الكتيبة الكامنة في من لقيناه بالأندلس من شعراء المائة الثامنة

لسان الدين بن الخطيب

الكتيبة الكامنة في من لقيناه بالأندلس من شعراء المائة الثامنة

تمهيد هذا هو الكتاب الثامن في هذه السلسلة التي أطلقنا عليها اسم " المكتبة الأندلسية " نقدمه للقراء والباحثين الذين أيدوا عملنا بالإقبال عليه، وتقدير ما نبذله من جهد في جانبي الدراسة والبحث ونشر الأصول التي احتاجها الدارسون والباحثون. وكل ما نرجو أن نمضي قدماً؟ بتوفيق من الله وعونه؟ في خدمة تراثنا العربي، داعين إخواننا المهتمين بأدب الأندلس وتاريخها؟ أينما كانوا؟ إلى الإسهام في هذا العمل، إذ أننا لا ندعي القدرة على الاضطلاع بكل ما تحتاجه المكتبة الأندلسية من خدمات وتضحيات، وإن كنا آلينا على أنفسنا أن لا نوفر جهداً في هذا السبيل. وقد كان تحقيق هذا الجزء من المكتبة الأندلسية ثمرة بفضل إخواني المغاربة في الرباط، الذين أمدوني بثلاث مخطوطات مما يحتفظون به في خزائنهم العامرة، فأنا أحب أن أسجل لهم هنا اعترافي بجميلهم، متوجهاً بشكري الخالص الوفير للأستاذ عبد الله الرجراجي مدير الخزانة العامة بالرباط؛ وأما أصدقائي العلماء الأجلاء الأستاذ محمد العابد الفاسي

والأستاذ إبراهيم الكتاني والأستاذ محمد المنوني، فأني اعجز عن أن أفيهم حقهم من الشكر على الحفاوة التي تلقوني بها في المغرب العربي في صيف عام 1962 وعلى المساعدة التي بذلوها من اجلي، حفظهم الله ورعاهم وجزاهم عني خير جزاء. لقد كتب لسان الدين بن الخطيب هذا الكتاب ليهديه للمشارقة، وإنما اقتدي بكرم نفسه حين اهديه - بعد تحقيقه - لأخواني في المغرب، وان على يقين من إننا جميعا نتعاون على خدمة تراث عربي مشترك. وان ليس هنالك ما يقال فيه إزاء العاملين في ميدان العلم: هذا تراث مغربي فهو وقف على المغاربة وذاك تراث مشرقي فهو وقف على المشارقة وقد كنت أرجو لفضل أخواني في المغرب أن لا يقنع لي بالنغبة اليسيرة من معين تراثهم الغزير وان لا يستكثروا علي الإخلاص في إظهار دورهم في تاريخ الأدب والحضارة العربيين وقد كنت اطمع في كرمهم وعونهم على ما بين يدي من دراسات تعطل جانب كبير منها لظنهم بما اعتقد انه حق للدارسين جميعا ومن الغبن أن يؤخذ المرء بجريرة غيره واشد الظلم ظلم عبقري ينالك من صديق وما سمحت لنفسي بهذا العتاب إلا إبقاء على صداقة اعتز بها والله يحفظهم من كل سوء؟. بيروت في 15 أيلول (سبتمبر) 1963

مقدمة

مقدمة - 1؟ في غرة جمادى الآخرة من سنة 773 جاز لسان الدين بن الخطيب إلى سبتة، تاركاً أعباء الوزارة بالأندلس مفارقاً المال والولد والجاه، فاراً إلى ما يرجوه من حياة هادئة مطمئنة في ظل السلطان المريني أبي فارس عبد العزيز. وقد كانت هجرته تلك وليدة أزمة نفسية طالت به معاناتها إلى أن وضح له المنهج واستبانت الطريق. وقد كشف هو عن هذه الأزمة في عهد مبكر حين كتب إلى الشيخ أبي عبد الله ابن مرزوق رسالة يعذله فيها على جنوحه إلى خدمة الدولة ونزوعه إلى الدنيا ويصور فيها مكاره الحياة السياسية ومكايدها وقد علق ابن مرزوق عليها حين قراها بقوله: " والعجب كل العجب أن جميع ما خاطبني به - أبقاه الله تعالى - تحلى به اجمع وابتلي بما منه حذر فكأنه خاطب نفسه وانذرها بما وقع له فالله تعالى يحسن له الخاتمة والخلاص " (1) . ولعل مما زاد في حدة تلك الأزمة النفسية انتشاب لسان الدين في التصوف قولا

_ (1) النفح 7: 80.

يحفزه إلى الرياضة العملية، والى التجرد عن الدنيا. وقد صور دواعي هذه الأزمة في رسالته إلى الغني بالله سلطان الأندلس حين فارقه، وفي رسالة إلى ابن خاتمة حين عذله على اعتزام الهجرة، وفي كتابة أعمال الأعلام، وفي مقدمة الكتيبة الكامنة، فتحدث عن رغبته في الراحة والذهاب إلى مكة وإيثاره للآخرة على الدنيا فقال في رسالته لابن خاتمة: " أني إلى الله تعالى مهاجر، وللعرض الأدنى هاجر، ولأضعان السرى زاجر، لنجد - إن شاء الله تعالى - وحاجر " (1) وفي رسالته للغني بالله يقول: " طرقته الأفكار وزعزعت صبره الرياح الخواطر وتذكر أشراف العمر على التمام وعواقب الاستغراق وسيرة الفضلاء عند شمول البياض فغلبته حال شديدة هزمت التعشق بالشمل الجميع والوطن المليح والجاه الكبير والسلطان القليل النظير وعمل بمقتضى قوله: موتوا قبل أن تموتوا " (2) . وكان الذي أيأسه من حياة السياسة تغير النفوس عليه لما بلغه من مكانة واستقلال في النظر وبسطة في النفوذ، فكثرت السعايات وتنكر له من كان هو سببا في تقريبهم ورفع جاههم، وسيطر الحسد على بعض النفوس، ولم يكن هو غافلا عما يجري من حوله، فهو يقول في وصف هذه الظاهرة: " وصرت انظر إلى الوجوه فالمح الشر في نظراتها، واعتبر الكلمات فأتبين الحسائف في لغاتها، والضغينة في كل يوم تستحكم والشر يتضاعف، ونعمة الولد تطلق لسان الحسود، وشبح الكلاب المطيفة تهيج حسائف النمور الجائعة والأسود، والأصحاب الذين تجمعهم المائدة كل يوم وليلة يفتنون في الإطراء والمديح وتحسين القبيح والمحاولات في الغي

_ (1) النفح 8: 143. (2) التعريف بابن خلدون: 148 - 149.

والتقرب بالسعي، انظر إليهم يتناقلون الإشارات بالعيون والمغامزة بالجفون والمخاطبة باللغوز، فإذا انصرفوا صرف الله قلوبهم فقلبوا الأمور ونقلوا العيوب وافسدوا القلوب وتعللوا بالأحلام وقواطع الأحكام " (1) . ولقد قضى ابن الخطيب في هذا الجو المكفهر فترة من الزمن وهو فريسة للخوف والحذر، نهبة للتلوم النفسي والتردد، وكلما خلا إلى نفسه جعل يخاطبها قائلا: " يا مشئومة! أما تشعرين لما نزل بك، حملت هذا الكل على ضعفك، وأوسعت هذا الشغب في فكرك.. وتعرضت لان تسخطي الطالب الممنوع بخيبته، وتسخطي المعطى بما يرى انك قد منعته الزيادة في عطيته، وتسخطي الأجنبي بالقبول على عدوه؟ وتسخطي الجاني بإنفاذ العقوبة في جنايته؟ وتسخطي الجيش باختباره وعرضه؟ وتسخطي الرعية باستقصاء الجباية " (2) .. وجاءت اللحظة الحاسمة التي وجد فيها أن الفرار أمر محتوم، وهي لحظة عبر عنها لسان الدين " بالعجز " حين قال للغني بالله " ونختم لكم هذه الغزارة بالحلف الأكيد: أني ما تركت لكم وجه نصيحة في دين ولا في دنيا ألا وقد وفيتها لكم ولا فارقتكم ألا عن عجز " (3) ، وهذا التصريح يدل على الحقيقة النفسية الكامنة التي كانت تتعلل بالماضي والمستقبل، أما الماضي فقد لفه لسان الدين في ثوب من الترفع عن الكسب وجمع المال وجعله كله عملا مخلصا ممتدا في الزمان، استطاع فيه أن يؤمن للدولة أسبابها ويطمئن على صاحبه، بإرضاء الجند وعقد المعاهدات مع الاعداء، وتكثير الأصدقاء، وأما المستقبل فسوف يكون هجرة إلى الله تعالى وزيارة لمكة وقبر

_ (1) أعمال الأعلام: 316. (2) المصدر نفسه: 315. (3) التعريف بابن خلدون: 152.

الرسول، ولكن كلمة العجز كانت تدل على أن لا خيار ثمة، وان الاضطرار هو القوة الداعية إلى التحول، وهون الرجل على نفسه مفارقة الأهل والوطن بأنه لا يفر لذنب اقترفه وإنما خلف " الوسائل المرعية والآثار الخالدة والسير الجميلة " وانه - أن فسح الله له في الآجل - يود العودة إلى وطنه. ولم يفده الإلحاح على سلطانه بان يأذن له بالسفر فعمد إلى اصطناع جفاء يثير غضبه، والسلطان يعد ذلك إدلالا ويعتذر عما يفعله صاحبه. وعندئذ قرر لسان الدين أن يخفي أمر فراره، فاتصل بالسلطان المريني واخذ منه عهدا بالإقامة في كنفه، وبتمكينه من الحج والزيارة، واستأذن الغني بالله في تفقد الثغور " وسار إليها في لمة من فرسانه، وكان معه ابنه علي الذي كان خالصة للسلطان، وذهب لطيته فلما حاذى جبل الفتح، فرضة المجاز إلى العدوة مال إليه، وسرح أذنه بين يديه فخرج قائد الجبل لتلقيه، وقد كان السلطان عبد العزيز أوعز إليه بذلك وجهز له الأسطول من حينه، فأجاز إلى سبتة وتلقاه ولاتها بأنواع التكرمة وامتثال المراسم " (1) . وقد عيره أعداؤه من بعد بفراره وبهذه الخدعة التي اختارها، فقال القاضي النباهي في رده عليه: " ثم وريتم بتفقد ثغر الجزيرة الخضراء، مكرا منكم، فلما بلغتم ارض الجبل انحرفتم عن الجادة وهربتم بأثقالكم الهروب الذي أنكره عليكم من بلغه حديثكم - أو يبلغه إلى آخر الدهر - في العدوتين من مؤمن وكافر وبر وفاجر " (2) . أما بقية التهم التي وجهها النباهي إلى ابن الخطيب فتتلخص في إخلاد

_ (1) تاريخ ابن خلدون 7: 335، والنفح 8: 30 - 31. (2) النفح 7: 56.

هذا الثاني إلى الدنيا بالاستكثار من العقار والبناء، وانه إنما هرب من الأندلس لأنه يمد عينيه إلى التمتع بغيرها، مع أن الأندلس دار رباط لا يستحب للرجل المؤمن أن يتركها إلا إلى مكة أو طيبة أو بيت المقدس. وسرد النباهي بعض القضايا التي تدل على تدخل ابن الخطيب في نزاهة القضاء، واتهم لسان الدين بالعبث في " الابشار والأموال وهتك الأعراض وإفشاء الأسرار وكشف الأستار واستعمال المكر والحيل والغدر في غالب الأحوال للشريف والمشروف والخادم والمخدوم " (1) ، ولم ينس النباهي إن يوجه إلى ابن الخطيب تهمة الطعن في الشريعة والوقوع في جناب الرسول الكريم، وانه نقلت عنه في ذلك أشياء منكرة، وانه متأثر في ذلك بأستاذه وشيخه المستخف ابن هذيل منك علم الجزئيات القائل بعدم قدرة الرب - جل اسمه - على جميع الممكنات. وما كان القاضي النباهي إلا واحدا من أولئك الذين ارصدوا العداوة والشنآن لابن الخطيب، ولعله آثار عليه كثيرا من القلوب، بما يروجه من نقد لتصرفاته، وكذلك كان تلميذه ابن زمرك من اشد الناس طعنا عليه وكيدا له، ومثلهما في ذلك ربيبه احمد بن سليمان بن فركون، - في اغلب الظن - وغير هؤلاء ممن كان لسان الدين قد رشحهم للمناصب ومكنهم منها، وكان هذا كله في نظر لسان الدين تنكرا للجميل، وعضا ليد المحسن الكريم، ولذلك عبر عن موقفه من الحياة السياسية بالعجز واثر الفرار. فوصل الباب العزيزي - أي باب السلطان عبد العزيز - بتلمسان في 19 رجب سنة 773: " فتلقاني بما يليق بحسبه وشرف مذهبه: من اركاب الحجبة ورعي الوسيلة ودنو الجلسة واجراء

_ (1) المصدر نفسه: 55.

النعمة ". وكتب إلى سلطان الأندلس في استقدام أولاد ابن الخطيب أهله، فأرسلهم إليه. إلا إن السعاية ضده لم تفتر، وذلك - حسبما يعتقد لسان الدين - كي يأمن أعداؤه عودته إلى الأندلس، ومال السلطان إلى رأي الوشاة والأعداء فقام النباهي بإصدار فتوى توجب حرق كتب لسان الدين لأنها تنطوي على الزندقة فحرقت، وصودرت أملاكه، واستحثت السلطان المريني على تسليمه لإجراء العقوبة عليه بسبب الإلحاد فأبى، وقال لرسل ابن الأحمر: " هلا أنقذتم فيه حكم الشرع وهو عندكم، وانتم عالمون بما كان عليه ". ويقول لسان الدين في التعليق على هذه الحال (1) : " وكنت لغروري بالزمان، وثقتي منه بالأمان أظن أن لا سبيل للدهر علي، ولا تطرق له ألي، وان مفارقتي لمن بالأندلس إنما هي مفارقة أب لولد، وقلب لخلد، وان عقاري الموروث والمكتسب جار مجرى الوقف الذي لا يبدل، وصريح الشريعة الذي لا يتأول، وان فوائده تلحق بي حيث كنت من المعمور، فلا أكلف رزقا جهدا لغرور " (2) . - 2 - توفي السلطان أبو فارس عبد العزيز أو " دك الجبل العاصم من الطوفان، والممسك للأرض عند الرجفان " في شهر ربيع الآخر سنة 774هـ؟. وانتقل ابن الخطيب من تلمسان إلى فاس مع الوزير أبي بكر ابن غازي الوصي على

_ (1) تاريخ ابن خلدون 7: 335. (2) أعمال الأعلام، 319 - 320.

السلطان الابن - لم يحج كما انتوى حين هاجر من الأندلس، ولم يعتزل الدنيا والحياة السياسية، بل انه حين أقام بفاس استكثر من شراء الضياع وتأنق في بناء المساكن واغتراس الجنات (1) واخذ يستغل الحال التي تمخضت عنها الأزمة النفسية والهجرة استغلال المؤلف الذي لا يزال مورط الخواطر في العداوة الفردية وفي التقلبات السياسية. ففي حياة السلطان عبد العزيز آلف له كتابه " المباخر الطيبة في المفاخر الخطيبية " يذكر فيه نباهة سلفه وما لهم من المجد، وقصده الرد على أهل الأندلس المجاهرين له بالعداوة القادحين في فخر سلفه (2) ألف للسلطان المذكور كتابا آخر اسماه: " خلع الرسن في التعريف بأحوال ابن الحسن " جمع فيه نوادر وحكايات عن النباهي، وقال في وصف الكتاب " انه لاشيء فوقه في الظرف والاستطراف يسلي الثكالي، ونستغفر الله تعالى " (3) . وفي جمادى الآخر من سنة 774 كان يكتب كتابه هذا الذي سماه: " الدرر الكامنة في من لقيناه بالأندلس من شعراء المائة الثامنة "، أي كان تأليفه له بعد نحو ثلاثة اشهر من وفاة السلطان عبد العزيز (4) وسأتحدث

_ (1) تاريخ ابن خلدون 7: 108. (2) النفح 7: 108. (3) المصدر نفسه. (4) اخطأ الأستاذ محمد عبد الله عنان حين ظن أن هذا الكتاب من أوائل مؤلفات ابن الخطيب وانه وضعه في شبابه ولما يتجاوز الخامسة والعشرين (انظر مقدمة الإحاطة 1: 69) وإنما الذي أوقعه في الخطأ أن النسخة الخطية بالجزائر تحمل فيما يقوله كوديرا تاريخ سنة 738، هذا مع أن لسان الدين ذكر في درج كتابه، تاريخ العمل في ذلك الكتاب، وعلى هذا فهناك وهم لا ادري من أين جاء اهو من ناسخ نسخة الجزائر أو من الأستاذ كوديرا أو من الأستاذ عنان، ومن المعقول أن تكون نسخة الجزائر قد كتبت عام 783 أي بعد سنوات قليلة من وفاة المؤلف (أو837) ولا يمكن مجال أن يكون التاريخ 738 صحيحا.

بعد قليل عن هذا الكتاب حديثا مفصلا. لما توفي السلطان أبو فارس عبد العزيز واصبح الآمر بيد ابن غازي الوزير صديق لسان الدين والوصي على ابن صغير من أبناء السلطان هو أبو زيان محمد السعيد، كثرت القالة في الوزير لأنه بايع صبيا وقال الطامحون والمعترضون في الأندلس والمغرب أن البيعة له لا تجوز فألف لسان الدين انتصارا لصديقه كتاب " أعمال الأعلام في من بويع قبل الاحتلام من ملوك الإسلام " (1) وفيه يقول رادا على أهل الأندلس: " فمتى نبس أهل الأندلس بإنكار بيعة صبي صغير، أو نيابة صاحب أو وزير فقد عموا وصموا، وخطروا بربع الأنصاف فاعرضوا وما الموا، وبما سنوه لغيرهم ذموا " (2) . كل هذا وابن الأحمر لا يفتر عن المطالبة بابن الخطيب وقد فسد ما بين البلاطين - بلاط غر ناطة وبلاط فاس - بسبب تمسك الوزير ابن غازي بحماية صديقه وعدم إسلامه إلى أعدائه، واتصلت كتب ابن زمرك بابي العباس المستنصر ووزيره محمد بن عثمان تحثه على الثورة وخلع الصبي أو اسط عام 775، وانتصر أبو العباس في هذه الحركة في أوائل 776، فتحقق لبلاط غر ناطة ما يريده، إذ قبض السلطان الجديد على لسان الدين، أودع السجن، وأرسل الخبر بذلك إلى ابن الأحمر، فأرسل كاتبه ابن زمرك إلى فاس، وعقد لابن الخطيب مجلس وبخ فيه وعذب على مشهد من الملأ، ثم دس له أحد مبغضيه من قتله في السجن خنقا ثم طرح في اليوم التالي

_ (1) سماه المقري: أعلام الأعلام بمن بويع من ملوك الإسلام قبل الاحتلام (النفح 7: 107) ثم أورد اسمه كما ذكرناه هنا (9: 307) . (2) المصدر نفسه.

وقد جمعت حول جثته أعواد أضرمت عليه نار فاحترق شعره واسودت بشرته ثم أعيد إلى حفرته، بمقبرة باب المحروق بمدينة فاس (1) . - 3 - قلت أن ابن الخطيب كان يكتب " الكتيبة الكامنة " في جمادى الآخرة من عام 774، وعمدتي في ذلك ما قاله هو في كتابه " الورقة: 85ب ": " وكل من ذكر إلى هذا الحد من المشايخ والإعراب، وقد تسابقوا تسابق العراب إلى التراب؟ ومن يجري ذكره بعد هذا فهم بقيد الحياة لتمام جمادى الآخرة عام أربعة وسبعين وسبعمائة ". وتدل مقدمته للكتاب أيضا على انه كتبه وهو في سن عالية، وانه كان قد تخلى عن الحياة السياسية واستكمل دوره: " واستوعبت من صحبة المغرب حصتي، وختمت بالدعاء قصتي، ونزلت عن منصتي، وابتلعت غصتي ". لكن يبقى هنالك أشكالا لابد من أثارته، وهو أن لسان الدين ذكر كتابه: " الكتيبة الكامنة في أدباء المائة الثامنة " في ثبت كتبه الذي أورده في كتاب الإحاطة (2) . ونحن نعلم أن ابن الخطيب بدا تأليف الإحاطة في دور مبكر من حياته لعله يرقى إلى عام 755هـ؟. ألا أن هذا الأشكال ينتفي إذا نحن تذكرنا أن الإحاطة لم يكتب دفعة واحدة، فحتى سنة 763 كان ابن الخطيب قد جعله في مجلدات ستة،

_ (1) تاريخ ابن خلدون 7: 341 والنفح 7: 38 - 39. (2) النفح 8: 303.

قال ابن الأحمر: " ولما عاد ابن الخطيب إلى الأندلس بعودة جدنا الغني بالله تعالى ملكه عام ثلاثة وستين وسبعمائة، تلاحقت الفروع من كتاب الإحاطة بالأصول، أنجز من التبحر فيه الوعد الممطول، ووضعت بخناقاه سعيد السعداء النسخة المتممة من اثني عشر سفرا " (1) . وفي تراجم الإحاطة ما يشير إلى أن المؤلف ظل يضيف إليها حتى عام 771هـ ولا نستبعد أن يكون قد زاد فيها بعد ذلك وكان مما زاد في ترجمته بعض ما جد من كتبه بعد هجرته من الأندلس. غير أن المقري بعد أن نقل أسماء كتبه من الإحاطة، عاد يقول: ولنذكر ما تأخر تاريخه عن الإحاطة أو أشير أليه فيها مجملا؟ وذكر في جملة هذه الكتب كتاب " الكتيبة الكامنة في شعراء المائة الثامنة "، فأنت ترى إن هذا الكتاب يذكر مرة الإحاطة ويذكر مرة في ما تأخر تأليفه عن الإحاطة مع تغيير في الاسم، ففي المرة الأولى ذكر كلمة " أدباء " وفي المرة الثانية لفظة " شعراء "، فهل الإشارة إلى كتابين أو كتاب واحد؟ أن لسان الدين لم يهتم في الكتاب الذي بين أيدينا بنثر من ترجم لهم وإنما اهتم بإيراد أمثلة من أشعارهم. ومع ذلك فإني استبعد أن يكون قد ألف كتابين باسم " الكتيبة الكامنة "، وإذا كان اهتمامه بالنثر قليلا فما ذلك ألا لأنه دون قسما كبير امن هذا النثر في كتبه الأخرى. أما تغيير العنوان والتصرف به بعض التصرف، فأمر مألوف كثيرا، وهاهو المقري نفسه يورد اسم الكتاب مرة ثالثة على النحو الآتي: " الكتيبة الكامنة في أبناء المائة الثامنة (2) ".

_ (1) المصدر نفسه: 314، وهذه النسخة المذكورة قد أودعت في الخانقاه سنة 768هـ؟؟. (انظر النفح أيضا: 312) . (2) النفح 7 - 66.

ويبدو أن تأليف هذا الكتاب إنما اقترن بإزماع ابن الخطيب أن يؤدي فريضة الحج، وانه صرف إلى المشرق وجه، واخذ يمني النفس برؤية المشاهد الكريمة، والمعاهد التي طاب ثراها " نسأل الله أن يتم علينا فضله باحتلالها، وتسكين الأشواق في ضلالها " ثم يقول معتذرا عن هديته هذه التي يحتقبها إلى المشرق: " وان كان كل جالب مثل هذا إلى البلاد المشرقية - اعز الله اهلها، وامن حزنها وسهلها - جالب نغبة إلى غدير، وحبابة إلى كاس مدير " (1) . فالكتاب في صورته العامة " تقرير " يقدمه ابن الخطيب إلى المشارقة معرفا بشعراء الأندلس المعاصرين على مثال ما فعل ابن سعيد وابن اليسع وابن دحية من قبل: " فجمعت في هذا الكتاب جملة وافرة، وكتيبة ظافرة، ممن لقيناه في بلدنا الذي طوينا جديد العمر في ظله، وطاردنا قنائص الآمال في حرمه وحله ما بين من تلقينا أفادته، أو أكرمنا وفادته، وبين من علمناه وخرجناه، ورشحناه ودرجناه، ومن اصطفيناه ورعيناه، فما أضعناه " (2) . وفي هذه النية غرض كامن، تدل عليه هذه الكلمات المقتبسة، وذلك أن الكتاب شهادة لابن الخطيب نفسه، بما كان له من مكانة وما أثار من نشاط ادبي، وما أفاض على غيره من فضل، إذ يكاد يكون محور هذا الكتاب هو ابن الخطيب نفسه، ممدوحا أو متفضلا أو مثيرا إلى القول أو مواجها بنكران الجميل. ثم أن لسان الدين كان قد كتب في عصر الشباب كتابه " التاج المحلى في مساجلة القدح المعلى " وفاته أن يذكر فيه بعض من لم يكن بلغه شئ

_ (1) الورقة: 3ب. (2) الورقة: 3 ا.

من إنتاجه، أو من شب في خدمة الأدب، بعد تأليف ذلك الكتاب فجاء كتاب الكتيبة الكامنة زيادة تعريف أو صلة للكتاب الأول، وان اعتمد لسان الدين على التاج نفسه في ذكر بعض التراجم المكررة، كما اعتمد على كتاب له آخر اسمه " الإكليل الزاهر، فيما فضل عند نظم التاج من الجواهر " فكتاب الكتيبة مع هذين الكتابين ومع رابع سماه " النقابة بعد الكفاية " كلها تمثل جانبا من جهد ابن الخطيب في تراجم الشعراء وإيراد نماذج من أشعارهم. وتلتقي هذه الكتب الأربعة في أنها تعتمد السجع محاكاة لما صنعه الفتح ابن خاقان في القلائد والمطمحين (1) . على أني المح عاملا آخر قويا حدا على تأليف هذه الكتاب وهو رغبة لسان الدين في أن يعيد النظر في تقدير الأشخاص الذين تنكروا له مثل القاضي النباهي وابن فركون وابن زمرك وأبي القاسم بن قطبة الدوسي، وان يكيل لهم من الذم ما يشفي به بعض غليله، ويصحح آراءه التي سجلها فيهم من قبل في الإحاطة وغيرها من كتبه ورسائله، وحسبك أن تقارن مثلا بين ما كتبه في ظهير بتولية ابن الحسن القضاء وفي ترجمته له في الإحاطة وفي الإشارات التي دونها عنه في مواضع أخرى منها (2) وبين ترجمته في الكتيبة " لجعسوس " (3) حتى ترى مبلغ التغير الذي أصاب نظرة ابن الخطيب نحو صديق قديم، ومثل ذلك

_ (1) انظر كلام المقري عن هذه الناحية في النفح 8: 326. (2) انظر الظهير في النفح 7: 59، وقد ذكر ابن الحسن في ترجمته للسلطان محمد بن يوسف بن نصر (الإحاطة 2: 19) فقال: ثم قدم الفقيه القاضي الحسيب أبا الحسن علي عبد الله بن الحسن عين الأعيان ببلدة مالقة والمخصوص برسم التجلة والقيام بوظيفة العقد والحل بها في الدولة الأولى.. فسدد وقارب وحمل الكل واحسن فصاحة الخطبة واكرم المشيخة وارضى، واستشعر النزاهة، ولم يقف في حسن التاتي عند غاية؟ الخ. (3) هي الترجمة رقم: 50 في هذا الكتاب.

موقفه من سائر الأشخاص الذين تنكروا له وتأمروا عليه. وإذا كان ابن الخطيب ملوما من الزاوية التاريخية فأولئك الأشخاص يتلقون قدرا مكافئا من اللوم. هذا ابن زمرك الذي حرق البخور الكثير على أعتاب أستاذه تحين كل فرصة بعد تغير الحال لينحي عليه بالذم في قصائده ويعرض به تقربا إلى السلطان، أنها أزمة لم تحرق ابن الخطيب وحده بنارها بل حرقت خصومه أيضا. ترجم ابن الخطيب في كتاب الكتيبة الكامنة لثلاثة أشخاص ومائة جعلهم في قسمين كبيرين: الذين قضوا نحبهم قبل تأليف الكتاب (من رقم 1 84) والذين كانوا ما يزالون على قيد الحياة عند تأليفه (من رقم 85 - 103) . وفي هذه القسمة شئ من التجوز فان بعض الذين ترجم لهم في القسم الأول وعاشوا بعد وفاة الخطيب نفسه مثل القاضي النباهي. ثم قسم المترجمين حسب ما غلب على كل واحد منهم فجاءوا في الطبقات آلاتية: 1 - طبقة الخطباء والصوفية (1 - 19) وحظهم في الإجادة قليل. 2 - طبقة المقرئين والمدرسين (20 - 30) وهم اقل شانا من الطبقة السابقة في باب الشعر. 3 - طبقة القضاة (31 - 54) وهي طبقة منحطة في البيان لاقتصار مداركها على علوم الأديان ويندر فيها المجيد. 4 - طبقة من خدم أبواب الأمراء من الكتاب والشعراء (55 - 103) وربما كانوا متميزين بالإجادة اكثر من أفراد الطبقات السابقة. وإذا قارنا هذا العدد بما احتواه " التاج المحلى " وجدنا أن الكتيبة تنقص عن التاج بمقدار سبعة تراجم، فهل هذا كل ما أدرجه لسان الدين في الكتيبة؟ أن النسخ التي اعتمدناها في تحقيقها لا تختم بشيء يشير إلى

نهاية الكتاب، وقد ورد في هامش آخر ورقة من النسخة ك: " يوجد في الأصول المكتوب منها بطرتها ما نصه: " إلى هنا توجد هذه الكتيبة ولعل مؤلفها اخترمته المنية قبل تمامها، والله تعالى اعلم ". لعل لسان الدين لم يشغل عن إتمام الكتيبة لأنه عاش ليكتب لعدها أعمال الأعلام، وإنما تقاعس عن إتمامها لان رحلته إلى المشرق لم تتم، وفترت حماسته بفقدان الغاية الأولى التي ألف الكتاب من اجلها: ثم إذا صح أن نسخ الكتيبة جميعا تقف عند الترجمة رقم: 103 فلعل المؤلف شاء أن يتركها دون خاتمة لأنه عهد إلى ابنه عبد الله أن يكملها فقد قال في ترجمة ابنه هذا: " فحسبي أن اقدم منه على تذييل هذا الكتاب بعدي وكيلا، يوفي منه مكيلا، وينكل الحسدة تنكيلا " (1) . - 4 - وإذا كان كتاب الكتيبة، لقيامه على السجع، قليل الفائدة من الناحية التاريخية الأخبارية، إذا نحن قارناه بكتاب الإحاطة، فانه يقدم لنا صورة عن جانب من الحياة الأدبية في القرن الثامن بالاندلس، وعن الاتجاهات التي كان الشعر يسلكها حينئذ، وإذا لمس القارئ ضعف النماذج الأدبية فليذكر أن هذا الشعر حصيلة القرن الثامن، وليحاول أن يستعيد إلى ذاكرته صورة الشعر في هذا القرن في المشرق نفسه، فانه يكون حينئذ اقرب إلى الأنصاف في حكمه.

_ (1) انظر الترجمة رقم: 94.

وليس يستقل كتاب الكتيبة الكامنة بإعطاء صورة عن الأدب الأندلسي حينئذ لأنه ليس إلا حلقة واحدة من عدة حلقات إذا نحن جمعناها معا تكاملت جوانب الصورة أصبحت أتم وأوضح، ومن تلك الحلقات مؤلفات لسان الدين الأخرى كالتاج والإكليل والنقاية والإحاطة وعائد الصلة ونفاضة الجراب. ولكن لسان الدين لا يستقل بالإحساس بعصره وبالتوفر على تدوين ظواهره الأدبية - وان تميز بالإكثار من ذلك - بل لعل القرن الثامن في الأندلس والمغرب كان عصر هذا الشعور بالتاريخ المعاصر يومئذ ولابد لمن شاء أن يستكمل صورته من الوقوف على حلقات أخرى تمثلها المؤلفات الآتية: 1 - فهرسة أبي عبد الله الحضرمي. 2 - فهرسة أبي زكريا السراج. 3 - المؤتمن في أنباء من لقيه من أبناء الزمن لأبي البركات ابن الحاج. 4 - نثير فرائد الجمان في من نظمني وإياه الزمان لابن الأحمر. 5 - تراجم المعاصرين من أبناء القرن الثامن في مراقبة العليا للنباهي ومزية المرية لابن خاتمة. 6 - كتب مفردة في التراجم مثل " التعريف بابن خلدون ورحلته شرقا وغربا " لابن خلدون نفسه، والبقية والمدرك من شعر ابن زمرك لابن الأحمر، وتنبيه الساهي على طرف النباهي، وخلع الرسن في أمر القاضي ابن الحسن لابن الخطيب، وأشباهها. هذا عدا الكتب التاريخية الجامعة الهامة. وبين هذه الحلقات لابد أن يكون للكتيبة الكامنة مقامه في دراسة الحياة الأدبية بالأندلس والمغرب في القرن الثامن الهجري.

وقد قمت بتحقيق هذا الكتاب على ثلاث نسخ: (1) النسخة " ك " وهي رقم 2291 بالمكتبة الكتانية. كتبت بخط مغربي واضح وجميل، مشكول بعض الشكل، جيدة الضبط وعلى هامشها رواية من نسخة أخرى تتفق في بعض صورها مع النسخة التالية، وتقع في212 صفحة. تحتوي كل صفحة على 21 سطرا، والبياض فيها قليل. وقد اعتمدتها في اغلب القراءات. (2) النسخة " د " وهي رقم 132 بالخزانة العامة بالرباط، وخطها مغربي جميل، وتقع في 211 صفحة وهي أيضا جيدة الضبط، ولولا أن النقص في مواطن منها اكثر مما هو في الأولى لكانت أحق أن تعتمد. (3) النسخة " ج " وهي رقم 56ج بالخزانة العامة بالرباط، وتقع في 235 صفحة، وتتفق مع ك كثيرا، إلا إن المواضع التي تعسر قراءتها من ك قد تركت فيها بياضا، لذلك كانت اقل قيمة من النسختين السابقتين، ولعلها اشتركت مع ك في الأصل الذي نقلت عنه النسختان. وبعد أن قمت بالمقارنة بين النسختين عرضت الكتاب على المصادر المتيسرة وزودته بالتعليقات التي وجدتها لازمة. راجيا بتقديمه المشاركة بشيء من الجهد المتواضع في بعث اثر من آثار ابن الخطيب، التي تمثل " مكتبة " كاملة، تستحق العناية والاهتمام والنشر العلمي المحقق. إحسان عباس

مراجع التحقيق

مراجع التحقيق الإحاطة في أخبار غر ناطة ج؟ 1 تحقيق الأستاذ محمد عبد الله عنان ط. دار المعارف بمصر. الإحاطة في أخبار غر ناطة (الجزء1، 2) ط. مصر 1329. أعمال الإعلام تحقيق الأستاذ ل. بروفنسال، ط. بيروت 1955. اللمحة البدرية في الدولة النصرية ط. السلفية 1347. أزهار الرياض (1 - 3) للمقري تحقيق الأستاذ السقا والابياري وشلبي، لجنة التأليف 1939، 1942. نفح الطيب (1 - 10) للمقري بعناية الشيخ محيي الدين عبد الحميد، المكتبة التجارية 1949. الديباج المذهب لابن فرحون ط. مصر. نيل الابتهاج (على هامش الديباج) . نيل الابتهاج للتنبكي ط، فاس. بغية الوعاة للسويطي ط. الخانجي بمصر. المرقبة العليا للنباهي تحقيق الأستاذ ل. بروفنسال، ط. دار الكاتب المصري. الدرر الكامنة لابن حجر. ط. حيدر آباد الدكن. التعريف بابن خلدون ورحلته شرقا وغربا تحقيق الأستاذ محمد بن تاويت الطنجي ط. لجنة التأليف 1951. رحلة البلوي المسماة تاج المفرق في تحلية علماء المشرق (نسخة خطية رقم 1075 جغرافيا بدار الكتب المصرية) . مسالك الأبصار للعمري (ج11) نسخة خطية رقم 2797 بمكتبة طوبقبو سراي.

بسم الله الرحمن الرحيم

بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد واله وسلم (اللهم الإعانة على التمام بجاه سيد الأنام، عليه افضل الصلاة وأزكى السلام) (1) .

_ (1) هامش ك.

الحمد لله الذي جعل الأدب في جميع ما للفنون من الأسواق، فاكهة شهية الأذواق، تهدى في الأطباق، مكللة بالإحداق، وريحانا عطر الانتشاق، في أنوف عشاق الكمال واكرم بأولئك العشاق، وجعل بينه وبين النفوس الرقاق نسبا ثابت الاستحقاق، والصلاة والسلام على مولانا محمد رسوله سيد ولد آدم على العموم والإطلاق، الذي أوتى جوامع الكلم ومكارم الأخلاق، والرضى عن أصحابه واله نجوم ملته الباهرة الاشراق، لهداية الطراق، ما أقامت الذكرى أسواق الأشواق، فضاقت عن الزفرات مسالك الاطواق، وما خفقت جوانح القلوب من الاشفاق، عند هبوب النسيم الخفاق. أما بعد فأنني لما استوفيت اوطاري، واستكملت أدواري، وتشوفت ظلمي إلى مطالع انواري، واستوعبت من صحبة المغرب حصتي، وختمت بالدعاء قصتي، ونزلت عن منصتي، وابتلعت [2ب] غصتي، ومن بعد أن لبست دنياه فاخلقت، وبنيت بمبانيه المشيدة وطلقت، ولبيت بمواقيت جهاده واهللت، وحللت من ملوكه حيث حللت، ومن مأزق العربدة تسللت، واستعادتي الدنيا فتجنيت وتعللت، وأخبرتها أني قد مللت وأملت، ولم يبق للشهرة مرقب إلا ركزت فيه راية خافقة، ولا للفخر مذهب إلا كتبت فيه أية ناطقة، حمدا لربي الغني الحميد، المنوه بالعدم حتى يذكر، المشيد به فتراه يحمد ويشكر، ويعرف فلا ينكر، صرفت إلى المشرق وجهي والعشية قد ضقت، والعمرة قد أفاقت

والخوف من توقع القواطع شديد، ومجال التقية من فوات البقية (1) عريض مديد، لكن الأمل يشب مع الشبيبة، وعين الحريص تعمى عن تصور الخيبة، والطمع يحث على انتهاز الفرصة، قبل أفول القرصة، والنفس تقول: قنعنا ولو بإلمام، وطل عن غمام، وبسلام من طويل كلام، ومن لنا بالنظر إلى تلك الوجوه المشرقة المقسمات، السافرة عن كرائم السمات، من قبل الممات، واجتلاء تلك المعاهد التي طاب ثراها، والمشاهد التي راق مراها، نسأل الله تعالى أن يتم علينا فضله باحتلالها، وتسكين الأشواق في ظلالها، ويقر العيون باجتلاء جمالها، والنفوس ببلوغ آمالها، من خير (1) كمالها. ولما وقع العزم، وكاد يحذف العلل الجزم، وكاد الرسم أن يطوق القادم محل وسطه بتحفة قدوم، إن رائحة محروم، على قدر حاله، ووسيع انتحاله، وبضائع رحاله، وموازين خصبه أو امحاله، فتح بين يديه أبواب الأدلال قبل الاختلال، وتسبب الوسائل إلى أمد الكمال، ومطاوي الآمال، وكنا ارقنا بقايا المزاد، ونفضنا [3 ا] ؟ (3) في الطريق فضلات الزاد، وردنا على الدنيا بعد الشبع من طحين ثفالها، وملء اليدين من ثقالها، ما بقي من أوضاع احتفالها، ورفعنا مخفف القماش فوق اكفالها، وأزمعنا وداعها طوعا لا اضطرارا، وأقرضنا صاغتها فرارا وازورارا، ولم نتبع حولها الالتفات، ولا أغرينا - والحمد لله - الندم على ما فات، فجعلت الهدية، من جنس ما تتشوف إليه النفوس الغنية، وتتجر في أسواقه الهمم السنية، من

_ (1) ج: البغية. (1) ج: البغية. (3) بياض بقدر كلمة في د ج ك.

وضع يستطرف، أو اختراع إليه يستشرف، واثر يدل على طور المتسول، وطريقة المتعرف المسترسل، يظهر منه مصرف عنايته، وشرح كنايته، وبيان دعايته، ومرعى رعايته، ويتبين ما وراء صحيفته من عنوانه، ويخبر بذلك عن تفصيل ديوانه، وينوب مكتوبه عن لسانه، فيما ينتحل من احسانه، فجمعت في هذا الكتاب جملة وافرة، وكتيبة ظافرة، مما لقيناه ببلدنا الذي طوينا جديد العمر في ظله، وطاردنا قنائص الآمال في حرمه وحله، ما بين من تلقينا أفادته، أو أكرمنا وفادته، وبين من علمناه وخرجنا، ورشحناه ودرجناه، ومن اصطفيناه ورعيناه، فما أضعناه، بعد أن وصفنا كل واحد منهم وحليناه، وبما تولاه الله تعالى توليناه، إذ لا يلزمنا أن ننحل الكمال لمن لم يكمله مكمل الذوات، ومخول الادوات، فننتحل الكذب لغير ضرورة مبيحة، ونتحمل المشقة لا لتجارة ربيحة، والمقصود إنما هو إلمام بتعريف، وجلب أدب ظريف، وخبر طريف، بل التماس إنعام ممن يقف عليه وتشريف، وان ينظر النقص بعين كماله، ويعذر المهدي في تقصيره واسهاله، فالله تعالى لا يكلف العبد من أعماله فوق احتماله. وسميت هذا الوضع بالكتيبة الكامنة فيمن لقيناه [3ب] بالأندلس من شعراء المائة الثامنة، يستدل به من يباشره، على نبل من كنا نعاشره، ويقف من يدارسه، على فضل من كنا نمارسه، وان كان جالب مثل هذا إلى البلاد المشرقية اعز الله اهلها، وامن حزنها وسهلها، جالب نغبة إلى غدير، وحبابة إلى كاس مدير، فالعذر إلى الوسع مصروف، ولا تجود (1) يد إلا بما تجد بمثل معروف، ولو كانت

_ (1) ج ك: ولا تجد.

الهدايا التي تجلب إلى أبوابهم، لالتزام ثوابهم، يشترط فيها المماثلة لمحالهم (1) العالية، والمناسبة لأقدارهم الغالية، لسد الباب، وعجزت الالباب، وتقطعت؟ ونعوذ بالله تعالى؟ تلك الأسباب، ومثلهم على المسامحة جبل، وقد أهدت قبرة إلى سليمان عليه السلام جرادة فقبل، وهم أهل المزايا الفاخرة (2) ، وأولو الدنيا والآخرة، ومعدن الكمال، ومعرف وجوه الآمال، وصل الله لهم عوائد الاجلال، ومتعهم بما وهبهم من حسن الخلق وفضل الخلال. وقد كنت جمعت في الزمان (3) المنصرم، قبل أن يرسل الله تعالى على شبابنا سيل العرم، وقبل ان يعتاض الشباب بحال الهرم وقلق البرم، مائة شاعر وعشرة، وسميته بالتاج المحلى في مساجلة القدح المعلى، وربما تخلل ذلك من تأخر عن مولدي أجله، ممن أرحله عن الوطن (4) عجله، وبلغني مرواه ومرتجله، وربما دعوت إلى هذا المدعى بعض من حضر الأول، وألقيت بيده ما كان من الحلي قد تحول، أو شذ نادر لا يعتد به ممن لم أحقق وفاته، ورامه هذا الغرض فما فاته، وهاأنا أنسقهم على ترتيب مقرر، وتبويب محرر، وأضيف الرجل إلى ما غلب عليه من انتحال، وعرف به في كل حال، وألاحظ أحوالهم بحسب الزمان والمكان، وأقرب ذلك جهد الإمكان، إنشاء الله [4ا] تعالى.

_ (1) ك: الصلوح بمحالهم، ج: بمحالهم وفي مكان " المماثلة " بياض. (2) ك: المفاخرة. (3) في الزمان: سقطت من ك. (4) ج: الطريق.

- 1 - فمن الخطباء الفصحاء، والصوفية الصلحاء: قلت: وهذه الطبقة أهلها أعلام سراوة ومجادة، وفرسان (1) مرقى وسجادة، وليسوا بحجة في إجادة، إلا من جرى منهم مجرى إفادة في وفادة، ومظنة الإجادة في هذا الكتاب، هم طبقات الشعراء والوزراء والكتاب. 1 - الخطيب الصالح أبو جعفر احمد بن محمد بن خميس الأنصاري كان هذا الرجل في بلده مقلة بها يبصر، ولسانا يسهب ببلاغته ويختصر، ويستعدى ويستنصر؛ شأنه عجاب، ودعاؤه مستجاب، ووجوه (2) فضله لا يعوق عن اجتلائها حجاب، وورعه لا تقرب الشبهات حماه، واجتهاده لا يبلغ مرماه، وكان له أدب يقتحم حمى الإجادة، وتزين حلاه حلل الدين والمجادة، فمن ذلك قوله: يا أخي اقبل وصيتي لك أني ... قد خبرت الورى على التحقيق لا تؤمل مهما استطعت سوى الله ولا تتكل على مخلوق ... بل تحفظ من كل ما دب فوق الأرض وأحذر منهم بكل طريق ... ورض النفس بالقناعة واليأس من الناس تحظ بالتوفيق ... إنما الناس في زمانك يا ... صاح فريق مغرى بضر فريق (3)

_ (1) ج: وبرهان. (2) ج ك: وجوه وفي هامش ك: ووجوه من نسخة. (3) ج ك: والبيت متاخر عن الذي يليه في د.

فادر اكؤس المداراة حلما ... لعدو مبارز وصديق واجعل الزاد يا مسافر تقوى الله واجعل هداه أولى طريق ... وقال رحمة الله عليه: عليك بأعمال القناعة والرضى ... بما قدر الرحمن إن كنت ذا حلم ولو لم يكن للمرء في مقتضاهما ... من الخير إلا راحة القلب والجسم وقال رحمة الله عليه (1) : [4ب] إذا لم يكن للمرء مال فما له ... لعمرك عند الناس قدر ولا حظ وان هو أبدى حكمة وبلاغة ... وفصل خطاب لم يحسن له لفظ وقال أيضا رحمه الله تعالى: قوام العيش في جدة وأمن ... وصحة إنها أقصى الأماني وأوفاهن للدارين أمن ... فوال السعي في طلب الأماني 2 - الخطيب الصالح أبو اسحق إبراهيم بن محمد بن إبراهيم بن [أبي] العاصي (2) التنوخي رحمه الله تعالى (3) : سابق في حلبة العلم والدين، بشهادة تلك الميادين، رأى الله تعالى تقلب وجهه الوجيه في الساجدين، فوسمه بسمة الهادين المهتدين، اغربت طريف (4)

_ (1) ج: رحمة الله عليه. (2) في الأصول: ابن العاصي والتصحيح عن الإحاطة ونيل الابتهاج. (3) أصله من جزيرة طريف، رحل منها سنة 671 وحل بسبتة ثم عاد إلى الأندلس، واستوطن غرناطة وكتب عن السلطان، وتولى الخطابة والإمامة بجامعها عام 726، ولقي قبولاً عظيماً. ترجم له ابن الخطيب في عائد الصلة والإحاطة 1: 382 (1: 218) وانظر نيل الابتهاج: 37 (ص 10 ط. فاس) وبغية الوعاة: 185. (4) طريف: يعني جزيرة طريف في جنوب الأندلس على بحر الزقاق، قريبة من الجزيرة الخضراء.

منه بطرفة رائقة ورغبت منه في رغيبة (1) فائقة، وقذف بحرها منه بدرة (2) بزينة الحضرة لائقة، فاتخذها دارا وملا هالتها ابدارا، وصعد منبرها تجلو الخطوب خطبه، ويهز جذعه فيتساقط رطبه، وحمل نفسه على الجود بالحاضر الموجود، لا يلفي شيئا إلا بذله، غي مصغ إلى من عذله، فجلب إليه (3) القلوب واستمالها، ولم يدع غاية إلا استمى لها، وكان يلم بيسير الأبيات، ويبدي جيادها رائقة الشياة، فمن ذلك قوله رحمة الله عليه (4) : اعمل بعلمك تؤت حكما إنما ... جدوى علوم المرء نهج الأقوم وإذا الفتى قد نال علما ثم لم ... يعمل به فكأنه لم يعلم وقال أيضا رحمه الله تعالى وقد احسن: دنياك مهما اعتبرت فيها ... كجيفة عرضة انتهاب إن شئتها فاحتمل أذاها ... واصبر عليها مع الكلاب (5آ) وقال موطئا على البيت الأخير: (5) أمولاي أنت الكريم العفو ... لبذل النوال وللمعذره علي ذنوب وتصحيفها ... ومن عندك الجود والمغفره

_ (1) ك: برغيبة. (2) ك ج: في درة. (3) د: فجلب الله إليه. (4) البيتان في الإحاطة 1: 384 وبغية الوعاة: 186. (5) البيتان في الإحاطة 1: 385 ورواية الأول: أنت الغفور الكريم.

3 - الخطيب (1) الصالح أبو جعفر احمد بن الحسن بن علي الكلاعي المعروف بابن الزيات (2) رحمه الله ونفع (3) به آمين: رحلة الوطن، وملقى العطن (4) ، وخبيئة العناية التي لا يعثر عليها إلا أهل الفطر السليمة والفطن، والخطيب الذي إذا نطق اخرس سحبان، وإذا رجح خف متالع وأبان (5) وإذا تاوه بذكر الله تعالى تأرج الهندي والبان، والولي الذي تضرب آباط مطيها إليه الركبان، حثا في وجوه السابقين ثانيا من عنان سيره، وجمع من شروط الخطابة ما تفرق في غيره، صورة أنشأها الله في احسن تقويم، ومجتلى احب إلى العيون من سنة التنويم، ولسانا يرمي البلابل بالعي، ويوقفها إذا ادعت نسب الفصاحة موقف الدعي، وخشوعا يعلم غلاظ الكبود معاملة المعبود، ونغمة بالسبع المثاني، تزري (6) بنغمات المثالث والمثاني، وصدقا يصدع بوعظه الصخر، وانشاء يتمم هذا الفخر، إلى الحفظ الأقوى، والانفراد بإحراز قصب السباق في مجال البر والتقوى. وهذه الشروط قلما اجتمعن في سواه، ولا اطعن إلا خافق لواه، وكان يتدفق بالشعر تدفق البحر

_ (1) بياض بقدر كلمة في ج. (2) من أهل بلش مالقة كان صوفيا وقورا، حسن الشيمة، يعرب لفظه إذا تكلم، خطيبا قديرا، وله عدة تصانيف. توفي ببلش سنة 728، ترجم لسان الدين له في عائد الصلة والإحاطة 1: 265 (152) وانظر بغية الوعاة: 131. (3) ك: ونفعنا. (4) ج: الظعن. (5) متالع وأبان، جبلان ذكرهما الشاعر بقوله: درس المنا بمتالع فابان (ديوان لبيد) . (6) تزري: سقطت من د.

الزاخر، ويتكل معربا في هذا الزمان المستاخر، ومثواه بالأندلس كعبة المفاخر، بشهادة العظم الناخر. ومن شعره (1) : شهود ذاتك سر عنك محجوب ... لو كنت تدركه لم يبق مطلوب علو وسفل ومن هذا وذاك معا ... دور (2) على نقطة الأشراف منصوب (5 ب) ومنزل النفس منه ميم مركزه ... إن صح للغرض الطيني مرغوب وان تناءت مساويها فحيزها ... أوج الكمال وتحت الأوج تقليب والروح ان لم تخنه النفس قام (3) به ... في حضرة القدس تخصيص تقريب ومن ذلك قوله رحمه الله تعالى: برق بآفاق المعارف لاحا ... حيا (4) الجسوم وجرح الأرواحا ولوى عليها من سناه سرداقا ... أحيت (5) مباسمه ندى وسماحا نشرت بنود العز من تلقائه ... نشرا غدا في الصالحات وراحا وأقام منه عليه برهانا أبت ... أنواره إلا هدى وصلاحا ما لم يفدك العقل تبصرة بما ... أومى إليه ويورث استمناحا فالعقل في حكم الهوى ولذاك لم ... ينفض بميدان النفاذ (6) جناحا فانظر بعقلك هل ترى من كائن ... إلا ويفصح بالهدى إفصاحا وارجع إلى النظر الصحيح ولا تدع ... سر العناية لا يفيد فلاحا

_ (1) الأبيات في الإحاطة 1: 302. (2) ج: در. (3) د ج: قاربه والتصحيح عن هامش ك. (4) حيا: سقطت من ج؛ وفي د وهامش ك: فكسا. (5) احيت: سقطت من ج؛ وفي د: حيكت. (6) ج ك: النفاد.

واكسر زجاج الحس تعويلا على ... (1) روحية المعقول ان تلتاحا أو ما تحن إلى فراديس العلا ... فتشد في طلب الكمال وشاحا ولقد دعاك إليه (2) مصطف الهدى ... واراك من سبحاته مصباحا فكففت (3) إلا عن متابعة الهوى ... وأبيت إلا كبوة (4) وجماحا ومن مستحسن قوله رحمه الله تعالى ورضي عنه (5) : دعني على حكم الهوى اتضرع ... فعسى يلين لي الحبيب ويخشع إني وجدت أخا التضرع فائزا ... بمراده ومن الدعا ما يسمع واها (6) وما شيء بأنفع للفتى ... من أن يذل عسى التذلل ينفع فامح اسم نفسك طالبا إثباته ... واقنع بتفريق لعلك تجمع (6آ) واخضع فمن أدب المحب خضوعه ... ولربما نال المنى من يخضع ومن ذلك قوله (7) : مالي بباب غير بابك موقف ... كلا ومالي عن فنائك مصرف هذا مقامي ما حييت فان أمت ... فالذل مأوى والضراعة مألف غرضي وأنت به عليم لمحة ... تدع الشتيت الشمل وهو مؤلف وعليك ليس على سواك معولي ... جاروا علي لأجل ذا أو أنصفوا

_ (1) ج ك: يلتاحا؛ وفي هامش ك تتلاح، من نسخة. (2) ج: داعي. (3) بهامش ك من نسخة: فكسلت. (4) من نسخة بهامش ك: كبرة. (5) الأبيات في الإحاطة 1: 302. (6) ج ك: آها. (7) الإحاطة: 203

ومن المقطوعات في التجنيس قوله رحمه الله تعالى (1) : يقال خصال أهل العلم ألف ... ومن جميع الخصال الألف سادا ويجمعها الصلاح فمن تعدى ... مذاهبه فقد جمع الفسادا وقال أيضا (2) : واغلب هوى النفس لا يغررك عاجله ... (3) فكل شيء يحط القدر منها جا إن شئت فوزا بمطلوب الكرام غدا ... فاسلك من العمل المرضي منهاجا وثبت له في كتاب المحلى نثر أشف من نظمه (4) رحمه الله تعالى آمين: 4 - الأستاذ الخطيب أبو الحسن علي بن عمر بن حسين القيجاطي شيخنا (5) رحمه الله تعالى: روض المعارف الذي جعل الله أزاهره الفنون، وثدي الفوائد أرضعها الآباء والبنون، إلى ان كان فطامها المنون، بدر شهدت هالته

_ (1) الإحاطة 1: 303 وبغية الوعاة: 131 (2) المصدر نفسه (3) يعني منها جاء. (4) انظر خطبة له في الإحاطة حذف منها الألف. (5) ورد على غرناطة مستدعى عام 712 وقعد في مسجدها يقرئ فنون العلم من قراءات وفقه عربية وأدب، وهو أول أستاذ قرأ عليه ابن الخطيب العربية والقرآن والأدب اثر قراءة الكتب. توفي سنة 730. ترجم له لسان الدين في الإحاطة. انظر النفح 8: 22 والديباج 207 وليل الابتهاج: 292 (ط. فاس) وبغية الوعاة: 344 والقيجاطي منسوب إلى قيجاطة وهي مدينة بالأندلس من عمل جيان.

الأفق، بحر صرف إليه الآمل (1) الرفق، قل ان يذكر فن الا وركض في مجاله، وأخذه عن رجاله، وكان من الرسوخ والتمكين، حالا من التخلق بالمكان المكين، يرسل النادرة شهابا، وينتهب مجالس الأنس انتهابا، ويتحكم في القول إيجازا واسهابا، خبا بوفاته (6ب) الكوكب الثاقب، ووريت بمواراته المناقب، ومن شعره في غرض الرثاء: (2) حمام حمام فوق أيك الأسى تشدو ... تهيج من الأشجان ما أوجد الوجد وذلك شجو في حناجرنا شجى ... وذلك لهو في ضمائرنا جد أرى أرجل الأرزاء تشتد نحونا ... وأيديها تسعى إلينا فتمتد ونحن أولو سهو عن الامر ما لنا ... سوى أمل إيجابنا عنده جحد وان خطرت للمرء ذكرى بخاطر ... فتسبيحة الساهي إذا سمع الرعد مصاب به قدت قلوب وانفس ... لدينا إذا في غيره قطعت برد تلين له الصم الصلاب وتنهمي ... عيون ويبكي عنده الحجر الصلد فلا مقلة ترنو ولا أذن تعي ... (3) ولا راحة تعطو ولا قدم تعدو وقد كان يبدو الصبر منا تجلدا ... فهذا مصاب صبرنا فيه لا يبدو ومن شعره في غرض العتاب (4) : روض المشيب تفتحت ازهاره ... حتى استبان ثغامه وبهاره ودجى الشباب قد استبان صباحه ... وظلامه قد لاح فيه نهاره

_ (1) ج ك: الآمل إليه. (2) النفح 8: 228. (3) هذا البيت متقدم على الذي قبله في د. (4) نفح الطيب 8: 22.

فأتى حمام لا يعاف وقوعه ... ومضى غراب لا يخاف مطاره والعمر مثل البدر يونق حسنه ... حينا ويعقب بعد ذاك سراره ما للإخاء تقلصت أفياؤه ... ما للصفاء تكدرت آثاره والحر يصفح إن أخل خليله ... والبر يسمح ان تجرأ جاره فتراه يدفع إن تمكن جاهه ... وتراه ينفع ان علا مقداره تعلم أنني زمن الصبا ... ما زلت زنداً والحياء سواره ولانت تعلم أنني زمن الصبا ... ما زلت ممن طاب فيك إزاره والهجر ما بين الأحبة لم يزل ... ترك الكلام أو السلام مثاره (7ا) ولكم تجافى عن جفاء خليله ... فطن وقد ظفرت به أظفاره ولكم أصر على التدابر مدبر ... أفضى إلى ندم به إصراره فأقام كالكسعي بان نهاره ... أو كالفرزدق فارقته نواره أنكرتم من حق معترف لكم ... بالحق ما لا ينبغي إنكاره والشرع قد منع التقاطع نصه ... قطعا وقد وردت بذا (1) أخباره والسن سن تورع وتبرع ... وتسرع لتشرع تختاره ما يومنا من أمسنا قدك (2) اتئد ... ذهب الشباب فكيف يبقى عاره هلا حظرتم أو حذرتم منه ما ... فرض عليكم حظره وحذاره عجبا لمن يجري هواه لغاية ... محدودة إضماره مضماره يأتي ضحى ما كان يأتيه دجى ... فكأنه ما شاب منه عذاره فيعد ما تفنى به حسناته ... ويعيد ما تبقى به أوزاره

_ (1) سقطت من د. (2) ج ك: منك.

