكسرة مثل غازية بطريق الأولى. القول على فعلى بفتح الفاء وضمها وكسرها ذكر فعلى بفتح الفاء (¬4) وتكون يائية وواوية، أمّا التي لامها ياء فتقلب فيها الياء واوا في الأسماء دون الصفات فرقا بينهما، وخصّت الأسماء بقلب يائها واوا لأنّ الأسماء أخفّ فاحتملت الأثقل وهو الواو، وخصّت الصفات بإبقاء الياء لأنّ الصفات أثقل لقربها من الفعل فخصت بالأخفّ وهو الياء، فمن أمثلة فعلى اسما بقلب الياء واوا التقوى لأنّها من وقيت، والبقوى من البقيّة، والرعوى من رعيت والشّروى من شريت ومنها: العوّى أحد منازل القمر، لأنّه من عويت أي لويت فأصله: عويا فقلبوا الياء واوا وأدغموا الواو في الواو بقي عوّى، وقلبوا فيه الياء واوا على خلاف القاعدة محافظة على الفرق بين الأسماء والصّفات (¬5) ومنها: الطغوى من الطغيان ومن أمثلة فعلى صفة بإبقاء الياء من غير قلب خزيا من الخزي وصديا أي عطشى، وريّا تأنيث ريّان وأصلها رويا فقلبوا الواو ياء وأدغموها في الياء لكونها صفة ولو كانت اسما لعكسوا أعني لقلبوا الياء واوا وقالوا: روّى (¬6). ¬
ذكر فعلى بضم الفاء
وأمّا فعلى التي لامها واو فلا فرق فيها بين الاسم والصفة بل تبقى الواو ثابتة فيهما على حالها فمثال الاسم: دعوى وعدوى، ومثال الصفة: شهوى ونشوى (¬1). ذكر فعلى بضمّ الفاء (¬2) وتكون أيضا واوية ويائية أما التي لامها واو فيفرق فيها بين الاسم والصفة بأن تقلب الواو ياء في الأسماء دون الصفات على عكس ما تقدّم في فعلى فمن أمثلة فعلى الواوية اسما بقلب الواو ياء قولهم: الدّنيا والعليا والقصيا، فهذه وإن كانت في الأصل صفات، لكنها أخرجت عن الصفات وجعلت أسماء لهذه الذوات فأجريت مجرى الأسماء، وشذّ من هذا الباب القصوى تنبيها على الأصل (¬3) وشذّ أيضا حزوى (¬4) لأنّه علم والأعلام يقع فيها من التغيير ما لم يقع في غيرها، وتبقى الواو على حالها في الصفة نحو: غزوى إذا جعلته صفة من غزا. وأما فعلى التي لامها ياء فلم يفرق بين الاسم الصفة بل تبقى الياء ثابتة على حالها فيهما نحو: الفتيا في الأسماء والقضيا في الصفات لأنّها من قضيت/ (¬5). ذكر فعلى بكسر الفاء (¬6) وليس ذلك في الأبنية ولكن ذكرت فرضا وتصويرا وحكمها أن لا يفرّق بين الاسم والصفة في ذوات الواو والياء (¬7). ذكر الجمع الذي لا ينصرف من المعتلّ (¬8) الجمع الذي لا ينصرف إذا كان ما بعد ألفه حرفان وكان الحرف الأول همزة ¬
والثاني ياء قلبت الهمزة ياء، والياء التي بعد الهمزة ألفا. فمن ذلك جمع نحو: مطيّة وركيّة فتقول: مطايا وركايا لأنّه مثل جمع صحيفة ورسالة وهما يجمعان على صحائف ورسائل فجمع مطيّة على ذلك مطائي بهمز الياء الأولى مثل صحائف ثمّ قلبت الياء التي بعد الهمزة ألفا لما سنذكره بقي: مطاءا بألفين بينهما همزة فتجتمع الأمثال لأنّ الهمزة من جنس الألف فكأنه قد اجتمع ثلاث ألفات وهو مستثقل فقلبت الهمزة ياء بقي مطايا، وكذلك ركيّة وركايا، وإنّما تقلب (¬1) الهمزة ياء في الجمع المذكور إذا كانت همزة عارضة في الجمع وهي التي لم تكن في الواحد، ومنه: شوايا وحوايا جمع شاوية وحاوية فاعلتين من شويت وحويت والأصل شواوي وحواوي فقلبت الواو التي بعد ألف الجمع همزة لتوسط ألف الجمع بين حرفي علّة كما تقدّم في أوائل صار: شوائي وحوائي، فقلبت الياء التي بعد الهمزة ألفا فصار شواءا وحواءا، ثم قلبوا الهمزة ياء كما قيل في مطايا صار: شوايا وحوايا، وإنّما قلبت الياء في ذلك ألفا لتطرفها بعد الهمزة طلبا للخفة لأنّهم قلبوا اللّام المعتلّة ألفا وليس قبلها همزة في نحو: عذارى والأصل عذاري فقلبها مع الهمزة أولى، لثقل الهمزة، وقد قال بعضهم: هداوي في جمع هديّة وهو شاذ والأجود هدايا (¬2) ومن الجمع المذكور ما التزمت فيه الواو بدل الهمزة (¬3) وذلك في جمع نحو: إداوة وعلاوة وهراوة فقالوا: أداوى وعلاوى وهراوى، فأتوا بالواو في الجمع ليكون الجمع مشاكلا للواحد في وقوع واو بعد ألف في الجمع كما كان في الواحد (¬4). واعلم أنّه احترز بقوله (¬5) أن الهمزة إنّما تقلب ياء إذا كانت عارضة في الجمع، ¬
ذكر حكم الواو رابعة
عن الهمزة التي ليست عارضة في الجمع وهي التي تكون في الواحد فإنها لا تقلب في الجمع ياء بل تبقى همزة على حالها وذلك نحو جمع جائية وشائية فاعلتين من جاء وشاء فتقول: جواء وشواء لا جوايا وشوايا، لأنّهم إذا كانوا يقولون في سفينة سفائن فيأتون بهمزة لم تكن في الواحد، فإذا كانت في الواحد كان مجيئها في الجمع بطريق الأولى (¬1). ذكر حكم الواو رابعة (¬2) كلّ واو وقعت رابعة فصاعدا، ولم ينضم ما قبلها قلبت ياء نحو أغزيت وغازيت ورجّيت وترجّيت واسترشيت ولقلبها في ذلك وجهان: أما الأول: فلأن الواو لما وقعت رابعة فصاعدا ثقلت الكلمة بها، فقلبت ياء وكان قلبها ياء لثقل الكلمة/ بالطول أولى من بقائها واوا، لأنّ الياء أخفّ من الواو هذا الوجه هو المعتمد عليه في سبب (¬3) قلبها ياء واحترز بقوله: ولم ينضمّ ما قبلها عن مثل مضارع غزوت وهو أغزو، فإنّ الواو قد وقعت في أغزو رابعة ومع ذلك لم تقلب ياء لانضمام ما قبلها. وأمّا الثاني: فلأنّ الواو الرابعة فصاعدا، ينكسر ما قبلها في بعض تصاريف الكلمة فيجب قلبها ياء كقولك: يغزي ويستغزي فإنّ الأصل في الرباعي مضارع أغزى أن يكون يغزو مثل يرسل فقلبت فيه الواو ياء لسكونها وانكسار ما قبلها ثم حمل الماضي على المضارع ليتماثل اللفظ فيهما، كما أعلّ المضارع لاعتلال الماضي في نحو: يقول ويبيع (¬4) وكذلك قلبت في غازيت ورجيت ياء لانقلابها في مضارعهما وهو: أغازي وأرجّي، وقالوا: ترجّيت وإن لم تنقلب في مضارعه الذي هو أترجّى لكن ألف أترجّى هي بدل من الياء في أرجّي فوجب القلب بعد دخول تاء المطاوعة ¬
ذكر حكم العين واللام إذا كانا حرفي علة
كما وجب قبل دخولها، فلذلك قالوا: ترجّيت ولم يقولوا: ترجّوت (¬1) وكذلك قلبت في استرشيت ياء لقولهم في المضارع أسترشي، وكذلك قلبت في مضارع غزي ورضي ياء، لأنّ الماضي الذي هو غزي لمّا بنى لما لم يسمّ فاعله كسر ما قبل الواو مثل ضرب إذا بني لما لم يسمّ فاعله فقلبت الواو فيه ياء لانكسار ما قبلها وحمل المضارع عليه نحو يغزيان ليتماثل المستقبل والماضي (¬2) وكذلك تقول: يرضيان فتقلب الواو ياء لأنها قد قلبت في رضي، وتقول في شأي من الشأو، وهو السبق، يشأيان، فتقلب في المضارع ياء وإن لم تنقلب في الماضي وقد اختلف في تعليله فقيل: هو شاذ (¬3) لأنّه لم ينقلب في الماضي ليحمل المضارع عليه، وقيل: إنما قلبت في المضارع لانقلابها في ما لم يسمّ فاعله كقولك شؤي ثم حمل المضارع عليه والأولى (¬4) أن يقال: إنما قلبت في يشأيان لوقوعها رابعة، ولم ينضمّ ما قبلها، وكذلك قلبت الواو ياء في: ملهيان ومصطفيان ومعليان ومستدعيان، لوقوعها كما ذكر أعني رابعة فصاعدا ولم ينضمّ ما قبلها. ذكر حكم العين واللّام إذا كانا حرفي علّة (¬5) إذا اجتمع في آخر الفعل حرفا علّة نحو: حيي وعيي من مضاعف الياء لم يمكن إعلالهما معا، لأنه إجحاف ولكن تعلّ اللّام لأنّها أولى بالإعلال، ولولا إعلال اللام لوجب إعلال العين في حيي بقلب الياء الأولى ألفا، لتحركها وانفتاح ما قبلها، لكن لمّا أعلّت اللّام في المضارع بقلبها ألفا نحو يحيى وبحذفها في الجزم نحو: لم يحي، كرهوا الجمع بين إعلالين فصحت العين لذلك ونزّلت منزلة الحرف الصحيح، فلذلك لم تتغيّر الياء الأولى من حيي وعيي وأجريا مجرى بقي وفني، لكن أكثر العرب يدغم العين في اللّام إذا تحرّكت/ بحركة لازمة نحو: حيي وعيي فيقولون: حيّ وعيّ إجراء لذلك مجرى شدّ قال الله تعالى: وَيَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ (¬6) فتقول في ¬
الواحد: حيّ زيد وفي الجمع حيّوا (¬1) ولم تستثقل الضمّة على الياء المدغم فيها لسكون ما قبلها وهو الياء المدغمة قال الشّاعر: (¬2) عيّوا بأمرهم كما … عيّت ببيضتها الحمامه فقال: عيّوا وعيّت، كما يقال: ظنّوا وظنّت، وإذا أدغمت جاز لك فتح الحاء من حيّ وكسرها، أما فتحها فواضح على الأصل، وأمّا كسرها فلأنّه لما سكّنت الياء التي بعدها للإدغام أشبهت الياء الساكنة في ليّ جمع ألوى، يقال: قرن ألوى (¬3) وقرون ليّ بضمّ اللّام وبكسرها (¬4) والكسرة في لام ليّ أظهر من الكسرة في حاء حيّ، لاستثقال الضمّة قبل الياء الساكنة وليس كذلك حيّ لأنّها فتحة وهي قبل الياء غير مستكرهة. واعلم أنّ الادغام إنما يقع فيما حركته لازمة (¬5) نحو: حيّ لأنّ فتح آخر الفعل الماضي لازم فلذلك حسن الإدغام في حيّ بخلاف ما لم تلزم حركته فإن الادغام لا يجوز فيه، ويجب فكّه مثل مضارع المضاعف المذكور نحو: لن يحيى، ولن يستحيي ولن يحايي، لأنّ من شرط المدغم فيه أن يكون متحركا والياء في المضارع المذكور ساكنة في الرفع، محذوفة في الجزم، والفتحة في النصب عارضة لأنّها حركة إعراب تزول في الرفع والجزم فلا اعتداد بها، لأنّ الحركة العارضة كالمعدومة بخلاف فتحة آخر الماضي فإنّها فتحة لازمة فلذلك أدغم حيّ في الماضي للحركة اللازمة، ولم يدغم في المضارع لعدم اللزوم (¬6). ¬
ذكر حكم الواو عينا ولاما وهو مضاعف الواو
واعلم أنّ إدغام ما ذكر ليس بلازم بل يجوز فيه الإظهار لأنّ هذه اللّام قد تسكّن وقد تحذف في المضارع كما تقدّم فليست مما تلزمها الحركة في كلّ حال كالصحيح نحو: شدّ لأنّ الدّال لا تحذف بوجه فتقول على الإظهار في الواحد: حيي زيد وفي الجمع حيوا كما تقول: عموا (¬1) قال الشّاعر: (¬2) وكنّا حسبناهم فوارس كهمس … حيوا بعد ما ماتوا من الدّهر أعصرا والأصل: حييوا، فحذفت ضمة الياء الثانية تخفيفا فالتقى ساكنان هي والواو فحذفت الياء وضمّت الياء الباقية وهي الأولى لأجل الواو بقي: حيوا. وإذا بنيت من هذه الأفعال فعل ما لم يسمّ فاعله جاز في أحيي من أحيا، وفي استحيي من استحيا وفي حويي من حاياه يحاييه الإظهار كالأمثلة المذكورة والإدغام كقولك أحيّ واستحيّ وحوّي لكون حركتها لازمة (¬3) وقالوا في جمع حياء نحو حياء الناقة: أحيّة بالإدغام وأحيية بالإظهار (¬4) وكذلك يقال في جمع عيي أعيّاء بالإدغام وأعيياء بالإظهار (¬5) وأمّا قوي نحو: قوي زيد على كذا/ فهي مثل عيي في أحد وجهيه وهو ترك الإدغام وأصله قوو على فعل فقلبت الواو المتطرفة ياء لانكسار ما قبلها بقي: قوي فلم يلتق مثلان فلم يكن مثل عيّ في الوجه الآخر الذي هو الإدغام (¬6). ذكر حكم الواو عينا ولاما وهو مضاعف الواو (¬7) إذا كانت عين الفعل ولامه واوين فلا يجيء إلّا على فعل بكسر العين، لتنقلب ¬
القول على كيفية بناء بعض الأبنية المعتلة
اللام ياء لانكسار ما قبلها استثقالا لاجتماع الواوين كقولهم: قويت والأصل: قووت على فعلت فانكسر ما قبل الواو الأخيرة فانقلبت ياء صار قويت، ولو بنوا من القوّة نحو: غزوت وسروت على فعلت بفتح العين وفعلت بضمّها لسلمت الواو ولزم أن يقولوا قووت أو قووت وهو مستثقل لأنّهم إذا كرهوا اجتماع الياءين فهم لاجتماع الواوين أكره كقولهم: حيوان (¬1) وأصله حييان فقلبوا الياء الثانية واوا لقربها من الطرف مع أنهم قلبوا الأخفّ إلى الأثقل (¬2) كراهة للتضعيف في الياء واجتماع الواوين أثقل من اجتماع الياءين لأنّهم قد استثقلوا الواو الواحدة في نحو: شقيت ورضيت والأصل: شقوت ورضوت فبنوا الماضي على فعل فانقلبت الواو ياء فيهما لانكسار ما قبلها صار: شقيت ورضيت، وإنما صحت الواو في قويت وحويت لاعتلال اللّام لئلا يجمعوا بين إعلالين في كلمة واحدة فأمّا إذا كانت العين واللّام واوين وسكّن ما قبل الواو الأخيرة فإنّها تصحّ كما صحّت في غزو ودلو وذلك نحو القوّة والحوّة (¬3) والصّوّة (¬4) والبوّ (¬5) والصّوّ مما حصل فيه تضعيف الواو وإنما احتمل في ذلك ثقل التضعيف لأمرين: أحدهما: تسهيل الادغام للتضعيف، لأنّ اللسان ينطق بالمدغم دفعة واحدة بخلاف المظهر فإنه ينطق به دفعتين نحو: بتّ وبتت. ثانيهما: أنّ هذا التضعيف وقع في الأسماء، والأسماء محتملات لذلك، لأنّها لا تتصرّف كما يتصرّف الفعل من الماضي إلى المستقبل (¬6). القول على كيفية بناء بعض الأبنية المعتلّة (¬7) إذا بني فعل من الحوّة ونحوها على افعالّ مثل: احمارّ قيل في فعله الماضي ¬
احواوى، والأصل احواوو بفتح الواو الأخيرة لوجوب فتح آخر الفعل الماضي وقبلها فتحة أيضا فقلبت ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها صار احواوى ولم يقولوا: احواوّ بالإدغام لفوات المثلين لانقلاب الواو الأخيرة ألفا كما ذكرنا فلم يدغم لذلك، كما لم يدغم في قوي لفوات المثلين وهذا التعليل أسدّ مما ذكره في المفصّل (¬1) فإنه قال ما معناه: إنّهم لو أدغموا في احواوى الماضي لأدغموا في المضارع فيلزم أن تضمّ الواو في يحواوّ المضارع لوجوب تحريك الحرف المدغم فيه فكان يلزم ضمّ الواو في يحواو في الرفع وهم/ يستثقلون الضمّة على الواو ولذلك قالوا: هو يغزو ويسرو، فأسكنوها رفعا في المضارع استثقالا لضمّها فلو أدغموا نحو: يحواوّ لوقعوا فيما فروا منه وهو تعليل ليس بطائل، لأنّه كان من الجائز أن يدغموا في احواو الماضي دون المضارع كما أدغموا حيي الماضي فقالوا حيّ زيد، دون المضارع الذي هو: يحيى على ما تقدّم، وأمّا مصدر نحو: احواوى فيجيء على وجهين: (¬2) أحدهما: احويواء على وزن افعيعال والأصل: احويواي مثل اشهيباب فقلبوا الياء الأخيرة المتطرفة همزة كما قلبت في كساء وعلى هذا فقد اجتمع في المصدر المذكور أعني احويواء الياء والواو الثانية وسبقت إحداهما بالسكون ومع ذلك لم تقلب الواو ياء وتدغم الياء في الياء على القاعدة قالوا: لأنّه مثل سوير الأمير لأنّ الياء في المصدر المذكور بدل من الألف الأولى في احواوى الفعل، فإنها انقلبت ياء لانكسار ما قبلها في المصدر كما أنها في سوير بدل من الألف في سائر. ثانيهما: احويّاء وهو مذهب سيبويه (¬3) وذلك أنه لما اجتمعت الياء والواو الثانية في احويواء وسبقت إحداهما بالسكون قلبت الواو ياء وأدغمت الياء في الياء على القاعدة بقي: احويّاء. وإذا بني من الحوّة ونحوها فعل على افعللت مثل احمررت قيل: احوويت ويجيء مصدره على وجهين أيضا: أحدهما: احوواء مثل اقتتالا فكما لم يدغموا في اقتتال لم يدغموا في احوواء. ¬
الفصل التاسع في الإدغام
ثانيهما: حوّاء مثل قتّالا، وهو مذهب الأخفش فإنه نقل حركة الواو الأولى من احوواء إلى الحاء فاستغني عن همزة الوصل وأدغمت الواو في الواو بقي حوّاء كما فعلوا في اقتتال فصار قتّالا. الفصل التاسع في الإدغام (¬1) وهو بتشديد الدّال في عبارة البصريين وبتخفيفها في عبارة الكوفيين (¬2) والإدغام في اللغة إدخال شيء في شيء، ولذلك سمّي هذا الباب إدغاما حيث كان اتصال الحرفين بالإدغام كأنّه إدخال حرف في حرف، وأمّا في الاصطلاح فهو تشديد حرف متحرك لفظا أو حكما بإيصال ساكن قبله من جنسه (¬3) والغرض به طلب التخفيف لأنّ المثلين يثقل النطق بهما لأنك تعود إذا نطقت بالثاني إلى موضع الأول، ولذلك شبّه النّطق بهما بمشي المقيّد، فإذا أدغم أحدهما في الآخر ارتفع اللسان بهما دفعة واحدة (¬4) والمدغم والمدغم فيه أبدا حرفان، الأول ساكن والثاني متحرك لأنّ الأوّل إذا تحرّك امتنع اتصاله بالثاني، لأنّ الحركة تحول بينهما لأنّ محلّ الحركة من الحرف بعده، وجميع الحروف تدغم ويدغم فيها إلّا الألف لأنّها ساكنة أبدا فلا يمكن إدغام ما قبلها فيها لسكونها/ ولا إدغامها فيما بعدها، لأنّها ليس لها مثل متحرك والتقاء المثلين على ثلاثة أضرب (¬5): أحدهما: أن يسكّن الأوّل ولم يكن حرف مدّ ويتحرّك الثاني، فيجب الإدغام ضرورة إذ لا حاجز بينهما من حركة وغيرها فيشتدّ ازدحامهما في المخرج فيجب الإدغام نحو: لم يبرح حاتم ولم أقل لك، فأمّا إذا كان الأوّل حرف مدّ من كلمة أخرى، فإنه لا يدغم في مثله على المختار نحو قوله تعالى: قالُوا وَأَقْبَلُوا (¬6) ¬
ذكر ما يجب فيه الإدغام
لزوال المدّ بالإدغام. ثانيهما: أن يتحرّك الأوّل ويسكّن الثاني فيمتنع الإدغام كقولك: ظللت، ورسول الحسن، لأنّ حركة الحرف الأول تفصل بين المتجانسين، فيتعذّر الاتصال وقد حكى قوم من بني بكر بن وائل: أنّهم يسكّنون الأول المتحرك ويحركون الثاني الساكن ويدغمون لثقل اجتماع المثلين (¬1) فيقولون في مثل رددن ومررن: ردّن ومرّن (¬2). ثالثها: أن يتحرّكا وهو على ثلاثة أوجه: ما يجب فيه الإدغام، وما يجوز، وما يمتنع. ذكر ما يجب فيه الإدغام (¬3) وهو أن يلتقيا في كلمة واحدة وليس أحدهما للإلحاق ولا في معنى الانفصال، ولم يؤدّ الإدغام إلى لبس ولم يكن قبل الأول ساكن، فإذا حصلت هذه الشرائط وجب الادغام نحو، ردّ ويردّ، وفرّ يفرّ واحمرّ يحمرّ وما أشبهها إلّا إذا اضطر الشاعر فيردّه إلى الأصل كقوله: (¬4) مهلا أعاذل قد جرّبت من خلقي … أنّي أجود لأقوام وإن ضننوا ذكر ما يجوز فيه الإدغام والإظهار (¬5) وهو أن يكون المثلان المتحركان منفصلين أي في كلمتين وأن يكون ما (¬6) قبلهما إما متحركا أو حرف مدّ نحو: هو ينعت تلك، والمال لزيد، وثوب بكر، لقيام ¬
ذكر ما يمتنع فيه الإدغام
حرف المدّ مقام الحركة لأنّ زمانه أطول من زمان غيره، فإن سكّن ما قبلهما ولم يكن الساكن حرف مدّ، لم يجز الإدغام لأنك تسكّن الحرف الذي تحاول إدغامه، وقبله ساكن غير مدّة فيجتمع ساكنان على غير حدّه، ومما يجوز فيه الإدغام والإظهار أيضا أن يكون المتحركان بالشرائط المذكورة في حكم الانفصال نحو: اقتتل فمن أدغم نقل حركة التاء الأولى إلى القاف وأدغم التاء في التاء فتسقط همزة الوصل للاستغناء عنها فيبقى: قتّل (¬1) ويجوز فيه فتح القاف وكسرها، وإنّما جاز في ذلك الإدغام والإظهار لجريانه مجرى المتصلين من وجه، ومجرى المنفصلين من وجه، أما وجه الاتصال فلأنّ تاء الافتعال وتاء قتل التي هي عين الفعل مثلان في كلمة واحدة فجاز الإدغام لاجتماع المثلين في كلمة واحدة، وأمّا وجه الانفصال فلأنّ تاء الافتعال اتفق في اقتتل أنّه وقع بعدها مثلها، وليس ذلك مطردا، فإنه/ لا يلزم أن يكون بعدها تاء أبدا فإنه قد يقال: اقتسم وافتقر فكانتا كالمنفصلين في نحو: أنعت تلك، إذ قد يكون معها غير التاء نحو: اضرب تلك فمن أظهر فلهذا، أعني لكونهما في حكم المنفصلين. ذكر ما يمتنع فيه الإدغام (¬2) وهو على ثلاثة أضرب: فالأول: أن يكون أحدهما للإلحاق نحو: قردد وجلبب فإنهما ملحقان بجعفر ودحرج فلو أدغم لخرج عمّا ألحق به فيمتنع الإدغام لذلك. والثاني: أن يؤدي فيه الادغام إلى لبس مثال بمثال نحو: سرر (¬3) وطلل (¬4) وجدد (¬5) فلو أدغم بقي: سرّ وطلّ وجدّ فيلتبس فعل بضمّ العين بفعل بتسكين العين فيمتنع لذلك (¬6). الثالث: أن ينفصلا ويكون ما قبل الأول حرفا ساكنا غير مدّة نحو: قرم ملك ¬
