القول المعروف في فضل المعروف

مرعي الكرمي

جميع الحقوق محفوظة الطبعة الأولى 1421 هـ - 2000 م دار البشائر الإسلامية للطباعة والنشر والتوزيع هاتف: 702857 - فاكس: 704963 - 009611 بيروت - لبنان ص ب: 5955/ 14 e-mail: [email protected]

مقدمة المعتني

بسم الله الرحمن الرحيم في رحاب المسجد الحرام، وفي أجواء العشر الأواخر من الشهر الكريم، شهر رمضان المبارك، في تلك الأجواء الإِيمانية البديعة، تجتمع نخبة من أهل الفضل والعلم (¬1)، تتباحث في مسائل العلم وأحوال التراث الإِسلامي الذي لا يزال مغمورًا في بحار النسيان، وكل منهم يدلي بدلوه في هذا المضمار، فينقِّب عن تلك الكنوز، ويبحث في أعماق الفهارس عن درر تلك المصنفات التي تشبه بالدرر في باطن الأصداف. وهذا من العمل المبرور والسعي المشكور، جزا الله من يقوم عليه خير الجزاء. وقد أسعدني الحظّ بتعرُّفي على هؤلاء الإِخوة والشيوخ الكرام أهل العلم والفضل، فرحَّبوا بي أيَّما ترحيب، وحدثتهم عن هذه الرسالة وعن ¬

_ (¬1) وهم: الشيخ الفاضل نظام محمد صالح يعقوبي من علماء البحرين؛ والبحاثة الأخ العزيز الشيخ محمد بن ناصر العجمي، الكويتي، صاحب المصنفات الممتعة؛ والأستاذ الفاضل رمزي سعد الدين دمشقية، صاحب "دار البشائر الإِسلامية"، الذي ما فتئ ينشر العلم ويخرج الكتب النافعة في أبهى الحلل؛ وأستاذي العزيز، صاحب الأفضال الكثيرة علي، الشيخ أبو أحمد مجد بن أحمد مكي الحلبي، الذي يعتبر منزله في جدة نافذة للاتِّصال والاجتماع بأهل العلم والفضل من أنحاء العالم الإِسلامي، وهو الواسطة في تعرُّفي بمن ذكرت، فله مني أجلّ تقدير واحترام.

النسخة التي لدي، وكانوا قد عزموا على نشرها اعتمادًا على النسخة المصرية، وكلَّفوا بذلك العمل بعضَ الإِخوة، ولكوني قد قمت بالعمل في هذا الكتاب وخرَّجت أحاديثه، فحرصًا منهم على حفظ الجهود وعدم تكرر العمل: أوعزوا إليَّ بإتمام عملي فيه .. فقمتُ بذلك وأتممته على الوجه الذي يراه القارئ الكريم، فأرجو أن أكون قد وفقت في عملي هذا، وأرجو أن يكون عملي خالصًا لوجه الله الكريم. ولهذه النخبة مني كل شكر وتقدير على ترحيبي بينهم، أعاننا الله وإياهم، ووفَّقنا لخدمة ديننا الحنيف، وخدمة تراثنا الإِسلامي وعلوم أسلافنا الصالحين، آمين اللَّهُمَّ آمين. محمد أبو بكر باذيب جُدة، غرة شوال 1420 هـ

تمهيد من معاني المعروف ومدلولاته

تمهيد من معاني المعروف ومدلولاته قال ابن منظور (¬1): (والمعروف: ضد المنكر، والعُرف والمعروف: الجود، وقيل: اسم ما تبذله وتسديه، وقوله تعالى: {وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا} [لقمان: 15]، أي: مصاحبًا معروفًا، قال الزجاج: المعروف هنا: ما يستحسن من الأفعال. وقد تكرر ذكر المعروف في الحديث، وهو اسم جامع لكل ما عرف من طاعة الله والتقرُّب إليه والإِحسان إلى الناس، وكل ما ندب إليه الشرع ونهى عنه من المحسّنات والمقبّحات، وهو من الصفات الغالبة، أي: أمر معروف بين الناس، إذا رأوه لا ينكرونه ...) (¬2). وقال ابن العربي (¬3): (حقيقة المعروف: المعلوم، لكنه أطلق في العربية على خير منفعة يستحمدها جميع الناس مما يجب على المرء فعله أو يستحب، ومعنى تسميته بذلك: أنه أمر لا يجهل، ومعنًى لا يختلف فيه كل أحد). انتهى (¬4). ¬

_ (¬1) ابن منظور محمد بن مكرم الإِفريقي المصري (630 - 711) صاحب لسان العرب، ترجم له ابن حجر في الدرر الكامنة. (¬2) انظر مادة (عرف) من اللسان. (¬3) القاضي أبو بكر بن العربي المالكي: محمد بن عبد الله المعافري (468 - 543)، صاحب "أحكام القرآن". الأعلام 6/ 230. (¬4) فيض القدير 2/ 441 حديث (2245).

وللقصري (¬1) -رحمه الله- معنى لطيف وتعبير رائق عن المعروف، كتبه بقلم الحكيم العارف، فقال رحمه الله تعالى: (المنكر والمعروف ضدان، كالليل والنهار، إذا ظهر هذا غاب هذا، وفي ذلك حكمة عظيمة لمن تفطن لها، فإن المعروف مأخوذ من (العُرف) الذي هو: العادة التي عرفها الناس، والمنكر: هو الذي أنكرته العقول والقلوب عند رؤيته، فالمنكر لا أصل له فإنه مجهول ومنكور في أصل الخلقة. فإن المعروف الحقَّ الذي لم يزل ولا يزال: هو اللهُ. ومخلوقاتُه في الملك والملكوت والعرش والجبروت لم تعرفْ إلَّا إيَّاه ربًّا، ولم تعرفْ طاعةً إلَّا طاعته، فكان التعبد له والقيام بحقه هو المعروف فقط. فلما خُلق آدم - عليه السلام - وخلق إبليس وذريتهما وحدثت المعاصي عند الثقلين، صار العصيان منكرًا، أي: أنكره العقل؛ لأنه لم يألفه ولم يعهده، وليس له أصل في العرف المتقدِّم. ولهذا .. إذا كان المنكر مخفيًّا غير ظاهر لا يضر غير صاحبه الذي ظهر على قلبه وجوارحه فقط؛ لأنه شبيه بأصله لم يعرفه أحد، فإذا ظهر وفشى: وجب تغييره وردّه إلى أصله بإنكار النفس واللسان واليد، حتى لا يبقى إلَّا المعروف الذي لم يزل معروفًا قديمًا وحديثًا). انتهى (¬2). هذا نزر من معاني المعروف ومدلولات هذه الكلمة الحاوية لأصناف وأنواع البر والخير والإِحسان، ومن أراد التوسع فعليه بمعاجم اللغة وقواميسها يجد فيها الكثير والكثير. * * * ¬

_ (¬1) القصري: فتح بن موسى الجزيري المصري، توفي سنة 663، الأعلام. (¬2) فيض القدير 2/ 441، شرح الحديث رقم (2245).

ترجمة المصنف: الشيخ مرعي الكرمي

ترجمة المصنف (¬1): الشيخ مرعي الكرمي (000 - 1033 هـ = 000 - 1624 م) مرعي بن يوسف بن أبي بكر بن أحمد بن أبي بكر بن يوسف الكرمي ثم المقدسي ثم المصري الحنبلي. قال المحبِّي: كان فقيهًا محدِّثًا ذا اطِّلاع واسع على نقول الفقه ودقائقه، ومعرفة تامَّة بالعلوم النقلية والعقلية، وجميع العلوم المتداولة له فيها اليد الطولى. والكرمي: نسبة لطور كرم (¬2) قرية بقرب نابلس، ولد بها، ولم يذكر كل من ترجم له سنة مولده. ¬

_ (¬1) اعتمدت فيما نقلته على: السحب الوابلة لابن حميد النجدي ط: مكتبة الإِمام أحمد 1409 هـ: 263 - 267، والأعلام للزركلي 7/ 203، ومقدمة كتاب إرشاد ذوي العرفان للمصنف، لبسام الجابي، ونقل فيها الترجمة التي وضعها الشيخ شعيب الأرنؤوط للمصنف ونشرف في مجلة البصائر (العدد الخامس) وفيها تفصيل ذكر مؤلفاته ما طبع وما هو مخطوط منها مع ذكر أماكن وجودها. (¬2) وهي المعروفة اليوم بـ (طول كرم)، باللام، تقع شمال غريب نابلس، بينها وبين البحر سهول خصبة، كانت تسمَّى في عهد صلاح الدين الأيوبي "الطراز الأخضر". بسام الجابي، مقدمة إرشاد ذوي العرفان.