فالنفس قد أجرته ملء عنانها ... يشتد في إحضارها إحضاره والمرء من إخوانه في جنة ... بل جنة تجري بها أنهاره فاليمن قد مدت إليه يمينه ... واليسر قد شدت عليه يساره شعر به أشعرت بالنصح الذي ... يبديه من أشعاره إشعاره ولو اختبرتم نقده بمحكه ... لامتاز بهرجه وبان نضاره هذا هدى فبه (1) اقتده تنل الرضى ... أو أنت في هذا وما تختاره وعليكم مني سلام مثل ما ... أرجت بروض يانع أزهاره 5 - الصوفي المتاله أبو عمرو محمد بن يحيى بن إبراهيم بن محمد بن مالك بن عباد (2) النفزي (3) رحمه الله صوفي صافاه المصافي، أورده من عين اليقين في الزلال الصافي، فقال: (7ب) من أنا ومن أوصافي، مهما حكمت إنصافي، وبرز إلى الأهوال فقارع أبطالها، وإلى المشاهدات يشكو مطالها، وفر (4) من الشواغل التي تشوش الوقت، وتجلب (5) المقت، فما أبقى جدة تنسب،

_ (1) ج: فيه. (2) تأخرت وفاته عن وفاة لسان الدين اذ توفي عام 792 وهو صاحب الرسائل الكبرى التي طبعت بفاس عام 1320 والرسائل الصغرى، وطبعت ببيروت عام 1957، وله ترجمة ضافية في النفح7: 26 ونيل الابتهاج: 287 (ط. فاس) ، وانظر صحيفة معهد الدراسات الإسلامية 6: 221. (3) ج: الثغري. (4) وفر من: بياض في ج. (5) د ج: وتجنب.

ولا لحظة عليه تحسب، ورقي من التأله (1) في سفينة بعدما عابها، وعانى الطريقة فاقتحم شعابها، وكان له حظ من العلم غير منزور، وشعر لا يرمى بسهمه غرض زور؛ فمن ذلك قوله: هذا العقيق فسل معاطف بأنه ... هل نسمة عادته من نعمانه واسأله ان زارته ماذا أخبرت ... عن أجرع العلميين أو سكانه وأصخ لحسن حديثها واعده للمضنى ففيه البرء من أشجانه ... يا حبذا ذاك الحديث وحبذا ... من قد رواه وحبذا ببيانه وسقى الإله زمانه ومكانه ... ويعز قدر زمانه ومكانه يا سعد ساعد مستهاما فيه لا ... ذقت الهوى ونجوت من عدوانه وأصخ لمل يجلو (2) الوجود عليك من ... أنبائهم بلسان حال بيانه وأبنه لي واقبل ذماي بشارة ... ويقل بذل ذماي في تبيانه وسل النسيم يهب من واديهم ... بشذا خزاماه وطيب ليانه ارحم بروح منه روحي تحيه ... وبسقمه سقمي فديتك عانه وبنشره انشر نفس مشتاق قضت ... شوقا لنفحة هبة من بانه يا سعد حدثني حديثا عنهم ... ويجل قدر الحب عن نسيانه يا سعد طار حنيه واملأ مسمعي ... من سره إن شئت أو إعلانه أنا في الغرام أخوك حقا والفتى ... لا يكتم الأسرار عن إخوانه قل كيف وادي واد سكان الحمى ... ومنى أمانيه وروض أماته (8آ) هل قلصت أيدي النوى من ظله ... أو ما جرى هل عاث في جريانه

_ (1) نسخة بهامش ك: ورقى من بحر التأله بسفينة. (2) د: يتلو الوجود.

وهل الربوع أو أهل بحمى (1) لهم ... فسقى الربوع الودق من هتانه وهل التقى بان على عهد الهوى ... وهل اللوى يلوي بعود زمانه وبروض السهم عهدت نضارة ... نزهت منها القلب في بستانه وارى هجير الهجر اذبل يانعا ... منه وأذوى الغض من ريحانه أحال (2) حال الأنس فيه وحشة ... وطوى بساط الأنس (3) في هجرانه واها ووالهفي وويحي ان مضى ... عهد عرفت الأنس في أزمانه وباجرع العلمين من شرقيه ... حب غذاني حبه بلبانه حاز المحاسن كلها فجمعن لي ... كل الهوى وحملت (4) كل هوانه وزها علي بعزه فبواجب ... أزهى (5) بذلي في يدي سلطانه وقضى بان اقضي وليت بما قضى ... يرضى فطيب العيش في رضوانه واختار لي أن لا أميل لسلوة ... عن حبه فسلوت عن سلوانه يا عاذلي أو ناصحي أو لائمي ... تبغي السلو ولات حين أوانه غلب الغرام وعز سلطان الهوى ... فالكل فيه علي من اعوانه فعلام تعتب مستهاما كل ما ... في الكون عاذره على هيمانه دع عنك لومي إنني لك ناصح ... أبدى الجمال العذر عن هيمانه وإذا الفتى قام الجمال بعذره ... في الحب فاتركه وثني عنانه من سام قلبي في هواه سلوة ... قد سامه ما ليس في إمكانه

_ (1) لهم: سقطت من د. (2) ج ك: وأخال. (3) د: الهجر. (4) د: فحملت. (5) د: أزهو.

وقال أيضا رحمه الله تعالى: يا للرجال الأحب يساعدني ... في ذا الغرام فابكيه ويبكيني غلبت فيه وما أجدت مغالبتي ... وهنت، والصب أولى الناس بالهون (8ب) ركبت لجته وحدي فأدهشني ... وتهت في بيده فردا فدلوني واضيعة العمر والبلوى مضاعفة ... من بين يأس وآمال ترجيني والهف نفسي إن أودت وما ظفرت ... (1) في ذا الهوى بتمن أو بتامين وليت شعري وعمري ينقضي طوعا ... في الحب ما بين مغلوب ومغبون هل للألى ملكوا رقي وقد علموا ... بذلتي وافتقاري أن يواسيني فكم أكفكف دمعي بعدهم وارى ... مجددا نار يأسي وهي تبليني وكم أمر على الأطلال اندبها ... وبالمنازل من خيف ودارين وفي الفؤاد لهم ما ليس يعلمه ... الأهم علمهم بالحال يكفيني أهمي المدامع كي أروى فتعطشني ... (2) والزم الذكر للسلوى فيشجيني وكل من لمحت عيني أسائله ... عنهم فيغري بهم (3) قلبي ويغريني يا أهل نجد ومجدي (4) ان احبكم ... لا اطلب الوصل عز الحب يغنيني هل في الهوى من سبيل للمنى فلقد ... (5) عزت امانيه في النيا وفي الدين

_ (1) هذا البيت متقدم على الذي قبله في د. (2) ج ك: فتحييني. (3) د: فيغريهم. (4) ج ك: ونجدي. (5) د: وبالدين.

وقال أيضا: رحمه الله تعالى: سري يسر (1) اليك انك تاركي ... نفسي فداك للطفك المتدارك يا مالكي ولي الفخار فإنني ... لك في الهوى ملك وانك مالكي الترك هلكي فاعفني منه وعد ... بالوصل تحي ذما محب هالك واعد جميلا في الهوى عودتني ... إن لم تعده إلي من للهالك يا منية القلب الذي بجماله ... فتن الورى من فاتك أو ناسك أأتيه دونك أو أحار وفي سنا ... ذاك الجمال جلا الظلام الحالك ولكم سلكت إليك لكن حين لم ... تكن الدليل اختل قصد السالك ولقد عرفت بستر سري في الهوى ... فهجرتني فكسيت ثوب الهاتك (9 ا) ما الستر إلا ما يحوك رضاك لا ... ما حاكه للستر كف الحائك ما الفصل إلا ما حكمت به فعد ... واهتك وصل إن شئت أو كن تاركي مالي سوى حبيك يا حبي فدع ... تركي فهلك الملك ترك المالك

_ (1) نسخة بهامش ك: إلي.

6 - الشيخ الخطيب الصالح أبو عبد الله محمد بن احمد الساحلي (1) نفع الله ببركاته آمين. علم العباد، بين البلاد والعباد، ومحج العاكف والباد، من المتقربين إلى الله تعالى برمي جمار الدموع وهدي الاكباد، قد قسمت زمانه الاوراد، وتعينت له الإشارة في وقته والانفراد، وكان أصحابه يخبرون بمشاهدته الصورة المحمدية عيانا، وتلقيه المراشد من لدنها أحيانا؛ وقدر هذا الرجل اشهر، وفضله اظهر، من ان يطريه القلم أو يعرف به وهو العيلم (2) ؛ وكان يلم بالشعر عادلا عن المقاصد المتركة، ونجلب منه بقصد البركة، قوله: إن كنت تطلب أن تنال وصالهم ... فامح الهوى في القيل والأفعال واصبر على مر الدواء فإنه ... يأتيك بعد بخالص السلسال

_ (1) ترجم له ابن الخطيب في الإحاطة، والحضرمي في فهرسته، وابنه في كتابه " بغية السالك "؛ توفي سنة 735، انظر نيل الابتهاج: 230 (ط. فاس) . (2) نسخة من هامش ك، والجملة مضطربة في المخطوطات.

7 - الخطيب أبو القاسم محمد بن احمد بن جزي الكلبي شيخنا (1) رحمه الله تعالى ورضى عنه: قريع أصالة قديمة، وبارق ديمة، وذخيرة في صوان أقطار عديمة، تفخر منه الحضرة بقرى مائها وهوائها، ونيرها الذي استقل بخط استوائها، والحر يسر بقريع نجاره، وفضل اتجاره، ويفرح بنجابة ولده اكثر منه بولد جاره، كان رحمه الله كثير الاجتهاد، منكب الهاد (2) ، متوصلا لوصال السها بالسهاد، وهجر المهاد، فدون وصنف، وقرط المسامع وشنف، وتقدم بالجامع الأعظم خطيب حفله، وأمام (9ب) فرضه ونفله، مع توفر اهاه، وتعدد شيخه في الاختيار وكهله، فوقع عليه الاتفاق، وانعقد (3) الاصفاق، وعقد له في عصا منبره اللواء الخفاق، ولم يزل يقيم الرسوم تدريسا وتعليما، وردا وتسليما، ويسرح في روض المعارف مسيما، إلى ان استشهد (4) في الوقيعة

_ (1) هو محمد بن احمد بن عبد الله بن يحيى بن عبد الرحمن بن يوسف بن جزي الكلبي من اهل غرناطة، اصل سلفه من ولية من حصن البراجلة، كان فقيها حافظا قائما على التدريس جماعة للكتب الف وسيلة المسلم في تهذيب صحيح مسلم، والانوار السنية في الكلمات السنية وكتاب الدعوات والاذكار وغيرها (انظر ازهار الرياض 3: 185 والديباج: 295 ونيل الابتهاج: 235 ط. فاس. (2) نسخة بهامش ك: منسكب العهاد. والهاد: العنق، ومنكب الهاد كناية عن كثرة السجود. (3) د: وانعقد عليه. (4) ك د: اشتهد، وفي نسخة بهامش ك: استشهد.

الكبرى (1) كرم الله مصرعه ونفعه بما تجرعه، وترك خلفا نجيبا، فكان في سعادة المحيا والممات عجبا عجيبا، ومن شعره (2) : وكم من صفحة كالشمس تبدو ... يسلي (3) حسنها في عنفوان الشباب غضضت الطرف عن نظر إليها ... محافظة على علمي (4) وديني وقال في هذا المعنى أيضا: وقائلة لم هجرت التصابي ... وسنك في عنفوان الشباب يمر زمان الصبا ضائعا ... ولم تله فيه ببيض الكعاب ولم تدر لذة طيب الهوى ... ولم ترو من سلسبيل الرضاب فقلت أبى العلم إلا التقى ... وهجر المعاصي ووصل المتاب ومن لم يفده طلاب العلوم ... رجاء الثواب وخوف العقاب فخير له الجهل من علمه ... وأنجى له من اليم العذاب وقال مشفقا من ذنبه، ومتضرعا إلى ربه (5) : يا رب اليوم قد عظمت ... فما أطيق لها حصرا ولا عددا وليس لي بعذاب النار من قبل ... ولا أطيق لها صبرا ولا جلدا

_ (1) الوقيعة الكبرى أو الوقيعة العظمى بظاهر طريف من الجزيرة الخضراء، كانت في عهد ابي الحجاج يوسف بن إسماعيل من سلاطين بني نصر، (741) وقائد جيوش النصارى فيها دون الفنش بين راندة فأوقع بجيوش المسلمين وتملك الجزيرة الخضراء وكاد يستولي على ما تبقى من الأندلس (انظر اللمحة البدرية: 95) . (2) أزهار الرياض3: 186. (3) أزهار: فيسلي. (4) أزهار: عرضي. (5) أزهار الرياض 3: 187 والديباج: 296.

فانظر الهي إلى ضعفي ومسكنتي ... ولا تذيقنني حر الجحيم غدا وقال في الجانب النبوي كرمه الله تعالى وشرفه (1) : أروم امتداح المصطفى فيصدني ... قصوري عن إدراك تلك المناقب (10آ) ومن لي بحصر البحر زاخر ... ومن لي بإحصاء الحصى والكواكب ... ولو ان أعضائي غدت السنا إذا ... لما بلغت في المدح (2) بعض مآربي فأسكت (3) عنه هيبة وتادبا ... وخوفا وإعظاما لا رفع جانب ورب سكوت كان فيه بلاغة ... ورب كلام فيه عتب لعاتب 8 - الخطيب الأجل احمد بن علي بن خالد القتوري أبو جعفر (رحمة الله عليه) فاضل تألق صبحه واستبان، وعم شعاعه الكثبان، تزيا بالانقباض وتزين، وتميز بالخيرية التامة وتعين، فهو في البادية صدر تخطبه الحاضرة

_ (1) أزهار الرياض 3: 186 والديباج: 296. (2) أزهار: غدت وهي السن، لما بلغت في القول. (3) أزهار، فأقصرت..وعجزا وإعظاما لأعظم.

وروض تغار منه الرياض الناضرة، وله شعر في البلاغة أقسامه، وطبق مفاصل الفصل حسامه، فمن ذلك قوله يخاطب شيخنا ابن الجياب (1) وقد بعث إليه رسالة ضاعت في الطريق: (2) زعموا بان الهدي هدي ألوكة ... للمجد ضاع فقلت ذلك دينه طورا يثبطه الحياة وتارة ... بعد المزار ووعثه وحزونه ومهابة البيت المؤمل ركنه ... ومقامه السامي الذرى وحجونه وبداوة المهدي الذي تهذيبه ... فحش ورقة لفظه تخشينه فإذا بعثت به وقد أشعرته ... قلبي وحان إلى الحبيب حنينه وبقيت ارقب برق يمن باوغه ... وقفوله عميت علي شثونه ولربما أصدرته مع مرتضى ... مستشفعا بجلاله فيصونه حتى إذا دانى المحل أصابه ... قدر اعد له هناك كمبنه فكان قوس النائبات نحا له ... غرضا أو دهر الحسود يخونه أسفي على زمن مضى لم تقض من ... حق السيادة من عداه ديونه (10ب) حق امرئ ماضي العزيمة صارم ... لدن المعاطف اذ تهز غصونه حوت الفضائل كلها من غير ما ... تعب يداه: شماله ويمينه تعنى مواهبه الجسام بمن عنى ... بجلاله فتقيمه وتعينه ما راقني مذ رق لي شيء سوى ... رق يشين حليه ويزينه لم يلقه ذو عسرة إلا انثنى ... يسرا أجلى خوفه تأمينه سبر الزمان وسن فيه طريقة ... مثلى سيتعب غيره مسنونه

_ (1) انظر التعريف به في الترجمة رقم 62 من هذا الكتاب. (2) سقط الشطر كله في ج والكلمتان الأخيرتان في ك؛ والألوكة: الرسالة.

بحر المعالي والعفاف شعاره ... مذ شب لم يشب الوقار مجونه فانسيه أذكاره، وجليسه ... ما نصه عن ربه جبرينه يا سيدا ازرى بقي نثره ... وزرى على سحبانه موزونه يا بيت علم يستوي فيه الورى ... بادية منهم ان بدا وقطينه يا كعبة الآمال لا صد الذي ... نذر الزيارة ان تبر يمينه ولئن صددت، ولا صددت، فان لي ... قلبا يرى صور الكمال يقينه أمؤملي الأسنى أبا حسن أما ... ينبيك عن شوقي إليك أنينه ويريك سر النكر منك بأنني ... صافي الوداد والاعتقاد رصينه حسبي ففيك لكل طالب حجة ... خصم ووجه العذر انت مبينه يا نائبا عنا وفي وسط الحجى ... منا، وان نأت الديار، سكونه أتراك تعلم إن قلبي قلما ... كذبته يوما في علاك ظنونه وهو المؤمل ان يرى بك واحدا ... (1) لحقوقه والدهر ليس يمينه ولولا (2) عوارفك التي طوقتها ... جيدي فاشرق صدره وجبينه والله يخلق ما يشاء وكل ما ... يختاره للعبد فهو يزينه سلمت للأقدار تسليم امرئ ... رضي القضاء فشانه تهوينه (11آ) ومن شعره يخاطب بعض رجال الدولة، ومن خطه نقلته: ما زلت في حال الإقامة سيدي ... اسري بآمالي إليك ومقصدي وأود لو سمح الزمان بوقفة ... بفناء بابك في العلا والسؤدد ورأيتني ما لم أنلها مخطئا ... ومقصرا فيها إذا لم اجهد فركبت من عزمي إليك مطية ... ووردت للآمال أعذب مورد

_ (1) يمينه: سقطت من ج. (2) ج: عواريك.

ولأنت اشرف من وقفت ببابه ... وشددتها ثقة بسؤددها يدي والله يمنحك الفضائل عادة ... ويقر عينك بالعناية في غد فقد شهيدا بكائنة طريف (1) في جملة من الأعلام مثله رحمهم الله تعالى. 9 - الشيخ (2) الخطيب أبو علي عمر بن علي عتيق ابن احمد القرشي (3) رحمه الله تعالى هذا الرجل ممن تشمر لعبادة الله وائتمر (4) ، ونهى في طاعة الله سبحانه وامر، وهز بجذع النخلة فتساقط (5) الثمر، ممن يقال فيه: " إذا ذكر الصالحون فحيهلا بعمر "، حج وزار، وشد للطواف الإزار، وسمع في رحلته عن جلة، وإعلام بر وتجلة، وقفل فقدم بالحضرة (6) خطيبا في الحفل، وأمام الفرض والنفل، إلى أن انتقل من الدرجة الراقية، إلى كرامة الدار الباقية، وله شعر قليل يجلب مثله للبركة، من بين الأقوال المتركة، فمن ذلك ما ثبت بظهر الكتاب المسمى بالفوائد المنتخبة والموارد

_ (1) تقدم التعريف بها في الترجمة رقم:7 (2) بياض في ج (3) رحل وحج ولقي شيوخا جلة واخذ عنهم، وخطب بالجامع الأعظم نيفا على اثنين وثلاثين سنة، وكان رجلا خيرا كثير الحياء والصمت شديد الانقباض ملازم الخلوة مولعا بالتصرف كثير المطالعة لكتبه. ذكره الخضرمي وعنه نقل التنبكتي في نيل الابتهاج:177 (ط. فاس) . (4) نسخة بهامش ك: تجرد لعبادة الله وشمر. (5) نسخة بهامش ك: فجنى. (6) سقطت من د ج.

المستعذبة من تأليف شيخنا أبي بكر بن ذي الوزارتين أبي عبد الله ابن الحكيم (1) : كتابك ذا يا من هوته المفاخر ... سنا وسناء فهو باه وباهر لقد جاء كالعقد المنظم ناثرا ... فوائد، قس عنك في ذاك قاصر بلاغته في القوم تشهد عندما ... يشكك فيه انه عنك صادر (11ب) فلله من روض أنيق غصونه ... بما نتمناه فزاه وزاهر فما شئته فيه تجده كأنه ... لناظره بحر طمى وجواهر فيهنيكم يا بن الأولى شاع مجدهم ... (2) فزادهم مجدا بذلك آخر أبنت بما فيه أتيت حياة من ... حوته على مر الدهور المقابر وأبديت فيه سحر لفظك رائقا ... تلذ به الأجفان وهي سواهر ومتعت طرفي فيه لا زلت باقيا ... ونجاك ربي يوم تبلى السرائر وخصك مني بالسلام مرددا ... عليك مدى الدنيا وما طار طائر 10 - الشيخ (3) الصوفي الحسيب (4) عبد الله أبو محمد بن أبي محمد عبد البر بن أبي المجد الرعيني، رحمه الله: هذا الرجل علم من أعلام البادية، وشهاب من شهبها الهادية، وصاحب نفس من ضيم الجهالة متفادية، وفي سبيل الفضل رائحة وغادية،

_ (1) انظر الترجمة رقم:64 من هذا الكتاب. (2) ك: نداك وآخر. (3) الشيخ: سقطت من ج. (4) وردت كلمة (أبو) زائدة بعد لفظة الحسيب في ك.

طلع بأفقه ونجم، وصاب عارض عارضيه وانسجم، إلى دين لا تغمز قناته، وخلق يرضي الله تعالى حلمه (1) وأناته، وله شعر يسير يعرب عن حاله، ويعرض عرض انتحاله، فمن ذلك قوله، يا مؤثرا عدمي بفضل وجوده ... يا مغنيا فقري بمطلق جوده فإذا سجدت أقول: سبحان الذي ... وجهي يشير لوجهه بسجوده وارى صفاتي بعد ذا عارية ... مهما تلاشى العبد في معبوده فاقول ليس سواك لي بمشاهد ... عين المشاهد غاب في مشهوده يا صاح خل الصحو عني جانبا ... وادر علي الصرف من عنقوده في المحو إثبات وليس بثابت ... من ذاته من غير عين وجوده ومن ذلك المعنى قوله، رحمه الله تعالى ورضى عنه: (12آ) لا تقل نعرف ربي ... ما تملأت حياتك إنما تعرف مولاك إذا تعرف ذاتك ... 11 - الشيخ الخطيب أبو عبد الله بن حربلة، رحمه الله: شيخ متطلب، ولكفيه على ما فاته مقلب، ولكفة النبل على أختها مغلب، خطب وأم، وعرج بربع الفضل وألم، وتوفي عن خزانة كتب أسفارها عديدة، وأغراضها سديدة، وكان له شعر نزر، لا ينبت

_ (1) ك: حمله.

له بزر، ولا يعاقب مده إلا جزر (1) ، فمن ذلك بيتان خالف فيهما نهج الامم، ونسي قوله عليه الصلاة والسلام: " تزوجوا فإني أباهي بكم الأمم ": يا عازبا (2) لا تذل نفسا ... عودتها العز والفرح بزوجة فالزواج ذل ... لو زوج الكلب ما نبح 12؟ الخطيب (3) أبو الطاهر محمد بن احمد بن حسين ابن صفوان القيسي، رحمة الله عليه ورضوانه: آخر المتشوقين لمقامات المتصوفين، والمتصفين بأوصاف المنصفين، كان رحمه الله تعالى عاكفا على القران ينتجع (4) روضه، ويرد كل آونة حوضه، وممن فتح عليه في فهم مقاصد القوم، وما يرومونه من الروم، حالي اليقظة والنوم، وممن اوتر وشفع، ونفع وانتفع، كثر منتابه، واعملت إليه أكباد الركب واقتابه، وجدد بقطره مباني الطريقة والأساس سنة الله تعالى وكتابه، إلى أن أفل شهابه، وحان ذهابه، ففقد منابه، واقشع من القطر جنابه، وكان له نظم يندر، وعن صدره في بعض الأحيان يصدر، فمن ذلك قوله يذيل قول أبي يزيد رضي الله عنه:

_ (1) ك ج: حده الأزر، والتصويب عن د ونسخة بهامش ك. (2) نسخة بهامش ك: يا عزبا. (3) سقطت من ج. (4) د: ينجع، ج: يتجمع.

رأيتك (1) يدنيني إليك تباعدي ... (2) فأبعدت نفسي وابتغائي من القرب (12ب) هربت به مني إليه فلم يكن ... بي البعد في بعدي فصح به قربي فكان به سمعي كما بصري به ... وكان به لا بي لسان مع القلب فقربي به قرب بغير تباعد ... وقربي في بعدي فلا شيء من قربي 13 - الخطيب أبو عبد الله محمد بن محمد البدوي الحاج البلشي (3) كان رحمه الله تعالى خطيبا طلق اللسان، وأديبا رحب الاحسان، ما شئت من خلق زلال، وخلال آمنة من الاختلال، تشرف بالرحلة الحجازية، ولبس من حسن الحجى زيه، ثم أسرع ببلده حط القتادة والرحل، واقبل إليه اقبال الغمام بعد المحل، واستقر به خطيبا يهز بواعظه المجامع، ويقرط المسامع، ويسيل من الجفون المدامع، وله أدب لا باس به، والكتبة اعرق في نسبه. فمن شعره (4) : خال على خديك أم عنبر ... ولؤلؤ ثغرك ام جوهر اوريت نار الوجد طي الحش ... فصارت النار بها (5) تسعر

_ (1) رايتك: مكانها بياض في ج. (2) ج: للغرب؛ نسخة بهامش ك: لابتغائي في القرب. (3) نيل الابتهاج: 249. (4) د: به. (5) كان حسن التلاوة ذا معرفة بالفقه، بليغ الخطبة توفي عام (750) ترجم له ابن الخطيب في الإحاطة، وانظر نيل الابتهاج: 248 - 249 (248 ط. فاس) والبلشبي نسبة إلى بلش - بتشديد اللام - vellez.

لوجدت لي منك برشف اللمى ... لقلت خمر عسل سكر دعني في الحب أذب حسرة ... سفك دم العاشق لا ينكر وقال في غرض التغزل، رحمه الله: عيناي تفهم من عينيك أسرارا ... وورد خديك يذكي في الحشا نارا ملكت قلب محب فيك مكتئب ... قد اثر الدمع في خديه آثارا رضاب ثغرك يروي حر غلته ... يا ليت نفسي تقضي منه أوطارا انعم بطيف خيال منك المحه ... ماذا عليك لطيف منه لو زارا نفسي فداؤك من ظبي به وطف ... يصبو له القلب مضطرا أو مختارا وقال أيضا رحمه الله تعالى: (13آ) أيها الظبي (1) ترفق ... بكئيب قد هلك الذنب تتجنى ... الشيء وصلك إنما روحي ملك ... وكذا قلبي لك إنما أنت هلال ... فلك القلب فلك

_ (1) ج: الفتى.

14 - الخطيب الشيخ أبو يزيد خالد بن خالد الونالشي، رحمه الله: شيخ مليح الخطابة، جامع بين الإطالة والإطابة، والنغمة المستطابة، انس بالانقطاع، وتعلل بيسير هذا المتاع، بجهد الاستطاع، وانقبض وتقشف، وقبل ثغر الحقيقة وترشف، وكان مجموع خصل، وضاربا في هدي (1) الفصل بنصل، وله شعر عطرة جرياله، موشاة طرره وأذياله، فمن ذلك (2) : غرامي قديم بالحمى وجديد ... وشوقي إلى من حل فيه شديد ولي من هوى سكانه وله متى ... تذكرت أو فكرت فيه يزيد هم غيب بالحسن عن بصري وهم ... معي بالمعاني في الجنان شهود يلوحون لي (3) سرا فتلمح مهجتي ... من أسرارهم ما اللحظ منه بعيد فيشقى بهم لحظي وتسعد مهجتي ... فمن جملتي شاق بهم وسعيد هم (4) اسهروا جفني لنفيهم الكرى ... فما للكرى المنفي بعد وجود وفي الحب من انفاس نفسي صعدوا ... دموعا شكت من حرهن خدود بحشو (5) الحشا نار الصبابة أودعوا ... فمن حرها بين الضلوع وقود

_ (1) ج: في هذا. (2) ج: فمن ذلك قوله. (3) ج ك: أمرا وفي هامش ك وفي د: سرا. (4) ج ك: سهروا. (5) د: فحثوا.

أحاديثهم أشهى لدي من الصبا ... لو ان الصبا يوما بذاك تجود بها روح أنفاس تروح وروحها ... (1) إذا ما للصبا ذاك الحديث تعيد أعيدي صبا نجد علي حديثهم ... ففي عودها روح الحياة يعود وعد يا خليلي باجتماعي موعدا ... فيوم اجتماعي ذاك عندي عيد ارى الحب يبلى ان تطاول عهده ... وحبي، وان طال الزمان، جديد فلا تبكروا وجدي وفرط صبابتي ... إذا ما بدا منها علي شهود (13ب) فقد كان بالمعنى وجودي واحدا ... ووجودي وما للكون قبل وجود فان قيل ان مقالتي (2) مدع ... فعندي على دعواي فيه شهود وقال أيضا، رحمه الله تعالى: خليلي ان مررت على المغاني ... (3) وأدناك اشتياقك للمعاني فحي الساكنين هناك عني ... بمجموعي فؤادك واللسان وصف شوقي لهم أبدا ووجودي ... بأوصاف تجل عن العيان وقل ما زال ذلكم المعنى ... يعاني للصبابة ما يعاني تضيق الأرض بعدكم عليه ... كأن الكون ضاق عن المكان وتعروه لذكراكم جنون ... من الأشواق تعبث (4) بالجنان تخال الصب حين تراه حيا ... لدى التذكار وهو هناك فان

_ (1) ك: يعيد؛ ج: بعيد. (2) د ج: مقالة؛ ويقصر عند القراءة. (3) نسخة بهامش ك وفي د: للاغاني. (4) تعبث: سقطت من د.

وأفنى ما يكون ان اعترته ... معان كان يألف بالمغاني زمان الصب مر ولا جواب ... يرى منكم على مر الزمان وقد كنتم بذاك وعدتموه ... فما للوعد (1) أعقبه التواني رضيتم بالبعاد له وما ان ... على حمل البعاد له يدان وقد عز اقترابكم وامسى ... من التقريب يقنع بالأماني ينادي عند ذاك بكل ناد ... لسان الشوق فيه نداء عان من الدنيا وصالكم المنى لو ... يرى يوما لوصلكم تدانى متى يبدو من ارضكم بريق ... لعينيه فيسعد بالعيان وتدنو بعدما شحطت ديار ... فنجني الوصل من شجر التداني 15 - الشيخ المكتب أبو عبد الله محمد بن علي بن محمد العبدري اليتيم (2) رحمة الله عليه وغفرانه (14آ) : مجموع أدوات حسان، من خط ونغمة ولسان، أخلاقه روض تتضوع نسماته، وبشره صبح تتألق قسماته، يقرطس أغراض الدعابة ويصميها، ويفوق سهام الفكاهة إلى مراميها، يتحرف بالتعليم والتكتيب، مغرى في أموره بحسن الترتيب، وخطب بقصبة بلده متحليا بوقار وسكينة، حالا

_ (1) ج: للعود (2) ترجم له لسان الدين في التاج أيضا، ونقل المقري بعض ترجمته ومراسلات بينه وبين ابن الخطيب في النفح 8: 200 - 204، وتوفي سنة 750.

من النفوس بمكانة مكينة. وله شعر لا يرتد في سماء الإجادة طرفه، ولا يقصر عن الغاية طرفه، فمن ذلك قوله: آيات حسنك حجة للتالي ... في الحب قائمة على العذال يا من سبا طوعا عقول ذوي النهى ... ببلاغة قد أيدت بجمال يستعبد الأبصار والإسماع ما ... يجلو ويتلو (1) من سني مقال وعليك أهواء النفوس بأسرها ... وقفت فغيرك لا يمر ببال رفعت (2) لديك في البلاغة راية ... لما احتللت بها وحيد كمال وغدت تباهي منك بالبدر الذي ... تعنو البدور لنوره المتلالي ماذا ترى يا ابن الخطيب بخاطب ... ودا ينافس فيك كل مغالي جذبته نحو هواك غر محاسن ... (3) مشفوعة أفرادها بمعالي وشمائل رقت لرقة طبعها ... فزلالها يزري بكل زلال وحلي آداب بمثل نفيسها ... تزهو الحلى ويجل قدر الحالي تستخدم الياقوت عند نظامها ... فمقصر من قاسها بلآلي سبق الأخير الأولين بفضلها ... فغدا المقدم تابعا للتالي شغفي ببكر من عقائلها إذا ... تبدو تصان من الحجى بحجال فابعث بها بنت المنى ممهورة ... طيب الثناء لنقدها والكالي لازلت شمسا في الفضائل يهتدى ... بسناك في الاقوال والاعمال (14ب) ثم عليك السلام يترى ما تلت ... بكر الزمان روادف الآصال

_ (1) ج ك: وتبلو. (2) ج ك: لديه. (3) كذا ولعلها: بمتالي.

16 - الخطيب الحاج أبو عبد الله محمد بن علي ابن يوسف السكوني، رحمه الله: طالب رحل غفلا من الشهرة لم تلح عليه سمة، ولا عمرت دمنه (1) منها بسمسمة، فحج وشرق، وتدرج وتطوق (2) ، وأزهر دوحه وأورق، وقدم يحمل رواية جمة، ويجلو محاسن معتمه، وينظم شعرا لا باس بعرضه (3) ، ولا تنكر سماؤه على ارضه، فمن ذلك في الغرض المعروف: أمن بعد ما لاح المشيب بمفرقي ... أميل لزور بالغرور يصاغ وارتاح للذات والشيب منذر ... بما ليس عنه للأنام مراغ ومن لم يمت قبل المشيب فإنه ... يراع بهول بعده ويراغ فيا رب وفقني إلى ما يكون لي ... به للذي أرجوه منك بلاغ وهذا مترفع عن نظمه، ومن شعره كذلك: يا من عليه اعتمادي ... في قل أمري وكثره سهل علي ارتحالي ... إلى النبي وقبره فذاك أقصى مرادي ... من الوجود بأسره وليس ذا (4) بعزيز ... عليك فامنن بيسره

_ (1) د: ذمته. (2) د ج: وتطرق. (3) ج ك: بغرضه؛ ومن نسخة بهامش ك: بعرضه. (4) ك: ذاك بفرض.

17 - الخطيب العدل علي بن احمد بن محمد بن احمد الحسني أبو الحسن الأحيمر (1) : رجل وقار وسكون، له إلى الخير ركون، والى خواطره الجائلة في شعب التقى وكون، أيقن ان الله تعالى بالمرصاد، فلازم خطة الاقتصاد، إلى أن ابيض زرعه للحصاد، وعلقت طيره حبائل المصاد، وله شعر يحيد ويجيد، ويباين مبانيه التنجيد، ثم يتحلى آونة (2) منه الجيد، فمن ذلك قوله من قصيدة: (15آ) أرى لك في الهوى نظرا مريبا (3) ... كأن عليك عاذلا أو رقيبا ولست بخائف في الحب شيئا ... على نفسي مخافتي المشيبا يريني كل ما تهواه نفسي ... (4) قبيحا مالئا عيني عيوبا أتى منه ابن قيس لا براح ... فذق مر التأسف مستطيبا إذا كنت تبكي فقد حب ... فما مثل الشباب حبيبا وقال أيضا من أخرى أولها: الآن تطلب ودها ووصالها ... من بعدما شغلت بهجرك بالها وقد استحالت فيك سيماء الصبا ... حالا يروع مثلها أمثالها وأتيتها متلبسا بروائع ... نكر بفودك أصبحت عذالها

_ (1) الاحيمر: سقطت من ج. (2) آونة: سقطت من ج. (3) ج ك: قريبا. (4) هذا البيت متقدم على الذي قبله في د.

بيض تخيل للنفوس نصولها ... سمرا تحول للنحور نصالها مثل الأفاعي الرقط تنفث في الحشا ... (1) وارى بفودك كمنا أصلالها نار تضرم في الفؤاد حريقها ... لكن تشب بمفرقيك ذبالها جزعت لهذا الشيب نفسي وهي ما ... زالت تهون كل صعب نالها ولكم صدعت بنافذ من عزمتي ... يهماء (2) لا يهدى الدليل خلالها صادمت من كرب الدنا أشتاتها ... ما خفت غربتها ولا إخلالها ولئن تقلص عسرتي فيء الغنى ... عني فلي نفس تمد ظلالها ما مزقت ديباجتي عين امرئ ... عرضت عليه النفس قط سؤالها ألقى الليالي غير طيب صرفها ... والاسر غير مجنب أغيالها امشي الهوينا والعداة تمر في ... (3) جري يطير عن الجياد نسالها علمت لي الخلق الجميل محققا ... وتسيء في على عمى أقوالها تبغي انثنائي هل سمعت بنسمة ... مرت على نجد تهز جبالها (15ب) ولربما عرضت لعيني نظرة ... يرضى الحكيم غرامها وخبالها من غادة سرق الصباح بهاءها ... والبدر في ليل التمام كمالها تهوى المجرة ان تكون نجومها ... من حليها، وهلالها خلخالها عرضت كما مرت لعينك مطفل ... ترعى بناظرها الكحيل غزالها ما نهنهت نفسي وان ظمئت لها ... عبراتها يوم الوداع وما لها

_ (1) هذه رواية نسخة بهامش ك، وفي المخطوطات: أغلاها. (2) سقطت هذه الكلمة من ج. (3) هامش ك: ما يسقط من شعرها، واحدها نسالة، واصلها من ريش الطير.

من كان يأمل ان يقوم بمجلس ... حطت به شهب السما (1) أثقالها تجني أحاديث السراة أولي النهى ... نصا وتضرب في العلا أمثالها ألقى هواه جانبا وسرت به ... وجناء تدمن (2) في الفلا أعمالها وختمها بعد مدح السلطان بقوله: يا أيها الملك الذي من ملكه ... جنت (3) الملوك جمالها وجلالها خذها كما دارت بكاس سلافها ... حوراء تمزج باللمى جريا لها تثني على السحر المبين وشاحها ... وتدير من خمر الفتور حلالها لمياء تبرز للعيون (4) كشاطر ... والعقل يوجب حكمه إجلالها وقفت وذو أحسابها من هاشم ... من خير سبط العالمين حيالها ترجو رضاك وطالما أرضيتم ... آل النبي وكنتم أرضى لها كم من يد بيضا لدينا منكم ... شكر الإله وأولياه فعالها آويتم آسيتم واليتم ... أحللتمونا داركم وحلالها وهجرتم لوصالنا أعداءنا ... ووصلتم لصلاتنا أوصالها فصلوا حمانا ما استطعتم وصله ... تعطوا من أجزاء الجزاء جزالها (5)

_ (1) د: السخا. (2) هامش ك من نسخة: ترمس؛ وفي ج بياض. (3) جنت: بياض في ج. (4) كشاطر: بياض في ج. (5) د: الجز: أجزالها.

18 - الخطيب أبو عبد الله محمد بن جعفر بن مشتمل الاسلمي البلياتي (1) رضي الله عنه (2) : (16آ) مجموع مغبوط، وذهب استأثر به من البادية بوط (3) ما شئت من فضل وعفاف، وتبلغ بكفاف، وصون ضاف، وباطن صاف، غير منضاف، دون والف، وتسهل وتكلف، وتحلق بجناح شهم، ورمى إلى اكبر الفنون بسهم، وكان في جهته صدرا، وهلالا لو أمهله الأجل لكان بدرا، إلا انه اعتبط (4) اثر ما به اغتبط، وكان له حصة في الفضل الماثور، وحظ في المنظوم والمنثور. فمن شعره: سباني من بين المغاني عقيقها ... ومن بينه انفضت بعيني عقيقها وسالت بآمالي إليها قبابها ... فأشرقني بالدمع منها شروقها فهيج أنفاسي غراما نسيمها ... وتقدح نار الشوق عند بروقها ومن دون واديها ظباء خواذل ... حكى لحظها ماضي الشفار رقيقها فلو برزت للشمس منهن في الضحى ... مخدرة أضحت كمالا تفوقها نسيم الصبا ان سرت نحو الحمى فقل ... يحيي الديار النازحات مشوقها غريب كئيب مستهام متيم ... جريح الجفون الساهرات غريقها

_ (1) ولي قضاء غربي مالقة وناب في شرقيها، توفي 736. ذكره الحضرمي في فهرسته وعنه نقل صاحب نيل الابتهاج: 231 (ط. فاس) وانظر في بغية الوعاة: 94 وفيها البلياني - بالنون -. (2) رضي الله عنه: سقطت من ج. (3) البوط: جمع بوطة وهي ما يذيب فيه الصائغ الذهب. (4) هامش ك: أي مات شابا، واصل الاعتباط ان تنحر الناقة لغير علة. قال قطري بن الفجاءة: ومن لا يعتبط يهرم ويسام ... وتسلمه المنون إلى القطاع

فهل عطفة ترجى وهل أمل يرى ... لعودة أيام تقضى أنيقها سقى ربعكم من ادمع الصب جودها ... ومن ديم الغيث الملثات (1) ريقها وقال موطئا على البيت الأخير: ما للأحبة في أحكامهم جاروا ... نأوا جميعا فلا خل ولا جار كيف الحياة وقد بانت قبابهم ... وقد خلت منهم والهفي الدار حداة عيسهم بالقلب قد رحلوا ... يا ليتهم حملوا الجثمان اذ ساروا جار الزمان علينا في فراقهم ... من قبل ان تنقضي للصب أو طار ساروا فخيمت الأشواق بعدهم ... ما لي عليها سوى الاماق (2) أنصار (16ب) تراك (3) يا ربعهم ترجو رجوعهم ... يا ليت لو ساعدت بذاك أقدار ودعت منهم شموسا ما مطالعها ... إلا جيوب وأطواق وأزرار استودع الله من (4) جاز الفراق بهم ... وخلفوني ودمع العين مدرار

_ (1) الملثات: سقطت من ج. (2) الآماق: سقطت من ج. (3) بهامش ك: نراك. (4) خ بهامش ك: فاز.

19 - الخطيب الأستاذ أبو سعيد فرج بن قاسم بن احمد بن لب التغلبي (1) ، وهو لهذا العهد بقيد الحياة: هذا الرجل توكئ عليه لما عدم الزمان الوساد، وخلت الديار فساد، وخلف ثعلبانه الاساد، لم يستند إلى ابوة ترعى، ولا ناظر (2) عن اصل الأصالة فرعا، انما هو اكتساب لا انتساب، ونجابة لم يقع عليها حساب، جعلت العلم درجا، واجبلت (3) عليه بسببه فرجا، فنالت من أهلها ما اشتهت، واستأثرت بجنى السحوق، الجامحة عن (4) اللحوق، وقد زهت، حتى إذا حصل المطلوب، واطمأنت بتحصيل الغاية القلوب، ودرت الحلوب غلب الهوى المغلوب، فبدا له، وحطت الحال الصالحة لادالة، وعزلت الجرحة العدالة، وساء الاعتقاد، وعظم من الناس الانتقاد، ونيطت الهنات، وهدمت الصروح المبتناة، وفكت الألسن العناة، وقبحت من بعد المشيب القالة (5) ، وشهدت بفساد المعاملة الأولى هذه الاستقالة (6) ، والشيخ

_ (1) بين تأليف الإحاطة والكتيبة الكامنة تغيرت صورة ابن لب لدى لسان الدين. فقد وصفه في الإحاطة بأنه من أهل الخير والطهارة والذكاء والديانة وحسن الخلق وإنه كان معظماً عند الخاصة والعامة مقروناً اسمه بالتسويد. (انظر النفح 8: 24 - 28) وقد ذكره الشيخ أبو زكريا السراج في فهرسته وقال: قل من لم يأخذ عنه في الأندلس في وقته وله تواليف وفتاوى؛ ولد 701 وتوفي 782 راجع نيل الابتهاج: 211 (ط. فاس) وبغية الوعاة: 372. (2) خ بهامش ك: تأطر. (3) خ بهامش ك: وأملت. (4) ج: والجامحة على. (5) ج ك: الغناة. (6) الاستقالة: سقطت من ج.

لا يبالي بعذل، في مهاودة الطبع الخاذل، وليس بأول من ابق، وفك الربق، واعجبه أصيل العمر فاغتبق. ولله القائل: وقالوا: أتلهو والشباب قد انقضى ... وعمرك قد ولى ولم يبق طائل فقلت: أصيل العمر ما قد بلغته ... وأطيب أوقات النهار الأصائل (17آ) وما عسى ان يجدي التانيب، وقد شرد (1) الجنيب {الله يجتبي إليه من يشاء ويهدي إليه من ينيب} (الشورى: 13) وهو وان ضل عن (2) هدى، واصبح في هواه مجتهدا، فمحله من الطلب لا ينكره ذو حب (3) صاف، ولا مدعي اتصاف بوصف انصاف، ويلم بالنظر (4) أحيانا، ويبين عن أغراضه بيانا، راجع الله به. فمن شعره (5) : خذوا للهوى من قلبي اليوم ما أبقى ... فما زال قلبي كله للهوى رقا دعوا القلب يصلي في لظى الوجد ناره ... فنار الهوى الكبرى هو الأشقى سلوا اليوم أهل الوجد ماذا لقوا به ... فكل الذين يلقون من بعض ما ألقى فان كان عبد يسال العتق مالكا ... فلا ابتغي من مالكي في الهوى عتقا بدعوى الهدى يدعو أناس وكلهم ... إذا سئلوا طرق الهوى جهلوا الطرقا فطرق الهوى شتى ولكن أهله ... يحوزون في يوم السباق به السبقا

_ (1) شرد: سقطت من ج. (2) خ بهامش ك: ضل على. (3) خ بهامش ك: ذو جو. (4) د، خ بهامش ك: بالنظم. (5) الأبيات في النفح 8: 26.

فكم جمعت طرق الهوى بين أهلها ... وكم أظهرت عند السرى بينهم فرقا بسيما الهوى تسمو معارف أهله ... فحيث يرى سيما الهوى فاعرف الصدق فمن زفرة تزجي سحائب عبرة ... إذا زفرة ترقى فلا عبرة تبقى إذ سكتوا عن وجدهم أعرفت بهم ... بواطن أحوال (1) وما عرفت نطقا وقال يمدح بعض مماليك السلطان يسترفده، أيام كانت فارغة من الدنيا يده: مالت بنا ايدي الرجاء فلم تجد ... متناولا (2) للجود غير مسافر فتناولته وهو في بحر الندى ... عذب يطيب لوارد أو صادر قد دل منك عليك فضلك إنني ... لم آت إلا بالدليل الظاهر القى عليك الفضل منه محبة ... في الناس تنفح بالثناء العاطر نشر الرجاء وكان يدعى ميتا ... فاليوم يدعى بالرجاء الناشر (17ب) وإذا الرجاء آتى بصدق أولا ... شهدت أوائله بصدق أواخر أمسافر خير المتاجر متجر ... لله فيه عرفت اربح تاجر لازلت تجمع بين غر محامد ... تهدى إليك بين غر مآثر ومن شعره في الغرض الذي انهمك فيه الكبر، وإنها لإحدى الكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله: وصالك يا مولاي بعت به ديني ... فعجله قبل الحين للصب في الحين وصالك مطلوبي وقربك جنتي ... وان زينت بالحور عدن وبالعين

_ (1) ج: أحوالي. (2) متناولا: سقطت من د.

وما أنا إلا ميت إن هجرتني ... نحولي يكفيني إذا شئت تكفيني غليل: ولكن أنت ريي من الظما ... عليل: ولكن ليس غيرك يشفيني لقد جل ما بي عن عبارة مقولي ... وما كل حال يستفاد بتبين 2 طبقة المقرئين والمدرسين، والممهدين لقواعد المعارف والمؤسسين (1) وهذه الطبقة أولى ممن قبلها بدرجة الانحطاط، وغض عنان الاشتطاط، اذ لا خفاء عند المتمرس، بفضل الخطيب في باب الفصاحة على المدرس، إلا ما وقع بالعرض، وخرج عن هذا القياس المفترض. 20 - الشيخ الاستاذ أبو عبد الله محمد بن علي الفخار (2) من شريش رجل سليم الباطن، متفق على فضله وورعه من الراحل والقاطن، نافع التعليم، متلقاة دعوى معرفته بالتسليم، خرج من بلدة أركش (3) لما استباح

_ (1) سقط العنوان كله من ج. (2) ترجم له ابن الخطيب في الإحاطة وقال انه استوطن مالقة بعد ان استولى العدو على الشريش وتصدر للإقراء والتدريس بها. وله عدة تصانيف أكثرها في النحو. توفي سنة 723 (انظر البغية: 80) . (3) حصن بالأندلس على وادي لكة.

العدو حماه، وغير اسماه ومسماه، فانتصب يقرئ الفنون، حتى لقي المنون، وأوجب الله به النفع فوجب، وقل أن لا يقرأ (1) عليه أحد إلا نجب. وكان له شعر شهير الشان في الاخشيشيان (2) ، تنزر منه الإجادة نزور الأبيض بين الحبشان (3) (18آ) فمن ذلك قوله (4) : أنظر إلى ورد الرياض كأنه ... ديباج وشي في بنان زبرجد قد فتحته نضارة فبدا له ... في القلب رونق صفرة كالعسجد حكت الجوانب خد حب ناعم ... والقلب يحكي خد صب مكمد وقال: خرجت يوما من حلقة الأستاذ (5) بشريش، وأنا شاب في جملة الطلبة، وكان يقابل باب المسجد حانوت سراج وفيه فتى وسيم يرقم جلدا فقالوا لي: لا تجاوز هذا الباب حتى ترتجل لنا شيئا في ذلك الفتى فقلت: ورب معذر للحب داع ... يروق بهاء منظره البهيج وشى في وجنتيه الحسن وشيا ... كوشي يديه في أدم السروج

_ (1) خ بهامش ك: وقلما قرأ. (2) ج ك: الأفششان، وما أثبتناه هو رواية د وخ بهامش ك. (3) خ بهامش ك: من الحبشان. (4) الأبيات في بغية الوعاة: 80. (5) الأستاذ: سقطت من ج.

21 -؟ الشيخ المقرئ أبو عبد الله محمد بن محمد بن ادريس القلطوسي من اسطبونة، رحمه الله تعالى: شيخ قديم الطلب والاجتهاد، هامي (1) العهاد، كلف بالقوافي والعروض، كلف العابد بالنوافل والفروض، وله في ذلك، ما يدل على عنايته بذلك، وتردده بتلك المسالك. ومن شعره يمدح الوزير ابن الحكيم (2) من قصيدة: علاه رياض أورقت بمحامد ... تنور بالجدوى وتثمر بالأمل تسح (3) عليها من نداه غمائم ... تروي ثرى المعروف بالعل والنهل وهل هو إلا الشمس نفعا ورفعة ... (4) فيغرب بالجدوى ويقرب بالأمل تعم أياديه البرية كلها ... فدان وقاص جود كفيه قد شمل ومن شعره أيضا يمدح القائد أبا عبد الله ابن الرنداحي: (18ب) اطلع بأفق الراح كاس الراح ... وصل الزمان مساءه بصباح

_ (1) ج ك: سامي (2) د: فسح. (3) رندي رحل إلى مصر والشام والحجاز واخذ عن العلماء، وكان رفيقا لابن الرشد في رحلته، ثم عاد إلى بلده (685) وقربه السلطان واستمرت حاله معظم القدر إلى أن توفي السلطان ثاني ملوك بني نصر وجاء أبو عبد الله فزاد في تقريبه ولقبه ذا الوزارتين وجعله صاحب العلامة. ولما خلع السلطان انقضت أيامه فقتل ومثل به. وانتهيت كتبه وتحفه عام (708) (انظر الإحاطة 2: 278. والنفح3: 373، 8: 13 وأزهار الرياض 2: 340. (4) د: ويبعد بالأمل.

خذها على رغم العذول مدامة ... تنفي الهموم وتأتى بالأفراح والأرض قد لبست برود أزاهر ... وتمنطقت من نهرها بوشاح والجو إذ يبكي بدمع غمامة ... ضحك الربيع له بثغر أقاح والروض مرقوم بوشي أزاهر ... والطير تفصح أيما إفصاح والغصن من طرب يميل كأنما ... يسقى بكف الريح صرف الراح والورد منتظم على أغصانه ... يبدو فتحسبه خدود ملاح وكأن عرف الريح من زهر الربى ... عرف امتداح القائد الرنداحي 22 - الفقيه أبو عبد الله محمد بن احمد بن محمد بن فرج بن شقر آل اللخمي الطرسوني (1) رحمه الله تعالى درة مغفلة، وخزانة على كل (2) فائدة مقفلة، كان اكبر من الزمان وبنيه، فعدم روضه من يجنيه، أنظاره بعيدة، وأغراضه مبدية في الكمال ومعيدة، حكم له في رقاب المعارف تحكيم، وتصرف لا يعوقه شكيم، يتكلم في المادة المحصورة، ويشرح على الكون والفساد، ويضطلع من علل النفوس

_ (1) ترجم له ابن الخطيب في الإحاطة وقال انه كان قيما على النحو والقراءات واللغة مجدا في ذلك محكما لما يأخذ فيه منه. حظي عند الوزير المحروق فجعله ناظرا لخزانة الكتب السلطانية ثم اعتقله وأخرجه إلى أفريقيا فلما مات الوزير رجع إلى الأندلس فمات في الطريق ببونه عام (730) (انظر بغية الوعاة: 18. وفيها: فرج بالجيم) . (2) كل: سقطت من ك.

والأجساد، بشجى (1) الحساد، ويركض أقلام التعليم جائلة، ويعطي صور الأفلاك مستقيمة ومائلة، سابقا في كل ما أعاده وأبداه، ما لم يزاحم في مداه، ولا ظفرت به ألا يداه، إلى تحسين المجالسة وبيان الإلقاء، والجمع بين معاملة الآباء ومعاملة الأصدقاء. ظفرت منه يدي بالنهر الذي أمن غائصة الدرك، وجمع فيه القوم بين آخذ ومن ترك، هذا يندم لزهده، وهذا لما ترك من جهده، (19آ) فقل أن أتبجح (2) بغريبة، إلا وهي له اليوم منسوبة، وعلي له محسوبة، تعاهده الله تعالى من الرحمة بسحاب، ومن الملائكة الكرام بترحاب. وكان يشعر وينثر، ويعثر من المعاني ما لا يمر به غيره ولا يعثر، وقدر هذا الشيخ اقل من ان تستوعبه هذه الأسطر، أو يفي به خاطر يخطر، فسبحان الذي حجب الفضائل (3) بالتراب، وشبه هذا المتاع الفاني بلمع السراب (4) لا اله إلا هو. من مجموع سماه السليمانيات والعربيات قوله: نام الطفل النبت في حجر النعامى ... لاهتزاز الظل في مهد الخزامى وسقى الوسمي أغصان النقا ... فهوت تلثم أفواه الندامى كحل الفجر لهم جفن الدجى ... وغدا في وجنة الصبح لثاما تحسب (5) البدر محيا ثمل ... قد سقته راحة الصبح مداما حوله الشهب كؤوس قد غدت ... مسكة الليل عليهن ختاما

_ (1) ج ك: بحشا. (2) هذه العبارة مضطربة في النسخ إذ تبدأ الكلمة (فقال) ثم إن لفظة أتبجح ساقطة من ج ك، وهي يتبجح في د. (3) د: الفضل. (4) ج ك: بالسراب. (5) ك: يحسب.

يا عليل الروح رفقا علّني ... اشف بالسقم الذي حزت سقاما همت في ارض بها حلوا غراما ... فرشوا فيها من الدر حصى ضربوا فيها من المسك خياما ... كنت اشفي غلة من طيفكم لو أذنتم من ريح الصبا ... لو أتت تحمل من سلمى سلاما ومن هذه بعد كثير: نشأت للصب منها زفرة ... تسكب المع على الربع سجاما طرب البرق مع القلب بها ... وبها الأنات طارحن (1) الحماما طلل لا تشفي الأذن به ... وهو للعينين قد ألقى كلاما (19ب) ترك الساكن لي من وصله ... ضمة الجدران لثما والتزاما نزعات من سليمان بها ... فهم القلب معانيها فهاما شادن يرعى حشاشات (2) الحشا ... حسب حظي منه أن أرعى الذماما ومن السليمانيات أيضا: أأرجو أمانا منك واللحظ غادر ... ويثبت قلبي والطرف ساحر عجبت للحظ كل قلب يطيعه ... ويرضى بما يقضي به وهو جائر ويترك ورد الخد نهب جفونها ... جريء على دفع المعرة (3) قاصر

_ (1) هذه هي رواية د؛ وفي ك ج: رمها. (2) الحشا: سقطت من ك. (3) د: المضرة.

واعجب من ذا كيف تنهب في الدجى ... لصوص الهوى نومي وطرفي ساهر ويسلم من بعد الذي سكن الحشا ... ويشكو من الهجران والطيف زائر ولا نيل إلا من طروق خياله ... فمن لي بوصل منه والنوم هاجر اعد سليمان اليم عذابه ... لهدهد قلبي فهو للبين صابر أشاهد منه الحسنفي كل نظرة ... وناظر أفكاري لمعناه ناظر دعت للهوى أنصار سحر جفونه ... فقلبي له عن طيب نفس مهاجر إذا شق عن بدر الدجى افق زره ... فاني بتمويه العواذل كافر وفي حرم السلوان (1) طافت خواطر ... وقلبي لما في وجنتيه مجاور وقد ينزع القلب (2) الشجي لسلوة ... كما اهتز من قطر الغمامة طائر يقابل أغراضي بضد مرادها ... ولم يدر ان الضد للضد قاهر ونار اشتياقي صعدت مزن ادمعي ... فمضمر سري فوق خدي ظاهر وقد كنت باكي العين، والبين غائب ... فقل: كيف حال الدمع، والبين حاضر وليس النوى بالطبع مرا وإنما ... لكثرة ما شقت عليه المرائر

_ (1) ج ك: طابت. (2) ج: الملي، وفي ك بياض.

ومن السليمانيات أيضا قال: (20آ) إلا استودع الرحمن بدرا مكملا ... بفاس من الدرب الطويل مطالعه وفي فلك الازرار مطلع سعده ... وفي أفق الأكباد تلفى مواقعه يصير مرآه منجم مقلتي ... فيصدق في قطع الرجاء قواطعه تجسم من نور الملاحة خده ... وماء الحيا فيه ترجرج مائعه تلون كالحرباء في خجلاته ... فيحمر قانيه ويبيض ناصعه إذا اهتز غنى حليه فوق نحره ... (1) كغصن النقا غنت عليه سواجعه يؤكد حتف الصب عامل قده ... وتعطف من واو العذار توابعه اعد الورى سيفا كسيف لحاظه ... فهذا هو الماضي وذاك مضارعه ومن قصيدة في هذا الغرض المذكور: وصالك هذا أم تحية بارق ... وهجرك ام ليلا لسليم لتائق أناديك والأشواق تركض حمرها ... بصفحة خدي من دموع سوابق أبارق ثغر من عذيب رضابه ... قضت مهجتي بين العذيب وبارق ومن شعره يمدح السلطان حين فتح حصن اشكر (2) : بحيث البنود الحمر والأسد الورد ... كتائب، سكان السماء لها جند

_ (1) ج: سوابعه. (2) السلطان هو إسماعيل بن فرج أبو الوليد، وقد هاجم حصن اشك سنة 724 فاخذ بمخنقه، ورماه بالنفط فنزل اهله قسرا على حكمه. واشكر من عمل مدينة بسطة (اللمحة البدرية: 72 وفيه وردت بعض أبيات من هذه القصيدة، وقال إنها للحكيم أبي زكريا بن هذيل.)