القول على مخارج الحروف
وعدوّ وليد، فيمتنع لاجتماع الساكنين لا على شرطه لأنّك لو أدغمت ميم قرم في ميم ملك لالتقت راء قرم والميم الأولى على غير شريطة اجتماع الساكنين، وهذا قول النحويين، والقرّاء مطبقون على صحّة إدغام مثل ذلك (¬1) ويقع الإدغام في المثلين وفي المتقاربين لكن بعد جعلهما مثلين، ليمكن الادغام، ومعرفة التقارب والتباعد يبتنى على معرفة مخارج الحروف فلذلك وجب ذكرها. القول على مخارج الحروف (¬2) وهي ستة عشر مخرجا في جليل النّظر، وأمّا في دقيق النّظر فلكلّ حرف مخرج فللهمزة والهاء والألف اللينة أقصى الحلق وهو أول المخارج، وللعين والحاء أوسط الحلق وهو ثانيها، وللعين والخاء أدنى الحلق إلى الفم وهو ثالثها، وللقاف أقصى اللسان فما فوقه من الحنك الأعلى وهو رابعها، وللكاف من اللسان والحنك ما يلي مخرج القاف وهو خامسها، وللجيم والشين والياء وسط اللسان وما يحاذيه من وسط الحنك الأعلى وهو سادسها، وللضاد أول حافّة اللسان وما يليها من الأضراس وهو سابعها (¬3)، وللّلام ما دون أول حافة اللسان إلى منتهى طرفه بينها وبين ما يليها من الحنك الأعلى فويق الضّاحك والناب والرباعيّة والثنية وهو ثامنها، وللنون ما بين طرف اللسان وبين فويق الثّنايا وهو تاسعها، وللرّاء ما هو أدخل في ظهر اللّسان قليلا من مخرج النون منحرفا إلى مخرج الّلام وهو عاشرها، وللطّاء والدّال والتّاء ما بين طرف اللسان وأصول الثنايا وهو حادي عشرها، وللصّاد والسين والزاي ما بين طرف اللّسان والثنايا وهو ثاني عشرها، وللظاء والذال والثاء ما بين طرف اللسان وأطراف الثنايا العليا وهو ثالث عشرها، وللفاء بطن الشفة السفلى وأطراف الثنايا العليا وهو ¬
ذكر عدد الحروف
رابع عشرها، وللباء والميم والواو ما بين الشفتين وهو خامس عشرها، فهذا الذي عدّه صاحب المفصّل وهو خمسة عشر مخرجا، وترك السادس عشر وهو الخيشوم وله النون/ الخفية كما ستذكر، ولكن يشكل بإنحصار الحروف التسعة والعشرين في المخارج الخمسة عشر المذكورة فلم يبق شيء من التسعة والعشرين حتّى يكون مخرجه هو السادس عشر (¬1). ذكر عدد الحروف (¬2) قال الزمخشريّ: وهو يرتقي إلى ثلاثة وأربعين حرفا، فالأصول تسعة وعشرون على ما هو المشهور (¬3) أولها: الهمزة وصوّرت بصورة الألف، وصورتها وصورة الألف اللينة واحدة، كالباء والتاء فاللفظ مختلف والصورة واحدة، وكان المبرّد يعدّ الحروف ثمانية وعشرين حرفا أولها الباء وآخرها الياء ويدع الهمزة ويقول: لا صورة لها لأنّها تكتب تارة واوا وتارة ياء وتارة ألفا فلا تعدّ مع التي أشكالها محفوظة معروفة (¬4) والصواب: أنّ الهمزة من حروف المعجم، وصورتها الألف على الحقيقة وإنّما كتبت بغير الألف إذا خففّت ألا ترى إذا وقعت أولا لم تكتب إلّا ألفا نحو: أعلم أحمد أترجّة، وذلك لمّا وقعت أولا ولم يمكن تخفيفها، فأمّا الألف اللينة التي في نحو: قال وباع فلا يمكن النطق بها منفردة فإنّها مدّة ولا تكون إلّا ساكنة (¬5) وتتتفرّغ من هذه التسعة والعشرين ستة أحرف مأخوذ بها في القرآن وفي كلّ كلام فصيح، وثمانية أحرف مستهجنة غير مأخوذ بها في اللغة الفصيحة. أما الستة المأخوذ بها في اللغة الفصيحة فالنون الخفيفة وتسمّى الخفيّة وهمزة ¬
بين بين وألف التفخيم وألف الإمالة، والشين التي كالجيم، والصّاد التي كالزاي (¬1). أمّا النون الخفيفة: فالمراد بها النون الساكنة في نحو: منك وعنك ومخرجها من الخيشوم وإنّما تخرج من الخيشوم إذا وليها حرف من خمسة عشر حرفا وهي القاف والكاف والجيم والشين والصّاد والضّاد والسين والزاي والطّاء والدّال والباء والظّاء والذّال والثّاء (¬2) والفاء، فإنّ النون متى سكّنت وكان بعدها حرف من هذه الحروف فهي النون الخفيفة، ومخرجها من الخيشوم ولا علاج للفم في إخراجها لاختلالها بإمساك الأنف، والخيشوم الذي هو مخرجها هو أقصى داخل الأنف حيث ينجذب إلى داخل الفم فإن لم يكن بعدها حرف أو كان ولكن من غير الخمسة عشر المذكورة فهي التي من الفم وليست بالخفيفة (¬3). وأمّا همزة بين بين فهي التي تجعل بين الهمزة وبين الحرف الذي منه حركتها، فالمكسورة تكون بين الهمزة والياء، والمضمومة بين الهمزة والواو، والمفتوحة بين الهمزة والألف، فعلى ذلك تكون همزة بين بين ثلاثة أحرف فتصير الحروف المتفرعة المأخوذ بها في اللغة الفصيحة ثمانية لا ستة وإذا انضمت الثمانية إلى التسعة والعشرين صارت سبعة وثلاثين. وأما ألف التفخيم: فهي التي ينحى بها نحو الواو كقولهم: الصلوة والزكوة/ وكتبت بالواو تنبيها على ذلك (¬4). وأمّا ألف الإمالة وتسمّى ألف الترخيم (¬5): لأنّ الترخيم تليين الصوت وتنقيص (¬6) الجهر فيه، وهي التي ينحى بها نحو الياء كقولك: عالم وأمّا الشين التي كالجيم ففي نحو: أشدق إذا أشربتها صوت الجيم لأنّ الشين حرف مهموس رخو ¬
والدّال مجهور شديد فتباينا، فقرّب بينهما بإشراب الجيم لأنّها قريبة من مخرج الشين وموافقة للدّال في الشّدّة والجهر. وأمّا الصّاد التي كالزاي فكقولك في مصدر: مصدر بإشمام الصّاد الزاي للمناسبة على نحو ما تقدّم. وأمّا الثمانية المستهجنة (¬1) وهي التي لا يؤخذ بها في اللغة الفصيحة (¬2): 1 - الكاف التي كالجيم قالوا: وهي في لغة بعض اليمن (¬3) يقولون في جمل: كمل. 2 - الجيم التي كالكاف: وهي مثل الكاف التي كالجيم وهما جميعا شيء واحد، إلّا أن أصل أحدهما الكاف، وأصل الآخر الجيم وهما مما يعسر تحقيقهما فإنّ إشراب الكاف صوت الجيم وبالعكس متعذّر. 3 - الجيم التي كالشين وعكسها وتقع في الجيم الساكنة إذا كان بعدها تاء أو دال نحو: اجتمعوا والأجدر، وإنّما كانت الجيم كالشين مستقبحة وعكسها أعني الشين كالجيم مستحسن حسبما تقدم لأنّه كره اجتماع الشين والدال للتباين كما تقدّم في الحروف الستة المأخوذ بها في اللغة الفصيحة وكان إشمام الشين الجيم مستحسنا ولم يكره اجتماع الجيم مع الدال أو التاء لعدم التباين فلم يحسن إشمام الجيم الشين، لأنّه انتقال إلى المباين فلذلك حسنت الشين التي كالجيم وقبحت الجيم التي كالشين. 4 - الضاد الضعيفة (¬4): وهي تخرج من طرف اللسان وأطراف الثنايا فتخرج بين الضاد والظاء (¬5) وقال ابن الحاجب (¬6): كما ينطق بها أكثر النّاس اليوم، ممن ¬
القول على تقسيم الحروف بحسب صفاتها
يقصد الفرق بين الضّاد والظّاء. 5 - الصاد التي كالسين: نحو قولك في صبغ: سبغ. 6 - الطاء التي كالتاء: وهي التي تسمع من بعض الأعاجم كثيرا، كقوله في طالب: تالب (¬1). 7 - الظاء التي كالثاء: نحو قولك في. ظلم: ثلم (¬2). 8 - الباء (¬3) التي كالفاء نحو قولك في: بور فور (¬4)، قال ابن الحاجب في شرح المفصل: وبقي حرف لم يتعرّض له، وإن كان ظاهر الأمر أنّ العرب تتكلّم به وهي القاف التي كالكاف كما ينطق بها أكثر العرب اليوم (¬5) وإذا ضممت هذه الثمانية والقاف التي كالكاف إلى السبعة والثلاثين، صارت الحروف ستة وأربعين (¬6). القول على تقسيم الحروف بحسب صفاتها (¬7) وهي تنقسم إلى المجهورة والمهموسة والشديدة والرخوة وما بين الشديدة والرخوة، والمطبقة والمنفتحة والمستعلية والمنخفضة، وحروف القلقلة وحروف الصفير وحروف الذلاقة والمصمتة واللينة والمنحرف والمكرر والهاوي والمهتوت (¬8). ¬
أمّا المجهورة:/ (¬1) فتسعة عشر حرفا ويجمعها النصف الثاني من هذا البيت مع النون والزاي وهو: (¬2) الكظم أعظم ما في المرء من خلق … إذ قدّ طبع غويّ ظالم ضجر وهذا ترتيبها في النظم، ألف، ذال، قاف، دال، طاء، باء، عين، غين، واو، ياء، ظاء، ألف لام، ميم، ضاد، جيم، راء، نون، زاي، وقد ذكر الألف مرتين والمراد بالألف الأولى الهمزة، وبالثانية الألف اللينة التي لا يمكن النطق بها منفردة وإنّما سميت مجهورة لأنّها قوية مانعة للنّفس أن يجري معها عند النطق بها ولم تخرج إلّا بصوت قوي شديد. وأمّا المهموسة: فعشرة أحرف ويجمعها: ستشحثك خصفه وهي: سين، تاء، شين، حاء، ثاء، كاف، خاء، صاد، فاء، هاء، وهي ما عدا المجهورة وهي ضد المجهورة لأنّها حروف ضعيفة يجري معها النّفس لضعفها عند النطق بها ألا ترى أنك إذا كررت بعض الجمهورة وجدت النّفس محصورا بحيث لا يحسّ مع النطق بها بشيء من النّفس نحو: ققق، بخلاف المهموسة نحو ككك، فإنك تجد النّفس معها كلها في حال النطق بها، لأنّه لم يقو الاعتماد عليها في موضعها فيمنع النّفس كما منعته المجهورة (¬3). وأمّا الشديدة: فثمانية (¬4) ويجمعها: أجدك قطبت وهي: ألف، جيم، دال، كاف، قاف، طاء، باء، تاء، ومعنى الشدّة انحصار صوت الحرف في مخرجه ولزومه له حتّى امتنع صوت غيره أن يجري معه عند النّطق به (¬5). وأمّا الرخوة: فثلاثة عشر حرفا (¬6) وهي: تاء، حاء، ذال، زاي، سين، شين صاد، ضاد، ظاء، غين، فاء، هاء، ومعنى الرخاوة ضد معنى الشدّة ويعرف التباين ¬
بين الشديدة والرخوة أنك إذا وقفت على حرف من الحروف الشديدة نحو الجيم في نحو: الحجّ، وجدت صوت الجيم واقفا منحصرا لازما لموضعه لا تقدر على مدّه، وإذا وقفت على حرف من الرخوة وجدته بخلاف ذلك نحو: الطشّ فتجد الصوت به جاريا وتقدر على مدّه إذا شئت (¬1) والطشّ: المطر الضعيف. وأمّا التي بين الرخوة والشديدة: فثمانية (¬2)؛ ويجمعها: لم يروّعنا (¬3) وهي لام، ميم، ياء، راء، واو، عين، نون، ألف، وهي الألف اللينة ومعنى كونها بين الشدّة والرخاوة أنه ليس فيها ما في الشديدة من الانحصار ولا ما في الرخوة من الجريان واللين، وإنّما هي بين ذلك ألا ترى أنّك إذا قلت: لم يتبع ووقفت على العين وجدت في الصوت انسلالا وامتدادا إلى موضع الحاء (¬4). وأمّا المطبقة: فأربعة (¬5) وهي: صاد، ضاد، طاء، ظاء، وسميت مطبقة لانطباق مخرجها من الّلسان على ما حاذاه من الحنك فينحصر بين اللّسان والحنك الأعلى (¬6) وأقواها في الإطباق الطّاء وأضعفها فيه/ الظاء، والصّاد والضّاد متوسطتان. وأما المنفتحة (¬7): فجميع الحروف بعد المطبقة فتكون عدة المنفتحة خمسة وعشرين حرفا، وإنّما سميت منفتحة لأنّها لا تنحصر بين اللّسان والحنك بل يبقى ما بين اللّسان والحنك مفتوحا عند النطق بها (¬8) وبعضها ليس مخرجه من اللّسان وهو مع ذلك منفتح نحو: حروف الحلق. ¬
وأمّا المستعلية: فسبعة (¬1) الأربعة المطبقة والخاء والغين والقاف والاستعلاء ارتفاع اللّسان إلى الحنك أطبقت أو لم تطبق. وأمّا المنخفضة: فما عدا المستعلية فتكون اثنين وعشرين حرفا ومعنى الانخفاض ضد الاستعلاء أي أن اللسان لا يستعلى بها عند النطق إلى الحنك كما يستعلي بالمستعلية (¬2). وأمّا حروف القلقلة (¬3): فخمسة ويجمعها: قد طبج، وهي: القاف والدّال والطّاء والباء والجيم، والطّبج الضّرب على الشيء الأجوف، والقلقلة ما يحسّ به عند الوقوف عليها من شدّة الصّوت المتصّعد من الصّدر مع الحفز والضّغط، والحفز: الدّفع، والضّغط: الزّحم، وبعضها في ذلك أشدّ من بعض وأبينها في ذلك القاف، وإنّما يظهر ذلك فيها عند الوقف فإذا وصلت لم يكن ذلك (¬4). وأمّا حروف الصفير (¬5): فثلاثة وهي: الزاي والسين والصاد، وسميت بذلك لأنّ الصوت عند النّطق بها يشبه الصفير (¬6). وأمّا حروف الذّلاقة: فستة (¬7) ويجمعها: مر بنفل، والنّفل بتسكين الفاء: العطيّة وهي الميم والرّاء والباء والنون والفاء والّلام، وسميت بذلك للاعتماد في إخراجها على ذلق اللّسان وهو طرفه (¬8). وأمّا المصمتة: (¬9) فما عدا الذّلقيّة، فتكون المصمتة ثلاثة وعشرين حرفا وسمّيت مصمتة لأنّه لا يكاد أن يتكلّم بكلمة رباعيّة أو خماسيّة مركّبة من المصمتة وحدها بل لا بدّ أن يكون فيها حرف من حروف الذّلاقة فمتى رأيت كلمة على تلك ¬
العدة وليس فيها حرف من حروف الذلاقة فليست بعربيّة في الأصل (¬1) وذلك نحو: عسجد (¬2). وأمّا اللينة (¬3): فهي الواو والألف والياء وسميت باللينة لما فيها من قبول التطويل لصوتها وهو معنى اللّين فإذا وافقها ما قبلها في الحركة فهي حرف مدّ ولين، فالألف حرف مدّ ولين أبدا، والواو والياء بعد الفتحة حرفا لين، والواو بعد الضمّة والياء بعد الكسرة حرفا مدّ ولين، والألف أشدّها امتدادا لأنّه أوسع مخرجا (¬4). وأمّا المنحرف: (¬5) فهو الّلام وهو حرف شديد جرى فيه الصوت لانحراف اللّسان مع الصوت، وسمي منحرفا لانحراف اللّسان فيه مع الصوت الخارج من ناحيتي مستدقّ اللّسان (¬6). وأمّا المكرر: فهو الراء (¬7) سمي بذلك لتكرره عند الوقوف عليه فيتعثّر طرف اللّسان بما فيه من التكرير كقولك: سرّ ونحوه، ويسمّى منحرفا أيضا لانحرافه إلى مخرج الّلام (¬8). وأمّا الهاوي:/ فهو الألف (¬9) والمراد به الألف اللينة لا الهمزة وسمّي الهاوي لأنّه صوت لا معتمد له في الحلق ولكن يهوي من مخرجه إذا مددته من غير عمل عضو فيه، ويتسع مخرجه لهواء الصوت أشد من اتساع مخرج الياء والواو (¬10). وأما المهتوت: فالتاء لضعفها وخفائها (¬11) قال السّخاوي: كذا رأيته في نسخ ¬
ذكر ألقاب الحروف المذكورة على رأي الخليل
المفصّل وأحسبه من غلط النقل (¬1) فإنّ المهتوت إنّما هو الهاء لضعفها وخفائها قال الخليل (¬2): ولولا هتّة في الهاء لأشبهت الحاء، والهتّ الإسراع في الكلام، وأراد الخليل بهتّة الهاء العصرة التي قبلها دون الحاء (¬3). ذكر ألقاب الحروف المذكورة على رأي الخليل (¬4) وهو يسمي الكاف والقاف لهويتين لأنّ مبدأهما من اللهاة، واللهاة: ما بين الفم والحلق (¬5) والجيم والشين والضّاد شجريّة لأن مبدأها من شجر الفم وهو مفرجه أي مفتحه، والصّاد والسين والزاي أسليّة لأنّ مبدأها من أسلة اللّسان أي رأسه، والطّاء والدّال والتّاء نطعية؛ لأنّ مبدأها من نطع الغار الأعلى، والنطع بكسر النون ما ظهر من الغار الأعلى فيه آثار كالتحزيز، والظّاء والذّال والثّاء لثوية لأنّ مبدأها من اللّثة وهي اللّحم الذي فيه الأسنان، والرّاء والّلام والنون ذولقية، لأنّ مبدأها من ذولق اللّسان، وذولق اللسان وذلقه بتسكين اللّام واحد، وهو طرفه والواو والفاء والباء والميم شفوية وشفهية، فالشفوية على أنّ المحذوف هاء والأصل شفهة لجمعها على شفاه، وتصغيرها على شفيهة، والألف والواو والياء جوفاء واحدها أجوف؛ لأنّ انقطاع مخرجهنّ آخره الجوف، وزاد غير الزمخشريّ (¬6) معهما الهمزة لاتصال مخرجها بالجوف أيضا. القول على كيفيّة الإدغام (¬7) متى أريد إدغام حرف في حرف مقاربه فلا بدّ من قلب أحدهما إلى الآخر، والقاعدة قلب الأوّل إلى لفظ الثاني، ليصيرا مثلين ثم يدغم الأوّل في الثاني لاستحالة ¬
إدغام المقارب في مقاربه بدون القلب، لأنّ الإدغام يصيّر الحرفين كحرف واحد، ليحصل النطق بهما دفعة واحدة، وذلك مع اختلاف الحرفين محال، لأنّ لكلّ حرف منهما مخرجا غير الآخر، فلذلك وجب قلب الأول وتسكينه إن كان متحركا ثمّ إدغامه كما إذا أردت إدغام الدّال في السين في قوله تعالى: يَكادُ سَنا بَرْقِهِ (¬1) قلبت الدّال سينا وأسكنتها ثمّ أدغمتها في السين وقلت: يَكادُ سَنا بَرْقِهِ وكذلك التاء في الطّاء في قوله تعالى: وَقالَتْ طائِفَةٌ (¬2) والمتقاربان (¬3) حكمهما في الاتصال والانفصال كحكم المتماثلين فالمتصلان/ ما كانا في كلمة واحدة والمنفصلان ما كانا في كلمتين، فإن التقى المتقاربان في كلمة واحدة نظر فإن كان إدغامهما مما يؤدي إلى لبس لم يجز الإدغام نحو: كنية فلا يقال: كيّة بإدغام النون في الياء لئلا يلتبس فيظنّ أنه من مضاعف الياء، وكذلك لا يقال في شاة زنماء: زمّاء وهي من المعز ما له لحية، ولا في غنم زنم. زمّ لئلا يتوهم أنه مثل شمّاء وشمّ ولا في عتد، وهو الشديد التّام الخلق: عدّ، بقلب التاء دالا، وإدغام الدّال، لأنّه يلبس بالعدّ من العدد، وكذلك لا يقال في وتد يتد: يدّ لتوالي إعلالين وهما حذف الواو من يوتد لوقوعها بين ياء وكسرة ثم قلب التاء (¬4) إلى الدّال للإدغام ومن ثمّ لم يبنوا نحو ماضي وددت على الفتح لأنّهم لو بنوه على الفتح لقالوا في مضارعه يودد على يفعل بكسر العين وكان يجب حذف الواو لوقوعها بين ياء وكسرة فكان يبقى: يدد ثم يدغم فيبقى: يدّ فيتوالى إعلالان فلذلك قالوا: وددت بالكسر ليكون المضارع على يودد بالفتح، فتسلم الواو مثل يوجل، وقالوا في مصدر وطد ووتد: طدة وتدة ولم يقولوا: وطدا ووتدا، لأنّه مستثقل إن لم يدغم، وملبس إن أدغم إذ لو قلبوا الطاء والتاء في وطدا ووتدا، وأدغموا لصار ودّا فيلبس بقولك: ودّ من غيره (¬5)، فأما إذا لم يلبس الإدغام (¬6) فإنه حينئذ يجوز وذلك نحو: امّحى وهمّرش، والأصل: انمحى وهنمرش ¬