مذهبه

مذهبه: كان رحمه الله يقلد في الفروع مذهب إمام أهل السنَّة أحمد بن حنبل، لا يكاد يخرج عنه قِيد شعرة، وكان محققًا للمسائل، عارفًا بالمذهب، عاشقًا له، وفي ذلك يقول: لئن قلد الناس الأئمة إنني ... لفي مذهب الحبر ابن حنبل راغب أقلد فتواه وأعشق قوله ... وللناس فيما يعشقون مذاهب قال في "النعت الأكمل": وكان الشيخ في الاعتقاد على مذهب السلف الصالح رضوان الله عليهم من التسليم المطلق للنصوص، وعدم تأويلها وصرفها عن ظاهرها كما يظهر جليًّا في كتابه: "أقاويل الثقات". شيوخه ومنصبه: أخذ عن عدد من الشيوخ ببيت المقدس، منهم: 1 - الشيخ محمد المرداوي. 2 - والقاضي يحيى الحجاوي. ودخل مصر واستوطنها وأخذ بها عن: 1 - الشيخ محمد حجازي الواعظ (957 - 1035). 2 - والشيخ المحقق محمد الغنيمي. وعن كثير من الشيوخ المصريين، وكلهم أجازوه، وتصدَّر للإِقراء والتدريس بجامع الأزهر، ثم تولَّى المشيخة بجامع السلطان حسن. مؤلفاته: قال في السُّحُب: كان منهمكًا على تحصيل العلوم انهماكًا كليًّا،

فقطع زمانه بالإِفتاء والتدريس والتحقيق والتصنيف، فسارت بتآليفه الركبان، ومع كثرة أعدائه وأضداده ما أمكن أحدًا أن يطعن فيها ولا أن ينظر بعين الازدراء إليها. وعدد في السُّحُب نحو سبعين كتابًا من تآليفه، وميَّز الأستاذ شعيب الأرنؤوط في ترجمته للمصنف ما طبع منها مما لا يزال مخطوطًا، وما له وجود مما لم يوجد في المكتبات العالمية. (أ) فممَّا طبع منها: 1 - غاية المنتهى، في الفقه، متن جمع فيه من المسائل أقصاها وأدناها، مشى فيه على سنن المجتهدين في التصحيح والاختيار والترجيح. طبع في دمشق 1959 م، في ثلاثة أجزاء، صادرًا عن دار السلام. 2 - دليل الطالب، في الفقه، اختصره من "منتهى الإِرادات" لابن النجار الحنبلي، نشره المكتب الإِسلامي سنة 1961 م بتعليقات الشيخ محمد بن مانع. 3 - أقاويل الثقات في تأويل الأسماء والصفات المتشابهات، نشرته مؤسسة الرسالة بتحقيق الأستاذ شعيب الأرنؤوط (¬1). 4 - الشهادة الزكية في ثناء الأئمة على ابن تيمية، نشرته دار الرسالة بتحقيق نجم عبد الرحمن خلف. ¬

_ (¬1) علمت من بعض الإِخوة أن بعض الباحثين قام بتحقيق هذا الكتاب وقدمه كرسالة علمية في الجامعة الإِسلامية بالمدينة المنورة، وأن فيه ترجمة موسعة للمصنف، ولم أقف عليه بعد.

5 - إرشاد ذوي العرفان لما للعمر من الزيادة والنقصان. طبع مرة بتحقيق مشهور سلمان، وأخرى بتحقيق بسام الجابي، وصدر عن دار ابن حزم 1414 هـ. 6 - الفوائد الموضوعة في الأحاديث الموضوعة، تحقيق محمد الصباغ، ط: المكتب الإِسلامي 1977 م. وقد طبع له مؤلفات أخرى، لا أطيل بذكرها. (ب) ومما لا يزال مخطوطًا: 1 - تحقيق البرهان في إثبات حقيقة الميزان، منه نسخة في باريس 1026، وفي (باتنة) 2/ 428. 2 - تشويق الأنام إلى حج بيت الله الحرام، منه نسخة في لا يبزغ (ألمانيا الشرقية) 277. 3 - إحكام الأساس في قوله تعالى: {إنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ} [آل عمران: 96]. منه نسخة في دار الكتب المصرية، فهرست الخديوية 3/ 270. 4 - رسالة فيما وقع في كلام الصوفيين من ألفاظ موهمة للتكفير، منه بدار الكتب المصرية، فهرست الخديوية 7/ 546. 5 - قلائد العقيان في فضائل سلاطين آل عثمان. فرغ منه سنة 1031، منه نسخة في (فيينا) 979 و 980، وفي باريس 1624 و 4926، وبالهند والرباط والموصل. هذا، وفي ترجمة المصنف في مجلة البصائر (العدد الخامس)

وفاته

تفصيل لا بأس به لمصنفاته المطبوعة والمخطوطة ومواضع وجودها في المكتبات، فليرجع إليها من أراد التوسع. وفاته: توفي رحمه الله بمصر، في ربيع الأول سنة ثلاث وثلاثين وألف (1033 هـ) من الهجرة النبوية، على صاحبها أفضل صلاة وأزكى تسليم وتحية. قال فيه صاحب النعت الأكمل: سقى الله تربًا ضمَّه وابل الحيا ... بجنات عدن آمنًا من مخاوف ولا زال رضوان الإِله مبارِكًا ... ثرى ضمَّه ما حنَّ بيت لطائف * * *

هذا الكتاب

هذا الكتاب عبارة عن أربعين حديثًا جمعها مصنفها في فَضل عمل المعروف ومساعدة الآخرين، غالبها من الجامع الصغير للسيوطي وقليل منها لم ترد فيه. وهذه الأربعين الحديث مفيدةٌ في بابها، وإن كان المصنف قد سبق في هذا المضمار من علماء متقدِّمين، وحفَّاظ كبار قد جمعوا هذه الأحاديث المتعلقة بهذا الموضوع في أجزاء حديثية مستقلة، وفيما يلي ذكرهم. ذكر من صنف في الموضوع: لعل أول من صنف كتابًا في أحاديث المعروف وفضل قضاء الحوائج: هو الإِمام المحدث الشهير أبو بكر بن أبي الدنيا (توفي حدود 280) في كتابه (قضاء الحوائج) وفيه 117 ما بين حديث وأثر في الموضوع، وقد طبع بتحقيق مجدي السيِّد إبراهيم، وصدر عن مكتبة القرآن بمصر، ولم يعتن المحقق بالتخريج كل العنثية. وهناك الحافظ أبو الغنائم محمد بن علي النرسي (ت 510) في جزء حديثي سمَّاه: "ثواب قضاء حوائج الإِخوان"، طبع بتحقيق الدكتور عامر

وصف النسخة الخطية

حسن صبري، وصدر عن دار البشائر الإِسلامية 1414 هـ، ضمن سلسلة الأجزاء الحديثية، ويظهر جليًّا جهد المحقق في التخريج والعزو. هذا ما وقفت عليه من المصنفات في هذا الموضوع، أما موضوع "مكارم الأخلاق" وهو عام يشمل ما نحن بصدده وغيره فالكتب فيه كثيرة، وقد تكفل الدكتور فاروق حمادة باستعراض عدد منها في مقدمة تحقيقه لمكارم الأخلاق للحافظ الطبراني، الصادر عن دار الثقافة بالمغرب (الدار البيضاء). وصف النسخة الخطية: عثرت على نسخة أصلية للكتاب وهي بخط المصنف، بمنزل جدي لأمي المرحوم عوض بن معروف باذيب (¬1) في مكتبته الخاصة ببلدنا (شبام حضرموت)، إحدى أقدم وأشهر البلدان الحضرمية الواقعة في (جنوب اليمن). ¬

_ (¬1) هو جدي لأمي الشيخ الفاضل أحد العقلاء وأهل الرأي والمشورة ببلده: عوض بن معروف بن محمد باذيب الشَبَامي. مولده بشبام حضرموت سنة 1314 للهجرة، وبها وفاته سنة 1402 رحمه الله تعالى. وهذه الرسالة وجدتها ضمن ما تبقَّى من كتب المذكور التي ورثها عن آبائه، إذ أحرقت الكثير والكثير من كتب أهل حضرموت في عهد الشيوعية المظلم -الذي انتهى وزال قبل عشر سنوات من اليوم- فقد كان الناس آنذاك {عَلَى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ أَنْ يَفْتِنَهُمْ} [يونس: 83]، وقد زال هذا الكابوس بحمد الله وتنفَّس أهل حضرموت الصعداء بعد أن كتمت أنفاسهم طوال ربع قرن مضى، فالحمد لله ثم الحمد لله. وقد وضعت فهرسًا لما وقفتُ عليه من المخطوطات في بلدتي المذكورة لا يزال في طَوْر الإِعداد، يسَّر الله إتمامه.