حدت بهم خوص عراب ضوامر ... وقد ضاقت الأرجاء اذ عظم الوجد عساكر ملك شرف الله قدره ... فسيان من إقدامها السهل والنجد إذا رجعوا الذكرى حماما سواجعا ... فأعطافهم في ميلها قضب ملد وان حل صبر الصبر بين ضلوعهم ... فأفواههم من ذكر ربهم شهد وتحسب نور الصدق والعزم دائما ... سراجا من التقوى بآزرهم يبدو هم القوم رهبان إذا لبسوا الدجى ... وان لبسوا حر الهياج فهم أسد حذوا حذو سلطان على الشرع عاطف ... رفيق بهم حان إذا عظم الجهد (20ب) وتحت لواء الشرع ملك هو الهدى ... تضيق به الدنيا إذا راح أو يغدو فلو رام إدراك النجوم لنالها ... ولو هم لانقادت له السند والهند تأمنت الأرواح في ظل بنده ... كأن جناح الروح من فوقه بند منها في الحض والقتال وآلة النفط: على إنها ضنت بعذب وردها ... غديّة راح الأسد والضمر الجرد فكان صباح القوم قوما بوصلها ... وقوما بوصل الحور قد أنجز الوعد ولولا دفاع الخود عن عذب ريقها ... لما لذت الشكوى ولا عذب الورد ومن عانق الأخطار حق له العلا ... ومن نبذ الفاني يحق له الخلد وظنوا بأن (1) الرعد والصعق في السما ... فحاق بهم من دونها الصعق والرعد

_ (1) ك: فبان.

عجائب أشكال سما هرمس بها ... مهندسة تأتي الجبال فتنهد ألا إنها الدنيا تريك عجائبا ... وما في القوى منها فلا بد ان يبدو بعيني (1) بحر النقع فوق أسنة ... تنمنمه وهنا كما نمنم البرد سماء عجاج والقوانس (2) شهبها ... ووقع القنا رعد إذا برق الهند وقد نثلت (3) فيها الكنائن فارتمت ... سقيط نثار مثلما قدح الزند كأن قلوب الروم أهدافها التي ... تطير بمحياها وما شعر الجلد ومن دمهم زرق الأسنة لفعت ... فتلك إذا ما شبهت أعين رمد تسيل على الرايات منها مدامع ... كخد محب شفه البين والوجد ألا شفع الرحمن غزوة أشكر ... بها رضي الإسلام ولأحد الفرد ومن رغبة الأشياء في نيل فضلها ... (4) إذا سل سيف كاد يحسده الغمد وتذاكرنا (5) يوما أساليب الشعراء وأفضلنا في ذكر ابن هاني (6) فنظم لي في طريقته هذه الابيات مساجلا لمثلها مما ثبت في موضعها من شعره (21آ) : طرقنا ديور القوم وهنا وتغليسا ... وقد شرفوا الناسوت اذ عبدوا عيسى وقد رفعوا الإنجيل فوق رؤوسهم ... وقد قدسوا (7) الروح المقدس تقديسا

_ (1) فوقها في ج: كذا. (2) ك: شبهها. (3) ج: مثلت. (4) سقط هذا البيت من د. (5) ك ج: وتذاكرت. (6) يعني الحسن بن هانئ أبا نواس، ويلمح إلى طريقته في وصف طروق الحان ليلا مع عصبة من الندامى. (7) ك: قدموا.

فما استيقظوا إلا لصكة بابهم ... فأدهش رهبانا وروع قسيسا وقام بها البطريق يسعى ملبيا ... وقد اصمت الناقوس رفقا وتأنيسا فقلنا له: أمنا فأنا عصابة ... أتينا لتثليث وان شئت تسديسا وما قصدنا إلا الكئوس وإنما ... (1) لحنا له في القول خبثا وتدليسا ففتحت الأبواب بالرحب منهم ... (2) وعرس طلاب المدامة تعريسا فلما رأى زقي أمامي ومزهري ... دعاني تأنيسا لحنث وتلبيسا وقام إلى دن ففض ختامه ... (3) فكبس أجرام الغياهب تكبيسا وطاف بها رطب البنان مزنر ... فأبصرت عبدا صير الحر مرءوسا سلافا حواها القار لبسا فخلتها ... مثال من الياقوت في الحبر ملبوسا إلى ان سطا بالقوم سلطان نومهم ... ورأس فتيل الشمع نكس تنكيسا وثبت إليه بالعناق فقال لي: ... بحق الهوى هب لي من الضم تنفيسا كتبت بدمع العين صفحة خده ... فطلس حبر الشعر كتبي تطليسا فبئس الذي احتلنا وكدنا عليهم ... وبئس الذي قد اضمروا قبل ذا بيسا فبتنا يرانا الله (4) شر عصابة ... تطيع بعصيان الشريعة إبليسا ومن مقطوعاته، رحمه الله تعالى، قوله: أتمنع أن أقبل منك كفا ... وقد حرمت ثغرك بالعفاف وهاأنا طائف بك في كل حين ... فعين لي المقبل للطواف

_ (1) أي أوهمناه بالتورية في الثليث وإنما قصدنا أن نشرب ثلاثا أو ستا. (2) عرسوا: أقاموا، والتعريس: النزول آخر الليل. (3) كبس: اقتحمها فأزال الظلمات بما فاض من نور الخمر فيه، ولعلها (فكنس) أي أزالها جملة. (4) ك: وقت، وعليها علامة خطا في د.

23 - الشيخ الإمام أبو حيان محمد بن يوسف بن حيان النفزي الغرناطي (1) الملقب في البلاد المشرقية (أثير الدين) رحمه الله تعالى: (21 ب) سيف النصرة، المدافع عن أهل البصرة، وإمام صناعة النحو، المتقلب في حججها بين الإثبات والمحو، والغيم والصحو، لو مر به أبو الأسود لقال: سلام، ثم أراه كيف ينقسم الكلام، أو مر بأبي بشر (2) لقال يا بشراي هذا غلام. كان رحمه الله برا يغرف من بحر، ونسيم سحر، يهب على تلك البلاد من شحر (3) ، رحل عن الأندلس والغصن ناضر، وزمن الشبيبة حاضر، وقد برع في علم اللسان، وفي أغراضه الحسان، واستقر بمصر على الطير الميامين، والبر الكفيل الضمين، وصحب الركبان إلى الحرم الأمين، ورفع له لواء الشهرة الذي له يشار، ولظله تحدى العشار، فقصد درسه، وعرف بالإنجاب غرسه، وتغالى فيه الغلاة، واعتنت به الأمراء والولاة، وتأكد بينه وبينهم بسبب أبنائهم الموالاة، وكثرت لديه العوائد والصلات، وانتفعت المغاربة بجاهه مدة حياته، واهتدت سراتهم بنور آياته، وساعده أمله، وكان ممن طال عمره وحسن عمله، واحب الراوين، وزين الاواوين، وكان له شعر

_ (1) هو النحوي المشهور والمفسر صاحب البحر المحيط، ترحم له ابن الخطيب في الإحاطة والصفدي في اعيان العصر (ونقل صاحب النفح عنهما 3: 289، 3: 337) وله ترجمة في نكت الهميان: 280، والدرر الكامنة، وبغية الوعاة: وطبقة الشافعية 6: 31. (2) أبو بشر، هو سيبويه. (3) العبارة: يهب من تلك البلاد على شجر، في النسخ، وكلمة شجرة مضطربة في ج د.

مهاده في الإجادة وثير، ودعابة يثيرها الطبع فتثير (1) ، وأن لم ألق هذا الرجل فهو من بلدي، وتأخرت وفاته عن مولدي، إلى أن أجاز ولدي. ومن شعره، قال رحمه الله تعالى حسبما نقل عن خطه: قدم علينا الشيخ المحدث أبو العلاء محمد بن أبي بكر البخاري الفرضي بالقاهرة في طلب الحديث، وكان رجلا حسنا طيب الأخلاق لطيف المزاج، فكنا نسايره في طلب الحديث، فإذا رأى صورة حسنة قال، هذا حديث على شرط البخاري، فنظمت هذه الأبيات: بدا كهلال الأفق وقت طلوعه ... ومال كغصن الخيزران المنعم غزال رخيم الدل وافى مواصلا ... موافقة منه على الرغم لوم (22آ) مليح غريب الحسن أصبح معلما ... بحمرة خد بالمحاسن معلم وقالوا: على شرط البخاري قد أتى ... فقلت على شرط البخاري ومسلم قال فقال لي: يا مولانا أنا البخاري فمن مسلم؟ قلت له: أنت البخاري وأنا مسلم، قلت: ولو كنت المخاطب لكان مدى الدعابة أفسح، ومن العصمة أن لا تجد. ومن أبياته في غرض التصوف قوله في جيد كلامه: تفردت لما أن جمعت بذاتي ... وأسكنت لما أن بدت حركاتي فلم أر في الأكوان لأنني ... أزحت عن الأغيار روح حياتي وقدستها عن رتبة لو تعينت ... لها دائما دامت لها حسراتي فها أنا قد أصعدتها عن حضيضها ... إلى رتبة تقضي لها بثبات تشاهد معنى روضه أذهب العنا ... وأيقظني للحق بعد سناتي

_ (1) خ بهامش ك: للطبع مثير.

أقامت زمانا في حجاب فعندما ... تزحزح عنها رامت الخلوات لنقضي بها ما فات من طيب أنسنا ... بها وننال الجمع بعد شتات ومن شعره في النسيب وما يناسبه قوله: كتم (1) اللسان ومدمعي قد (2) باحا ... وثوى الأسى عندي وأنسي (3) راحا إني لصب طي ما نشر الهوي ... نشرا وما زال الهوى فضاحا وبمهجتي من لا أصرح باسمه ... ومن الإشارة ما يكون صراحا ريم أروم حنوه وجنوحه ... ويروم عني جفوة وجماحا أبدي لنا من شعره وجبينه ... خدين ذا ليلا وذا إصباحا عجبا له يأسو الجسوم بطبه ... ولكم بأرواح أثار جراحا فبلفظه برء الأخيذ ولحظه ... أخذ البريء فما يطيق براحا نادمته في ليلة لا ثالث ... إلا أخوه البدر غار فلاحا (22ب) يا حسنها من ليلة لو إنها ... دامت ومدت للوصال جناحا وقال رحمه الله تعالى في الغرض المذكور أيضا: نور بخدك أم توقد نار ... وضنى بجفنك أم كئوس عقار وشذا بريقك أم تأرج مسكة ... وسنا بثغرك أم شعاع دراري جمعت معاني الحسن فيك فأصبحت ... قيد القلوب وفتنة الأبصار

_ (1) ج د: كتب. (2) ج ك: لاحا. (3) ج ك: رأسي؛ ج: لاحا.

متصاون خفر إذا ناطقته ... (1) أغضى حياء في سكون وقار في وجهه زهرات روض تجتلى ... من نرجس مع وردة وبهار خاف اقتطاف الورد من وجناته ... فأدار من آس سياج عذار وتسللت نمل العذار بخده ... ليردن شهدة ريقه المعطار وبخده ورد حمتها وردها ... فوقفن بين الورد والإصدار كم ذا أواري في هواه محبتي ... ولقد وشى بي فيه فرط أواري ومن نظمه في المقطوعات وإن عدت لها إجادة فهي ظنة ذلك، قال رحمه الله تعالى: أرحت في البيت من الإيناس بالناس ... كما غنيت عن الأكياس بالياس وصرت في البيت وحدي لا أرى أحدا ... بنات فكري وكتبي هن جلاسي وقال أيضا رحمه الله: وزهدني في جمعي المال أنه ... إذا ما انتهى عند الفتى فارق العمرا فلا روحه يوما أراح من العنا ... ولم يكتسب حمدا ولم يدخر أجرا وقال أيضا رحمه الله: أجل شفيع ليس يمكن رده ... دراهم بيض للجروح مراهم تصير صعب الأمر أسهل ما أرى ... وتقضي لبانات الفتى وهو نائم

_ (1) سقط البيت من د.

(23آ) ومن أبدع ما ينسب إليه من المقطوعات قوله: عداتي لهم فضل علي ومنة ... فلا أذهب الرحمن عني الأعاديا هم بحثوا عن زلتي فسترتها ... وهم نافسوني فاكتسبت المعاليا ومن النسيب: سال في الخد للحبيب عذار ... وهو لاشك سائل محروم وسألت التثامه فتجنى ... فأنا اليوم سائل محروم ومن ذلك في فتى يسمى بمظلوم: وما كنت أدري إن مالك مهجتي ... يسمى بمظلوم وظلم جفاؤه إلى أن دعاني للهوى فأجبته ... ومن يك مظلوما أجيب دعاؤه وقال أيضا: جن غيري بعارض فترجى ... أهله أن يفيق عما قريب وفؤادي بعارضين مصاب ... فهو داء أعيا فؤاد الطبيب وقال أيضا: وذي شفة لمياء زينت بشامة ... من المسك في ترشافها يذهب النسك

ظمئت إليها ريقة كوثرية ... بمثل لآلي ثغرها ينظم السلك تعل بمعسول كأن رضابه ... مدام من الفردوس خاتمة مسك وقال أيضا رحمه الله: بعيد ود، قريب صد ... كثير عتب، قليل عتبى (23ب) كالشمس ظرفا، كالمسك عرفا ... كالخشف طرفا، كالصخر قلبا 24 - الشيخ أبو عثمان سعيد (1) بن أحمد بن ليون (2) رحمه الله: شيخ مولع بالتأليف والتدوين، متميز بذلك في بلده تمييز أواخر الأسماء بالتنوين، ويلخص ويوجز، ويظن أنه يعجز، وكان شديد التخلق، متعلقا بأهداب الفنون أشد التعلق، شهير الإيثار، وبعيدا عن الجمع والاستكثار، بضاعته خزانة جمعت الآباء والأمهات، والفرقد والمهاة، والحقائق والترهات، لا يزال عاكفا على دنانها، وجانيا لألفاف جنانها، حسن المجلس، مقصودا من الغني والمفلس، خفيف الروح، آويا إلى الصدر المشروح، وشعره يلم بالإجادة أحيانا، فيبين (3) المقاصد بيانا، فمن ذلك قوله (4) :

_ (1) هكذا وهو في جميع النسخ وفي نيل الابتهاج: سعد. (2) هو أحد أشياخ لسان الدين، كان مولعا باختصار الكتب، قال المقري: وتواليفه تزيد على المائة، وقد وقفت منها بالمغرب على أكثر من عشرين؛ (النفح 8: 58حيث أورد له مجموعة كبيرة من مقطعاته الشعرية، وله ترجمة في نيل الابتهاج: 105 (ط. فاس) . (3) ج ك: فبين. (4) الأبيات في النفح 8 - 100 وذكر إنها وما يليها من كتابة " إنداء الديم في المواعظ والوصايا والحكم ".

أرح النفس تنتفع بحياتك ... وأغنم العيش قبل يوم وفاتك وأطرح عيب من سواك وسالم ... جملة الناس يغفلوا عن أذاتك وأعتبر بالذين بادوا وبادر ... ما يدانيك من سبيل نجاتك وقال أيضا رحمه الله (1) : كن مع الناس كيف كانوا ووافق ... أن من لا يوافق الناس مائق من يخالف في شيء الناس يرجع ... هدفا للسهام من كل راشق وقال في المعنى (2) : خالف النفس في قصود هواها ... تبق ما عشت سالما من أذاها فأتباع الهوى هوان ولكن ... هان للنفس كي تنال مناها وقال يحرض على طلب العلم (3) : العلم نور وهدى ... فكن بجد طالبه وأحرص عليه وأعتمد ... فيه الأمور الواجبة من لازم العلم علا ... على الأنام قاطبه وقال أيضا رحمه الله: فلا تكلم بما تخشاه أذاك ولا ... بما يعاب وحاذر ذا وذا أبدا ولا تقل غير مالو كنت تسمعه ... كل الورى لم تعب ولم تخف أحدا

_ (1) المصدر نفسه. (2) المصدر نفسه. (3) المصدر السابق نفسه.

25 -؟ المقرئ النحوي أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن محمد أبن لب الأمير (1) أبن الصائغ (2) فاضل رحيب باع، في ميدان انطباع، ومد وإشباع، ركض في ميدان الراحة طلق عنانه، وتفسح في جنان جنانه، متمتعا بأفنانه، غير مبال بجنانه في طاعة جنانه، ثم رحل للبلاد، مستجدا للميلاد، فاستأنف العمر وجنى الثمر، وسلا في النيل (3) وشخاتيره، عن شم قتيره، ومكابدة تقتيره، فتمشت حاله يغبطها الولي، ولا يستطيعها ببلاده الملي، ولا من له القدر العلي، إلى ان استاثر به من له البقاء الأزلي، وكان له شعر ينجده الطبع المعين، فتتخايل في جناته الحور العين؛ فمن ذلك قوله (4) : بعد المزار ولوعة الأشواق ... حكما بفيض مدامع الآماق وخفوق نجدي النسيم إذا سرى ... أذكى لهيب فؤادي الخفاق أمعللي ان التواصل في غد ... من ذا الذي بغد فديتك باق إن الليالي سبق إن أقبلت ... وإذا تولت لم تنل بلحاق

_ (1) النفح: الأمي، وفي البغية: الأموي. (2) ترجم له لسان الدين في التاج والإحاطة وفي الثاني نقل عن الكتاب (المؤتمن على انباء ابناء الزمن) لأبي البركات، ووصفه بالميل إلى الراحة والدعة مع ذكاء ونباهة ومعرفة بالتلاحين وكان يعني بالمرية ثم ذهب إلى غرناطة وقرأ فبها العربية وارتحل إلى المشرق في حدود 720 فلم يتجاوز القاهرة لموافقة هوائها علة كان يشكوها وبها اقرأ العربية. (انظر النفح 8: 331 وبغية الوعاة: 60) توفي سنة 749. (3) ج: وسما بالنيل. (4) النفح 8: 333.

عج بالمطي على الحمى سقي الحمى ... صوب الغمام الواكف الرقراق فبه لذي القلب السليم وداده ... لا كان في الأيام يوم فراق يا ساريا والليل ساج عاكف ... يفري الفلا بنجائب ونياق عرج على مثوى النبي محمد ... خير البرية ذي المحل الراقي ورسول رب العالمين ومن له ... حفظ العهود وصحة الميثاق الظاهر الآيات قام دليلها ... والطاهر الأخلاق والأعراق بدر الهوى البادي الذي آياته ... وجبينه كالشمس في الإشراق الشافع المقبول من عم الورى ... بالجود والأرفاد والإرفاق والصادق المأمون اكرم مرسل ... سارت رسالته إلى الآفاق أعلى الكرام ندى وأبسطهم يدا ... قبضت عنان المجد باستحقاق من صير الأديان دينا واحدا ... من بعد إشراك مضى ونفاق واحلنا من حرمة الإسلام في ... ظل ظليل وارف الأوراق لو ان للبدر المنير (1) كماله ... ما طاله كسف وكشف محاق أو ان للآباء رحمة قلبه ... ذابت قلوبهم من الإشفاق ذو الحلم والعلم الخفي المنجلي ... والجاه والشرف القديم الباقي آياته شهب وغر بنانه ... سحب النوال تدر بالأرزاق ذو رأفة بالمؤمنين ورحمة ... وهدى وتأديب بحسن سياق وخصال مجد أفردت بالخصل في ... مرمى الفخار وغاية السباق ومنها بعد كثير: يا ذا الذي اتصل الرجاء بحبله ... وانبت من هذا الورى بطلاق

_ (1) ج ك: كفاله.

حبي إليك وسيلتي وذخيرتي ... أني من الأعمال ذو إملاق واليك أعملت الرواحل ضمرا ... تختال بين الوخد والأعناق نجبا إذا نشرت حلى تلك العلا ... تطوي الفلا ممتدة الأعناق تحدو لهن من (1) النحيب تردد ... وتقودهن أزمة الأشواق غرض إليه فوقتها اسهما ... وهي القسي برين كالأفواق (25آ) فأنختها بفنائك الرحب الذي ... وسع الورى بالنائل الدفاق وقرى مؤملك الشفاعة في غد ... وكفى بها هبة من الرزاق وعليك يا خير الأنام تحية ... (2) تحيي النفوس بنشرها الفتاق تتأرج الأرجاء من نفحاتها ... أرج الندي بمدحك المصداق 26 - الشيخ أبو عبد الله محمد بن محمد بن بيش العبدري (3) رحمة الله عليه: شيخ قديم الطلب، حمد المأم والمنقلب، معروف انقباضه وصونه، منذ تعين كونه، عانى صناعة النحو، بين الإثبات والمحو، واشتهر بالإلحاح على كتاب الصحاح، واقتصر على التجارة في الكتب، فيا شد ما اتكل

_ (1) د: الرحيب؛ ك: النجيب. (2) هذا البيت والذي يليه سقطا من د. (3) قال فيه لسان الدين في موضع آخر: له في صنعة العربية باع مديد، وفي هدفها سهم سديد. تميز اول وقته بتجارة الكتب فسلطت عليه منها أرضة آكلة. وانتقل لهذا العهد الأخير إلى سكنى مسقط راسه، ومنبت غراسه، وجرت عليه جراية من احباسها، ووقع عليه قبول من ناسها (النفح 8: 351) ترجم له في الإحاطة، انظر بغية الوعاة: 100 مولده في حدود 660 ووفاته في رجب عام 753.

خطره بأم (1) ، وكم خير من عزيز علمه فقده في كم (2) . صحبني في بعض خطراتي بسبتة رسولا فأعدته إلى بلده يقيم به رسم الإقراء، فجهد زنده (3) في الايراء، بعد ما نبذه بالعراء، فتمشت به حاله، إلى ان قوضت إلى العالم الحق رحاله، وكان له في الشعر نصيب، وبين الخواطر سهم مصيب، أنشدني بدار صنعة سبتة عام اثنين وخمسين وسبعمائة يجيب عن الأبيات التي أولها: (4) " يا ساكنا قلبي المعنى " ... نحلتني طائعا فؤادا ... فصار اذ حزته مكاني لاغرو اذ كان لي مضافا ... أني على الكسر فيه بان وانشد في التاريخ المذكور يخاطب أبا العباس عميد سبتة وقد أهدى إليه أقلاما (5) : أناملك الغر التي سيب جودها ... يفيض كفيض المزن بالصيب القطر أتتني منها تحفة مثل حدها ... إذا انتضيت كانت كمرهفة السمر هي الصفر لكن تعلم البيض إنها ... محكمة فيها على النفع والضر (25ب) مهذبة الأوصال ممشوقة كما ... تصاغ سهام الرمي أو خالص التبر فقبلتها عشرا ومثلت أنني ... ظفرت بلثم في أناملك العشر

_ (1) سقطت العبارة من ج، وهذه هي رواية د ك، وهي غير واضحة. (2) خ بهامش ك: وكم قبر من عزيز عليه فقده في كم. (3) زنده: سقطت من ج. (4) هما بيتان لابن العفيف التلمساني، وعجز البيت: وليس فيه سواك ثاني. انظر النفح وقد أكمله بهامش ك. (5) المصدر نفسه.

وأنشدني في التاريخ المذكور في ترتيب حروف الصحاح قوله (1) : أساجعة بالواديين تبوأي ... ثمارا جنتها حاليات خواضب دعي ذكر روض زانه سقي شربه ... صباح ضحى طير ظماء عصائب غرام فؤادي قاذف كل ليلة ... متى ما نأى وهنا هواه يراقب ومن مطولاته، ورفعها إلى السلطان على يدي: ديار خطها مجد قديم ... وشاد بناءها شرف صميم وحل جنابها الأعلى علاء ... يقصر عنه رضوى أو شميم سقى نجدا بها وهضاب نجد ... عهاد ثرة وحيا عميم ولا عدمت رباه رباب مزن ... يغادي روضهن ويستديم فيصبح زهرها يحكي شذاه ... فتيت المسك يذكيه النسيم وتنشره الصبا فتريك درا ... نثيرا خانه عقد نظيم وظلت في ظلال الأيك تشدو ... مطوقة لها صوت رخيم ترجع في الغصون فنون سجع ... بالحان لها يصبو الحليم أهيم بملتقى الوادي بنجد ... وليس سواه في واد أهيم وكنت صرفت عنه النفس كرها ... وما برحت على نجد تحوم وما ينفك لي ولها نزاع ... إلى مغنى به ملك كريم له بيت سما فوق الثريا ... وعز لا يخيم (2) ولا يريم تبوأ من بني نصر علاها ... وأنصار النبي له أروم

_ (1) المصدر السابق نفسه. (2) كتب فوقها (كذا) في ج، وخام: لكل وحاد.

أفاض على الورى عدلا ونيلا ... سواء فيه مثر أو عديم ملاذ للملوك إذا ألمت ... صروف الدهر أو خطب جسيم (26آ) تؤمله فتأمن في ذراه ... وتدنوا من علاه فتستنيم ويبدو في ندي الملك بدرا ... تحف به الملوك وهم نجوم بوجه يوسفي الحسن طلق ... يضيء بنوره الليل البهيم وتلقاه العفاة له ابتسام ... ومنه للعدا أخذ أليم فيا شرف الملوك لك انقطاعي ... وأني في محلكم خديم وآمالي أملت إليك حتى ... وردن على نداك وهن هيم فلا ظمأ ووردك خير ورد ... نمير ماؤه عذب حميم ولا أضحى وفي مغناك ظل ... ظليل حين تحتدم السموم ركبت البحر نحوك والمطايا ... تسير لها ذميل أو رسيم وإن علاك أن عطفت بلحظ ... (1) علي فذلك العز القديم فوا أسفي على عمر تقضى ... بدار ليس لي فيها حميم سوى ثمر الفؤاد ذهبت عنها ... وبين جوانحي منها كلوم دون لقائها عرض الفيافي ... وبحر موجه طود عظيم لعل الله ينعم باجتماع ... وينظم شملنا البر الرحيم بقيت بغبطة وقرار عين ... بملك سعده أبدا يدوم كما دامت حلى الأنصار تتلى ... يشيد بذكرها الذكر الحكيم عليك تحية عطر شذاها ... كعرف الروض جادته الغيوم

_ (1) خ بهامش ك: القويم.

27 - المتكلم أبو الحسن علي بن إبراهيم الرقاص، رحمه الله تعالى: رجل متهور، وفي اقبح الأطوار متطور، يأوي إلى أبوة خاملة، وحماقة على حملة العلم حاملة، إلا أنه ظهر باجتهاده، وترفع عن وهاده، واستمرت حاله على تكلف، إلى ان مات قتيلا في سبيل تخلف. ومن شعره: (26ب) أنسيانا فديتك يا حياتي ... لمن لم ينس حبك للممات ورجما بالظنون أخا حنين ... إليك حليف شوق وانبتات يمينا بالنهر إذا تجلى ... وبالقمر المنير وبالاياة لقد أحللت حبك من فؤادي ... محل الروح من بيت الحياة 28 - المقرئ أبو عبد الله محمد بن سعد (1) بن بقي (2) رحمة الله تعالى عليه: هذا الرجل فاضل الوقت (3) ونعتذر عن القيد، ونقول إذا ذكرت المحاسن: (كل الصيد) (4) ، اما خلقه الجميلة فخميلة، وإما محادثه فجريال

_ (1) ك: سعيد (2) ترجم له ابن الخطيب في الإحاطة ووصفه بكرم العشرة وبسط الكف والعفة والحشمة وسعة الخلق. توفي سنة 751 (انظر نيل الابتهاج: 279ط. فاس) . (3) الوقت: سقطت من ك. (4) يشير إلى القول المأثور: كل الصيد في جوف الفرا.

مستميلة، وإما فوائده فجزيلة، وللشكوك مزيلة، ينتهي في العلم والدين إلى المجد، ويشير من سلفه إلى علم نجد، ويدرس العلم حلف سداد، واستظهار بالتحصيل والرأي الأصيل واعتداد. وقام بالرباط الذي بنيناه بالحضرة قياما أرضى الوارد، وأعذب الموارد. وله نظم لا تنكر الإجادة نسبه، ولا تنازع مكسبه. فمن ذلك ما أنشدنيه مما نظمه عند مواراة جنازة (1) : كم أرى مدمن لهو ودعه ... لست أخلي (2) ساعة من تبعه كان لي عذر لدى عهد الصبا ... وأنا آمل في العمر سعة أو ما يوقظنا من كلنا ... آنفا (3) لقبره قد شيعه سيما إذا قد بدا في مفرقي ... ما أخال الموت قد جاء معه فدعوني ساعة ابكي على ... عمر أمسيت ممن ضيعه

_ (1) الأبيات في نيل الابتهاج: 279. (2) فوقها في ج ك كلمة " كذا ". (3) فوقها (كذا) في ج.

29 - الفقيه أبو محمد عبد الله بن أبي القاسم بن جزي الكلبي (1) رحمه الله: خزانة تنفق الأدب إذا كسد، وتصلح من أدواته ما فسد، ونفس لا تناسب الجسد، هي حركة في جمود، وبحر مجمود، في طي (2) منزور (27آ) مثمود، وذهول، غطى على ربع مأهول، وروض مفتح نور، إلا أنه محتجب في غور، ان ذكر النحو أزرى بحفاظ بصرته، وسل على كافة الكوفيين صوارم نصرته، أو ذكر البيان، أنسى الخبر العيان، إلى مجادة سندها معنعن، وأصالة ليس فيها مطعن، يعضدها عم وخال، ويزين أعلاها وأسفلها خال وخلخال؛ وهواليوم بمدرسة الحضرة يعرب فيغرب، فيباهي (3) به على المشرق والمغرب، وشعره وان شغلته عنه شواغل الفنون، مظنة اللؤلؤ المكنون، وشاهد لعناية الله تعالى بالحمأ المسنون، وإيجاد المعدومات بين الكاف والنون، فمن شعره من المقطوعات يوري بألقاب من العروض: لقد قطعت قلبي يا خليلي ... بهجر طال منك على العليل ولكن ما عجيب منك هذا ... إذ التقطيع من شأن الخليل

_ (1) ترجم له ابن الخطيب في الإحاطة وقال: قريع بيت نبيه وسلف شهير.. حافظ قائم على العربية، شارك في فنون لسانية، فعد للإقراء بغرناطة ثم نقدم للقضاء؛ اخذ عن والده أبي القاسم أشياء كثيرة وعن أبي البركات بن الحاج (انظر نيل الابتهاج: 129ط. فاس) . (2) في جميع النسخ: فطر؛ والتصويب عن خ بهامش ك. (3) خ بهامش ك: ويباهي.

ومن التورية النحوية قوله: لقد كنت موصولا فأبدل وصلكم ... بهجر وما مثلي على الهجر يصبر فما بالكم غيرتم حال عبدكم ... وعهدي بالموصول لا يتغير ومن التورية بالعدد وهو مليح: يا ناصبا علم الحساب حبالة ... لقناص ظبي (1) ساحر الألباب إن كنت ترزق بالحساب وصاله ... فالله يرزقنا بغير حساب ومن التورية العروضية: لقد كمل الود ما بيننا ... ودمنا على فرح شامل فان دخل القطع في وصلنا ... فقد يدخل القطع في الكامل (27ب) وقال في تضمين مثل: ألا اكتم حب من أحببت واصبر ... فان الهجر يحدثه الكلام وان أبداه دمع أو نحول ... فمن بعد اجتهادك لا تلام ومن التورية بأسماء كتب جوابا عن معمى: لك الله من خل حباني برقعة ... حبتني من أنبائها بالنوادر رسالة رمز في الحجال مهابة ... ذخيرة نظم أتحفت بالجواهر ومن النسيب قوله: واشنب الثغر له وجنة ... تعدت النحل على وردها ما ذاك إلا حسدا إذ رأت ... رضابه أعذب من شهدها

_ (1) خ بهامش ك: ليصيد ظبيا.

وقال في النسيب أيضا: لئن كان باب القرب قد سد بيننا ... ولم يبق لي في نيل وصلك مطمع واخفر عهدي دون ذنب جنيته ... واصبح ودي فيك وهو مضيع ولم ترث لي مما ألاقي من الأسى ... وصرت أنادي منك من ليس يسمع وضاقت بي الأحوال من كل وجهة ... لما ارتجي من رحمة الله أوسع وقال رحمه الله يخاطب رجلا من أصحابه (1) : أبا حسن ان شئت الدهر شملنا ... فليس لود في الفؤاد شتات وان حلت عن عهد الإخاء فلم يزل ... لقلبي على حفظ العهود ثبات وهبني سرت مني إليك إساءة ... ألم تتقدم قبلها حسنات وقال وهو مما نظمه في التضمين وفيما يظهر منه: لقد صرت في غصب القصائد ماهرا ... (2) فما اسم جميع الشعر عندك غير لي ولم تبق شعرا لامرئ متأخر ... ولم تبق شعرا يا ابن فعل لأول

_ (1) أورد المقري هذه الأبيات في أزهار الرياض (3: 195) منسوبة لمحمد بن جزي صاحب الترجمة رقم: 78 فيما يلي. (2) هامش ك: ولو قال عوض الشطر (فما لك حظ في قريضك غير لي) لكان أوضح.

فشعر جرير قد غصبت ورؤبة ... وشعر ابن مرج الكحل وابن المرحل وان دام هذا الأمر أصبحت تدعي ... " قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل " وقال في التورية: إلى الله أشكو غدر آل توددي ... إلي فلما لاح سري لهم حالوا لقد خدعوني إذ اروني مودة ... ولكنه لا غرو ان يخدع الآل وهو الآن فتى بقيد الحياة يتولى ما ذكر. 30 - المقرئ أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن عبد العظيم (1) رحمه الله: بقية بيت، وكيت وكيت، وحسب ميت، وفتيل سراج قديم عهده بزيت؛ أقام رسم الإقراء ببلده على لوثة تخل بخلاله، وتطرق (2) حده بكلاله، وكان النحو محط رحاله، ومعول انتحاله. وله شعر مهلهل، لا يجم به منهل، ولا يعلم به مجهل، فمن ذلك قوله يمدح الأمير بسبتة ويصف الأسطول من قصيدة أوله: أما الوصال فإنه كالعيد ... عذر المتيم واضح في الغيد

_ (1) ترجم في الإحاطة لمن اسمه محمد بن عبد العظيم بن أرقم النميري الوادي آشي، وكنيته أبو عامر فلعله هو هذا. توفي سنة 740 (انظر بغية الوعاة: 58) . (2) ج ك: وتطري.

منها: بتنا وليس سوى النجوم نديمنا ... نجني الأزاهر من رياض خدود حف العناق بنا كأنا في الهوى ... غصنان معتنقان في تأويد نثني على يحي الذي زان العلا ... بإمارة وإنارة وصعود ثم انثنينا عامدين لقصره ... في خير أسطول وخير بنود نسري ونركب كل طرف ما ونى ... عن كل شأو في المياه مديد قد نازعنه الريح في (1) فعل له ... فجرى مخافة ذلك المقصود أقدامه عود ولكن طوقت ... ليلا بنار مضرم ووقود وانظر إلى ماء ونار واعتبر ... يا صاح كيف تجمعا في عود (28ب) وتر ولا لسواه إلا أربع ... سر السباق يبين في التعديد إن قلت فيه البرق حقيقة ... لكن ندى يحيى سحاب الجود إن قلت أن الفلك أفلاك فقل ... وجه الأمير كمثل بدر سعود

_ (1) ج ك: فل.

- 3؟ طبقة القضاء أولي الخلال المرتضاة (1) وهذه الطبقة منحطة في البيان، لاقتصار مداركها على علوم الديان، وما يصدر عنها فعلى جهة الافتنان وسخاء الأفنان، وربما ندر في هذه الطبقة ما يعي يد الحالب، ويحسب الطالب، لكن الحكم للغالب. 31 - الشيخ أبو جعفر احمد بن محمد بن محمد بن احمد بن فركون القسري رحمة الله تعالى عليه (2) : قاض ركب الكفاية ظهرا، وجعل الاجتهاد للخطة مهرا، قريع بيت ضيعة نوه به حظه، فسمى إلى الغاية لحظه، إذ كان مولى على الأحكام، فارعاً منها للأكام، ماهراً في علم الفريضة، طبيباً (3) لمعاناة مقاماتها

_ (1) سقط العنوان كله من ج. (2) ولد سنة 649 وتوفي سنة 729. ولي القضاء برندة ومالقة ثم ولي قضاء الجماعة بغرناطة ثم صرف من القضاء في بعض الأحداث السياسية فانقطع إلى أرض خارج غرناطة. ترجم له ابن الخطيب في عائد الصلة والتاج والإحاطة أيضا (الإحاطة 1: 159) وقال: وذكره ابو بكر ابن الحكيم في كتاب " الفوائد المستغربة والموارد المستعذبة " من تأليفه. وانظر ترجمته في المرقبة العليا: 138 ونيل الابتهاج: 39 (ط. فاس) وفيه نقل عن فهرسة الحضرمي. (3) د: طالباً.

المريضة، شديد القحة والصلف، مزريا بالخلف والسلف، يدعو المشيخة بأسمائها، فتشجى بغمائمها، وينبزها بالقابها (1) ، فتنجحر بانقابها، تلوي برقابها، وله نادرة شاردة، وفكاهات صادرة في مجلس القضاء وواردة، يبدي بها في مقصد الحكم (2) ، وجوه الصم والبكم، فيهضم جبارها، وتنقل أخبارها وكان ينظم شعرا منحطا، ويرتاد من طبعه جنابا يشتكي قحطا، فمن ذلك قوله يخاطب السلطان (3) : شفاؤك للملك اعتزاز وتأييد ... وبرؤك مولانا به عندنا عيد مرضت فلم تأو النفوس لراحة ... ولا كان للدنيا قرارا وتمهيدا ولم تستطع عيني تراك مؤلما ... ولازمها طول اعتلالك تسهيد (29آ) فلما شفاك الله وافى سرورنا ... ولم يبق للدنيا على الدهر تعديد فللبشر بالأبلال في القلب موقع ... وللشكر في الأقوال لله ترديد هنيئا وبشرى للعباد ببرئكم ... نعم وبه الإعزاز للدين موجود شهدت بان الفتح يدنو مبادرا ... ويتلوه يوم في عداتك مشهود وتملك أمصار العدا ورقابهم ... وللنصر تاج في لوائك معقود لذاتك في الدنيا اعتلاء ورفعة ... وعز وفي الآفاق ذكرك محمود بقيت على مر الدهور مملكا ... جنابك محروس وبابك مقصود وكتب يهنئ بمولود: هنيئا للقيادة والمعالي ... وبشرى للمجادة والجلال

_ (1) وينبزها بألقابها: سقطت من د ج. (2) خ بهامش ك: يسم بها في مجلس الحكم. (3) وردت الأبيات الثلاث الأولى في الإحاطة 1: 162.

بمولود بمولده استقامت ... لوالده السعود على التوالي به بلغت أمانيه مناها ... به غدت المكارم في احتفال سيطلع في سماء المجد بدرا ... ومنصبه على الجوزاء عال ويغدو بالنفاسة في ابتداء ... ويحظى بالرئاسة في المآل ويحرسه الإله بعين حفظ ... ويمنحه البقاء مدى الليالي تباكرك المسرة كل يوم ... ويصحبك السرور بلا انفصال وقال في شأن ما كان يقرف (1) به غفر الله له (2) : أنا من الحكم تائب ... وعن دواعيه راغب بعد التفقه دهري ... ونيل أسنى المراتب أصبحت أرمي بعار ... للحال غير مناسب أشكو إلى الله بثي ... فهو المثيب المعاقب الشيخ القاضي أبو عبد الله محمد بن يحيى بن غالب (29ب) : كان هذا الرجل ممن ينتحل الأدب في جيله، يتبرع بمجاولة مجيله، ويكتب قاضي (3) الاستحسان، على أغراضه الحسان بتسجيله، فاشتهرت أبياته، وحفظت مبتدهاته ومروياته؛ فمن ذلك قوله يمدح السلطان ويصف الأسطول من قصيدة طويلة:

_ (1) خ بهامش ك: يعرف. (2) أنظر الأبيات في الإحاطة 1: 162. (3) في هامش ك: قضايا.

أضاءت بك الدنيا وأشرق نورها ... ولاح عليها بشرها وسرورها وقد طلعت بالسعد منك سعودها ... كما صلحت بالأمر منك أمورها فكل إلى مرآك هزته وحشة ... كما استوحشت غرناطة وقصورها وبان بأن الحق حقك في العلا ... وبان بكم إفك العداة وزورها فمن لم يقوم ميله عنك عقله ... تقومه إعجاز القنا وصدورها منها في وصف الأسطول: بعثت لتأمين البحور جنودها ... بها أمنت كالبر منها بحورها شواني تحكيها انقضاضا شواهن ... وإن صرصرت يوما حكاها صريرها وإن قيل غربان فمن أجل أنها ... نواعب أرواح العدا إذ تغيرها وإن قيل عقبان فغير حقيقة ... وإلا على التحقيق فهي وكورها تخطف إذ تنقض كالنجم يرتمي ... بغاث العدا عقبانها وصقورها تجاذبها اجناحها شبها كما ... نواظرها زرق العيون وحورها لها صفحات الماء مثل صحائف ... وتلك الجواري المنشئات سطورها ميامين في الأسفار أنى تيممت ... فباليمن والإقبال يأتي سفيرها ومن شعره في غرض النسيب: آه من لوعتي ومما أعاني ... (1) ضاق صدري بالسر والكتمان كنت أخفي عن الوشاة إلى أن ... فضحتني بدمعها أجفاني (30آ) ولئن دام يا خليلي ما بي ... فاحسباني بالحب لا شك فان

_ (1) هذا البيت والذي يليه سقطا من د.

ونحولي على غرامي دليل ... شاهد بالذي يجن جناني مذ زمان قد كنت أخفي ولكن ... من نحولي لم يدر مني مكاني يا فؤادي صبرا عسى من قضى ... بالبعد يقضي من بعده بالتداني يا زمان الوصال هل من رجوع ... حفظ الله عهد ذاك الزمان أين ورد وسوسن كنت أجني ... أين شهد رشفت من أقحوان بت ليلي والبدر فيه نديمي ... مخجلا بدره ببدر ثان قائلا للحساد موتوا بغيظ ... نلت ممن أحب كل أمان ولكم بت أرقب النجم سهدا ... ودموعي كالوابل الهتان باسطا لليدين أدعو بذل ... ليس لي بالبعاد منك يدان 32؟ الشيخ القاضي المسن أبو جعفر أحم بن عتيق الشاطبي (1) من الأكاليل؛ رحمه الله تعالى بمنه: شيخ طالت مصاحبته للأنساء، وملازمته للإصباح والأمساء طالما نظر بين غني ومسكين، وذبح بغير سكين، يقضي عمره في الحقوق، ويهب بين رعود وبروق، واكتسب مالا، وبلغ من الدهر آمالا، إلى أن أوثقته إشراك الحمام، وكل شيء فإلى تمام. وله شعر

_ (1) كان صدرا في صنفه من شيوخ الطلبة وقدماء القضاة ضابطا للشروط عارفا بالوثائق بصيرا بعللها. توفي ببرجة بعد صرفه عن القضاء عن سن يقارب التسعين أو يزيد عليها عام 743. ذكره الخضرمي في فهرسته. أنظر نيل الابتهاج: 46 (ط فاس) .

خفيف الروح، ودعابة توسى بها الجروح، فمن ذلك قوله يخاطب نفسه: تراخت بك الدنيا وجد بك السير ... وأشغلت بالفاني وقد زهد الغير فحتى متى تكبو السوابق في الثرى ... وتصحب رجلاك السلامة يا عير عدت بك عن نيل المعيشة كبرة ... تراخت لها الأعضاء وأستنزر الخير وقل انتفاع الأهل منك فأعرضوا ... كأنك فرخ مل من زقه الطير مراد الغواني منك خير ووزنه ... فها أنت لا خير لديك ولا أير وقال وقد استسلم للقضا، وعجز عن خطة القضا، وتلقى أمر الله جل جلاله بالرضى: قد عجزت عن القضا ... كل شيء إلى انقضا أغمد الدهر مرهفا ... كان منا قد انتضى كل ما يفعل الإله ... قبلناه بالرضى نسأل الله عفوه المرتجى ... في الذي مضى

34 -؟ الشيخ القاضي أبو جعفر أحمد بن محمد بن سعيد بن أبي حبل المعافري رحمة الله عليه: فذ تثنى عليه الخناصر، وصدر لا يحصر فضائله حاصر، وقاض يريش سهام الأحكام ويبريها، ويزيل بنظره الشبه التي تعتريها، ويطبق مفاصل الفصل، بذهنه الذلق النصل، فيعريها، تولى الأقطار فازدانت، وتقلد الأحكام فلاحت المعدلة وبانت، وظهرت الحقوق الشرعية حيث كانت، وأما الأدب فكان من سباق حلبته، وفراع هضبته، وإن كان بغير فنه معروفا، وإلى سواه من الفنون الشرعية مصروفا؛ فمن شعره: تكفل بالرزق الذي تستحثه ألهك فلتجمل إذا آنت طالبه ... وكن ساعيا فيه على وفق أمره ... شكورا له فالشكر لاشك جالبه وإياك والسعي المذل فإنه ... ينالك منه ما أنالك واهبه دع الحرص فيه واسأل الله بسطة ... فما الحرص مدنيه ولا البطء سالبه فيا رب إن ناله كيف ما اشتهى ... ورب حريص أعوزته مكاسبه (31آ) وقال وهو من شواهد كماله: عتوي كل يوم في ازدياد ... وعمري في انحطاط وانتقاض ولذاتي تقضت واتباعي ... بها باق إلى يوم القصاص ولي حاجات نفس لا أرى ما ... أشير إليه منها غير قاص

وقد حملت أعباء ثقالا ... جوافي لا تنوء بها قلاصي ويبطئني المعاش ولا عتاب ... على قدر لرزق ذي اعتياص ألقي دونه حربا عوانا ... بأعداء على قتلي حراص ثنوا نحوي أعنتهم طلابا ... وجاسوا بالأداني والأقاصي فمهما لحت أصمتي سهام ... نوافذ لا تقي منها دلاصي وقال يتفجع لعمره الماضي، وزمانه المتقاضي، ويرتقب غريم التقاضي: مضى من دن عمري كل صفو ... فما أبغي من الدردي لهفي وولت طيبات العيش عني ... وأعوز من بقاياها التشفي ولذات المطاعم شرها ما ... غدا (1) بالسن من خلل وضعف وذا داعي المنون ضحى وممسى ... يناديني هلم نداء عنف ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ فلي هرب المروع يروم منجى ... أمامي وهو لا ينفك خلفي وقد جعلت لي الستون قيدا ... وثيقا مؤذنا بلحاق حتف وشيبي منذر لو أن نفسي ... تطاوع بالمتاب بغير خلف فكم وعد لها من بعد وعد ... ولكن ما لها عزم موفي وليس سواك يا مولاي أرجو ... على إسرافي الأحرى بصرف فعامل بالجميل جميل ظني ... وقابل نكر أفعالي بعرف

_ (1) ج: غدت.

(31ب) ومن شعره مقتطعا من أبيات: أقول لها من بعد ما كدت للهوى ... أميل وأعصي داعي الرشد والنصح إليك فهذا الشيب أوضح صبحه ... وقد أوجب الإمساك متضح الصبح فصدت وأغرت بالخضاب لعلها ... تسوم دليل الحكم يوما من القدح فقلت كفى بالزور في الوجه شاهدا ... يحط جميلا في الوقار إلى القبح 35؟ القاضي أبو القاسم محمد بن يوسف المعروف بابن الجقالة: صدر في القضاة، وينبوع للخلال المرتضاة، وطابع لسيوف الكلام المنتضاة، شب في الحكم وشاب، وورد الجمام والأوشاب، وسلك من الأدب على السنن المأثور، وركض جياد المنظوم والمنثور، فكان مخصوصا في أهل زمانه بالإجادة، إلى ما تميز به من الأصالة والمجادة، ومن شعره في غرض النسيب: أعد التفاتك في الهوى لمتيم ... يشكو النوى من ظلم متظلم لو كنت تسمح بالتفاتك ساعة ... لرأيت كيف أذاب حبك أعظمي جسم نحيل لو وقفت برسمه ... لعرفته من بعد طول توهم أخفى الضنى جسدي فصار كأنه ... معنى خفي في كلام مبهم ولنار شوقي في الضلوع توقد ... ويزيدها دمعي التهاب تضرم

وعجبت من ضدين كيف تجمعا ... النار تضرم والمدامع تنهمي رحماك في دنف أرق من الهوا ... رفقا بمن يهواك وارحم ترحم يا هاجري يا قاتلي بصدوده ... أحللت لا بالشرع قتل المسلم هذا نجيعي فوق خدك شاهد ... أجنيت حتى حل قتلي أو دمي إن قلت ما في الخد غير تورد ... فدمي عليه لائح كالعندم (32آ) سلت على قرب لحاظك مرهفا ... ورمت على بعد كرمي الأسهم ولقد علمت بأنها سفكت دمي ... لكن جهلت كأنني لم أعلم وأردت أخذ الثأر منك فراعني ... من غابة الغزلان صولة ضيغم ما كنت اطلب منك ثارا في دمي ... أن شئت قتلي فهو غير محرم لا ثار لي غير الوصول وأخذه ... صعب المنال على المشوق المعدم بهواك إلا ما رحمت صبابتي ... ونظرت من حالي بعين ترحم ومن مقطوعاته قوله: وصحبت أيامي على علاتها ... وبلوتها في شدة ورخاء وقطعتها بالشكر في نعائمها ... ولقيتها بالصبر في الضراء وقال يرثي الوزير أبا عبد الله بن الحكيم رحمه الله، وكان لم يقبر: قتلوك ظلما واعتدوا ... في فعلهم حد الوجوب ورموك أشلاء وذا ... أمر قضته لك الغيوب إن لم يكن لك سيدي ... قبر فقبرك في القلوب

36 -؟ إسماعيل بن محمد بن محمد بن هانئ القاضي أبو الوليد (1) ، رحمه الله: قريع حسب، جامع بين مورث في الفضل ومكتسب، تحلى بالصيانة الضافية الجلباب، ونشا في اللباب، من ذوي العكوف والاكباب، فحفظ موطأ الأمام، كأنما اجترع جرعة من ماء الغمام، ورحل من بعد التحصيل، وطلب الأصيل، وأستقر بالمشرق بادي احتشام، مدرسا بحماة الشام، وله شعر عارضته قوية، وسبله في الإجادة سوية، فمن ذلك قوله: أتعرف ربعا للتواصل قاويا ... عفت آية إلا الصوى والأواريا (32ب) تعاور فيها كل عاس مجلجل ... وجرت عليه الرامسات السوافيا بكت برباه للسحاب مدامع ... فلما وهت (2) ألقت عليه المآقيا ولما دعا داعي الفراق وأجهشت ... قلوب تلقت من يد الشوق فاريا وأصبح داعي الشوق لأيا مسيره ... (3) وداعي التنائي ناعب السرب ضاويا ظللت ترجي الوصل منه ولم تكن ... له قبل إلمام التفارق راجيا إذا شمت برقا هجت بشرا لعله ... أتى موهنا من أرضه لك ساريا

_ (1) ترجم له ابن حجر في الدرر الكامنة، وابن كثير في البداية، ولي قضاء المالكية بحماة، وكان نحويا يحفظ كثيرا من الشواهد، توفي سنة 771 (انظر بغية الوعاة: 199) . (2) خ بهامش ك: فلما همت. (3) ج د: خاويا.

وان سمعت أذناك في سبب صدى ... أصخت رجاء إن أتى لك داعيا وان كان وافى في الدجنة طارق ... تبادر عساه أن يكون الموافيا لعلك تلقاه بعاف سبيله ... من الأرض قد أضحى من الأنس خاليا عفا فغدا لا يستبين لناظر ... وإدراكه يعشي العيون الروانيا فتلقاه فردا لا يراع بكاشح ... أمينا من آن تلقى سواه ملاقيا قريب التلافي غير صعب قياده ... كما شئت بسام الثنايا مواليا يمد رواقا للتواصل سجسجا ... ويورد عذبا من تدانيه صافيا فتجني الرضى منه على حين غفلة ... من الدهر مهلا ليس ترهب واشيا ومنها بعد كثير: فهاك معنى القلب جمر غرامه ... له لوعة لا ترتجي الدهر آسيا يجهز جيشا للغرام مظفرا ... ويورده بحرا من الدمع طاميا موارد دمع لا يخاف نفادها ... يمد الثكالى بحرها والبواكيا يغالب أشجانا براه غلابها ... (1) فاصبح للخدين والوجه كابيا سفاه لعمري ان يغالب قادر ... على الفصل لا يلقى عن الهم ثانيا ومن رام غمر البحر يزحم (2) موجه ... فأوشك بان يلقى لدى النسف طاميا (33آ) فلا تتبع يأسا فتتلف بالأسى ... فؤادا بنار الوجد اصبح صاليا

_ (1) خ بهامش ك: كافيا. (2) ج ك: يرجم.

فقد يدرك الصعب البعيد مرامه ... ويضحي الذي أبدى الجماح مواتيا ويضحي الذي منه الغرام وداؤه ... إذا شاءه الله الطبيب المداويا وقال في قصيدة: هوى والهوى يتلوه اثر الهوى هوى ... كذاك هوى حتى ازور المقابرا فلو جئت قبري بعد سبعين حجة ... تزور وقد صارت عظامي نواخرا لكان الصدى مهما أتيت مسلما ... ومؤتمرا إن كنت قد جئت أمرا وهو لهذا العهد بالبلاد قد ارتبط واغتبط، وفي غير الفنون النافعة ما خبط، وبلغت عنه وفاة كاذبة اقتسم لها ميراثه، كما قيل: أكلوه حيا هل سمعت كآكل ... من غير مضطر للحم أخيه

37 - الشيخ القاضي أبو عمرو عثمان بن محمد بن يحيى بن منظور القيسي (1) صدر معارف جمة، وصاحب نفس بالكمال مهتمة، كانت أخلاقه كالزلال بل هي أعذب، وشمائله يحسدها الأريحي المهذب، بذ السوابق في منقول ومعقول، وبشر مصقول، وتولى القضاء فحسنت السيرة، وسهلت في الحق المذاهب العسيرة، وكان لا يتصف بنثر ولا نظم، ولا يغتبط من ذلك بلحم ولا بعظم، إلا ما وقفت عليه بخطه في ظهر كتاب ألفه شيخنا الوزير أبو بكر ابن الحكيم، رحمه الله،وسماه الفوائد المنتخبة والمواد المستعذبة، فاستحق الذكر في هذه الطبقة لذلك، والسير في هذه المسالك، ونصه: قد جمع الحكم وفصل الخطاب ... ما ضمه مجموع هذا الكتاب من أدب غض ومن علية ... تسابقوا للخير في كل باب (33ب) فجاء فذا في العلا والنهى ... ومنتقى صفو لباب اللباب ألفه الحبر الجليل الذي ... حاز العلا إرثا وكسبا فطاب

_ (1) ترجم له ابن الخطيب في أيضا الإحاطة وعائد الصلة وعنه نقل النباهي في المرقبة العليا (147) وقد توفي ابن منظور ببلده مالقه عام 735.انظر بغية الوعاة: 324.

38 - القاضي الشيخ أبو بكر بن ولي الله تعالى أبي جعفر ابن الزيات (1) هضبة توقير لا ترجف ولا تزلزل، وذروة دونها السماك ألا عزل، بنى على أساس الأبوة الشهيرة، وسفر فضله عن محيا شمس الظهيرة، وكان فرعا من دوحة، وصفي غدوه في سبيل الله وروحه، متجر الرواية عاليها، متصل المثابرة متواليها، حسن الخط مجيده، محليا به نحر ما يلفظه وجيده. وكان يلم يشعر لم اقف منه ألا على قوله: يفاتح بالتسليم مجلس عزلكم ... وبالرحمة العظمى وبالبركات وحبي فيكم غير خاف عليكم ... وحسبي هذا الحب طول حياتي أدام لك الله السعود وأبقيت ... علاك بجيد الملك منتظمات وكتب مستدعيا إجازة أهل عصره إياه، فكان من منظوم ذلك قوله: لما علوتم يا مصابيح الدجى ... رتبا قصرت عليكم مني الرجا وقرعت باب الفضل منكم سالكا ... سننا من الحرص الرضي ومنهجا وأبيت إلا ان أكون ابنا لكم ... عملا بما يقضي به حكم الحجى والله جل اسما يطيل بقاءكم ... ويري ابنكم فيكم جميعا ما رجا

_ (1) هو محمد بن احمد بن علي بن الزيات: ترجم له الخطيب في عائد الصلة وعنه نقل صاحب نيل الابتهاج: 237 (ط. فاس) . ومما قاله فيه: " يشبه أباه في هديه وسمته ووقاره؛ كان حافظا للرتبة مقبما للأبهة، بقية أبناء المشايخ ظرفا وأدبا ومروءة إلى رواية كثيرة، مشاركا في فنون من فقه وقراءة وعربية وأدب وفريضة ومعرفة الوثائق والاحكام، تولى قضاء بلده بلش وإمامته وخطابته ".

39 - محمد بن محمد بن شعبة الغساني أبو عبد الله، رحمة الله عليه: فاضل نزع من بيت العمل، إلى ارعاء الهمل، وصحا من بعد الثمل، فظفر من القضاء بالأمل، وجنح على (1) قلم الحساب، إلى الاستماء (2) للخطط الرفيعة والانتساب، لما شهر بزهده (3) في الاكتساب، فكان مشكور التحول، (34آ) محمود التعول، وفقا في ترك التكسب المعتاد والتمول، وله ادب نبيل، وسمت وضح منه في التزامه سبيل فمن ذلك قوله: يبلى على مر الجديدين الهوى ... وهواك يا ليلى جديد باق قد رق من فرط الهوى جسمي فهل ... لي في الهوى من مشفق أو راق ما ذاق قيس في الهوى ما ذقته ... كلا ولا أحد من العشاق أنت المنى فصلي محبك أو ذري ... لابد منك على نوى (4) وتلاق ومن شعره قوله: إذا ما الخل خالك دمن ود ... وجارك بالكلام عليك جارا ففارق كل من يدعى خليلا ... ولا تصحب من الأقوام جارا

_ (1) ك: وسنح عن. (2) خ بهامش ك: إلى الانتماء. (3) ك: من زهده. (4) ج: منى؛ د: هوى.

ومن شعره أيضا: ما ذوق الدهر الأنام مشقة ... مثل اعتياض شبيبة بمشيب وبعاد من قربت إليهم داره ... وفراق كل حبيبة وحبيب 40 - محمد بن سعد بن قاسم الأوسي أبو عبد الله بن الفخار، رحمه الله: متفنن من المعارف في أزهار على انهار، بين بنفسج وبهار، ونفس سهلة، تريك عين السراوة لأول وهلة، لا تدري من أي أمريه تعجب، ولا أيهما بالاستحسان أوجب أصورته الوضية، أم أخلاقه المرضية، برع في الوثيقة وأحكامها، وتنزيل فصولها على مقتضيات أحكامها، وولي القضاء فشكر له فيه التصرف، وأمكن بالمعارف التعرف؛ وله شعر نبيه، وبستانه (1) في الفضل والظرف شبيه؛ فمن ذلك قوله من كتاب سماه: " خمائل في شمائل الكرام ": (34ب) جمال ذي الأنفس أن تتضع ... فاعمل على تحصيل ذا تنتفع فهذه الأثمان في وزنها ... أن يك فيها ناقص يرتفع وقال في الزهد: اخرج من الدنيا ولا تعتلق ... منها بما لا بد أن ينتسف

_ (1) د: وبشأنه.

ألا ترى البدر على بعده ... مهما يكن في ظلها ينكسف (1) ومن ذلك قوله: إياك من زهرة الدنيا وزينتها ... ولتنا عن ذا الدنا مهما إليك دنا وازهد إذا أمكنت من نفسها كرما ... فالزهد فيها يريح النفس والبجنا ومن ذلك في فعل الخير: دار بهذي الدار سكانها ... تقم على التأسيس أركانها ولتفعل الخير فما غيرة ... من واجب قاوم إمكانها ومن ذلك في اجتناب الغش صاف لمن صافاك (2) وابرزلة ... مستوي الباطن والظاهر لا تك كالماء يغر الفتى ... صفاؤة وليس بل لطاهر ومنة في السفر سافر فما استولى على غاية ... من ليست الأسفار من ديدنة فالغيث غيم وهو في جوة ... والتبر ترب وهو في معدنة

_ (1) د: ينخسف. (2) ج ك: صافي.