مثل: جحمرش فقلبوا النون وأدغموا لعدم اللّبس (¬1) والهنمرش: العجوز الكبيرة. وإن التقى المتقاربان في كلمتين لم يقع بإدغامهما لبس ولا تغيير (¬2) صيغة لأنّ اللّبس والتغيير إنما يقعان (¬3) إذا كانا في كلمة واحدة لكن يشترط لصحّة الإدغام فيهما أن لا يكون قبل الحرف الذي (¬4) تريد إدغامه ساكن صحيح، لأنّك إن أدغمت وتركت الساكن على حاله جمعت بين ساكنين على غير حدّه وإن ألقيت عليه حركة الحرف الذي تريد أن تدغمه غيّرت بناء الكلمة، فأمّا إن كان الساكن قبل الحرف المدغم حرف مدّ جاز الإدغام، لأنّ المدّ عوض الحركة. واعلم أنه ليس بمطلق أن كلّ متقاربين في المخرج يدغم أحدهما في الآخر (¬5)، ولا أنّ كلّ متباعدين يمتنع الإدغام فيهما فقد يعرض للمقارب من الموانع ما يحرمه الإدغام، ويتفق للمتباعد من الخواصّ ما يسوغ إدغامه. أمّا ما لم يدغم من المتقارب للموانع: فمنه: أنهم لم يدغموا حروف ضوي مشفر في مقاربها لكن يدغم مقاربها فيها، فلا تدغم الميم في الباء نحو: أكرم بكرا ولا الشين في الجيم نحو: نقش جوهر ولا الفاء في الباء/ نحو: أعرف بكرا ولا الراء في الّلام نحو: اختر له وكذلك لا يدغم في الضاد ولا في الواو ولا في الياء مقاربها لكن يدغم مقاربها فيها، وإنما امتنع إدغام حروف ضوي مشفر في مقاربها لأنّها حروف فيها زيادة على مقاربها في الصوت فإدغامها يؤدي إلى الإجحاف بها، وإبطال ما لها من الفضل على مقاربها؛ ففي الميم غنة ليست للباء، وفي الشين تفشّ واسترخاء ليس للجيم، وفي الفاء تأفيف ليس في الباء، والتأفيف هو الصوت الذي يخرج من الفم عقيب النطق بالفاء، وفي الراء تكرير ليس في الّلام، وفي الضاد استطالة ليست لشيء من الحروف (¬6) وفي الواو والياء المدّ، هذا هو المشهور عند النّحاة لكن القرّاء لا يوافقونهم عليه، فإنه قد أدغمت ¬
وأما ما يدغم مع التباعد في المخرج
الضّاد في الشين وفي القراءة الصحيحة في قوله تعالى: لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ (¬1) وأدغمت الشين في السين في قوله تعالى: إِلى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلًا (¬2)، وأدغمت الفاء في الباء في قوله: (يخسف بهم) (¬3) وأدغمت الراء في الّلام في قوله تعالى: يَغْفِرْ لَكُمْ (¬4). ومنه: أنّهم لم يدغموا من حروف الحلق ما كان منها أدخل في الفم، في الأدخل في الحلق ومعنى ذلك أنّه لا يدغم الأخرج في الأدخل فلا تدغم الحاء في الهاء نحو: امدح هلالا، لأنّ الحاء أدخل في الفم والهاء أدخل في الحلق لكن تدغم الهاء في الحاء نحو: اجبه حاتما، لأنّ الهاء أدخل في الحلق، والحاء أدخل في الفم أي أقرب إلى الفم، فلذلك أدغمت الهاء في الحاء دون العكس (¬5) وقس على ذلك وإنّما كرهوا ذلك لأن الأدخل في الحلق أثقل، فلو أدغموا الأخرج فيه لقلبوا الأخفّ إلى الأثقل بخلاف العكس وهو إدغام الأدخل في الأخرج فإنه قلب الأثقل إلى الأخفّ وهو أيضا مثل ما تقدّم من أنّ هذا هو المشهور عند النحاة ولكن قد ثبت في القراءة الصحيحة خلافه نحو قوله تعالى: فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ (¬6) قرئ بإدغام الحاء في العين فأدغموا الأخرج وهو الحاء في الأدخل وهو العين وهو على خلاف القياس عند النّحاة (¬7). وأمّا ما يدغم مع التباعد في المخرج: فمنه: أنّهم أدغموا الحرف في الحرف إذا تقاربا في الصفة نحو الواو والياء، ¬
القول على إدغام كل واحد من الحروف
فلما تقاربا في صفة المدّ والاستطالة، قلبت الواو ياء وأدغمت الياء في الياء عند اجتماعهما وسبق إحداهما بالسكون، وإن تباعد مخرجاهما لأنّ الياء من وسط الفم والواو من الشفة، وكذلك النون تدغم في الميم نحو: من معك، وهما متباعدان في المخرج لأنّ النون من اللّسان، والميم من الشفة لتقاربهما بالغنة (¬1) وكذلك ما أدغم من حروف طرف اللسان نحو: التاء والطاء والدال في الضاد والشين والجيم وإن كانت متباعدة في المخرج، لأنّ الشين بما فيها من التفشي اتصلت بمخرج/ حروف طرف اللّسان وكذلك الجيم وأمّا الضاد فلما فيها من الاستطالة كما سيذكر ذلك مفصلا. القول على إدغام كلّ واحد من الحروف ذكر إدغام الهمزة (¬2) وهي التي تسمّى في أول حروف المعجم بالألف فإذا التقت همزتان في غير موضع العين فلا إدغام فيهما بل تعاملان بما تقدّم في تخفيف الهمز، فأمّا إذا التقت همزتان في موضع العين بأن تكون العين مضاعفة نحو: فعّال وفعّل مما عينه همزة فإنّها تدغم قياسا حينئذ نحو: سأل للكثير السؤال، والدّأات اسم واد (¬3) وأعان على ذلك وجود المدّة بعدهما كما رأيت من الألف التي بعد الهمزة المدغم فيها في: سأال والدّأاث لأنّها كالمسهلة لأمرهما (¬4) ولا تدغم الهمزة في غير موضع العين ولا تدغم في نحو: قرأ أبوك لكن روي عن بعض العرب تحقيق الهمزتين في مثل: قرأ أبوك ولم يسهلوهما على ما هو الأولى، فيجوز إدغام الهمزتين حينئذ في غير موضع العين على قول هؤلاء في نحو: قرأ أبوك وهي لغة رديئة (¬5) وأمّا إدغام الهمزة في مقاربها سواء كانت عينا مضاعفة أو غيرهما فممتنع، لما ثبت فيها من جواز التخفيف الذي يحصل به سهولتها وعند التخفيف يتعذّر الإدغام، لأنّها إمّا أن تحذف فلا إدغام وإما أن تسهّل فتصير كحروف اللين، فلا إدغام على أنها همزة بل تدغم على ¬
ذكر الألف
أنّها حرف لين، وإذا امتنع إدغامها في مقاربها امتنع إدغام مقاربها فيها كذلك، ولأنّه يؤدي إلى إدغام الأدخل في الفم في الأدخل في الحلق، لأنّ الهمزة أدخل الحروف في الحلق (¬1). ذكر الألف (¬2) وهي لا تدغم البتة لا في مثلها ولا في مقاربها؛ أما تعذر إدغامها في مثلها فقد تقدّم في صدر هذا الفصل، وأمّا تعذّره في مقاربها فلأنّه إن كان في الأدخل في الفم فلما يؤدي إليه من ذهاب مدّها من غير ما يقوم مقامه، وإن كان في الأدخل منها في الحلق وهو الهمزة فكذلك، ولاجتماع الهمزتين ولادغام الأدخل في الفم في الأدخل في الحلق (¬3). ذكر إدغام الهاء (¬4) وهي تدغم في الحاء سواء وقعت الهاء قبلها أو بعدها، فمثال الهاء قبلها قولك: في اجبه حاتما اجبّحاتما، ومثال الهاء بعد الحاء قولك في اذبح هذه: اذبّحاذه، فقلبوا الثاني إلى لفظ الأول عكس باب الإدغام، لأنّهم لو قلبوا الأول إلى الثاني لقلبوا الحاء هاء وأدغموها في الهاء فكان يؤدي إلى إدغام الأدخل في الفم وهو الحاء في الأدخل في الحلق وهو الهاء، وكذلك الاعتذار، في كلّ موضع قلب فيه الثاني إلى لفظ الأول في هذا الفصل، ولا يدغم في الهاء إلا مثلها نحو: اجبه هلالا، وأدغمت الهاء في الحاء لتقاربهما في المخرج؛ لأنّ الهاء من أول الحلق والحاء/ من وسطه (¬5). ذكر إدغام العين (¬6) وهي تدغم في مثلها كقولك: ارفعّ عليا، وقرئ: مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ ¬
ذكر إدغام الحاء
عِنْدَهُ (¬1) بالإدغام، وتدغم أيضا في الحاء سواء وقعت العين قبل الحاء كقولك في ارفع حاتما: ارفحّاتما أو وقعت بعد الحاء كقولك في اذبح عتود: اذبحّتودا، ولا يدغم في العين إلا مثلها (¬2) لأنّه ليس قبلها في المخرج ما يصحّ إدغامه إلا الهاء وهي لا تدغم في العين لأنّ العين مجهورة والهاء مهموسة رخوة فقد خالفتها في جهة التجنيس (¬3) وأمّا ما ورد من إدغام الحاء فيها في قوله تعالى: فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ (¬4) بإدغام الحاء في العين في القراءة الصحيحة (¬5) فضعيف عند النحويين لأنّه إدغام الأدخل في الفم في الأدخل في الحلق (¬6). وإذا اجتمع العين والهاء جاز قلبهما حاءين وادغام الحاء في الحاء نحو قولك في معهم واجبه عتبة: محّم واجبحّتبه، لأنّهم لو أدغموا الهاء في العين بقلب الهاء عينا، لأدّى إلى الإدغام في العين مع شبهها بالهمزة وهو مستكره، ولو أدغموا العين في الهاء بقلب العين هاء لأدغموا الأدخل في الفم في الأدخل في الحلق، فلمّا كان كذلك واشتدّ تقاربهما وعسر النّطق بهما قلبوهما جميعا إلى حرف يقاربهما، ولا يلزم منه شيء من ذلك وهو الحاء (¬7). ذكر إدغام الحاء (¬8) وهي تدغم في مثلها نحو اذبحّ حملا، ولا أَبْرَحُ حَتَّى (¬9) ويدغم فيها الهاء والعين لقربهما منها، ولأنّهما أدخل في الحلق. كقولك في اجبه حاتما: اجبحّاتما، ¬
ذكر ادغام الغين والخاء المعجمتين
وفي ادفع حملا: ادفحملا حسبما تقدم. ذكر ادغام الغين والخاء المعجمتين (¬1) وكلّ واحدة منهما تدغم في مثلها وفي صاحبتها فإدغام الغين في مثلها نحو قراءة أبي عمرو ومن يبتغ غير الإسلام دينا (¬2) وإدغام الخاء في مثلها قولك: لا تمسخ خلقك، ومثال إدغام الغين في الخاء قولك في ادمغ خلفا: اد مخّلفا، ومثال إدغام الخاء في الغين قولك في اسلخ غنمك: اسلغّنمك. واعلم أنّ إدغام الغين في الخاء جار على القياس، لأنّه إدغام الأدخل في الأخرج، وأما عكسه وهو ادغام الخاء في الغين فعلى خلاف القياس (¬3) لأنّه إدغام الأخرج في الأدخل لكن سوغ ذلك شدّة تقاربهما حتّى لا يكاد يتميّز الأدخل منهما من الأخرج فاغتفر الأدخل لذلك (¬4). ذكر إدغام القاف والكاف (¬5) وهما في ذلك كالغين والخاء أي كلّ واحدة منهما تدغم في مثلها وفي صاحبتها فمثال إدغام القاف في القاف قوله تعالى: فَلَمَّا أَفاقَ قالَ (¬6) والكاف في الكاف كقوله تعالى: كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيراً وَنَذْكُرَكَ كَثِيراً (¬7) ومثال إدغام القاف في الكاف خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ (¬8) والكاف في القاف: حَتَّى إِذا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ قالُوا (¬9) ¬
ذكر إدغام الجيم
وجميع ذلك على القياس (¬1) إذ لا يعتبر الأدخل والأخرج في غير/ حروف الحلق أعني السبعة التي تقدّمت وهي: الهمزة والألف والهاء والعين والحاء والغين والخاء. ذكر إدغام الجيم (¬2) وهي تدغم في مثلها نحو: أخرج جابرا، ولم يلتق في القرآن جيمان، وهي تدغم في الشين نحو: أخرج شيئا وقال تعالى: أَخْرَجَ شَطْأَهُ (¬3) وإنما أدغمت الجيم في الشين لقربها منها مع كون الشين أفضل لأنّها أزيد صفة، ولذلك لم تدغم الشين في الجيم ولا في غيرها عند النحويين (¬4) لما لها من الفضيلة بزيادة التفشي وقد أدغمت الجيم في التاء في قراءة أبي عمرو في قوله: ذي المعارج تعرج (¬5) بإدغام جيم المعارج في تاء تعرج، وليس بالقويّ لأنّ الجيم قريبة من الشين فكما أنّ الشين لا تدغم لفضيلتها فكذلك الجيم، وتدغم في الجيم: الطاء، والدّال، والتاء، والظاء، والذال، والثاء، وإن لم تقاربها، لأنّ هذه الحروف من طرف اللّسان والثنايا، والجيم من وسط اللسان لكن أجريت الجيم مجرى الشين في إدغام هذه الحروف فيها، لأنّها من مخرج واحد، وإنما أدغمت هذه الحروف، في الشين لما في الشين من التفشي المتصل بهذه الحروف فمثال إدغام الطاء في الجيم: اربطّ جملا والدّال: احمدّ جابرا والتاء: وَجَبَتْ جُنُوبُها (¬6) والظاء: احفظّ جارك والذال إِذْ جاؤُكُمْ (¬7) والثاء: لم يلبثّ جالسا، ولا تدغم الجيم في واحد من هذه الحروف الستة التي أدغمت فيها، كلّ ذلك لمشاركتها للشين، فأدغمت هذه الحروف فيها كما تدغم في الشين من غير عكس (¬8). ¬
ذكر إدغام الشين
ذكر إدغام الشين (¬1) وهي لا تدغم إلّا في مثلها كقولك: اقمشّ شيخا لكن يدغم فيها ما يدغم في الجيم، وتدغم فيها أيضا الجيم واللّام فمثال إدغام الطاء في الشين: لم يخالط شّرا والدّال: لم يرد شيئا، والتاء، أصابت شّربا والظاء، لم يحفظّ شعرا والذّال؛ لم يتخذ شريكا، والتاء، لم يرثّ شسعا (¬2) والجيم ما تقدّم من، أخرج شّيئا ومثال إدغام اللّام فيها قولك في دنا الشاسع: دنا شّاسع وفي هل شريت شيئا، هشّريت شيئا، لكثرة اللام في الكلام وإنّما أدغمت اللّام في الشين ولم تدغم الجيم لنقص الجيم عن الشين في التفشي والاستطالة قليلا (¬3). ذكر إدغام الياء (¬4) وهي تدغم في مثلها متصلة وشبيهة بالمتصلة، والمراد بالمتصلة أن تكونا في كلمة واحدة وبالشبيهة بالمتصلة أن تكونا في كلمتين في حكم كلمة واحدة سواء كان قبل الياء فتحة أو كسرة فمثال إدغام المتصلة وقبلها فتحة: حيّ في حيي مع جواز الإظهار ومثالها وقبلها كسرة سيّ، وهو المثل، ومثال إدغام الشبيهة بالمتصلة نحو: مررت بغلاميّ وقاضيّ مضافين إلى ياء المتكلم، لأنّ ياء الإضافة لا بدّ لها مما تتّصل به فكانت مع ما أضيف إليها كالكلمة الواحدة، وكذلك تدغم الياء في الياء منفصلتين أي في كلمتين ليستا كالكلمة الواحدة لكن يشترط في المنفصلة/ أن ينفتح ما قبل الياء المدغمة نحو: اخشي ياسرا، وأمّا إذا كانت حركة ما قبل الياء المنفصلة من جنسها نحو: اظلمي ياسرا لم تدغم (¬5)، ولا تدغم الياء إلّا في مثلها لا في مقاربها ولا في غيره، فإنّ الجيم (¬6) والشين من مخرج الياء ومع ذلك لا تدغم فيهما لما للياء من ¬
ذكر إدغام الضاد
الفضيلة على غيرها بما فيها من المدّ، لأنّها لو أدغمت في غيرها زال مدّها، ولكن تدغم في الياء الواو والنون، أما الواو ففي نحو: طيّا وليّا، والأصل طويا ولويا، وإنّما أدغمت الواو فيها مع انتفاء المقاربة بينهما في المخرج، إمّا لمشابهتها لها في المدّ، وإمّا لإبدال الواو ياء استثقالا بالواو فلما أبدلت ياء، واتّفق أنّ ما بعدها مثلها، وجب الإدغام لاجتماع المثلين، وأمّا النون فأدغمت في الياء في نحو: من يعلم، وإنّما أدغمت فيها مع أنّها ليست مقاربة لها في المخرج لتحسين الكلام بالغنّة عند الإمكان في الحروف التي لا يستثقل ذلك فيها (¬1). ذكر إدغام الضّاد (¬2) وهي لا تدغم إلّا في مثلها عند سيبويه (¬3)، نحو: اقبض ضعفها، ولا تدغم في غيرها لما فيها من الاستطالة، لئلا يذهبها الإدغام لكن جاء إدغام الضّاد في الشين في قراءة أبي شعيب السّوسي (¬4) عن اليزيديّ (¬5) عن أبي عمرو (¬6) في قوله تعالى: لبعض شأنهم (¬7) ويدغم في الضاد ما يدغم في الشين إلّا الجيم وذلك سبعة أحرف وهي: الطاء نحو: حط ضمانك والدال نحو: زد ضحكا والتاء نحو: شدت ضفائرها والظاء نحو: احفظ ضأنك، والذال نحو: انبذ ضاربك، والثاء نحو: لم يلبث ضاربا واللام نحو: الضّاحك وقوله تعالى: بَلْ ضَلُّوا عَنْهُمْ (¬8). ¬
ذكر إدغام اللام
ذكر إدغام الّلام (¬1) وهي إن كانت المعرّفة فهي لازم إدغامها في مثلها، وفي ثلاثة عشر حرفا وهي: الطّاء، والدّال، والتّاء، والظّاء، والذّال، والثّاء، والصّاد، والسين، والزاي، والشين، والضّاد، والنون، والرّاء، لأنّ هذه الحروف منها أحد عشر حرفا من طرف اللّسان، واللّام من طرف اللّسان، ومنها حرفان يخالطان طرف اللّسان وهما الضّاد والشين، لأنّ الضّاد استطالت حتّى اتصلت بموضع اللّام، والشين كذلك. وإن كانت اللّام غير المعرّفة نحو: لام هل وبل فإدغامها في هذه الحروف جائز وليس بواجب ويتفاوت جوازه حسنا وقبحا وتوسّطا بينهما على حسب القرب من اللّام بمجاورة أو صفة فإنّه كلّما قرب الحرف من اللّام بنحو ذلك كان إدغام اللّام فيه أقوى إلّا أن يمنع مانع. أما الأحسن فإدغام اللّام في الرّاء لأنّها أقرب هذه الحروف إليها نحو: هل رأيت (¬2)، وأما الأقبح فإدغام اللّام في النون نحو: هل نخرج وإنما كان قبيحا مع مقاربتهما؛ لخروج اللّام بإدغامها في النون عن نظائرها، وذلك لأنّ النون تدغم في حروف من جملتها اللام كما سنذكر في إدغام النون وليس شيء من تلك الحروف يدغم/ في النون إلّا اللّام، فلما خرجت عن نظائرها في ذلك كان قبيحا، وأمّا الأوسط بين الحسن والقبح، فهو إدغام اللّام في باقي الحروف المذكورة، نحو هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ (¬3) في قراءة الكسائي (¬4) بإدغام لام هل في الثاء، ونحو ما أنشد سيبويه (¬5). فذر ذا ولكن هتّعين متيّما … على ضوء برق آخر اللّيل ناضب يريد هل تعين فأدغم اللّام في التّاء، ونحو ما أنشد أيضا (¬6): ¬
ذكر إدغام الراء
تقول إذا أهلكت مالا للذّة … فكيهة هشّيء بكفّيك لائق أي هل شيء فادغم اللّام في الشين، وفكيهة اسم امرأة، ومعنى لائق باق، ولا يدغم في اللّام إلا مثلها، والنون نحو: هل لك ومن لك وإدغام الرّاء في اللّام لحن كذا قال في المفصّل، وهو مذهب سيبويه والخليل (¬1) قال السّخاوي: وقد أدغم أبو عمرو الرّاء في اللّام (¬2) فيما يزيد عن ثمانين موضعا في القرآن الكريم، وأبو عمرو حجّة فيما ينقل وفيما يقرأ فيجب الرجوع إليه في ذلك (¬3). ذكر إدغام الرّاء (¬4) وهي لا تدغم إلّا في مثلها كقوله تعالى: وَاذْكُرْ رَبَّكَ (¬5) وهو مذهب البصريين (¬6) فإنّه لا يجوز عندهم إدغام الرّاء في غيرها لما فيها من التكرير، لأنّ الإدغام يذهبه، وأبو عمرو يدغمها في غيرها فإنه أدغمها في اللام في نحو يَغْفِرْ لَكُمْ (¬7) وقد تقدّم في اللّام (¬8) أنه أدغم الرّاء في اللّام فيما يزيد عن ثمانين موضعا في القرآن الكريم، وأمّا الإدغام في الراء فتدغم فيها اللّام والنون فاللّام كقوله تعالى: كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ (¬9) والنون وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ (¬10). ¬
ذكر إدغام النون
ذكر إدغام النون (¬1) ولها في الإدغام وعدمه مع الحروف أربع أحوال، وهي: الإدغام والبيان والقلب إلى الميم، والإخفاء (¬2). أما الحالة الأولى: وهي إدغامها فتدغم النون في حروف ستة يجمعها قولك: يرملون كقولك من يقول، ومن راشد، ومن موسى، ومن لك ومن وافد؟ ومن نكرم؟ أمّا إدغام النون في مثلها فلا إشكال فيه لاتّحاد المخرج (¬3) وأما في الخمسة الباقية، فأدغمت في الراء واللّام لفرط تجاورهما في المخرج، ولذلك كان إدغامها معهما أحسن من البيان، وأدغمت في الميم وإن كانت من حروف الشفة لمشاركتها لها في الغنّة، وأمّا في الياء والواو فلأنّ النون بمنزلة حروف المدّ. وتدغم النون في الحروف المذكورة على ضربين: إدغام بغنّة وبغير غنّة، أمّا إدغامها بغنّة، وهي صوت من الخيشوم يتبع الحرف فلأنّ النون لها غنّة في نفسها فأبقوها في الإدغام ليكون لها أثر من صوتها، وأمّا بغير غنّة فبأن تصير مع الرّاء راء، ومع اللّام لاما ومع الواو واوا إلى آخر الحروف المذكورة (¬4) هذا إذا لم يعرض ما يمنع من الإدغام كما تقدّم من عدم الإدغام في نحو: شاة زنماء، وغنم زنم. وأمّا الحالة الثانية: وهي بيانها فتبين النون مع الهمزة والهاء/ والعين والحاء والغين والخاء كقولك: من أجلك ومن هانيء ومن عندك ومن حملك؟ ومن غيّرك؟ ومن خالفك فتبيّن مع حروف الحلق الستة المذكورة ولا تخفى ولا تدغم، ووجب البيان لتباعد هذه الحروف عن النون أقصى البعد (¬5) لكن في بعض اللّغات أجريت الغين والخاء مجرى حروف الفم فأخفوا النون معهما كقولك: منخل ومنغل، والبيان أحسن لأنّهما من حروف الحلق (¬6). ¬