تقع النسخة في 34 صفحة من القطع المتوسط، مسطرتها بين 9 و 10 أسطر، بخط نسخي واضح، كتبها جامعها سنة 1031 هجرية، أي قبل وفاته بسنتين بالجامع الأزهر، كتب على صفحة العنوان ما مثاله: كتاب القول المعروف في فضل المعروف رقمه بخطه مصنفه برسم سيدنا شيخ الإِسلام ملك العلماء الأعلام، فخر الموالي العظام، مفرد الزمان إلَّا أنه قائم مقام الجمع، والمستغرق لأوصاف الإِنسان عند كل منطق وسمع، الحبر الذي فاق بصفاته الأوائل، والبحر المشتمل بذاته على جواهر الفضائل، مولانا صدر الدين زاده، لا زال ممن إذا مد يراع قلمه أفرغ فرائد من البحور، وجعلها بعزائم هممه قلائد بيض النحور). ويظهر من هذا أنَّ المصنف ألفه وأهداه لمن ذكر، ولكني لم أحظ بترجمة لـ (صدر الدين زاده) هذا، ويظهر أنه من العلماء لتلقيبه له بـ (شيخ الإِسلام). وفي آخر النسخة: (تم بخط المؤلف مرعي الحنبلي المقدسي خادم الفقراء بالجامع الأزهر، في أوائل ذي الحجة من شهور سنة إحدى وثلاثين وألف) وذيَّلها بفائدة في نحو ستة عشر سطرًا، تدور حول الموضوع، وقد جعلتها في الحاشية ولم أحذف منها شيئًا. وتوجد نسخة أخرى من الكتاب بدار الكتب المصرية، الخزانة التيمورية 272 مجاميع، وتقع في خمس ورقات بخط نسخي معتاد، وعدد

عملي في الكتاب

مسطرتها 25 سطرًا، ولم يكتب اسم الناسخ ولا سنة النسخ، ولا يوجد بينها وبين نسخة الأصل فروق جوهرية (¬1). عملي في الكتاب: قمتُ بنسخ الأحاديث، وضبطها، ورجعتُ إلى الكتب الحديثية لعزوها وتخريجها، وذكرت ما قاله المحدِّثون وأهل الجرح والتعديل في إسناد كل حديث غالبًا، من كلام على الرجال ونحو ذلك، وذلك باختصار بقدر الإِمكان. وعلَّقت بعض الفوائد على بعض الأحاديث نقلًا عن "فيض القدير" للعلَّامة المناوي على الجامع الصغير للسيوطي، حيث إن معظم الأحاديث وردت فيه. ولم أترجم للصحابة الرواة لشهرتهم، ولتوفر مصادر تراجمهم كالإِصابة وغيرها، كذلك لم أترجم لشيوخ المصنف واكتفيت بالعزو إلى المصادر. وقدَّمت لهذا العمل بمقدمة مختصرة، وترجمت للمصنف، ووصفت النسخة الخطية التي حصلت عليها، وعملت في آخر الكتاب فهارس للأحاديث الشريفة الواردة مرتبًا لها هجائيًّا، يتلوه فهرس المراجع، ثم الفهرس العام. وإني لأرجو بعملي هذا أن أدخل في بركة الحديث الشريف وأهله، وشرف المنتسبين إليه، وما قمت به إنما هو جهد المقِل، وأستغفر الله من كل خطأ وتقصيره لي ولوالدي ولشيوخي وكافة المسلمين. ¬

_ (¬1) وقد أتحفني بمصورة منها الأخ الباحث خالد مدرك المغربي، فجزاه المولى عني خير الجزاء.

سندي إلى المصنف: أروي هذا الكتاب عن الشيخ العالم الفاضل نظام بن محمد صالح يعقوبي البحريني قراءة، وإجازة، وهو يرويها عن مسند العصر الشيخ محمد ياسين الفاداني المكي رحمه الله، عن الفقيه الشيخ محمود السيد الدومي الحنبلي الدمشقي، عن شيخه الشيخ مصطفى الشطي، عن أبيه الشيخ أحمد الشطي، عن أبيه حسن بن عمر الشطي، عن مصطفى الرحيباني، عن الشيخ أحمد البعلي الحنبلي، عن العلَّامة الشيخ عبد القادر التغلبي الحنبلي، عن العلَّامة المسند عبد الباقي البعلي الحنبلي الدمشقي، عن الشيخ المصنف، رحمهم الله أجمعين. وبهذا السند أروي هذا الكتاب وسائر تصانيف الشيخ مرعي الكرمي (¬1). وللشيخ ياسين الفاداني أسانيد وطرق أخرى لا أطيل بذكرها، ومن أرادها فليراجع مصنفاته المطبوعة، وهي كثيرة وشهيرة. وصلَّى الله على أشرف خلقه وأكرم عبيده سيدنا ومولانا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، وسلِّم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين. سبحان ربك ربِّ العزَّة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين. محمد بن أبي بكر بن عبد الله باذيب الحضرمي جُدة يوم الجمعة ثاني أيام عيد الفطر المبارك من عام 1420 للهجرة ¬

_ (¬1) انظر (إتحاف المستفيد بغرر الأسانيد)، للشيخ محمد ياسين الفاداني (توفي 1410 هـ)، ط: دار البصائر.

صورة أول مخطوطة المصنف

صورة آخر مخطوطة المصنف

صورة أول مخطوطة دار الكتب

صورة آخر مخطوط دار الكتب

مقدمة المؤلف

بسم الله الرحمن الرحيم مقدِمَة المؤلف قال العبد الفقير إلى الله تعالى مرعي بن يوسف الحنبلي المقدسي لطف الله به آمين: الحمد لله الآمر بالمعروف، الغافر الموصوف، الباعث رسله بمكارم الأخلاق والمعجزات الألوف، الذي يحب المحسنين ويحب المتصدقين، ومن هو بالمساكين برٌّ عطوف. والصلاة والسلام على سيِّدنا محمد خير آلف ومألوف، القائل: "إن الله تعالى يحب إغاثة الملهوف" (¬1)، وعلى آله وصحبه الذين كل منهم رحيم رؤوف. وبعد، فقد أحببت أن أجمع بعض أحاديث تتعلق بفضل المعروف وإغاثة الملهوف تسر الناظر والخاطر وتقرُّ بها العين الباصرة بقصد الترغيب في فعل المعروف والتحبيب في إغاثة الملهوف، وسميته: ¬

_ (¬1) قوله: "إن الله يحب إغاثة الملهوف"، لم يرد حديث بهذا اللفظ، وإنما هو: "إغاثة اللهفان"، أخرجه ابن عساكر في تاريخ دمشق عن أبي هريرة، انظر الحديث السادس عشر من هذا الكتاب.