41 - الشيخ القاضي أبو بكر محمد بن عبد الله بن منظور القيسي (1) رجل أصيل الحسب،كريم النسب، جامع في الفضل بين الموروث والمكتسب، احسن الناس لقاء، وأرواهم في البر سقاء، وأوطأهم (35 آ) كنفا، واقلهم بأواً وأنفا، شيم تنم الأصالة على أثوابها الضافية، وتخبر رواية الرواة عن فضل مواردها الصافية، وان يصدر منه (2) شعر لم يحضرني منه الآن ما أنشدنيه (3) : ما للعطاس ولا للفال من اثر ... فثق فديتك بالرحمن واصطبر وسلم الأمر فالأحكام ماضية ... تجري على السنن المربوط بالقدر 42 - الشيخ القاضي أبو الحجاج يوسف بن موسى الجذامي المتشافري (4) حسنة من حسنات الدهر، وتحفة من تحف السر والجهر، وجالب أبكار أفكار تجل عن المهر، شيخ دمث الخلائق، متمسك من

_ (1) ولي القضاء جهات شتى من الأندلس فحمدت سيرته ثم تقدم ببلدة مالقة قاضيا وخطيبا بقسبتها، وكان سريع العبرة كثير الخشية، وله. ملفات جمة. توفي ببلدة عام 750 ترجم له ابن الخطيب في عائد الصلة والإحاطة 2: 121وانظر المرقبة العليا: 154. (2) د: يصدر عنه. (3) البيتان في المرقبة العليا: 155 والإحاطة 2: 122. (4) ترجم له لسان الدين في التاج المحلي وعنه نقل المقري (النفح 8: 245) .

الفضل بأقوى العلائق، كلف بالأدب الرائق، وشتى الفنون والطرائق، سبق بقطرة حلبة الرهان، وصان حشمته من الامتهان، وعني بالبيان، فجاء على خبرة بالعيان، وطارت منظومات في الأقطار كل مطار، مزرية بعرف الروضة المطار، وله تواليف حسنة الاغراض، وجواهر تلفى خلل تلك الأعراض، وولي القضاء فحمدت سيرت، وأثنت علية جيرتة. لقيتة في بعض الغزوات فاستظرفته، لما عرفته، وخاطبته بقولي: حفظت (1) على فرط المشقة رحلة ... أتاحت لعيني إجلاء محياكا وقد كنت بالتذكار في البعد قانعا ... وبالريح ان هبت بعاطر رياكة فجاءت لي النعمى بما أنعمت به ... علي فحياها الإله وحياكا واتصل بها نثر ثبت في غير هذا (2) فأجابني بمنظوم ومنثور، افتتحه بهذه الأبيات: حباك فؤاد نيل بشرى فأحياكا ... وحيد بآداب نفائس حياكا بدائع أبداها بديع زمانه ... فطاب بها يا عاطر الروض رياكا (35 ب) أمهد أودعت قلبي علاقة ... وان لم أزل مغرى قديما بعلياكا إذا ما أشار العصر نحو فريدة ... فإياك يعني بالإشارة أياكا لأتحفني لقياك أسنى مؤملي ... وهل تحفه في الدهر الا بلقياكا وأعقبت إتحافي فرائدك التي ... وجوب ثنائي يا لساني أعياكا

_ (1) هكذا في جميع النسخ، وفي النفح؛ حمدت. (2) ثبت في كتاب التاج، انظر الأبيات والنثر بعدها في النفح 8: 244.

وأنشدني قصيدته المطولة في مدح مولانا رسول الله صلى الله عليه وسلم (1) : لم تناهى الصب في تشويقه ... درر الدموع أعتاضها بعقيقه وقصيدته في الغرض المذكور وأولها (2) : إليك تحن النجب والنجباء ... فهم وهي في أشواقهم شركاء وأنشدني من شعره (3) هواكم بقلبي ما لنحكمه نسخ ... ومن اجله جفني بمدمعه يسخو ومن نشأتي ما أن صحت منه نشوتي ... سواء به عصر الشباب أو الشرخ عليه حياتي قد تمادت وميتتي ... وبعثي إذا بالصور يتفق النفخ ولي جلد أضحى قنيص غرامه ... ولا شرك يدني إليه ولا فخ قتلت سلوي حين أحييت لوعتي ... وما احتيج للإقرار في حالتي لطخ وما صح جسمي إذ زكت بيناته ... يحول عليه من دموع الأسى نضخ وأرجو بتحقيقي هواكم بان (4) أفي ... بعهد ولا نقض وعقد ولا فسخ وما الحب إلا ما استقل ثبوته ... لمبناه زص في الجوانب أو رسخ إذا مسلك لم تستقم بطريقه ... سلكت اعتدالا مثلما يسلك الرخ بدا لضميري من سناكم تلمح ... فبخ لعقل لم يطر عندها بخ على عود ذاك العهد مازلت نادبا ... كما تندب الورقاء فارقها الفرخ (36أ) يدي بأياديكم وقلبي شاغل ... فمن فكرتي نسج ومن أناملي نسخ

_ (1) أوردها المقري في النفح 8: 246 - 249. (2) أنظر المصدر نفسه: 249. (3) المصدر نفسه. (4) هامش ك: مآربي.

ومن مقطوعاته (1) : أدب الفتى في أن يرى متيقظا ... لأوامر من ربه ونواهي وإذا تمسك بالهوى يهوي به ... فالحبل منه لمن يتقن واه ومنها (2) : ترى شعروا أني غبطت نسيمة ... ذكت بتلاقي الروض غب الغمائم كما قابلت زهر الرياض وقبلت ... ثغور أقاحيه بلا لوم لائم ومنها (3) : لوعة الحب في فؤادي تعاصت ... أن تداوى ولو أتى ألف راق كيف برئي من علة وعليها ... زائد علة النوى والفراق فانسكاب الدموع جار مجار ... والتهاب الضلوع راق فراق ومنها (4) : يا من في دنياه ظل في لجج ... حقق بأن النجاة في الشاطئ تطمع في إرثك الفلاح وقد ... أضعت ما قبله من اشراط كن حذرا في الذي طمعت به ... من حجب نقص وحجب إسقاط

_ (1) النفح 8: 250. (2) المصدر نفسه. (3) المصدر نفسه: 251. (4) المصدر نفسه: 250.

43 - القاضي أبو جعفر احمد بن عبد الحق الجدلي الأستاذ (1) ، رحمه الله: مدلول لفظ الظرف، وروضه (2) العطر العرف، المستوقف للطرف، فتح الله له الفضل باعا، وملاه (3) له انقيادا وانطباعا، أمتعه إمتاعا وخوله من حظوظ العاجلة والآجلة متاعا؛ ما شئت من وجه جميل، ووخد في السرو وذميل، واضطلاع بالفنون الجمة، والمعارف [36ب] المخولة المعمة، يجيل في ميادينها الجياد، ويروم صعابها فتعطي القياد، واتصلت برعيي إياه أيام ولايته، وضفت عليه لله أثواب عنايته، إلى أن مات موجع الفقد، وثيق العقد، محاشى صداق صدقه من النقد. وكان له شعر يحسن متى يسرد، ومعان عن حمى الإجادة لا تطرد. فمن ذلك قوله في جدول (4) : ومنمنم الشطين منه حمائل ... كالمشرفي قد اكتسى بفرنده فخمائل الديباج منه خمائل ... متعانق فيها البهار بورده وقد اختفى طوق له في دوحة ... كالسيف رد ذبابه في غمده وقال في شجر نارنج (5) : وثمار نارنج ترى أزهاره ... مع قانئ النارنج في تنضيد

_ (1) ما لقي ترجم له ابن الخطيب في الإحاطة 1: 186 (1: 65) توفي سنة 765، انظر بغية الوعاة: 138. (2) د ج: ولفظه، وكذلك في اصل ك، وصوبه في الحاشية. (3) د: ومده. (4) الأبيات في الإحاطة 1: 188. (5) البيتان في الإحاطة.

فإذا نظرت إلى تآلفها أتت ... كمباسم أومت للثم خدود وكتب صحبة أقلام أهداها: يا ناظما أربى على حسان ... يا ناثرا أزرى على سحبان خذها ذوا بل من وشيج يراعة ... حازت قواما مثل غصن ألبان أهديتها لبراعة راقت على ... طرس لكم يربي على بستان آخيت بين يراعة وبراعة ... (1) إذ زنت خطا رائقا ببنان 44 - الشيخ القاضي أبو زكريا يحيى بن السراج الأستاذ المعروف بابن جلوط شيخ سكون، له إلى حومة (2) الخير ركون، منقبض عن الناس، طاهر ثوب العدالة من الأدناس، نشأ خدن الصيانة، وقاضيا دين الديانة، ولقي جلة، وقادة بأعباء الفضل مستقلة، فاستفاد معارف (37آ) تجمل منها بحلي ومطارف، وولي القضاء فلم يأل تسديدا، ولا عدم للنزاهة ظلا مديدا، لقيته بجبل الفتح حليف اغتباط، بجهاد ورباط، وقيدت من شعره ما وسعه زمان لقائه، مكتتبا من ألقاه، فمن ذلك قوله وهو شاهد بزهده، وانقباضه عن الدنيا بجهده، رحمة الله تعالى: نهاك نذير الشيب لو كنت ترعوي ... وهل بعد انذار المشيب نذير

_ (1) د: ببيان. (2) د: حرمة.

إلى كم ترى عن نصح نفسك معرضا ... وتصغي إلى الآمال وهي غرور أرى العمر ولي معرض عنك فاغتنم ... بقيته أن البقاء عسير وبادر إلى الطاعات غير مقصر ... فأطول أيام الحياة قصير إلهي أجرني من عذابك انه ... عذابك محذور وأنت مجير ولا تخزني يوم الحساب ونجني ... بفضلك إن الفضل منك كبير ندبت إلى الصفح الجميل فجد به ... فأنت به يا ذا الجلال جدير ومن بجبري من قبيح إساءتي ... فعبدك مما قد جناه كسير فما ضل من أتيته رشد نفسه ... ولا ذل من والاه منك نصير 45 - القاضي أبو جعفر احمد بن محمد بن علي بن برطال (1) رحمة الله عليه: رجل تجمل بلباس نبيه، من ميراث ابيه، فلم يأل اقتصادا، ولا اعمل للعنقاء مصادا، ولا أرصد للحظ إرصاداً، فجاءه عفوا، ووروده صفوا؛ وتقدم قاضي الجماعة، شاردا أمله عن الطماعة، وعجب لذلك خطاب

_ (1) اصله من قرية تعرف بحارة البحر من وادي طرش شرقي مالقة. كان من أهل الخير وعلى طريقة مثلى من الصمت والسمت والانقباض والذكاء. تقدم قاضيا بغرناطة بعد ولاية القضاء ببلده واصبح إماما وخطيبا لمسجد قلعتها الحمراء (741) على قصور في المعارف وضعف في الأداة وقد ترجم له ابن الخطيب في الإحاطة 1: 77 (1: 59) وعائد الصلة وعن الثاني نقل النباهي في المرقبة العليا: 148، توفي ايام الطاعون الكبير سنة 750.

الخطة، والقدر لا يستعدى عليه صاحب الشرطة، وفي ذلك يقول شيخنا أبو البركات (1) : (37ب) إن تقديم ابن برطال دعا ... طالبي العلم إلى ترك الطلب حسبوا الأشياء من أسبابها ... فإذا الأشياء من غير سبب إلى انه وان لم يعمل الاستعداد، لم يتخط السداد، وكان الصون أخص صفاته، والهوادة تزل عن صفاته، وكانت ولايته قريبة من وفاته، ولم ينتحل الشعر ليحسب من أربابه، أو يعده منحيا الرزق وأسبابه، إلا أنني وقفت له على بيتين يندران على مثله، ويدخلان وليمة الشعر ويترفعان عن مثاله، وهما ما أنشد من ودعه (2) : استودع الرحمن من لوادعهم ... قلبي وصبري آذنا بوداع بانوا فطرفي والفؤاد ومقولي ... باك ومسلوب العزاء وداع

_ (1) انظر الإحاطة والمرقبة العليا. (2) الإحاطة 1: 179.

46 - الشيخ القاضي أبو البركات محمد بن أبي بكر محمد بن إبراهيم ابن الحاج البلفيقي السلمي (1) شيخنا (2) رحمه الله تعالى واحد الفئة، وصدر صدور هذه المائة، ولعمري ان قوادم الاجتهاد لمقصوصة، وقواعد النصفة غير مرصوصة، لتعيين غاية (3) مخصوصة، بل نقول وهو الوفاء، وفيه للصدر الشفاء، تحفة الدهر التي يقل لها الكفاء، وبقية السلف التي يقال عندها: " على آثار من ذهب العفاء "، اما لفظ السيادة فهو مدلوله، وأما ربع المجادة فلولاه لا قوت طلوله، فما شئت من شرف زاحم الثريا بمناكبه، ومجد خفقت بنوده فوق مواكبه، وحسب ككعوب الرمح كابرا عن كابر، وأصالة تنتقل أسرارها إلى بطون المحارب من ظهور المنابر، تواضع عن علو الهمة، وتنازل مع الاستواء بأعلى القمة، وآثر الخمول (4) مع (38آ) جلالة القدر ووفور الذمة، واخذ عن الأصاغر مع كونه إمام الأئمة؛ كان رحمه الله ابعد خلق الله عن الحسد، وأشدهم إقداما على الاسد، ومتنفسا عن نفس لا نسبة بينها وبين الجسد؛

_ (1) توفي بالمرية سنة 773 (وفي النفح 771) ، ومن مؤلفاته: " المؤتمن في أنباء من لقيه من أبناء الزمن " وهو من مشاهير الرجال في عصره. ترجم له ابن الخطيب في الإحاطة (2: 101) وابن خاتمة في مزية المرية، والنباهي في المرقبة: 164، وابن فرحون في الديباج: 164،وانظر النفح 7: 931 - 408؛ والبلفيقي ضبطه ابن خلدون بفتح الباء وتشديد اللام (انظر التعريف: 61 وترجمة ابن الحاج فيها وفي طبقات الجزري 2: 235) . (2) شيخنا: سقطت من د. (3) خ بهامش ك: آية. (4) د ج: وإيثار للخمول.

معروف الوفاء لمن عرفه، لا يساكنه الرياء في بقعه، ولا يساوقه الملق في رقعه، يرسل النادرة، ثم يتبعها الزفرة البادرة، والعبرة الهادرة، فمجالس العدل والأقساط، مشوبة بالانبساط، ودسوت الإثبات والمحو، متعاقبة الغيم والصحو، وسقائف الجعجاع، جامعة بين الاسترسال والاسترجاع، والتفكه بالاسجاع، والتزلف بتسكين الأوجاع؛ وأما الخطابة فهو زيد الخيل إذا منبر (1) اخرج، ولموقف الفضل اسرج، يبتده الشوارد على ظهره، معفيا طبعه من قهره، مقتضيا منه في الساعة من دهره، خبيئة شهره، كلما فجر مذانب البيان من نهره، أتحفها عود المنبر (2) بزهره. وبالجملة فكان هذا الشيخ في سلف، واهتمام زكلف، وعدم خلف، بمنزلة أبي دلف، " ولت الدنيا على أثره "، وقل إن ترجع، والبرهان يفضح من يجعجع؛ وله في الأدب عليا الدرجات، والافواح المتأرجات، والبدائع التي سارت مسير الشمس في الأقطار، وتغنى بها راكب الفلك وحادي القطار؛ فمن ذلك قوله في الأغراض الواهيات والأذواق الشهيات (3) : يأبى شجون حديثي الإفصاح ... إذ لا تقوم يشرحه الألواح قالت صفية عندما مرت بها ... ابلي أتنزل ساعة ترتاح (38ب) فأجبتها لولا الرقيب لكان في ... ما تبتغي بعد الغدو رواح قالت: وهل في الحي حي غيرنا ... فاسمح فديتك فالسماح رباح فأجبتها: إن الرقيب هوالك ... بيديه منا هذه الأرواح

_ (1) خ بهامش ك: إذا المهر. (2) خ بهامش ك: البيان. (3) القصيدة في الإحاطة 2: 110.

وهو الشهيد على موارد عبده ... سيان ما الإخفاء والإيضاح قالت وأين يكون جود الله إذ ... يخشى ومنه هذه الأفراح فافرح على اسم الله جل جلاله ... واشطح فنشوان الهوى شطاح وارهج على ذمم الرجال ولا تخف ... فالحلم رحب والنوال مباح وانزل على حكم السرور ولا تبل ... فالوقت صاف ما عليك جناح واخلع عذارك في الخلاعة يا أخي ... باسم الذي دارت به الأقداح وانظر (1) إلى هذا النهار فسنه ... ضحكت ونور جبينه وضاح أنواره نفحت واترع كأسه ... فقد استوى ريحانه والراح وانظر إلى الدنيا بنظرة رحمة ... فجفاؤها بوفائها ينزاح لا تعذل الدنيا على تلوينها ... فلليلها بعد المساء صباح فأجبتها لو كنت عالمة الذي ... يبدو لتاركها وما يلتاح من كل معنى غامض من أجله ... قد ساح قوم في الجبال وناحوا حتى لقد سكروا من الأمر الذي ... هاموا به عند العيان فباحوا لعذرتني وعلمت أنى طالب ... ما الزهد في الدنيا له مفتاح فاترك صفيك قارعا باب الرضى ... والله جل جلاله فتاح يا أخت حي على الفلاح وخلني ... فجماعتي حثوا المطيّ وراحوا ومن هذا النمط الغريب النزعة (2) : (39آ) خذها على الرغم الفقيه سلافة ... تجلى بها الأقمار في شمس الضحى

_ (1) ك: وانظر على. (2) القصيدة في الإحاطة 2: 111.

أبدى أطباء العقول لأهلها ... منها شرابا للنفوس (1) مفرحا وإذا المرائي قال في نشوانها ... قل أنت بالإخلاص فيمن قد صحا يا قهوة دارت على أربابها ... فاهتزت الأقدام منها واللحى مزجت فغار الشيخ من تركيبها ... فلذاك جردها وصاح وصرحا وبدت فغار الشيخ من إظهارها ... فاشتد يبتدر الحجاب ملوحا لا تعترض أبدا على مستهتر ... لم [يدر] (2) ما الإيضاح لما أوضحا سكران يعثر في ذيوله لسانه ... كفرا ويحسب انه قد سبحا كتم الهوى حرية بعض وبعض ضاق ذرعا بالغرام فبرحا ... لا تحسبن على العدالة هاتفا ... نقد ارتياح العاشقين مبرحا الحب خمر العاشقين وقد قضت ... حتما على من ذاقها أن يشطحا فاشطح على هذا الوجود وأهله ... عجبا فليس براجح من رجحا كبر عليهم انهم موتى على ... غير الشهادة ما اعر واقبحا واهزأ بهم فمتى يقل نصحاؤهم ... افلح فقل حتى ألاقي مفلحا وإذا رزينهم استخفك قل له ... بالله يا يحيى العامرية بن يحيى دع جحا ابني سليمى قد محا مجنونكم ... مجنون ليلى العامرية قد محا هل يستوي من لم يبح بحبيبه ... مع من بذكر حبيب قد صرحا فافرح وطب وارهج وقل ما شئته ... ما املح الفقراء يا ما أملحا

_ (1) بهامش ك: للقلوب. (2) بياض في جميع النسخ وأكملناه من الإحاطة.

ومن الأبيات المقطوعات قوله لمن استدبره بحلقة العلم (39ب) بسبتة أيام رحلته أليها في طلب العلم الشريف يعتذر من فعله ذلك (1) : إن كنت أبصرتك لا أبصرت ... بصيرتي في الحق برهانها لاغرو أني لم أشاهدكم ... فالعين لا تبصر إنسانها ومن ذلك قوله في غرض التورية وهو بديع (2) : يلومونني بعد العذار على الهوى ... ومثلي في حبي له لا يفند يقولون: امسك عنه قد ذهب الصبا ... وكيف أرى الإمساك والخيط اسود ومن ذلك قوله في المجبنات وهو بديع جدا (3) : ومصفرة الخدين مطوية الحشا ... عن الجبن والمصفر يؤذن بالخوف لها بهجة كالشمس عند طلوعها ... ولكنها في الحين تغرب في الجوف (4) وقال في معتقل شفع فيه يقال له مرجى: مرجى يرجي فضل أنعمك التي ... بكفيك مجراها ثناء وموحدا

_ (1) المرقبة العليا: 166 والنفح: 403 والإحاطة 2: 112. (2) البيتان في النفح: 398 والمرقبة العليا: 167 والإحاطة 2: 112. (3) انظر النفح والمرقبة العليا والإحاطة. (4) سقط البيت والسطران التاليان من د.

وقد جدت بالإحسان في حل قيده ... فصيره بالإحسان مقيدا ومن قوله في السر والمحافظة عليه (1) : إذا ما كتمت السر عمن أوده ... توهم أن الود غير حقيقي ولم أخف عنه السر من ظنه به ... ولكنني أخشى صديق صديقي ومن قوله في شكوى البعاد (2) : قالوا:تغربت عن أهل وعن الوطن ... فقلت: لم يبق لي أهل ولا وطن مضى الأحبة والأهلون كلهم ... وليس بعدهم سكنى ولا سكن أفرغت حزني ودمعي بعدهم فأنا ... من بعد ذلك لا دمع ولا حزن ومن قوله في الحكم والأمثال (3) : ما رأيت الهموم تدخل إلا ... من ضروب العيون والآذان (40آ) غض طرفا وسد سمعا وإن ... أحسست هما فلا تثق بضماني وقال في زرقة عينيه وهو من الغريب في معناه (4) : حزنت عليك العين يا مغنى الهوى ... فالدمع منها بعد بعدك ما رقا

_ (1) المرقبة:166 والنفح: 302. (2) المصدر نفسه. (3) الإحاطة 2: 113. (4) الإحاطة 2: 113.

ولذاك ما صبغت بلون ازرق ... أو ما ترى ثوب المآتم ازرقا ومن نفثاته الغريبة قوله (1) : تطالبني نفسي بما ليس لي به ... يدان وأعطيها الأماني فتقبل عجبت لخصم لج في طلباته ... يصالح عنه بالمحال فيفصل وقال في ذم النساء (2) : ما رأيت النساء يصلحن إلا ... للذي يصلح الكنيف لأجله فعلى هذه الشريطة فأصبحن ... لا تعد بامرئ عن محله وقال في المعنى المذكور (3) : قد هجوت النساء دهرا فلم ... أبلغ أداني صفاتهن الذميمه ما عسى أن يقال في هجو من قد ... خصه المصطفى بأقبح شيمه أو يبقى لناقص العقل والدين ... إذا عدت المثالب قيمه وقال وما أعرقه في الأصالة (4) : قد كنت مغرورا بوعظي وما ... أبث من علمي بين البشر من حيث قد أملت إصلاحهم ... بالوعظ والعلم فخان النظر

_ (1) المصدر نفسه. (2) المصدر نفسه. (3) الإحاطة 2: 114. (4) خ بهامش د: الإصابة؛والأبيات في الإحاطة 2: 114.

فلم أجد أوعظ للناس من ... أصوات وعاظ جلود البقر ومما أنشدني (1) وقد خرجت يوما لتوديعه: يا من إذا ما رمت توديعه ... ودعت قلبي قبل ذاك الوداع فأترك التوديع (2) عمدا لكي ... أعلل النفس ببعض الخداع (40ب) يا محنة النفس بمألوفها ... من اجلها قد جاء هذا الصراع ولو لم يكن في هذه الطبقة الجليلة إلا هذا الرجل لكان كافيا، رحمه الله تعالى. 47 -؟ القاضي أبو يزيد خالد بن [عيسى بن] أحمد القتوري البلوي (3) صاحبنا: هذا الرجل كان كالجمل المحتمل يريبك مجموعه، ويهولك مرئيه ومسموعه، فإذا زمزم الحادي سالت من الرقة دموعه، فظاهره جسم جسيم، وللزرافة قسيم، وباطنه في اللطافة نسيم، وروض يرتاده مسيم؛ سكن

_ (1) د: أنشدنيه. (2) عمدا: سقطت من ج. (3) هو صاحب الرحلة التي سماها " تاج المفرق " وكنيته أبو البقاء ولعل له كنيتين - ترجم له في الإحاطة 1: 508 (1: 324) ،وذكره الحضرمي في فهرسته (انظر نيل الابتهاج: 99 ط. فاس) وانظر النفح 4: 285. وقد لقي في رحلته كثيرا من العلماء واخذ عنهم. غادر بلده ضحوة يوم السبت 18 صفر سنة 730 وكان أخوه قد سبقه متوجها إلى الحجاز، فالتقيا في الإسكندرية. ولما عاد إلى الأندلس اصبح قاضيا ببلده وظل في القضاء زمنا طويلا.

البادية خيرا عفيفا، ومن المؤن خفيفا، يرتاح إلى عقائل الآداب ارتياح قيس إلى ليلى، ويميل به الغبيط إلى الاغتباط ميلا، وكلما ظفر بها يوما أو ليلا، طفف كيلا، وجمع ثريا وسهيلا، ثم راح المشرق، وعشا إلى نوره المشرق، مع اخضرار العود وسواد المفرق، وغفلة من الزمان المطرق، فحج وزار، وطرح الأوزار، واستسقى السحب الغزار، ودون رحلته فأحسن وأطرف، وحلى وعرف، وقفل مغربا بتشريقه، وكتب عن بعض الملوك الكبار بطريقه، ثم ارتسم في حزب القضاء وفريقه، وأدبه مشتمل على نثر ونظم، ولحم وعظم، ولنثره على نظمه شفوف، والى اللحاق بذي الإجادة خفوف؛ فمن شعره (1) : الله أكبر حبذا إكباره ... (2) هذا الشفيع لنا وهذي داره لاحت معالم يثرب وربوعها ... مثوى الرسول وداره وقراره هذا النخيل وطيبة ومحمد ... خير الورى طراً وهاأنا جاره هذا المصلى والبقيع وها هنا ... ربع الحبيب وهذه آثاره (41آ) هذي منازله المعظمة التي ... جبريل ردد بينها تكراره هذي مواضع مهبط الوحي الذي ... تشفي الصدور من العمى أسطاره هذي مواطئ خير من وطئ الثرى ... وعلا على السبع العلا استقراره ملأ الوجود حقيقة إشراقه ... فأضاء منه ليله ونهاره والروضة الفيحاء هب نسيمها ... والبان بان ونم منه عراره

_ (1) هذه القصيدة في رحلة البلوي؛ الورقة 91 (النسخة 1053 جغرافيا بدار الكتب) . (2) الرحلة: لاح الهدى وبدت لنا أنواره.

وتعطرت سلع فسل عن طيبها ... لم لا تطيب وبينها مختاره بشراك يا قلبي فقد نلت المنى ... وبلغت ما تهوى وما تختاره وتجل يا طرفي فيالك ناظراً ... أبصرت طيبة فانقضت أوطاره قد أمكن الوصل الذي أملته ... وكذاك حبي أمكنت أسراره قد كان عندي لوعة قبل اللقا ... والآن ضاعف لوعتي أبصاره رفقا قليلا يا دموعي اقصري ... فالدمع يحسن في الهوى اقصاره قد كانت الدمن الكريمة في غنى ... عن أن يفيض بربعها تياره أيضيع من زار الحبيب وقد (1) رأى ... أن المزور بباله زواره أيخيب من قصد الكريم وعنده ... حسن الرجاء شعاره ودثاره ! أيؤم بابك مستقيل عاثر ... فيرد عنك ولا تقال عثاره حاشا جلالك أن يؤمله امرؤ ... فيعود صفرا خيبت أسفاره يا سيد الإرسال ظهري مثقل ... فعسى تخف بجاهكم أوقاره رحماك فيمن أوبقته ذنوبه ... فكأنما إقباله أدباره لبس الصغار وقد تعاظم وزره ... والعفو تصغر عنده أوزاره شط المزار ولا قرار وشد ما ... يلقى محب شط عنك مزاره وافى حماك يفر من زلاته ... واليك يا خير الأنام فراره (41ب) واتاك يلتمس الشفاعة والرجا ... يقتاده وظنونه أنصاره والعبد معتذر ذليل خاضع ... ومقصر قد طولت أعذاره متوسل قد أغرقته دموعه ... متوصل قد أحرقته ناره قذفت به في غربة أوطانه ... ورمت به لعلائكم أوطاره

_ (1) ج: وقد درى.

فامنن وسامح واعف واصفح واغتفر ... فلانت ماح للخطا غفاره صلى عليك الله ما حيا الحيا ... روض الربى وترنمت أطياره ومما نسب لي إلى نفسه، وأربى يومه في الإجادة لديها على أمسه، قوله: بعثت خيالا والعواذل هجع ... فسرى ينم به شذا يتضوع ودنا يعاطيني الحديث على دجى ... كاس الثريا في يديه تشعشع وكأنما الإكليل جام مذهب ... بيواقت الجوزاء فيه يرصع نادمت فيه أخا الغزالة جؤذرا ... يغدو بأكناف القلوب ويرتع في ليلة لا الوصل فيها بيننا ... خجل ولا قلب العفاف مروع رق الهواء بها ورق لي الهوى ... فمشى موشى بيننا وموشع يا جيرة جار الزمان ببعدهم ... ومقرهم مني الحشا والأضلع إن كان موضعكم خلا عن ناظري ... لم يخل منكم في فؤادي موضع لم تسكنوا وادي الأراك وإنما ... قلبي مصيفكم ودمعي المربع والله ما ضحك الربيع بربعكم ... إلا وعن عيني مزن يهمع وإذا شكوت إلى الصديق فانه ... يسليك أو يغنيك أو يتفجع يا بارقا تنشق عنه سحابة ... عن مثل مدمعي السفوح وتقلع (42ا) أشبهت من أهوله حسن تبسم ... فأصبت إلا انه هو انع بالله خذ عني تحية نازح ... لم يبق فيه اليوم فيما يطمع وأقرا على الجزع السلام وسح من ... قطرات دمعك حيث تلك الأربع

ما كان أطيب الماضي عيشنا الماضي بها ... لو كان ذاك العيش فيها يرجع أيام نغفر للصبا ذنب الهوى ... ونشفع الوجه الجميل فيشفع ما سرني تبديد دمعي لؤلؤا ... وعهدته بيد الحسان يجمع 48 - القاضي أبو جعفر بن أبي القاسم محمد بن أبي القاسم محمد بن جزي ولد الخطيب المذكور (1) هضبة وقار، تنظر إلى رضوى بعين احتقار، اقتدى بما له من كرم الأبوة، ولبس وقار الشيخ في سن الفتوة، فتقلد مآثر الفتوة وتوشح، وتأهل لرتبتهم لا علية وترشح، فما شئت من هدوء وسكون، وجنوح إلى الخير وركون، ونزاهة وعفاف، وتبلغ بكفاف، واصبح في عصره زينا، وفي جملة (2) أعيانا عينا، إن ركض في مركزه سبق، اغو اهتز إلى محاضرة تأرج عرفة وعبق، وأدبه أدب ساطع، حسن المقاطع؛ فمن غزر قصائده التي حملتها عنه الرواة، وأعانه على مصنوعه الشريف الأدوات، قوله (3) :

_ (1) ولد سنة 715 ولما كتب لسان الدين الإحاطة كان ما يزال حيا، تقدم قاضيا بحضرة غرناطة وخطيبا بمسجد السلطان (8 شوال 760) ثم انصرف عنها وأعيد إليها عام 763، ورجح المقري أن تكون وفاته سنة 785 وكان موصوفا بالنزاهة والمضاء، له تقيد في الفقه على كتاب والده المسمى " القوانين الفقهية " وله رجز في الفرائض. ترجم له ابن الخطيب في التاج والإحاطة 1: 163 (1: 48) وانظر أزهار الرياض 3: 187. (2) خ بهامش ك: وفي حلبة. (3) انظر القصيدة في الإحاطة 1: 165 وأزهار الرياض 3: 182.

أقول لعزمي أو لصالح أعمالي ... " ألا عم صباحا أيها الطلل البالي " إما واعظي شيب سما فوق لمتي ... " سمو حباب الماء حالا على حال " أنار به ليل الشباب كأنه ... " مصابيح رهبان تشب لقفال " نهاني عن غيي وقال منبها ... " الست ترى السمار والناس أحوالي " يقولون غيره لتنعم برهة ... " وهل يعمن من كان في العصر الخالي " (42 ب) أخالط دهري وهو يعلم إنني ... " كبرت وان لا يحسن اللهو أمثالي " ومؤنس نار الشيب يقبح لههوه ... " بآنسة كأنها خط تمثال " أشيخا وتأتي فعل من كان عمره ... " ثلاثين شهرا في ثلاثة أحوال وتشغفك الدنيا وما إن شغفتها ... " كما شغف المهنوءة الرجل الطالي " إلا إنما الدنيا إذا ما اعتبرتها ... " ديار لسلمى عافيات بذي خال " فأين الذين استأثروا قبلنا بها ... " لناموا فما إن من حديث ولا صال "

ذهلت بها عنا فكيف الخلاص من ... " لعوب تنسيني إذا قمت سربالي " وقد علمت مني مواعد توبتي ... " بأن الفتى يهذي وليس بفعال " ومذ وثقت نفسي بحب محمد ... " هصرت بغصن ذي شماريخ ميال " فأصبح شيطان الغواية خاسئا ... " عليه القتام سيئ الظن والبال " ألا ليت شعري هل تقول عزائمي ... " لخيلي كري كرة بعد إقبال " فانزل دارا للنبي نزيلها ... " قليل هموم ما يبيت بأوجال " فطوبى لنفس جاورت خير مرسل ... (1) " بيثرب أدنى داراها نظر عال " فمن ذكره عند القبول تعطرت ... " صبا وشمال في منازل قفال " جوار رسول الله مجد مؤثل ... " وقد يدرك المجد المؤثل أمثالي " وماذا الذي يثني عنان السرى وقد ... " كفاني ولم اطلب قليل من المال "

_ (1) ج ك: النظر العالي.

ألم تر إن الظبية استشفعت به ... " تميل عليه هونة غير مجفال " وقال لها: عودي فقالت له: نعم ... " وكان عداء الوحش مني على بال ويا لبعير قال أزمع مالكي ... " ليقتلني والمرء ليس بقتال " (43ا) وثور ذبيح بالرسالة شاهد ... " طويل القوى والروق اخنس ذيال " وحن إليه الجذع حنة عاطش ... " لغيث من الوسمي رائده خال " وأصيلن من نخل قد التأما له ... " بما احتسبا من لين مس وتسهال " وقبضة ترب منه ذلت لها الظبا ... " ومسنونة زرق كأنياب اغوال " وأضحى ابن جحش بالعسيب مقاتلاً ... " وليس بذي السيف وليس بنبال " وحسبك من سوط الطفيل إضاءة ... " كمصباح زيت في قناديل ذبال " وبزت له العجفاء كل مطهم ... " له حجبات مشرفات على الفال "

ويا خسف ارض تحت باغيه إذ علا ... " على هيكل بل الجزارة جوال " وقد أخمدت نار لفارس طالما ... " أصابت غضا جزلا وكفت باجذال " أبان سبيل الرشد إذ سبا الردى ... " يقلن لأهل الحلم ضلاّ بتضلال) لا حمد خير العالمين أنتقيها ... ورضت فذلت صعبة أي إذلال " وان رجائي أن ألاقيه غداً ... " ولست بمقلي الخلال ولا قال " فأدرك آمالي وما كلُ آملٍ ... " بمدرك أطراف الخطوب ولا آل " ومن غير المطولات ما أجابني به وقد خطبت شيئا من نظمه، صحبة ما طلبت منه (1) : فديتك يا سيدي مثلما ... فداك الزمان الذي زنته جمال فعالك أظهرته ... وسر كمالك أخفيته تشوفت مني إلى بنت فكري ... فشرفت شعري وزينته وقد وردتك وأنت الذي ... أخذت فؤادي فخذ بنته

_ (1) البيت الأول في الإحاطة 1 / 165.

ومن المقطوعات قوله (1) : (43ب) كم بكائي لبعدكم كم أنيني ... من ظهيري على الأسى من معيني جرح الخد دمع عيني ولكن ... لا عجب ان جرح ابن معين ومن ذلك قوله (2) : أرى الناس يولون الغني كرامة ... وان لم يكن أهلا لرفعة مقدار ويلوون عن وجه الفقير وجوههم ... وان كان أهلا ان يلاقى بإكبار بنو الدهر جاءتهم أحاديث جمة ... فما صححوا إلا حديث ابن دينار 49 - القاضي عبد الله أبو محمد بن عبد الله بن خديم اللخمي الغرناطي، رحمة الله عليه: فاضل تطوى عليه الخناصر، ويقوم بحجة مطريه البرهان الناصر، وتقصر عن (3) مثل عقائل بيانه المقاصر، يأوي إلى الحسب الأصيل، والطلب المؤسس على التحصيل، والإدراك الجميل الجملة والتفصيل، ورقة الحاشية التي تحسدها رقة الأصيل؛ قرأ ببلده واشتهر، وباهى ببيانه وبهر، ورحل إلى المغرب شان الكواكب، إذا ضرب من أفلاكها آباط المراكب، وتزاحمت بالمناكب في تلك المواكب، إلا انه أشرق

_ (1) الإحاطة 1: 165. (2) الإحاطة 1: 165 وأزهار الرياض 3: 188. (3) ج د: وتقصر عن.

فلم يرغب والحمد لله ثاقبه، واختلف سيره ولم تختلف مناقبه، ولا جهلت مراقبه، ونال خططا شرعية، ورتبا مرضية مرعية، وعلا على صهوات آكام، ما بين مجالي حكم ومجالس أحكام، ثم خطب العزلة كفوا لهمه، وقنع بتافه الحظ استثقالا منه لجمه، وصرف إلى اللحاق بالبلاد المقدسة وجه مأمه. وله شعر تهوى الشعري ان تتقلد منه شنفا، والروضة الأنف إن تملا من عرفه (44ا) آنفا، فمن ذلك قوله يخاطبني وقد اتخذ له بنظري دهن الورد العشاري الأجزاء: أيا سيدي الأعلى وشمس هدايتي ... ووجهة تعظيمي وروضة إيناسي لساني نبا عن شكر آلائك التي ... توالت فالت إن تقيد أنفاسي ومن لي بمدح في معاليك منصف ... وقد جل مد البحر عن قسط قسطاس لأرسلت نحوي من قولك لحظة ... فلم تبق لي آثار جودك من باس واسيت أسقامي بتدبير جابر ... وأسست إبلا لي على خير أساس وناديت أنصار العلاج فأسرعت ... آلتيك من الآفاق سباق أفراس من الصين أقصى الأرض والهند أقبلت ... تيمم من مرماك اوجه (1) قرطاس فنخل (2) منها العشر عرضك جمعها ... لنصرة مستعدي الرجاء على اليأس فبرز منها الورد سابق حلبة ... (3) تقاسمن خصل السبق في الشكر للناس

_ (1) خ بهامش ك: وجهة. (2) فنخل: غير منطوق في الأصول. (3) د: فالشكر للآسى.

فنفلت (1) نيلي البرء اربح مغنم ... تقاد (2) لي الآمال فيه بأمراس وسقيتني للعلم كأسا روية ... تنير دياجي المشكلات بنبراس ومهدت لي سبل اعتنائك كاسيا ... ملابس بر صدقه دون إلباس فاثني ثناء الروض سقاه اكؤسا ... غمام على الساقي امتنانا أو الكاس قياما بحق الفرض في كل محفل ... وسعيا للثم الرجل منك على الراس وان جحد الناس اصطناعك أو نسوا ... فإني بريء عند ذاك من الناس وأنشدني لما صنفت كتاب " المباخر الطيبية في المفاخر الخطيبية " جملة مقطوعات منها قوله: جميع المباخر محتاجة ... سواي لتجديد نار وطيب بجمر الذكاء وطيب الثناء ... غنيت انتسابا إلى ابن الخطيب (44ب) وقال فيها أيضا: مباخر الطيب لها غاية ... من بعدها تحتاج تجديد طيب وهذه تعبق طيبا متى ... تعزى إلى منشئها ابن الخطيب ومن شعره في الحكم: أبت المعارف ان تنال براحة ... إلا براحة ساعد الجد فإذا ظفرت بها فلست بمدرك ... إربا بغير مساعد الجد وقال أيضا في التورية:

_ (1) د: قبل. (2) ج ك: تنادى.

إذا جئت ذا دنيا تؤمل حاجة ... فقدم شفيعاً لا يرد بأعذار فلست ترى منه أحاديث نافع ... إذا لم تحدثه حديث ابن دينار ومما خاطب به بعض الشرفاء: وقفت على حب النبي وآله ... رجائي في الأخرى وفي هذه الدار فجدك في الدنيا الشفيع لحاجتي ... وجدك في الأخرى الشفيع لأوزاري 50 - القاضي علي بن عبد الله بن الحسن النباهي البني الدعو بجعسوس (1) أطروفة الزمن، التي تجل (2) غرائبها عن الثمن، وقرد شارد من قرود اليمن، ذنبا وأحداقا وفروة وأشداقا، وإشارة واصطلاحا، وخبثا وسلاحا، لا يفرق بينهما في الشكل، وقرب الغائط من الأكل، تشغل

_ (1) هو صاحب المرقبة العليا في تاريخ قضاة الأندلس، ترجم له لسان الدين في الإحاطة وأثنى عليه. انظر النفح الطيب وأول الجزء الثاني من أزهار الرياض، ونيل الابتهاج: 205، وقد أثنى عليه ابن الخطيب أولا (انظر الظهير الذي كتبه لسان الدين بتوليه قاضيا في النفح 7: 9) ثم تغيرت الحال بعد أن كان النباهي أحد المتآمرين على لسان الدين، فها هو في الكتيبة يذمه أقذع الذم، وتعرض له في أعمال الأعلام: 78 بالتندر والثلب. وللنباهي رسالة إلى لسان الدين أوردها المقري في النفح49:7 وفي أزهار الرياض 1: 212 يعدد فيها عيوب لسان الدين وما اخذ عليه من شؤون. ومن كتب تلك الرسالة وألف المرقبة لا يمكن ان يكون على مثل هذه الجهالة التي وصفها ابن الخطيب. ولكن مؤلف الكتيبة لك يكتف بهذا معرضاً لغيظه وحنقه بل ألف فيه رسالة سماها " خلع الرسن في وصف القاضي ابن الحسن ". (2) ج د: ماتجل وفوق (ما) علامة خطافي النسخة د.

به الصبيان إذا بكت، وتتملح بذكره الزهاد بعدما نسكت، وعن كل شيء أمسكت، إلا أن خلبه بالنسبة إلى هذا والوجه الطلق حسنة جميلة، وأوصافه بالنسبة إلى معارفه وعلومه (45آ) أوصاف ابن قاضي ميلة، لا يجلب لأدب يرسم، ولا حظ من حسن الذكر يقسم، ولا لعرف يتنسم، ولا لبركة تتوسم، إنما جنب حماره في القياد، لحمل أوقار (1) هذه الجياد، وأطراف بزرافته الخارقة حجاب الاعتياد، في مثل هذه المواسم الأدبية والاعياد؛ ومما يعاب به الزين، كي لا تصيبه العين، ويعلق على البيوت تميمة، وان كانت الأوضاع ذميمة، من حوتة، ورصاصة منحوتة، ومرار ثور، وطرف ذنب سنور، وأحماضا في المرعى الخصيب، وإيثارا للفكاهة بنصيب؛ وان كان لأبيه ببلده درجة الأمير، عند مولدي الحمير، ينظف بيديه أرحامها، بعد ان يحكم بالدهن اقحامها، ويستنطق بوحي بنانه الصفنة (2) الجاحدة، وينزي العير الحصور فيحبل الأتان بواحدة، وكانت أمه أم جعسوس قابلة ذلك الوضع، ومقدرة الفطام والرضع، تولول عند الخلاص، وتعوذ المولود بسورة الإخلاص، وتقطع سرة اليعفور، بالاظفور، وتلعق عينه باللسان، وتبارك بعد ظهوره بدهن البلسان، ولما ترعرع ترعرع غصن السدر، من تحت القدر، وتجلت محاسن نفسه النفيسة من خلال ذلك الخدر، تحرف ببيع الحروز، وخلق في محافل البروز، وتحدى بإخراج الكنوز، بذبائح العنوز، وادعى انه يعقد اللسان، وغرم الإتاوة التي يغرمها بنو ساسان، ثم تعرف بالسلطان في حكاية، وقدمه قاضيا في سبيل يمين شاردة ونكاية، وجعله للفقهاء ببلده عقابا، وأرذالا اخضع به رقابا، وكشف عن وجه الانتفاع

_ (1) خ بهامش ك: أوزار. (2) خ بهامش ك: الصفة.

نقابا، لما آسفوه بحب طلعه، وأفتوا من بعده قلعه، بوجوب خلعه؛ ثم أعاده الله تعالى (45ب) إلى ملكة رقابهم، وحكمه في مجازاة احتقابهم، والدنيا قد أرملت، وما حملت من الضيم حملت، فجاءت سيره في الأحكام سمر الندام،ونقل أولي المدام، وشاهد خسة الدنيا على مملك الإبرام، والموجد بعد الإعدام. حدث بعض من يوثق به من العدول قال: جرى الحديث الجاري بمجلس القضاء: " البيعان بالخيار ما لم يتفرقا " فقال لي: سبحان الله يا فقيه، كانوا في القديم مثلنا في البادية يتبايعون بالخيار والفواكه ما نتبايع بالحبوب من القمح والشعير، فضحكت وقلت: لا ينكر أن يتصارف الناس بما يغلب عندهم ويكثر وجوده. وقال آخر منهم: نظر إلينا وقد نزلنا من المئذنة من ارتقاب بعض الأهلة، ونحن أولو عدد وشارة فقال: يا أصحاب، عذرت الليلة فيكم عمر في قوله - رضي الله عنه؟ لا يسر أحد في الإسلام بغير العدول، فقلنا: بارك الله في سيدنا القاضي، تسر بك ونسر بك إن شاء الله تعالى، قال المخبر: نعني مجرورا برجلك عن مجلس القضاء، إلى حصب الرمضاء، ثم قال بعضنا لبعض: يا ترى ما الذي أراد هذا المحروم؟ فقال فاضل منهم: صحف قول عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - لا يؤسر أحد في الإسلام بغير عدول، يريد الأسر بالشهادة. وقال بعض فضلائهم: سمعته يقول: تنكرون علي ما يكثر تردده في كلامي من لفظ جعسوس كأنه ليس من كلام العرب بل ولا من ألفاظ القرآن العظيم! فقلنا له: أما في كلام العرب فربما وأما في القرآن الكريم فلا نعرفه، فضحك وقال: سبحان الله، أعيدوا النظر فيه، فقلنا: والله

ما نعرفه، فقال: ألم يقل الله تعالى في القران: ولا تجسسوا ولا يغتب (46آ) بعضكم بعضا؛ فقلنا والله ما قال الله ذلك قط إنما قال: ولا تجسسوا، قال فاسترجع وقال يا فقيه: حفظ الصغر، والف في مثل هذا (1) جزء سمي " بتنبيه الساهي على طرف النباهي (2) ". وهذا الشيخ ممن زين له سوء قوله، وحبب إليه شم خرئه واستعذاب بوله، فيكتب ويشعر، ويكلب ويسعر، وهو لا يفطن بالهزء ولا يشعر، فمما ينسب إليه مما كان يهذر به الحروز إذا عقدها، واتبع النفث عقدها (3) ،يرفع بها الصوت ويجهر، ويؤنب من يتشاغل عنه بالحديث وينهر، وكأن به مخيلا، وعلى الجنس من النوارية بخيلا، إلى أن شورك فيه بحكم الانجرار، وحفظه لكثرة التكرار، قوله وهو اشف من معتاده، واعلى من عتاده، فالله اعلم بصحة إسناده، وجهة استناده (4) : أعوذ من يمسي عليه معلقا ... حجابي بطه أو بياسين والخمس من الجن والعمار أو أم ملدم ... وتلك هي الحمى، ووسوسة النفس ومن أم صبيان وسحر وبغضة ... ومن ربط ذي عرس تكلف في عرس ومن ساكن الحمام والفرن والرحى ... ومن ساكني قبر القتيل من الأنس

_ (1) د: وألف في هذا. (2) يبدو إن هذا كتاب آخر غير الذي ألفه فيه لسان الدين. (3) في رد النباهي على لسان الدين إشارة تدل على إن النباهي كان يرى الرقية ويستعملها إذ يقول: " وكذلك رايتكم تكثرون في مخاطبتكم من لفظ الرقية في معرض الإنكار لوجود نفعها، والرمي بالمنقصة والحمق لمستعملها؟. " (النفح 7: 54) . (4) وجهة استناده: سقطت من د.

ومن غولة في القفر أو صوت هاتف ... ومن وجع في الرأس يخرج عن حس بهرشاهيا هرشا هيا وشرا هيا ... وباسم عظيم جاء في آية الكرسي فخذه على طهر ولا تدخلن به ... خلاءك، واسم الله نزه عن الرجس ونحه إن جامعت زوجك يا أخي ... إلى أن تجيد الطهر من ذلك اللمس وجلده واغسله بماء وحل فيه ما شئته من زعفران ومن ورس ... ونشر به واشرب لكل أذاية ... ترى النفع حقا حين تصبح أو تمسي (46ب) وقل رحم الله القفيه فذكره ... بخير له من اجرة ذي الطرس ووالله يا إنسان لولا وصية ... لشيخ نصيح كان من خيرة الجنس بان لا يرى اجر له غير درهم لبيع ... بألف وهو يشكو من البخس ومما أنشدنيه وحضرت التملح به، رفعه إلى السلطان عند أعذار ولده، من قصيدة أولها: أبدي لنا من ضروب الحسن أفنانا ... هذا الطهور لمولانا ابن مولانا فلا تحرك لسانا يا أخا ثقة ... بريم رامة إن وفى وإن خانا يظل ينشر ميت الوجد عن جدث ... من الجفون أو الأحشاء عريانا فما النسيب بأولى من حديث علا ... عن الأمام ينيل المرء رضوانا يممه تحظ بما أملت من نعم ... تجنيك للسول أفنانا فأفنانا

ومنها في المدح والوصف: وقمت في الولد الميمون طائره ... بسنة الدين إكمالا وإحسانا بدا لنا قمر تعنوا العيون له ... مقلدا من نطاق المجد شهبانا فارتاح عطف الثناء وانثنى طربا ... له واطلع وجها منه مزدانا فيا دما سال عن تقوى فعاد له ... بين الدماء طهورا (1) طيبا زانا لله در بني نصر لقد ملكوا ... كل المحاسن أشياخا وشبانا أي والذي خلق الإنسان من علق ... حقا وأعطاك ما أعطى سليمانا وانشد بمحضري قصيدة غريبة أولها: خليلي مرا بي على أم مارب ... ولا تعذلاني إنني غير آيب فقلت لبعض أصحابنا: ضاقت على الفقيه أبي الحسن ارض الحجاز فذهب (47ا) إلى ارض مارب فقال: ما كما تعرف يحاول العزائم ويستنزل الجنون، وخاطب خليله من الجن ليعيد له حديث تميم الداري رضي الله عنه (2) . ومن المقطوعات التي يتبجح بمذهبها، ويتبرع بلزوم مذهبها، قوله يخاطبني: يا مالكي وهو لي فخر تملكه ... ذاتي، عتابك عندي اعظم المنن فكل ما ينطق المولى الكريم به ... في شان ممولكه من احسن الحسن

_ (1) د: طهور. (2) لعله يعني حديث الجساسة والدجال؛انظر شرحه في تهذيب ابن عساكر 3: 344.

وقوله في المعنى: وما صد شخصي لزوم مقامكم ... سوى نقص ذاتي فارفقوا بي في العتب وان غبت حسا عنكم لضرورة ... فانتم معي معنى لسكناك في القلب ومن ذلك قواه يصف سحاءة من قبلي: سحاءة (1) سر بل رياض فضائل ... سقاها سحاب العلم من مائه العذب تجلت فأجلت عن فؤادي شقا الضنا ... وحيت فأحيت قلب عاشقها الصب إذا رمت وصف البعض من حسنها الذي ... يهيم به كلّي يغص بها لّبي 51 - الشيخ القاضي أبو عبد الله محمد بن لبي الحسن بن ورد بن أبي بكر بن ورد الغساني، رحمة الله عليه هام بوادي الشعر مع من هام، واستمطر منه الجهام، ولم يختر الله له منه ذلك الإسهام، ولا سدد السهام، وهو يعتقد فيما يأتي به الإلهام،

_ (1) خ بهامش ك: سحر.

وله بيت في القديم معمور بأكابر، وفرسان أقلام ومحابر، وتكاثرت عليه رحمه الله بسبب لسانه الأحن، وتعاورته المحن، وتصرف آخر عمره في الأعمال المخزنية، متعللاً بنزر القوت إلى، الأجل الموقوت، فمن شعره الذي خبط به خبط العشواء، وحار حيرة أولي الأهواء، (47ب) قوله يصف ليلة الميلاد الأعظم (1) : يا ليلة عظمت بها الأذكار ... وتفتحت من نورها الأنوار وسرى النسيم بطيبها متارجا ... فله شذا من نفحها معطار والدهر منها قد تجلى بهجة ... وكسته من أسرارها أنوار والقضب منها كللت بازهار ... وترنمت تشدو بها الأطيار وتحلت الدنيا جمالا رائقا ... فلها من الحسن البديع سوار والشهب تهمي من تواكف بذلها ... والبذل من إعطائها مدرار والحق منها قائم متأيد ... يعلو له طول الزمان منار والدين منتصر بحد ثباتها ... وله ظبى تحمي الورى وشفار 52 - الشيخ القاضي أبو الحسن احمد بن يحيى بن محمد بن عبيدة التميمي، رحمة الله تعالى عليه: مجموع أدوات، وفارس يراعة ودواة، والشيخ تقع منه العين على صورة طريفة، وهيئة حسنة ظريفة، وقريع بيت نبيه، وأصالة ليس فيها

_ (1) هو المولد النبوي وكان الاحتفال به في المغرب يوماً مشهوداً وعلى مثالهم جرى الأندلسيون في ذلك من عمل الدعوة وإنشاد الشعراء (انظر التعريف: 85) .

تنبيه، وخط حسن، وكتابة ولسن، تصرف في القضاء فما ذوى لسورته نور، ولا نسب إليه حيف ولا جور، وقد اثبت من كلامه (1) في هذا المجموع ما يشهد بظرفه، ويخبر نسيمه عن طيب عرفه؛ فمن ذلك من قصيدة سلطانية: محياك إصباح وبشرك وضاح ... وسعدك فتاح وحمدك نفاح وسلطانك الأعلى فلا مثنوية ... وللسيف والأقلام في ذاك إيضاح وأنت الأمير ابن الأمير لنسبة ... لها كل طرف في البرية طماح (48ا) فمجد يفوق النجم سام إلى العلا ... ووجه يروق الشمس أزهر وضاح من الذروة العليا من النفر الأولى ... لم صحف في الحمد تتلى وامداح هم القوم كل القوم حشو برودهم ... حنان وإحسان وعطف وإصلاح فكل أمير دونهم فهو صورة ... وأملاك نصر في الحقيقة ارواح ويوسف منهم فاقهم بمكارم ... تبين على وجه الزمان وتلتاح وزاد علا لا يستقل بشرحها ... وان زاد وصاف وأطنب مداح فسحب يديه بالنوال سواكب ... ونور محياه منير ولماح لقد طبق الدنيا جميل ثنائه ... فسار بطيب الذكر حاد وملاح إلا أن راس المال عند مديحه ... وبيض أياديه الموالات أرباح جنحت إليه باعتقادي وطاعتي ... فبشرى جنوحي في معاليه النجاح ألا أيها المولى هنيئا بإمرة ... بإسعادها يزهى الزمان ويرتاح وهذا مديح في الهناء نظمته ... ونشر مديحي في معاليك فواح قدحت له فكري بأورى زناده ... فلله (2) زند من ضميري قداح ودم في سعادات تروح تغتدي ... فيقدم إمساء بهن وإصباح

_ (1) ج ك: في كلامه. (2) فلل: سقطت من ج.

53 - القاضي أبو عبد الله (1) محمد بن احمد بن محمد بن احمد بن محمد وقد ذكر عمه وهو شبرين (2) رحمهما الله بمنه فاضل اعتبط سريعا، وغصن قطف مريعا، من بعد أن نجب، وأبدى من خطه العجب، ونظم وكتب، وقعد لالتماس الحظ ورتب. ومن شعره: ذرني فقد ساعد وقت وطاب ... إذ الأماني سمحت باقتراب ابذل جهدي في طلاب العلا ... فباذل الجهد حميد المآب (48ب) حططت آمالي بمعنى السنا ... ومنتهى القصد وكنه الطلاب معنى إمام صوب إنعامه ... يفيض فوق الارض منه عباب كل جمال أحرزت ذاته ... فلا تكن عن حسنها في غياب فقدح من عامله فائز ... طوبى له اليوم وحسن المآب مولاي ما إن عنك لي مصرف ... عند اعتدال الوزن زال الحجاب أسست لي مجدا ومن بعده ... ظلت أخا حزن رهين اكتئاب مغلب الأشواق لا أنثني ... عن فرط ترداد وطول اضطراب

_ (1) انظر الترجمة رقم: 58 في ما يلي. (2) ترجم له في الإحاطة ووصفه بالمهارة في علوم اللسان. ولي ديوان الإنشاء بغرناطة ثم القضاء والخطابة بها. ثم عزل من القضاء فتصدى للتدريس، ثم ولي قضاء وادي آش، ثم قضاء غرناطة. توفي سنة 760؛ انظر بغية الوعاة: 16.

حاشاك أو حاشا علاك التي ... ما مثلها فهي لباب اللباب إن تترك العبد لإهماله ... في ضيق عيش دائما واجتناب فامنن بإسعافي ولا تنسني ... لا اعدم الرحمن ذاك الجناب 54 - القاضي الأديب أبو جعفر احمد بن محمد بن أبي بكر القيسي، رحمه الله تعالى حسن الأغراض، نقي الجواهر والإعراض (1) ، ذو أدب أشهى من فصل القراض، ومعان أوحى من نظرات العيون المراض، ولي القضاء فاستقام الاود، واقيم القصاص والقود، وظهرت الصيانة، وبهرت الديانة؛ ومن شعره الذي يدل على إنفساح مداه، وكرم مراحه في البلاغة ومغداه، قوله: أمنها على إن السهى منه لي أدنى ... خيال سرى نحوي يشق الفلا وهنا يشق الفلا والخيل والبيد والقنا ... ولو سيم كسر النبت ما اسطاعه وهنا سرى سلخ شهر في فواق حلوبة ... فلله ما انأى سراه وما أدنى (49آ) وقال من الأمثال والحكم: امنح الود من علا الناس قدرا ... من له بالوداد نفس مطيعه واحفظ الود من عوادي التجني ... فالتجني حاول وفد الطبيعة

_ (1) خ بهامش ك: من الأعراض.

وقال أيضا: ليس حلم الضعيف حلما ولكن ... حلم من لو يشا لصال اقتدارا من تغاضى عن السفيه بحلم ... اصبح الناس دونه أنصارا من يزوج كريمة الهمة العليا ... علوا فقد أجاد الخيارا ستريه لدى الولاد بنيها العلم ... (1) والحلم والأناة كبارا وقال أيضا: إذا ما جنى يوما عليك جناية ... ظلوم يدق السمر باسا ويقصف فلا تنتقم يوما عليه بما جنى ... وكل امره للدهر فالدهر منصف وقال أيضا: دار العدو إذا لم تستطعه ورد ... وريده ان يساعد مرة قدر من مكنته الليالي من رقاب عدا ... فلم يبدهم أبادوه إذا قدروا

_ (1) في جميع النسخ:والبنات الكبارا، والتصويب عن خ بهامش ك.