ذكر إدغام الطاء، والدال، والتاء، والظاء، والذال، والثاء
وأمّا الحالة الثالثة: وهي قلبها فتقلب النون إلى الميم قبل الباء كقولك في شنباء: شمباء وفي عنبر: عمبر، لأنّ النون لمّا اجتمعت مع الباء وهي بعيدة عنها في المخرج ومباينة لها في الخواصّ لم يمكن الإدغام ففروا إلى حرف من مخرج الباء وهو الميم وجرى ذلك مجرى الإدغام (¬1). وأمّا الحالة الرابعة: وهي إخفاؤها فتخفى النون مع باقي الحروف بعد الحروف المتقدمة الذكر فتخفى في خمسة عشر حرفا، ويجمعها أوائل كلم هذا البيت (¬2): ترى جار دعد قد ثوى زيد في ضنى … كما ذاق طير صيد سوءا شبا ظفر وهي تاء، جيم، دال، قاف، ثاء، زاي، فاء، ضاد، كاف، ذال، طاء، صاد، سين، شين، ظاء. قال أبو عثمان المازني: وبيانها مع حروف الفم لحن لما ذكرناه من التقارب في المخرج (¬3). ذكر إدغام الطّاء، والدّال، والتّاء، والظّاء، والذّال، والثّاء (¬4) وهذه الستة يدغم بعضها في بعض لما بينها من التقارب، لأنّها من طرف اللّسان وأصول الثنايا فلذلك لم يمتنع إدغام بعضها في بعض، وتدغم هذه الستة أيضا في حروف الصفير التي هي: الصّاد والذّال والسين من غير أن يدغم شيء من حروف الصفير في شيء من هذه الستة المذكورة، لئلا يذهب ما فيها (¬5) من الصفير لكن تدغم بعض هذه الثلاثة في بعض أعني حروف الصفير، ومن هذه الحروف حروف الأطباق وهي: الصّاد، والضّاد، والطّاء والظّاء فإذا أدغمت فالقياس أن يترك الإطباق على حاله كقولك: أضبط داوود، واحفظ ذهبك، واحفظ صديقك لئلا يذهب الحرف في الإدغام ويذهب إطباقه (¬6) ومعنى ظهور الإطباق أن يؤتى بالتشديد متوسطا ليظهر الإطباق كما تقدّم في النون من أنّ النون الساكنة تدغم مع إبقاء غنّتها، والقرّاء السّبعة ¬
ذكر إدغام الفاء
على ذلك في الطّاء مع التاء (¬1) في نحو فَرَّطْتُ (¬2) وأَحَطْتُ (¬3) وبَسَطْتَ (¬4) وأمّا إذهاب الإطباق فمعناه أن تذهب الطّاء مثلا حتى تجعلها كالدّال، كقولك في اخطط دالا، أخطدّالا لكنّ الأقيس تبقية الإطباق (¬5). ذكر إدغام الفاء (¬6) وهي لا تدغم إلّا في مثلها كقوله تعالى: وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ (¬7) لكن جاء إدغامها في غيرها فإنّها أدغمت في الباء في قراءة الكسائي في قوله تعالى: يخسف بهم (¬8) وهو عند النّحاة ضعيف (¬9) / وتدغم في الفاء الباء للتقارب كقولك في اضرب فلانا: اضر فّلانا، وإنّما جاز عند النّحاة إدغام الباء في الفاء من غير عكس لأنّ الباء بعدت من حروف الفم، والفاء هي الأدنى إليها، والأبعد عن حروف الفم يدغم في الأقرب إليه من غير عكس (¬10). ذكر إدغام الباء (¬11) وهي تدغم في مثلها في نحو قراءة أبي عمرو لذهب بسمعهم (¬12) وتدغم في الميم وفي الفاء (¬13) نحو يُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ (¬14)، اذْهَبْ فَمَنْ تَبِعَكَ ¬
ذكر إدغام الميم
مِنْهُمْ (¬1)، ولا يدغم فيها إلّا مثلها إلّا ما سبق في (يخسف بهم) (¬2). ذكر إدغام الميم (¬3) وهي لا تدغم إلّا في مثلها، قال الله تعالى: فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ (¬4) وأدغمت في مثلها في القرآن الكريم في مائة وسبعة وثلاثين موضعا، ولا تدغم في غيرها لما فيها من زيادة الغنّة ولكن تخفى عند الباء (¬5) نحو قوله تعالى: بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ (¬6) وعبّر (¬7) عنه اليزيدي عن أبي عمرو بالإدغام، وليس بإدغام في الحقيقة (¬8) وتدغم في الميم النون والباء أما النون فكقولك: عن مالك وكقوله تعالى: عَمَّ يَتَساءَلُونَ (¬9) وأمّا إدغام الباء فيها فكما سبق من قوله تعالى: يُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ (¬10) وقوله تعالى: يا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنا (¬11). القول على تاء افتعل وتاء استفعل وتاء تفعّل وتفاعل ذكر تاء افتعل (¬12) ولها أحكام: فمنها: أن يقع بعدها تاء مثلها نحو: اقتتل القوم فإذا وقعت كذلك جاز فيها ¬
البيان والإدغام أما البيان فلأنّه وإن اجتمع المثلان في كلمة واحدة لكنّهما بمنزلة المنفصلين، لأنّ تاء افتعل ليس بلازم أن يكون بعدها مثلها أبدا، كما في اجتمع واستمع وانتصر ونحوها، فلمّا لم يلزم ذلك أشبهتا المنفصلين فجاز الإظهار وأما الإدغام فلاجتماع المثلين في كلمة واحدة ولم يمنع مانع من الإدغام وسبيله أن تسكّن التاء الأولى من اقتتلوا وتلقي فتحتها على القاف وتدغم التاء في التاء فتسقط ألف الوصل للاستغناء عنها بتحريك القاف فتقول: قتّلوا القوم بفتح القاف وتقول في يقتتلون المضارع يقتّلون، والعمل فيه كالعمل في الماضي (¬1) ومنهم من يحذف حركة التّاء الأولى (¬2) ويدغمها من غير نقل الحركة إلى القاف فيلتقي ساكنان القاف والتاء الأولى المدغمة فتحرك القاف بالكسر لالتقاء الساكنين فتسقط همزة الوصل لتحرّك القاف فتقول: قتّلوا يقتّلون بكسر القاف فيهما، وتقول في مصدرها: قتّالا والأصل اقتتالا فنقلوا وأدغموا كما قلنا صار: قتّالا، وتقول في مقتتلون على لغة الفتح مقتّلون بفتح القاف وعلى لغة الكسر مقتّلون بكسر القاف ويجوز أيضا مقتّلون بضمّ القاف إتباعا لضمّة الميم (¬3) كما قرأ (¬4) بعضهم مردفين (¬5) بضمّ الرّاء إتباعا لضمّة الميم وهي قراءة لأهل مكّة، والأصل: مرتدفين. ومنها: أنّ تاء الافتعال تقلب إلى غيرها إذا وقعت بعد تسعة أحرف أعني أن تكون فاء افتعل حرفا منها وهي: 1 - الطّاء 2 - الظّاء/ 3 - الصّاد 4 - الضّاد 5 - الدّال 6 - الذّال 7 - الزّاي 8 - الثّاء 9 - السين، لكنّ انقلاب تاء الافتعال بعد الحروف التسعة المذكورة على ثلاثة أوجه: فإنّ تاء افتعل لها مع الأربعة الأول من هذه التسعة حكم، ومع الثّلاثة التالية للأربعة حكم آخر، ومع الحرفين الباقيين من التسعة حكم آخر كما سيذكر مفصّلا. ¬
ذكر حكم تاء افتعل مع الأحرف الأربعة الأول وهي: الطاء والظاء والصاد والضاد
ذكر حكم تاء افتعل مع الأحرف الأربعة الأول وهي: الطّاء والظّاء والصّاد والضّاد (¬1) وهو أنّ فاء افتعل إذا كانت أحد هذه الأربعة وبعدها تاء افتعل وجب قلب تاء افتعل طاء كاطّلب واظطلم واصطبر واضطرب والأصل: اطتلب واظتلم واصتبر واضترب، فقلبت تاء افتعل طاء لموافقة الطّاء هذه الحروف في الاستعلاء والإطباق ومقاربتها للتاء في المخرج، ثمّ لهذه الطّاء المنقلبة عن تاء افتعل مع هذه الحروف الأربعة أحكام أخر، أمّا مع الطّاء فتدغم ليس إلّا كاطّلب، وأمّا مع الظّاء فتبيّن وتدغم أمّا بيانها فنحو: اظطلم، وأمّا إدغامها فيكون بقلب كلّ منهما إلى صاحبتها أعني بقلب الظّاء المعجمة إلى الظّاء كاظّلم بظاء مهملة مشدّدة وتقلب الطّاء المهملة إلى الظّاء اظّلم بظاء معجمة مشدّدة وإنّما قلبت كلّ منهما إلى الأخرى لما بين الطّاء والظّاء من الاتفاق في الاستعلاء والجهر (¬2) وينشد بيت زهير (¬3) على هذه الأوجه الثلاثة وهو: هو الجواد الذي يعطيك نائله … عفوا ويظلم أحيانا فيظطلم بالطّاء والظّاء وبظاء معجمة مشدّدة، وبطاء مهملة مشدّدة، وأمّا مع الضّاد فكذلك تبيّن وتدغم أمّا بيانها فنحو: اضطرب وأمّا إدغامها فبقلب الطّاء ضادا وإدغام الضّاد فيها فتقول: اضّرب ولا يجوز اطّرب بقلب الضّاد طاء لأنّ الضّاد حرف مستطيل، فلو أدغم في الطّاء لذهب ما فيه من ذلك، وحكى سيبويه على طريق الشذوذ قلب الضاد طاء وإدغامه في الطاء في قولهم: اطّجع في اضطجع وهو غريب مثلما أبدلوا من الضّاد لاما فقالوا: الطجع في اضطجع (¬4) وأمّا مع الصّاد فكذلك تبيّن وتدغم أما البيان فنحو: اصطبر وأمّا الإدغام فبقلب الطّاء صادا كقولك: مصّبر ¬
ذكر حكم تاء افتعل مع الأحرف الثلاثة من التسعة التالية للأربعة المتقدمة وهن الدال والذال والزاي
في مصطبر، واصّفى في اصطفى واصّلى في اصطلى، وقريء (¬1) أَنْ يُصْلِحا (¬2) ولا يجوز أن تقول في اصّبر ومصّبر: اطّبر ومطّبر، بقلب الصّاد طاء وإدغامها في الطّاء لأجل ما في الصّاد من الصّفير الذي يذهب بالإدغام (¬3). ذكر حكم تاء افتعل مع الأحرف الثلاثة من التّسعة التالية للأربعة المتقدّمة وهنّ الدّال والذّال والزّاي (¬4) وهو أنّ فاء افتعل إذا كانت أحد هذه الثلاثة وبعدها/ تاء افتعل وجب قلب تاء افتعل دالا، لأنّ هذه الحروف الثلاثة مجهورة والتاء مهموسة فجيء بحرف يوافق التاء في مخرجه ويوافق هذه الحروف في الجهر وهو الدّال، ثمّ لهذه الدّال المنقلبة عن تاء افتعل مع هذه الحروف الثلاثة أحكام: أمّا مع الدّال فتدغم لا غير كقولك: ادّان والأصل: ادتان فقلبت التاء دالا وأدغمت الدّال في الدّال (¬5). وأمّا مع الدّال فالأقوى أن تدغم مع جواز البيان أمّا إدغامها فعلى وجهين: أحدهما: أن تقول في مذدكر: مدّكر بدال مهملة مشدّدة لأنّ الأصل مذتكر فقلبت التاء دالا مع الذّال فبقي مذدكر بذال معجمة ثمّ دال مهملة فقلبت الأول إلى الثاني وأدغمت الدّال في الدّال فبقي مدّكر. وثانيهما: عكسه كقولك: مذّكر بذال معجمة مشدّدة وذلك بقلب الثاني إلى لفظ الأول، أعني بقلب الدّال المهملة ذالا معجمة وإدغام الذّال في الذّال فيبقى مذّكر، ولكنّ الأقيس أن يدغم الأول في الثاني أعني مدّكر بدال مهملة (¬6) وأمّا بيانها ¬
ذكر حكم تاء افتعل مع الحرفين الباقيين من التسعة وهما: الثاء والسين
فقد حكى أبو عمرو عن العرب أنّهم يقولون: اذدكر ومذدكر وأنشد: (¬1) تنحي على الشّوك جرازا مقضبا … والهرم تذريه اذدراء عجبا والجراز المقضب: السيف القطّاع، والهرم جمع هرمة وهو ضرب من الحمض. وأمّا مع الزاي فتبيّن (¬2) وتدغم أيضا، أمّا بيانها فنحو قولك: ازدان لأنّ الدّال توافق الزاي في الجهر، وأما إدغامها فنحو قولك: إزّان فتقلب الدّال زايا وهو من قلب الثاني إلى لفظ الأول والإظهار حسن قال الله تعالى: وَازْدُجِرَ (¬3). ذكر حكم تاء افتعل مع الحرفين الباقيين من التّسعة وهما: الثّاء والسين (¬4) أمّا إذا كان ما قبل تاء افتعل ثاء فإنّه يجب إدغام فاء افتعل في تاء افتعل ليس إلّا، بقلب كلّ واحدة منهما إلى صاحبتها فتقول في نحو: مثترد وهو مفتعل من الثّريد: مثّرد بثاء مثلثّة مشدّدة بقلب الثاني إلى الأول والأصل: مثترد فقلبت تاء افتعل ثاء وأدغمت الثّاء فيها صار: مثّرد وتقول أيضا: متّرد بتاء مثّناة مشدّدة بقلب الأول إلى الثاني على نحو ما ذكر (¬5) ونقل السّخاوي وجها ثالثا: وهو الإظهار فقال: يجوز مثترد قال: وجاز الإظهار لأنّهما ليسا بمثلين وهو يخالف ما في المفصّل فإنه قال: يدغم ليس إلّا (¬6) والأقيس من ذلك إدغام الأول في الثاني أعني متّرد بتاء مثنّاة مشدّدة، ومن ذلك: اثّار واتّار وهو افتعل من الثّأر والأصل اثتار فمن قال: اثّار قلب الثاني إلى الأول ومن قال: اتّار قلب الأول إلى الثاني. وأمّا إذا كان ما قبل تاء افتعل سينا (¬7) فيجوز في تاء افتعل/ أن تبيّن وأن تدغم أمّا ¬
ذكر تشبيه تاء الضمير في فعلت بتاء افتعل
بيانها فنحو قولك: مستمع وجاز البيان لأنّهما جنسان (¬1) وأمّا الإدغام فهو بقلب التاء سينا نحو: مسّمع وهو مثل: مصّبر فقلبوا الثاني إلى لفظ الأول ولم يجز فيه متّمع بقلب الأول إلى الثاني لأجل الصفير الذي فيه. ذكر تشبيه تاء الضّمير في فعلت بتاء افتعل (¬2) وقد شبّه بعض العرب ممن ترتضى عربيّته (¬3) تاء الفعل في فعلت بتاء الافتعال، ففعل بها مع الحروف المتقدمة الذكر ما فعل بتاء الافتعال معها (¬4) فقلبوا تاء فعلت طاء مع الطّاء فقالوا في خبطت: خبطّ قال الشّاعر: (¬5) وفي كلّ حيّ قد خبطّ بنعمة … ... أي خبطت، وقالوا في مرضت: مرطّ فقلبوا تاء الفاعل طاء مع الضّاد وأدغموا الضّاد في الطّاء، وقالوا في حصت عينه: حصط، فقلبوا تاء الفاعل طاء مع الصّاد كما قلبوا تاء الافتعال في مصطبر، والحوص الخياطة يقال: حصت عين البازي أحوصها (¬6) وقالوا في فزت: فزد، فقلبوا تاء الفاعل دالا مع الزاي كما قلبت في ازدان وقالوا في عدته: عدّه وفي نقدته: نقدّه، فقلبوا تاء الفاعل دالا مع الدّال في ذلك. قال سيبويه: (¬7) وأعرب اللّغتين وأجودهما أن لا تقلب هذه التّاء لكونها ¬
ذكر حكم تاء استفعل
منفصلة في الحقيقة في كلمة أخرى. ذكر حكم تاء استفعل (¬1) نحو: استعظم واستضعف واستدرك واستتبع، وحكم هذه التاء أن لا تدغم في مثلها ولا في مقاربها، لأنّ الأول في ذلك كلّه متحرك والثاني ساكن، فلا سبيل إلى الإدغام وكذلك لا تدغم التاء في نحو: استدان واستضاء واستطال، وإن كان الثاني متحركا لأمرين: أحدهما: أنه لو وقع الإدغام لنقلت حركة التاء إلى سين استفعل وهذه السين لم تتحرك قطّ. وثانيهما: أنّ دال استدان وما في موضعها من طاء استطال، وضاد استضاء في نيّة السكون إذ الأصل: استدين بسكون الدّال وإنّما حركت للإعلال، والسّاكن لا يدغم فيه (¬2). ذكر حكم تاء تفعّل وتفاعل (¬3) اعلم أنّ فاء الفعل الواقعة بعد تاء تفعّل وتفاعل إن كانت حرفا يصحّ إدغام التاء فيه جاز الإدغام، والحروف التي تدغم فيها التاء اثنا عشر حرفا ويجمعها أوائل كلم هذا البيت وهو: (¬4) سرى طيف دعد زائرا ذا ضنى ثوى … شفى ظما جودا صفا فتعطّفا وهي: السين والطّاء والدّال والزّاي والذّال والضّاد والثّاء والشين والظّاء والجيم والصّاد والفاء، فإذا كانت فاء الفعل أحد هذه الحروف الاثني عشر وقبلها تاء تفعّل أو تفاعل، جاز الإظهار والإدغام فالإظهار/ نحو: تطيّروا وتطايروا، والإدغام بأن تسكن التّاء وتقلبها طاء وتدغمها في الطّاء التي هي فاء الفعل، وتجتلب لأجل تسكين ¬
التّاء للإدغام همزة الوصل فتقول: اطّيّروا واطّايروا وكذلك تقول في تزيّنوا وتزاينوا: ازّينوا وازّاينوا قال الله تعالى: حَتَّى إِذا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَها وَازَّيَّنَتْ (¬1) وتقول في تثاقلوا وتدارأوا: (¬2) اثّاقلتم وادّاراتم قال الله تعالى: اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ (¬3) وقال تعالى: فَادَّارَأْتُمْ فِيها (¬4) هذا في الفعل الماضي، فأمّا المستقبل فتقول في يتفعّل نحو يتطيّر: يطّيّر قال الله تعالى: وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسى وَمَنْ مَعَهُ (¬5) وكذلك تقول في يتذكّر: يذّكّر قال الله تعالى: وَما يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُوا الْأَلْبابِ (¬6) وتقول في يتفاعل نحو يتدارك: يدّارك قال الله تعالى: تُساقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيًّا (¬7) فتقلب التاء في يتدارك دالا وفي تساقط سينا، وتدغمها كما ذكر، وإن اجتمع في أول الفعل المضارع تاءان جاز إبقاؤهما وحذف إحداهما، قال الله تعالى: تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ (¬8) وقال تعالى: تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيها (¬9) وشرط جواز الحذف أن تكون التّاءان مفتوحتين فإن انضمّت الأولى امتنع الحذف نحو: تتحمّل، إذا بني لمفعول ما لم يسمّ فاعله، لأنّها لو حذفت، حصل اللّبس، وإذا حذفت إحدى التّاءين وقلت: تذكّرون في تتذكّرون لم يجز إدغام التاء الباقية في الذّال، لئلّا يجمعوا بين حذف التاء الواحدة وإدغام التاء الأخرى، واختلف في أي التاءين هي المحذوفة فقيل: الأولى، وقيل: الثانية وهو الأصحّ، لأنّ الثّقل إنّما نشأ منها (¬10). ¬
القول على أسماء شذ فيها الإدغام
القول على أسماء شذّ فيها الإدغام (¬1) فمنها: ستّ وهو من الإدغام الشّاذّ (¬2) إذ أصله: سدس فقلبوا السين تاء فصارت سدت، ثمّ أدغموا الدّال في التاء فصار: ستّ ويدلّ على شذوذه أنّهم لم يقولوا في سدس بضمّ السين ستّ، ولا في السّدس بكسر السين ستّ، والسّدس من أظماء الإبل (¬3). ومنها: ودّ في لغة بني تميم وأصلها: وتد، أحد الأوتاد، فأسكنوا التّاء كما أسكنوا في فخذ، ثمّ أدغموا التّاء في الدّال صار: ودّ، وهو شاذّ، لأنّه يلبس بلفظ «ودّ» الذي هو الصّنم واللغة الجيدة وتد بغير إدغام وهي اللغة الحجازية (¬4). ومنها: قولهم في عتدان جمع عتود: (¬5) عدّان بإدغام التّاء في الدّال وهو مع جوازه شاذّ قياسا لا استعمالا للّبس بالمضاعف، لأنّه يوهم أنّ العين والّلام من جنس واحد، وقال بعضهم: عتد في جمع عتود فرارا من سكون التّاء قبل الدّال في عتدان، وفرارا من اللّبس في عدّان (¬6). ذكر ضرب من الحذف يجري مجرى الإدغام في التخفيف (¬7) وقد ورد ذلك في عدّة من الكلام: منها: أنّهم عدلوا في بعض الكلم/ التي التقى فيها المثلان أو المتقاربان عن الإدغام لتعذّره إلى الحذف فقالوا في ظللت ومسست وأحسست: ظلت ومست ¬
وأحست، قال يصف الأسد: (¬1) خلا أنّ العتاق من المطايا … أحسن به فهنّ إليه شوس ووجه الحذف في الأسماء المذكورة أنّهم استثقلوا التضعيف أعني اجتماع المثلين، ولم يمكن الإدغام لسكون الثاني ولم يمكن تحريكه لاتصال تاء الفاعل به لوجوب سكون لام الكلمة في فعلت، فعدلوا إلى وجه آخر من التخفيف وهو حذف الأول منهما على غير قياس بأن نقلوا حركة السين الأولى من أحسست إلى الحاء وحذفوا السين بقي: أحست (¬2) فأمّا إذا لم تتصل بالمضاعف المذكور تاء فعلت فلا يحذف منه شيء نحو: أحسّا وأحسّوا، لإمكان الإدغام حينئذ بتحريك الثاني لزوال المانع وهو تاء فعلت. ومنها: أنّ بعض العرب يقول: استخذ فلان أرضا، وفيه لسيبويه (¬3) مذهبان: أحدهما: أن يكون أصله استتخذ فحذفت التاء الثانية بقي: استخذ. وثانيهما: أن يكون أصله: اتّخذ فأبدل من التاء الأولى سين بقي: استخذ، ومنها: أنهم قالوا: (¬4) اسطاع يسطيع فحذفوا التاء والأصل استطاع، يستطيع وقال بعضهم استاع يستيع وهو يجوز أن يكون قد حذفوا طاء استطاع يستطيع وتركوا تاء الاستفعال، ويجوز أن يكون قد حذفوا تاء الاستفعال بقي: اسطاع فأبدلوا من الطّاء تاء بقي: استاع يستيع (¬5). ومنها: أنهم قالوا (¬6) في نحو بني العنبر: (¬7) بلعنبر وفي بني العجلان: ¬