(القول المعروف في فضل المعروف) وجعلته أربعين حديثًا اقتداء بمن صنَّف في ذلك من الأئمة قديمًا وحديثًا، ورجاء أن يكون لي نصيب من قوله - صلى الله عليه وسلم -: "من حَفِظَ على أمَّتي أَرْبعينَ حدِيثًا مِن سُنَّتي أدخلتُه يومَ القيامةِ في شَفَاعتي" (¬1)، رواه ابن النجار عن أبي سعيد رضي الله عنه، وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ حَمل من أمَّتي أَربعينَ حديثًا بعثَه الله يومَ القيامةِ فَقِيهًا عالمًا" (¬2)، رواه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه عن أنس رضي الله عنه. * * * ¬

_ (¬1) الحديث أورده السيوطي في الجامع الصغير برقم (8640) ورمز له بالصحة، قال المُناوي في الفيض في شرحه للحديث: (قال ابن حجر: حديث "من حفظ" ورد في رواية ثلاثة عشر صحابيًّا خرَّجها ابن الجوزي في العلل، بيَّن ضعفها كلها، وأفرده المنذري بجزء، ولخصت القول فيه في الإِملاء، ثم جمعت طرقه في جزء، ليس فيها طريق تسلم من علة قادحة). اهـ. (¬2) تنبيه: حديث: "من حمل ... "، أخرجه السيوطي في الجامع الصغير برقم (8649)، ورمز له بـ (عد) أي عند ابن عدي، وليس كما ذكر المصنف من رواية الأربعة له، ولعل الأمر اشتبه عليه، فظن أن رمز (عد) المعني به ابن عدي، هو رمز (ع) أي الأربعة كما هو اصطلاح السيوطي في جامعه الصغير، والله أعلم. والحاصل: أن الحديث أخرجه ابن عدي في الكامل من رواية أنس رضي الله عنه 5/ 1712 من طريق عمر بن شاكر، قال ابن عدي: (وأحاديثه -أي عمر هذا- غير محفوظة). انتهى. وقال الذهبي في الميزان 3/ 203، (6135): (بصري واه، له عن أنس نحو عشرين حديثًا مناكير). انتهى.

الحديث الأول

الحديث الأول عن عائشة وابن عباس وابن عمر وأبي هريرة وأنس بن مالك رضي الله عنهم، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "اطْلُبوا الخيرَ عِنْدَ حِسَانِ الوُجُوه" (¬1)، رواه البخاري في التاريخ وأبو يعلى والطبراني والبيهقي وغيرهم (¬2). ¬

_ (¬1) الحديث حسن لغيره لكثرة طرقه، إذ رواه نحو عشرة من الصحابة، وأخرجه كثير من الحفاظ من عدة طرق لا تسلم من علة، وقد أفرد بعض الحفاظ هذا الحديث بتأليف مستقل، منهم السيِّد أحمد الصديق الغماري في جزء سمَّاه: "بلوغ الطالب ما يرجوه"، حكم فيه بحسنه لغيره كما ذكر الدكتور خلدون الأحدب في كتابه: "زوائد تاريخ بغداد": 2: 560 - 574، وقد خرَّجه في نحو أربع عشرة صفحة. (¬2) رواية السيدة عائشة: أخرجها البخاري في التاريخ الكبير 1/ 1 / 157، في ترجمة محمد بن عبد الرحمن (أبو غرارة) القرشي، زوج جبرة، ترجمة (468). وأخرجها البيهقي في "الشعب": 3/ 278، حديث (3541) و (3542)، وأخرجها أبو يعلى في مسنده، قال الحافظ الهيثمي في "مجمع الزوائد" 8/ 195: (وفيه من لم أعرفهم). انتهى. رواية ابن عباس: أخرجها الطبراني الكبير 11/ 67، برقم (11110)، قال الحافظ في "المجمع" 8/ 195: (رواه الطبراني، وفيه عبد الله بن خراش بن =

وهذا لأنَّ حُسْنَ الصورة يدل على حُسْنِ السَّريرة في الغالب، وما أحسنَ قول القائل: لقد قال الرَّسُولُ وقال حقًّا ... وخيرُ القولِ ما قالَ الرسُولُ إذا الحاجاتُ جَاءَتْ فاطْلبُوهَا ... إلى مَنْ وَجْهُه حسنٌ جميلُ (¬1) ¬

_ = حوشب، وثقه ابن حبان وقال: ربما أخطأ، وضعفه غيره، وبقية رجاله ثقات). انتهى. وأخرجه البيهقي في "الشعب": 3/ 278، حديث (3543)، وأخرجه ابن عدي في "الكامل" (3/ 1167) في ترجمة سليم بن مسلم الخشاب الجمحي، قال فيه ابن عدي: (هو جهمي خبيث متروك الحديث). اهـ. منه. وقد أورد الحافظ الهيثمي في "مجمع الزوائد" 8/ 194 روايات أخرى ضعيفة. وللتوسُّع في تخريج الحديث: راجع كتاب "زوائد تاريخ بغداد"، للدكتور الأحدب، حديث (571)، ففيه ما يكفي إن شاء الله. * معنى الحديث: (الوجه الجميل مَظنَّة لفعل الجميل، وبين الخَلق والخُلُق تناسبٌ قريب غالبًا، فإنه قلَّ صورة حسنة يتبعها نفس رديئة ... وقيل: أراد حسن الوجه عند طلب الحاجة بدليل أنه قيل (للحبر)، أي ابن عباس: كم من رجل قبيح الوجه قضاء للحوائج، قال: إنما نعني حسن الوجه عند طلب الحاجة، أي بشاشته عند سؤاله، وحُسْن الاعتذار عند نواله)، عن "فيض القدير" شرح الحديث (1107). (¬1) هذا البيت للحسين بن عبد الرحمن، كما في "مكارم الأخلاق" لابن أبي الدنيا 60، واسمه الحسين بن عبد الرحمن الفزاري الاحتياطي يروي عن ابن عيينة، ذكره في الميزان (1880): 1/ 502. ولحسان أو ابن رواحة رضي الله عنهما في المعنى: قد سمعنا نبينا قال قولًا ... هو لمن يطلب الحوائج راحهْ اغتدوا فاطلبوا الحوائج ممن ... زين الله وجهه بصباحهْ أخرجه ابن أبي الدنيا بسنده في (الحوائج) (57): 59.

الحديث الثاني

الحديث الثاني عن علي بن أبي طالب كرَّم الله وجهه، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "اطْلُبُوا المعْروفَ من رُحَماء أُمَّتي تَعيشُوا في أكنَافِهِم، ولا تَطْلُبُوه مِنَ القَاسِيةِ قُلُوبُهم فإِنَّ اللعنةَ تَنْزِلُ عَلَيهِم. يا عليُّ، إنَّ الله تَعَالى خَلَقَ المعرُوفَ وخَلَقَ لهُ أهْلًا فحبَّبه إِليهِم وحَبَّب إِلَيْهِم فِعَالَه، وَوَجَّه إِلَيْهِمْ طِلاَبَه كمَا وجَّه المَاءَ في الأَرْضِ الجدبة لتَحْيَى بِه ويَحْيَى بِه أَهْلُها، إِن أَهْلَ المَعْرُوفِ في الدُّنيا هُمْ أَهْلُ المعرُوفِ في الآخرة"، رواه الحاكم في المستدرك (¬1). ¬

_ (¬1) الحديث عند الحاكم في المستدرك 4: 321، وقال: "هذا حديث صحيح الإِسناد ولم يخرِّجاه". وتعقبه الذهبي في التلخيص بقوله: "الأصبغ بن نباتة واه، وحبان ضعفوه". وأما آخر الحديث من قوله: "إن أهل المعروف ... " إلخ، فسيأتي تخريجه في الحديث الرابع والخامس من هذا الكتاب. * معنى الحديث: قوله: "فإن اللعنة تنزل عليهم": "قال ابن تيمية: والمراد بهم هنا: اليهود، بقرينة تصريحهم بأن المراد هم في آية: {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ}، وقسوة القلب من ثمرات المعاصي، وقد وصف الله اليهود بها في غير موضع منها"، من "فيض القدير" حديث (1115). وقوله: "هم أهل المعروف في الآخرة": "يعني: من بذل المعروف للناس في الدنيا آتاه الله جزاء معروفه في الآخرة ... ". اهـ. فيض القدير.