- 4 - طبقة من خدم أبواب الأمراء من الكتاب والشعراء (1) وربما كانت هذه الطبقة متميزة الاستحسان، تمييز البركة بمطر النسيان، ومظنة لدرر بحر اللسان، الممنون بها على عالم الإنسان، والله يتغمد الكل بالعفو والامتنان، ويبوئهم غرف الجان؛ بفضله وكرمه. 55 -؟ الكاتب الوزير أبو عبد الله محمد بن محمد بن عيسى (49ب) الحميري رحمه الله تعالى: جرى ذكره من أعلام هذا الفن، ومشعشي هذا اللون، مجموع أدوات، وفارس يراعة ودواة، كان نهضا بالأعباء، راقيا في درجات التقريب والاجتباء، مصانعا دهره في راح وراحة، غير مستعد عليه بجراحه، آويا (2) من الظرف إلى ساحة، لا تطرف بمساحة، إلى أن اطرف جفن الغرور، وبت سرر السرور، فاستقر بالمغرب غريبا، يقلب طرفه مستريبا، ويلحظ الدنيا تبعة عليه وتثريبا، وان لم يعدم من أمرائه

_ (1) سقط هذا العنوان من ج. (2) ج: دواما.

حظوة وتقريبا، وكان كاتبا مرسلا، وشاعرا مسترسلا، إلا أن الكتابة عليه اغلب، ولطير الاستحسان اجلب. فمن شعره قوله: أللبرق يبدو تستطير الجوانح ... وللورق تشدو تستهل السوافح فقلبي للبرق الخفوق ساعد ... وجدي للورق الثكالى مطارح إذا البرق أورى في الظلام زناده ... فللوجد في زند الصبابة قادح وكم وقفة لي حيث مال بي الهوى ... أغادي بها شكوى الجوى وأراوح تنازعني فيها الشجون فاشتكي ... ويكثر بثي عندها فأسامح أبث شجوني والحمام يصيخ لي ... ويسعدني فيما تهيج التبارح وتطرب أغصان الأراك ... فتنثني إلى صفحة النهر الصقيل تصافح فتبتسم الأزهار منها تعجبا ... فتهدي اليها عرفها وتنافح كذلك حتى ماد عطف مثقفي ... وطرفي ابدىهزة وهو مارح فلما التظى وجدي ترنم صاهلا ... فقلت امثلي يشتكي الوجد سابح تهيا لقطع البيد واعتسف السرى ... سيلقاك (1) غيطان بها وضحاضح (50) صرفت إلى البيداء رخو عنانه ... وقلت له: شمر فإني سائح poetry>فحمحم (2) لو يستطيع نطقا لقال لي بمثلي تلقى هذه وتكافح وحملته تعود مثله ... (3) فقام به مستقبلا من يناطح ويممت بيدا لم أصاحب لجوبها ... سوى جلد لا يتقى منه باطح

_ (1) في هامش ك: ستلقاك. (2) ج ك: فجمجم. (3) ج ك: يناضح: وهذه رواية د وخ بهامش ك.

وماضي الغرارين استجدت مضاءه ... إذا جردت يوم الجلاد الضفائح ومندمج صدق الأنابيب نافذ ... به عند كري في الحروب أفاتح وسرت فلا ألقى سوى الوحش نافرا ... وقد شردت عني الظباء السوانح تحدق عندي آينا لم يلح لها ... هنالك انسي ولا هو لائح وقد زأرت أسد تقحمت غيلها ... فقلت: تعاوت إنها لنوابح وكم طاف بي للجن من طائف لها ... فلم أصغ سمعا نحوها وهو صائح فلما اكتست شمس العشي شحوبها ... ومالت إلى أفق الغروب تبارح تسربلت للادلاج جنح دجنة ... فما أبدا عزمي إلى القصد جانح وخضت ظلام الليل والنجم شاخص ... الي بطرف لحظه لي لامح يردده شزرا الي كانما ... علي له حقد به لا يسامح وراقب (1) من شكل السماك نظيره ... خلا إن شكلي اعزل وهو رامح يخط وميض البرق لي منه اسطرا ... على صفحة الظلماء فهي لوائح إذا خطها ما بين عيني لم يزل ... أكلف دمعي نحوها فهو طامح وما زلت سرا في حشا الليل كامنا ... إلى أن بدا من ناسم الصبح نافح وهب نسيم الصبح فانقطعت له ... قدود غصون قد رقتها الصوادح تجاذبن من ذكري أحاديث لم تزل ... يرددها منها مجد ومازح (50ب) وملت إلى التعريس لما انقضى السرى ... أروض له نفسي وعزمي جامح ومال الكرى بي ميلة سكنت لها ... على نصب الوعثاء مني الجوانح وكم أخذت منه الشمول بثارها ... فبات يسقى وهو ريان طافح وقربت الأحلام كل مؤمل ... فأدنته مني وهو في الحق نازح أرتني وجوها لو بذلت لقربها ... حياتي لمن بالقرب منها يسامح

_ (1) د: وارقب.

لقل لها عمري وما ملكت يدي ... وصدقت نفسي إن تجري رابح وما زلت أشكو بيننا مضض النوى ... وما طوحت بي في الزمان الطوائح فمنها ثغور للسرور بواسم ... لقربي منها (1) للفراق نوائح تقر بها الأحلام مني ودونها ... مهامه فيها للهجير لوافح وبحر (2) طمت أمواجه وسباسب ... وقفر به للسالكين جوائح قضيت حقوق الشوق في زورة الكرى ... فان زيارات الكرى لموانح يقربن آمالا تباعد بينها ... (3) وتعبث فيها بالنفوس الطوامح فلما تولى عني النوم أقبلت ... هموم اثارتها الشجون فوادح وعدت إلى شكوى البعاد ولم أزل ... ارددها والعذر مني واضح وما بلغت عني مشافهة الكرى ... تبلغها عني الرياح النوافح وحسبك قلب في إسار اشتياقه ... وقد أسلمته في يديه الجوانح ومن شعرة فيما دون المطولات: يا نازحين ولم أفارق منهم ... شوقا تأجج في الفؤاد غرامه غيبتم عن ناظري وشخصكم ... حيث استقر من الضلوع مقامه رمت النوى شملي فشتت نظمه ... والبين رام لا تطيش سهامه (51آ) وقد اعتدى فينا وجد مبالغا ... وجرت بمحكم جورة أحكامه أترى الزمان مؤخر في مدني ... حتى اراة قد انقضت أيامه

_ (1) لقربي منها: سقطت من ج. (2) ك: همت. (3) ج د: وتبعث فيها للنفوس؛ الطوامح: سقطت من ج.

ومن شعره قوله: غريب بعدكم ملقى بأرض ... له فيها التعلل بالرياح إذا هبت إليه صبا إليها ... وان جاءته من كل النواحي تساعده الحمائم حين يبكي ... فما ينفك موصول التياح يخاطبهن مهما طرن شوقا ... أما فيكن واهبة الجناح 56 - الشيخ الكاتب أبو بكر أرقم بن أرقم (1) الخيري، رحمه الله تعالى: رجل ماجد، وعلى الزمان واجد، عند ذكر الفضلاء متواجد، له البيت المعمور، والشعب الذي تنشأ به النمور، والحسب المشهور، تعترف به الأزمان والدهور؛ وكان من كتاب السلطان، واحد الأعيان بهذه الأوطان، باد تألقه، كريمة خلقه. ومن شعره في غرض الفخر قوله: لبني أرقم بوادي الأشات ... حلل لا يرميها كل شات وهي في الحال كالقديم وهذا ... دأبها المرتجى لها في الآتي يصبح الضيف في نعيم ويشقى ... كل عجل من اجله أو شاة فترى القوم ثم بين قعود ... وقيام ونوم ومشاة قنعوا بالوصال من كل مجد ... حين صموا عن عذل ووشاة كرم الله وجه كل وجيه ... منهم في الحياة أو في الممات

_ (1) ج: أبو بكر بن عمر بن أرقم.

حدثني الشيخ الكاتب أبو بكر بن شبرين شيخنا (1) رحمه الله وقد جرى ذكره قال: نظمت له هذين البيتين ببيت الكتاب: (51ب) ألا يا محب المصطفى زد صبابة ... وضمخ لسان الذكر دأبا بطيبه ولا تعبأن بالمبطلين فإنما ... علامة حب الله حب حبيبه فذيلها بقوله: نبي هدانا من ظلال وحيرة ... إلى مرتقى سامي المحل خصيبه فهل ينكر الملهوف فضل مجيره ... ويغمط شاكي الداء حق طبيبه 57 - الشيخ الكاتب أبو اسحق إبراهيم بن محمد بن جابر القيسي رحمه الله تعالى: فحل هادر، وبليغ على الكلام قادر، اهتز له العصر على رجاحة أطواده، وحذره ميدان البيان على كثرة سواده، وتعدد جواده، وطولب لما جلا على منصة (2) الإبداع بنت فكره، وجاس خلال ذلك الحي الحلال ببكره، ان يثبت النسب، ويستظهر بعقد ما كسب، فاظهر الحق، وتمم فاستحق، ولم تزل بدائعه في اشتهار، وروضة آدابه ذات أزهار، وكانت له نفس إلى العلوم مرتاحة، وعناية بها متاحة، فهام بكل مستحيل وجائز، حتى بعلوم العجائز. وشعره جزل الأسلوب، وعذب

_ (1) انظر الترجمة رقم: 58 في ما يلي. (2) ك: من منصة.

في الأفواه وجليل في القلوب؛ فمنه قصيدته التي كثر بسببها القال والقيل، فنبا بالظنة المقيل، وسل عليه للنصفة العضب الصقيل، وهي هذه: صدور القوافي والركاب تميل ... إلى حيث تروى والزمان محيل وتنتجع الغر البهاليل نزعا ... عن الحي يلفى في حماه بخيل وتنزل أعطان المعالي فان نأت ... رمتها إليها هزة وذميل (52آ) واكثر ما حطمت بلخم رحالها (1) ... إذا عز مطلوب واخفق سول فتقصد بحر الجود هب عبابه ... كما هاج من حيث الخميس صهيل وتلقى وجوها كالبدور مضيئة ... عليها لمأمول النوال دليل وتأتي بيوتا كالهضاب (2) منيعة ... أباة الدنايا بينهن حلول فمن أروع هز الشباب قناته ... يناضل عن دين الهدى ويصول ومن أشيب يرضى الإله مقامه ... إذا سترته للظلام سدول أولئك قوم ابن الحكيم أبوا له ... سوى عزة قعساء ليس تزول وحازت له تلك المعالي مزية ... يفوت الورى إدراكها ويطول وهمة فضفاض المكارم اروع ... يجر رداء الحمد وهو طويل ويزأر دون الملك زأرة ضيغم ... تحف به وسط العرين شبول فتخشى الليالي ان تطول جنابه ... وتزور عنه جانبا وتميل وهيهات خطب ان يلم وراءه ... على صدر أحداث الزمان ثقيل بلى انه عز تبلج وجهه ... واشرق منه معطس وتليل وملك يراع الدهر من فتكاته ... شروب لأرواح الطغاة أكول

_ (1) خ: بهامش ك: ركابها. (2) خ: بهامش ك: منيفة.

ومنها في التوسل قوله: ببابك مملوك يناجيك ضارعا ... ويرغب أن يلقاه منك قبول وقد ضاع منه ناصح الجيب مخلص ... قئول لما شاءت علاك فعول طوى لك أحناء الضلوع وفاؤه ... على صدق حب ليس عنه يحول وجال بوادي الشعر حيث أضله ... دليل ولم يبعث إليه رسول فجاء بأمداح تدين بشكرها ... تبابعة من يعرب وقيول (52ب) أما لي في هذا إليك وسيلة ... أعرس في أكنافها وأقيل وكيف ضياعي لا لغيرك مفزعي ... ولا لي عن ذاك الجناب عدول أأصدى ودوني منك بحر مكارم ... تفيض سماحا كفه وتسيل وأصدع أحشاء الهواجر ضاحيا ... وظلك خفاق الرواق ظليل ألم يأن ان تروى بسحبك ساحتي ... وينفح روضي من رضاك قبول فأغدو ولا خطوي قصير إذا خطا ... ولا ناظر مهما نظرت كليل ولا مقولي يوم الحجاج ملجلج ... ولا منصلي يوم الهياج فليل ولا جانبي سهل على نيل حادث ... يعفى اهتضاما رسمه ويحيل وكان من تذليله لهذه القصيدة لما اكذب في ادعائها، واتهم في ادعائها، اختبارا لمدارك سنه، واستقصارا لمطارح انسه أو جنه، قوله: ولو لاحظتني من لدنك عناية ... لما كانت الدنيا علي تصول ولم تزعم الأقوام أن مدائحي ... تراغت بها أولى الزمان فحول وما كنت أرضى أن أنال ذريعة ... يهد اختبارا ركنها ويميل ولولا الذي اوليتني من نوافل ... يقل لديها الشكر وهو جزيل

لما قدحت زند القوافي قريحتي ... ولا قدت منها الصعب وهو ذلول وبان لي الإعراض عنها فأصبحت ... لها من فراقي أنة وعويل وربتما عاج الرجاء ركابها ... علي فلم يمكن لدي نزول فقد دلفت منها إلي نوائب ... يروع جناني ذكرها ويهول وحطم أثلي قاصف من رياحها ... تكاد له شم الجبال تزول وما ضر ان أرمى لديك بتهمة ... وفكري مزيح للشكوك مزيل (53آ) وعندي لذاك المجد شتى مدائح (1) ... شوارد في عرض البلاد تجول فلا تنس لي هذا الذمام فإنه ... كبير إذا عد الذمام جليل 58؟ الشيخ الكاتب أبو بكر محمد بن احمد بن محمد بن شبرين (2) شيخنا (3) رحمه الله تعالى: خاتمة المحسنين، في هذه السنين، وبقية الفصحاء اللسنين، ملأ العيون هديا وسمتا، وصونا وصمتا، وسلك من الوقار طريقة لا ترى فيها عوجا ولا أمتا، فما شئت من كمال باهر، وتألق زهر وتأرجح أزاهر، ومناسبة باطن لظاهر، وبراعة أدوات وذات، فضلها الله تعالى على ذوات؛ إن خط،

_ (1) ك: مدائحي. (2) خ بهامش ك: الجذامي. (3) ترجم له ابن الخطيب في الإحاطة (2: 176) وانظر النفح الطيب 8: 55 والمرقبة العليا: 153 وقد توفي ابن شيرين عام 747.

نزل ابن مقلة عن درجته وانحط، وأنكر البري والقط؛ وان نظم أو نثر، تبعت البلغاء ذلك الأثر، وان تكلم أنصت الحفل لاستماعه،وتسرع لدرره النفيسة صدف أسماعه. قدم على الأندلس وذو الوزارتين ابن الحكيم يدبر ملكها، وينير حلكها، فانهض آماله، وألقى له قبل الوسادة ماله،وله الدب الذي تحلت بقلائده اللبات والنحور، وقصرت عن جواهره البحور؛ فمن مطولاته التي أنشدها إياها، وأنشقنا (1) رياها: ظعن الصبا ومن المحال قفوله ... أن كنت باكيه فتلك طلوله قف عنها خيل الدموع ورجلها ... وأندب شبابا شط عنك رحيله نزحت بثينته وليلاه معا ... فبكى المعاهد قيسه وجميله رعيا لجيراني وللظل الذي ... قد كان يجمعنا هناك ظليله هذي ديارهم فمثلهم بها ... إن المتيم شانه تمثيله (53ب) واندب إخلاء المصافاة الألى ... فلربما ندب الخليل خليله عهد أحيلت حاله فاليوم لا ... معقوله منا ولا منقوله أشجاك مجتمع عفت آياته ... وتعاوته شموله وقبوله قد كنت تصغر عن سني فتيانه ... فاليوم تصغر عن سنيك كهوله ولقلما تبقى الرسوم فويح من ... أهواه من هذا المتاع قليله لا يأمنن ذو مهلة فكأن به ... قد يممت دار المقام حموله ما كان ماضي العيش إلا خطرة ... خطرت ووقت قد تتابع جيله أسفا على زمن كريم عهده ... ولت غضارته وغاب سبيله ضيعت في طلب الفضول بكوره ... لكن ندمت وقد أتاك أصيله دع عنك تذكار الصبا أن الصبا ... رسم (2) يهيج لك الغرام محيله

_ (1) خ بهامش ك: وانتشقنا. (2) ج ك: سم.

يا مفرقا نزل المشيب به أتئد ... فالحر لا يؤذي لديه نزيله لم يعتمد شيب محله لمة ... سوداء إلا والحمام زميله قد كان أنسي في الشباب فصدني ... وأبى علي وصاله ووصوله فعليك يا أنسى تحية مقصر ... طاحت عن اللذات منه ذحوله حسبي إذا رمت الأنيس مؤنس ... من ربنا سبحانه تنزيله تبدو الحقائق لي إذا رتلته ... يا حبذاه وحبذا ترتيله يبلى الزمان ولا يزال مجددا ... لا نصه يبلى ولا تأويله أعظم به للمؤمنين مفصلا ... فرق الضلال من الهوى تفصيله نال الهدى والبر حامله كما ... نال الكرامة والعلا محموله أدى أمانته أمين ناصح ... في السدرة العلياء طاب مقيله (54آ) ووعاه عنه مصطفى متخير ... صحت رسالته وصدق قيله فلشد ما قد أحسنا في أمره ... هذا محمده وذا جبريله للناشقين به (1) رنيد كلما ... مدت من الليل البهيم سدوله كم تحت هذا الليل من متململ ... متملق خرق الحجاب عويله من كل من راقت أسرة وجهه ... وحلا له بين الأنام خموله ذي مشية هون وبرد ومنهج ... وعلى المقامات العلا تعويله رفض الوجود ولم يبال برزقه ... لم لا ومولاه الغني كفله لله منه في الدجنة وقفة ... هب النسيم لها فهب بليله فإذا الصباح بدا طوى منشورها ... صونا لسر والجهول يذبله يا حاضرا عندي وليس بجائز ... إدراكه إن العقول تحيله يا غائبا عن ناظري ولم يغب ... إحسانه عني ولا تنويله يا واحدا حقا وليس بممكن ... تشبيه كلا ولا تخييله أنا ذلك العبد الظلوم لنفسه ... زلت به قدم وأنت مقيله

_ (1) كذا في النسخ.

ومن مطولاته في هذا الغرض قوله: يا ليت شعري وهل يجدي الفتى الطمع ... هل بعد مفترق الأحباب مجتمع جزعت إذ قيل سار القوم وانطلقوا ... وليس ينكر في أمثالها الجزع حاز الأسى بعدهم صبري بجملته ... لا النصف فرضي منه لا ولا الربع ردوا علي فؤادي إنني رجل ... بالعيش بعد فؤادي لست انتفع وعللوني بأخبار العذيب فلي ... على العذيب أسى للصبر ينتزع جارت علي النوى في حكمها وعدت ... وكلف القلب منها فوق ما يسع (54ب) فمن راى لي سربا عند كاظمة ... كادت عليه حصاة القلب تنصدع قرين انسي في دار الغرام ثوى ... فيا نعيم الهوى هل أنت مطلع وأي انس لنائي الدار مغترب ... ولت على رغمه لذاته جمع يا حبذا منزل بالغور تندبه ... وحبذا فيه مصطاف ومرتبع وحبذا ذلك الوادي المقدس إذ ... سالت مذانبه فالري والشبع وحبذا وقفة لي عند شاطئه ... طورا أقوم وطورا عنده أقع يا تلعة أخضلت ماء جوانبها ... هل فيك للطارق المجهود منتجع ويا شبابا ذوى هل كرة أبدا ... ويا خليطا نأى هل أنت مرتجع خزعبلات صبا مرت وأهل هوى ... مروا فلا رجعت يوما ولا رجعوا فلو رأيت رسوم الدار مائلة ... ينتابها الظبي أو يغتالها السبع

أنكرت ما كنت قبل اليوم تعرفه ... وأخبرتك الليالي إنها خدع آها على صبوة ألوى الزمان بها ... وكل أنس لأيام الصبا تبع ما أسارت غير اشواق وغير أسى ... يجنه ندم يشقى به لكع سرعان ما يع ذاك السرب وا أسفي ... فاليوم لا سبع فيه ولا ربع قوم جميع على حكم النوى نزلوا ... لم يغن ما ألفوا يوما وما جمعوا واي حال على الأيام باقية ... فبادر السير واعلم إنها قلع عادت حديثا وعادت دراهم طللا ... كأنهم في عراص الدار ما رتعوا ألقى الزمان عليهم خلعة حسنت ... لكن على عجل ما انتزت الخلع ما ضر لما رأيت الصالحين بها ... لو كنت تقنع منها بالذي قنعوا (55آ) جازوا عليها فلم يستهوهم عرض ... ولا ألم بهم حرص ولا جشع فكلما عرضت دنيا لهم نفروا ... وكلما ذكروا مولاهم خشعوا طوبى لهم فلقد قر القرار بهم ... في مستقر نعيم ليس ينقطع ومن المقطوعات البديعة قوله (1) : أخذت بكظم الروح في ساعة النوى ... وأضرمت في طي الحشا لاعج الجوى وهل تحسن الدنيا وهل يرجع الهوى سلا كل مشتاق واقصر وجده ... وعند اللوى وجدي وفي ساكن اللوى

_ (1) الأبيات في الإحاطة 2: 177.

ولي نية ما عشت في حفظ عهدهم ... إلى يوم ألقاهم وللمرء ما نوى وقال أيضا: متى تسمح الدنيا بقربكم متى ... لقد عاث هذا البين ظلما وعنتا ألا قبح الله الفراق فانه ... لأصعب ما يلقاه من دهره الفتى أفي كل عام رحلة بعد رحلة ... لقد أتعبتنا رحلة الصيف والشتا وكنت أرى ذا قوة وشبيبة ... ولكن تولتني الليالي فولتا وكيف احتمالي ذاك والركن قد وهى ... وهذا مشيبي بالحمام منكتا وقال أيضا: هل ترجعن لي الأيام هيهاتا ... سرعان ما صدر الأحباب أشتاتا أرجو لقاءهم والحال تنشدني ... هيهات يرجع من دنياك ما فاتا لهفي على ما تقضى من عهودهم ... فإنما كن للأفراح ميقاتا هانت على نفسي الأرزاء بعدهم ... فلست آسى على شيء إذا فاتا ومن نسيبه قوله: (55ب) منتهى مطلبي وأقصى مرامي ... نظرة منك قبل يوم الحمام لم أسغ، مذ نزعت عني، شرابي ... يا حبيبي ولا استطبت طعامي ظلمتني فيك النوى أي ظلم ... وامتحى نور وصلها بظلام فسلام على السرور فما كان ... سوى الحلم غرني في المنام ومن مليح غر أبياته قوله (1) :

_ (1) الإحاطة 2: 177.

يا من عاد صباحي فقده حلكا ... قتلت عبدك لكن لم تخف دركا مصيبتي بك اليست كالمصائب لا ... ولا بكائي عليها مثل كل بكا لمن أطالب في شرع الهوى بدمي ... لحظي ولحظك في قتلي قد اشتركا وقال مضمنا (1) : لي همة كلما حاولت امسكها ... على المذلة في إرجاء أرضيها قالت ألم تك ارض الله واسعة ... حتى يهاجر عبد مؤمن فيها وقال يختم له به (2) أثقلتني الذنوب ويحي وويسي ... (3) ليتني زاهدا كأويس إنما اصل محنتي حب دنيا ... هي ليلى ولي بها وجد قيس 59؟ الشيخ الكاتب أبو عبد الله محمد بن محمد بن أبي عاصم القيسي، رحمه الله تعالى: فاضل يزدان بخطه الإنشاء،ويتلى عند رؤيته {يزيد في الخلق ما يشاء} (فاطر:1) ، ويعترف بفضله الطائر والمشاء، لا بل الصبح والعشاء، اخجل برقاعة أدواح (4) الأزهار بين الأنهار، وأبدى بين ليل نفسه ونهار طرسه، عجائب الليل والنهار، فبلغ الغاية، ورفع للمجيدين

_ (1) البيتان في المرقبة: 153 والإحاطة 2: 178. (2) البيت الأول منهما في الإحاطة 2: 178. (3) هو اويس القرني أحد زهاد القرن الأول. (4) زيادة من د.

الراية، إلى نفس غذاها المجد بدره، وبوأها الفضل بمستقره، فما شئت من أخلاق سمحة، وهمة عليها (56آ) من المجد غير ما لمحة، وكان له شعر يتكلف في نظمه، ويشجى بعظمه، فمنه يمدح السلطان: شيدت بملكك للهدى أركان ... وسما له فوق السها بنيان والله أسعده بدولتك التي ... هي للعباد وللبلاد أمان باهت بها الدنيا وراق جمالها ... والدين مسرور بها جذلان فكأنها لك جنة قد زخرفت ... (1) وكان رضوانا بها رضوان أخلصت في الإله سريرة ... هي بالرضى لك عنده إعلان فليهن أندلسا لياليك التي ... قد عم منها العدل والإحسان وأقمت من سنن النبي محمد ... ما قام منك بشكره الإيمان وافاك شهر الصوم تقضي حقه ... لينيل فضل جزائه الرحمن والعيد جاء مهنئا لما انقضى ... بصيامه وقيامه رمضان واتى يبشر بالفتوح فحبذا ... منه البشير وحبذا الإتيان فاهنأ به عيدا ووجهك عيده ... فيه المواسم دائما تزدان لما أتيت إلى المصلى مقبلا ... وشعارك التسبيح والقرآن في موكب (2) نظمت سعودك شمله ... قد راق منه للعيون عيان

_ (1) هو رضوان أبو النعيم القائد مولى إسماعيل بن فرج من بني نصر وزر لمحمد بن إسماعيل وأقام له رسم الحجابة والنيابة. وقد وصفه لسان الدين بأنه مفزع الرأي وعقدة السلطان وبقية رجال الكمال من مشيخة ولاء بيتهم - يعني بني نصر - (انظر اللمحة: 81، 101، وله ترجمة إضافية في الإحاطة 1: 414 (1: 329) . (2) د ج: مركب.

وكتائب منصورة بصيالها ... يبأى (1) هناك الملك والسلطان قد آذنت إن الفتوح بعزها ... مقرونة يا حبذا الإيذان أمضيت (2) فيه سنة يجزي بها ... خير الجزاء المنعم المنان وكأنما تلك الكتائب روضة ... لاحت بها من حسنها ألوان فمن الأسنة ان نظرت أزاهر ... ومن الدروع هنالك الغدران إن اطلعت يوما سماء عجاجة ... ومن العدو بأفقها شيطان (56ب) طلعت هناك من القسي أهلة ... تقضي بان سهامها شهبان ومنها: علم الأعادي ان ملكك غالب ... ان عاندوك وجيشك الطوفان فتبادروا رغبا إلى السلم التي ... قد قادهم رهبا لها الإذعان فجنحت لما رأيت جنوحهم ... (3) عملا على ما نصه القرآن فاعتز هذا الدين منك بأوحد ... في وصفه تتحير الأذهان مولاي حبك فرضه متأكد ... أبغير حبك في الوجود يدان ما لي اليك وسيلة الا به ... للروح منه الروح والريحان خذها بمدحك روضة قد زينت ... فيها لناظر حسنها بستان ان كنت في إنشائها متأخرا ... فبسبق إخلاصي لي الميدان لا زلت متلو المدائح دائما ... تصغي لطيب ثنائك الآذان في عز ملك لا يضام له حمى ... يحميه مما يتقى الرحمن

_ (1) يباى: سقطت من ج. (2) خ بهامش ك: قضيت. (3) إشارة إلى قوله تعالى: " وان جنحوا إلى السلم فاجنح لها " (الأنفال:61) .

60 -؟ الشيخ الكاتب الوزير أبو عبد الله محمد بن محمد بن عبد الله اللوشي اليحصبي (1) شاعر مفلق (2) ، وشهاب في البلاغة متألق، وشهير تتشوق إليه بغداد وجلق، طبق مفاصل الكلام بحسام لسانه، وقلد نحور الملوك ما يزري بجواهر السلوك من إحسانه، ونشأ في حجر الدول النصرية راضعا ثدي نعمائها، ومستظلا بسمائها، ولسلفه بها الاختصاص القديم، والمزية والتقديم، والمتات الذي كرم ذمامه، واستقر في يد الرعي زمامه، وكان ذا همة تبذ من يباريها، واخلاق تفتقر إلى من يداريها. وشعره شهير الإجادة، وطراز مذهب على عاتق المجادلة، (57آ) فمن ذلك قوله في المدح، الآمن من القدح: بك بلغ الإسلام كل مرام ... يا قائما بشعائر الإسلام علمت هذا الدهر يعدل في الورى ... حتى حمدنا سيرة الأيام بمهند يمضي مضاء يراعة ... ويراعة تمضي مضاء حسام جمعتهما يمناك بعد تفرق ... إن السيوف تعز بالأقلام يا واحد العلياء يا من وجهه ... بدر الدجى ونداه غيث هام

_ (1) ترجم له ابن الخطيب في عائد الصلة وأجرى ذكره في طرفة العصر، وترجم له في تاج المحلى والإحاطة 2:197؛ توفي سنة 752. (2) انظر الإحاطة 2: 298 حيث تتشابه هذه الترجمة بعض التشابه مع ما ورد في التاج.

من ذا يوفي شكر ما أوليته ... قل الثناء لكثرة الإنعام وقال من قصيدة يهنئ السلطان بهزيمة ملك النصارى دمره الله بمرج (1) غرناطة ويصف الوقيعة: (2) وبسفح (3) خير قد لقوا شر الوغى ... وهمى عليهم بالمنون سحاب قصدوا العرين ليغلبوا آساده ... فقضى عليهم بأسك الغلاب أجريت انهار السيوف على ثرى ... أعناقهم فلها الرؤوس حباب فكأنها فوق المفارق منهم ... شيب علاه من الدماء خضاب أحسن به شيبا بهم منه ردى ... وبوجه دين الله منه شباب سجدت رؤوسهم بسيفك هيبة ... إذ يسرتها للسجود رقاب ما كان يعلم محرب من قبلها ... (4) أن الحسام إذا سطا محراب وقال من قصيدة يرثى السلطان المذكور (5) : برد بنار الوجد منك غليلا ... فالمجد أضحى شاكيا وعليلا كادت نجوم الأفق تسقط في الثرى ... لما شكت شمس العلاء أفولا لا صمت إلا وهو نار في الحشا ... لا نطق إلا ما يعود عويلا

_ (1) في جميع النسخ: يمدح، ومرج غرناطة هو فحصها الذي تشرف عليه المدينة، قال لسان الدين: " وفحصها الافيح المشبه بالغوطة الدمشقية، حديث الركاب وسمر الليالي، قد رماه الله في بسيط سهل تخترقه المذانب وتتخلله الأنهار جداول وتتزاحم فيه القرى والجنات في ذرع أربعين ميلا أو نحوها " (الإحاطة:105) . (2) استولى الروم سنة 716على عدة حصون ثم قصدوا مرج غرناطة فانتصرت عليهم جيوش بني نصر وكانت على طاغيتهم دمن بطره الهزمية العظمى بالمرج على بريد من المدينة (اللمحة البدرية 71 - 72واعمال الأعلام: 294) والسلطان يومئذ هو إسماعيل بن فرج أبو الوليد. (3) خ بهامش ك: وبفج. (4) هذا البيت متقدم على الذي قبله في ج. (5) انظر مطلع هذه القصيدة وبيتين منها اللمحة البدرية: 76.

أسكنتنا يا خطب مصر مصابنا ... واسلت فيه من المدامع نيلا (57ب) ورميت أنفسنا بسهم واحد ... فهزمت للصبر الجميل قبيلا لا مرحبا بالعيش إذ جاورتنا ... وأقمت فينا ثاويا ونزيلا ضافت صدور الخلق عن أنفاسهم ... إذ ضم بطن الأرض إسماعيلا ومنها بعد كثير: فلأخلعن ثوب الرقاد على البكا ... ولألبسن ثوب السهاد طويلا ولأندبن زمن الجهاد وحسنه ... حتى أرى بالحسن فيك كفيلا قلدت سيف الوجد فارس لوعتي ... أسفا وأجريت الدموع حمولا وبنيت أبيات الرثاء وقد رأت ... عيني بيوت المكرمات طلولا لازال مسكنك الذي أسكنته ... لرضى الإله معرسا ومقيلا وهمت عليه للقبول سحائب ... تحكي دموع المسلمين همولا 61 - الشيخ الكاتب أبو القاسم الخضر بن أحمد ابن أبي العافية (1) من التاج رحمه الله تعالى: فارس ميدان البيان، وليس الخبر كالعيان، وحامل لواء الإحسان لأهل هذا اللسان، رفل في سحائب البدائع فسحب أذيالها، وشعشع

_ (1) ترجم له ابن الخطيب أيضا في عائد الصلة والإحاطة 502:1 (319:1) ونقل فيها بعض ما اورده عنه في التاج المحل.توفي قاضيا ببرجة سنة 745؛وانظر أيضا ترجمته في المرقبة العليا: 149 ونيل الابتهاج: 93 (ط. فارس) والديباج المذهب: 115 وفي اسمه اختلاف عما ورد هنا.

اكؤس العجائب فأدار جريالها، واقتحم على الليوث اغيالها [وطمح إلى الغاية البعيدة فنالها] وتذوكرت المخترعات فقال إن لها؛فكان وردة بستان دهره، عند المفاضلة بين أنواع زهره، وعروس الأدب المغلي لمهره، وواحد مثنى البيان في سره وجهره؛ وشعره يستفز (1) حلم الحليم، ويلقي له فرسان المجال أيدي التسليم، فمن ذلك في غرض الحكم والأمثال، طوع الطبع المنثال (2) : عد الهوى يقظان والرأي الذي ... ينجيك منه، ذا ارتأيت، نئوما فإذا رأيت الرأي يتبع الهوى ... خالف وفاقهما تعد حكيما (58آ) وعليك أعال المشورة إنها ... تحمي صحيحا أو تعل سقيما وكما تخاف من الحليم مداجيا ... خف من نصيحك في السفاهة شوما وكما تخاف من الحليم مداجيا ... خف من نصيحك في السفاهة شوما وأحذر معاداة الرجال توقيا ... منهم ظلوما كنت أو مظلوما والناس إما جاهل لا يتقي ... عارا ولا يخشى العقوبة لوما أو عاقل يرمي بسهم مكيدة ... كالقوس ترسل سهمها مسموما فاحلم على القسمين تسلم منهما ... وتسد فتدعى سيدا وحكيما ودع المماراة التي من شأنها ... أن لا تديم على الصفاء نديما أبت المغالبة الوداد فلا تكن ... (3) ممن يغالب ما حييت حليما وإذا منيت بغربة فاخفض جناح ... الذل واخضع ظاعنا ومقيما إن الغريب لكالقضيب تحيرا ... إن لو يمل للريح عاد رميما وابغ الكفاف ولا تجاوز حده ... ما بعده يجني عليك هموما

_ (1) يستفز: سقطت من ج. (2) القصيدة في الإحاطة 1: 503. (3) د: حميما.

وابسط يديك متى غنيت ولاتكن ... فيمن يكون به المديح ذميما وإذا بذلت فلا تبذر إن ذا ... التبذير مثل أخيه كان رجيما وعف الورود إذا تزاحم مورد ... واحسب ورود الماء فيه حميما واصحب كريم الأصل ذا فضل فمن ... يصحب لئيم الأصل عد لئيما فالفضل من لبس الكريم فمن عرى ... عنه فليس كما يقال كريما " إن المقارن بالمقارن (1) يقتدي " ... مثل جرى جري الرياح قديما وجماع كل الخير في التقوى فلا ... تعدم حلى التقوى تعد عديما ومن بدائعه قوله يجيب من أهداه فرسا: وقد وصل الطرف الأغر كأنه ... غمامة غيث برقها غرة تهدي يخيل لي أن الشباب أعيد لي ... وسود ليلي (2) دون هجر ولا صد ففديته بالنفس وهي قليلة ... ويغلي الهدايا قيمة شرف المهدي فلو أنني أنصفته ما امتطيته ... وقلت له: طأ إن تشأ عزة خدي واقضمته حب القلوب كرامة ... وسقيته ماء الشبيبة عن ورد والبسته عن برقع رقة الصبا ... ملونة العطفين بالهزل والجد وسلمت (3) عمري في عذاري معذر ... فألفيته منه على صفحة الخد وقال يهنئ شيخنا الشريف بإبلال: تفديك أنفسنا وان قلت فدا ... فهي الكثيرة لا تعادل أوحدا

_ (1) من قول عدي بن زيد: عن المرء لا تسال وابصر قرينه ... فان القرين بالمقارن يقتدي (2) د: به وهو ليل. (3) ك: وعلمت.

واسلم سلمت من الحوادث كلها ... وبقيت صدر المنتدى بحر الندى حتى تليح الشيب أبيض واضحا ... فتجوز غايات الحياة مدى مدى فإذا انقضى الأجل المسمى زرتم ... في الخلود جدكم الكريم محمدا وافى كتابكم فبت لأجله ... ريان أشكو من تباريح الصدا ريان من وردي لعذب خطابه ... ظمآن من حر الجوانح مكمدا ونشرته وكتمته فكأنني ... شاهدت منك به الفضائل واليدا ودعوت ربي في بقائك سالما ... والله ينجز في الدعاء الموعدا وقال يصف الشيب من قصيدة طويلة (1) : لاح الصباح صباح شيب المفرق ... فاحمد سراك نجوت مما تتقي هي شيبة الإسلام فاقدر قدرها ... قد أعتقتك وحق قدر المعتق خطت بفودك أبيضا في أسود ... (2) بالعكس من معهود خط المهرق كالبرق راع بسوطه طرف الدجى ... فأعاد دهمته شيات الأبلق كالفجر يرسل في الدجنة خيطه ... ويحوك ثوب ضيائه بالمشرق كالماء يستره بقاع طحلب ... فتراه بين خلاله كالزئبق (59 آ) كالحية الرقشاء إلا انه ... لا يبرأ الملسوع منه إذا رقي كالنجم عد لرجم شيطان الصبا ... يا ليت شيطان الصبا لم يحرق كالزهر الا أنه لم يبتسم ... الا لغصن ذابل لم يورق كتبسم الزنجي الا أنه ... يبكي العيون بدمعها المترقرق

_ (1) القصيدة في الإحاطة 1: 504. (2) المهرق: الصحيفة.

وكذا البياض قذى (1) العيون ولا نرى ... للعين أنكى من بياض المفرق ما للغواني وهو لون خدودها ... يجزعن من لألائه المتألق أو خلنه لمع السيوف ومن يشم ... لمع السيوف على المفارق يفرق هو ليس ذاك ولا الذي أنكرنه ... نكرا فخف ما خفن منه واتق داء يعز عن الطبيب دواؤه ... ويضيع خسرا فيه نال المنفق لكنه، والحق اصدق مقول ... شين المسيء الفعل زين المتقي ومن ذلك قوله (2) : أقلي فما الفقر بالمرء عارا ... ولادار من يألف الهون دارا ولا يكسب العز الا الغنى ... غنى النفس فلتتخذه شعارا وما اجتمع الشمل في غيره ... فيحسن فلا وساء انتشارا فزهرة غيرك لا تنظري ... فيألم قلبك منه انكسارا وهزي إليك بجذع الرضى ... تساقط عليك الأماني ثمارا ومن المقطوعات قوله (3) : لو أن أيام الشباب تعود لي ... عود النضارة للقضيب المورق ما إن بكيت على شباب قد ذوى ... وبقيت منتظرا لآخر مونق ومن قوله في الأمثال: من لم يكن أصله كريما ... لم يعل في المعلوات فرعه

_ (1) قذى: سقطت من ج. (2) الأبيات في الإحاطة 1: 505. (3) الإحاطة: 506.

(59ب) الناس كالأرض دون شك ... ما طاب منها يطيب زرعه ومنها في وصف القلم وهو بديع (1) : لك القلم الأعلى الذي طال فخره ... وان لم يكن إلا قصيرا مجوفا تعلم منه السيف أبدع حكمة ... فها هو (2) أمضى ما يكون محرفا ومنها في التورية الفقهية (3) : لي دين عل الليالي قديم ... ثابت الرسم منذ خمسين حجة أفأعادي بالحكم بعد عليها ... أم لها في تقادم العهد حجة ويختم له بقوله نفعه الله تعالى (4) : نجوت (5) بفضل الله مما أخافه ... ولم لا وخير العالمين شفيع وما ضعت في الدنيا بغير شفاعة ... فكيف إذا كان الشفيع أضيع

_ (1) الإحاطة: 506. (2) في النسخ: فما هو. (3) الإحاطة: 507. (4) الإحاطة: 507. (5) في النسخ: وفضل.

62 - شيخنا الرئيس أبو الحسن علي بن محمد بن علي بن سليمان بن الجياب الأنصاري (1) رحمه الله تعالى، وهو مذكور في كتاب التاج: صدر الصدور الجلة، وعلم من أعلام الملة، شيخ الكتابة وبنيها، ومتولي أيام خدمتها وسنيها، وهاصر أفنان البدائع وجانيها، اعتمدته الرئاسة فناء بها على حبل ذراعه، واستعانت به السياسة فدارت أفلاكها على شباة يراعه، وتعاقبت دول العدل فلم تر له عديلا، ولا وجدت لسنة اصطباغه تبديلا، ولا ثكلت (2) سواجع البيان، من يراعه الرائع الافتنان، هديلا، أي ندب (3) على علو القدر متواضع، وحبر لثدي المعارف راضع، لا يمر الكلام في فن إلا كان له في ميدانه التبريز، ولا تعرض جواهر الإفهام (4) على ميدان الإبهام إلا انتسب إليه الإبريز، إلى نفس هذبت الآداب (5) شمائلها، وجادت الرياضة رياضها العاطرة (60آ) وخمائلها، ومراقبة لربه، وانتشاق لروح الله من مهبه، وانس بالأسحار يقريها من الأوراد خير قرى، ثم يبكي معتذرا عن جهده

_ (1) ترجم له لسان الدين في الإحاطة، وكرر هنا ما ورد في كتاب التاج، وهذه الترجمة نقلها المقري في النفح 8: 367، وذكره في شيوخ لسان الدين 7: 352 اعتمادا على الإحاطة وأورد جملة صالحة من شعره، وانظر الابتهاج: 193 (ط. فاس) . (2) ج: نكلت، ك: اتكلت. (3) أي ندب: سقطت من ج. (4) د: الإلهام. (5) ج ك: هدبت الاهذاب.

ومحتقرا؛ وكل ما ظهر علينا؟ معشر بنيه؟ من شارة تحلى بها العين، أو إشارة كما سكب اللجين، فهي إليه منسوبة، وفي حسانته محسوبة، كالشمس تلقي على النجوم شعاعها، والصور الجميلة تترك في الأجسام الصقيلة انطباعها؛ وما عسى ان يقال في إمام الأئمة، ونور الدياجي المدلهمة، والمثل السائر في بعد الصيت وعلو الهمة، والحق ان نعدل عن سلطانياته (1) لاشتهارها، ونجلب شيئا من إخوانياته لإيناع أزهارها. كتب إليه الفقيه أبو القاسم ابن أبي العافية (2) المتقدم الذكر في غرض العتاب قصيدة بديعة اولها: أطير فؤادي قل اذن من أطاركا ... لآخذ قبل الفوت بالموت ثاركا وان كنت مختار النزوع فإنني ... لأرضى بطوعي أو بكرهي أختياركا وان كنت لم تحمد جواري فإنني ... لأحمد في سري وجهري جوراكا وما زلت أستسقي سحاب مدامعي ... فتهمي بما يسقي ويشفي أواركا وتسرح في أرض المنى بين أضلعي ... فأجني بأثناء الأماني ثماركا وما جئته بدع وجدك يعتني ... بنحس فطر ما شئت واحمد مطاركا " كذلك جدي ما أصاحب صاحبا ... من الناس " (3) إلا مل ودي وتاركا

_ (1) في الأصول: سلطانيته؟؟ اخوانيته. (2) انظر الترجمة السابقة رقم: 61. (3) من قول امرئ القيس: كذلك جدي ما أصاحب صاحبا ... من الناس إلا خانني وتغيرا

وهي طويلة فأجابه رحمة الله عليه بهذه الأبيات: خليلي لك العتبى وما أنت مذنب ... ولكن عساها ان تروض ازوراركا أتاني كتاب منك لم أر وجهه ... (1) فيا ليت شعري أنى طرت مطاركا أبا للوم ترميني وحاشاك فالتمس ... لي العذر لا تشنن علي مغاركا (60 ب) حكمت ولم تعذر وتلك حكومة ... لنفسك ما أبلغت فيهاانتظاركا عتبت ولم تعذر وتزعم أنني ... لك الصاحب الخوان مل وتاركا ولو إنني نازلت منك نظيرها ... بسطت على ما كان منك اعتذاركا أعيذ الوداد المحض والخطة التي ... جعلت التقى والعدل فيها شعاركا من الحكم بالظن الذي لم يقم على ... أساس ولا محضت فيه اختباركا صدعت فؤادي بالعتاب وانه ... لمنزلك الأرضي فخربت داركا فيا ثائر العتب الذي قد عكسته ... بحق ألا فارجع على من اثاركا قدحت زنادي بالعتاب فهاكها ... نتيجة (2) فكر فيه أضرمت ناركا فها هي تبدي من وجوه جفائها ... وتجزي سواء بالنفار نفاركا ولو أنني انصف سلمت طائعا ... لتأخذ مني باحتكامك ثاركا فان لك الحب الوثيق بناؤه ... وان لك الفضل الذي لن يشاركا وكم لك عندي قبلها من قصيدة ... أريت بها في رفع قدري اقتداركا نشرن علي القول مثنى وموحدا ... وأعلين في سمك المعالي مناركا رياض تروق الطرف والقلب بهجة ... فها أنا أجني في رباها ثماركا

_ (1) كذا في الأصول، وأقرا " أنى " بقصر الألف. (2) نتيجة: سقطت من ج.

فلو نشر الصادان (1) من مضجعيهما ... ليوم رهان لم يشقا غباركا تثبت ولا تعجل على من تحبه ... فمثلك من أولى الرضى وتداركا فعهدي محفوظ وحسبي بحفظه ... شهادة رب العالمين تباركا وخاطبته، رحمه الله، وأنا شاب، أيام الانتفاع به بقصيدة أولها: أمستخرجا كنر العقيق بآماقي ... أناشدك الرحمن في الرمق الباقي فقد ضعفت عن حمل صبري طاقتي ... عليك وضاقت عن زفيري أطواقي أجن إذا جن الظلام فليس لي ... سوى نسمة الفجر اللطيفة من راق (61 آ) وربما استعديت فيها تميمة ... فزعفرها بالدمع كاتب آماقي فأجابني عنها، رحمه الله، بما نصه: سقاني فآهلا بالسقاية والساقي ... أناشدك بها قام السرور على ساق ولا نقل إلا من بدائع حكمة ... ولا كاس إلا من سطور وأوراق فقد أنشأت لي نشوة بعد نشوة ... تمد بروحانية ذات أذواق فمنخطها الباهي متاع لناظري ... وسمعي وحظ الروح من حظها الباقي أعادت شبابي بعد سبعين حجة ... فأثوابه قد جددت بعد إخلاق وما كنت يوما للمدامة صاحب ... ولا قبلتها قط نشأة أخلاقي ولا خالطت لحمي ولا مزجت دمي ... وقى شرها مولاي فالشكر للواقي وهذا على عهد الشباب فكيف لي ... بها بعد ماء للشبيبة مهراق تبصر (2) فحكم القهوتين تخالفا ... (3) فكم بين إثبات لعقل وإزهاق

_ (1) الصادان: سقطت من ج وكتب فوقها في ك: " كذا " والصادان لعلها إشارة إلى اثنين من الثائرين مثل الصابي والصولي يبدأ كل اسم من اسميهما بحرف الصاد. (2) فحكم: سقطت من ج. (3) خ بهامش ك: وإرهاق.

وشتان ما بين المدامين فاعتبر ... (1) فكم بين إنجاح لسعي وإنفاق فتلك تهادى بين ظلم وظلمة ... وهذي تهادى بين نور واشراق أيا علم الأعلام غير منازع ... (2) شهادة إجماع عليها وإطباق فضائلك الحسنى علي تواترت ... (3) بمنهمر من سحب فكرك غيداق خزائن آداب بعثت بدرها ... إلي ولم تمنن لخشية (4) إنفاق ولا مثل بكر حرة عربية ... زكية أخلاق كريمة أعراق فأقسم ما البيض الحسان تبرجت ... تناجيك سرا بين وحي وإطراق بدور بدت من فوقها أطواق على ... رياض شدت في قضبها ذات أوراق يناظر منها الأقحوان ثغورها ... وقابل منها نرجس حسن أحدق وناسب منها الورد خد موردا ... سقاه الشباب الغض بورك من ساق (61 ب) وألبسن من صنعاء وشيا منمنما ... وحلين من در نفائس اعلاق بأحلى لأفواه وأبهى لأعين ... وأجلى لألباب وأشهى لعشاق رأيت بها شهب السماء تنزلت ... إلي تحييني تحبية مشتاق ألا إن هذا السحر لا سحر بابل ... فقد سحرت قلبي المعنى فمن راق لقد أعجزت نطقي شمائل ماجد ... أبر بأحباب وأوفى بميثاق تقاضى ديون الشعر مني بيانها ... (5) رويدك لا تعجل علي بإرهاق فلو نشر (6) الصادان من مضجعيهما ... لإنصاف هذا الدهر (7) لاذا بإملاق

_ (1) خ بهامش ك: وإخفاق. (2) خ بهامش ك: واصفاق. (3) ج ك: غرياق. (4) خ بهامش د: بحسبة. (5) ك: باهراق. (6) الصادان: سقطت من ج. (7) خ بهامش ك: هذا الدين.

فخذ بذمام الدهر شيخا تقاصرت ... خطاه وعامله بمعهود إشفاق ولازلت تحيي للمكارم رسمها ... وقدرك في أعلى العلا والنهى راق ومن غريب ما خاطبني به وأنا صبي (1) بين يديه: أقسم بالقيسين والنابغتين ... وشاعري طيء المولدين وبابن حجر وزهير بعده ... (2) والاعشبين بعده والأعميين ثم بعشاق الثريا والرقيات ... وعزة ومي وبثين وبابي الشيص ودعبل ومن ... كشاعري خزاعة المخضرمين وولد المعتز والرضي والسري ... ثم حسن وابن الحسين واختم بقس وبسبحان وان ... أوجبت أن يكونا أولين وليتي نظمهم ونثرهم ... في مشرقي أقطارهم والمغربين إن الخطيب ابن الخطيب سابق ... بنثره ونظمه للحلبتين وافتني الصحيفة الحسنا التي ... شاهدت فيها المكرمات (3) رأي عين تجمع من براعة المعنى إلى ... براعة الألفاظ كلتا الحسنيين اشهد انك الذي سبقت في ... طريقة الآداب أقصى الأمدين (62آ) شعر حوى جزالة ورقة ... تصاغ منه حلية للشعريين رسائل أزهارها منثورة ... سرور قلب ومتاع ناظرين

_ (1) خ بهامش ك: وأنا صغير. (2) د وخ بهامش ك: ثم الأعميين. (3) المكرمات: سقطت من ج.

يا احوذيا يا نسيج وحده ... شهادة تنزهت عن قول مين بقيت في مواهب الله التي ... تقر عينيك وتملا اليدين وكان رحمه الله مولعا بالألغاز يفاكنها بطرفها اكثر الأوقات، ويرى إن طريقها في اللغو اسلم الطرقات، فيشغلها بحلوائها، عن أغراض الألسنة وأهوائها، فمن ذلك قوله ملغزا في حجلة؟ الطائر المعروف (1) : خاطبت (2) كل فطن لبيب ... ما اسم لأنثى من بني يعقوب ذات كرامات فزرها قربة ... فزورها أحق بالتقريب وقد جرى في خاتم الوحي الرضى ... لها حديث ليس بالمكذوب وهو إذا ما (3) الحاء منه صحفت ... صبغ الحياء لا الحيا المسكوب فهاكها واضحة أسرارها ... فأمرها اقرب من قريب وقال في آب الشهر بالقبطية (4) : حاجيتكم ما اسم علم ... ذو نسبة إلى العجم يخبر بالرجعة وهو ... راجع كما زعم وهو الحميم معربا ... تصحيف أو بدء قسم (5)

_ (1) النفح 7: 362، قلت: اليعقوب ذكر الحجل، وقوله فزورها..الخ: أي عنقها أحق بالذبح، وفي البيت الثالث إشارة إلى ان خاتم النبوة بين كتفي الرسول (ص) كان مثل زر الحجلة،وزرها بيضها،وفي البيت الرابع بصحف الحجل فيصبح (الخجل) . (2) هكذا في كل النسخ: وفي النفح: حاجيت. (3) خ بهامش ك: الفاء. (4) النفح 7: 363؛ قلت: كذا قال " بالقبطية " وهذا غير دقيق وأمنا هو اسمه بالسريانية. (5) خ بهامش ك: وصف الحميم هو بالتصحيف أو بدء قسم.

دونكه أوضح من ... نار على راس علم وقال في كانون (1) : وما اسم لسميين ... ولم يجمعها جنس فهذا كلما يأتي ... فبالآخر لي انس وهذا اصله الأرض ... وهذا اصله الشمس (62ب) وهذا ما له سوم ... وهذا سومه فلس وهذا واحد من سبعة تحيا به النفس ... فمن محموله الجن ... ومن موضوعه الأنس فقد بان الذي ألغزت ما في أمره لبس ... ومن ذلك قوله في نمر: ما حيوان ما له من حومة ... إذا اسمه صحف فابن العمه (3) وقلبه من بعد تصحيف له ... يريك في الذكر الحكيم أمه ومن ذلك قوله في سلم (2) : ما اسم مركب مفيد الوضع ... مستعمل في الوصل لا في القطع ينصب لكن اكثر استعماله ... يعنى به في الخفض أو في الرفع وهو إذا صغرته مخففا ... تراه شملا لم يزل ذا صدع

_ (1) النفح 7: 363. (3) النفح 7: 363. (2) صخف أي جعل " تمر "، والعمة: النخلة.

فالاسم ان طلبته تجده في ... (1) خامسة من الطوال السبع وهو إذا صحفته يعرب عن ... (2) مكسر في غير باب الجمع له أخ افضل منه لم تزل ... (3) آثاره محمودة في الشرع هما جميعا من بني (4) النجار ... والأفضل اصل في حنين الجذع فهاكه قد سطعت أنواره ... لا سيما لكل زاكي الطبع ومن ذلك في فنار (5) : ما اسم إذا حذفت ... منه فاءه المنوعة فانه بنت الزنا ... (6) مضافة لأربعه ومن ذلك قوله في الحوت (7) : ما حيوان في اسمه ... إذا اعتبرته فنون حروفه ثلاثة ... والكل منها هو نون (8) تصحيفه قطع الفلا ... (9) أو ما جناه المذنبون أو ابيض أو اسود ... (10) أو صفة الخئون

_ (1) إشارة إلى قوله تعالى: " أو سلما في السماء " (الأنعام: 25) . (2) إذا صحف " سلم " اصبح " يتثلم ". (3) أخوه من المنبر. (4) من بني النجار: من صنع النجار. (5) انظر النفح 7: 370. (6) يعني بيت الزناد وهي " النار ". (7) النفح 7: 373. (8) النون: الحوت. (9) إذا صحف " الحوت " اصبح " جوب " وهو قطع الفلوات. (10) " جون " وهو من الأضداد يعني الأبيض والأسود، و " حوب " وهو النفس.

وقلبه مصحفا (63آ) ... (1) عليه دارت السنون كانت به فيما مضى ... (2) عبرة قوم يعقلون أودع فيه عنده ... سر من السر المصون هاكه كالنار في الزند ... لها فيه كمون ومن ذلك في مائدة (3) : حاجيت كل فطن نظار ... ما اسم لأنثى من بني النجار وفي كتاب الله جاء ذكرها ... فقلما يغفل عنها القاري في خبر المهدي فاطلبها تجد ... إن كنت من مطالعي الأخبار ما هي إلا العيد عيد رحمة ... ونعمة ساطعة الأنوار يشركها في الاسم وصف حسن ... من وصف قضب الروضة المعطار (4) فهاكه كالشمس في وقت الضحى ... قد شق (5) عنه حجب الأستار ومن ذلك في زبيب: ما نقي العرض طاهر الجسد ... كلما خالطه الماء فسد خالط الماء القراح فغوى ... بعدما قد كان من أهل الرشد عجمي الأصل تم حسنه ... (6) عندما صاد الغزالة الاسد

_ (1) مقلوب حوت مصحفا " يوح " وهو اسم الشمس. (2) يشير إلى قصة يونس والحوت. (3) النفح 7: 364. (4) أي إن قضب الروضة تميد فهي " المائدة ". (5) د: شف. (6) أي يتم نضجه عند وقوع الشمس في برج الأسد.

واسمه اسم امرأة (1) مصحفا ... ولقد يكون وصفا لولد هاكه قد بهرت أنواره ... فارم بالفكر تصب قصد السدد 63 - الكاتب أبو علي حسن بن علي بن عمر بن إبراهيم القيجاطي (2) رحمه الله تعالى: فكه غزل، وعن (3) أشعرية الخدود معتزل، ركض طرف الشبيبة فأنضاه، وطلب دينها فاقتضاه، وكانت له عن بلده رحلة ساعده فيها الجد، وطلق القبول الممتد، فكتب بافريقية عن ملوكها، وانتظم في سلوكها، إلى أن أمضى لسبيله، شان قدوم (4) الوجود وقبيله، وله شعر رقيق الغزل، (63ب) غير ملتبس بالجزل، فمن ذلك في غرض النسيب، إذ الشباب قشيب، والفود لم يرعه مشيب: يا منية والهجران منيته ... اهجر فإني على ما شئت مصطبر وته واعرض وعذب واستطل واهن ... فكل ذلك محمول ومغتفر

_ (1) د: أمرئ؛ وتصحيف زبيب هو " زينب " أو " ربيب. " (2) مر في الترجمة رقم:4 ذكر علي بن عمر القيجاطي إلا أن لسان الدين ذكر جده هنالك باسم " حسين " في موضع إبراهيم الذي ذكره هنا. (3) د: ومن. (4) قدوم: سقطت من ج وفوقها في د: كذا.