بلعجلان (¬1) ووجهه أنه لما التقت النون من بني مع لام التعريف في العنبر واتفق في هذه الّلام أنّها ظاهرة في اللّفظ لأنّها لا تدغم في العين فلم يمكن إدغام النون فيها لسكونها فحذفت النون تخفيفا لكثرة لام التعريف في كلامهم بقي: بلعنبر، فأمّا إذا لم تظهر لام التعريف في اللفظ حيث كان بعدها مما تدغم فيه نحو: بني الصّيد (¬2)، وبني النّجار (¬3) وبني النّمر (¬4)، فإنّهم لا يحذفون النون لأنّهم لو حذفوها لجمعوا على الكلمة إعلالين: حذف النون وإدغام اللّام (¬5). ومنها: أنّهم قالوا: نزل بنو فلان علماء أي على الماء فحذفو ألف على لسكونها وسكون لام التعريف، فالتقت لام على، ولام التعريف ولم يمكن الإدغام في لام التعريف لسكونها، فحذفت لام على بقي: علماء (¬6) قال قطريّ بن الفجاءة: (¬7) لعمرك إني في الحياة لزاهد … وفي العيش ما لم ألق أمّ حكيم فلو شهدتني يوم دولاب أبصرت … طعان فتى في الحرب غير ذميم غداة طفت علماء بكر بن وائل … وعاجت صدور الخيل شطر تميم الشاهد فيه قوله: علماء بكر بن وائل، وإذا كانوا قد حذفوا مع إمكان الإدغام نحو حذفهم التّاء الأولى المدغمة في يتّسع ويتّقى فقالوا/ يتسع ويتقي بالتخفيف كراهة التضعيف، فالحذف في علماء أولى لتعذّر الإدغام (¬8) كما تقدّم وهذا آخر ما ¬
الفصل العاشر في الخط
نقلناه من المشترك. الفصل العاشر في الخطّ (¬1) وهو مرتّب على قسمين الأول: في حدّ الخطّ وما جاء منه على الأصل. والثاني: في أشياء جاءت خارجة عن الأصل. القسم الأول في حدّ الخطّ وما جاء منه على الأصل المقرر فنقول: أمّا الخطّ (¬2) فهو تصوير اللّفظ المقصود تصويره بحروف هجائه، كما إذا قيل: اكتب زيدا، فإنّما تكتب مسمّى الزاي والياء والدّال وهو هذه الصورة أعني زيد لأنّ الصورة هي مسمّى هذه الحروف، فإذا قيل: اكتب شعرا مع قرينة لفظه كتبت صورته وإلّا ما ينطلق عليه الشّعر (¬3) وكذلك إذا قيل: اكتب جيم عين فاء راء فإن قصد تصوير مسمّى هذه الحروف فإنّما تكتب جعفر، وإن قصد تصوير أسماء حروف جعفر دون مسمّاها كتبت جيم عين فاء راء، ولذلك خطّأ الخليل (¬4) لمّا سألهم كيف تنطقون بالجيم من جعفر فقالوا: جيم، فقال: إنّما نطقتم باسم المسؤول عنه لا بالمسؤول عنه والجواب: جه، لأنّه مسمّى الجيم، فإن سمّي بحرف الهجاء مسمّى آخر كما لو سمّي رجل أو السورة بياسين جاز أن تكتب على صورة أسماء الحروف نحو: ياسين وجاز أن تكتب على صورة مسمّى الحروف نحو: يس. والأصل (¬5) في كلّ كلمة أن تكتب بصورة لفظها بتقدير الابتداء بها والوقوف عليها، وهو أصل معتبر في الكتابة والخطّ مبنيّ عليه. ¬
فمما كتب على الأصل المذكور نحو: ره زيدا، وقه زيدا بالهاء، لأنّك إذا وقفت قلت: ره وقه بالهاء. ومنه: (¬1) أنّهم كتبوا ما الاستفهامية في قولك: مه أنت ومجيء مه جئت بالهاء لأنّه يوقف عليه بالهاء بخلاف «ما» في حتّام وإلام وعلام؟ فإنّه لا يكتب بالهاء إلّا إذا قصد الوقوف عليها بالهاء كما سيذكر وإنما لم تكتب «ما» بالهاء في حتّام لشدة الاتّصال بحرف الجرّ فصارت «ما» كأنها جزء مما قبلها، ويدلّ على ذلك أنّ الياء في حتّام وإلام وعلام كتبت ألفا مع ما الاستفهامية المجرورة المذكورة لأنّ هذه الألف في الوسط حينئذ. ومنه: (¬2) أنهم كتبوا من ما وعن ما: ممّ (¬3) وعمّ، بغير نون لشدّة الاتصال بالحرف فإنّ قصد في «ما» الاستفهاميّة المجرورة بحتّى وأخواتها أن يوقف عليها بالهاء كتبت الهاء متصلة مع ميم ما، وجاز حينئذ أن لا ترجع الياء في باب حتّى ولا النون في من وعن، بل تبقى الألف ثابتة مع الهاء كما كانت في حتّام بغير هاء لعدم الاعتداد بالهاء كقولك: حتّامه وإلامه وعلامه وممّه وعمّه، وجاز أن يعتدّ بالهاء فترجع الألف إلى أصلها في حتّى وإلى وعلى، وتثبت النون في من وعن فنقول على ذلك: حتّى مه وإلى مه وعلى مه وممّن مه وعمّن مه (¬4). ومنه: (¬5) أنّهم كتبوا أنا زيد بالألف لأنّه يوقف على أنا بالألف ومن قال: أنه في الوقف كتبه أنه زيد بالهاء، وكذلك كتب قوله تعالى: لكِنَّا هُوَ اللَّهُ (¬6) بالألف فيمن وقف على أنا بالألف، والهاء فيمن وقف بالهاء، إذ أصله لكن/ أنا هو الله، فحذفت الهمزة وأدغمت نون لكن في نون أنا بقي لكنّا (¬7). ¬
ومنه (¬1): أنّهم كتبوا تاء التأنيث في نحو: رحمة هاء فيمن وقف بالهاء وكتبت تاء فيمن وقف عليها بالتاء، بخلاف أخت وبنت وباب قائمات وباب قامت هند، فإنّ ذلك إنّما يكتب بالتاء للوقف على الجميع بالتاء، إلّا في لغة رديئة يقول أهلها: قائماه بالهاء في الوقف على قائمات (¬2). ومنه: (¬3) أنّهم كتبوا المنوّن المنصوب ألفا لأنّ الوقف عليه كذلك نحو: رأيت زيدا، وكتب المرفوع والمجرور بالحذف نحو: جاءني زيد ومررت بزيد، لأنّ الوقوف عليه كذلك، ومن وقف على المرفوع والمجرور بالواو والياء كتبهما بالواو والياء. ومنه: أنهم كتبوا إذن بالألف على الأكثر (¬4) وكتبها بعضهم نونا توهما منه أنّ الألف التي يوقف عليها بدلا من النون التي في الأصل. ومنه: (¬5) أنّهم كتبوا نحو: اضربا، بالألف على الأكثر، لأنّه إذا وقف على نون التأكيد الخفيفة في نحو: اضربن قلبت ألفا كقولك: اضربا ومن كتبها نونا ألحقها باضربن بضمّ لام الفعل، وكان قياس اضربن التي بضمّ اللّام أن تكتب بواو وألف نحو: اضربوا، لأنّ الوقوف عليها كذلك، وأن تكتب اضربن بكسر اللام بياء نحو اضربي، وهل تضربن بضمّ اللام؛ بواو ونون، وهو غير هذه النون أعني نون الإعراب نحو: هل تضربون، وهل تضربن بكسر اللّام؛ بياء ونون الإعراب نحو: هل تضربين لأنّ الوقف عليها كلها كذلك، أعني بحذف نون التأكيد، وردّ ما كان قد حذف لأجلها وهو نون الإعراب حسبما تقدّم في نون التأكيد (¬6) لأنّ الأصل في كتبة كلّ كلمة أن ¬
القسم الثاني فيما لا صورة له تخصه
تكتب بصورة لفظها بتقدير الابتداء بها والوقوف عليها، لكن تركوا هذا الأصل في نون التأكيد، وكتبوا ذلك على لفظه لأنّه لو كتب على هذا الأصل لعسر تبيّن التأكيد ولم يدرك أصلا، لأنّه على هذه الصورة عند عدم إرادة التأكيد، وإنما يقع اللّبس المذكور في غير اضربن للمفرد المذكر، ولذلك كتب بالوجهين أعني بالألف وبالنون نحو: اضربا واضربن، أما من كتب اضربن بالنون فلأنّ النون الخفيفة التي فيه مثل النون في باقي أخوته، وأمّا من كتبه على الأصل بالألف فلفوات الأمرين المانعين لأنّه يتبيّن التأكيد بكتابة النون ألفا ولا يعسر حينئذ تبيّن هذا الأصل (¬1). ومنه: (¬2) أنّهم كتبوا باب قاض رفعا وجرا بغير ياء لأنّ التنوين مراد، وباب القاضي، بالياء على الأفصح فيهما، لأنّ الوقف عليهما كذلك في الأفصح، ومن وقف عليهما بياء فيلزمه أن يكتبهما بياء، ومن وقف عليهما بحذف الياء يلزمه أن يكتبهما بغير ياء (¬3). ومنه: (¬4) أنّهم كتبوا الحرف في نحو: بزيد وكزيد ولزيد متصلا، لأنّه لا يوقف على حرف الجرّ، فصار مع الاسم الذي بعده كالجزء منه، كما كتبوا الكاف ونحوها في مثل: منك ومنكم وضربكم متصلا، لأنّه لا يبتدأ بهذه الكاف (¬5). القسم الثاني فيما لا صورة له تخصّه وهو الهمزة، وفي أشياء جاءت خارجة عن/ الأصل المقرّر في الخطّ وهي أربعة: وصل، وزيادة، ونقص، وبدل. ¬
القول على الهمزة
القول على الهمزة وليس لها في الخطّ صورة تخصّها، وهي إمّا أن تكون في أول الكلمة أو في وسطها أو في آخرها. ذكر الهمزة أولا (¬1) وهي تكتب بالألف مطلقا سواء كانت مفتوحة أو مضمومة أو مكسورة نحو: أحد وأحد وإبل. ذكر الهمزة وسطا (¬2) وهي تنقسم إلى ساكنة ومتحركة أما الهمزة الساكنة المتوسطة فتكتب بحرف حركة ما قبلها، أعني إن كان ما قبلها مفتوحا كتبت بالألف، وإن كان مضموما كتبت بالواو، وإن كان مكسورا كتبت بالياء مثل: يأكل ويؤمن ويئس (¬3). وأمّا الهمزة المتحركة المتوسطة (¬4) فتقسم إلى متحركة قبلها ساكن، وإلى متحركة قبلها متحرك: أمّا المتحركة التي قبلها ساكن، فتكتب بحرف حركة الهمزة نفسها نحو: يسأل ويلؤم ويسئم، ومنهم من يحذف الهمزة في الخطّ إن كان تحفيفها بنقل حركتها إلى ما قبلها أو بإدغامها، مثال النّقل: يسل ويلم ويسم ومثال الإدغام: سوّة والأصل سوءة فقلبت الهمزة واوا وأدغمت الواو في الواو بقي. سوّة بواو مشدّدة، ومنهم من يحذف الهمزة المفتوحة (¬5) في الخطّ بعد نقل حركتها نحو: يسل دون المضمومة والمكسورة نحو يلؤم وييئس، والأكثر على حذف الهمزة المفتوحة بعد الألف في ¬
ذكر الهمزة آخرا
الخطّ نحو: سال، والأصل ساءل (¬1) ومنهم من يحذف المضمومة والمكسورة أيضا فالمفتوحة كما مرّت أعني ساءل والمضمومة نحو التساول والمكسورة نحو يسايل والأصل: سأال والتساؤل ويسائل. وأمّا الهمزة المتحركة (¬2) التي قبلها متحرك فتكتب على وجوه: أحدها: أن تكتب على ما تسهّل به أعني إن سهّلت بالواو كتبت بالواو نحو: مؤجل وإن سهّلت بالياء كتبت بالياء نحو: فئة. وثانيهما: أن تكتب الهمزة المذكورة بحرف حركتها، إذا لم يكن قبلها ضمّة سواء كان قبلها فتحة أو كسرة والمراد بحرف حركتها أنّ المتحركة بالفتح تكتب ألفا وبالضمّ واوا وبالكسر ياء، نحو: سأل ولؤم ويئس ومن مقرئك ورؤف. وثالثها: أن تكتب الهمزة المتحركة المذكورة على الوجهين المذكورين وذلك إذا كانت الهمزة مكسورة وما قبلها مضموم نحو: سئل أو مضمومة وما قبلها مكسور نحو: يقرئك فإذا كانت الهمزة كذلك جاز أن تكتب على ما تسهّل به وأن تكتب بحرف حركتها فتكتب سئل بالواو من حيث إنّ همزته تسهّل بالواو لضمّة ما قبلها، وتكتب بالياء من حيث إنّ الهمزة مكسورة وتكتب يقرئك بالياء من حيث إنّ همزته تسهّل بالياء لكسرة ما قبلها، وتكتب بالواو من حيث إنّ همزته مضمومة (¬3). ذكر الهمزة آخرا (¬4) وهي إمّا أن يكون ما قبلها ساكنا أو متحركا. أمّا التي قبلها ساكن فتحذف ليس إلّا نحو: هذا/ خبء ومررت بخبء ورأيت خبئا وليست هذه الألف صورة الهمزة، وإنّما هي الألف التي يوقف عليها عوضا عن التنوين مثلها في: رأيت زيدا (¬5). ¬
وأمّا التي قبلها متحرك، فتكتب بحرف حركة ما قبلها فالتي قبلها فتحة بالألف، والتي قبلها ضمّة بالواو، والتي قبلها كسرة بالياء، سواء كانت الهمزة مفتوحة أو مضمومة أو مكسورة أو ساكنة، أمّا المتحركة فنحو: قرأ ويقرئ وردؤ يقال: ردؤ الشّيء يردؤ رداءة إذا فسد (¬1)، وأمّا الساكنة فنحو: لم يقرأ ولم يقرئ ولم يردؤ وإنّما كتبت السّاكنة هاهنا كذلك لأنّ الوقف بالسكون هو الأصل فلمّا قدّرت الهمزة ساكنة وقبلها متحرّك دبّرت بحركة ما قبلها وإذا كتبوها متحركة كذلك، فلأن يكتبوها ساكنة كذلك بطريق الأولى. وأمّا إذا وقعت الهمزة طرفا (¬2) وكانت لا يوقف عليها لاتّصال غيرها بها من ضمير متصل أو تاء تأنيث نحو: جزأك وهزأة رفعا ونصبا وجرا فحكمها حكم الهمزة المتوسطة حسبما تقدّم، فمن كتب المتوسطة بصورها، أعني إمّا بحرف حركتها أو بحرف حركة ما قبلها، كتب هذه بصورها في الطّرف، ومن حذف المتوسطة، حذف هذه في الطّرف نحو: جزؤك بواو وجزءك بحذف الواو، وكذلك: مررت بجزئك وجزءك بالياء وحذفها، ورأيت جزأك وجزءك بالألف وحذفها، وتقول في تاء التأنيث هزأة وهزءة بالألف وحذفها، خلا في نحو: مقروّة وبريّة فإنّ الهمزة فيهما وإن كانت متطرفة وهي لا يوقف عليها لاتّصال تاء التأنيث بها فإنّها لا تجري مجرى المتوسطة في جواز الإثبات بل بحذف الهمزة فيهما من الخطّ، لأنّ همزتهما لمّا سهّلت بجعلها واوا في مقروة وياء في بريّة في اللفظ، التزموا حذفها في الخطّ كما حذفت في اللفظ (¬3) ولا تجري الهمزة الواقعة في الأوّل المتصلة بشيء قبلها مجرى المتأخرة المتّصلة بشيء بعدها في جواز الإثبات والحذف لكنّ الواقعة أولا المتصلة بما فيها تثبت ليس إلّا نحو: يأخذ، ونحو: كأحد ولأحد، فتكتب بصورتها التي كانت تكتب بها قبل اتّصال حرف المضارعة وحرف الجرّ، لكن يرد على ذلك «لئلّا» فإنّ همزته وقعت أولا واتّصلت باللّام فكان القياس أن تكتب بالألف كما كتب لأحد بالألف، لكن كتبت بالياء كراهة لصورتها لو كتبت بالألف مع حذف النون إذ تصير ¬
صورتها لألا (¬1). وكلّ همزة بعدها حرف مدّ صورته كصورة حركة الهمزة فإنّ تلك الهمزة تحذف من الخطّ (¬2) فمثال الهمزة المفتوحة وبعدها الألف قولك: رأيت خطأ فإنه إنّما تكتب بألف واحدة وهي ألف تنوين الهمزة وكان ينبغي أن تكتب الهمزة ألفا وبعدها ألف التنوين كما كان بعد الدّال في رأيت/ زيدا ألف، فكتبوا رأيت خطأ بألف واحدة كراهة اجتماع المثلين (¬3)، ومثال المضمومة وبعدها واو: مستهزءون بهمزة مضمومة وبعدها واو فتكتب بواو واحدة هي واو الإعراب وتحذف الهمزة من الخطّ التي هي لام الكلمة، ومثال المكسورة وبعدها ياء: مستهزءين بياء واحدة هي ياء الإعراب وتحذف الهمزة التي هي لام الكلمة (¬4) وقد تكتب الهمزة ياء في مستهزئون ومستهزئين فيجمع بين الياء والواو وبين الياءين، لأنّ الياء ليست في الاستثقال مثل الواو، كأنّهم لمّا استثقلوا الواوين لفظا استثقلوهما خطّأ ولم يستثقلوا اجتماع الياءين ولا الياء والواو، فإن قيل: فالألف أخفّ من الواو فكان ينبغي أن تكتب الألف بدل الهمزة المحذوفة فيما ذكر؟ فالجواب: أنّما لم تكتب الألف لكراهة صورة الألف مرّتين في المثنى رفعا نحو: مستهزأان بألفين فلمّا استثقل اجتماعهما في المثنّى رفعا، لم تكتب في غيره طردا للباب، بخلاف قرأا ويقرأان فكتبا بألفين خوف لبس المثنّى بالمفرد في قرأ. أو لبس المثنّى بجمع المؤنّث في يقرأان لو كتب بألف واحدة، وكتبوا نحو: مستهزئين بياءين في المثنّى نصبا وجرا وكتبوا الجمع بياء واحدة للفرق بين المثنّى والمجموع، وكتبوا نحو: ردائي في الأكثر بياءين لتغاير الياءين صورة، لأنّ الياء الأولى مخالفة في الصورة للثانية بخلاف مستهزئين لو كتب بياءين، لأنّ ¬
القول على الوصل
صورتهما متحدة، وإنّما قال في الأكثر (¬1) لأنّ بعضهم يكتب ردائي بياء واحدة وكتبوا نحو: حنائيّ بياءين في الأكثر للمغايرة والتشديد، فإنّ الثانية مشددة لأنّها ياء النسبة، وعلم من قوله في الأكثر أنّ منهم من يكتب حنائي بياء واحدة وكتبوا نحو: لم تقرئي يا امرأة بياءين، وفاقا لما ذكرنا من تغاير الياءين صورة، واللّبس بتقري بغير ياء الضمير من قرى يقري (¬2) انتهى الكلام على الهمزة. القول على الوصل وهو ممّا خولف فيه الأصل المقرّر في الخطّ (¬3). فمنه: أنّهم وصلوا الحروف وشبهها بما الحرفية نحو: إنما إلهكم الله (¬4)، وأينما تكن أكن، وكلّما أتيتني أكرمك، بخلاف الاسمية نحو «ما» التي بمعنى الذي، فإنّها تكتب منفصلة نحو: إنّ ما عندي حسن، وأين ما وعدتني، وكلّ ما عندي حسن، لأنّ ما الحرفية كالتتمة للكلمة بخلاف الاسمية لاستقلال الأسماء بالدلالة (¬5). ومنه: أنّهم وصلوا ما الحرفية بمن وعن (¬6) فقالوا: ممّا وعمّا نحو: مما خطاياهم (¬7) عم يتساءلون (¬8) وفصلوا ما الاسمية عنهما فقالوا: أخذت من ما أخذت منه، وأخبرت عن ما في نفسي (¬9)، وقد تكتب ما الحرفية، وما الاسمية متصلتين فيما إذا سكن ما قبلهما نحو: ممّا وعمّا لوجوب إدغام نون من وعن في ¬
الميم التي في «ما» مراعاة/ للفظ مع كون الأوّل حرفا ولم يصلوا «متى» وإن كانت «متى» مثل «أين» بما الحرفية، لما يلزم من تغيير الياء لقلبها ألفا لاتصال ما بمتى، فيقع الوهم فيها (¬1). ومنه: أنّهم وصلوا أن الناصبة للفعل المضارع مع «لا» (¬2) وحذفت في الخطّ نحو: أريد ألّا تخرج، لكثرتها في الكلام بخلاف أن المخففة فإنها تكتب منفصلة نحو: علمت أن لا تقوم، ونحو أن لا يقدرون على شيء (¬3) لقلّة استعمال المخفّفة المذكورة، ووصلوا إن الشرطية أيضا إذا اتصلت بلا وما، نحو: إلا تفعلوه (¬4) وإما تخافن (¬5) وحذفت في الخطّ ليتأكد الاتصال، لأنّ هذه النون تحذف مع «لا» و «ما» وجوبا لفظا للادغام، فحذفت في الخطّ أيضا ليوافق الخطّ اللفظ، والمراد بهذا الحذف انقلاب النون في اللفظ لاما أو ميما للإدغام، لا حذفها من اللفظ بالكلية (¬6). ومنه: أنّهم وصلوا نحو: يومئذ وحينئذ في مذهب من (¬7) يبني: يوم وحين بإضافتهما إلى «إذ» فمن (¬8) ثمّ كتبت الهمزة ياء، وإلّا فالقياس أن تكتب ألفا لأنّها وقعت في الأول من (إذن) فهي مثل إبل، ولكن لما وصلت إذ بيوم وحين، صارت الهمزة كالمتوسطة، فصارت كالمتّصلة فدبّرت بحركة نفسها وهي مكسورة فمن ثمّ كتبت ياء (¬9)، وقد تكتب أيضا كذلك وإن لم يكن مبنيا (¬10). ¬
القول على الزيادة
ومنه: أنّهم وصلوا لام التعريف (¬1) بالاسم الذي بعدها نحو: الرّجل على مذهب سيبويه والخليل (¬2) أمّا اتصالها على مذهب سيبويه فعلى القياس، لأنّ حرف التعريف عنده هو اللّام وحدها فهو حرف واحد، فيجب اتصاله كما اتصلت اللّام والكاف في قولك: لزيد وكزيد، وأمّا على مذهب الخليل فيحتاج الاعتذار عن اتّصاله لأنّ آلة التعريف عنده أل، أعني الألف واللّام معا فهما مثل: هل، فكان القياس أن تكتب منفصلة كما كتب: هل الرّجل منفصلة ويجاب: بأنّه اختصّ بالوصل لكثرته في الكلام انتهى الكلام على الوصل. القول على الزّيادة وهي ما زادوه في الكتابة على خلاف ما يقتضيه القياس المقرّر في الخطّ. فمنه: (¬3) أنّهم زادوا ألفا بعد واو الجمع المتطرفة في الفعل الماضي أو الأمر نحو: سادوا وجاؤوا وسودوا وجوروا للفرق بينها وبين واو العطف، وحمل عليه ما اتصلت به الواو نحو: أكلوا وشربوا وإن لم تلتبس واوه بواو العطف لأنّ واو العطف لا تكون متصلة طردا للباب بخلاف نحو: يغزو ويدعو فإنه لا يزاد بعد الواو ألف لعدم لبس واوه بواو العطف لأنّ المفرد ليس يغز ولا يدع إذ لا بدّ في بنيته من الواو (¬4). واعلم أنّ واو الجمع متّى وقعت متطرفة، زيدت الألف معها كما تقدّم، ومتى وقعت مع ما يخرجها عن حكم التطرف لم تكتب الألف معها، فمن ثمّ كتب: ضربوا هم، بألف إذا كانت لفظة هم ضميرا منفصلا مؤكدا للضمير/ المتصل فلفظة «هم» حينئذ كلمة أخرى مستقلة، وضربوا التي قبلها كلمة أخرى أيضا. والواو فيها متطرفة، وكتبوا «ضربوهم» بغير ألف إذا كانت لفظة «هم» ضميرا متصلا مفعولا، والمتّصل كالجزء مما قبله فكتبت بغير ألف لأنّ الواو حينئذ قد وقعت مع ما أخرجها عن حكم التّطرف، ومنهم من يزيد الألف بعد واو الجمع الذي في اسم الفاعل (¬5) نحو: ¬