الحديث الثالث

الحديث الثالث عن أبي سعيد رضي الله عنه، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إنَّ الله تَعالى جَعَل للمَعْروفِ وجُوهًا مِنْ خَلْقه حَبَّبَ إلِيهِمْ المعروفَ، وحُبِّبَ إليهم فِعَالُه، وَوَجَّه طُلَّابَ المعروفِ إِليهِم، ويَسَّر عَلَيْهِمْ إعطَاءَهُ كمَا يسَّر الغَيْثَ إِلى الأَرْضِ الجَدْبةِ لِيُحْيِيَها ويُحيِيَ به أَهْلَها. وإنَّ الله تَعَالَى جَعَلَ للمعْرُوفِ أعْداءً مِنْ خَلْقِه، بغَّضَ إِليهِم المعْروف، وبغَّضَ إِليهِم فِعَالَه، وحَظَر عليهم إِعطاءَه، كمَا يَحْظُر الغَيثَ عن الأرْضِ الجَدْبةِ لِيُهْلِكَها ويُهْلِكَ بِها أهلَهَا"، رواه ابن أبي الدنيا (¬1). ¬

_ (¬1) ضعيف، أخرجه ابن أبي الدنيا في قضاء الحوائج (4)، وفيه أبو هارون العبدي عمارة بن جوين الراوي عن أبي سعيد، قال في الميزان (6018): "تابعي ليِّن بمرة، وقال ابن حبان، كان يروي عن أبي سعيد ما ليس من حديثه". انتهى 3/ 173. ورواه الدارقطني في "المستجاد" من رواية أبي هارون عنه، والحاكم من حديث علي وصححه. انظر: فيض القدير حديث (1713). * من فوائد الحديث: (يستفاد منه: أن الله تعالى جعل هذه القلوب أوعية، فخيرها: أوعاها للخير والرشاد، وشرها: أوعاها للبغي والفساد. وقد جعل الله النفس مبدأ كل شيء أبداه في ذات ذي النفس، فإنه تعالى يعطي الخير بواسطة وبغير واسطة، ولا يجري الشر إلَّا بواسطة نفس ليكون في ذلك حجة لله على خلقه). اهـ. من الفيض. زاد في نسخة "الحوائج" و"الجامع الصغير" قوله: "وما يعفو أكثر"، "أي ومع ذلك فالذي يغفره الله لهم أكثر وأعظم مما يؤاخذهم عليه، {وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّة} ". انتهى منه.

الحديث الرابع

الحديث الرابع عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِن أهْلَ المعْروفِ في الدُّنيا هُمْ أَهْلُ المعروفِ في الآخِرَةِ، وإِنَّ أوَّلَ أَهْلِ الجنةِ دُخُولًا الجنةَ أهلُ المعرُوفِ"، رواه الطبراني (¬1). الحديث الخامس عن علي وأبي هريرة وابن عباس وسلمان رضي الله عنهم، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إنَّ أهْلَ المعرُوفِ في الدُّنيا أَهْلُ المعروفِ في الآخِرَة، وإِنَّ أَهْل المنْكَرِ في الدُنيا أَهْلُ المنكَرِ في الآخِرَةِ"، رواه الطبراني وأبو نُعيم والخطيب (¬2). ¬

_ (¬1) الحديث عند الطبراني في المعجم الكبير 8: 261، حديث رقم (8015)، قال الحافظ الهيثمي في "المجمع 7: 263: (رواه الطبراني، وفيهم من لم أعرفهم). انتهى. * معنى الحديث: قوله: "إن أول أهل الجنة دخولًا"، أي: من أولهم دخولًا. مناوي. لطيفة: روي أن قومًا من الأشراف فمن دونهم اجتمعوا بباب عمر، فخرج الإِذن لبلال وسلمان وصهيب، فشق على أبي سفيان وأضرابه، فقال سهيل بن عمرو -وكان أعقلهم-: إنما أُتينا من قِبَلِكم، دُعوا ودعينا، فأسرعوا وأبطأنا، وهذا باب عمر، فكيف التفاوت في الآخرة! ولئن حسدتموهم على باب عمر ... لما أعد لهم في الجنة أكثر. اهـ. مناوي حديث (2245). (¬2) حديث صحيح لغيره، لكثرة شواهده وطرقه. فأما رواية الإِمام علي كرم الله وجهه: فهي عند الخطيب في التاريخ 2: 244، في ترجمة محمد بن الحسين بن عمران البغدادي، قال الخطيب: (قال فيه أبو سعيد =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = الإِدريسي: لعله لم يخلف مثله من الكذابين)، ورواه أيضًا في ترجمة علي بن أحمد بن عمر السَّرَخْسي 11: 326، وإسناده تالف. وأما رواية أبي هريرة: فهي عند الطبراني في مكارم الأخلاق (114) وفي الأوسط والصغير 1: 262 ترجمة (الفضل بن جعفر)، قال في المجمع 163:7:) رواه الطبراني في الصغير والأوسط بإسنادين في أحدهما يحيى بن خالد بن حيان الرقي، ولم أعرفه ولا ولده أحمد، وبقية رجاله رجال الصحيح، وفي الآخر: المسيب بن واضح؛ قال أبو حاتم: يخطئ كثيرًا، فإذا قيل له ارجع لم يرجع). انتهى. وهي في مسند الشهاب 1/ 199، وأخرجه الحافظ النرسي (11) بسند ضعيف. وأما رواية سَلمان رضي الله عنه: فهي عند الطبراني في الكبير 6: 246 حديث رقم (6112) وفيه هشام بن لاحق تركه أحمد وقواه النسائي، وبقية رجاله ثقات. مجمع 7/ 263 .. وأخرجها الإِمام البخاري في الأدب المفرد (223)؛ والبيهقي في الشعب 7/ 517 برقم (11181)؛ والعقيلي في "الضعفاء" 4/ 337 وقال نقلًا عن البخاري: هشام بن لاحق المدائني مضطرب الحديث، عنده مناكير، أنكر شبابة أحاديثه. وأما رواية ابن عباس رضي الله عنهما: فهي عند الطبراني في الكبير 11: 59 برقم (11078) و 11: 153 برقم (11460) وضعفها في "المجمع" 7/ 263. وللحديث طرق أخرى غير ما ذكر، منها: رواية أبي الدرداء رضي الله عنه عند الخطيب 10: 425، في ترجمة عبد الملك بن زيد البزاز المدني. ورواية قبيصة بن بُرْمة الأسدي رضي الله عنه، عند الطبراني والبزار، والبخاري في الأدب المفرد (221). ورواية ابن عمر رضي الله عنهما، عند البزار، وفيه حازم بن محمد قال فيه ابن أبي حاتم: مجهول، مجمع 7: 262، وعند ابن أبي الدنيا في قضاء الحوائج (116)، والخطيب في "موضِّح أوهام الجمع والتفريق" 2: 69. ورواية أبي موسى رضي الله عنه عند الطبراني في الصغير =

الحديث السادس

الحديث السادس عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "صَنَائِعُ المعْرُوفِ تَقِي مَصَارِعَ السُّوءِ، والآفَاتِ والهَلَكاتِ، وأَهْلُ المعْرُوفِ في الدُّنيا هُمْ أهْلُ المعرُوفِ في الآخِرَة"، رواه الحاكم (¬1). ¬

_ = برجال وثقوا 1: 74، ترجمة أحمد بن إبراهيم. وللمزيد يراجع زوائد تاريخ بغداد للدكتور الأحدب 2: 96 - 97. وهو صحيح عند الألباني في صحيح الجامع رقم (2027). وتمام الحديث عند أبي الدنيا من رواية ابن عمر (116): (... إن الله ليبعث المعروف يوم القيامة في صورة الرجل المسلم فيأتي صاحبه إذا انشقَّ عنه قبره فيمسح عن وجهه التراب ويقول: أبْشر يا وليَّ الله بأمانِ اللهِ وكرامته، ولا يهولنَّك ما ترى من أهوال يوم القيامة، فلا يزال يقول له: احذر هذا، واتق هذا، يسكِّن بذلك رَوْعَه، حتى يجاوز به الصراط، فإذا جَاوَزَ به الصراط عَدَلَ وليُّ الله إلى منازله في الجنة، ثم ينثني عنه المعروف، فيتعلَّق به فيقول: يا عبد الله من أنت؟ خذلني الخلائق في أهوال القيامة غيرك، فمن أنت؟ فيقول: أما تعرفني؟ فيقول: لا، فيقول: أنا المعروف الذي عملته في الدنيا، بعثني الله خلقًا لأجازيك به يوم القيامة). انتهى ص 98. (¬1) الحديث عند الحاكم في المستدرك 1: 124 بلفظ: "صنائع المعروف إلى الناس تقي صاحبها مصارع السوء ... " الحديث، قال الحاكم: "سمعت أبا علي الحافظ يقول: هذا الحديث لم أكتبه إلَّا عن أبي عبد الله الصفار، ومحمد بن إسحاق وابنه من البصريين لم نعرفهما بجرح". انتهى. وتعقبه الذهبي في التلخيص بقوله: "وبهذا وبما قبله انحطت رتبة هذا المصنف المسمَّى بالصحيح". انتهى. والحديث يروى مقطَّعًا عند كثير من المحدثين، فآخره تقدم في الأحاديث السابقة، وهو قوله: "أهل المعروف ... إلخ"، وأما أوله: فرواه الطبراني من =