الله يعلم إن النفس فانية ... وان جفني قد أودى به السهر كيف الخلاص وسحب الدمع واكفة ... وجذوة الشوق في الأحشاء تستعر يا لين القد حتى انه غصن ... وقاسي القلب حتى انه حجر اسحر بابل من عينيك يمنعني ... دين السلو أم الصمصامة الذكر لولاك ما أرقت عيني ولا علقت ... بمهجتي للهوى ناب ولا ظفر ومن ذلك قوله: على مثل عبد الله يستعبد الحر ... ويستعذب التعذيب والتيه والهجر وإلا فمن هذا الذي هو مثله ... وقد قصرت عن مثله الشمس والبدر له وجنة وردية ومنصف ... به اللؤلؤ الرطب المنضد والدر ولحظ علمت السحر منه حقيقة ... وما كنت ادري قبل ذلك ما السحر أمولاي رفقا بالعبيد فانه ... مشوق كما شاءت جفونك والدهر يرجي انقضاء الهجر منك وربما ... تسلسل حتى ينقضي دونه العمر قضى الله إن أفنى عليك صبابة ... له الحمد فيما قد قضى وله الشكر ومن أبياته في اللف والنشر المرتب: جبين وشعر ووجه وقد ... وخد وطرف وريق وثغر صباح وليل وبدر وغصن ... وورد وسحر وخمر ودر

64 - الشيخ الوزير والقائد الكاتب أبو بكر بن ذي الوزارتين (64 آ) أبي عبد الله بن الحكيم (1) رحمه الله تعالى بمنه ماجد أقام ربع المجد بعد عفائه، وأيقظ طرف الفضل بعد إغفائه، وكتب على عقده باكتفائه، ما شئت منكرم بحت، ويرى في المجد ونحت، برز في حمل الحديث وروايته، واجتنى ثمرة رحلة إليه وهو في حجر دايته، ودون الفهارس، وأحيا الأثر الدارس، وكان من مفاخر الدهر، ورياض الفضل المونقة المزهرة، وله شعر دون مقداره، وما يليق بهالة ابداره، وان كان له (2) فضل حكم اقتداره، فمن ذلك، ونقلته من خطه (3) : تصبر إذا ما أدركتك ملمة ... فصنع إله العالمين عجيب وما يدرك الإنسان عارة بنكبة ... فينكب فيها صاحب وحبيب ففي من مضى للمرء ذي العقل أسوة ... وعيش كرام الناس ليس يطيب ويوشك أن تهمي سحائب نعمة ... فيخضب ربع للسرور جديب

_ (1) ترجم له لسان الدين في عائد الصلة والتاج والإحاطة 2: 199 وقال انه توفي سنة 750، وعده المقري من أشياخ لسان الدين (النفح 8: 12) وترجم له ترجمة استطرد منها إلى الإسهاب في ذكر والده أبي عبد الله بن الحكيم. (2) د: كل فضل. (3) الأبيات في النفح 8: 12 - 13 والإحاطة 2: 206.

إلهك يا هذا مجيب لمن دعا ... وكل الذي عند القريب قريب وقال رحمه الله تعالى (1) : أيا من له الحكم في خلقه ... ويا من بكربي له أشتكي تول أموري ولا تسلمني ... وان أنت أسلمتني أهلك تعاليت من منعم مفضل ... ونزهت من طالب مدرك 65 - الكاتب بالدار السلطانية أبو القاسم محمد بن محمد بن محمد بن الحكيم (2) ، ولد من الإكليل: فرع محمد وجلالة، ورث الفضل لا عن كلالة، واقتفى من سنن سلفه اثر هاد يدله، فيما يعقده أو يحله، واتسم بميسم الحياء والحياء خير كله، وله أدب حسن الشارة، ومعان لطيفة الإشارة، فمن (64 ب) ذلك قوله: وساق يدير السكر من كأس لحظه ... ويفتن ألباب البرايا بسحره يدير عقارا مثل ورد حيائه ... بهاء، وطيبا مثل نفحة نشره يريك إذا قبلت فاه بكأسه ... سهيلا وقد أوفى (3) إلى لثم بدره عجبت لها قد نعمت ورد خده ... ولم تسق إلا أقحوانة ثغره

_ (1) الأبيات في الإحاطة 2: 206. (2) ترجم له أيضا في التاج والإحاطة 2: 195 وهذا الذي أورده هنا منقولا عن الإكليل يشبه كثيرا ما أورده في التاج، واقتبس بعضه في الإحاطة. (3) ك: آوى.

ومن مقطوعات التورية (1) : بنفسي حبيب مال عامل قده ... علي ولما ينعطف وهو كالغصن ويا عجبا منه متى صار ذابلا ... ونضرته لم تنأ عن خوطه اللدن وأعجب من ذا إن سيف لحاظه ... يمزق أفلاذ الحشا وهو في الجفن وقال في التورية أيضا (2) : بأبي وغير أبي غزال نافر ... بين الجوانح يغتدي ويروح قمر تلألأ واستنار جبينه ... غارت به بين الكواكب يوح لم يرض غير القلب منزلة فهل ... يا ليت شعري بالذراع يلوح 66؟ الشيخ الكاتب أبو اسحق إبراهيم بن يحيى بن زكريا (3) ، رحمه الله تعالى: حامل لواء الخط، والمنفرد بأحكام البري والقطن السابح من الإبداع في لجة بعيدة الشط، كثير الحشمة والحيا، وأخذ نفسه في ذلك بالاغيا (4) ، من أولي الأصالة والأحساب، والبيوت النبيهة عند الانتساب،

_ (1) الأبيات في الإحاطة 2: 196. (2) الأبيات في الإحاطة 2: 197. (3) ترجم له النباهي في المرقبة: 154 وقال: كان من سراة القضاة، طرفا في الخير والاقتصاد والتعزز والانقباض بارعا في الخط، اخذ بحظ من النظم والنثر. وذكره الحضرمي في فهرسته ونقل عنه صاحب نيل الابتهاج: 213 (ط. فارس) ، توفي سنة 751. (4) كذا في النسخ.

وشعره متوسط، وفي الطولات متبسط، فمن ذلك قوله: يا ظاهراً ما عرفت الحب لولاه ... وما المراد وما المقصود إلا هو من (1) حبه ساكن في القلب يعمره ... ومن منى النفس في ترديد نجواه (65 آ) وذكره في ضميري لا زوال له ... أنسي وراحة نفسي يوم القاه أحاط في لطفه ما إن يفارقني ... فما ألذ على قلبي وأحلاه مولاي والعبد في بحر الهوى غرق ... والقلب في حرق والحب أغراه والحب ما اختاره من كان يعقله ... والسقم أوله والموت أخراه والذل في الحب عز إن ذا عجب ... والموت للعبد فيه عين محياه 67؟ الكاتب أبو العلاء محمد بن محمد بن سماك العاملي، رحمه الله تعالى وعامله بفضله وكرمه: مجموع خصل، وفرع نشأ عن أي اصل، ومشيخ بنصل، في يوم فصل، كتب مع الحلبة، وشاركهم في افتراع الهضبة، وانشد الشعر فأجرى بغير الخلاء، وجعل دلوه في الدلاء، فمن شعره يمدح السلطان ويذكر الواقعة البحرية بالروم: فتح قضاه لملكك الرحمن ... لم تأت قط بمثله الأزمان فلأي يوم سعادة أولاكه ... ذلت بعزة نصره الصلبان

_ (1) ج: قلبه، وكتبها كذلك في د ووضع فوقها علامة خطأ.

بشرى كما فغم (1) العبير لناشق ... وافتر عن أزهاره البستان ومن قصيدة يمدح السلطان ويذكر فتح بعض الحصون: بشرى بها صبح الهداية مسفر ... بشرى بها ليل الضلالة مدبر فتح تلقى النصر منه تحية ... من لفظها ماء البشاشة يقطر فتحت سيوفك (2) كريكول وانه ... في الفتح عنوان لما هو اكبر ثغر على الأرض الفضاء طليعة ... فله على كل البسيطة مظهر يرنو إلى أرض العدو كأنه ... لحظ يضم عليه منها محجر ما إن يشن الكفر يوما غارة ... ألا وبالمغوار منه منذر (65ب) صعد العداة عليه امنع معقل ... متمثلين (3) بأنه لا يحصر فسمت جيوشك منه أعلى شاهق ... يرتد عنه الطرف وهو محير في راس (4) سن لا (5) تقام سماؤه ... من دونه قطر الغمام الممطر فكان هرمس بث حكمته به ... وأدق فيه فكره الاسكندر فضفا من النقع المثار عليهم ... (6) برد باطراف الرماح محبر فاستنزلوا مستسلمين وربما ... أعيا الحماة حلول ما لا يقدر ألقوا يد الإذعان خيفة هلكهم ... وضلوعهم تندق أو تتفطر واحتل فيه الدين دين محمد ... والله يخذل من يشاء وينصر وكتب الي يهزني بمجلس السلطان أنجاده وأعانته على مراده:

_ (1) خ بهامش ك: كما تم. (2) ك: كركيول. (3) خ بهامش ك: متخيلين. (4) خ بهامش ك: شق. (5) ج: لا تغام. (6) خ بهامش ك ود: مدثر.

يا ابن الخطيب من الذي بثنائه ... قد قام في مرقى مناي خطيبا جدد عوائدك التي أنشقتني ... من زهر نعمتها المنعم طيبا واهزز لنا غصن الخلافة يانعا ... يسقط جنى نيل المراد رطيبا لازلت ذا فضل علي وحمده ... مني مطيلا لا يزال مطيبا وانشد في بعض مجالسه، وجهل ما عند الصوفية في قوله بالله ثم مع الله: مناي من الدنيا كتاب وخلوة ... أكون بها بالله ثم مع الله وأنشر من ذاك الكتاب معارفا ... لكل منيب للمهيمن آواه 68 - الكاتب أبو بكر محمد بن محمد بن عمر بن علي القرشي رحمه الله وغفر له بمنه قريع أصالة وديانة، ونشأة ورع وصيانة، أصبح لهبة الظرف ناسما، فلا تلقاه الا باسما، وأمسى لشذا الكمال ناشقا، فتراه لإغراض النبل راشقا، فما شئت من حلاوة الضرائب والشمائل، والأدب (66آ) المزري بأزهار الخمائل؛ وله شعر يشهد بجودة الخاطر، وإغداق الطبع الماطر، ومضاء الفكر الشاطر، كتب إلي يهزني للنظر في حاله، ويحركني لسقي امحاله، بقوله: قد حل دهري مرائر العقد ... لا عزمتي عزمتي ولا جلدي وكنت إذ امدح الجواد إذا ... دنياي تصفي الحياض لم أرد

إربا إذا أقبلت بزهرتها ... وأدبرت ان تمر في خلدي حتى إذا أرسلت خمائلها ... بالأهل ختالة وبالولد تلعب بي كيفما تشاء كما ... يلعب موج البحار بالزبد هذا ولو أنصفت لما رضيت ... (1) إن تحمل الأسد محمل النقد وحلبة الخيل لم يكن أبدا ... سكيتها كالسبوق في الأمد يا ابن الخطيب الذي قد أرتفعت ... به سماء العلا على عمد واستخدم السيف عنده قلم ... مقلم الظفر في يدى أسد وأصبح السعد في سياسته ... لمنصب الملك ضامن الرشد هذي عظيم الأمور قمت بها ... (2) جميعها غير واهن الكتد فانهض بمن قد أوى إلى حرم ... منك وقد التجا إلى سند وشد له رتبة نصبت له ... (3) فيما مضى أمرها فقال: قد حسبت تلك التي لدي فما ... آفاتها كونها على صدد وقد تصير النفوس راغبة ... في الشيء لم تعتبره من زهد والحب ملء الفؤاد لو طلبت ... زيادة فوق ذاك لم أجد أنت الذي فضله قد انتشرت ... آثاره في القريب والبعد تخدي بذاك الحداة أينقها ... من بلد نازح إلى بلد (66ب) فدم لأفق السماء شمس هدى ... وآبق لكسب العلا مدى الأبد وكتب لي لمل قدمت من المغرب إلى الأندلس لإقامة الدولة، ولو شاء

_ (1) النقد: صغار الغنم. (2) الكتد: مجتمع الكتفين. (3) قد: اسم فعل بمعنى ((يكفي)) .

ربك ما فعلوه (1) : قدمت فما الغيث عند الجدوب ... ولا السلم عند توالى الحروب ولا البرء من دنف مزمن ... وشرخ الشبيبة بعد المشيب ولا الأمن من خيفة والغنى ... من الفقر، والأهل عند الغريب بأحسن من نبأ وارد ... ببشرى إيابك يا ابن الخطيب فإنك قطب مدار العلا ... ومركزها وعماد الطنوب وإنسان عين الزمان الذي ... تداعت به مضمرات القلوب هنيئاً لأندلس بشرها ... بيوم لقائك بعد القطوب فعند ركوبك من بحرها ... ثوى عندها قلب لفظ الركوب فإن كمن عطلتها بالنوى ... فقد جئتها بالحلي العجيب وأبرز لفظك در افتخار ... فقلدت في جيدها والتريب واطلعت في أفقها آيباً ... لأنوارك الشمس بعد الغروب وجددت سالف أيامها ... كما جدد الأنس وصل الحبيب فدام لنا بك توفيقها ... على الأرض من نازح أو قريب ودمت تشيد ربع العلا ... كما شاده من مضى للغعقيب وتبلغ فيما تريد المنى ... وتعطى من السعد أوفى نصيب ومن المقطوعات المطبوعات (2) قوله: شاركت لحظم في السقام ... ولهيب خدك في الضرام وحكيت خصرك رقة ... فحملت أثقال الغرام

_ (1) يشير لسان الدين إلى الفتنة التي خلع فيها السلطان محمد الغني بالله سنة 761؛ ثم عودته إلى العرض واستدعاؤه للسان الدين كي يعود لتدبير أمر الوزارة من المغرب سنة 763. وانظر حديث التلوم النفسي الذي وقع فيه ابن الخطيب بعد هذه العودة في كتابه أعمال الأعلام: 315. (2) المطبوعات: زيادة من د.

(67آ) ولقد غدا صبري الجميل ... كمثل عهدك في انصرام وقال متغزلاً في أحول، وهو من المليح: يا لائمين لحوا في حب ذي حول ... جفونه أبداً تشكو لنا مرضا لا تنكروا واحذروا من سهم مقلته ... فإنما هو رام يأخذ الغرضا ومن فكاهته قوله: غنى بشعر سواي أغيد لم يلح ... للعين أبدع من بدائع حسنه فغدوت فيه مخالفاً كل امرئ ... وموافقاً هذا الهوى في فنه والمرء يفتن بابنه وبشعره ... إلا أنا فبشعر غيري وابنه وقال رحمه الله وبه يختم اسمه: يا عجباً من عاقل غافل ... هيهات أين العقل ما أشحطه وضاحك بملء ولا ... يدري أأرضى الله أم أسخطه 69؟ الكاتب أبو القاسم محمد بن سعيد بن عيسى الحميري: رحمة الله تعالى عليه: هذا الرجل قريع أبوه، وإعجاز سور الفضل متلوه. نشأ آية الصون في هذا الكون، ومتجملاً بأحسن اللون، وولي الكتابة والقضاء، فما عدم في كليهما المضاء؛ وله أدب يقيم الرسم، ويحسن

الوسم، فمن ذلك نما كتب به إليّ ونحن غازون، وإلى نسب الشبيبة معتزون، وقد ثبت هذا بمحله: يا قدوة الأعصار والأزمان ... وعجيبة من مذهل الأذهان شملت شمائلك المحاسن كلها ... وطبعت في خلق على إحسان يبأى البيان بأن طلعت بأفقه ... بدراً وما يخشى من النقصان (67ب) فجرى الزمان بمعجبات للنهى ... من فكركم لاحت على الأزمان وأبان تبياناً بفضلك فضله ... يغني غناء الشمس عن تبيان أما البيان ففي لديك لواؤه ... يحمى ببيض القضب والمران يحمي اليراع بمرهف من حده ... (1) وبذابل من قده بسنان هذي البلاغة قد ملكت زمامها ... فإليك ألقت بيعة الرضوان فتح من الرحمن قد أوتيته ... فبه تعوذه من الشيطان فتبارك الوهاب كل فضيلة ... سبحانه من منعم منان وهي طويلة فأجبته عنها بمثلها بما أوله: ذكروا العهود فهاج من أشجاني ... شوق إذا جن الدجى ناجاني فكأنما الآماق مني أبحر ... يقذفن بالياقوت والمرجان ولو أنني أمسكت أجفاني وقد ... ذكروا العهود لقلت: ما أجفاني ومن شعره يوصي من التنمس منه ذلك: عليك بتقوى الله في السر والجهر ... وراقبه مهما جئت يوماً إلى أمر وعامل جميع الناس والرضى ... وصاحب عرفانه بك لا يزري

_ (1) سقط البيت من د، وفي خ بهامش ك: وسنان.

وواظب على تحصيل علم وطاعة ... وقدم جميعاً للضريح وللنشر ومهما دهاك الخطب واشتد وقعه ... فصبراً فإن الخير عاقبة الصبر فهذي وصاتي قد منحتك صفوها ... فخذها بجد تكتسب درر الخير 70؟ الكاتب الفارس أحمد بن أحمد بن خلف الجزيري، رحمه الله تعالى: فارس يخدم للتأديب والتجند تحت رايتين، ويستأثر من أجل ذلك بجريالتين، فإن عرضت كتيبة الخط كتب، أو تعرضت كتيبة الخطي (68آ) حرس ورتب، إلى خط حسن، ولسان لا يخلو عن لسن، وكان منزور الشعر قليله، نابي الحد فيه فليله، فمما حفظ عنه: سقم الجفون هو السقام حقيقة ... يعدي الجسوم فلا تبين نحولا لا تنظرن لها فتندم بعدها ... زمناً طويلاً إن نظرت قليلا فالنرجس المصفر في روض الربى ... مر النسيم به فجاء عليلا 71؟ الشيخ الكاتب أبو علي الحسن بن عبد السلام ابن يوسف وهو (1) الأنصاري، رحمه الله عليه: حامل براعةٍ بارعة، وبديهة مطاوعة مسارعة، لاك الكلام

_ (1) وهو: سقطت من ك.

وتملكه (1) ، واستحسن الإحسان وملكه، وأدار على قطب الإجادة فلكه، وساعده الدهر فتحرى طريق السرور فسلكه، ولم يزل المقدار يساعده، وينوء بالجد ساعده، حتى كثر ماله وآماله، ونجحت أعماله، ثم عجم الدهر عود صولته، وتقلب بدولته، فآثر الرحيل، وفارق الربع المحيل، فنضبت جمامه، وأتاه بتونس حمامه؛ ومن شعره يلغز في الوطن: أحاجيك ما شيء إذا ما ذكرته ... " سما لك شوق بعدما كان اقصرا " تسير له الركبان شرقاً ومغربا ... وشوقاً له ما أن تمل من السرى يحن له من كان مثلي نازحاً ... وبهواه حقاً كل من وطئ الثرى ومن عجب أن ليس بهوى لحسنه ... ولكن لأمر سره شمل الورى وأعجب من ذا أنه غير ناطق ... ويسأل أحياناً فيوجد مخبرا فهاهو للأبصار أوضح من ضحى ... وأشهر في الآفاق من مثل سرى وقال يخاطب الوزير أبا عبد الله بن الحكيم (2) : رأتك الوزارة أفقاً وإن ... فويق السها أوطأت رجلها (68ب) فهامت ورامت بأن ترتقي ... إليك وقد خلعت نعلها هوت وصل من لم تجد غيره ... وإن كثر الناس أهلاً لها فأوليتها من رضاك المنى ... وجمعت فضلاً بكم شملها فيهني الوزارة إن أصبحت ... تجرر تيهاً بكم ذيلها وينهك ما نلت من نعمة ... مجددةٍ لك ما قبلها

_ (1) خ بهامس ك: وعلكه. (2) مر التعريف به في أثناء الترجمة رقم: 21.

وقال يرثي الأستاذ أبا محمد (1) بن أبي السداد رحمه الله تعالى: صروفك أدهى لا البحار الزواخر ... وخطبك أمضى لا القصار البواتر ومن عجب أنا نحن إليك ما ... حيينا وأنا من سواك نحاذر وما مر يوم منك إلا وإنه ... لمر ولم لا وهو بالعيش سائر ومن نظر الدنيا بعين بصيرةٍ ... نهته عن أن تصبو إليها البصائر فيا عجباً أنى تلذ لنا الكرى ... وما نام عنها للمنية ناظر ومنها بعد كثير: أتيت عليهم تارة بعد تارة ... فلم يبق وتراً صرفك (2) المتواتر وأوردتهم رغم الأنوف موارداً ... من الحتف لكن ما لهن مصادر فأمست ربوع القوم وهي بلاقع ... كأن لم يكن فيهن من قبل عامر وليتك لم تسلب أولي الفضل أولاً ... أظنك من شوق إليهم تبادر وما زلت تختار العباد وتنتقي ... كأنك ما يرضيك إلا الأخاير كمثل إمام العصر أستاذنا الذي ... بأدنى سجاياه الكرام نفاخر 72؟ الرئيس الكاتب أبو علي حسين بن عبد الحكيم بن الحسين بن تداررت التنملي، المحسوب من الأندلس لولادته بها، وإن كان أبوه من قسنطينة رحمه الله، وهو من شعراء الأكليل: (69آ) درة تحلى بها الزمن العاطل، وعدة أنجزها الفضل الماطل،

_ (1) في د: أبا عبد الله محمد، وأبو محمد هو عبد الواحد بن محمد بن علي ابن أبي السداد؛ انظر ترجمته في بغية الوعاة: 317. (2) خ بهامش ك: صرفه.

وبارق جود أومض به الجود الهاطل، ما شئت من خلق تدل على الكمال مخايله، ومجد كرمت أواخره وأويله، وأدب تجلت عذاراه وعقايله، فإذا تناول الرقاع ووشاها، وغشى الطروس من حلل بيانه ما غشاها، ود صفح البدر أن يكون لها قرطاساً، ونجم النوء إن يكون على درها غطاساً؛ نشأ بالصون مكلوفاً، وعن الدناءات أنوفا، فلما فاز فرنده بصقاله، وزها روض حسنه بأفعاله، بادر عزمه بحل عقاله، وسعد سعادة تشبه الصخر عند انتقاله، فكان بالدولة المرينية جملة الكمال، ومظنة الآمال، إلى أن استأثر بدرته النفيسة البحر، فتعطل النحر، وكان له أدب يستعير منه العرف النسيم، ويحسد حسنه الصبح الوسيم؛ فمن ذلك قوله في الأغراض السلطانية: منحت اللهى وحميت الذمارا ... فرقت ثناء ورعت اقتدار وعمرت وقتيك نسكا وملكاً ... فتعبد ليلاً وتهدي نهارا ولم تلو حزماً على لذة ... لأنك لم تلف فيها افتخارا ولم تتهيب صعاب المرامي ... ولم تخش من هولها حين ثارا أطعت الإله فلا شيء إلا ... أطاعك دأباً وأبدى ابتدار وأيدك (1) السعد يا حبذا ... فما إن تبارى وما إن تجارى ولا نفس إلا بحبك دانت ... ولا قلب إلا لخوفك طارا فلله منك حمى أو حمام ... إذا ما أغار ومهما أجارا مليك إذا ما دجا ليل ظلم ... أرانا من العدل فيه نهارا (69ب) ومنها بعد كثير:

_ (1) وقعت كلمة: والحزم بعد لفظة السعد في النسخ ووضعت عليها علامة حذف في ك.

إذا ما حبا فهو الجود جوداً ... ومهما أحتبى فثبير وقارا له رأفة وطأت منه نفساً ... وبأس عدا (1) الشامخات انفطارا من القوم إن ركبوا الصافنات ... رأيت الرياح بأسد تجارى نجوم بدت في سماء العلا ... فكل شهاب بها قد توارى رأوا غاية المجد بذلاً فجادوا ... بأنفسهم واستقلوا النضارا ومن قوله في المقطوعات: ليهن خليلي من ودادي إنني ... بعين الرضى في كل حين ألاحظه وأن لست ذا حقد عليه إذا هفا ... ولو أنه ثارت عليه حفائظه متى ساء منه لفظ فلست من ... أجازيه بالهجر الذي هو لافظه وإن نال من عرضي بعيب غفرته ... وإني بظهر الغيب جهدي لحافظه وما المرء إلا يمنح الخل بشره ... إذا ما أتاه منه ما هو غائظه ومن حاسب الإخوان في اللفظ عاتباً ... فقد أحرز الخلق المحمد لافظه فرب أخي خلق جديد مراجع ... بصيرته يهديه للحق واعظه فما الخل إلا الطرف يعظم نفعه ... ويغضي إذا أقذت عليه لواحظه ومما صدر به رسالة: زارت على حين يأس من تلاقيها ... والنفس رهن اشتياق في تراقيها فأنتشرت ميت عتب آي منشيها ... وابرأت مس وجد صحف راقيها صحيفة حسنات الدهر قد جمعت ... فباليمن يلقى يمن لاقيها كأن ألفاظها تحوي معانيها ... كأس المدامة أسلافاً تساقيها

_ (1) عدا: سقطت من ج.

لكن حين حياني الرسول بها ... كأس الثريا التيم ساقيها (70آ) وقال وقد عرض الجيش بحضرته: رأيت العرض بين يدي مليك ... له ملك يناقشه الحسابا فهذا يرتضي فيري نعيما ... وذا لا يرتضي فيري عذابا فأذكرني ولا أنساه عرضاً ... له فود الوليد الغر شابا لدى ملك كبير ليس يرجو ... نوالاً لا ولا يخشى عقابا 73؟ الفقيه الكاتب أبو عبد الله محمد بن علي المسنجي المالقي، رحمه الله تعالى: طالب لطيف الشميلة والضريبة، سالك على السبل القريبة، يجيد الخط، ويعاني الأدب المنحط، مستظهراً السكون، والجنوح إلى الخير والركون، تعلق بخدمة الدولة المرينية ملقياً بعطنه، نازغعاً إليها من وطنه، عارضاً بضائع فطنه، فانتظم في كتاب بابها، وعكف على أعتابها، وأينعت حاله بربابها (1) ، إلى أن هلك في بعض الأسفار، غريباً في القفار، فلا عدته مغفرة الغفار؛ وكان له شعر يزعجه التلفيق، ويمده الشفيق، فمن ذلك قوله: يا بدر آفاق المعارف والعلا ... وإمام كل بديعة وصواب

_ (1) الرباب: السحاب.

ومن الذي أزرى بأكثم حلمه ... ونأى على الجرمي في الأعراب (1) لما اقتبست سنا بلاغتك التي ... أزرت على الشعراء والكتاب جاريت سباق البيان ففقتهم ... في حالي الإيجاز والأسهاب ومن شعره قوله: حنانيك يا من قد وكلت له أمري ... ورحماك في مستصرخ بك يا ذخري (70ب) حنانيك أعلى ما قصدت بهمتي ... ونعماك أسنى ما اعتمدت من الدهر إذا كنت لي لم أخش خسران صفقة ... وإن لم تكن لي كان تجري ذا خسر وعلياك ما لي غير جودك ملجأ ... أيممه في حالي السر والجهر 74؟ الطالب محمد بن عبد الله بن أبي القاسم اللوشي الكاتب، رحمه الله تعالى عليه: كان طالباً خيراً، وموسوساً متطيراً، وكان من قربه وزلفه، شهرة سلفه، فانتظم في الكتاب وارتسم، ثقيلاً كلما ابتسم، ومنقبضاً

_ (1) أكثم بن صيفي، والجرمي هو صالح بن إسحاق أبو عمر البصري مولى جرم وكان عالماً بالنحو.

فبالانبساط ما اتسم، إلى أن عاجله مبيد النسم؛ وشعره مناسب لحاله، ومن جنس انتحاله، فمن قوله يرثي أستاذ الجماعة أبا عبد الله ابن الفخار (1) ، رحمه الله تعالى: ويوم نعى الناعي شهاب المحامد ... تغيرت الدنيا لمهلك واحد فلا عذر للعينين أن لم تسامحا ... بدمع يحاكي الوبل يشفي لواجد قضى من بني الفخار أفضل ماجد ... (2) جميل المساعي للعلا جد شائد طواه الردى ما كل حي يهابه ... وما ورده عاراً يشين لوارد لقد غيبت منه المكارم في الثرى ... غداة ثوى وانسد باب الفوائد فيا حاملي أعواده ما علمتم ... بسؤدده الجم الكريم المحاتد ويا حفرة خطت له اليوم مضجعاً ... سقتك الغوادي الغاديات الرواعد ألا يا حمام الأيك ساعدن في البكا ... على عالم الدنيا وزين المشاهد على من لو اسطعت الفدا لفديته ... بأنفس مال من طريف وتالد محمد ما النعمى لموتك غبطة ... تروق ولا ماء الحياة ببارد وكيف وباب العلم بعدك مغلق ... وموردك المتروك بين الموارد (71آ) أأستاذنا كنت الرجاء لآمل ... فأصبحت مهجور الفناء لقاصد فلا تبعدن شيخ المعارف والحمى ... أليس الذي (3) تحت التراب بباعد لتبك العيون بعدك اليوم شجوها ... ويعف (4) لها ربع العلا والمحامد

_ (1) انظر الترجمة رقم: 20. (2) جد شائد: سقطت في ج. (3) الذي: سقطت من د. (4) ك ج: ويعفى، د: ويعفو.

ليبك عليك الجود والحلم والتقى ... وحسب البكا أن صرت ملحود لاحد أمولاي من للمشكلات يبينها ... فتجلو عمى كل القلوب الشواهد ومن ذا يحل (1) المقفلات صعابها ... ومن ذا الذي يهدي السبيل لحائد فيا راحلاً عنا فزعنا لفقده ... لقد أونست منك القبور بوافد ويا كوكباً غال الزمان ضياءه ... وشيكا (2) وهل هذا الزمان بخالد سأبكيك ما لاحت بروق لشائم ... (3) وأرعاك ما كان الغمام بعائد عليك سلام الله ما هبت الصبا ... تهب بغصن في الاراكة مائد 75؟ الكاتب محمد بن عبد الحكيم بن تداررت أخو أبي علي المذكور (4) ، رحمه الله تعالى: فاضل، عن حماه مناضل، شدت من أواخيه، حرم " أخيه، فكتب مع الجماعة وسلك، وتصرف في القضاء إلى أن هلك، رحمة الله عليه أية (5) سلك، ولم أسمع له شعراً إلا قوله يرثي: أخي حسيناً وحيد الزمان ... سقى الله قبرك صوب الولي فقد كنت في الجود حاتم طي ... وفي مجمع الحفل صدر الندي

_ (1) ج د: المغفلات. (2) وشيكاً: سقطت من ج. (3) د: لعائد. (4) انظر الترجمة رقم: 72. (5) ج ك: أيا، وهذه رواية دوخ بهامش ك.

وفي الكتب آية فخرٍ ... تتيه الطروس بمنشئها البابلي وفي الحرب عمراً ثباتاً وصبراً ... (1) إذا طاش بالذعر قلب الكمى وفي الحسن بدر تمامٍ تجلى ... فراق العيون بمرأى بهي رمتك وشيكاً قسي المنون ... فلم تخط أسهم تلك القسي (71ب) فمن للمعالي يصوغ حلالها ... فتختال زهواً بأبهى الحلي طوتها البحار ولا غرو إن ... تغار على درها المعتلي بكاك الوجود وحق البكا ... على فقد ذاك الجمال السني بكاك الوجود وحق ... على درها المعتلي فيا فجعةً طالما أثقلت ... فؤادي يوم طروق النعي فلو كنت تفدى بمالٍ ونفسٍ ... لأعطيت فيك نفيس الفدي ولكن فقدتك كنزاً عتيداً ... فحسبي التأسي بفقد النبي 76؟ الفقيه الكاتب معلم ولد السلطان، محمد بن محمد بن محمد الخولاني الشريشي، رحمه الله بمنه. مجموع طلب، وحميد منقلب، ساعده الحظ بعد كدح، وأورى بعد اصلاد (2) قدح، فأصبح ماليء الأعطان، مستحصد الأشطان، معلم ولد السلطان، وله في الأدب حصة نامية، وفي سمائه ربابها (3) هامية؛ فمن شعره في النسيب: بي شادن أهيف مهما انثنى ... يحكي تثنيه القضيب الرطيب ذو غرة كالبدر قد أطلعت ... فوق قضيب نابت في كثيب

_ (1) يعني عمرو بن معد يكرب الزبيدي. (2) في النسخ ": أصلاه. (3) خ بهامش ك ود: ربابة.

خضت حشا الظلماء من حبه ... أختلس الوصل حذار الرقيب فبت والوصل لنا ثالث ... يضمنا ثوب عفافٍ قشيب حتى إذا ما الليل ولىّ وقد ... مالت نجوم الأفق نحو الغروب ودعته والقلب ذو لوعةٍ ... أسبل من ماء جفوني غروب فلست أدري حين ودعته ... قلب بأضلاعي غدا أم قليب وقال أيضاً: يا أجمل الناس ويا من غدت ... غرته تمحو سنا الشمس (73آ) أنعم على عبدك يا مالكي ... دون اشتراء ومنى نفسي بأن (1) ترى وسطى لعقدي وأن ... تعيد ربعي كامل الأنس فإن تفضلت بما أرتجي ... أبقيتني في عالم الإنس وإن تكن ترجعني خائباً ... فإنني أدرج في رمسي وقال في فضل العلم: يا طالب العلم اجتهد إنه ... خير من التالد والطارف فالعلم يزكو قدر إنفاقه ... والمال إن أنفقته تالف

_ (1) ترى: سقطت من ج.

77 -؟ الشيخ الكاتب الرئيس أبو جعفر أحمد بن إبراهيم بن أحمد بن صفوان القيسي (1) ، رحمه الله: فارس بهذه الميادين معلم، وحجة برهانها مسلم، وبطل لا ترد شباة نقده، ولا تحل مبرمات عقده، يرمي الغوامض بالذهن الذي لا ترد شباه، ولا تفل عند الضرب ظباه، ويفك الأقفال إذا عظم الاشتباه، وله في إيضاح المعميات مقام خفق لواه، وتخصيص من الله تعالى لم يخص به سواه؛ حل في حلبة الكتاب بطلاً بئيساً، وكتب عن السلطان رئيساً، ثم آثر الانقباض فما أعمل في خدمة بنانا، ولا شغل بها جناناً، يتمعش من عقد الشروط أحيانا، والدهر يوسعه نسياناً، ويذهب أثراً منه وعيانا، قد اجر رسنه (2) همة لا ترضى الكاتب بعلاً، ولا الجوزاء وشاحاً ولا الثريا نعلا، إلى أن نظرت في أمور الملك فانتشلته من مهواه، ودللت البر على مثواه، واسنيت له الجراية، ونشرت من تعظيمه الراية، فأصبح به حفيا، إلى أن مات مكفيا. وشعره وثيق

_ (1) من أهل مالقة، كان صدراً من صدور الكتاب قوي الإدراك أصيل النظر ذاكراً للتاريخ واللغة مشاركاً في الفلسفة والتصوف ومن أساتذته ابن عبد الملك المراكشي وابن البناء. من تواليفه " مطلع الأنوار الإلهية " و " بغية المستفيد " وتقاييد كثيرة. انظر الإحاطة 1: 219 (1: 100) وقال ابن الخطيب أيضاً (235) : وجمت شعره أيام مقامي بمالقة عند توجهي صحبة الركاب السلطاني إلى إصراخ الخضراء عام 744 وسميت الجزء: " الدرر الفاخرة واللجج للزاخرة ". (2) د: أحرز، ج: أجر رسمه.

مبناه، ومتكاف لفظه ومعناه، وله بالمقاصد الصوفية كلف، (72ب) وبالأقوال الشهيرة فيها زلف، فمن ذلك قوله: هم بالرقي إلى المحل السامي ... ليس المقام لدى الثرى بمقام جرد حسام الغزم عن غمد الهوى ... واقطع علائق شاغل الأوهام وانهض بجد لاقتباس النور من ... برق الحمى بمثابة الإحرام واهجر عوالم حسك الأدنى ولا ... تحفل بشمس ضحى وبدر تمام فالكون أجمعه وما يحويه من ... عال ومنخفض حجاب ظلام يا أيها الآوي إلى أضداده ... ليست خيامك هذه بخيام هجروك فأنبهم الطريق إليهم ... وتشابه الأنجاد بالأتهام فظللت تندب للجهالة أربعا ... إفصاحها كمضلل الأعجام المم بيم السر منك فغص به ... وإذا غرقت فناد دون كلام يا درة النفس النفيسة يممي ... سمط العلا تحظي بخير نظام يا جوهراً حار الورة في كنهه ... وعتا تصوره على الأفهام يا مظهراً سر الوجود ومازجاً ... ماء الندى رفقاً بلفح ضرام أنت الموصل باشتراك طباعه ... نور العقول بظلمة الأجسام أنت المهيا بالطهارة والصفا ... لقبول سر الوحي والإلهام يا مسنداً خبر الذين أحبهم ... وأخصهم بصبابتي وهيامي لك في الفؤاد مكانة محفوفة ... مني بوافي السر والإكرام إني وجدت لديك نفحة طيبهم ... كعبيق مسك عند فض ختام كرر على سمعي لذيذ حديثهم ... فحديثهم يروي غليل أوامي تفديك نفسي من حديث قادم ... من عند أحباب علي كرام

فصلوك عنهم كي تخط علومهم ... في صفح لوحك علية (1) الأقلام حجبوك عن مرأى النواظر غيرة ... ووقوك كرة حوادث الأيام (73آ) دلوا عليك بهم وأنت دليلهم ... لذوي النهى ومسددي الأفهام حتى إذا كمل الذي قصدوا له ... جذبوك نحوهم بفضل زمام فخروف (2) ذاتك تقتضي قدم الذي ... أضفى عليك ملابس الإنعام وكمال حسنك مفصح بكمالهم ... شهدت بذلك حال الاستلزام عرج على الواد الكريم مبادراً ... خلع النعال بموطئ الأقدام وأصخ لما يلقى بسرك بائعاً ... ح الوجود خلعة الأعدام فإذا فقدت فقد وجدت بغبطة ... مقرونة بمسرة ودوام فهم إذاً لا (3) أنت إن سواهم ... بيد الفناء أذيق كأس حمام وابثث لديهم عند ذلك قصتي ... واشرح لهم وجدي بهم وغرامي ومدامعاً أسبلتها من شوقهم ... ما بين ندماني كؤوس مدام غني ختمت على الضمير بحبهم ... فغدا هواهم فيه زهر كمام وجعلته حرماً لهم فسواهم ... ما إن له بحماه من إلمام حسبي بهم من غيرهم بدلاً فهم ... روحي وريحاني وبرة سقامي إن لاح لي من أفق مغناهم سنا ... فعلى الوجود تحيتي وسلامي

_ (1) ج: علة. (2) خ بهامش ك ود: فحدوث. (3) لا أنت: سقطت من ج، وفي هامش ك: فهم إذاً يبقون.

ومن قصائده في هذا الغرض الشريف: أدهى (1) حجابك رؤية الأغيار ... فامح الدجى بأشعة الأنوار يا قارئاً لفظ الوجود وفكره ... في فهم معناه الجلي مماري لا تشغلن بظاهر لك قد بدا ... عما بباطنه من الأسرار أودعت أنفس جوهر فأضعته ... وغمرته في لجة الأعمار حجبتك هذي الكائنات بظلها ... عن سرها المكتوم حجب سرار أو ما ترى أشخاصها قد أومأت ... طراً إلى صنع الحكيم الباري دلت عليه بافتقار وجودها ... لوجوده في الجهر والأسرار (73ب) فلسان حال الكل ينطق مفصحاً ... بخضوعه للواحد القهار فاخلع نعال الكون خلع محقق ... وجد المؤثر في بقا الآثار لحظ المنازل يستشف جمالها ... لحظ الحبيب البادي الاستبصار فأعار حسن الدار صفحة معرض ... وسما بهمته لرب الدار لاحت له أنوار شمس أشرقت ... فكست دجى الظلماء ضوء نهار واعتاض من صحو غذاه ناشئاً ... محواً عراه به انتشاء عقار دارت عليه بدير معناه طلا ... محروسة الأدوار والأديار مشمولة شملت شمائله فلم ... ترتح لغير الراح والأسكار قد أسكنت (2) دن الدنو وألبست ... أسمال أسما وقارَ وقار عصرت يمين المن صرف سلافها ... لمديرها في سالف الأعصار

_ (1) أدهى: سقطت من ج، وبهامش ك " كذا ". (2) ج: دون.

وتعتقت حتى تروق جسمها ... لطفاً وفات توهم الأفكار فالنور في عرصاتها والنور في ... دوحاتها ولهيبها كالنار شعشع حمياها وحث كؤوسها ... واخلع عذارك واضح الأعذار فإذا انتشت فناد من تهوي وبح ... بصريح ما أكننت في إضمار فألذ ما يجني المتيم في الهوى ... ما ناله جهراً خليع عذار وإذا خلوت بهم بغير مراقب ... فابثث هواك بذلة وصغار فأرق ما بث الحبيب حبيبه ... شكوى الصبابة في خفي سرار لا تبغين لهم شفيعاً غيرهم ... فهم الشفيع لمبتغي الأيسار وهم الذين بهم تنال وصالهم ... وتفوز بالتقريب والإيثار حسب العميد من الوجود هم فهم ... أنس الفؤاد ونزهة الأبصار إن باعدوا أو ساعدوا لا ارتضي ... في حبهم ما عشت فك إسار (74آ) لم نتخذ شيئاً (1) ولكن قصرت ... عن فهم ذاك مباحث النظار لا زال سري آهلاً بهواهم ... مستوحشاً من رؤية الأغيار ومن ذلك القصيدة التي كلف بها القوالون (2) : بان الحميم فما الحمى والبان ... بشفاء من عنه الأحبة بانوا لم ينقضوا عهداً ببينهم ولا ... أنساهم ميثاقك الحدثان لكن جنحت لغيرهم فأزالهم ... عن أنسهم بك موحش غيران لو صح حبك ما فقدتهم ولا ... سارت بهم عن حبك الأظعان تشتاقهم وحشاك هالة بدرهم ... والسر منك لخيلهم ميدان ما هكذا أحوال أرباب الهوى ... نسخ الغرام بقلبك السلوان

_ (1) خ بهامش ك: لم يتحد شيئان لكن. (2) الإحاطة 1: 231.

لا يشتكي ألم البعاد متيم ... أحبابه بفؤاده سكان ما عندهم إلا الكمال وإنما ... غطى على مرآتها النقصان شغلتك بالأغيار عنهم مقلة ... إنسانها عن لمحهم وسنان غمض جفونك عن هواهم معرضاً ... إن الصوارم حجبها الأجفان واصرف إليهم لحظ فكرك شاخصاً ... ترسم (1) بقلبك كيف كنت وكانوا ما غاب عن مغناك من ألطافه ... يهمي عليك سحابها الهتان وجياد أنعمه ببابك ترتمي ... تسري إليك بركبها الأكوان جغلوا دليلاً منك فيك عليهم ... فبدا على تقصيرك البرهان يا لامحاً سر الوجود بعينه ... السر فيك بأسره والشان ارجع لذاتك أن أردت تنزها ... فبها لعيني ذي الحجى بستان هي روضة مطلولة بل جنة ... فيها المنى والروح والريحان كم حكمة صارت تلوح لمبصر ... حارت لباهر صنعها الأذهان حجبت بشخصك عن عيانك شمسها ... فمحا خاسن ذكرها النسيان لولاك ما خفيت عليك إياتها ... والجو من أنوارها ملآن فاخرج إليهم عنك مفتقراً لهم ... إن الملوك بافتقار تدان واخضع لعزهم ولذ بهم يلح ... منهم عليك تلطف وحنان هم رشحوك إلى الوصال إليهم ... وهم على طلب الوصال أعانوا عطفوا جمالهم على أجمالهم ... فسبا المشوق الحسن والإحسان يا ملبسين عميدهم حلل الضنى ... جسمي بما تكسونه يزدان

_ (1) د: ترهم.

لا سخط عندي للذي ترضونه ... قلبي بذلك فارح جذلان تقريبكم عين البقاء وبعدكم ... محض الفناء وحبكم ولهان إني كتمت عن الأنام هواكم ... حتى دهيت وخانني الكتمان ووشت بحالي في الغرام مدامع ... أدنى مواقع قطرها طوفان وبدت علي شمائل عذرية ... تقضي بأني فيكم هيمان فإذا نطقت فذكركم لي منطق ... ما لي سواكم للسان بيان وإذا صمت فأنتم سري الذي ... بين الجوانح في الفؤاد يصان فبباطني وبظاهري كم هوى ... من جنده الأسرار والإعلان وجوارحي وجميع أنفاسي وما ... أحوي، علي لحبكم أعوان وإليكم مني المفر فقصدكم ... حرم به للخائفين أمان استكثرت من نظم هذا الرجل لشرف غرضه، ومن مقطوعاته (1) : كففت عن الوصال طويل شوقي ... إليك وأنت للروح الخليل poetry>وكفاك للوصال فدتك نفسي قبيح ليس يرضاه الخليل (75آ) ومن ذلك في التورية بالغرض المذكور أيضاً (2) : يا كاملاً شوقي إليه وافر ... وبسيط خدي في هواه عزيز عاملت أسبابي إليك بقطعها ... والقطع في الأسباب ليس يجوز وقال أيضاً (3) : أيا قمراً مطالعه جناني ... وغرته توارت عن عياني أأصرف في هواك عن افتراقي ... وسهدي وانتحابي علتان ومن المقطوعات التي شهرت عنه (4) :

_ (1) الإحاطة 1: 238. (2) الإحاطة 1: 239. (3) الإحاطة 1: 229. (4) الإحاطة 1: 238.

وشى (1) العذار لجينه بنبا له ... فغدا يرق على المحب الواله خط العذار بصفحتيه لامه ... خطاً توعده بمحو جماله فحسبت أن جماله شمس الضحى ... حسناً وذاك الخط خط زواله فرنا إليّ تعجباً وأجابني ... والروع يبدو من خلال مقاله إن الجمال اللام آخره فعج ... عن رسمه واندب على أطلاله 78؟ الكاتب أبو عبد الله محمد بن أبي القاسم بن أحمد بن جزي الكلبي (2) ، رحمه الله تعالى شمس في سماء البلاغة بازغة، وحجة على بقاء هذه الفطرة العربية بالمغربية بالغة، ونعمة على هذه الطريقة سابغة، ونادرة فيها ونابغة، من جذع أبر على القارح، وزجر من المعرفة كل سانح، لا بارح، لو تعلقت الغوامض بالثريا لنالها، وقال أنا لها؛ وربما غلبت الغفلة على ظاهره، وانطبق كمامه على أزاهره، فإذا قدح زنده، تقدم المواكب بنده. وكان من طبقة أبناء جنسه التي إليها المنتهى، وجنة الأدب التي يجد كل مشته ما اشتهى، فمطولاته بحور، (75ب) وغرامياته ولدان وحور، وامداحه درر النحور، أخسفت المنية منه بدرا،

_ (1) الإحاطة: رشق. (2) مولده عام 721 وتوفي عام 757؛ من أهل غرناطة وهو ولد أبي القاسم (انظر الترجمة رقم: 7) كتب عند السلطان أبي الحجاج يوسف ثم ارتحل عن الأندلس واستقر بالعدوة وكتب بالحضرة المرينية للمتوكل على الله أبي عنان. وهو الذي كتب رحلة ابن بطوطة (ترجم له ابن الأحمر في نثير الجمان الدين في الإحاطة 2: 186 وانظر أزهار الرياض 3: 189) .

وغالت صدرا، وأوسعت البراعة غدرا، ولم تذر لها قدرا؛ وكان ممن نال من ملك الغرب محلا، وتحلى منه بما تحلى، رحمة الله تعالى عليه، فمن شعره (1) : ومورد الوجنات معسول اللمى ... فتاك لحظ العين في عشاقه الخمر بين لثاته والزهر في ... وجناته والسحر في أحداقه مياد غصن البان في أثوابه ... ويلوح بدر التم في أطواقه من للهلال بخده أو ثغره ... هب أنه يحكيه في إشراقه ولقد تشبهت الظباء بشبهة ... من خلقه وعجزن عن أخلاقه نادمته وسنا محيا الشمس قد ... ألقى على الآفاق فضل رواقه في روضة ضحكت ثغور أقاحها ... وأسال فيها المزن من آماقه أسقيه كأس سلافة كالمسك في ... نفحاته والشهد عند مذاقه صفراء لم يدر الفتى اكواسها ... إلا تداعى همه لفراقه ولقد تلين الصم من سطواته ... فيعود للمعهود من إشفاقه وأظل أرشف من اقاحي ثغره ... خمراً تداوي القلب من إحراقه ولربما عطفته نحوي نشوة ... تشفي الخبال بضمه وعناقه أرجو رضاه إذا تبسم ضاحكاً ... وأخاف منه العتب في إطراقه أشكو القساوة من هواه وقلبه ... والضعف من جلدي ومن ميثاقه يا هل لعهد قد مضى من عودة ... أم لا سبيل بحالة للحاقه يا ليت لو كانت لذلك حيلة ... أو كان يعطى المرء باستحقاقه فلقد يروق الغصن بعد ذبوله ... ويروق بدر التم بعد محاقه

_ (1) القصيدة في الإحاطة 2: 189.

(76آ) ومن الغراميات التي سلك فيها مسلك قيس ليلى (1) : متى يتلاقى شائق ومشوق ... ويصبح عاني الحب وهو طليق أما إنها أمنية عز نيلها ... ومرمى لعمري في الرجاء سحيق ولكنني خادعت قلبي تعلة ... أخاف انصداع القلب فهو رقيق وقد يرزق الإنسان من بعد يأسه ... وروض الربى بعد الذبول يروق تباعدت لما زادني القرب لوعة ... لعل فؤادي من جواه يفيق ورمت شفاء الداء بالداء مثله ... فإني بأن لا أشتفي (2) لحقيق وتالله ما للصب في الحب راحة ... على كل حال إنه لمشوق أيا رب قد ضاقت علي (3) مذاهبي ... فها أنا في بحر الغرام غريق ولا سلوة ترجى ولا الصبر ممكن ... وليس إلى وصل الحبيب طريق ولا الحب عن تعذيب قلبي ينثني ... ولا القلب للتعذيب منه يطيق شجون يضيق الصدر عن زفراتها ... وشوق نطاق الصبر عنه يضيق نثرت عقود الدمع ثم نظمتها ... قريضاً فذا در وذاك عقيق بكيت أسى حتى بكت لي حسدي ... كأن عدوي صار وهو صديق ولو أن عند الناس بعض محبتي ... لما كان يلفى في الأنام مفيق أيا عين كفي الدمع ما بقي الكرى ... إذا منعوك اليوم سوف تذوق ويا غائباً عن ناظري أما يرى ... لشمسك من بعد الغروب شروق رويدك رفقاً بالفؤاد فإنه ... عليك وإن عذبته لشفيق

_ (1) القصيدة في الإحاطة 2: 188. (2) بان لا أشفتي: سقطت من ج. (3) ك: مذاهب، وفي الإحاطة: مسالكي.

نقضت عهودي ظالماً بعد عقودها ... إلا إن عهدي كيف كنت وثيق كتمتك (1) حباً يعلم الله مدة ... وبين ضلوعي من هواك حريق فما زلت بي حتى افتضحت فإن أكن ... صبوت فبعد اليوم لست أطيق (76ب) ومن قصيدة غرامية قوله: خليلي إن الحب أعيا اكتتامه ... فهذا لسان الدمع بالسر ناطق أيا رب حتى دمع عيني ينم بي ... وحتى منامي مذ هويت مفارق وكنت أظن القلب يقوى على الأسى ... فها هو لما جد أمري (2) زاهق إذا حانني قلبي ونومي وناظري ... فوالله ما أدري بمن أنا واثق أقلا ملامي في الهوى لا بليتما ... فإن الهوى عن سمعي اللوم عائق أبيت وندماني شجوني، وقهوتي ... دموعي، وما غير الدموع موافق يشوقني ساري النسيم إذا سرى ... ألا كل آت منهم لي شائق لقد أنكروني إذ مررت بربعهم ... وظنوا ظنوناً خالفتها الحقائق رأوا جسدي من تحت ثوبي ناحلاً ... كما رق حد السيق والغمد رائق يقولون ما هذا الخبال الذي به ... وما بي خبال غير أني عاشق وقالوا ادعى فينا المحبة كاذباً ... أما وذمام الحب أني لصادق وما باله يشتاق من ليس شيقاً ... إليه ويهوى وفق من لا يوافق يزيد خضوعاً حين يزداد عزة ... لبئس الفتى هذا وبئس الخلائق فمهما لحظنا ليس تحمي سوابغ ... ومهما طلبنا ليس تنجي سوابق وكم من محب مات فينا صبابة ... وهذا الفتى لا شك بالقوم لاحق

_ (1) د: حي وكذلك في الإحاطة. (2) د ج: اثري.

ومن المقطوعات المطبوعات: شد ما قد لقيت في حب سلمى ... قل صبري وضاق بالحب ذرعي كل يوم زيارة ورسول ... لأراها بناظري أو بمسمعي وإذا لم يكن إليها سبيل ... وعدمت الرسول أرسلت دمعي ومن المقطوعات قوله: (77آ) لما اشتكى العشاق من فتكاته ... بظبا اللواحظ قال وهو الصادق: قسماً لئن عادوا إلى الشكوى بها ... لا أغمدت وعلى البسيطة عاشق ومن ذلك أيضاً في التورية (1) : أبح لي يا روض المحاسن نظرة ... إلى ورد ذام الخد كنت لك الفدا وبالله لا تبخل علي بقطفة ... فإني عهدت الروض يوصف بالندى ومن ذلك قوله: وغزال له جفون مراض ... تبعث الوجد في قلوب الصحاح غرني لحظه وقد قيل شاك ... فإذا هم يعنون شاكي السلاح ومن ذلك قوله (2) : يقولون لي أصبحت بالآس مولعاً ... وقلت: وهل في حبي الآس من باس ألم تعلم أن الهوى قد أعلني ... وكيف ترى شوق العليل إلى الآسي ومن ذلك قوله: أفنيت فيه نسيب شعري طائعاً ... وأسلت دمعي كالحيا المدرار

_ (1) الإحاطة 2: 194. (2) الإحاطة 2: 194.

وأراه ما حفظ العهود ولا رعى ... ذمم النسيب ولا حقوق الجار ومن التورية وهو مليح (1) : وصديق شكا لما حملوه ... من قضاء يقضي بفرط العناء قلت: فاردد ما حملوك عليهم ... قال: من يستطيع رد القضاء؟ ومن المقطوعات قوله في ذلك: ويا رب ساجي الطرف يعطفه الهوى ... على الصب بعض الشيء ثم يميل عجبت له يشكو الغرام فقال لي: ... أتعجب أن يشكو الغرام جميل؟ وإحسان هذا الفاضل بحر لا تنزحه الدلاء، رحمه الله تعالى. (77ب) 79؟ الكاتب أبو الحسين علي بن محمد بن عبد الحق ابن محمد الصباغ العقيلي (2) ، رحمه الله تعالى: رجل كفاية، ولباب غير نفاية، انتحل الأدب، وإلى فئته انتدب، فنظم ونثر، وركض فقل أن عثر، ورحل إلى المغرب فأعتب الزمان بعد عتابه، وانتظم في سلك شعراء السلطان وكتابه، ولم يكن

_ (1) الإحاطة 2: 194. (2) ترجم له ابن الخطيب أيضاً في التاج والإحاطة. مولده عام 706 ووفاته عام 758 كان مشتمل على خلال من خط بارع وكتابة حسنة وشعر ومشاركة في فقه ووثيقة، ناب عن بعض القضاة وكتب الشروط وارتسم في ديوان الجند ثم انصرف إلى العدوة 753 فارتسم في الكتابة السلطانية (النفح 8: 365) .

عارضه يسرع في انسكابه، حتى ظعن الموت بركابه؛ ومن شعره (1) : زار الخيال ويا لها من لذةٍ ... لكن للذات الخيال منام ما زلت ألثم مبسماً، منظومه ... درر، ومورده الشهي مدام وأضم غصن البان من أعطافه ... فأشم مسكاً فض عنه ختام وقال أيضاً: أدرها من بنات الكرم بكراً ... كساها دنها لوناً شريفا غدت في أوجه الاكواس ورساً ... وفي وجه النديم بدت عقيقا وقال رحمه الله تعالى (2) : ليت شعري والهوى أمل ... وأماني الصب لا تقف هل لذاك الوصل مرتجع ... أم لهذا الهجر منصرف وقال في معرض الفخر (3) : وظبي زها بالطرف والعطف والطلا ... وما حاز من غنج ولين ومن غيد أشرت إليه بالدنو مداعباً ... فقال: أيدنو الظبي من غابة الأسد

_ (1) النفح 8: 367. (2) النفح 8: 365. (3) النفح 8: 366.

80 -؟ الكاتب محمد بن محمد بن عبد الرحمن القطان الهاشمي نسباً، رحمه الله تعالى: فتى حسن الشمائل والضرائب، آت على حداثة سنه بالغرائب، (78آ) انتظم مع الكتاب والعمر جديد، وظل اللمة السوداء مديد، فأطاعه على النظم لسان، وصدرت عنه آداب حسان، إلا أنه اعتبط عندما غبط، رحمه الله تعالى. من شعره ما كتب لي به: أجارتنا رفقاً على الهاتم الصب ... فقد ذاب وجداً بالصبابة والحب قذفت بسحر اللحظ في قلبي الهوى ... وقد عشت دهراً قبله خالي القلب وصعدت أنفاسي وقطرت أدمعي ... وقلبتني بالسهد جنباً إلى جنب يكاد فؤادي أن يطير أسى إذا ... أفكر في إنجاز وعدك بالقرب أقول: متى أو كيف يسمح دهرنا ... بساعة وصل قبل أن ينقضي نحبي فكم رمتها والبخل منها سجية ... يطول بها لو كنت سامعة عتبي فإن عيون الكاشحين إذا بدا ... محياك من دوني موانع كالحجب بحرمة ما بيني وبينك عجلي ... وصالك لي تستوجبي الأجر من ربي ألم تعلمي أني إذا ما طردتني ... ألوذ بآمالي إلى الجانب الرحب إلى الجانب السامي الممنع جاره ... إلى الجانب المربي على رتب الشهب جناب فريد العصر والجملة التي ... تدور أمور الملك منه على قطب

وزير المقام اليوسفي ومن له ... نوال يباري الغيث متصل السكب (1) ومن أخرى: أوجهك أبهى أم سنا القمر التم ... وريقك أشهى أم مذاق ابنة الكرم يشوق محباً فيك ظام لورده ... ومنعكه من ظلمه أكبر الظلم فهل علة منه لغلة عائم ... أجاب الهوى بالطوع منه وبالرغم وخدك أم روض من الحسن يانع ... يفوق رياض الحزن غب حيا يهمي فيا ربة الحسن الذي ظل مفرداً ... خفي الله في صب يذوب من السقم (78ب) مقيم على حفظ الهوى وعهوده ... يرى عطفة في النوم منك من الغنم يطيع الهوى في حبه لك دائماً ... ويعصي المنى إن أصبحت فيك من خصم يحن لأيام مضت ومعاهد ... سقاها عهاد الدمع بالوابل السجم فجودي على صب يجود بنفسه ... وردي عليه الروح في مدنف الجسم وإلا سأستعدي عليك بسيد ... يؤمن من خوف ويوسر من عدم وزير له في المعلوات علاقة ... يبلغها الغايات منهن بالعزم

_ (1) اليوسفي: منسوب إلى يوسف بن إسماعيل من بني نصر وهو الذي وزر له لسان الدين ولابنه محمد من بعده.

81 -؟ الكاتب أبو عبد الله محمد بن علي بن محمد القيسي المرادي، رحمه الله تعالى: شاعر مجيد، ومتلع يجيد (1) ، وباني بيوت القريض ذات تنجيد، ورام إلى الأغراض بسهم سديد، على غرارة غضة وعمر جديد، كان أبوه عطاراً فما عدا العطر شيمته، لا بل اقتحم عليه سيمته (2) ، فشكر الربع ديمته، وحضرت أمراء الاستحسان لما أعرس بعقائله الحسان وليمته، ولما اجتليت غرته، نظمت في سلك الكتاب درته، وفضضت بيد الشفيق (3) صرته، إلا أنه اعتبط أينع ما كان فننا، وأوضح في الفضل سننا، رحمه الله تعالى. ومن شعره ما خاطبني به من قصيدة طويلة: تعال نعجها بين تلك المنازل ... فقد رفعت ما بين عاف ونازل (4) نعلل منها كل نفس عليلة ... ونقضي مناها بين تلك المناهل ونتقع للأحشاء من كل غلةٍ ... جوى ونحلي للهوى كل عاطل أليس التي لاحت معالم حيهم ... فما لكما في قصد تلك المجاهل وغناء حسناء الروابي كأنما ... سقاها حيا دمعي بهام وهامل

_ (1) خ بهامش ك: جيد. (2) خ بهامش ك: مشيمته. (3) خ بهامش ك: التنفيق. (4) خ بهامش ك: ومائل.