شاربوا الماء وزائروا زيد، ومنهم من يحذف الألف في الجميع، أعني في الفعل واسم الفاعل (¬1) ويغتفر ما ذكر من الفرق لندوره (¬2). ومنه: (¬3) أنّهم زادوا في مائة ألفا فرقا بينها وبين منه في الصورة وألحقوا بمائة، مثناها أعني، مائتين (¬4) وإن لم يحصل الالتباس في المثنّى، لأنّ صورة المفرد ثابتة في لفظ المثنّى، فعاملوه معاملته بخلاف جمع مائة، وهو مئات فإنه لم يكتب كذلك لفوات وجود صورة المفرد فيه لسقوط تاء التأنيث في الجمع (¬5). ومنه: أنّهم زادوا الواو في: عمرو فرقا بينه وبين عمر (¬6) لكثرة الاستعمال بخلاف ما أشبهه، وهو غير كثير نحو: غمر بغين معجمة علما (¬7)، وعمر النكرة جمع عمرة، ولا تزاد الواو في عمرو حال النصب كقولك: رأيت عمرا لوجود الفرق، وهو وجود الألف في عمرو لكونه منصرفا، وعدمها في عمر لامتناعه من الصرف (¬8). ومنه: أنّهم زادوا في أولئك واوا للفرق بينه وبين إليك (¬9)، وأجري أولاء على أولئك في زيادة الواو وإن لم يلبس لأنه هو هو (¬10). ومنه: أنّهم زادوا الواو (¬11) أيضا في أولى (¬12) نصبا وجرا نحو: مررت بأولي علم، ورأيت أولي علم للفرق بينها وبين إلى، وحمل أولو رفعا عليه وإن لم يلبس ¬
القول على النقص
بإلى، طردا للباب (¬1). القول على النّقص وهو ما نقص من الكتابة على خلاف ما يقتضي القياس المقرّر في الخطّ. فمنه: أنّهم كتبوا كلّ مشدّد من كلمة واحدة حرفا واحدا (¬2) نحو: شدّ ومدّ وادّكر، وأجري نحو: فتتّ مجراه إذا كانت لام الفعل الماضي وتاء فعلت مثلين وأدغمت لام الفعل في ضمير الفاعل لشدّة اتصال الفاعل بخلاف نحو: وعدت مما قلبت فيه لام الفعل الماضي تاء في اللفظ وأدغمت في تاء الفاعل، فإن المشدّد في مثله يكتب حرفين، لفقد المثلين حقيقة، وبخلاف نحو: أجبهه (¬3) لفقد كون المدغم فيه فاعلا، لأنّ الهاء الثانية ضمير المفعول، وبخلاف لام التعريف المدغمة في الحرف الذي بعدها من كلمة أخرى سواء كان ذلك الحرف لاما نحو: اللّحم أو غير لام نحو: الرّجل، فإنّهما أعني المدغم والمدغم فيه، يكتبان حرفين؛ لكونهما كلمتين أعني كون لام التعريف كلمة، والحرف الذي أدغم فيه لام التعريف من كلمة أخرى، بخلاف الذي والتي والذين فإنّ اللّام/ المشدّدة فيها كتبت لاما واحدة، لأنّ لام التعريف هاهنا لا تنفصل عمّا أدغمت فيه، أعني عن اللّام التي في أوّل الذي ونحوه إذ لا يقال: لذي ولذين ولتي، كما يقال: لحم ورجل، وكتب نحو: اللذين في التثنية نصبا وجرا بلامين، وإن كان قياسه على ما تقدّم في إخوته، لاما واحدة، لكن كتب بلامين للفرق بينه وبين الذين الذي هو الجمع، وحمل: اللّذان واللّتان واللّتين عليه لأنّه مثنّى من بابه (¬4) وكذلك كتبوا «اللّاؤون» (¬5) وإخوته، أعني: اللائي واللاتي، واللّواتي، بلامين وكان القياس لاما واحدة، لعدم انفصاله عن لام التعريف، لكن لمّا كان من جملته اللاء بكسر الهمزة الأخيرة لجمع المؤنّث وهو مما يجب كتابته بلامين لالتباسه بآلاء لو كتب بلام واحدة، فكتبت إخوته بلامين طردا ¬
للباب لأنها بمعناه ولفظها كلفظه، كما حمل أولاء على أولئك. ومن النّقص ما تقدّم من الحذف؛ أعني حذف نون عن (¬1) ومن عند إدغامها في الميم التي في ما الاستفهامية، والخبرية، نحو: سل عمّ شئت وعم يتساءلون (¬2) ومم خلق (¬3) وحذفت نون إن الشرطية أيضا عند إدغامها في لام «لا» وميم «ما» نحو: إلّا تذهب أذهب فحذف في ذلك كلّه الحرف الأخير من الكلمة الأولى، إذا أدغم في أول الثانية، وهو حذف شاذ لا يقاس عليه (¬4). ومنه: أنّهم نقصوا الألف من بسم الله الرّحمن الرحيم (¬5) تخفيفا لكثرة استعماله بخلاف باسم الله مقتصرا عليه، أو باسم ربّك ونحوه. ومنه: أنّهم نقصوا الألف من الله (¬6) وكتب بلامين وهاء من غير ألف بعد اللّام الثانية لكثرة استعماله لئلا يشتبه بكتابة اللّات فيمن كتبها بالهاء. ومنه: أنّهم نقصوا الألف من الرحمن مطلقا أي مع بسم الله الرحمن الرحيم وبدونها كعبد الرّحمن (¬7). ومنه: ما نقله السّيد في شرح التصريف (¬8)، أنّهم نقصوا (¬9) الألف من الحارث علما ومن السّلم عليكم، وعبد السّلم، ومن ملئكة، وسماوات، وصلحين، ونحوها مما لم يخش لبس (¬10). ¬
ومنه: أنّهم نقصوا الألف من ثمنية وثلث وثلثين، اختصارا لكثرته (¬1). ومنه: أنّهم نقصوا الألف أيضا من نحو: الرّجل والدّار (¬2)، إذا دخلت عليهما لام الابتداء أو لام الجرّ، فقالوا: للرّجل خير من الإمرأة (¬3) وللدّار الآخرة خير من الأولى، وهذا السيف للرّجل، وهذه الحصير للدّار، وإنّما نقصوا الألف من ذلك وكان القياس إثباتها، لأنّها مثل قولك: بالرّجل وكالرّجل، لئلا يلتبس بالنفي، لأنّه لو كتبت الألف مع لام الابتداء أو لام الجر لصارت صورتها صورة «لا» بعدها صورة لرجل، فكان صار: لا لرجل، بخلاف قولك: بالرجل وكالرجل فإنه لا يلبس بالنفي (¬4). ومنه: أنّهم نقصوا الألف واللّام معا فيما أوله لام (¬5) نحو: اللّحم واللّبن إذا دخلت عليه/ لام الجرّ أو لام الابتداء نحو قولك: للّحم وللّبن أمّا حذف الألف فلما ذكر في الرجل والدار، أعني لئلّا يلبس بالنفي، وأمّا حذف اللّام فلئلا تجتمع ثلاث لامات؛ لام الجر أو لام الابتداء، ولام التعريف، واللّام التي هي فاء الكلمة الدّاخلة عليها لام التعريف (¬6). ومنه: أنّهم نقصوا ألف الوصل في الاستفهام (¬7) من نحو: أبنك بارّ وأصطفى البنات (¬8) إذا استفهمت عنهما، وكان القياس إثباتها، لأنّ دخول الحرف على الاسم إذا كان أوله ألف وصل لا يوجب حذفها، كقولك: مررت بابنك وهذا السّيف لابنك، فإنّك تكتب ألف الوصل مع الحرف المتصل بها، فكذلك كان ينبغي أن تكتب مع همزة الاستفهام، ولكن حذفوا ألف الوصل كراهة لصورة الألفين في أول الكلمة مع وجوب حذفها لفظا (¬9)، وقد جاء في الاسم المعرّف باللّام إذا دخل عليه حرف ¬
الاستفهام الأمران، أعني إثبات ألف الوصل مع ألف الاستفهام، وحذفها، وذلك في نحو: الرّجل عندك؟ بألفين وألرجل عندك؟ بحذف ألف الوصل، أمّا الحذف فلما قلنا من كراهة اجتماع الألفين، وأمّا الإثبات فلأنهم قصدوا أن يفرّقوا بين الخبر والاستخبار خشية اللبس فيما كثر بخلاف أصطفى (¬1) فإنّه لم يكثر (¬2). ومنه: أنّهم نقصوا من ابن إذا وقع صفة بين علمين ألفا (¬3) لفظا وخطا، مثل: هذا زيد بن عمرو، للطول، ولكثرة الاستعمال بخلاف رسم المصحف وبخلاف مثنّاه (¬4)، لأنّه لم يكثر كثرة المفرد، وبخلاف ما إذا كان صفة لغير علم نحو: يا رجل ابن عمرو (¬5). ومنه: أنّهم نقصوا ألف هاء مع الإشارة (¬6) نحو: هذا وهذه وهذان وهؤلاء، لكثرة الاستعمال، بخلاف: هاتان وهاتي، فإنه لم يكثر كثرة ما تقدّم، وبخلاف ما إذا صغّر ما تقدّم نحو: هاذيّا وهاؤليّا (¬7)، لأنّه لم يكثر أيضا، فإن جاءت الكاف نحو قولك: هذاك رددت الألف وكذلك في: هاذانك لئلّا يوهم جعل ثلاث كلمات ككلمة واحدة. ومنه: أنّهم نقصوا الألف أيضا من ذلك، وأولئك، ولكن، ولكنّ (¬8) اختصارا للكثرة أو كراهة لصورة لا، في أول الكلمة (¬9). ومنه: أنّهم نقصوا كثيرا الواو من داود (¬10) وطاوس وناوس كراهة لاجتماع الواوين مع الكثرة، ونقص بعضهم الألف من عثمن، وسليمن،، وإبراهيم، وإسحق، وإسمعيل، ومعوية، للكثرة مع العلميّة (¬11). ¬
القول على البدل
القول على البدل وهو ما أبدل خارجا عن قياس الكتابة الأصلي. فمنه: أنّهم كتبوا كلّ ألف رابعة فصاعدا في اسم أو فعل ياء إلّا ما قبلها ياء، فكتبوا بالياء مغزى ويغزي ومصطفى، وأنثى (¬1) وقربى، وإنّما كتب بالياء إمّا تنبيها على أنّ تلك الألف تنقلب ياء عند التثنية ونحوها، أو تنبيها على أنّها مما تمال، ولم يكتبوا بالياء ما قبلها ياء نحو خزيا/ وصديا، كراهة لاجتماع الياءين إلّا من نحو: يحيى وريّى، علما، إمّا للفرق بين العلم وغيره، وإمّا لكثرة العلم. وأمّا الألف الثالثة: (¬2) فإن كانت عن ياء نحو: رحى كتبت ياء، وإن لم تكن مبدلة عن ياء كتبت ألفا، سواء كانت مبدلة عن واو أو لم تكن مبدلة عن شيء (¬3)، ومنهم من يكتب الباب كله بالألف سواء كانت مبدلة عن ياء، أو غير مبدلة، لأنّ القياس أن تكتب الألف بالألف مع أنّه أنفى للغلط عن الكاتب (¬4). واعلم أنّه كتبت الصلوة والزكوة والحيوة، بالواو في خطّ المصحف وهو على خلاف الأصل، فيجوز أن تكتب ذلك على رسم المصحف وعلى القياس (¬5). واعلم أنّ الألف الثالثة التي تكتب بالياء إن كانت تلك الألف في اسم منوّن نحو: رحى فالمختار عند ابن الحاجب أنّه يكتب بالياء في الأحوال كلّها (¬6)، وهو قياس المبرّد (¬7)، وأمّا قياس المازنيّ (¬8) فيكتب بالألف في الأحوال كلّها، أي في النّصب والجرّ والرفع، وقياس سيبويه أن يكتب المنصوب بالألف والمرفوع ¬
والمجرور بالياء (¬1). وتتعرّف ذوات الياء من ذوات الواو بوجوه: (¬2) منها: التثنية، كما سمع في فتى، فتيان، وفي عصا عصوان. ومنها: الجمع بالألف والتاء، كما سمع الفتيات والقنوات. ومنها: المرّة كما سمع رمية وغزوة بفتح الفاء فيعرف أنّ ألف رمى من الياء، وألف غزا من الواو. ومنها: النوع نحو: رمية وغزوة بكسر الفاء، فإنه يتعرّف به كما قيل في المرّة. ومنها: ردّ الفعل إلى الضمير المرفوع المتحرّك كما سمع: رميت وغزوت، فيعلم أنّ ألف رمى من الياء، وألف غزا من الواو. ومنها: المضارع كما سمع يرمي ويغزو بكسر الميم وضمّ الزاي. ومنها: أنّ تكون فاء الفعل واوا نحو: وعى، وودى (¬3)، فيعلم أنّ ألفه من الياء، لأنّه ليس في كلامهم ما فاؤه ولامه واو، قالوا غير الواو أحد حروف المعجم (¬4). ومنها: كون العين واوا نحو: شوى، فيعلم أنّ ألفه من الياء، لأنّه ليس في كلامهم ما عينه ولامه واو إلا ما شذّ من القوى والصّوى (¬5). فإن جهل ولم يجر فيه شيء مما ذكر، فإنّ أميلت ألفه كتبت بالياء (¬6) نحو: متى، وإن لم تمل كتبت بالألف (¬7) وإنّما كتبوا لدى، بالياء لقولهم لديك، وأمّا كلا، فتكتب على الوجهين، أعني بالألف والياء لأنّ قلب ألفها تاء في كلتا يدلّ على الواو، وإمالتها تدلّ على الياء، إذ لا جائز أن تكون إمالتها لكسرة الكاف، لأنّ الكسرة ¬
لا تمال لها ألف ثالثة وهي بدل عن واو (¬1). وأمّا الحروف فلم يكتب منها بالياء غير بلى (¬2)، وإلى، وعلى، وحتّى، أمّا إلى وعلى فكتبا بالياء لقلب ألفهما ياء مع الضّمير نحو: إليك وعليك، وأمّا حتّى، فلحملها على إلى لأنّها بمعناها الأصلي في الغاية (¬3) وأمّا بلى فلقوّة إمالتها، والإمالة تستقلّ في الدلالة على الياء غالبا. والله أعلم بالصّواب / وكان الفراغ من جمعه وتأليفه في العشر الأول من شهر شعبان سنة سبع وعشرين وسبعمائة هجريّة نبويّة على صاحبها أفضل الصّلاة والسّلام بالمشيرفة (¬4) من ظاهر حمص (¬5) الشّرقيّ الشّماليّ الحمد لله ربّ العالمين ¬
فهرس المصادر والمراجع
فهرس المصادر والمراجع 1 - أدب الكاتب لابن قتيبة (محمد بن عبد الله) تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد، دار المطبوعات العربية، بيروت، لبنان. 2 - أسرار العربية للأنباري (عبد الرحمن بن محمد) تحقيق محمد بهجة البيطار، مطبعة الترقي بدمشق، 1377 هـ - 1957 م. 3 - الأشباه والنظائر لجلال الدين السيوطي (عبد الرحمن) تحقيق طه عبد الرؤوف سعد مكتبة الكليات الأزهرية، 1395 - هـ - 1975 م. 4 - الأصمعيات للأصمعي (عبد الملك بن قريب) تحقيق أحمد محمد شاكر وعبد السّلام محمد هارون الطبعة الخامسة، دار المعارف بمصر. 5 - الأعلام لخير الدين الزركلي، الطبعة الثانية، مطبعة كوستاتسوماس وشركاه 1378 هـ - 1959 م. 6 - الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني (علي بن الحسن) الطبعة الرابعة، دار الثقافة للطباعة والنشر، بيروت، لبنان، 1389 هـ - 1978 م. 7 - أمالي الزجاجي (عبد الرحمن بن إسحاق) تحقيق عبد السّلام محمد هارون المؤسسة العربية الحديثة للطبع والنشر والتوزيع، مطبعة المدني، الطبعة الأولى 1382 هـ. 8 - الأمالي الشجرية لابن الشجري (هبة الله بن علي) دار المعرفة للطباعة والنشر بيروت - لبنان. 9 - الأمالي لأبي علي القالي (إسماعيل بن القاسم) المكتبة التجارية الكبرى، مطبعة السعادة، الطبعة الثالثة، 1373 هـ - 1953 م. 10 - الأمثال النبوية لمحمد الغروي، منشورات مؤسسة الأعلمي للمطبوعات الطبعة الأولى، بيروت، لبنان، 1401 هـ. 11 - أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي (عبد الله بن عمر الشيرازي). التزام عبد الرحمن محمد، الطبعة الثانية، 1344 هـ - 1945 م. 12 - أوضح المسالك إلى ألفية بن مالك: لابن هشام الأنصاري (عبد الله بن يوسف) تحقيق
محمد محيي الدين عبد الحميد، دار الفكر بيروت، لبنان. 13 - أسد الغابة في معرفة الصحابة لابن الأثير (علي بن محمد بن عبد الكريم الجزري)، المطبعة الوهبية، 1208 هـ. 14 - الأصول في النحو: لابن السراج (محمد بن سري)، تحقيق د. الفتلي، الطبعة الأولى 1405 هـ - 1985 م، مؤسسة الرسالة، بيروت، لبنان. 15 - إبراز المعاني من حرز الأماني في القراءات السبع للإمام الشاطبي تأليف أبي شامة الدمشقي (عبد الرحمن بن إسماعيل) تحقيق إبراهيم عطوة عوض شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي بمصر. 16 - ابن الحاجب النحوي آثاره ومذهبه لطارق عبد عون الجنابي، دار التربية للطباعة والنشر - بغداد، 1973 م. 17 - إتحاف فضلاء البشر في القراءات الأربعة عشر، لأحمد بن محمد الدمياطي. تصحيح الشيخ علي محمد الضياع، مطبعة عبد الحميد حنفي، مصر 1359 هـ. 18 - إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري، لأحمد بن محمد القسطلاني، الطبعة الرابعة. 19 - إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول للشوكاني (محمد بن علي) الطبعة الأولى 1356 هـ - 1937 م، مصطفى البابي الحلبي بمصر. 20 - الإصابة في تمييز الصحابة لابن حجر (أحمد بن علي) وبهامشه الاستيعاب في معرفة الأصحاب لابن عبد البر النمري، مكتبة المثنى، بغداد، نسخة مصورة عن الطبعة الأولى المطبوعة في مطبعة السعادة عام 1328 هـ. 21 - إصلاح المنطق، لابن السكيت (يعقوب بن إسحاق) تحقيق أحمد محمد شاكر وعبد السّلام محمد هارون، دار المعارف بمصر 1368 هـ - 1949 م. 22 - إعراب القرآن المنسوب إلى الزجاج (إبراهيم بن السري) تحقيق ودراسة إبراهيم الأبياري، وزارة الثقافة والإرشاد القومي، المؤسسة المصرية للتأليف والترجمة والطباعة والنشر، المطابع الأميرية، القسم الأول 1963 م، القسم الثاني، 1964 م، القسم الثالث، 1965 م. 23 - إعلام النبلاء بتاريخ حلب الشهباء، لمحمد راغب بن محمود بن هاشم الطباخ الحلبي المطبعة العلمية، الطبعة الأولى، حلب، 1343 هـ - 1925 م. 24 - إنباه الرواة على أنباء النحاة، للقفطي (جمال الدين علي بن يوسف)، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، مطبعة دار الكتب المصرية، القاهرة، 1369 هـ - 1950 م. 25 - الإنصاف في مسائل الخلاف بين البصريين والكوفيين، للأنباري: (عبد الرحمن بن محمد) تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، القاهرة. 26 - الإيضاح في شرح المفصل لابن الحاجب، تحقيق د. موس العليلي. مطبعة - العاني - بغداد.
27 - الإيضاح في علل النحو للزجاجي (عبد الرحمن بن إسحاق) تحقيق الدكتور مازن المبارك، دار النفائس، الطبعة الثانية، بيروت 1393 هـ - 1973 م. 29 - إيضاح المكنون في الذيل على كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون، لإسماعيل بن محمد البغدادي، عني بتصحيحه وطبعه المعلم رفعت بيلكه الكليسي طبع بعناية وكالة المعارف، استانبول، 1366 هـ - 1947 م. 30 - البحر المحيط لأبي حيان (محمد بن يوسف)، نشر مكتبة النصر الحديثة، الرياض السعودية. 31 - البداية والنهاية، لابن كثير (إسماعيل بن عمر الدمشقي) مطبعة السعادة القاهرة. 32 - البدر الطالع بمحاسن من بعد القرن السابع، للشوكاني (محمد بن علي) ومعه الملحق التابع للبدر الطالع للسيد محمد بن محمد بن يحيى زبارة اليمني مطبعة السعادة، الطبعة الأولى، 1348 هـ. 33 - بغية الوعاة في طبقات اللغويين والنحاة، للسيوطي (عبد الرحمن) تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، الطبعة الأولى، مطبعة عيسى البابي الحلبي وشركاه 1384 هـ - 1964 م. 34 - البلغة في تاريخ أئمة اللغة للفيروزآبادي (محمد بن يعقوب) تحقيق محمد المصري منشورات وزارة الثقافة، 1920 هـ - 1972 م. 35 - البيان في غريب إعراب القرآن، الأنباري (عبد الرحمن بن محمد). تحقيق الدكتور طه عبد الحميد طه ومراجعة مصطفى السقا، الهيئة المصرية العامة للتأليف والنشر، 1390 هـ - 1970 م. 36 - البيان والتبيين للجاحظ (عمرو بن بحر) تحقيق عبد السّلام محمد هارون الطبعة الثانية، مكتبة الخانجي، مصر 1381 هـ - 1961 م، وتحقيق حسن السندوبي الطبعة الثانية، المكتبة التجارية، 1351 هـ - 1936 م. 37 - تاج العروس لمحمد مرتضى الزبيدي، الطبعة الأولى، المطبعة الخيرية، مصر 1306 هـ. 38 - تاج اللغة وصحاح العربية للجوهري (إسماعيل بن حماد)، تحقيق أحمد عبد الغفور عطار، طبع على نفقة حسن شربتلي، دار الكتاب العربي بمصر. 39 - تاريخ آداب اللغة العربية: لجرجي زيدان، مطبعة الهلال، الطبعة الثانية 1937 هـ. 40 - تاريخ الأدب العربي: لكارل بروكلمان، نقله إلى العربية الدكتور رمضان عبد التواب والدكتور سيد يعقوب بكر، الطبعة الثانية الجزء الرابع والخامس دار المعارف بمصر 1977 م. 41 - تاريخ حماة للشيخ أحمد الصابوني، شرح وتعليق الأستاذ قدري الكيلاني، الطبعة الثانية المطبعة الأهلية بحماة. 42 - تاريخ الخلفاء، للسيوطي (عبد الرحمن) تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد الطبعة الثالثة مطبعة المدني، المكتبة التجارية بمصر 1383 هـ - 1964 م.