الحديث السابع

الحديث السابع عن أبي سعيد رضي الله عنه، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إنَّ أحَب عِبادِ اللهِ إِلَى اللهِ مَنْ حُبِّبَ إليهِ المعروف، وحُبِّبَ إليه فِعَالُهُ"، رواه ابن أبي الدنيا وأبو الشيخ (¬1). ¬

_ = طرق، منها: حديث أبي أمامة بلفظ: "صنائع المعروف تقي مصارع السوء، وصدقة السرِّ تطفئ غضبَ الرب، وصلة الرحم تزيد في العمر". الطبراني في الكبير 8: 86، برقم (8014)، قال الهيثمي في المجمع: (إسناده حسن) 3: 115، ورواه الحافظ النَّرسي في ثواب قضاء الحوائج (7) بسند ضعيف، ومنها: حديث أم سلمة رضي الله عنها، رواه الطبراني في المعجم الأوسط. ويروى عن ابن عباس عند ابن أبي الدنيا (6) رمز لها السيوطي بالصحة في الجامع (5040)، وعن أبي سعيد: عند ابن أبي الدنيا (3) والقضاعي 1/ 93، والنرسي (4) وإسناده متروك. * معنى الحديث: يستفاد من الحديث: (تنويهٌ عظيم بفضل المعروف وأهله ... قال الماوردي: فينبغي لمن قدر على ابتداء المعروف أن يعجله حذرًا من فَوْتِهِ، ويبادر به خيفةَ عَجْزه، ويعتقد أنه من فرص زمانه وغنائم إمكانه، ولا يمهله ثقة بالقدرة عليه؛ فكم من واثق بقدرة فاتت فأعقبت ندمًا، وقيل: من أضاع الفرصة عن وقتها فليكن على ثقة من فوتها). انتهى من فيض القدير 4/ 206 (5040). (¬1) ضعيف، وهو عند ابن أبي الدنيا في الحوائج (2)، وفيه الوليد ابن شجاع قال في الميزان 4/ 339 (9374): (صدوق، وقال ابن معين: لا بأس به، وقال ابن حبان: لا يحتج به)، انتهى. ورمز له السيوطي بالضعف (2172)، وأخرجه ابن النجار أيضًا، وأورده الألباني في الضعيفة (2849).

الحديث الثامن

الحديث الثامن عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِن مِنَ النَّاسِ نَاسًا مَفَاتِيحَ للخَيْر مَغَالِيقَ للشَّرِّ، وإنَّ مِنَ النَّاسِ ناسًا مَفاتيحَ للشَّرِّ مَغَالِيقَ للخَير، فطُوبى لمنْ جَعَلَ اللهُ مفاتيحَ الخيرِ على يَدَيه، وَوَيْلٌ لِمنْ جَعَلَ اللهُ مَفَاتيحَ الشرِّ عَلَى يَدَيه"، رواه ابن ماجَهْ (¬1). الحديث التاسع عن ابن عباس رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: أنَّا الله قَدَّرتُ الخيرَ والشَّرَّ، فَطُوبَى لِمنْ جَعَلْتُ مَفَاتِيحَ الخيرِ عَلَى يَدَيْه، وَوَيلٌ لِمنْ جَعَلتُ مَفَاتيحَ الشَّرِّ على يديه"، رواه الطبراني (¬2). ¬

_ (¬1) ابن ماجه 1: 86، حديث رقم (237). وفيه محمد بن أبي حميد: قال المناوي 2: 528: (ومحمد بن أبي حميد هذا قال في الكاشف: ضعفوه، وقال السخاوي: ابن أبي حميد منكر الحديث، وله شاهد مرسل ضعيف). وهو عند الطيالسي، ص 277 (2082) من طريقه كذلك. * من فوائد الحديث: قال الحكيم: فالخير مرضاة الله والشر مسخطة، فإذا رضي الله عن عبد فعلامة رضاه: أن يجعله مفتاحًا للخير، فإذا رؤي ذكر الخير برؤيته، وإن حضر حضر الخير معه، والآخر يتقلب في شر ويعمل شرًّا ... فهو مفتاح الشر، فصحبة الأول دواء، والثاني داء. فيض القدير 2/ 528 حديث (2465)، والحكيم هو الترمذي، صاحب نوادر الأصول. (¬2) أخرجه الطبراني في مكارم الأخلاق (84)، قال الحافظ في "المجمع" 3: 115: (رواه الطبراني، وفيه مالك بن يحيى النكري، وهو ضعيف). انتهى. قال في الميزان 3/ 429 (7033): (تكلم فيه ابن حبان وقال البخاري: في حديثه نظر). انتهى.

الحديث العاشر

الحديث العاشر عن أُبي بن كعب رضي الله عنه قال: مرَّ بي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومعي رجل فقال: "يَا أُبيُّ مَنْ هذا الرَّجُلُ مَعَك؟ "، قلت: غريم لي فأنا ألازمه، قال: "فَأحْسِنْ إليه يَا أُبيُّ"، ثم مضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لحاجته، ثم انصرف عليَّ وليس معي الرجل، فقال: "ما فَعَل غريمُك -أو أَخُوكَ؟ ". قلت: وما عسى أن يفعل يا رسول الله، تركتُ ثلث مالي عليه لله، وتركت الثلث الثاني لرسول الله، وتركت الباقي لمساعدته إيايَّ على وحدانيته تعالى، فقال - صلى الله عليه وسلم -: "رحِمَكَ الله يا أبيُّ -ثلاث مرات- بِهَذا أُمِرْنَا يَا أُبي. إن الله تَعَالَى جَعَلَ للمعْرُوفِ وُجُوهًا مِنْ خَلْقِهِ حَبَّبَ إليهِم المعروفَ وحَبَّبَ إليهِم فِعالَه، ويَسَّرَ على طُلَّابِ المعرُوفِ طَلَبَهُ إِليهِم، ويَسَّرَ عَلَيهِمْ إِعْطَاءَه، فَهُمْ كالغَيثِ يُرْسِلُهُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلى الأَرْضِ الجَدْبةِ فَيُحْيِيْها ويُحْيِيْ بِهِ أهْلَها. وإنَّ الله جَعَلَ لِلمعْرُوفِ أعداء مِنْ خَلْقِهِ، بغَّضَ إليهِم المعرُوفَ، وبَغَّضَ إِلَيْهِمْ فِعَاله، وحَظَرَ عَلَى طُلَّابِ المعروفِ طَلَبَهُ إِليهِم، وحَظَر عَلَيهِم إعْطَاءَه إياهُم، فَهُم كَالْغَيثِ يَحْبِسُهُ اللهُ عَزَّ وجَلَّ عَنِ الأرضِ الجلْبةِ، فيُهلِك الله عزَّ وجل الأرضَ وأهلها"، رواه الطبراني وغيره (¬1). ¬

_ (¬1) ضعيف، أخرجه الطبراني في مكارم الأخلاق (118) من طريق حفص بن عمر الحبطي، قال في الميزان (2133)، 1/ 562: قال يحيى: ليس بشيء، وقال الأزدي: متروك) نتهى. وأورده أبو نعيم في "ذكر أخبار أصبهان" 2/ 281 - 282.