مؤرجة الرجاء مضواعة الربى ... تمر بها الأرواح مر القوافل (79آ) تماري بمرأى زهرها الزهر في الدجى ... وتهفو بأنفاس الضحى في الأصائل كأن شذاها من شذا المسك أو شذا ... حلى معلوات ابن الخطيب الحلاحل وخفاقة الأطلال تحسب أنها ... علتها علا من ظله المتطاول وإن كان منها الظل أقعس زائلا ... فظل علاه ليس عنها بزائل كأن شعاع الشمس فوق غصونها ... مصاقل لاحت في رؤوس العوامل كأن اطراد النهر ما بين نورها ... مناصل سكت بين وشي الحمائل كأن محيا زهرها غب طله ... سنا الشمس أو ضوء البدور الكوامل كأن عليها من سجايا محمد ... شمائل يبدو عنه نفح الشمائل الكني (1) إلى مثوى الوزارة مألكاً ... أطاول منه بالأماني الطوائل إلى عالم (2) الدنيا الذي لعلائه ... (3) تضائل أعلى يذبل ومواسل عميد المعالي والمعارف والذي ... تحدى بآيات العلا والفواضل ومعجزة الأيام والواحد الذي ... بسؤدده تبأى صدور المحافل تبارك من سوى مقامك فاغتدى ... على فضل هذا العصر أجلى الدلائل " علمت فلم تترك مجالاً لعالم ... وقلت فلم تترك مقالاً لقائل " وهي طويلة مشتملة على النيل والوسيل، وبلغه عن بعض أصحابه اتهام، بانتحالها وقد وقع في اسمي له (4) إبهام، فجلا الظلمة،

_ (1) الكني: سقطت من ج. (2) خ بهامش ك: إلى علم. (3) ج ك: ومراسل؛ ومواسل: جبل مذكور في شعر لبيد بن ربيعة. (4) خ بهامش ك: لديه؛ ك: وقد وقع له في اسمي.

ورفع التهمة، وكتب بحال ابتدار، بما يشهد باطلاع (1) واقتدار، وانفساح مدار، قوله: شفاء (2) صداها أم تلك المناهل ... وري غليلي لثم تلك الأنامل وبين النقا والجزع وسنان ناظر ... يعيد على الألباب آية بابل وفي سمرات الحي من معهد اللوى ... بلابل هاجت من شجون البلابل (79ب) ومطلولة الأرجاء أخجل نشرها ... نسيم الصبا جاءت بريا الخمائل كأن شذاها من شذا المسك أو شذا ... حلى معلوات ابن الخطيب الحلاحل عماد الحجى والمجد والحلم والتقى ... وفخر المعالي وازدهار الفضائل وحجة أيام أواخر آيها ... حوت قصبات السنو دون الأوائل عذيري لا والله عذري لهفوة ... دهتني ولكن عذر هيمان ذاهل وقد كان بي من فرط حبي عندما ... دنا اسمكم السامي العلا أي شاغل رأى الماء من قرب فأهوى لورده ... هياماً ولم يحفل بذائد حائل إذا لم يكن من هيبة اسمك مذهل ... يهول فإني آمن كل هائل وهي طويلة وفي هذا القدر كفاية.

_ (1) خ بهامش ك: باضطلاع. (2) د: هواها.

82 -؟ الكاتب الرئيس أبو اسحق إبراهيم بن محمد الساحلي الأنصاري (1) ، رحمه الله تعالى: جواب الآفاق، ومحالف الرفاق، ومنفق سعر الشعر كل النفاق، رفع للأدب راية لا تحجم، وأصبح نسيج وحده فيما يسدي ويلحم، ولما آنس بكساد سوقه، من بعد بسوقه، ولألؤ نسوقه، واستواء بيانه على سوقه، ارتحل، وبأثمد ملك السودان اكتحل، وفي تلك البلاد الموحشة رجل، حل بها محل الخمر في القار، من بعد الاعتصار، والنور من سواد الأبصار، وتقيد بالإحسان، وإن كان غريب الوجه واليد واللسان، فما أشبهه بالشمس شهرة وتجوالا، وعروضاً وأطوالا، وميلاً واعتدالا، وبرهاناً على من آثر جدالا، وحساباً مضروباً، وأفولا في العين الحمئة وغروباً. ولو لم يكن في هذا الكتاب إلا اسمه، لوضح في المصنفات رسمه، وتوفر من المزية قسمه. وأما (80آ) نظمه ونثره فالشمس، تجل أن يدركها اللمس؛ عين أدب هذا الفاضل فراره (2) ، وحسب هذا المهند الفاصل غراره. فمن قوله: تألق نجدياً فحيا وسلما ... وناجى جفوني فاستهلت له دما يرق ويخفى مثل جسمي كأنه ... حذا حذوه في السقم حتى تعلما

_ (1) ترجم له ابن الخطيب أيضاً في عائد الصلة والتاج والإحاطة 1: 337 ترجمة ضافية؛ وانظر مسالك الأبصار 11: 516 والنفح 3: 410. (2) من المثل، إن الجواد عينه فراره.

وطارح أحشائي فأصبح خافقاً ... وعاد بأشواقي فعاد مضرما وأوضح ثغراً كلما قطب الدجى ... تهلل في بهمائه وتبسما وجاد ديار العامرية بالنقا ... جزاء لليلى إذ أعارته مبسما أبارق ذات الأبرقين: أحاجر ... منازل تيم بعد تيم أم الحمى وما لزمان نام مستغرق الكرى ... فما هب حتى سل ما كان سلما طواني الضنا طي السجل وشفني ... فلم يبق مني السقم إلا توهما وودعت خلى والشبيبة راغما ... فلم أدر من أجرى دموعي منهما وجف ربيع العيش في مربع الصبا ... غداة ذوى العود البهيم وأثغما فسيان بيضاً فتت في مفارقي ... وأبيض أضحى فوقهن مصمما وقد كنت قبل اليوم أقتاد أبيضا ... من العيس مهما كنت أجنب أدهما أغازل ليلى تحت ليل شبيبتي ... فأما وقد صاح الصباح به فما ولي كبد مهما رأى البرق وهنةً ... تنفس من أحشائه وتكلما وإن ذكرت ليلى تطاير خافقاً ... وإن هينم الحادي بنجد تلوما ويا لغريب أنجد الركب موضعا ... بأحبابه الأدنين منه وأتهما رمى بهم عرض الفلاة وإنما ... رمى مصمياً أفلاذ قلبي إذ رما ومن هذا الأسلوب: عيون سحاب أم سحاب عيون ... سقت صوب نعمان بصوب معين (80ب) وما لرباها بعد ليلى تلفعت ... غراماً وحزناً في مطارف جون وقفت بها أذكي حشاي واتقي ... بفضل ردائي واكفات شئوني فطوراً أرويها وطوراً اشبها ... بنار شجوني أو بماء جفوني بقايا طلول أنكر العين حسنها ... فأثبته وجدي بها وشجوني

أكر فيثنيني خطاب طلولها ... إليّ بباء أعجمته ونون فيا طللاً أقوى وقد كان قبل ذا ... مطالع شهب أو مراتع عين أتعلم قلبي أين ظل فإنه ... بكفي قوي البأس غير أمين ويا سائق الأظعان رفقاً فإنما ... تدوس على آماق كل حزين وتحت تماثيل الخدور كواكب ... جلون هلالاً تحت كل جبين تبسم عن لألاء در منضد ... على ثغب من ريقهن معين فأخلفن عهدي، والذنوب لشيبتي ... على مفرقي أفتت بلي ديوني وولين دوني بالشمال وإنما ... توسدن في ظل الشباب يميني وقلن جنون أذهب الشيب غيها ... ويا ليت يوماً لو تعاد جنوني ومن ذلك قوله: دع العين تذري الدمع في طلل لالربع ... فليس حراماً أن أريق به دمعي وحدث عن القوم الذي عهدتهم ... أحلوا بنجد أم أقاموا على سلع وإن لم يكن قد فاز طرفي بنظرة ... إليهم فحسبي أن يفوز بهم سمعي ذكرتك يا نجد ففاضت مدامعي ... وأي نصير للمحب سوى الدمع وإن تقن يا نفس العزاء تجملاً ... فإنك مكلوم الحشا دائم الصدع تبيت وفي جنبيك من ألم الهوى ... (1) لواسب حبٍ لا تمل من اللسع ومهما بدا من جانب الجزع بارق ... جزعت ومن لي أن أرى بارق الجزع (81آ) أمنفلت من ربقة الوجد عاشق ... يموت ويحيا بالوصال وبالقطع يسائل عن ماء العذيب تجاهلاً ... وإن الذي يشفي صداه (2) على جمع

_ (1) سقط الشطر كله من ج. (2) ك: هواه.

أحن كما حنت ركابي إلى منى ... وما دارها داري ولا ربعها ربعي ولكن نزوع من بقايا حشاشة ... رمتنا بها وطفا (1) مسددة النزع وقالوا غداً يقضي بجمع ديوننا ... وحسبي بجمع أن أرى ليلة الجمع لعينك قلبي يا ابنة القوم طائع ... صبور على الشكوى صبور (2) على المنع تجلى لطرفي في خياك روضه ... ووردته المحمرة اللون من زرعي وثغرك من دمعي وخدك من دمي ... وخصرك من فكري، وخليك من سجعي قصرت فؤادي في رضاك على الجوى ... وحرمت عذلي في هواك على سمعي ومن المقطوعات والأوصاف: ومفروشة بالآس والنرجس الغض ... وبالورد والنسرين بعضاً على بعض كأن احمرار الورد خجلة غادة ... يلاعبها المشتاق بالقبل والعض كأن اصفرار النرجس الغض إذ بدا ... يميس بأغصان من العسجد الغض كأن اخضرار الآس قضب زمرد ... تنمقه أيدي القيان على الأرض كأن ضياء (3) الكأس بدر بدا لنا ... فطوراً إلى رفع وطوراً إلى خفض كأن خدود الشاربين وقد بدت ... بها الخمر جمر قد توقد من رمض

_ (1) خ بهامش ك: وطف. (2) خ بهامش د: شكور. (3) د: الشمس.

83 -؟ الشيخ الكاتب أبو جعفر أحمد بن علي بن محمد ابن خاتمة الأنصاري (1) ، رحمه الله تعالى: ناظم درر الألفاظ، ومقلد جواهر الكلام نحور الرواة ولبات الحفاظ، ذو الآداب التي أضحت شواردها حلم النيام وسمر الإيقاظ، وكمن في بياض طرسها وسواد نقسها سحر اللحاظ؛ اشتهر اشتهار (81ب) البدر ليلة الصحو، وعمرو بن قنبر (2) في صناعة النحو، وأمن ثبت فضله من المحو، وكان العلم الذي إليه يشار، وتحدى العشار، لا يساجل بحره بالدلاء، ولا يسد مسده بالبدلاء، مجموع فنون، وخوان ضب منها ونون، قل أن يذكر ضرب من المعارف إلا عرفه، أو يمر بنهر من أنهارها إلا شرب من مائه واغترفه، وأما الأدب فهو فيه الحجة التي لا تجهل، والمحجة التي قصدها هو الأسهل، مطولاته بحور زاخرة، ومقطوعاته درر فاخرة، ورسائله بالرياض ساخرة، وللنجوم الزهر مفاخرة، إلى الطرف، وطيب العرف؛ خبا بوفاته (3) الكوكب الوقاد، وألقى إلى الضالة (4) المهملة المقاد، واستولى من بعد اليقظة الرقاد، واستعجل

_ (1) من أهل المرية؛ له في الإحاطة 1: 247 - 267 (1: 114) ترجمة ومختارات من شعره ونثره. وهو مؤلف كتاب " مزية المرية " وله ديوان شعر، وفي خزانة الرباط نسخة منه. وقد ترجم له ابن الخطيب أيضاً في التاج. وانظر نيل الابتهاج: 51 (ط. فاس) ومسالك الأبصار 11: 502. (2) هو سيبويه. (3) توفي ابن خاتمة سنة 770هـ؟. (4) ك: الضلالة.

النقاد؛ فمن غرامياته (1) : من لم يشاهد موقفاً لفراق ... لم يدر كيف توله العشاق إن كنت لم تره من رأى ... يخبرك عن ولهي وهول سياقي من حر أنفاس، وخفق جوانح ... وصدوع أكباد، وفيض مآقي دهي الفؤاد فلا لسان ناطق ... عند الوداع ولا يد متراق ولقد أشير لمن تكلف رحلة ... أن عج (2) علي ولو بقدر فواق علي أراجع من ذماي حشاشة ... أشكو بها بعض الذي أنا لاق فمضى ولم تعطفه نحوي ذمة ... هيهات لا يثني على مشتاق يا صاحبي وقد مضى حكم الهوى ... روحاً علي بشيمة الإشفاق واستقبلاها نسمة من (3) أرضكم ... فلعل نفحتها تحل وثاقي إني ليشفيني النسيم إذا سرى ... متضوعاً من تلكم الآفاق من مبلغ بالجزع أهل مودتي ... إني على حكم الصبابة باق (82آ) ولئن تحول عهد قربهم نوى ... ما حلت عن عهدي ولا ميثاقي أنفت (4) خلائقي الكرام لخلتي ... نسباً إلى الإخلال والإخلاق قسماً به ما استغرقتني فكرة ... إلا وفكري فيه واستغراقي لي أنة عند العشي لعله ... يصغي لها وكذا مع الإشراق أبكي إذا هب النسيم فإن تجد ... بللاً به فبدمعي المهراق أومي بتسليم إليه مع الصبا ... فالذكر كتبي والرفاق رفاقي من لي شحط المزار بنازح ... أدنى لقلبي من جوى أشواقي

_ (1) القصيدة في الإحاطة 1: 252. (2) سقطت من ج، وفي أصل ك: رفقاً. (3) خ بهامش ك: أرضهم. (4) ك: أبقت.

إن غاب عن عيني فمثواه الحشا ... وسراه (1) بين القلب والأحداق جارت علي يد النوى بفراقه ... آهاً لما جنت النوى بفراق أحباب قلبي هل لماضي عيشنا ... رد فينسخ بعدكم بتلاق أم هل لأثواب التجلد راقع ... إذ ليس من داء المحبة راق ما غاب كوكب حسنكم عن ناظري ... إلا وأمطرت الدما آماقي ايه أخي أدر علي حديثهم ... كأساً ذكت عرفاً وطيب مذاق وإذا جنحت لماء أو طرب فمن ... دمعي الهموع وقلبي الخفاق ذكراه راحي، والصبابة حضرتي ... والدمع ساقيتي، وأنت الساقي فليسل عني من لحاني إنني ... راض بما لاقيته وألاقي ومن ذلك (2) : وقفت والبين قد (3) زمت ركائبه ... وللنفوس مع الأنفاس (4) تقطيع وقد تمايل نحوي للوداع وهل ... لراحل القلب صدر الركب توديع أضم منه كما أهوى لغير نوى ... ريحانة في شذاها الطيب مجموع تهفو فأذعر خوفاً من تقصفها ... إن الشفيق بسوء الظن مولوع (82ب) هل عند من قد دعا (5) بالبين مغلبة ... أن الردى منه مرئي ومسموع

_ (1) ج: فسراه. (2) القصيدة في الإحاطة 1: 254. (3) في أصل ك: زفت. (4) الإحاطة: الأيام. (5) د: مقلته.

أشيع القلب من رغم علي وما ... بقاء جسم له للقلب تشييع أري وشاتي أني لست مكترثاً ... لما جرى وصميم القلب مصدوع الوجد طبعي وسلواني مصانعة ... هيهات يشكل مطبوع ومصنوع " إن الجديد إذا ما زبد في خلق ... تبين الناس أن الثوب مرقوع " ومن روضياته قوله مرهف الروض: الأرض بين مدبج ومجلل ... والروض بين متوج ومكلل والزهر بين مورد ومورس ... والنهر بين ممسك ومصندل لويت مذانبه على أدواحها ... فاختلن بين ممنطق ومخلخل ما ذاك سجع نسيمها في ظلها ... لكنه وسواس هاتيك الحلي أهلاً بأيام الربيع (1) وطلها ... أنس الخليع وبهجة المتبتل زمن أرق من الوداد شمائلاً ... وأرق من عصر الشباب الأول تذكي بلابله البلابل لوعة ... ولرب بلبال يهيج لبلبل أعجب به من مهرجان باسم ... بين البسيطة والحيا المتهلل حشد الربيع له جنود جماله ... وأتى بحافل جنده في جحفل فالطير تشدو، والغدير مصفق ... والقضب ترقص، والأزاهر تنجلي وعرائس الأشجار تجلى في حلى ... خضر ولا وجه العروس إذا جلي ما إن ترى عرساً بأجمل منه في ... عين الشجي إن غاب عن عين الخلي فاعطف على وجه الزمان وحيه ... وانظر إلى حسن الربيع المقبل وأجل لحاظك في (2) صفاح كتابه ... حتى تبين واضحاً من مشكل

_ (1) خ بهامش ك: وطيبها. (2) د: صحاف.

(83آ) وإن اعتراك عشى لنير نوره ... فاعدل الأثمد ظله فتكحل من لم يشاهد موقع الحسن الخفي ... من منظر لم يدر ما الحسن الجلي فالحسن ما وضحت شواهد فضله ... للمجتني كوضحوها للمجتلي ولرب وردة دوحة حيت بها ... جاماص تلهب له ماء وناراً قد ملي ما فتح الزهر الجني ثغوره ... إلا ليرشف طيب ذاك السلسل كلا ولا خمدت عيون نهاره ... (1) إلا لغيرتها عليه أو قل هذي البلابل قد سجعن لشربه ... تشدو وتنشد في الثقيل الأول أيهٍ مطربة الخلي بعثت لي ... أسف الشجي ردي علي وبدلي ما عذرها والورد مورد عشقها ... إن لم تغن بحسنها وتغزل فالورد قد فتح الحيا في خده ... ورداً سبا ورد الحياء المخجل عجباً وحتى الحسن يعشق بعضه ... بعضاً لقد أزرى الهوى بالعذل لطف من الإحسان أعجزت الورى ... أوصافها، سبحان مبدعها العلي ومن المقطوعات قوله (2) : زارت على حذر من الرقباء ... والليل ملتف بفضل رداء تصل الدجى بسواد (3) فرع فاحم ... لتزيد ظلماء إلى ظلماء فوشى بها من وجهها وحليها ... بدر الدجى وكواكب الجوزاء أهلاً بزائرة على خطر السرى ... ما كنت أرجوها ليوم لقاء

_ (1) أو قل: بياض في ج د وكتب فوقها في ك: كذا. (2) الإحاطة 1: 257. (3) خ بهامش ك: ليلى.

أقسمت لولا عفة عذرية ... وتقى علي له رقيب رائي لنقعت إلى لوعتي برضابها ... ونضجت ورد خدودها ببكاء ومن المقطوعات قوله (1) : (83ب) خط السنا ذهباً في اللازوردي ... فالأفق ما بين مرقوم وموشي كأنما الشهب والإصباح ينهبها ... دراهم سقطت من كف زنجي وكتب إليّ (2) عند انصرافه من غرناطة في بعض قدماته عليها ما نصه: " مما قلته بديهة حين الإشراف على جنابكم السعيد ودخوله مع النفر الذين أتحفتهم سيادتك بالإشراف عليه والدخول إليه وإن كان يوماً قد غابت شمسه، ولم يتفق إن كمل أنسه، وأنشدته بعض من حضر ولعله لم يبلغكم وإن كان قد بلغ فضلكم يحملني على إعادة الحديث: أقول وعين الدمع نصب عيوننا ... ولاح لبستان الوزارة جانب أهذي سماء أم فناء سما به ... كواكب غضت عن سناها الكواكب تناظرت الأشكال منه تقابلاً ... على السعد وسطى عقده والجنائب وقد جرت الأمواه فيه مجرةً ... مذانبها شهب لهن ذوائب وأشرف من أعلاه فهو تحفه ... شماس زجاج وشيها متناسب يطل على ماء به الآس دائراً ... كما افتر ثغر أو كما اخضر شارب

_ (1) الإحاطة 1: 258. (2) النص حتى آخر الترجمة في الإحاطة 1: 259.

هنالك ما شاء العلا من جلالة ... بها يزدهي بستانها والمراتب ولما أحضر الطعام هنالك دعي شيخنا أبو البركات فاعتذر بأنه صائم بيته من الليل، فحضرني أن قلت: دعونا الخطيب أبا البركات ... لأكل طعام الوزير الأجل وقد ضمنا في نداه جنان ... به احتفل الحسن فيما احتفل فأعرض عنا بعذر الصيام ... وما كل عذر له مستقل فإن الجنان محل الجزاء ... وليس الجنان محل العمل (84آ) (1) وعندما فرغنا من الطعام أنشدته الأبيات فقال لي: لو انشدتنيها وأنتم لم تفرغوا من الطعام لأكلت براً بهذه الأبيات، والحوالة على الله تعالى؛ رحمة الله على الجميع. 84 -؟ الشيخ الكاتب أبو عبد الله محمد بن محمد ابن حسان الغافقي، رحمه الله تعالى: مفراخ أطيار القوافي، ومعيرها قصب القوادم والخوافي، ومجود آيات البيان مسندة الإتقان إلى الكافي، وإن عدم المجيز والمكافي، لم يضيق الطبع على قريحته ولا حجر، فكلما ضرب بعصا يراعته الحجر، انبجس وانفجر، إلا أن ممارسة هذه الميادين أوهت قوى

_ (1) هذه العبارة سقطت من ج.

جلادته، ورحم الإجادة أخلقتها كثرة ولادته، وكان ممن جمع بين البديهة والإصابة، وبرز في الخط بين العصابة، فأصبح فرداً بين أترابه، وفذا في أغرابه، وله آداب عذبة الشمائل، سائمة بزهر الرياض وظلال الخمائل. كتب بباب السلطان جواداً سابقاً، وطبقاً لشن تلك الشؤون مطابقاً، إلى أن أخلقت لجدة، وانتهت (1) للأيام العدة، فانقاد للحمام المواقع الهجوم، وغرب غروب النجوم. ومن شعره وكثيره مطول، وللإجادة مخول، فمن ذلك ما خاطبني به في شأن بنت ماتت لي: يا من له شيم رقت نواسمها ... هي المواهب والرحمن قاسمها حازت بفضلك أسنى الحظ أندلس ... فأنت قطب معاليها وعالمها إن الوزارة من علياك رافلة ... في حلة قد أجاد الوشي راقمها وللكتابة فخر إذ ترسلها ... فأنت ناثرها الأعلى وناظمها كأن لفظك في القرطاس زهر ربى ... بكى بها القطر فافترت مباسمها (84ب) سمت بطورك فوق الشهب منزلة ... فوق المنازل رب العرش عاصمها نفس شريفة أعمال (2) مجوهرة ... للعلو صاعدة، والقدس عالمها إني لمجدك بالتقصير معترف ... على الفروض التي ترعى لوازمها فافسح مجال اعترافي حين اشرحه ... لك السجايا التي تسمو مكارمها وعن مغيبي لما صنت جوهرة ... من اللآلئ بطن الأرض كاتمها فما علمت بميقات حضرت به ... ورحمة الله قد سحت غمائمها

_ (1) د: وانتهب. (2) في أصل ك: فجوهرة.

فليتني كنت للأبصار مرتقباً ... مع الوفود التي راقت أزاحمها يا سيدي والذي أعددته سنداً ... من الخطوب التي صالت صوارمها رجعت للصبر تبغي الأجر محتسبا ... في جنة يجلب الأفراح دائمها علماً بأوصاف ذي الدنيا وغايتها ... يرى خيالاً بها في النوم حالمها لتبق للمجد في علياء شامخة ... ما مالت القضب أو حنت حمائمها ومما خاطبني به: برق أضاء بحاجر ما يهدأ ... وسناه في جنح الدجى يتلألأ فرعيته حتى الصباح بمقلة ... تهمي ونار جوانحي لا تطفأ وسرت نواسم روض نجد سحرة ... فوشت بطيب كان فيه يخبأ فبدت علي شمائل عذرية ... والصب يلحظه الرقيب ويكلأ فأطال في شأن الملامة عذلي ... أني حننت لحيث كان المنشأ فهواي شوقاً يستمد مدامعي ... والوجد يكتب والصبابة تقرأ قالوا وقد طلع المشيب بمفرقي: ... إني سلوت ونجمه لي اضوأ هو عنفوان تذكري لمعاهد الأحباب في زمن مضى، والمبدأ ... لا تعجبوا بعد الخمود لفطنتي ... أن نبهتها فكرة لا تصدأ (85آ) إن الممد لها الوزير بعلمه ... فهو المعيد النظم أو ما ينشأ حوض لما يشكو الظماء مسلسل ... روض ند وظلاله نتفيأ بحر ترى العلماء من أنهاره ... نقصوا إذا دانوه وهو مملأ يرمي بمرجان ودرٍ فاخر ... والري فيه لذي غليل يظمأ راض الصعاب وقد تبادر في العلا ... فله بأعلى ذروة متبوأ

فاضت عليه من المواهب حكمة ... هو لانطباع جمالها يتهيأ فيها الوجود لكل مرتسم فمن ... ذاق المشارب بالسعود يهنأ من كالإمام ابن الخطيب معارضاً ... إلا السمي له الذي لا ينشأ ألقى الإله له المحبة في الورى ... فالكل يختم بالثناء ويبدأ لا زال يرفل في ملابس رفعةٍ ... وحسوده بالنائبات مرزأ ومما انشدنيعه وكان يتكرر لقائي إياه ببعض الطرق قوله: إذا عنت اللقيا على ظمأ لها ... ورام فؤادي أن يزيل غليلا تعرض حر الشمس عند هجيره ... لأهجر شمساً لا تغيب أفولا ولو سمحت تلك المزايا بوقفةٍ ... نشقت بها عرف النسيم عليلا واقطفني بر الوزير خميلةً ... وأتحفني ظل القبول ظليلا تسوغت طيب العيش أعذب موردٍ ... ولقيت منه روضة ومقيلا ومن اخوانياته البديعة قوله: بديع نظمك أضحى روض إيناس ... أهدت طباعك منه طيب أنفاس إذا كمائم الفاظ له ابتسمت ... زهدت في النرجس المطلول والآس وما أبالي إذا شعشعت قافيةً ... إن لم انازع نديمي الخمر في الكاس فلتسقني (1) منه دنا لا تدر قدحاً ... حتى أغيب عن عقلي واحساسي (85ب) عجبت من ذهنك الوقاد كيف سمت ... بوابل الطبع منه نار نبراس إن كنت في خلوة فهو الانيس بها ... وذكره ديدني ما بين جلاسي ما وشي سنعاء إلا ما تحبره ... منك اليراع بحبر فوق قرطاس ولا الفوائد إلا ما تنظمه ... تلك القريحة في أجياد أطراس ايةٍ اعده وعللني بزورته ... أنا السقيم وأنت الممرض الآسي

_ (1) ج: فسقني.

إن كان سحراً فأسمعني غرائبه ... هو الحلال فلا تحذر من الباس إني بعثت بشعر كالنسيم سرى ... لعلّ رؤيته تعديك يا ناسي وإن هززت له عطفاً فلا عجب ... من الصبا رنحت أعطاف مياس فعد لشيمتك الأولى التي حسنت ... أيام كنت لعهدي لست بالناسي أما الشباب فقد ولى لطيته ... يا حسرتي لم يدع لي غير وسواس كلفت بالزهر لما افتر وسط ربىّ ... وعفته ضاحكاً بالفود والراس وكل من ذكر إلى هذا الحد من المشايخ أو الاتراب، قد تسابقوا تسابق العراب إلى التراب، فيا ويح من اغتر بلمح السراب، وولد للموت وبنى للخراب، ومن يجري ذكره بعد هذا فهم بقيد الحياة لتملم جمادى الآخرة (1) عام أربعة وسبعين وسبعمائة، جمعنا الله تعالى في مستقر رحمته، بفضله ومنته.

_ (1) في النسخ: الأخيرة.

85 - الشيخ الخطيب القاضي الرئيس أبو القاسم محمد بن يحيى بن محمد الغساني البرجي (1) ، أمتع الله ببقائه؛ غلاب الهوى الذي لا يغلب، وخدن العافية التي تسأل من الله تعالى وتطلب، والمثل في رفض الضراع (2) ، والحذر من الاختراع؛ لو سلطت المناخل على حبة قلبه لم تلف دخيلاً، ولو ضايقته الأيام في انتشاق الهواء (86آ) ما كان بتركه بخيلا؛ تجذب الدول بذيله، فلا تستطيع الظفر بميله، وتراسله في يومه وليله، فتزيد ثرياها بعداً من سهيله، فلولا المسالمة والسداد، لجف من مباراتها، وخربت الاسداد، وكان الفراق والاعتداد، سجية من تحقيق، وأعمل فكره في ذاته ودقق وأشفق، لما علم من أين انفق، وميز الأوهام، وتعرف الإلهام؛ شكا بمحضر السلطان ببثه، وتلكئه عند حثه، فعلمت مرمى سهمه، ومنتهى همه، وجهة مأمه، من فاضل كلف به الاختصار، وتنافست في خلاله السنية الأسماع والأبصار، وخلت عن وجود مثله الأمصار، وإن قصرت الدنيا أعجبه الاقصار، وإن جنت عليه عدم الاستعداء

_ (1) ترجم له ابن الخطيب في الإحاطة 2: 215 وقال: فاضل مجمع على فضله صالح الأخوة طاهر النشأة ممتع المجلس حسن الخط والشعر والكناية ... رحل للعدوة فاشتمل عليه السلطان الكبير أبو عنان ... ثم تولى قضاء فاس. وذكره ابن خلدون في التعريف: 64 والسراج في فهرسته. توفي سنة 786 (انظر نيل الابتهاج: 172، ط. فاس) والبرجي نسبة إلى برجة (Berja) من إقليم المرية، بفتح الباء. (2) خ: بهامش ك: الصداع.

والاستنصار (1) ، مع البشر والقبول، والفضل المجبول، والظرف الآمن روضه من الذبول، توجه إلى البلاد رسولا، فهذبت منه اريا معسولاً، وبلغ من الحج والزيارة سولا، ثم اعمل قفولا، مكنوفاً بالرعي مكفولاً، وهو الآن خطيب مقر الملك وقاضيه، قد سلم له فيما يقضيه، وخالف طبع الانقباض الذي يقتضيه، مولياً وجهة التفويض، إلى مقام التقويض، وملقياً مقام التسليم، وقد ولي العلامة (2) فكأنما قبض من ذلك الأمر على الحجر، إلى أن نضا ذلك الثوب، وورع فلم يقبل الأوب، ولا رضى الشوب، والأدب نقطة من حياضه، وزهرة من ازهار (3) رياضه، أما خطبه فكرامة تكرم (4) إن تلتبس، يزهر بها جذع منبره بعدما يبس، وأما شعره فسواه عبد لحره، ولا عيب فيه إلا بخل بحر بدره، فمن ذلك قوله (5) : نهاه النهى بعد طول التجارب ... ولاح له منهج الرشد لاحب (86ب) وخاطبه دهره ناصحاً ... بألسنة الوعظ من كل جانب فأضحى إلى نصحه واعياً ... وألغى حديث الأماني الكواذب وأصبح لا تشتهيه الغواني ... ولا تزدريه حظوظ المناصب وخاطبني شافعاً لبعض الفضلاء: أيا سابقاً في مجال البراعة ... وفارس ميدان أهل اليراعه

_ (1) د: والانتصار. (2) انظر التعريف بهذه الخطة في التعليق على الترجمة رقم: 86. (3) ج: أزاهر. (4) تكرم: سقطت من د. (5) الأبيات في الإحاطة 2: 221.

ومن بدره في سماء المعالي ... يزين بوصف الكمال ارتفاعه فما لك في الفضل من جحة ... ومن إمرة في ذويه مطاعه قضاؤك في معسر حل دين ... عليه فأرجاؤه قد أضاعه وقد كان يبغي إليكم شفيعاً ... يوسط عندكم في شفاعه على أنه في اقتضاء الوداد ... يوفي موازينه أو صواعه وما هو في سوق تقريظكم ... ونشر حلاكم مزجى (1) البضاعه ومما أنشد السلطان في ليلة الميلاد (2) من شعره بمحضري عام إحدى وسبعمائة (3) : أصغى إلى الوجد لما جد عاتبه ... صب له شغل عمن يعاتبه لم يعط للصبر من بعد الفراق يداً ... فضل من ظل إرشاداً يخاطبه لولا النوى لم يبت حران مكتئباً ... يغالب الوجد كتماً وهو غالبه يوادع (4) الليل أسرار الغرام وما ... تمليه أشجانه فالدمع كاتبه لله عصر بشرقي الحمى سمحت ... بالوصل أوقاته لو دام ذاهبه يا جيرة أودعوا من ودعوا حرقاً ... يصلى بها من صميم القلب نائبه يا هل ترى ترجع الأيام ألفتنا ... (5) كعهدنا ويرد القلب سالبه ويا أهيل ودادي والنوى قذف ... والقرب قد أبهمت دوني مذاهبه [هل ناقض لعهد بعد البعد حافظه ... وصادع الشمل يوم الشعب شاعبه]

_ (1) خ بهامش ك: بمزجي. (2) يعني ميلاد الرسول صلى الله عليه وسلم. (3) القصيدة في الإحاطة 2: 216. (4) كذا في جميع النسخ وفوقها علامة خطأ في د، وفي الإحاطة: يستودع. (5) سقط البيت من د.

(87آ) يا من لقلب مع الأهواء منعطف ... في كل أوب له شوق يجاذبه يسمو إلى طلب الباقي بهمته ... والنفس بالميل للفاني تطالبه وفتنة المرء بالمألوف معضلة ... والأنس بالألف نحو الألف جاذبه أبكي لعهد الصبا والشيب يضحك لي ... يا للرجل سبت لبي ملاعبه ولن ترى كالهوى أبكاه سالفه ... ولا كوعد المنى أحلاه كاذبه وهمة المرء تغلبه وترخصه ... من عز نفساً لقد عزت مطالبه ما هان كسب المعالي أو تناولها ... بل هان في ذاك ما يلقاه طالبه لولا سرى الفلك السامي لما ظهرت ... آثاره ولما لاحت كواكبه في ذمة الله ركب للعلا ركبوا ... ظهر السرى فأجابتهم نجائبه يرمون عرض الفلا بالسير عن عرض ... طي السجل إذا ما جد كاتبه شدوا على لهب الرمضاء وطأتهم ... فغاص في لجة الظلماء راسبه وكلفوا الليل من طول السرى شططاً ... فخلفوه وقد شابت ذوائبه حتى إذا أبصروا الأعلام مائلة ... بجانب الحرم المحمي جانبه فيها وفي طيبة الغراء لي أمل ... يصاحب القلب منه ما يصاحبه ما أنس لا أنس أياماً بظلهما ... سقى ثراه عميم الغيث ساكبه إن ردها الدهر يوماً بعد ما عبثت ... في الشمل منا يداه لا نعاتبه معاهد شرفت بالمصطفى فلها ... من أجله شرف تعلو مراتبه محمد المجتبى الحادي الشفيع إلى ... رب العباد أمين الوحي عاقبه أوفى الورى ذمماً، أسماهم همماً ... أعلاهم كرماً، جلت مناقبه

(87ب) هو المكمل في خلق وفي خلق ... زكت علاه كما طابت مناسبه عناية قبل بدء الخلق سابقة ... من أجله آتيه وذاهبه وهي طويلة، أعزه الله تعالى وامتع به، وأوصل السعادة بسببه؛ آمين. 86 -؟ الشيخ الرئيس صاحب العلامة (1) أبو القاسم عبد الله بن يوسف بن رضوان البخاري (2) : العلم العلامة، وصاحب الحلي (3) والعلامة، أتته منقادة، وألقت في يده المقادة، بعد أن صرفت عند خطبتها قادة، فما بخس حظها ولا وكس، ولم تكن تصلح إلا له ومعاذ الله أن تنعكس؛ مجموع الكمال الذي لا تطور " لولا " بساحته، وركن المقام المريني الذي لا راحة للقلم الأعلى إلا في لثم راحته، وجو (4) الفنون الذي لا مطمع للحسبان في مساحته، ولا الركبان في جوب ساحته، إلى خلق وخلق، تنال كيمياء السعادة من وجهه بطلق، سلم إجماع القول بفضله من الخلاف،

_ (1) قال ابن خلدون: هي العلامة التي توضع عن السلطان أسفل المراسيم والمخاطبات، وبعضها يضعه السلطان بخطه (التعريف: 20) . (2) ذكره السراج في فهرسته وعنه نقل صاحب نيل الابتهاج: 123 (ط. فاس) ، وفي النفح 9: 103 رسالة من لسان الدين إليه. وقد ترجم له ابن خلدون في التعريف: 41 ترجمة مفصلة (وانظر أيضاً ص: 20) وفيه " النجاري " بالنون وبالجيم. (3) خ بهامش ك: العلا. (4) ك ج: وجود.

وفعل ذكره في الأعطاف فعل السلاف، وجل أن يعدل فرده بالآلاف، ولا أن يهدد فقده؟ ولا كان؟ بالاستخلاف؛ رحل عن بلده والصون يلحفه، والكون يطرف به الوجود ويتحفه، وسماسرة الحظ المجلوب للمشتري الفيل بالسعد المطلوب تصفه، واستقر من الملك المريني مستقر البرهمانية من التاج، والغنى من كف المحتاج، واتصفت مقدماته بالانتاج، والقت السعادة عصاها واستقرت، وارتفع النزاع لما اعترفت بوجوب حقه الأيام وأقرت، فهو اليوم من المجلس صدره، ومن الأفق بدره، ومن الأمر لسانه، ومن الدهر إحسانه؛ علم لا يخفى في الأرض ولا يلتبس، ومشكاة فيها مصباح والخلق يقتبس؛ وأما خصاله فحقها (88آ) أن تستر ما أمكن وتبرقع، وتعوذ من عين عطارد كي لا تلقع (1) ، خطاً مقروناً بالنصر والعتب، مخلوقاً للمعجز المكتتب، ونظماً علا الرتب، كأنه إذا جلاه، وعلى الكرام الكاتبين أملاه، غائص ينتاب وطباً، ويخرج منه لؤلؤاً رطباً. نقسم بالله قسم من فرغ من تكليف الكلفة، وابتغى الوسيلة والزلفة، ما نعرف نظيراً لفرده، ولا نرجساً مقارباً لورده (2) ، أمتع الله حسام الملك من يراعه اللدن بشقيقه، يخطب له الحظ باختياره وتحقيقه، ثم يكتب له عقد (3) رقيقه، ونجلب من فنون آدابه ما تحسده أزهار الأفنان، ويجعل خواتم في البنان، فمن ذلك؟ ولنتخط المطولات الشهيرة، الشائعة شياع الشمس وقت الظهيرة -: كتبت له من الأندلس وقد راب السلطان

_ (1) تلقع: تصاب بالعين. (2) ج: ولا مزحماً مقارفا لورده. (3) خ بهامش ك: عذر.

بها اختصار في التخطيط الذي تتضمنه (1) الكتب الواردة من سلطانه أبحث على السبب، الذي نقل من الوافر إلى الخفيف (2) ، وربما كانت الضمائر فاسدة، وسوق ما بينهما في البر كاسدة، هذه الأبيات: أيا قاسماً لا زلت للفضل قاسماً ... بميزان عدل ينصر الحق من نصر مدادك وهو المسك طيباً ومنظراً ... وإلا سواد الفود والقلب والبصر عهدناه في كل المعارف مطنباً ... فما باله في حومة الود مختصر أظنك من ليل الوصال انتخبته ... إلينا وذاك الليل يوصف بالقصر أردنا بك العذر الذي أنت أهله ... فمثلك لا يرمى بعي ولا حصر فراجعني عن ذلك بما نصه: حقيق أبا عبد الإله لك الذي ... لمذهبه في البر يتضح الأثر وإن الذي نبهت مني لم يكن ... نئوماً وحاشا الود أن أغمط الأثر (88ب) ورب اختصار لم يشن نظم ناظم ... ورب اقتضاب لم يعب نثر من نثر وعذرك عني من من محاسنك التي ... (3) نظام حلاها في الممادح ما انتثر ومن عرف الوصف المناسب منصفاً ... تراءى له نهج من العذر ما اندثر ونظم ليكتب على دواة للسلطان موشية بالذهب:

_ (1) خ بهامش ك: تضمنته. (2) خ بهامش ك: الخبب. (3) سقط البيت من ج.

لبست محاسن الوشي البديع ... وفقت بمنظري زهر الربيع وساعدت السعود صنيع شكلي ... فتم لها به حسن الصنيع وعز مكان تشريفي بملك ... يقربني لمجلسه الرفيع عماد الملك إبراهيم مولى ... ملوك الأرض ملتجأ المروع تجمع فيه أشتات المعالي ... فأضحى المجد في شمل جميع أدام له الإله عزيز نصر ... واسكنه حمى الحفظ المنيع ونظم لينقش للسلطان على قلم من الفضة، فقال: أجل قلم سعده ثابت ... يريك العجائب من وصفه ويبدي من الوشي في طرسه ... مشابه وشي على عطفه وأنشد السلطان ارتجالاً يصف صيداً: أيام دهرك لم يكن لينالها ... ملك ولا أبدى الزمان مثالها فمحاسن الأمصار والأعصار قد ... جمعت لديك جميلها وجمالها وجديد سعدك أيها الملك الرضي ... بداً يقرب من يديك منالها ولرب يوم في حماك شهدته ... والسرح ناشرة عليك ظلالها حيث الغدير يريك من صفحاته ... درعاً تجيد يد الرياح صقالها والمنشآت به تدير حبائلاً ... للصيد في حيل (1) تدور حيالها وتريك إذ يلقي بها اليم الذي ... اخفت جوانحه وغاب خلالها (89آ) فحسبتها زرداً وأن عوالياً ... تركت بها عند الطعان نصالها وكتب معتذراً لبعض من وجب حقه وقد عتب من اجل إغباب الزيارة قوله:

_ (1) د ج: ميل.

برئت إلى العلياء من ظن مالكي ... وإن كنت لم أسلك سديد المسالك حلفت بما أولت يمينك من ندى ... يمين صدوق ليس (1) فيها بآفك لما جنحت مني الخواطر للتي ... تشين بها السادات خلق الممالك سوى أنني من خجلة ظلت قاصراً ... خطاي وما كان الحياء بتاركي فهذا ولا رد على كعفي الذي ... سما قدره فوق النجوم الشوابك وإغضاؤه المأمول في كل حالة ... فلا زلت ألقى عنده سن ضاحك وقال في سفينة وضمن المثل: يا رب منشأةٍ عجبت لشأنها ... وقد احتوت في البحر أعجب شان سكنت بجنبيها عصابة شدة ... حلت محل الروح في الجثمان فتحركت بإرادة مع أنها ... في جنسها ليست من الحيوان وجرت كما قد شاءه سكانها ... فعلمت أن السر في السكان ومن الأبيات المستظرفة في الضمين: وذي خدع دعوه لاشتغال ... وما عرفوه غثاً من سمين فيظهر (2) زهده وغنى بمال ... وجيش الحرص منه في كمين وأقسم لا قبلت يمين خب ... فيا عجباً لحلاف مهين يغر بيسر ويمين حنث ... ليأكل باليسار وباليمين وبلغني ذلك وأتعبني من تنطيق عليه الأبيات فقلت في معناه والفضل للمبتدي: حلفت لهم بأنك ذو يسار ... وذو ثقة وبر في اليمين

_ (1) د: لست. (2) د ج: فأظهر.

(89ب) ليستندوا إليك بحفظ مال ... فتأكل باليسار وباليمين ومن شعره معارضاً لما روي في هذا الروي والمعنى، عن أعلام من أهل الفضل والرواية: أقول مقالاً ليس فيه مراغ ... وفي الحق يلقى للقول بلاغ نعيمي في الدنيا فراغ وصحة ... وحسبك منها صحة وفراغ عليك خليلي بالقناعة إنها ... غنى وحلى عز عليها (1) يصاغ ولا تك ذا حرص فليس بسائق ... لك الحرص رزقاً كان عنك يراغ كفى تعباً للحرص أن حليفه ... مصاغ لأثواب الهوان مصاغ ألا إنما الدنيا كخطفة بارق ... لموح ويلفى للحياة فراغ فسارع إلى الخيرات تظفر بجنة ... بها الحور تجلى والرحيق يساغ ودن بالرضى تنعم بعيشك غبطة ... ويرضيك منه مشرب ومساغ ورغ من سجايا السخط فهي ذميمة ... وما كان ذا ذم فعنه يراغ وكل بأمر الله يجري حكمه ... وما لك عن حكم الإله مراغ ومن مقطوعاته، وبمثلها يختم الله تعالى: تبرأت من حولي إليك وأيقنت ... برحماك آمالي أصح يقين فلا أرهب الأيام إذ كنت ملجأي ... وحسبي يقيني، فاليقين يقيني

_ (1) اقرأها بخطف الألف.

87 -؟ الشيخ الرئيس أبو إسحاق إبراهيم بن عبد الله ابن إبراهيم النميري (1) ، من التاج (2) نار على علم، وبدر في الظلم، ومتحف الأقاليم السبعة بجني قلم، كلف بعقائل الأدب وبدره لا يعرف الكلف، وأحيا من آثار السلف ما سلف، ووجبت عليه اليمين انه الذخر الثمين فحلف، ما شئت من لسان (90آ) ثرثار، وبحر نظام ونثار، وجواد يقتحم كل نقع مثار، غير مبال بعثار، إلى خط وشارة، وإفصاح وإشارة، وأبهة تقيد الطرف، وتستعبد الظرف، وتستتبع الشذا والعرف، رحل والشباب ضافي الأذيال، والنشاط صافي الجريال، والقد ميال العوال، وشمس الحسن لم تلح بخط الزوال، فظفر على النوى بالنوال، وكتب عن الملوك وكتم، وطبع وختم، ثم قفل قفول اللواء الظافر، بالغنم الوافر، وطلع عل جهته المغربية طلوع الصباح السافر، واستقى صريح (3) اعتبار، متحمل روايات وأخبار، وفجر المشيب قد

_ (1) ولد بغرناطة سنة 713 وارتسم في كتاب الإنشاء سنة 734 وله رحلة إلى المشرق حج فيها ودون خبرها وقفل إفريقية وخدم بعض ملوكها وكتب ببجاية ثم خدم السلطان أبا الحسن. ومن بعده تنزه عن الخدمة وعكف على العبادة إلا انه جبر على معاودة الخدمة عند أبى عنان،فلما توفي أبو عنان لحق بالأندلس.له مؤلفات جمة منها " نزهة الحدق غي ذكر الفرق " وكتاب في طرق المتصوفة.انظر إلى ترجمته في الإحاطة 1: 350 (1: 193) والنفح 9: 315، 3: 287 ومسالك الأبصار 11: 513 ونيل الابتهاج: 14 (ط: فاس) ورحلة البلوي، الورقة 209 والمنهل الصافي 1: 66. (2) نقل لسان الدين في الإحاطة ما ذكره في التاج المحل وهو لا يوافق ما أدرجه هنا في ترجمة ابن الحاج. (3) خ بهامش ك: طريح.

فضح ليله، فما ميله، واحتشد البياض رجله وخيله، وهو يدافع بزنج (1) الخضاب سيله،حتى نال منه نيله، مهدت لقدومه فراش التجلة ونظمته في سلك (2) القضاة الجلة، وأدبه طم ورم، وحدث وهم (3) ، معمل التخير، يرمي بالتحير، لكثرة عيونه، وغزارة عيونه، وتعدد فنونه، وتعاقب زهره وجونه، فمن ذلك قصيدة بعث بها إلى السلطان بالأندلس من البلاد، كريمة الميلاد، متفننة بين الجدال والجلاد، جامعة في المحاسن بين الطراف والتلاد، أولها: دعوا أدمعي شوقا للقياكم تجري ... فإني في حبي لكم رابح التجر وأهدوا لنا روح العذيب وبارق ... ولكن من الريق المعطر والثغر ولا تبتغوا مني السلو فإنني ... سأسلو سلو البان عن واكف القطر وأترك تهيامي بكم وصبابتي ... كما ترك الحادي السرى ليلة النفر وأنساكم لكن كما نسي الهوى ... على النأي قيس وأبن معمر العذري فيا صاحبي نجواي من آل عامر ... إلا نادماني بالغرام مدى عمري ويا مثقل الخدر (4) الذي قذفت به ... أمون تباري الريح في البلد القفر ... دعوة إبراهيم للبيت ذي حجر وبالسجف في الحي الممنع غادة ... يبيت بها نجم السماء على ذعر منعمة لذ الشقاء بحبها ... ولو إنها تبدي هجيرا من الهجر ولو صدعت قلبي وحيت بوجهها ... لقلت: صباح دونه صدعة الفجر

_ (1) ك: برمح. (2) خ بهامش ك: سمط. (3) ك: وهرم؛ وسقطت من ج. (4) ج د: التي.

بوادي الغضا حلت ولكن من الحشا ... وشعب النقا لكن من السحر والنحر وأسند وجدي من أحاديث حسنها ... غرائب لو تخطر ببال ولا فكر فلم ترو يوما عن نموم سوى الشذا ... ولم ترو يوما عن ضعيف سوى الخصر إذا لم أشاهد ربعها كل ليلة ... فإنك يا إنسان عيني لفي خسر ومما أثار الوجد جيد أمالني ... بوسواس حلي مالك في الهوى أمري وثغر ثناني الرد عن لثم دره ... كأن رقيبي قدم الراء من در نسيت ولا أنسى معاهد بالحمى ... يمثلها فكري ويلزمها ذكري إذا انتصبت دوحاتها خفضت بها ... غصونا قراها الغيث في الورق الخضر وقد جرها نفح الصبا بعد ربعها ... كأن نسيمات الصبا أحرف الجر عجبت لنبت وسطها وهو باقل ... يخيم (1) به قس عن النظم والنثر ورب رياض بالغوير تزينت ... بنضر نبات غاص في مائها الغمر وأخرى بذات الجزع (2) طي ظلالها ... نعمت به يقظان في سنة العمر

_ (1) يخيم: سقطت من ج. (2) طي: سقطت من ج.

ولما تقضي الليل إلا أقله ... حبتنا بمعطار الشذا أرج النشر كأن بروق الجو نار تلهبت ... وما أرفض من جنح الدجى عنبر الشحر إذا ما التقى في نهرها ساكنان من ... قضيب ومن حصباة حرك بالكسر مجررة ذيل النسيم طروبة ... ولا طرب الحادي بذي الأثل والسدر (91آ) ترى الغيث فيها باكيا متحيرا ... إذا ضاع من أكمامه مؤرج (1) الزهر معانقة من قضبها كل أهيف ... ولا هيف الأعطاف في الحلل الحمر تكاد لعمري فيه كل حمامة ... تشب عن الطوق ارتياحا على الذكر وكم ساعدتها وهي بالشرب بره ... وما برها بالبدع كلا ولا النكر بقطر الندى قطر الندى وسطها اقتدى ... فما نام لما نام ذو الكاس والوتر فمن عاذري من حيرتي وتوهلي ... إذا سفرت منها المحاسن للسفر أعادت لي الشوق القديم مياهها ... " وسقن الهوى من حيث ادري ولا ادري "

_ (1) ك وخ بهامش د: مدرج.

كأني علي (1) والعيون التي رنت ... " عيون المها بين الرصافة والجسر " ألا يا نديما حث مسكية الشذا ... إلى الدير لا دارين منسوبة النجر تراجعها أيدي السقا كأنها ... وقد السقا قطعت بالمزج بيت من الشعر نشدتك هل غصن الرياض ابن هانئ ... (2) يميل بساباط ارتياحا الى الخمر وهل بلبل الدوحات يحيى بن أكثم ... يظل دفينا في الرياحين ذا سكر وهل أهدت الأزهار عاطر نفحها ... مع الفجر أم أهدت مديح بني نصر منها في المدح: إمام الهدى جزل الردا شرك العدا ... غمام الندى بحر الجدا معدن الذخر كريم اللها، زاكي النهى، مجده انتهى ... لأوج السها، كيف اشتهى، دون ما نكر فيضفي لدينا برد حام من العلا ... ويضفي علينا برد سام من الفخر

_ (1) يعني علي بن الجهم صاحب البيت المضمن. (2) ابن هانئ: أبو نواس،وساباط من اماكن اللهو التي ذكرها في شعره، ومن ذلك:بشرقي باساط الديار البسابس.

يعم الورى من كومه وعلومه ... فهذي لمن يقرا وهذي لمن يقري فيحيي بنشر الجود ميتا من الغنى ... ويردي بطي البخل حيا من الفقر ويبدي بوصل العلم صبحا من الهدى ... ويخفي بقطع الجهل ليلا من الكفر همام إذا ما صال أو جال في الوغى ... فليث لمغتر وغيث لمعتر (91ب) رفيع عماد البيت رحب فناؤه ... عظيم رماد النار مغتبط الوفر حكى سيفه يوم الضيوف مهلهلا ... فلم يبق بعد الناب (1) حيا على بكر مقيم على دين السماحة والندى: ... وبذل الندى والفضل فرض على الحر إذا هو أعطاها دنانير رشحت ... بلون محب في الهوى خالع العذر يؤرخ ذو الإمداح مما جنت به ... يداه تواريخ السعادة والنصر ومن شعره في أنواع المقطوعات (2) :

_ (1) هذه رواية خ بهامش ك،وفي النسخ: النأي. (2) الإحاطة 1: 355.

طاب العذيب بطيب ذكرك وانثنى ... فكأنما ماء العذيب سلافه وأهتز من طرب للقياك الحمى ... فكأنما بأناته أعطافه ومن ذلك أيضا: أرتني الجمال الأكملي حقيقتي ... (1) على قدرها لا قدر موجدها العالي فكيف أرى هذا مقامي وإنما ... مقامي مغيبي عن مقامي وعن حالي وقال أيضا (2) : لي المدح يروي منذ كنت كأنما ... تصورت مدحا للورى وثناء وما لي هجاء فاعجبن لشاعر ... وكاتب سر لا يقيم هجاء وقال أيضاً (3) : ولي فرس من علية الشهب سابق ... أصرفه يوم الوغى كيف أطلب غدوت له في حلبة القوم مالكا ... فتابعني منه كما شاء أشهب وقال أيضا (4) : وحمراء في الكاس مشمولة ... تحث على العود في كل بيت فلا غرو أن جاءني سابقا ... إلى الإنس حب يحث (5) الكميت

_ (1) سقط البيت والذي يليه من د وكتبه في الهامش ثم طمس اكثر ألفاظهما. (2) الإحاطة 1: 355. (3) المصدر نفسه: 356. (4) المصدر نفسه. (5) ح بهامش ك: خل بحب.

وقال أيضا: (92آ) ومهاة تقول أن هي كلت ... ودعا للمزاج يوما ممازج داو ذا الردف أن في الأزر منه ... كثب يبرين،يا طبيب،وعالج وقال أيضا: قيل أن الكمام ينفح مسكا ... قلت: لا تعجبن وزد في المناهج بعث الغيث للنوافح منها ... نقطة أخرا فعادت نوافج وقال أيضا: وقالوا علا للخمر في الكأس إذ بدت ... بياض حباب درا لتاجها فقلت لهم: لا بل هو الشيب قد علا ... عجوزا لدينا أشتد برد مزاجها وقال ملغزا في القلم (1) : أحاجيك ما واش يراد حديثه ... ويهوى الغريب النازح الدار إفصاحه تراه مع (2) الأحيان أصفر ناحلا ... كمثل مريض وهو قد لازم الراحة وقال في ضارب جناح من آلات الطرب: أيا من رام أخذ القلب مني ... بأوتار الجناح بلا جناح

_ (1) الإحاطة 1: 356. (2) د: الأحياء.

كفاني حسن وجهك أن قلبي ... يطير به إليك بلا جناح وقال في التورية (1) : كماة تلاقت تحت نقع سيوفهم ... وللهام رقص (2) كلما طلب الثار فلا غرو أن غنت وتلك رواقص ... فبينهم في مأزق الحرب أوتار وقال أيضا: أيا روض بالزهر غب الحيا ... سألتك والقضب أنى تميل أعد لي النسيم الذي شاقني ... فسنتنا أن يعاد العليل وقال أيضا: (92ب) دارك فديتك روضنا بزيارة ... فالقضب من شوق إليك تميل والعين باك والحمام مرنة ... والنهر صب والنسيم عليل وقال أيضا: بكت شجنا ففاض الدمع يحكي ... يتامى الدر إذ يهمي تؤاما وسلت من محاجرها سيوفا ... فخفت على المحاجر واليتامى وقال أيضا: نسيم الصبا جاءه سائلا ... بطل الحيا فأرتضى وصله وأودعه الروض أنفاسه ... فأضحى عليلا فضاعت له

_ (1) الإحاطة 1: 357. (2) ج ك: نقع.

وقال أيضا (1) : بدا عارض المحبوب فأحمر خجلة ... وأهدى له وردا به الحسن ناهض وقلت له:لا تنكر الورد ناضرا ... فقد سال في خديك من قبل عارض وقال أيضا (2) : أتوني فعابوا: من أحب جماله ... وذاك على سمع المحب خفيف فما فيه عيب أن جفونه ... مراض وأن الخصر منه ضعيف وقال أيضا: ألا رب شاد قام يضرب عوده ... على حين لم يوف الحبيب بموعود فأضرم النار الشوق بين جوانحي ... ولا عجب أن تضرم النار بالعود 88؟ الشيخ الكاتب الرئيس أبو محمد عبد الحق بن محمد بن عطية المحاربي، من الأصحاب، حفظه الله تعالى: نجيب الولد، عين من أعيان البلد، قديم المطرف والمتلد، عظيم التحمل للخدمة والجلد، استعان على تسخير اليراع ببنان وساعد، وأيد (93آ) مساعد، تحمل الكل وما كل، واضطلع بما جل،

_ (1) البيتان في المسالك 11: 514. (2) البيتان في المسالك 11: 515.

والفضل له عز وجل، جلبته إلى الكتابة عن السلطان جلب اختيار، وأخصب جانبها منه برزق اختيار، بل باري اشتيار، فأستقل بعدي ورأس، وتنعم ثم ابتأس، وهو الآن قاض، ولدين التجلة متقاض، ويستند إلى سلف، ويستظهر على إقامة الرسم بخلف، وشعره سهل على المعاني، مؤثر لحظوظ الألفاظ على حظوظ المعاني، فمن قوله يهنيني بالابلال من المرض: الآن قد قامت الدنيا على قدم ... لما أستقل رئيس السيف والقلم والآن قد عادت الدنيا ببهجتها ... مذ آنست برءه من طارق الألم والآن قد عمت البشرى براحته ... ولم تزل للورى من أعظم النعم لاسيما عند مثلي ممن اتضحت ... منه دلائل صدق غير متهم وكيف لا وأيادي فضله ملكت ... رقي بما أجزلت من وافر القسم وصيرتني في أهلي وفي وطني ... وبين أهل النهى نارا على علم وحسبت أملي الأقصى لغايته ... إذ صرت من جاهه المأمول في حرم وما عسى أن أوفي من ثنائي أو ... أنهي إلى مجده من فاضل الشيم ولو ملكت زمام القول طوع يدي ... قصرت في ضمن منثور ومنتظم يهنيك بشرى قد استبشرت مذ وردت ... بها لعمرك وهو البر في القسم لا زلت للعزة القعساء ممتطيا ... مستحبا لعلاء (1) غير منصرم ودمت بدر سنا تهدي إنارته ... في حيث يعضل خطب أو يحار عم

_ (1) ك:العلاء.