43 - التبصرة في القراءات لأبي محمد (مكي بن أبي طالب القيسي) تحقيق د. محيي الدين رمضان، منشورات معهد المخطوطات العربية، الطبعة الأولى 405 هـ - 1985 م. 44 - التبيان في إعراب القرآن، للعكبري (عبد الله بن الحسين) تحقيق علي محمد البجاوي، مطبعة عيسى البابي الحلبي وشركاه، دار إحياء الكتب العربية، 1976 م. 45 - تتمة المختصر في أخبار البشر لابن الوردي (عمر) المطبعة الوهبية، 1785 هـ. 46 - تذكرة الحفاظ لأبي عبد الله شمس الدين الذهبي، الطبعة الثالثة مصورة عن طبعة دائرة المعارف العثمانية بحيدرآباد، الهند، 1375 هـ - 1955 م. 47 - تسهيل الفوائد وتكميل المقاصد، لابن مالك (محمد عبد الله) تحقيق محمد كامل بركات، نشر دار الكاتب العربي، 1387 هـ - 1967 م. 48 - تفسير الألفاظ الدخيلة في اللغة العربية مع ذكر أصلها بحروفه لطوبيا العنيسي الطبعة الثانية، 1932 م. 49 - تفسير النسفي (عبد الله بن أحمد) مطبوعات محمد على صبيح وأولاده، ميدان الأزهر، بمصر. 50 - تقويم البلدان، لأبي الفداء (إسماعيل بن علي) اعتنى بتصحيحه وطبعه رينود وديسلان، طبع في مدينة باريس، بدار الطباعة السلطانية، سنة 1840 م. 51 - تمييز الطيب من الخبيث فيما يدور على ألسنة الناس من الحديث، للشيباني (عبد الرحمن بن علي الشافعي) الناشر دار الكتاب العربي، بيروت، لبنان. 52 - تهذيب تاريخ ابن عساكر، للشيخ عبد القادر الدومي الدمشقي الحنبلي، وقف على طبعة أحمد عبيد، الطبعة الأولى، المكتبة العربية بدمشق، 1349 هـ. 53 - تهذيب التهذيب، لابن حجر (أحمد بن علي) دار صادر، دار بيروت نسخة مصورة عن الطبعة الأولى المطبوعة بدار المعارف النظامية بحيدر آباد في الهند سنة 1325 هـ. 54 - تهذيب الخواص من درة الغواص لابن منظور (محمد بن مكرم) تحقيق د. عبد الله الحسيني - مطبوعات نادي مكة الثقافي الأدبي الطبعة الأولى 1415 هـ. 55 - تهذيب اللغة لأبي منصور الأزهري تحقيق يعقوب عبد النبي مراجعة محمد علي النجار، الدار المصرية للتأليف والنشر. 56 - جامع الترمذي مع شرح تحفة الأحوذي، نشر الحاج حسن إيراني، الناشر دار الكتاب العربي، بيروت، لبنان. 57 - الجمل في النحو (كتاب) للزجاجي (عبد الرحمن بن إسحاق) تحقيق د. علي توفيق الحمد، مؤسسة الرسالة، ودار الأمل، الطبعة الأولى، 1404 هـ - 1984 م. 58 - جمهرة الأمثال، للعسكري (حسن بن عبد الله) ومعه كتاب مجمع الأمثال للميداني (ضمن
مجلد واحد) المطبعة الخيرية بمصر، 1310 هـ. وطبعة أخرى بتحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم وعبد المجيد قطامش - المؤسسة العربية الحديثة - الطبعة الأولى 1384 هـ - 1964 م. 59 - جمهرة اللغة لابن دريد (محمد بن الحسن) مطبعة دائرة المعارف العثمانية الطبعة الأولى، حيدر آباد، الهند، 1344 هـ. 60 - جواهر الأدب في معرفة كلام العرب لعلاء الدين الإربلي تحقيق د. حامد نيل، مكتبة النهضة المصرية، 1404 هـ - 1984 م. 61 - حاشية الدسوقي على مغني اللبيب (ضمن مجلد واحد) مطبعة المشهد الحسيني القاهرة. 62 - حاشية الشيخ محمد الخضري على شرح ابن عقيل (بهاء الدين عبد الله) وبهامشه الشرح المذكور، نسخة مصورة عن طبعة عيسى البابي الحلبي وشركاه. 63 - حاشية محمد بن علي الصبان على شرح الأشموني (علي بن محمد) على ألفية بن مالك ومعهما شرح الشواهد للعيني (ضمن مجلد واحد) دار إحياء الكتب العربية، عيسى البابي الحلبي وشركاه. 64 - حاشية الشيخ ياسين العليمي على شرح الفاكهي (أحمد بن عبد الله) المسمى بمجيب الندا على قطر الندى، مطبعة عيسى البابي الحلبي وأولاده بمصر الطبعة الثانية، 1390 هـ - 1971 م. 65 - الحديث النبوي في النحو العربي، للدكتور محمود فجال، نشر نادي أبها الأدبي الطبعة الأولى 1404 هـ - 1984 م. 66 - الحروف لأبي الحسين المزني تحقيق د. محمود حسن محمود، ود. محمد حسن عواد، دار الفرقان - الطبعة الأولى 1983 م - 1403 هـ. 67 - العلل في شرح أبيات الجمل لابن السيد الطليوسي (عبد الله بن محمد) تحقيق الدكتور مصطفى إمام، مطبعة الدار المصرية للطباعة والنشر والتوزيع المطبعة الأولى القاهرة، 1979 م. 68 - حلية الأولياء وطبقات الأصفياء، للحافظ أبي نعيم الأصبهاني (أحمد بن عبد البر) الطبعة الأولى مطبعة السعادة 1351 هـ - 1933 م. 69 - الحيوان للجاحظ (عمرو بن بحر) تحقيق عبد السّلام محمد هارون مصطفى البابي الحلبي وأولاده، الطبعة الثانية، 1385 هـ - 1965 م. 70 - خزانة الأدب ولب لباب لسان العرب، لعبد القادر البغدادي الطبعة الأولى (بولاق) وطبعة عبد السّلام هارون، الهيئة المصرية العامة للكتاب، الجزء الأول، الطبعة الأولى 1979، الجزء الثاني 1387 هـ - 1968 م، الجزء الثالث 1387 هـ - 1968 م، الجزء الرابع 1969 الجزء الخامس 1976 م الجزء السادس 1977 م. 71 - الخصائص لابن جني (عثمان بن جني) تحقيق محمد علي النجار، دار الهدى للطباعة والنشر
الطبعة الثانية، بيروت، لبنان. 72 - دائرة المعارف الإسلامية نقلها إلى العربية محمد ثابت الفندي وأحمد الششناوي وإبراهيم خورشيد وعبد الحميد يونس. 73 - درة الغواص في أوهام الخواص لأبي محمد القاسم بن علي الحريري، مكتبة المثنى، بغداد. 74 - الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة، لابن حجر (أحمد بن علي) الطبعة الأولى مطبعة دائرة المعارف العثمانية بحيدرآباد في الهند، 1348 هـ. 76 - دلائل الأعجاز للجرجاني عبد القاهر تحقيق محمود شاكر، الطبعة الثانية - مكتبة الخانجي. 77 - ديوان أبي الأسود الدؤلي تحقيق عبد الكريم الدجيلي، الطبعة الأولى، بغداد، 1373 هـ - 1954 م. 78 - ديوان الأدب للفارابي (إسحاق بن إبراهيم) تحقيق أحمد مختار عمر مراجعة إبراهيم أنيس، الهيئة العامة لشؤون المطابع الأميرية، القاهرة، الجزء الثاني 1395 هـ - 1975 م، الجزء الثالث، مطبعة الأمانة 1396 هـ - 1976 م. 79 - ديوان الأعشى (ميمون بن قيس) شرح وتعليق الدكتور محمد محمد حسين، دار النهضة العربية للطباعة والنشر، بيروت، 1974 م. 80 - ديوان أوس بن حجر، تحقيق محمد يوسف نجم، دار صادر، دار بيروت، الطبعة الثانية. 81 - ديوان أمية بن أبي الصلت، جمع وتحقيق ودراسة الدكتور عبد الحفيظ السطلي، المطبعة التعاونية بدمشق 1974 م. 82 - ديوان امرئ القيس لأبي الحجاج يوسف بن سليمان المعروف بالأعلم الشنتمري، اعتنى بتصحيحه الشيخ ابن أبي شنب، الشركة الوطنية للنشر والتوزيع 1394 هـ - 1974 م. 83 - ديوان بشر بن خازم الأسدي، تحقيق الدكتور عزة حسن، دمشق، 1379 هـ - 1960 م. 84 - ديوان تميم بن مقبل، تحقيق الدكتور عزه حسن، دمشق، 1381 هـ. 85 - ديوان جران العود النميري رواية أبي سعيد السكري، تحقيق أحمد نسيم دار الكتب المصرية الطبعة الأولى، 1350 هـ - 1931 م. 86 - ديوان جميل بن معمر، تقديم بطرس البستاني، 1386 هـ - 1966 م. 87 - ديوان أبي نواس (الحسن بن هانئ) شرح محمود واصف، الطبعة الأولى المطبعة العمومية بمصر 1898 م. 88 - ديوان حسان بن ثابت، تحقيق الدكتور سيد حنفي حسنين، مراجعة حسن كامل الصيرفي، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1974 م - 1394 هـ. 89 - ديوان الحطيئة (جرول بن أوس) شرح أبي الحسن السكري تصحيح أحمد بن الأمين الشنقيطي مطبعة التقدم بمصر.
90 - ديوان الحماسة لأبي تمام حبيب بن أوس الطائي مختصر من شرح العلامة التبريزي (يحيى بن علي) علّق عليه وراجعه محمد عبد المنعم خفاجي، مكتبة ومطبعة محمد علي صبيح وأولاده 1374 هـ - 1965 م. 91 - ديوان أبي دهبل الجمحي رواية أبي عمرو الشيباني تحقيق عبد العظيم عبد المحسن، مطبعة القضاء في النجف، الطبعة الأولى 1392 هـ. 92 - ديوان ذي الرمة (غيلان بن عقبة) تصحيح كارليل هنري هيس مكارتني، طبع بكلية كمبريدج، 1919 م. 93 - ديوان زيد الخيل الطائي، صنعه الدكتور فوزي حمودي القيسي، مطبعة النعمان، النجف، العراق. 94 - ديوان سحيم عبد بني الحسحاس، تحقيق عبد العزيز الميمني الراجكوتي، الدار القومية للطباعة والنشر، القاهرة، 1384 هـ - 1965 م. 95 - ديوان الشماخ بن ضرار الغطفاني، تحقيق صلاح الدين الهادي، دار المعارف بمصر. 96 - ديوان طرفة بن العبد، تقديم كرم البستاني، دار صادر، دار بيروت، 1380 هـ - 1961 م. 97 - ديوان العرجي (عبد الله بن عمر) رواية ابن جني، تحقيق خضر الطائي ورشيد العبيدي الشركة الإسلامية للطباعة والنشر، بغداد، الطبعة الأولى، 1375 هـ - 1956 م. 98 - ديوان عبيد بن الأبرص، تحقيق شارلزليل، ليدن 1913 م. 99 - ديوان عبيد الله بن قيس الرقيات تحقيق الدكتور محمد يوسف نجم، دار صادر، دار بيروت 1378 هـ - 1958 م. 100 - ديوان عمر بن أبي ربيعة، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1978 م. 101 - ديوان عنترة بن شداد، المكتبة المصرية، 1322 هـ - 1905 م. 102 - ديوان القطامي (عمير بن شييم) تحقيق جون بيرث، ليدن 1902 م. 103 - ديوان قيس بن الخطيم، تحقيق ثادوث كويلسكي، ليبزيغ، 1914 م. 104 - ديوان كثير عزة (عبد الرحمن الخزاعي) جمعه وشرحه الدكتور إحسان عباس، نشر وتوزيع دار الثقافة بيروت، لبنان، 6391 هـ - 1971 م. 105 - ديوان كعب بن مالك الأنصاري، تحقيق سامي مكي العاني، مكتبة النهضة الطبعة الأولى، بغداد 1386 هـ - 1966 م. 106 - ديوان لبيد بن ربيعة العامري، دار صادر، دار بيروت، 1386 هـ، 1966 م. 107 - ديوان النابغة الجعدي، تحقيق عبد العزيز رباح، نشر المكتب الإسلامي بدمشق، 1384 هـ. 108 - ديوان النابغة الذبياني تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، دار المعارف بمصر 1977 م.
109 - ديوان ابن نباتة (جمال الدين محمد) نشر محمد القلقيلي، دار إحياء التراث العربي بيروت، لبنان. 110 - ديوان الهذليين (شعر أبي ذؤيب الهذلي وساعدة بن جؤية) القسم الأول مطبعة دار الكتب المصرية، الطبعة الأولى، القاهرة 1364 هـ - 1945 م. 111 - رسالة الملائكة لأبي العلاء المعري تحقيق لجنة من العلماء المكتب التجاري للطباعة والتوزيع والنشر، بيروت، لبنان. 112 - رصف المباني في شرح حروف المعاني للمالقي (أحمد بن عبد النور) تحقيق أحمد محمد الخراط، مطبوعات مجمع اللغة العربية بدمشق 1395 هـ - 1975 م. 113 - روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني، للآلوسي (محمود) دار الفكر 1398 هـ - 1978 م. 114 - سر صناعة الإعراب لأبي الفتح (عثمان بن جني) تحقيق لجنة من الأساتذة مطبعة مصطفى البابي الحلبي، الطبعة الأولى 1399 هـ - 1979 م. 115 - سمط اللآلي في شرح آمالي القالي لأبي عبيد البكري (عبد الله بن عبد العزيز) تحقيق عبد العزيز الميمني الراجكوتي، مطبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر، 1354 هـ - 1956 م. 116 - سنن أبي داود مراجعة محمد محيي الدين عبد الحميد، دار إحياء التراث العربي - لبنان. 117 - سنن المصطفى لابن ماجه (محمد بن يزيد القزويني)، ومعه حاشية أبي الحسن محمد بن عبد الهادي الحنفي المعروف بالسندي، الطبعة الأولى المطبعة التازية بمصر. وطبعة دار إحياء التراث العربي لبنان 1975 م بتحقيق محمد فؤاد عبد الباقي. 118 - سنن النسائي (أحمد بن شعيب) شرح الحافظ جلال الدين السيوطي المتوفى 911 هـ وحاشية الإمام السندي، تصحيح الشيخ حسن محمد المسعودي المكتبة التجارية الكبرى، القاهرة. 119 - سير أعلام النبلاء، تصنيف الإمام عمر بن أحمد بن عثمان الذهبي حقق الجزء الرابع شعيب الأرناؤوط ومأمون الصاغرجي، وحقق الجزء الخامس شعيب الأرناؤوط، مؤسسة الرسالة الطبعة الأولى، لبنان، 1401 هـ - 1981 م. 120 - السير الحثيث إلى الاستشهاد بالحديث النبوي في النحو العربي للدكتور محمود فجال، نشر نادي أبها الأدبي، الطبعة الأولى 1407 هـ - 1986 م. 121 - السيرة النبوية للإمام أبي الفداء (إسماعيل بن عمر بن كثير الدمشقي) تحقيق مصطفى عبد الواحد، مطبعة عيسى البابي الحلبي وشركاه، القاهرة 1384 هـ - 1964 م. 122 - الشافية في الصرف لابن الحاجب (عثمان بن عمر) (ضمن كتاب مجموع مهمات المتون) مطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده بمصر، الطبعة الرابعة 1369 هـ - 1949 م. 123 - شذرات الذهب في أخبار من ذهب لابن العماد (عبد الحي بن العماد الحنبلي) المكتبة التجارية
للطباعة والنشر، بيروت، لبنان. 124 - شرح أشعار الهذليين، صنعة أبي سعيد الحسن بن الحسين السكري، تحقيق عبد الستار أحمد فراج، مراجعة محمد محمود شاكر، مكتبة دار العروبة. 125 - شرح التصريح على التوضيح للأزهري (خالد بن عبد الله) وبهامشه حاشية الشيخ ياسين العليمي على شرح التصريح دار إحياء الكتب العربية، عيسى البابي الحلبي وشركاه. 126 - شرح ديوان الأخطل (غويث بن غوث) تحقيق إيليا سليم الحاوي، الطبعة الثانية، دار الثقافة، بيروت، لبنان، 1979 م. 127 - شرح ديوان جرير بن عطية جمع وتصحيح عبد الله إسماعيل الصاوي، الطبعة الأولى المكتبة التجارية الكبرى بمصر. 128 - شرح ديوان الحماسة لأحمد بن محمد المرزوقي نشره أحمد أمين وعبد السّلام هارون، الطبعة الأولى، مطبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر، القسم الأول 1370 هـ - 1951 م، القسم الثاني، 1371 هـ - 1952 م القسم الثالث 1371 هـ - 1952 م، القسم الرابع، 1372 هـ - 1953 م. 129 - شرح ديوان زهير بن أبي سلمى لأحمد بن يحيى ثعلب، الناشر الدار القومية للطباعة والنشر القاهرة، 1384 هـ - 1964 م نسخة مصورة عن طبعة دار الكتب المصرية 1363 هـ - 1944 م. 130 - شرح ديوان علقمة بن عبدة، رواية الأعلم الشنتمري، اعتنى بتصحيحه الشيخ ابن أبي شنب، مطبعة جول كربول، الجزائر، 1925 م. 131 - شرح ديوان الفرزدق عني بجمعه عبد الله إسماعيل الصاوي، المكتبة التجارية، القاهرة. 132 - شرح شافية ابن الحاجب لرضي الدين محمد بن الحسن الاستراباذي مع شرح الشواهد لعبد القادر البغدادي، تحقيق محمد نور الحسن وزملائه دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، 1395 هـ - 1975 م. 133 - شرح شذور الذهب في معرفة كلام العرب لابن هشام الأنصاري (عبد الله جمال الدين بن يوسف) تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد دار الفكر. 134 - شرح شواهد ابن عقيل لعبد المنعم الجرجاوي وبهامشه فتح الجليل بشرح شواهد ابن عقيل للشيخ محمد قطه العدوي تصحيح أحمد سعد علي الطبعة الثانية، مطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده بمصر 1355 هـ - 1937 م. 135 - شرح شواهد المغني، لجلال الدين السيوطي، تصحيح الشيخ محمد محمود بن التلاميذ التركزي الشنقيطي، منثورات دار مكتبة الرسالة، بيروت. 136 - شرح ابن عقيل (بهاء الدين عبد الله) على ألفية بن مالك، تحقيق محمد محيي الدين
عبد الحميد، الطبعة العشرون، نشر وتوزيع دار التراث القاهرة، 1400 هـ - 1980 م. 137 - شرح عقود الجمان في علم المعاني والبيان للسيوطي وبهامشه حلية اللب المصون على الجوهر المكنون للشيخ أحمد الدمنهوري، البابي الحلبي 1358 هـ - 1939 م. 138 - شرح عمدة الحافظ وعده اللافظ لابن مالك (محمد بن عبد الله) تحقيق الدكتور عبد المنعم أحمد هريدي، مطبعة الأمانة، القاهرة، 1975. 139 - شرح الكافية في النحو، لرضي الدين محمد بن الحسن الاستراباذي دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان. 140 - شرح لامية الأفعال لابن الناظم بدر الدين محمد بن مالك، مطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده بمصر الطبعة الأخيرة، 1368 هـ. 141 - شرح المفصل ليعيش بن علي بن يعيش عالم الكتب، بيروت مكتبة المتنبي القاهرة. 142 - شرح الوافية نظم الكافية لابن الحاجب تحقيق د. موسى العليلي، مطبعة الآداب في النجف 1400 هـ - 1980 م. 143 - الشعر والشعراء، تأليف أبي محمد بن عبد الله بن مسلم بن قتيبة، طبعة محققة معتمدة على الطبعة المحققة دي غوية، نشر وتوزيع دار الثقافة، بيروت، لبنان. 144 - شفاء العليل في إيضاح التسهيل للسليلي (محمد بن عيسى) تحقيق د. عبد الله الحسيني، المكتبة الفيصلية بمكة المكرمة الطبعة الأولى 1406 هـ - 1986 م. 145 - صحيح الترمذي بشرح الإمام ابن العربي المالكي طبع بنفقة عبد الواحد محمد التازي، مطبعة الصاوي، الطبعة الأولى، 1352 هـ - 1934 م. 146 - طبقات الحفاظ، لجلال الدين عبد الرحمن السيوطي، تحقيق علي محمد عمر الناشر مكتبة وهبة، الطبعة الأولى، القاهرة، 1393 هـ - 1970 م. 147 - طبقات الشافعية، تأليف جمال الدين عبد الرحيم الإسنوي تحقيق عبد الله الجبوري، مطبعة الإرشاد، الطبعة الأولى، بغداد 1390 هـ - 1970 م. 148 - طبقات الشافعية لتاج الدين عبد الوهاب بن تقي الدين السبكي الطبعة الثانية، دار المعرفة للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، لبنان. 149 - طبقات فحول الشعراء تأليف محمد بن سلام الجمحي، شرح محمود محمد شاكر مطبعة المدني، القاهرة، 1974 م. 150 - طبقات الفقهاء، لأبي إسحاق الشيرازي الشافعي، تحقيق إحسان عباس، دار الرائد العربي بيروت، لبنان 1970 م. 151 - طبقات المفسرين للداوودي (محمد بن علي) تحقيق علي محمد عمر مركز تحقيق التراث بدار الكتب المصرية، الناشر مكتبة وهبة الطبعة الأولى، 1392 هـ - 1972 م.