الحديث الحادي عشر

الحديث الحادي عشر عن جابر رضي الله عنه، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "كلُّ معروفٍ صدقةٌ، وما أَنْفَقَ المسلمُ من نفقةٍ على نفسِه وأهلِه كلتِب له بها صدقةٌ، [وما وقى به عرضَهُ فهو له صدقة] (¬1)، وكُلّ نفقةٍ أنفقها المسلمُ فَعَلى الله خلفُها، واللهُ ضامنٌ، إلَّا نفقة في بنيانٍ أو معصيةٍ"، رواه الحاكم والدارقطني (¬2). وقيل لمحمد بن المنكدر: ما وقى به الرجل عرضه، ما معناه؟ قال: أن يعطي الشاعر وذا اللسان المُتَّقى (¬3). الحديث الثاني عشر عن أبي مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "كل معروف صنعته إلى غني أو فقير فهو صدقة"، رواه الطبراني (¬4). ¬

_ (¬1) ما بين المعكوفين سقط من الأصل، والمثبت من نسخة دار الكتب والمصادر المخرِّجة له. (¬2) الحديث في المستدرك 2: 50، وقال عقبه: "هذا حديث صحيح ولم يخرَّجاه". انتهى. وتعقبه الذهبي بقوله: "عبد الحميد ضعفوه". انتهى. عبد الحميد هذا؛ هو ابن الحسن الهلالي، قال عنه الحافظ في التقريب (3758): (أبو عمر أو أبو أمية، كوفي سكن الري، صدوق يخطئ). انتهى. وفي الميزان (4769): (ضعفه ابن المديني وأبو زرعة والدارقطني). انتهى. وهو عند الدراقطني 3: 28، ولم يزد الشيخ شمس الحق العظيم أبادي أن قال في تعليقه عليه: (والحديث له شواهد كثيرة). انتهى. ومن شواهده: حديث جابر في الأدب المفرد (224)، وفي مسند القضاعي 1/ 88، وأخرج روايته أحمد 3: 344، والترمذي 4: 347 (1970) وابن أبي شيبة، وعند أبي يعلى (2085). (¬3) أي الذي يُتَّقَى لسانه، وانظر: الترغيب والترهيب للمنذري 3: 63. (¬4) الحديث عند الطبراني في مكارم الأخلاق برقم (112) ولفظه فيه: (كل معروف =

الحديث الثالث عشر

الحديث الثالث عشر عن أبي ذر رضي الله عنه، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا تحقرنَّ من المعروف شيئًا ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق"، رواه مسلم (¬1). ¬

_ = صدقة، إلى غني أو فقير). وفيه: صدقة بن موسى الدقيقي، قال الحافظ الذهبي في الميزان 2/ 312 (3879):) ضعفه ابن معين والنسائي، وقال أبو حاتم: يكتب حديثه وليس بالقوي). انتهى. وأخرجه كذلك -أي الطبراني- في المعجم الصغير 1/ 30، 240. أولاهما عن نبيط بن شريط والأخرى عن جابر. وعزاه السيوطي في الجامع الصغير إلى (الجامع في آداب المحدث والسامع) للخطيب البغدادي، برقم (6352) من الجامع. * من فوائد الحديث: (تسمية هذا صدقة من مجاز المشابهة، أي: لهذه الأشياء أجر كأجر الصدقة في الجنس؛ لأن الجمع صادر عن رضا الله مكافأة على طاعته إما في القدر أو الصفة، فيتفاوت بتفاوت مقادير الأعمال وصفاتها وغاياتها. وقيل: معناه أنها صدقة على نفسه. واستدلَّ بظاهر هذه الأحاديث الكعبيُّ على أنه ليس في الشرع شيء يباح، بل إما أجر وإما وزر، فمن اشتغل بشيء عن المعصية أجر. قال ابن التين: والجماعة على خلافه). انتهى من فيض القدير شرح الحديث رقم (6352). (¬1) الحديث في صحيح مسلم برقم (2539) و (2626). وهو بهذا اللفظ عند الترمذي (1833)، وابن ماجه (3362)، والحاكم 4/ 166 من حديث أبي جري الهُجيمي. فائدة: قال الإِمام أبو العباس القرطبي في المفهم (6: 612): (قوله: "ولو أن تلقى أخاك بوجه طليق"، يروى بكسر اللام وياء بعدها، وطلق الوجه: بتسكين اللام بغير ياء، وهما لغتان. يقال: رجل طلق الوجه، وطليق الوجه، وهو =

الحديث الرابع عشر

الحديث الرابع عشر عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إنكم لا تَسَعون الناسَ بأموالِكم ولكنْ ليسَعْهم منكم بسْطُ الوجه وحُسْنُ الخُلق" رواه الحاكم والبيهقي (¬1). ¬

_ = منبسط الوجه سمْحَه، يفال: طلق وجهه، بضم اللام، وطلُق طلاقة). انتهى. وفي حديث أبي جري الهجيمي: قال: أتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقلت: يا رسول الله إنا قوم من أهل البادية، فعلِّمنا شيئًا ينفعنا الله به، فقال: "لا تحقرن من المعروف شيئًا ولو أن تفرغ من دلوك في إناء المستسقي، ولو أن تكلم أخاك ووجهك إليه منبسط، وإيَّاك وإسبال الإِزار فإنه من المخيلة ولا يحبها الله، وإن امرؤ شتمك بما يعلم فيك فلا تشتمه بما تعلم فيه، فإن أجره لك، ووباله على من قاله". رواه أبو داود والترمذي وقال: حسن صحيح. انظر: فتح الوهاب للسيِّد أحمد الغماري 2/ 128. (¬1) أخرجه الحاكم في المستدرك 1: 124، وفيه عبد الله بن سعيد المقبري، وهَّاه الذهبي في "التلخيص"، ورواه الطبراني في المكارم (18)، والبيهقي في الشعب برقم (8054) من طريق الطبراني. ورواه أبو يعلى (6550)، وإسناده ضعيف جدًّا. * معنى الحديث: أي: لا تتسع أموالكم لعطائهم فوسِّعوا أخلاقكم لصحبتهم، أخرج العشري في (الأفعال) عن الصولي قال: لو وزنت كلمات المصطفى - صلى الله عليه وسلم - بأحسن كلام الناس لرجحت على ذلك، وهي قوله: (إنكم ...) إلخ، وكان العارف إبراهيم بن أدهم يقول: إن الرجل ليدرك بحسن خلقه ما لا يدركه بماله؛ لأن المال عليه فيه زكاة وصلة أرحام وأشياء أخر، وخلقه ليس عليه فيه شيء. انتهى. فيض القدير 2/ 557، حديث (2545).

الحديث الخامس عشر

الحديث الخامس عشر عن ابن عباس رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "كلُّ معروف صدقة، والدالُّ على الخير كفاعله، والله تعالى يحبُّ إغاثة اللهفان"، رواه الدارقطني، وابن أبي الدنيا (¬1). ¬

_ (¬1) الحديث عند ابن أبي الدنيا في قضاء الحوائج برقم (14)، وليس فيه (والدال على الخير ...) إلخ، وهي عنده مستقلة في حديث آخر برقم (27) من حديث أنس بن مالك. وقد رمز السيوطي في الجامع الصغير لحديث ابن عباس بالضعف، ورقمه (6354) وعزاه للبيهقي، وهو عنده في الشعب برقم (7657)، بنفس اللفظ الذي أورده المصنف. قال المناوي في فيض القدير: (وفيه طلحة بن عمرو، أورده الذهبي في الضعفاء، وقال: قال أحمد: متروك، وقال الحافظ العراقي: رواه الطبراني في المستجاد من رواية الحجاج بن أرطأة عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده. والحجاج ضعيف، وقد جاء مفرقًا في أخبار أخر). انتهى من شرح حديث رقم (6354). وقد أخرج الإِمام البخاري أوله في صحيحه برقم (6021) باب الأدب من حديث جابر، وكذا الإِمام مسلم في الزكاة. * معنى الحديث: (اللهفان): المتحير في أمره. فائدة: قال الإِمام الماوردي: المعروف نوعان: قول وعمل، فالقول: طيب الكلام وحسن البشر، والتودُّد بجميل القول. والباعث عليه: حسن الخلق ورقة الطبع، لكن لا يسرف فيه فيكون ملقًا مذمومًا، وإن توسط واقتصد فهو به محمود، وفي منثور الحكم: من قلَّ حياؤه قلَّ أحبَّاؤه. والعمل: بذل الجاه، والإِسعاف بالنفس، والمعونة في النائبة، والباعث عليه: حب الخير للناس، وإيثار الصلاح لهم، وليس في هذه الأمور سرف ولا لغايتها =