ولا عدمت بحول الله عافية ... تستصحب النعم المنهلة الديم ومن ذلك ما نظم لينقش في بعض المباني التي أنشأتها بغرناطة (1) : أنا مصنع قد فاق كل المصانع ... فما منزل يزهى بمثل بدائعي (93ب) فرسمي إذا حققته واعتبرته ... لكل المعاني جامع أي جامع فقد جمع الله المحاسن كلها ... (2) لدي فيا لله إبداع صانعي كما جمعت كل الفضائل بالذي ... بسكناي قد وافاه أيمن طالع وزير أمير المسلمين وحسبه ... مزية فخر ما لها من مدافع وذو القلم الأعلى الذي فعله لمن ... يؤمله مثل السيوف القواطع ومطلع آيات البيان لمبصر ... كشمس الضحى حلت بأسنى المطالع وإنسان عين الدهر قرت لنا به ... عيون وطابت منه ذكرى المسامع هو ابن الخطيب السيد (3) المنتمي إلى ... كرام سموا ما بين كهل ويافع لقد كنت لولا عطفة من جنابه ... أعد زماناً في الرسوم البلاقع فصيرني مغنى كريماً ومرتعاً ... لشمل بأنس من حبيبي جامع فها أنا ذو روض يروق جماله ... كما رق طبعاً ما له من منازع وقد جمعتنا نسبة الطبع عندما ... وقعت لمرآه بأسنى المواقع فأشبه أزهاري بطيب ثنائه ... وفضل هوائي باعتدال الطبائع

_ (1) أشار لسان الدين إلى قصر ابتناء بالشريعة القديمة من شرقي غرناطة وقال له كان يسكنه أكثر فصول السنة (أعمال الأعلام: 311) وقد عابه النباهي في رسالته إليه بأنه أسرف في شراء العقارات وتشييد المباني. (النفح 7: 49) . (2) ك: أبدع صانع. (3) ج ك: المنتهي.

فلا زلت معموراً به في مسرة ... معداً لأفراح وسعد مطالع ولا زال من قد حلني أو يحلني ... موفى الأماني من جميل الصنائع ودام لمولانا المؤيد سعده ... فمن نوره يبدو لنا كل ساطع 89؟ الشيخ الكاتب أبو القاسم محمد بن محمد بن أحمد ابن قطبة (1) الدوسي (2) ، كلأه الله تعالى: هذا الرجل ممن ينتحل الشعر، ويكسد سوق حظه فيغلي السعر، ويوجب لنفسه ما يوجبه المغرور، ويهتف لسانه بما لا يهتف به إلا المرور، فهو مرحمة، وإن رأى نفسه فارس ملحمة، ومشفقة، وإن زعم (94آ) إنه يجري على عطارد نفقة. وجرى ذكره في بعض الموضوعات الأدبية بما نصه: مفحاش مهذار، لا يتعقب زلاته اعتذار، ولا يزعه من بعد خط الزوال بمفرقه إنذار، سخيف العقل، عديم الصقل، حجة قوله أخبر تقل، منسفل من سرير الهرقل، إلى مطرح العقل، رأسه مكفوف، ومخه منشوف، ودنه عقير، وبيته من البِرّ والبُر فقير، يقرع من بعد المشيب باب الشقا،

_ (1) ج: قطب. (2) ترجم له ابن الخطيب في التاج والإحاطة 2: 182 وفيها " الرؤسي " ويبدو أن نظرة ابن الخطيب له تغيرت عند تأليف الكتيبة فهو هنا يذمه على خلاف ما ورد في الإحاطة.

ويدنس الصحائف بالكبائر من بعد الأنقا، فيتبجح بقتال العمد العدوان، ويفخر بالزنا بنسا الإخوان، ويشبب بالقيان، بعد فراغ الخوان، وانطواء الديوان، وذهاب العنفوان، وقد فار تنور البياض ينذر بالطوفان، ويذكر لونه بألوان الأكفان؛ قد تطابق معناه في القبيح ولفظه، وساء في العاجلة والآجلة حظه، فأخسس بشأنه وأصغر، إن تخطاه عفو من يقبل توبة العبد قبل أن يغرغر، وشعره شعث الشعر، مشوب غرضه بالبعر، فمن ذلك يمدح السلطان أبا الحجاج (1) رحمه الله: سفرت فأخجلت الصباح المسفرا ... ورنت فسددت السهام الأخزرا وثنت معاطفها الليان لزورة ... تركت بها لين القضيب محيرا وكأنما تهدي نفائس لؤلؤ ... من ثغرها خضن العتيق الأحمرا ردي الفؤاد فدتك نفسي وارحمي ... صبا مشوقاً من وصالك مقترا لم يكف أن صيرت قلبي عامداً ... (2) حتى أسلت من المدامع جعفرا أعصي العواذل ما أطعت صبابتي ... إن المتيم حسبه أن يخفرا ذعرت بجيش الردف مقنب خصرها ... فلذا ترى بين الخصور مخصرا

_ (1) هو يوسف بن إسماعيل بن نصر: تولى الخلاة سنة 734 وهو إذ ذاك لم يتم السادسة عشرة من عمره، وفي زمنه حدثت الوقعة العظمى بطريف؛ قتله رجل بمرور يوم عيد الفطر سنة 755. (2) الجعفر: النهر.

فحديث جيش الردف عنها مسند ... إذ كان نص الخصر عنها مفترى (94ب) في المخلص: ولئن جرت من مقلتي مدامع ... ووردت من وصل الحبيب الاكدرا فلكم صفا ماء الحياة بيوسف ... وغدا به ربع المظالم مقفرا الآخذ الأرواح يوم نزاله ... والتارك البطل الكمي معفرا والواهب الآلاف ليس يعيرها ... طرفاً ولو كانت خيولاً ضمرا ملك إذا نطق الحسام بكفه ... خرس البليغ ولو تسنم منبرا يمضي العزيمة وهي برق خاطف ... فيدق أعناقا ويقصم أظهرا وقال في غرض النسيب: ولما تمادى البعد بيني وبينها ... وكادت حبال الوصل أن تتصرما خشيت على الأجفان من كثرة البكا ... وخفت على الأحشاء أن تتضرما فرمت سلواً عن هواها فعاقبني ... من الشوق ما يثني الخلي المصمما فأمس عذابي في هواها خللاً ... وأصبح سلواني علي خرما 90؟ محمد بن محمد بن حزب الله الكاتب بالدار السلطانية الآن تولاه الله تعالى راقم واشي، رقيق الجوانب والحواشي، تزهى بخطه المهارق والطروس، وتتجلى في حلل بدائعه كما تتجلى العروس، إلى خلق كثير المحمل ونفس لدنة الجوانب، وود سهل الجانب، عذب المذانب؛ واستقر

الآن (1) بالمشرق رهن جولة، غير مرتبط إلى ملك ولا مقيد لدولة، ومن شعره ما أنشدنيه يراجع بعض الفضلاء: تألق برق العلا واستنارا ... فأجج إذ لاح في القلب نارا وذكرني أنس وقت مضى ... (2) برندة حيث الجلال استنارا (95آ) وكانت لنفسي منى في حماها ... طوالا فأضحت لديها قصارا فأجريت دمع العيون اشتياقا ... ففاضت لأجل فراقي بحارا وقالت لي النفس: من لم يجد ... نصيراً سوى الدمع قل انتصارا قطعت المنى عندها لمحة ... وودعتها وامتطيت القفارا منها بعض أبيات: أرقت لذاك السنا ليلة ... وما نومها ذقت إلا غرارا وجسمي أجل الجسوم التهابا ... وقلبي أشد القلوب انكسارا إلى أن تجرعت كأس النوى ... وقلت زماني على الشمل جارا وصبرت (3) نفسي لفقدانها ... هنالك بالرغم ليس اختيارا ومن قصيدة: حننت لبرق لاح من سرحتي نجد ... حنين تهامي يحن إلى نجد وقلت: لعل القلب تبرا كلومه ... ومن ذا يصد النار عن شيمة الوقد

_ (1) كذا وانظر عنوان الترجمة. (2) رندة: اسم بلدة، وهي من مدن تاكرنا بالأندلس. (3) في جميع النسخ: وصيرت.

لئن شاركتني في المحبة فرقة ... فها أن في وجدي وفي كلفي وحدي 91؟ الكاتب أبو عمر يحيى بن إبراهيم بن زكريا الأنصاري من الأكليل: مجموع خضل، وضارب في هدف الأدب بنصل، وفرع في الكتابة نشأ عن أصل، يتوسل بجدين، ويكافح منهما بحدين، ويستند من الجهة المرابطية واللوشية إلى مجدين، وأبوه رحمه الله تعالى خطة زين الزين، وراحة القلب وقرة العين، رحل إلى المغرب، وكتب مع الكتاب، وتقلب في الدهر بين العتب والاعتاب. ومن شعره في البداية (1) قوله: (95ب) فني اصطباري في هواه وراحتي ... وولوع قلبي ثابت ويزيد كم رمت كتم غرامه متستراً ... فبدا علي من النحول شهود ما كنت من قبل الغرام مصدقاً ... إن الظبا قلب الأسود تصيد قد كنت أعلم أنني ذو عزة ... وتحمل للطارقات جليد حتى ابتليت فلم أطق حملا لها ... إن التحمل في الهوى مفقود بدر إذا ما لاح بدر جبينه ... فالناس طراً ركع وسجود سمحت به الأيام بعد تعذر ... عجباً لئيم (2) بالنفيس يجود

_ (1) ج: البادية. (2) ج د: ليم.

بتنا نشاوى والعفاف نديمنا ... والدهر يدني شاسعاً ويقود أجلو عليه غرائباً حليتها ... أمداح ملك عدله ممدود وقال في محبرة: أنا منهل حامت على وردي النهى ... محل سواد العين والعين في وسطي أمد مدادي من سواديهما السنا ... فتخليد نور الله في الأرض من سقطي فدار على الإيضاح شكلي فقبضتي ... حوت كل ما ضم الوجود إلى ربط أروي نحيل الجسم إن جاء ذابلاً ... عليه البنان كالمحلق (1) بالمط فيبدي لساناً كالسنان مضاؤه ... إذا ما هوى عنهن من حافة الشط فخطيه مستنشد وهو أعجم ... ليبدي نور الله في صورة الخط 92؟ محمد بن محمد بن عبد المنعم اللخمي أبو عبد الله، الكاتب مع الجملة قريع أصالة قديمة، وبارق ديمة، كانت أي مديمة، ومتجمل بوقار، ومتصف إلى المعارف بافتقار، كتب عمره حسن الخط، متقلباً بين البري والقط، والرفع والحط، إلى أن صلحت بأخرة حاله، وأخصب (96آ) أمحاله، وأم حاله في الأدب فقل أن يسمح لفظه بالمنظوم، إلا كضحك المكظوم، وأما النثر فيده فيه منطلقة، واشعته متألقة. فمن شعره في غرض المدح:

_ (1) كالمحلق: بياض في ج د.

زمان بما شاء الخليفة حاكم ... وملك له السعد الجديد ملازم ودولته العلياء أشرف دولة ... لها أثر في الصالحات كرائم وأيامه أيام بشر وأنعم ... فما هي في التحقيق إلا مواسم ومنها في المدح: هو الغيث جوداً والهزبر بسالة ... فمن ذا يجاريه ومن ذا يقوم له عزمات ردت الكفر (1) صاغراً ... فلله ما ردته تلك العزائم إلا في سبيل الله أعمالك التي ... بها وضحت للصالحات المعالم أقمت شعار الدين غيباً ومشهداً ... فقصدك مشكور وأجرك دائم ووفيت من أمر الشريعة واجباً ... (2) فرأيك في أفق الهداية ناجم 93؟ أحمد بن عبد الملك العدوي الكاتب أبو جعفر اللبسي كلأه الله تعالى. هذا الرجل خير، وكوكب نجابة نير، جعل دلوه في الدلاء، وأجرى في الخلاء، ثم في الملاء، فانتظم في الكتاب، ووجد في قطار ذوات الاقتاب، ثم عدل عن العتاب والاعتاب، وقرع باب المتاب، وهو اليوم من معلمي الكتاب، ومن شعره: قسما بمن جعل الفراق عذابا ... وكوى به قلب المشوق فذابا

_ (1) ج ك: الفكر. (2) سقط الشطر من ج.

ما اخترت يوماً أن أفارق صاحباً ... ومتى (....... (1)) وفودي شابا لكن إذا الإنصاف غلق بابه ... دوني فتحت إلى القطيعة بابا (96ب) وقال أيضاً: زمان لم ير الإنصاف رشداً ... يسر نسيئة ويسوء نقدا فما نرجو من السراء أخفى ... وما نخشى من البأساء أبدى وبالأضداد قد أوهي الاشدا ... ولم يشدد بأمن قط عقدا فطوراً عاد فيه الهند ماء ... وطوراً عاد فيه الماء هندا فسل به حساماً أو يراعاً ... ودع دعداً (2) وعاتكة وهندا وقال أيضاً: إن القريض وآله ... إلى البطالة آله يم المعارف يمم ... ودع فديتك آله وهبه يحمد حالاً ... فقد تذم مآله إذا الفقيه بناد ... ألقى عليك سؤاله 94؟ عبد الله بن محمد بن عبد الله بن سعيد بن الخطيب السلماني (3) ولدي: إن مدحته، قلت: زناد اقتدحته، وبارق ألحته، وإن

_ (1) بياض في جميع النسخ. (2) خ بهامش ك: ودع لبي. (3) ترجم له أيضاً في الإحاطة، وانظر النفح 10: 150 ففيه جملة من شعره. وقد كتب عبد الله بالعدوتين لملوك الحضرتين وتولى القيادة والكتابة بالأندلس أيام كان أبوه مدبر الدولة.

أغفلته أجحته، وإن كلفته فوق طوره فضحته، فحسبي أن أقدم منه على تذييل هذا الكتاب بعدي وكيلا (1) ، يوفي منه مكيلا، وينكل الحسدة تنكيلا، ويقيم على فضل نفسه لأبناء جنسه دليلا، مد الله عليه من الوقاية ظلاً ظليلاً (2) ، وأنسأ عمره تأجيلا، وسجل له من رسم السعادة المعادة تسجيلا؛ شعره كان قد حفظ ولفظ ولم يرض من الحظ ما انخفض، ثم انتهض وانتفض، فصدرت منه قصائد يعجب منها لذوي سنه، وتنسب للمة ملكه أو لنزعة جنه، إلا أن السلطان صرفه عن تلك الخطة، ذاهباً به عن الوهاد المنحطة، وعوضه الذابل عن اليراع، واختراق المواكب في القراع، عوض (97آ) الاختراع، وبريق الحسام، من الأدب البسام، فلما دالت اليقظة وزلت القدم، وقع الندم، والحمد لله على أن لم يكن العدم، ولا فقد المطعم والمؤتدم، ولا الخول والخدم، ولا شرك القدم، فمن ذلك قوله في الأغراض السلطانية أيام كتابته عن السلطان ملك المغرب (3) : لمن طلل بالرقمتين محيل ... عفت دمنتيه شمأل وقبول يلوح كباقي (4) غيره البلى ... وجادت عليه السحب وهي همول فيا سعد مهلاً بالركاب لعلنا ... نسائل ربعاً فالمحب سؤول

_ (1) لا نعرف إن كان عبد الله قد قام بهذه المهمة التي وكلها إليه أبوه، أما علي ابن لسان الدين فإنه كان ذا اهتمام بالتذييل والتعليق على كتب والده وله تعليقات على الإحاطة أورد بعضها المقري (النفح 10: 162 وما بعدها) . (2) مد ... ظليلا: سقطت هذه العبارة من د. (3) القصيدة في النفح 10: 153 وقال إنها في مدح السلطان أبي عبد الله محمد بن يوسف بن نصر، كتبها من مدينة فاس. (4) د: خيله.

قف العيس ننظر نظرة تذهب الأسى ... ويشفى لها بين الضلوع غليل وعرج على الوادي المقدس والحمى ... فطاب لديه مربع ومقيل فيا حبذا تلك الديار وحبذا ... حديث بها للعاشقين طويل دعوت لها سقى الحمى بعدما سرى ... وميض وعرف للنسيم عليل وأرسلت دمعي للغمام مساجلا ... فسال على الخدين منه مسيل فأصبح ذاك البرع من بعد محله ... رياضاً بها الغصن المروح يميل لئن حال رسم الدار عما عهدته ... فعهد الهوى في القلب ليس يحول ومما شجاني بعدما سكن الهوى ... بكاء حمامات لهن هديل توسدن فرع البان والنجم مائل ... وقد آن من جيش الظلام رحيل فيا صاحبي دع عنك لومي فإنه ... كلام على سمع المحب ثقيل تقول اصطباراً عن معاهدك الألى ... وهيهات صبري ما إليه سبيل فلله عينا من رآني وللأسى ... غداة استقلت بالخليط حمول (1) يطاول ليل التم (مني) مسهد ... وقد بان عني منزل وخليل فيا ليت شعري هل يعودن ما مضى ... وهل يسمحن الدهر وهو بخيل (97ب) وهل راجع عهد الحمى سقي الحمى ... وظل بعين الدمع (2) منه ظليل وأيام أنس قد نعمنا بقربها ... وقد نام عنا حاسد وعذول

_ (1) هكذا في الإحاطة، وفي جميع النسخ: أطاول ليل التم ".... " مسهدا. (2) عين الدمع: متنزه في ضواحي غرناطة؛ ذكر في الشعر كثيراً، انظر الإحاطة: 1 128 - 129.

حلفت برب الراقصات إلى منى ... لهن إلى البيت العتيق ذميل لجود أمير المؤمنين محمد ... بكل مرام في الزمان كفيل 95؟ الكاتب أبو عبد الله محمد بن يوسف بن زمرك (1) من أهل رياض البيان ومن غرناطة: هذا الرجيل والتصغير على اصله، وان لم يعب السهم صغر نصله، مخلوق من مكيدة وحذر، ومفطور اللسان على هذيان وهذر، خبيث إن شكر، خدع ومكر، ودس في الصفو العكر، وان رمى واقصد، فالله اعلم بما قصد، إلا انه ثان في البخت لبختنصر، عند من اعتبر وتبصر، بينما هو في المطبخ يعمل البرم، ويشعل الضرم، إذا به يفترش السندس، ويفتح بسيفه القدس، فيذبح الجزر السدس، ولا يساوي في الإبقاء (2) السدس، كأن الفلك بأطوار هذه الناشئة تطور، أو الزمان أكل المسح فتهور، فعدي به يرشح أبناءه ويدرج، وعلى الرسم المعتاد يعرج، فوثب على الفور، من النجد إلى الغور، مما يهو تمام الدور (3) وانقضاء الطور، إلى الاستحداد، برئاسة القلم والمداد، وان نفذ القدر

_ (1) ترجم له ابن الخطيب في الإحاطة 2: 221 - 240، وله في النفح 4: 10 وأزهار الرياض 2: 7 - 206 ترجمة ضافية ومختارات من نثره وتوشيحه وشعره، وقد كان من المجلبين على ابن الخطيب فلذلك جاءت ترجمته هنا مختلفة في روحها بعض اختلاف عما قاله في الإحاطة. وانظر نيل الابتهاج: 282 (292 ط. فاس) . (2) ولا؟ السدس: سقطت من د. (3) مما؟ الدور: سقطت من د.

والمكتوب، فأنا المعتوب (1) ، إذا اصطنعته وروجته، ولغيري ما احوجته، فاتبع الطريقة، وغاص بلجتها فاستخرج الدرر الغريقة (2) ، وانفرد بخفة الروح، مع دماثة اليبروح (3) ، فهو اليوم لولا النشأة الشائنة، والذمامة البائنة، صدر العصبة، ونير تلك النصبة، وآدابه مستميلة، ومحاضرته خميلة، وخلقه لولا الخبث (98 آ) والغدر جميلة، ينظم وينثر، وعلى القيود يعثر، واكثر إجادته في القصائد التي تطول، ويلوي بدينها الطبع المطول، وبينه وبين معاصريه مداعبات في غلام له غريب، جعله مرمى غزل ونسيب، وصرف إلى ذكره ذكرى جنيب، تشعشع كئوس الأنيس كلما جليت، وتقلد ليالي الفكاهة بلآليها إذا حليت. وفيه يقول: يا فرجا عللت نفسي به ... والفال محبوب لتعليله حرمت احليلك هذا علي ... نفسي وأفتيت بتحليله وجمجمت الأقوال في هذا الميدان، فجمعت بين الندس والهدان، والقاصي والدان، إلى أن فارق عادة الاحتمال والاعتدال، ورجع إلى الجلاد من الجدال، فلقد عاده الكتاب وقد اشتكى، واضطجع واتكا، والطبيب بين يديه يتخذ له شرابا، والنحل تغطيه أسرابا، وتشوس اقترابا، وقد ألحت منهن واحدة أظنها لغلامه ضرة، فتنزل على وجهه مرة، وعلى آونة الكتابة مرة، فقال بعضهم اجز يا فقيه: يا حسنها إذا أتت مغردة ... على القضيب النجيب من قلمك

_ (1) ج: المتعوب. (2) ج: الرقيقة. (3) اليبروح: اللقاح، ولا ادري ما وجهه هنا.

فقال الآخر: قد نالت اللون من دواتك ... والشهد الشهي المذاق من شيمك وقال الثالث: كأنها في اقترابها فرج ... يهدي إليك الشفاء من ألمك فغضب وقال: اخرجوا يا أبناء الفاعلة جئتم تعودوني وتهجوني وتحرفون مزاجي، والله ان زادتني زيادة لأدمين عليكم. فانصرفوا ضاحكين متملحين. من شعره يخاطبني عند انقطاعه في الصغر لبابي، (98 ب) وتمسكه بأسبابي، قوله من قصيدة أولها (1) : أما وانصداع النور من مطلع الفجر ... لك الله من فذ الجلالة أوحد ... تطاوعه الآمال في النهي والأمر لك القلم الأعلى الذي طال فخره ... على المرهفات البيض والأسل السمر تقلد أجياد الطروس تمائما ... بصنف لآل (2) من نظام ونثر تهيبك القرطاس فاحمر إذا غدا ... يقل بحورا من أناملك العشر كأن رياض الطرس خد مورد ... يطرزه وشى العذار من الحبر فشارة هذا الملك رائقة الحلى ... (3) من ألوية حمر ومن صحف حمر فما روضة غناء عاهدها الحيا ... تحوك بها وشي الربيع يد القطر تغني قيان الطير في جنباتها ... فيرقص غصن البان في حلل خضر تمد لأكواس العرار أناملا ... من السوسن الغض المختم بالتبر

_ (1) أزهار الرياض 2: 164. (2) أزهار: بصنفي. (3) أزهار: بألوية حمر وبالصحف الحمر.

ويحرس خد الورد صارم نهرها ... ويمنع ثغر النور بالذابل النور يفاخر مرآها السماء محاسنا ... فتزري نجوم الزهر منها على الزهر إذا مسحت كف الصبا وجه نورها ... تنفس ثغر الزهر عن عنبر الشحر بأعطر من ريا ثنائك في الشذا ... وأبهر حسنا من شمائلك الغر عجبت له يحكي خلال خميلة ... وتفرق من الأسد في موقف الذعر إذا أضرمت من بأسها الحرب جاحما ... تأجج منه العضب في لجة البحر وان (1) كلح الأبطال في حومة الوغى ... ترقرق ماء البشر في صفحة الغدر لك الحسب الوضاح والسؤدد الذي ... يضيق نطاق الوصف فيه عن الحصر تشرف أفق أنت بدر كماله ... فغرناطة تختال تيها على مصر تكلل تاج الملك منك (2) محاسن ... وفاخرت الأملاك منك بنو نصر (99 آ) وعزمك مضمون السعادة واحد (3) ... وعزك وضاح المكارم والنجر طوى الخيف منشور اللواء مؤيدا ... فعز به الإسلام بالطي والنشر

_ (1) في النسخ: كلم والتصويب عن أزهار الرياض. (2) أزهار الرياض: محاسنا. (3) أزهار الرياض: أوحد.

ومد ظلال العدل إذ قصر العدا ... فيتلى ثناء الملك بالمد والقصر إذا احتفل الإيوان يوم مشورة ... (1) وتضطرب الآراء من كل ذي حجر صدعت بفصل القول غير منازع ... وأطلعت آراء قبسن من الفجر فان تظفر الخيل المغيرة بالضحى ... فعن رأيك الميمون تظفر بالنصر فلا زلت للعلياء تحمي ذمارها ... وتسحب أذيال الفخار على النسر وللعلم فخر الدين والفتك للعدا ... بأوت به يا ابن الخطيب على الفخر يهنيك عيد الفطر من أنت عيده ... ويثني بما أوليت من نعم غر جبرت مهيضا من جناحي ورشته ... وسهلت لي من جانب الزمن الوعر وبوأتني من ذروة العز معتلى ... وشرفتني من حيث أدري ولا أدري وسوغتني الآمال عذبا مسلسلا ... وأسميت من ذكري ورفعت من قدري فدهري عيد بالسرور وبالمنى ... وكل ليالي العمر لي ليلة القدر فأصبحت مغبوطا على خير نعمة ... يقل لأدناها الكثير من الشكر ومما خاطبني به وقد برع، وفرع من هضاب العربي ما فرع، قوله (2) : ذروني فإني بالعلاء خبير ... أسير فان النيرات تسير فكم بت أطوي الليل في طلب العلا ... كأني إلى نجم السماء سمير

_ (1) الحجر: العقل. (2) أزهار الرياض 2: 167.

بعزم إذا ما الليل مد رواقه ... بكر على ظلمائه فتنير أخو كلف بالمجد لا يستفزه ... مهاده إذا جن الظلام وثير إذا ما طوى يوماً على السر كشحه ... فليس له حتى الممات نشور وإني وان كنت الممنع جاره ... لتسبي فؤادي أعين وثغور (99 ب) ومتا تعتريني فترة في مدى العلا ... إلى أن أرى لحظا عليه فتور وفي السرب من نجد تعلقت ظبية ... تصول على ألبابنا ونغير وتمنع ميسور الكلام أخا الهوى ... وتبخل حتى بالخيال يزور أساكن نجد جادها واكف الحيا ... هواكم بقلبي منجد ومغير ويا سكنا بالاجرع الفرد من منى ... وأيسر حظ من رضاك كثير ذكرتك فوق البحر والبعد بيننا ... فمدته من فيض الدموع بحور وأومض خفاق الذؤابة بارق ... فطارت بقلبي أنه وزفير ويهفو فؤادي كلما هبت الصبا ... أما لفؤادي في هواك نصير ووالله ما أدري أذكرك هزني ... أم الكأس ما بين الخيام تدور فمن مبلغ عنا النوى ما يسوءها ... وللبين حكم يعتدي ويجور بانا غدا من (1) بعده سوف نلتقي ... ونمسي ومنا زائر ومزور إلى كم أرى أكني ووجدي مصرح ... وأخفي أسم من أهواه وهو شهير أمنجد آمالي ومنفق كاسدي ... ومصدر جاهي والحديث كثير

_ (1) أزهار: أو بعده.

أأنسى ولا أنسى مجالسك التي ... بها تلتقيني نضرة وسرور نزورك في جنح الظلام ونلتقي ... وبين يديك (1) من حديثك نور على أنني إن غبت عنك فلم تغب (2) ... لطائف لم يحجب لهن سفور فظلك فوقي حيثما كنت وارف ... ومورد آمالي لديك نمير وعذرا فإني إن أطلت (3) فإنما ... قصاراي من بعد البيان قصور وكتب إلي في مثل هذه الأغراض، صدر رسالة: يكلفني مولاي رجع جوابه ... وما لتعاطي المعجزات وما ليا أجيبك للفضل الذي أنت أهله ... واكتب مما قد أفدت الأماليا (100آ) فأنت الذي طوقتني كل منة ... وصيرت أحرار الكلام مواليا فلا زلت للفعل الجميل مواصلا ... ولا زلت للشكر الجزيل مواليا ومن شعره في هذه الأغراض قوله: قيادي قد تملكه الغرام ... ووجدي لا يطاق ولا يرام ودمعي دونه صوب الغوادي ... وشوقي فوق ما يشكي الحمام إذا ما الوجد لم يبرح فؤادي ... على الدنيا وساكنها السلام

_ (1) أزهار: يدينا. (2) ج: أغب. (3) في النسخ: وإنما، وهذه رواية أزهار الرياض.

96 - الكاتب أبو القاسم محمد بن أبي بكر بن محمد ابن احمد بن قطبة الهرميسي: شاعر محصل، وللأغراض متوصل، نفسه ممتد، وساعده بالنظم مشتد، وبالطبع؟ (1) راضي الدهر طيله،وحث الحظ المطي له، رفع علم الشهرة، وسلم منه السبق إلى راكب المهرة، وإجادته مقصورة على المطاولات لإفراط سكونه، واختصاص جانب المدح بركونه. فمن شعره ما كتب به ألي: يا نديما أدرن كاس الهوى ... واسقنيها عللا بعد نهل واعد تذكار (2) سكان اللوى ... إذ سروا فهو حديث لا يمل آه من جسم مقيم بعدهم ... وفؤاد أثرهم قد ارتحل وجفون أن تقس بالبحر ما ... سال منها ظهر البحر وشل في ضمان الشوق قلب مغرم ... سار (3) في الناس هواه كالمثل يا وميض البرق إن جئت الحمى ... واسلت الغيث في رسم الطلل سل أهيل الجزع عن جيرتنا ... وعن المضنى المعنى لا تسل

_ (1) بياض في جميع النسخ. (2) تذكار: سقطت من ج ك. (3) في جميع النسخ: سرى.

(100 ب) ما تخلفت اختيارا بعدهم ... لا ولا عهد هواهم انتقل ثبط الدهر واني في النوى ... مكره بعد أخوك لا بطل ليت شعري والأماني ضلة ... أخو الأشواق يغنى بالأمل هل لجمع الشمل من مرتجع ... أو لأيام النوى من مرتحل حفظ الله عشيات الحمى ... ورعى عهد هواها المقتبل لم يكن غير خيال طارق ... زارني تم انثنى على عجل أين أيام بها قد سلفت ... حشد الأنس إليها فاحتفل إذ عذاري يانع ريحانه ... وقريضي كله فيها غزل وبمغنى اللهو من شرقيه ... قمر مغربه تحت الكلل كم يروم البدر إن يشبهه ... فينال الحسن عمدا بالحيل أودع الشوق ضلوعي عابثا ... ورمى النار بقلبي فاشتعل وأباح ظالما سفك دمي ... ليت شعري إحلال ما ستحل ورماني لحظه فخلته ... قد رمى قلبي رام من ثعل كيف أرجو وضله ودونه ... قضب الهند ومياد الاسل وليوث إن سطوا يوم الوغى ... نسيت (1) صفين أو يوم الجمل يا أمير الحسن (2) ( ... ) الهوى ... قلب مضناك على طوع فذل كيف يرجو الصحو في حبك من ... أسكرته (؟) (3) تلك المقل أيها العاذل رفقا في الهوى ... فتمادي العذل ليس يحتمل لحظ من أهواه سيف فاتك ... في فؤادي؛ سبق السيف العذل كيف أسلو في الهوى عن حبكم ... جار في الحكم علي أو عدل

_ (1) النسخ: نسبت. (2) بياض في جميع النسخ. (3) بياض في جميع النسخ.

لا تعير بالضنى فربما ... (1) صحت الأجسام يوما بالعلل (101 أ) كيف أخشى من ضنى في حبه ... إغريق البحر يخشى من بلل خط قاضي الحسن في رسم الهوى ... فاكتفى عقد هواك واستقل ولكم ليل نعمناه وقد ... سحب الذيل علينا وسدل واتاني زائرا مستخفيا ... يقصر الخطو ألي من وجل فلثمت البدر من تحت الدجى ... وضممت الغصن من تحت الحلل وأدرت الكأس تحكي خده ... (2) نقلنا عند تساقيها القبل وتعانقنا كغصنين هوى ... ذاك قد غض وهذا قد ذبل وشكوت ما ألاقيه له ... فاعترى وجنته مني الخجل وغدا مبتسما يقول لي: ... أنت عبدي في الهوى، قلت: أجل لم أزل أضاجعه حتى سرى ... عجلا جنح الظلام واضمحل وبدا الإصباح يحكي خد من ... فاق كل الناس علما وعمل وهي طويلة غفر الله لي وله. وقال في الغرض الذي نظمت فيه الحلبة من الأبيات اللزوميات الموجهة إلى تلمسان حسبما ثبت في أسمائهم، وطلعت زواهره في سمائهم: ما للمعاهد تصبينا وأصبيها ... وللمدامع تهمي في روابيها (؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟) (3)

_ (1) من قول المتنبي: فربما صحت الأجسام بالعلل (2) في هذا البيت متقدم على الذي قبله في د (3) بياض بقدر سطر في جميع النسخ.

من لي بنفس لجوج كلما جنحت ... يوما إلى الرشد عادت في تصابيها لما دعتها دواعي الحب عن كثب ... (1) أضحت حشاشتها يوما تلبيها ما عذرها والهوى العذري شيمتها ... (2) يطوي جناحيها وجدا ثم يثنيها يا ليت شعري هل تقضي ديون هوى ... ذات الوشاح لديها من محبيها ويا ديار الهوى لازلت مطلعة ... للنور سحب الحيا إياك تخبيها (101ب) كم قد أدرنا بها صهباء طاف به ... بدر حكت خده في اللون تشبيها مدامة عتقت في الدن من زمن ... استخرجت من جوابيها خوابيها في روضة حاكت الأنواء حلتها ... ودبج الزهر وشيا في روابيها كأن زهر رباها كلما جليت ... دراهم وسفير الريح يجبيها كم ذا تموه بالأزهار نفس شج ... ولن ترى غير نور العلم يصبيها بدائع سحبت ذيل الفخار على ... سحبانها وصبا منهن صابيها بمجلس ابن الخطيب أنقاد شاردها ... وذل منها بحكم القهر آبيها أزاهر من مجاني غرسه اقتطفت ... وكل ما راق منها فهو حابيها فالله يبقيه فخرا للخلافة ما ... سرت ركاب وجاب الأرض جابيها وبنصر الملك المولى الذي بندى ... كفيه تفهق بالنعمى جوابيها وهاكها في قصور النظم في خجل ... ومثل علمك لا يحتاج تنبيها من فكرة زارت الأمراض ساحتها ... فغادرت خيلها قد كل كابيها

_ (1) تليها: سقطت من ج. (2) ثم يثنيها: سقطت من د.

97 - الكاتب عبد العزيز بن احمد بن برشيت من أبناء الحضرة الغرناطية: فتى دمت الخلائق، متمسك من الأدب ببعض العلائق، منتسب إلى بيت عفاف، تبلغ بكفاف، لا تنبو العين عن صورته المقبولة، ولا ينكر الإنجاب على قريحته المجبولة، يقوم على الحساب، ويمت إلى بعض المتصوفة بالانتساب، وهو بسبب اقتناء للفضائل واكتساب، ومن شعره ما خاطبني به: أطلت عتب زمان مل من أملي ... وشمته الذم في حل ومرتحل عاتبته ليلين العتب جانبه ... فما تراجع من مطل ومن بخل (102آ) فعدت أمنحه العتبى ليشفق بي ... فقال لي: إن سمعي عنك في شغل فالعتب عندي كالعتبى فلست أرى ... أصغي لمدحك إذ لم أصغ للعذل فقلت للنفس: كفي عن معاتبة ... لا تنقضي وجواب صيغ من جدل من يعتلق في الدنا بابن الخطيب فقد ... سما عن الذل واستولى على الجذل

فقلت من لي بتقريبي لخدمته ... فقد أجاب جوابا من جوابك لي قد اشتغلت عن الدنيا باخرتي ... وكان ما كان في أيامك الأول وقد رعيت وما أهملت من منح ... فكيف يختلط المرعي بالهمل ولست ارجع للدنيا وزخرفيها ... من بعد شيب غدا في الرأس مشتعل الست تبصر إطماري وبعدي عن ... نيل الحظوظ وإعدادي إلى اجل فقال ذلك قول صح محمله ... لكن من شأنه التفصيل للجمل ما أنت طالب أمر تستعين به ... على المظالم في جاه ومقتبل ولا تحل حراما أو تحرم ما ... أحل ربك في قول ولا عمل ولا تبع آجل الدنيا بعاجلها ... كما الولاة تبيع اليم بالوشل وأين عنك الرشا إن كنت تطلبها ... هذا لعمري أمر غير منفعل هل أنت تطلب إلا أن تعود إلى ... كتب المقام الرفيع القدر في الدول فما لأوحد أهل الأرض قاطبة ... وأسمح الناس من حاف ومنتعل لم يلتفت نحو ما تبغيه من وطر ... ولم يسد الذي قد بان من خلل أن لم تقع نظرة منه عليك فلا ... يصفو لديك الذي أملت من أمل فدونك السيد الأعلى، فطالبه ... قل النظير له عندي فلا تسل فقد قصدتك يا أسمى الورى نسبا ... وليس لي من علاك اليوم من وجل فما سواك لما أملت من أمل ... وليس عندك من زيغ ولا ملل (102ب) ودم لها ولدين الله ترفعه ... ما أعقبت بكر الأيام بالأصل وقال من قصيدة طويلة لعل ما نجلبه منها يصلح من حال هذه الأبيات كما ترى: القلب يعشق والمدامع تنطق ... برح الخفاء فكل عضو ينطق أن كنت أكتم ما أجن من الجوى ... فشحوب لوني في الغرام مصدق

وتذللي عند اللقا وتملقي ... أن المحب إذا دنا يتملق فلكم سترت من الوجود محبتي ... والدمع يفضح ما يسر المنطق ولكم أموه بالطول وبالكنى ... وأخوض بحر الكتم وهو الأليق ظهر الحبيب فلست أبصر غيره ... فبكل مرئي أرى يتحقق ما للجود تكثر لمكثر ... أن المكثر بالأباطل يعلق فمتى نظرت فأنت موضع نظرتي ... ومتى نطقت فما بغيرك أنطق يا سائلي عن بعض كنه صبابتي ... كل البيان وكل عنه المفلق فأسلك مقامات الرجال تحققا ... أن المحقق شأوه لا يلحق مزق حجاب الوهم لا تحفل به ... فالوهم يستر ما العقول تحقق وأخلص إذا شئت الوصول فلا تبل ... (1) فالعجز عن طلب الأباطل (....) أن التجلي في التخلي فأقصدن ... ذاك الجناب فبابه لا يغلق ولتقتبس نار الكليم ولا تخف ... والغ الهوى أن كنت منه تفرق ومتى تجلى فيك سر جماله ... وصعقت خوفا فالمكلم يصعق دع رتبة التكليف عنك ولا تفه ... تلف الذي قيدت وهو المطلق وأقطع حبال علائق وعوائق ... أن العوائق بالمكاره تطرق جرد حسام النفس عن جفن الهوى ... أن العوائد بالتجرد تخرق (103آ) فإذا فهمت السر منك فلا تبح ... فالسيف من بث الحقائق أصدق بالذوق لا بالعلم يدرك سرنا ... سر بمكنون الكتاب مصدق

_ (1) بياض في جميع النسخ.

98 - الكابت أبو محمد بن أبي القاسم محمد بن قطبة الدوسي (1) : الصبي الشاعر، أتى الشعر صبيا، وأستمطر منه حبيا، وفي كعبته رجبيا (2) ، وأن أصبح من كل ما سواه أجنبيا، كأنما ارتضعه من ثدي الخنساء، والأخيلة ذات الكساء، وأمثالها من شعراء النساء، أو تحساه في الحسا، مع الإصباح والامسا، فروي من سجله، وأنتظم في سلك الكتاب من أجله، وشفعت في تقصير أبيه إجادة نجله، وتميز بالهجاء، والسلاح في الأرجاء، وفي ذلك يقول بعض الالباء من الأدباء: وقالوا توق الجرو وأحذره إنه ... يضر وما قتله لك من حوب فقلت لهم: أنيابه بعد عضه ... إذا عض تبقى للحداثة في الثوب " وقد عضد ... ناجل (3) جروه " ... فعاملت في رفقي به قابل التوب فمن شعره: لأمر ما تحملت الحمول ... وقلبك في الضلوع له حلول أخفت العاذلين فحلت عما ... عهدت، وعهد مثلك لا يحول أم اخترت التصبر عن حبيب ... جميل بان أنت به جميل أما وأبي لقد رحلت قلوب ... غداة رحيلهم ونأت عقول

_ (1) عد ابن الخطيب عددا من أفراد هذه العائلة في الإحاطة وليس فيهم من كنيته أبو محمد (أنظر الإحاطة 2: 182 - 186) . (2) هامش ك: وفي كنيته أرحبيا. (3) بياض في ج، كتب بهامش د ك ولكنه ذهب سائره.

وقفت بربعهم ابكي اشتياقا ... وصبري مثل نسمته عليل أسائل عنهم طللا محيلا ... كلانا بعدهم طلل محيل كأن الصبر فاض على جفوني ... فكان بربعهم دمعا يسيل عهدتك ربع أفراح ولهو ... تبشر بالقبول بك القبول (103ب) تلوح لنا القباب بها شموسا ... وليس لها إذا أمسى أفول ويبدو البدر فيها ليس يخفي ... محاسنها صباح أو أصيل تخاف ظباءها الأسد الضواري ... وتخشى بطشها الصيد القيول تحل بها اللواحظ والمواضي ... وتختلس المواعد والعقول فكم صب له سر مصون ... لأدمعه وسلوته مذيل وكم من عاشق عاصته فيها ... شمول، ذكر من يهوى الشمول يكابد وجده ليلا طويلا ... إلى من ليل وفرته طويل ويقنع أن يقال له سقيم ... لكي يحكيه محزمه الضئيل كأن غرامه وقف عليه ... فليس إلى السلو له سبيل وتجرح وجنتيه شهود دمع ... عدول للكرى عنها عدول وكم من شادن أحوى غرير ... يغر الناس منظره الجميل إذا ما تنسمه (1) مشوقا ... يضل سلوه طرف كحيل ومهما ضل كفرانا محب ... هداه من لواحظه رسول جواد حين تسأله نوالا ... ولكن بالوصال لنا بخيل قنعت وأن نقعت به غليلا ... كذاك الحر يقنعه القليل كأن وصاله العيوق عزا ... فليس له لمن يهوى وصول سقاه شبابه كأسا دهاقا ... لذلك عطفه طربا يميل

_ (1) كذا هو في جميع النسخ.

كسيت بهجره ذلا ولكن ... عزيز في محبته ذليل خليلي والتصبر عنه عار ... ولا صبر إذا ينادي الخليل رعاك الله كم سفهت رأيي ... وليس لنجم آمالي أفول وأن مطل الزمان لنا بوعد ... فان ابن الخطيب له كفيل (104آ) 99 - الكاتب أبو القاسم محمد بن محمد بن محمد ابن أبي عاصم، وقد مر ذكر أبيه (1) : فاضل السمة، عاصب في فريضته المنقسمة، بلغ في القسمة إلى اقصر حده، وورث الجلالة عن أبيه وجده؛ وزها منه فصل الحياء بوردة خده، تبث فيما يكتب، معتب لما يعتب، وأما الأدب فهو شارع في غديره، وماد يده إلى كأس مديره، ولم أقف على شعره إلا على مثل من منظومه في اللزومية التي تقدم فيها الكلام، وكلف بالمراكضة في ميدانها الأعلام، وهي: أمن تذكر عهد من تلاقيها ... أضحت جفونك لا ترقى مآقيها لم يترك الحب من نفسي سوى رمق ... والبين يجهد في أتلاف باقيها ما للنوى ولشملي لا تفارقه ... مهما تباعد عنها فهو لاقيها ما ضر من سقيت نفسي عليه هوى ... لو صار ساعدها من كان يشقيها

_ (1) أنظر ترجمة أبيه رقم: 67.

لله أيام أنس قد نعمت بها ... والسعد من أعين الحساد واقيها في روضة جمعت شمل السرور وقد ... حفت حوالي سواقيها سواقيها غدت عليها قيان الورق منشدة ... وبات نجم الثريا وهو يسقيها ألقت عليها الصبا من سحرها سحرا ... فهمت الطير بالألحان ترقيها ولا كروضة نظم قد فتنت به ... يظل نشوان منها من يلاقيها أنشدتها فانثنى طرفي لها طربا ... فهل سقاني منها الراح يسقيها لآلئ تتمنى كل غانية ... لو أنها نظمتها في تراقيها من فارسين بميدان البلاغة إذ ... فرسانها قد تولت عن تلاقيها ترقيا في بديع القول منزلة ... يكل قس أياد عن ترقيها (104ب) تجاوزت شأو أهل النظم قاطبة ... فكيف تطمع نفسي في لحاقيها هذا وما رتبة في القول قد بهرت ... بني البلاغة إلا كنت راقيها وكنت أزداد من هذي البدائع لو ... ألفيت قافية في النظم ألقيها أنوار علم وآداب قد اقتبست ... من حضرة ابن الخطيب الله يبقيها 100؟ الكاتب أبو القاسم بن أبي العلاء محمد ين محمد بن سماك من كتاب الدولة (1) ، تولاه الله تعالى: فاضل نجيب، ولدواعي المجادة والإجادة مجيب، ونواره مرعى خصيب، وفائز من سهام الإدراك بنصيب، خصاله بارعة، ونصاله شارعة،

_ (1) أنظر الترجمة رقم:59.

وشمائله إلى نداء الفضل مسارعة، على حداثة يندر معها الكمال، وتستظرف الأعمال، فأن انفسح مداه، بلغت السماك يداه. ومن شعره، وقد كلف الكتاب بلزوم، وشد جبر حيزوم، حسبما تكر في أسماء نظرائه، ما يغني عن إطرائه: دعها تحن إلى السقيا ظواميها ... أن السرى عن جمام ( ... (1)) يحميها محلآت وورد الماء من كثب ... وواردات وبرح الشوق يظميها وممحلات ولو تهدى مراشدها ... لاستمطرت من سحاب الدمع هاميها هلا حسبن دموعي من مواردها ... فكن يحسبن من آمال ظاميها هن القسي ضمورا بين أرحلها ... مثل السهام وأيدي العزم ترميها قد شاقها بعد خمس وهي خالصة ... ري ومرعى تناءى عن مراميها فاستتبعت كنجوم الرمي مرسلة ... يقفو عراقيها آثار شاميها يبدو ويخفي لرؤيا العين ماثلها ... والدهر يخفضها والوجد بسميها سفائن في بحار الآل خائفة ... تكاد تغرقها منها طواميها (105آ) دام المسير بها يدمي مناسمها ... فأقتص فوق الثرى آثار داميها كأن (2) آثارها في كل مجهلة ... كئوس راح تمليها دواميها رحمى لأهل الهوى كانت قلوبهم ... تصح لولا سهام البين تصميها هذا أوان حلال السحر في كلم ... هن الدراري (3) وباسم الدر نسميها أنوار علم يفوت الفكر مدركها ... إن أبصرتها عيون الشهب ترميها من علية في سماء المجد طالعة ... من للكواكب علوا أن تساميها

_ (1) بياض في النسخ. (2) ك: آثرها. (3) ك: درارى.

تظل أندلس تزري بمنشأها ... (1) على العراق وناشيها وناميها قد كنت أوسعها حمدا وأشكرها ... وإنما العجز قد أعيا مراميها لكن إذا نسبت لابن الخطيب فقد ... كفاني الفخر منها أن أسميها له الحقيقة منها وهو مظهرها ... وإنما لهم منها أساميها يا أوحدا قد سما في الفخر مرقبة ... فالشهب ينحط عنه قدر ساميها أبناء حام وسام أنت سيدها ... يوم الفخار وساميها وحاميها حطت الذمار ذمار المسلمين فما ... تنفك طوع مراضي الله تحميها وقل ما ضل يوم الروع أسرتها ... إلا وهديك هدي الله ينهيها لازلت ذا صولة مهما رميت بها ... مرام روح فان الله راميها 101؟ الكاتب أبو العباس بن السيد الشريف القاضي أبي القاسم محمد بن أحمد الحسني كلأه الله: بارق ينتمي إلى راعدة، وبناء على قاعدة، لا تختلف منه المخيلة ولا تغر، ولا ينكر على الصدف الدر، فأبوه الطود الأشم، والروض الذي له المجتلى والمشم، ولما هلك، وأشجى الفلك، رسمت هذا الفتى في الكتبة، سني المرتبة، ثم استعملته في القضاء، خالعاً عليه ملابس (105ب) الارتضاء،

_ (1) الناشي والنامي من شعراء اليتيمة.

فبدت عليه للنجابة مخيلة ترقي وتزلف، وترجى إنها لا تخلف، ومن شعره في هذا الغرض الذي تجارى فيه أصحابه، وما سحت على عدم استحكام فضله سحابه، قوله: أهدت إليك وقد غابت لواحيها ... أسرار حب برجع الطرف توحيها حوراء أصبت بسحر اللحظ سالمها ... وأسكرت من رحيق الريق صاحبها محاسن جليت من ثغرها درراً ... كروضة أينعت فيها أقاحيها تبسمت فجلا الظلماء مبسمها ... كما تألق برق في نواحيها لو أشرقت في سماء الحبر مذهبة ... تغشى نواظر راويها وواحيها أبدت فنوناً من الآداب رائقة ... تفنن السحر في شتى مناحيها لاحت من السحر في حرز فعوذها ... من نقد حاسدها أو لوم لاحيها يا ابن الخطيب أفدنا كل مأثرةٍ ... ليس الليالي وإن طالت مواحيها أبقى الإله على الدنيا مثابته ... فهي التي زان منها الأرض داحيها قد كنت أوسعها شكراً فقصر بي ... (1) لزومي الحاء عن إدراك مدحيها لو كنت أعلم إن الحاء تخذلني ... لكنت من قبل لقياها أنحيها 102؟ الكاتب أبو القاسم محمد إبراهيم بن محمد بن حميد التجيبي، تولاه الله تعالى: طوير سانح، إلى دوحة البر جانح، والله خير مانح، عدل عن سنن

_ (1) لاحظ إن من قبله التزموا الميم في حركة الروي أما هو فالتزم الحاء.

أبيه من العمل، والصحو والثمل، ومطاردة الأمل، إلى اقتعاد كرسي تدريس، وإحياء رسم للأدب دريس، وكتب في الجملة فما قصر، فيما أسهب واختصر، فمن شعره في غرض المدح: جاد الغمام بصوبه الهتان ... يحكي أنسكاب الدمع من أجفاني وحكت بروق أبرقت بخلال ... نار الصبابة والهوى بجنابي وسرت على البطحاء أنفاس الصبا ... فسرى الجوى بجوانح الهيمان (106آ) مه يا نسيم فقد أذبت حشاشتي ... وفصمت عن قلبي عرى السلوان وأرقت من جفني وهجت بأضلعي ... ما شئت من ماء ومن نيران يا صاح إن جئت الخيام بيثرب ... وثويت من ذاك الحمى بمكان وسريت في تلك الاجارع والربى ... وجررت في واديه فضل عنان فانشر لواء محبتي بفنائه ... وافضض هناك خواتم الكتمان واشرح قضيات الهوى وأقم على ... صدق المحبة واضح البرهان وافتق بأربعه تحية مسكة ... عن ذي اغتراب نازح الأوطان والثم بطيبة قبر من حبست له ... شمس النهار وخص بالفرقان وجرت بأنمله حياة فارتوت ... منها عساكر جيشه الظمآن والجذع حن له وسبحت الحصى ... (1) في كفه العظمى بغير لسان والضب كلمه كلاماً بيناً ... والبدر شق ولاح رأي عيان لله منه نبي صدق مرسل ... أبداً دليل الحق والإيمان رفعت منار الرشد آية هديه ... ومحت رسوم الغي والبهتان ذاك النبي محمد ذاك الذي ... تعنو الوجه لجاهه الرباني ذاك الذي نرجو شفاعته غداً ... ونفوز منه بجنة الرضوان

_ (1) سقط البيت من د.

من أجله حق السجود لآدم ... وبفضله يستشفع الثقلان أكرم بمولده وليلته التي ... ظفر الهدى منها بنيل أمان طلعت بها شمس النبوة فانجلى ... عنا ظلام الشرك والعدوان أحيا أمير المسلمين محمد ... آثارها بسوابغ الإحسان وأقام فيها للعباد مواسماً ... يجنى بها أبداً رضى الرحمن وجرى بميدان السماح من الصبا ... فغدا مجلي ذلك الميدان والوبل جاد فكاد يحكي جوده ... لو كان جود الوبل كل زمان (106ب) سله تنل ما شئت إن يممته ... والبحر في بذل الندى سيان هو للعدا كأس الردى ولذي الهدى ... بدر بدا ما عيب بالنقصان يهمي بسحب كتائب، يسعى صوارم، يرمي بنجم سنان ... فاح الندى بمديحه فكأنه ... متنفس عن نفحة البستان في حسن طلعته وفصل خطابه ... مستمتع الأبصار والآذان وإليك من روض الكلام حديقة ... فتفت مائمها بغر معان جاءت تريك الدر في الأسلاك أو ... تهديك نواراً على أفنان فاصعد وسد واسعد وجد وأهنأ ودم ... وانعم بملك ثابت الأركان لا زلت ترقى في مراقي ما ... عطف النسيم معاطف الأغصان

103 -؟ الكاتب أحمد بن سليمان بن أحمد بن فركون (1) ، خديمي في النسخ من يد الكتبة وربيبي: جرو محقور، وفي جلدة كلب عقور، ولسان ناقور، سمع المجد عنه موقور، وشرارة قدحتها شرور، أخرق نشأ من صلف، ورمى من الوضاعة والدناءة بكلف، فلو تعلق بسبب من أبي دلف، لسعى عليه في تلف، ولو شهده مجمع الثريا لم يعد إلى مؤتلف، وفرد لا ينطبق وصف اللؤم إلا عليه، وسفيه يقال عند ذكره كفاك الله شر من أحسنت إليه، رضع الغدر في مجثم أمه، وصافن أباه المرور في قارورة سمه، فلن تنفع المداراة في افعوانه، ولا تمنع المصانعة من عدوانه، جليد على شره، وسيئة مختومة على مره، أهداه إليّ أبوه سليمان معدن الحمق الذي أعيا الراقي، وسحر المركب العراقي، جرواً مسدود العينين، منسوباً إلى جنين هجينين، يغط في السيرة، ويحار في طلب الثدي الكلبي أعظم الحيرة، فأنفت من إضاعته، واحتلت لرضاعته، ثم انتخبت له المرس، وعلقت في عنقه الجرس، ثم جللته بالحرير، ومهدت له بجنب السرير،

_ (1) يكنى أبا جعفر؛ قال فيه ابن الخطيب في الإحاطة 1: 228 (1: 99) شعلة من شعل الذكاء والإدراك ومجموع خلال حميدة، على الحداثة، طالب نبيل مدرك نجيب بذ أقرانه كفاية وسما إلى المراتب ... الخ، لكن الحال تغيرت، وهاهو لسان الدين يقذع في ذمه، بل كتب بخطه على طرة اسمه في الإحاطة: " يسقط هذا الساقط من الديوان " (انظر النفح 10: 148) ولم يعرف المقري لم فعل لسان الدين ذلك، وهذا يرجح أنه لم يطلع على الكتيبة الكامنة.

ثم علمته قص أثر الحجيلة، مخضوب البنان والرجيلة، ثم أغريته بالذب (107آ) عن المنديل، ثم دربته على إمساك القنديل، ثم أغريته على القطوط، ثم أرسلته على القنائص السارية على الشطوط، وبعد ذلك رقيته من طور المسخ، إلى الاستعمال في مهنة النسخ، ثم نقلته محتمل العتاب، إلى بيت الكتاب، فأصبح جروه ممرحاً بالمصيد، باسطاً ذراعيه من كهفهم بالوصيد، مجارياً في نظم المقطوعة وإنشاد القصيد؛ فلما ظهر أيده، واستقام صيده، انصرف إليّ كيده، فلم الق شراً من لهثته المجلبة، وعضته الكلبة، فأنكر المعروف، ونسي الظرف والمظروف، وأوسع البينات هدماً، ووجوه الجاه لدماً، وعض عرقوبي فأدمى، وأفرط في الشعار، وخلق السعار، ولم يدع وجهاً من وجوه العار، والأطواق تحجه، والأحداق تثجه، والكفران يصحمه، والنعم تخصمه، والله تعالى لا يعصمه. فتركها مثلاً في الإجراء، ومزهداً للمكلبين في اصطناع الجراء، وهرول بعد ما لهث ونقر، وعض وعقر، والفضلاء تصيح خلف مهربه، والكلاب تفر من طلبه، وعدوى جربه، وعدل الله تعالى كفيل باتباعه، وقص باعه، ومجازاة ختله، وإهداء كبده إليّ من بعد قتله، ليجعل منها على العضة الدامية، ويشوى باقيها على النار الحامية، وعلى ذلك فخطه الذي نفق من كساده، واغتفر لصلاحه كل قبيح من فساده، مسرح الطرف، ومعدن الظرف، وأدبه يطريه سوق الصرف؛ فمما خاطبني به يشكو والده وقد سرق له بعض ما أحسنت به له قوله: مولاي إن سليمان تعمدني ... بالليل فاسترق الموهوب من نعمك فلو غدا غيره والله سارقه ... لكنت أسعى له في المر من نقمك لكن حسبي أن بلغت فعلته ... للحاكم العدل يا مولاي من كرمك

(107ب) وكتب ألي جواباً عن إحسان وصله: " قسما بإحسان مولاي الذي أوجد وأكسب، وآمالي أحسب، لقد غمر رفدكم اللسان الذي يشكر، فبأي جارحة اصف المواهب وأذكر، التفقد لا يغب، والقبول نسماته تهب، تبارك الرب؛ والعبد لم يعمل في الخروج من الكر ألفاته، حتى أستدرك من خدمة النسخ ما فاته: أمولاي عذرا عن مغيبتي فلم أكن ... لأغفل عن طرس لديك أجيده يراعي في الكراس طورا ركوعه ... وطورا بمحراب الدواة سجوده ولكن طرفي لم يغب عنك لحظه ... يفارقني طوع اشتياقي هجوده وهل أنا إلا غرس انعمك التي ... غيوث الهدايا كل يوم تجوده فبريها فيه شفاء ورحمة ... وبحريها مما يعز وجوده فماذا عسى أنهيه من شكر منعم ... يؤلف بين الضب والنون جوده الحمد لله يوجد في الأصول المكتوب منها بطرتها ما نصه: " إلى هنا توجد هذه الكتيبة، ولعل مؤلفها اخترته المنية قبل تمامها، والله تعالى اعلم ".

تعليق كتب إلي الأخ الكريم الأستاذ فؤاد السيد أمين المخطوطات بدار الكتب المصرية يصف نسخة الكتيبة الكامنة المحفوظة بالدار تحت رقم 12395ز. ويستفاد مما ذكره أنها تحتوي على عبارة الختام نفسها، وهي العبارة التي ترجح أن مؤلف الكتيبة ربما اخترمته المنية قبل تمامها، وأنها صورة عن نسخة حديثة تم نسخها يوم الأحد العشرين من شعبان سنة1338، نقلت عن نسخة أخرى تاريخها التاسع والعشرون من رمضان سنة 1276 وأنها في 208 صفحات. وفيها فهرست يشغل الصفحات 209 - 213؛ وقد دلتني هذه الحقائق على أنها مشبهة للنسخ التي اعتمدتها في مجملها، وأن آخر ترجمة فيها هي ترجمة أحمد بن سليمان بن فركون، وعلى هذا لم تستطع هذه النسخة الجديدة أن تمكنني من الإجابة على السؤال الذي أثرته حول كمال الكتيبة أو نقصانها. هذا ولا يفوتني أن أشكر أخي الأستاذ فؤاد السيد، فما يزال علمه مستمدا أغترف منه، وما يزال فضله على المكتبة الأندلسية شاهدا على صدق إخلاصه في خدمة التراث العربي، حفظه الله ورعاه.

§1/1