152 - العقد الفريد لابن عبد ربه (أحمد بن محمد الأندلسي) ضبط وشرح أحمد أمين وزملائه الطبعة الثانية، مطبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر 1375 هـ - 1956 م. 153 - العمدة في محاسن الشعر وآدابه ونقده، للحسن بن رشيق القيرواني، تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد، دار الجبل، الطبعة الرابعة، بيروت لبنان، 1972. 154 - غاية النهاية في طبقات القراء، لشمس الدين محمد بن محمد بن الجزري عني بنشره برجشتراسر طبع لأول مره بنفقة الناشر ومكتبة الخانجي بمصر 1351 هـ - 1932 م. 155 - غريب الحديث لأبي عبيد القاسم بن سلام الهروي، مراقبة الدكتور محمد عبد المعين خان، حيدرآباد الدكن، 1967 م - 1987 هـ. 156 - الفائق في غريب الحديث، للزمخشري (محمود بن عمر) اهتم بطبعه الحسن بن أحمد النعماني، الطبعة الأولى، حيدرآباد، الهند. 157 - فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير، للشوكاني (محمد بن علي) الطبعة الأولى، مصطفى البابي الحلبي 1351 هـ. 158 - الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين للدقائق الخفية للعجيلي الشهير بالجمل (سليمان بن عمر) ومعه تفسير الجلالين للسيوطي والتبيان للعكبري (ضمن مجلد واحد) البابي الحلبي وشركاه بمصر. 159 - فرائد اللآل في مجمع الأمثال، للشيخ إبراهيم السيد علي الأحدب الطبعة الكاثوليكية، بيروت، 1312 هـ. 160 - فصل المقال في شرح كتاب الأمثال لأبي عبيد البكري تحقيق الدكتور عبد المجيد عابدين والدكتور إحسان عباس، جامعة الخرطوم، الطبعة الأولى 1958 م. 161 - فهرس مخطوطات دار الكتب الظاهرية (علوم اللغة العربية: اللغة، البلاغة العروض، الصرف) وضعته أسماء حمصي، مطبوعات مجمع اللغة العربية بدمشق 1393 هـ - 1973 م. 162 - فهرس مخطوطات دار الكتب الظاهرية (علوم اللغة العربية، النحو) وضعته أسماء حمصى، مطبوعات مجمع اللغة العربية بدمشق، 1393 هـ - 1973 م. 163 - الفهرست لابن النديم محمد بن إسحاق المكتبة التجارية الكبرى مصر، 1348 هـ. 164 - فوات الوفيات لمحمد بن شاكر الكتبي، تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد، مكتبة النهضة، مطبعة السعادة بمصر. 165 - قائمة حصر المخطوطات العربية بدار الكتب والوثائق القومية المصرية، المخطوطات المبدوءة بحرف الكاف، مايو 1974 م. 166 - القاموس المحيط للفيروزآبادي هـ مصطفى البابي الحلبي وأولاده بمصر المطبعة الثانية، 1371 هـ - 1952 م.
167 - الكافية في النحو لابن الحاجب هـ (ضمن كتاب مجموع مهمات المتون) مطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده الطبعة الرابعة 1369 هـ - 1949 م. 168 - الكامل في اللغة للمبرد (محمد بن يزيد) تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم والسيد شحاتة، دار نهضة مصر للطباعة والنشر. 169 - الكتاب لسيبويه (عمرو بن عثمان بن قنبر) تحقيق وشرح عبد السّلام محمد هارون، طبع ونشر الهيئة المصرية العامة للكتاب، إلا الجزء الثالث فهو من نشر مكتبة الخانجي بالقاهرة، الجزء الأول، الطبعة الثانية 1977 م، الجزء الثاني، الطبعة الثانية 1979، الجزء الثالث 1975 م الجزء الرابع، الطبعة الثانية 1975 الجزء الخامس، 1977 م. 170 - كتاب الأمثال، لأبي عبيد القاسم بن سلام بتحقيق د. عبد المجيد قطاش والمأمون للتراث، دار دمشق الطبعة، الأولى 1400 هـ - 1980. 171 - كتاب التعريفات للجرجاني (علي بن محمد) دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى، 1403 هـ - 1983 م. 172 - كتاب السبعة في القراءات لابن مجاهد (أحمد بن موسى)، تحقيق الدكتور شوقي ضيف الطبعة الثانية، دار المعارف، 1980 م. 173 - كتاب السلوك لمعرفة دول الملوك، للمقريزي (أحمد بن علي) قام بنشره محمد مصطفى زياده، الجزء الثاني، القسم الثاني، القاهرة، 1971 م. 174 - كتاب العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر، لعبد الرحمن بن خلدون، مكتبة المدرسة ودار الكتاب اللبناني للطباعة والنشر بيروت، 1966 م. 175 - كتاب العين للخليل بن أحمد الفراهيدي تحقيق الدكتور عبد الله درويش الجزء الأول، مطبعة العاني، بغداد، 1386 هـ - 1967 م. 176 - كتاب المعمرين لأبي حاتم السجستاني (سهل بن محمد) تحقيق جولدزيهر، طبع ليدن مطبعة بريل 1899 م. 177 - كشف الخفاء ومزيل الإلباس عما اشتهر من الأحاديث على ألسنة الناس، لإسماعيل بن محمد العجلوني الجراحي، دار إحياء التراث العربي، بيروت الطبعة الثالثة 1351 هـ. 178 - كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون، لحاجي خليفة، عني بتصحيحه وطبعه محمد شرف الدين يالتقايا، والمعلم رفعت بيلكه الكليسي، الطبعة الثالثة 1387 هـ - 1957 م وطبعه دار سعادات، الطبعة الأولى 1310 هـ). 179 - الكشف عن وجوه القراءات السبع وعللها وحججها لأبي محمد مكي بن أبي طالب القيسى تحقيق الدكتور محيي الدين رمضان، مطبوعات مجمع اللغة العربية بدمشق 1394 هـ - 1974 م.
180 - الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل للزمخشري (محمود بن عمر)، نشر دار الكتاب العربي، بيروت، لبنان). 181 - لدن ولدى بين الثنائية والثلاثية وأحكامهما النحوية، للدكتور رياض حسن الخوام، دار المعرفة الجامعية الإسكندرية بمصر 1410 هـ 1990 م. 182 - لسان العرب لابن منظور محمد بن مكرم هـ تحقيق عبد الله الكبير وزملائه دار المعارف، 1401 هـ - 1981 م. 183 - اللمع في العربية (كتاب) لابن جني تحقيق فائز فارس، دار الكتب الثقافية الكويت. 184 - المؤرخ الجغرافي أبو الفداء صاحب حماة في ذكرى مرور سبعمائة عام على ولادته. طبعه المجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب والعلوم الاجتماعية، الجمهورية العربية السورية. يشتمل على عدد من البحوث، والقصائد، 1974 م. (أبو الفداء للدكتور عبد الرحمن حميدة - عبرة من عصر أبي الفداء للدكتور قسطنطين زريق - أبو الفداء: البيئة الأمير الملك المؤرخ للدكتور سهيل زكار - منهج أبي الفداء في البحث للدكتور حسن الساعاتي - المؤرخ أبو الفداء ونزعته العلمية للدكتور كامل عياد - أبو الفداء وتعليل التاريخ للدكتور عمر فروخ - الآفاق الجغرافية عند أبي الفداء للأستاذ مصطفى الحاج إبراهيم - مذكرات أبي الفداء للدكتور نقولا زيادة - حماة في عصر أبي الفداء للأستاذ إحسان العظم - شخصية أبي الفداء في شعر ابن نباتة وصفي الدين الحلي للأستاذ وليد قنباز - أبو الفداء وتاريخه للدكتور عبد العزيز الدوري - المؤيد أبو الفداء ملكا وعالما، للأستاذين قدري الكيلاني وكامل شحادة). 185 - متن البخاري (محمد بن إسماعيل) بحاشية السندي، مطبعة عيسى البابي الحلبي وشركاه. 186 - مجاز القرآن، صنعة أبي عبيدة، معمر بن المثنى، عارضه بأصوله محمد فؤاد سزكين الطبعة الأولى، الناشر أمين الخانجي، 1374 هـ - 1954 م. 187 - مجالس ثعلب (أحمد بن يحيى، تحقيق عبد السّلام محمد هارون، الطبعة الرابعة، دار المعارف، القاهرة، 1400 هـ - 1980 م. 188 - مجمع الأمثال للميداني (أحمد بن محمد النيسابوري) تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد، الطبعة الثالثة، دار الفكر، 1393 هـ - 1972 م. (وطبعة مكتبة عبد الرحمن 1352 هـ). 189 - مجموع أشعار العرب، الجزء الأول مشتمل على الأصمعيات، الجزء الثاني مشتمل على ديواني العجاج والزفيان (ضمن مجلد واحد) والجزء الثالث مشتمل على ديوان رؤبة بن العجاج وأبيات مفردة منسوبة إليه (ضمن مجلد واحد)، تصحيح وليم بن الورد البروسي طبع في ليبزيغ، برلين، 1903 م.
190 - مجموعة الشافية من علمي الصرف والخط، يحتوي المجلد الأول على متن الشافية وشرح العلامة الجاربردي (أحمد بن الحسن) وبهامشه حاشية ابن جماعة، وحاشية حسين الرومي (الدرر الكامنة على شرح الجابردي) ويحتوي المجلد الثاني على شرح الشافية لنقره كار (عبد الله العجمي) ومناهج الكافية على شرح الشافية للشيخ زكريا الأنصاري، ومنظومة الشافية وشرحها للسيد الشريف الكرماني. عالم الكتب، بيروت، مصورة عن طبعة 1310 هـ. 191 - المحتسب في تبيين وجوه شواذ القراءات والايضاح عنها لأبي الفتح عثمان بن جني تحقيق على النجدي ناصف، والدكتور عبد الفتاح إسماعيل شلبي. المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، لجنة إحياء التراث الإسلامي القاهرة 1389 هـ - 1969 م. 192 - مختصر شرح الجامع الصغير للمناوي (وهو شرح عبد الرؤوف المناوي على كتاب الجامع الصغير من أحاديث البشير النذير للسيوطي) تحقيق وشرح مصطفى محمد عمارة الطبعة الأولى عيسى البابي الحلبي وشركاه 1377 هـ - 1954 م. 193 - المختصر في أخبار البشر لأبي الفداء (إسماعيل بن علي) وبذيله تاريخ ابن الوردي، دار الطباعة بالقسطنطينية، 1286 هـ. 194 - المخصص لابن سيدة (علي بن إسماعيل) المطبعة الأميرية ببولاق مصر، الطبعة الأولى، 1216 هـ. 195 - المرتجل لابن الخشاب عبد الله بن أحمد تحقيق علي حيدر، منشورات دار الحكمة بدمشق 1392 هـ - 1972 م. 196 - المزهر في علوم اللغة وأنواعها، لجلال الدين السيوطي، تحقيق محمد أحمد جاد المولى وزملائه، مطبعة عيسى البابي الحلبي وأولاده. 197 - المساعد على تسهيل الفوائد، لابن عقيل، تحقيق د. محمد كامل بركات - مركز البحث العلمي وإحياء التراث الإسلامي مكة المكرمة 1400 هـ - 1980 م. 198 - المستشرقون لنجيب العفيفي، الطبعة الثالثة، دار المعارف بمصر 1964 م. 199 - المستقصى في أمثال العرب لمحمود بن عمر الزمخشري، الطبعة الثانية، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، 1397 هـ - 1977 م. 200 - المسند للإمام أحمد بن حنبل، شرحه ووضع فهارسه أحمد محمد شاكر، دار المعارف للطباعة والنشر بمصر، 1367 هـ - 1948 م وطبعة المكتب الإسلامي 1398 هـ - 1978 م. 201 - المصباح المنير في غريب الشرح الكبير للرافعي، تأليف الفيومي (أحمد بن محمد) توزيع دار الباز مكة المكرمة. 202 - معاني الحروف لعلي بن عيسى الرماني تحقيق الدكتور عبد الفتاح إسماعيل شلبي، دار نهضة
مصر للطبع والنشر، القاهرة. 203 - معاني القرآن ليحيى بن زياد الفراء الجزء الثاني تحقيق ومراجعة الأستاذ محمد علي النجار، الدار المصرية للتأليف والترجمة، مطابع سجل العرب، القاهرة الجزء الثالث تحقيق الدكتور عبد الفتاح شلبي مراجعة الأستاذ علي النجدي ناصف، الهيئة المصرية العامة للكتاب 1972 م. 204 - معجم الأدباء، لياقوت الحموي، مطبوعات دار المأمون مكتبة عيسى البابي الحلبي وشركاه بمصر. 205 - معجم الأطباء من سنة 650 هـ، إلى يومنا هذا (ذيل عيون الأنباء في طبقات الأطباء لابن أبي أصيبعه) الدكتور أحمد عيسى بك جامعة فؤاد الأول، كلية الطب الطبعة الأولى، 1361 هـ - 1942 م. 206 - معجم البلدان، لياقوت الحموي، دار صادر، دار بيروت، 1374 هـ - 1955 م. 207 - معجم الشعراء لأبي عبيد الله محمد بن عمران المرزباني ومعه كتاب المؤتلف والمختلف في أسماء الشعراء وكناهم للحسن بن بشر الآمدي، تصحيح الأستاذ الدكتور ف. فرنكو، نشر مكتبة القدس، 1354 هـ. 208 - معجم شواهد العربية، تأليف عبد السّلام محمد هارون، الطبعة الأولى مكتبة الخانجي بمصر 1392 هـ - 1972 م. 209 - معجم ما استعجم من أسماء البلاد والمواضع لأبي عبيد البكري (عبد الله بن عبد العزيز) تحقيق مصطفى السقا، الطبقة الأولى، 1364 هـ - 1371 هـ - 1945 م - 1951 م. 210 - معجم المؤلفين لعمر رضا كحالة، مطبعة الترقي، نشر المكتبة العربية بدمشق 1376 هـ - 1957 م. 211 - المعرب من الكلام الأعجمي على حروف المعجم، لأبي منصور الجواليقي (موهوب بن أحمد) تحقيق أحمد محمد شاكر، مطبعة دار الكتب المصرية الطبعة الثانية، 1389 - 1969 م. 212 - مغني اللبيب عن كتب الأعاريب لابن هشام الأنصاري. تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد مكتبة ومطبعة محمد على صبيح وأولاده بميدان الأزهر. 213 - مفتاح السعادة ومصباح السيادة في موضوعات العلوم، تأليف أحمد بن مصطفى الشهير بطاش كبرى زادة، مراجعة وتحقيق كامل كامل بكري عبد الوهاب دار الكتب الحديثة. 214 - مفتاح العلوم، لأبي يعقوب يوسف السكاكي، مصطفى البابي الحلبي وأولاده بمصر الطبعة الأولى، 1356 هـ - 1937 م. 215 - المفصل للزمخشري (محمود بن عمر) وبذيله كتاب المفضل في شرح أبيات المفصل للسيد
محمد بدر الدين النعساني الحلبي، الطبعة الثانية، دار الجبل للنشر والتوزيع والطباعة، بيروت، لبنان. 216 - المفضليات للمفضل بن محمد الضبي، تحقيق أحمد محمد شاكر وعبد السّلام هارون، دار المعارف، الطبعة السادسة. 217 - المقاصد الحسنة في بيان كثير من الأحاديث المشتهرة على الألسنة لمحمد بن عبد الرحمن السخاوي، صححه عبد الوهاب عبد اللطيف، وعبد الله محمد الصديق مكتبة الخانجي بمصر ومكتبة المثنى ببغداد، 1375 هـ - 1956 م. 218 - المقتضب للمبرد (محمد بن يزيد) تحقيق الشيخ عبد الخالق عضيمة، المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، لجنة إحياء التراث الإسلامي، الأجزاء الأربعة الصادرة ما بين 1382 هـ - 1399 هـ. 219 - المقرب لابن عصفور (علي بن مؤمن) تحقيق أحمد عبد الستار الجواري، وعبد الله الجبوري، مطبعة العاني، الطبعة الأولى بغداد 1392 هـ - 1972 م. 220 - المقصور والممدود، لابن ولاد (أحمد بن محمد) عني بتصحيحه السيد محمد بدر الدين النعساني، مطبعة السعادة الطبعة الأولى، 1326 هـ - 1908 م. 221 - الممتع في التصريف لابن عصفور، تحقيق للدكتور فخر الدين قاوه، منشورات دار الآفاق الجديدة الطبعة الرابعة، بيروت 1399 هـ - 1979 م. 222 - منال الطالب في شرح طوال الغرائب لابن الأثير تحقيق د. محمود الطناحي، مركز البحث العلمي، جامعة أم القرى 1399 هـ - 1979 م. 223 - المنتخب من غريب كلام العرب لكراع (علي بن الحسن الهنائي) تحقيق د. محمد بن أحمد العمري. مركز إحياء التراث الإسلامي، مكة المكرمة. الطبعة الأولى 1409 هـ - 1989 م. 224 - المنقوص والممدود ليحيى بن زياد الفراء ومعه كتاب التنبيهات على أغاليط الرواة لعلي بن حمزة البصري، تحقيق عبد العزيز الراجكوتي دار المعارف بمصر 1977 م. 225 - المنصف (شرح كتاب تصريف المازني) لأبي الفتح عثمان بن جني، تحقيق إبراهيم مصطفى وعبد الله أمين مطبعة مصطفى البابي الحلبي، الطبعة الأولى 1373 هـ - 1954 م. 226 - موسوعة السنة (صحيح البخاري) أشرف عليه د. بدر الدين جين - دار سحنون تونس. 227 - الموطأ للإمام مالك تصحيح محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء التراث العربي 1370 هـ - 1951 م. 228 - النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة، تأليف جمال الدين يوسف بن تغري بردي الأتابكي طبعة مصورة عن طبعة دار الكتب المصرية وزارة الثقافة والإرشاد القومي. 229 - النحو الوافي لعباس حسن، دار المعارف الجزء الأول والرابع الطبعة السادسة 1979 م.
الدوريات
230 - نزهة الألباء في طبقات الأدباء لأبي البركات عبد الرحمن الأنباري تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، دار نهضة مصر للطبع والنشر، الفجالة القاهرة 1386 هـ - 1967 م. 231 - النشر في القراءات العشر لابن الجزري (محمد بن محمد) تصحيح علي محمد الضباع، مطبعة مصطفى محمد بمصر. 232 - النهاية في غريب الحديث والأثر لأبي السعادات المبارك بن محمد بن محمد الجزري المعروف بابن الأثير ومعه الدار النثير تلخيص نهاية ابن الأثير للسيوطي وبالهامش كتابان أحدهما مفردات الراغب الأصفهاني في غريب القرآن وثانيهما تصحيفات المحدثين في غريب الحديث للحافظ أحمد الحسن بن عبد الله العسكري طبع بالمطبعة الخيرية، مصر، القاهرة. 233 - النوادر في اللغة لأبي زيد سعيد بن أوس الأنصاري، تعليق سعيد خوري الشرتوني الناشر دار الكتاب العربي، الطبعة الثانية، بيروت، لبنان 1387 هـ - 1967 م. 234 - نوادر المخطوطات العربية في مكتبات تركيا، جمعها الدكتور رمضان ششن، دار الكتاب الجديد، الطبعة الأولى، بيروت، لبنان، 1975 م. 235 - هاشميات الكميت بن زيد الأسدي، تحقيق جوزيف هورفتز، ليدن، 1904 م. 236 - هدية العارفين وأسماء المؤلفين وآثار المصنفين لإسماعيل البغدادي، طبع بعناية وكالة المعارف الجليلة، استامبول، 1951 م. أعادت طبعة بالأوفست مكتبة المثنى ببغداد. 237 - همع الهوامع شرح جمع الجوامع في علم العربية، لجلال الدين السيوطي تصحيح محمد بدر الدين النعساني، دار المعرفة للطباعة والنشر بيروت، لبنان. 238 - الوافي بالوفيات للصفدي (صلاح الدين خليل بن أيبك) الجزء الثاني بعناية مس. ديدرينغ، 1394 هـ - 1974 م. الجزء التاسع بعناية يوسف فان أس، دار النشر شتناير بفيسبادن 1393 هـ - 1973 م. 239 - وفيات الأعيان وأنباء الزمان، لابن خلكان (أحمد بن محمد) تحقيق إحسان عباس، دار الثقافة، بيروت، لبنان. ب - الدوريات 1 - الكشافات التحليلية للمجلدات الخمسة الأولى لمجلة المورد 1971 - 1976 م. عوض محمد الدوري، وزارة الثقافة والفنون العراقية، دار الجاحظ دار الحرير للطباعة، بغداد 1398 هـ - 1978 م. 2 - المورد، وزارة الأعلام، الجمهورية العراقية، المجلد الثاني، العدد الثاني حزيران 1973 م. ج - الرسائل الجامعية 1 - الأسرار الصافية والخلاصات الشافية في كشف المقدمة الكافية القسم الثاني - قسم المبنيات -
المخطوطات
للنجراني (إسماعيل بن إبراهيم بن عطية المتوفى 714 هـ) تحقيق عبد الهادي أحمد محمد الغامدي جامعة أم القرى - كلية اللغة العربية. 2 - تهذيب إصلاح المنطق ليحيى بن علي الخطيب التبريزي تحقيق فوزي سعود رسالة دكتوراة إشراف الدكتور محمود فهمي حجازي جامعة القاهرة، 1397 هـ - 1977 م. 3 - كتاب شرح الجمل الكبرى لابن هشام الأنصاري، دراسة وتحقيق علي توفيق محمد الحمد رسالة ماجستير إشراف الدكتور سيد يعقوب بكر والدكتور محمود فهمي حجازي، جامعة القاهرة، 1396 هـ - 1976 م. 4 - المقصور والممدود لأبي علي القالي تحقيق أحمد عبد المجيد هريدي، رسالة ماجستير إشراف الدكتور كامل جمعة، جامعة القاهرة. د - المخطوطات 1 - الإيضاح في شرح المفصل لابن الحاجب (عثمان بن عمر المتوفى 646 هـ) مكتبة البلدية الإسكندرية تحت رقم 545/ 2343 ب نحو. 2 - التبر المسبوك في تواريخ أكابر الملوك لأبي الفداء إسماعيل بن علي المتوفى 732 هـ. دار الكتب المصرية، تحت رقم 547 تاريخ. 3 - شرح الشافية للحسن بن محمد بن شرفشاه الاستراياذي المتوفى 715 هـ دار الكتب المصرية، تحت رقم 5731 هـ. 4 - شرح الكافية لتقي الدين النيلي (من أهل القرن السابع) دار الكتب المصرية، تحت رقم 348 نحو. 5 - شرح كافية ابن الحاجب للغجدواني يليه رسالة في مسألة الكحل مجهولة المؤلف، مكتبة البلدية، الاسكندرية تحت رقم 2661 د، نحو. 6 - شرح الكافية الكبير (المسمى بالبسيط) للحسن بن محمد بن شرفشاه الاستراباذي المتوفى 715 هـ، دار الكتب المصرية، تحت رقم 329 نحو تيمور. 7 - فوائد وافية بحل مشكلات الكافية، لملا جامي، مكتبة البلدية، الاسكندرية تحت رقم 5585/ 5135 د - نحو. 8 - كناش المحاسني (إسماعيل المحاسني المتوفي 1102 هـ)، دار الكتب المصرية تحت رقم 677 أدب تيمور. 9 - كناشه في الطب لم يعلم جامعها، دار الكتب المصرية، تحت رقم 577 طب طلعت. 10 - المنهل الصافي والمستوفى بعد الوافي ليوسف بن تغري بردي، دار الكتب المصرية تحت رقم 1945 تاريخ. 11 - الوافية في شرح الكافية (المسمى بالمتوسط) للحسن بن محمد بن شرفشاه الاستراباذي المتوفى 715 هـ، دار الكتب المصرية، تحت رقم 287 نحو قولة.