الحديث السادس عشر

الحديث السادس عشر عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن الله تعالى يحب إغاثة اللهفان"، رواه البزار وأبو يعلى والطبراني (¬1). الحديث السابع عشر عن أنس أيضًا قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من أغاثَ ملهوفًا كتَبَ الله تعالى له ثلاثًا وسبعين حسنة، واحدة منها يُصْلِحُ الله بها آخرته ودنياه، والباقي في الدرجات"، رواه أبو يعلى والبزار. ¬

_ = حد. بخلاف الأولى، فإنها [أي: الأفعال- الثانية]، وإن كثرت: أفعال تعود بنفعين: نفع على فاعلها في اكتساب الأجر وجميل الذكر، ونفع على المُعان بها في التخفيف والمساعدة، فلذلك سماه هنا "صدقة". انتهى من فيض القدير شرح الحديث رقم (6354). (¬1) رواه البزار (كشف الأستار 1951)، وقال المنذري في الترغيب 1: 120، رواه البزار من رواية زياد النميري، وقد وثق، وله شواهد. ورواه الطبراني في المكام (95)، وفي إسناده زياد بن ميمون، روى عن أنس ولم يلقه، ذكره الذهبي في الميزان (2967). ورواه أبو يعلى (4280)، بزيادة "الدال على الخير كفاعله"، وفيه زياد بن عبد الله النميري ضعيف. التقريب (2087). ورواه أبو نعيم في "الحلية" 3: 42 من حديث أبي هريرة، وقال: غريب من حديث ابن عون عن أبي هريرة. * معنى الحديث: قال المناوي: اللهفان: أي المكروب، وورد في فضل إعانته أخبار وآثار تحمل من له أدنى عقل عدى بذل الوسع في استفراغ الجهد في المحافظة عليها. انتهى حديث (ص 1863).

الحديث الثامن عشر

ورواه البخاري في التاريخ والبيهقي: "من أغاث ملهوفًا كتب الله له ثلاثًا وسبعين مغفرة، واحدة منها صلاح أمره كله، واثنتان وسبعون له درجات يوم القيامة" (¬1). الحديث الثامن عشر عن ابن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن لله عزَّ وجل خَلقًا خَلَقَهم لحوائج الناس، يَفْزَعُ إليهم الناسُ في حوائجهم، أولئك الآمنون غدًا من عذابِ الله تعالى"، رواه أبو نُعيم والقضاعي (¬2). ¬

_ (¬1) الحديث عند البزار (كشف الأستار 1950)، وعند أبي يعلى (4250)، قال في المجمع 8/ 191): رواه أبو يعلى والبزار، وفي إسنادهما زياد بن أبي حسان وهو متروك). انتهى. ورواية البخاري في الكبير 1/ 2 / 350، والبيهقي برقم (27670)، قال المناوي: (قضية تصرُّف المصنف أنَّ البخاري خرَّجه ساكتًا عليه، والأمر بخلافه، فإنه خرَّجه في ترجمة عباس بن عبد الصمد، وقال: هو منكر الحديث. وفي الميزان: وهاه ابن حبان، وقال: حدث عن أنس بنسخة أكثرها موضوع، ثم ساق منها هذا الخبر، وحكم ابن الجوزي بوضعه، وتعقبه المصنف -أي السيوطي- بأن له شاهدًا). انتهى. فيض القدير حديث (8485). * معنى الحديث: فيه ترغيب عظيم في الإِعانة والإِغاثة، قال بعضهم: فضائل الإِغاثة لا تسع بيانه الطروس، فإنه يطلق في سائر الأحوال والأزمان والقضايا. انتهى فيض 6/ 76. (¬2) الحديث في "حلية الأولياء" 3: 225، وقال: هذا حديث غريب من حديث زيد عن ابن عمر لم يروه عنه إلَّا ابنه عبد الرحمن، في مسند الشهاب (1007)، وفيه عبد الله بن إبراهيم الغفاري، قال في الميزان 2/ 388 (4190): يدلسونه لوهنه، نسبه ابن حبان إلى أنه يضع الحديث. انتهى. ورواه الطبراني في الكبير 358:12 (13334)، قال في المجمع 8/ 191: فيه شخص ضعفه الجمهور، =

الحديث التاسع عشر

الحديث التاسع عشر عن ابن عمر أيضًا قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن لله عبادًا استخصَّهم لنفسه لقضاء حوائج الناس وآلى على نفسه أن لا يعذبهم بالنار، فإذا كان يوم القيامة أجلسوا على منابر من نور يحادثون الله تعالى والناس في الحساب"، رواه الطبراني وأبو نعيم (¬1). ¬

_ = وأحمد بن طارق الراوي عنه لم أعرفه، وبقية رجاله رجال الصحيح. انتهى. ونقل الغماري في فتح الوهاب 2/ 170 عن المنذري قوله: (لو قيل بتحسين سنده لكان ممكنًا، ورواه أبو الشيخ ابن حيان في كتاب الثواب من طريق الجهم بن عثمان ... قال أبو حاتم: مجهول، وله طرق وشواهد). انتهى منه. وأخرجه ابن أبي الدنيا (49)، والطبراني في المكارم (82) بسندين ضعيفين. وللحديث شواهد يتقوى بها، منها: ما أخرجه الحافظ النرسي (30) عن ابن عباس، والخطيب في الموضح 2/ 253 عن السيدة عائشة، والنرسي أيضًا (42) عن علي موقوفًا، ورفعه الخطيب في الموضح وحسنه. * معنى الحديث: إضافة الحق سبحانه هؤلاء العباد إليه إضافة اختصاص؛ لأنه (خصهم بالنيابة عنه في خلقه، وجعلهم خزائن نعمه الدينية والدنيوية لينفقوا على المحتاجين، فيجب شكر هذه النعمة، ومن شكرها: بذلها للطالبين، وإغاثة الملهوفين لتحفظ أصول النعم، وتثمر الزيادة من المنعم)، فيض القدير 2/ 477 حديث (2350). (¬1) رواية الطبراني في الأوسط برقم (5158)، وأما رواية أبي نعيم فليس في الحلية إلَّا الرواية السابقة برقم (18). وفي إسناده عبد الله بن زيد الحمصي ضعفه الأزدي، ولفظ حديث الطبراني كالسابق، ولم أجد لفظ هذا الحديث في معاجم الطبراني الثلاثة ولا في الحلية. وقريب من لفظ الحديث ما أخرجه في الكبير من حديث أبي أمامة (7527)، ولفظه: "إن لله عبادًا يجلسهم الله يوم القيامة على منابر من نور، ويغشى =

الحديث العشرون

الحديث العشرون عن نافع عن ابن عمر أيضًا قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من قضى لأخيه حاجة كنتُ واقفًا عند ميزانه، فإن رجح وإلَّا شفعت"، رواه أبو نعيم في الحلية (¬1). الحديث الحادي والعشرون عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ مشى في حاجة أخيه المسلم كتب الله له بكل خطوة سبعين حسنة وكفَّر عنه سبعين سيئة، فإن قُضيت حاجته على يديه خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه، فإن مات في خلال ذلك دخل الجنة بغير حساب"، رواه أبو بكر الخرائطي (¬2). ¬

_ = وجوههم النور حتى يفرغ الله من حساب الخلائق". قال في مجمع الزوائد 10: 277: (رواه الطبراني وإسناده جيد). انتهى. وفي مجمع الزوائد (باب المتحابين في الله عزَّ وجلّ) ج (10) أحاديث كثيرة بمعنى الحديث الوارد، لكن في فضل المحبة في الله لا في قضاء الحوائج، والله أعلم. (¬1) حلية الأولياء 353:6، وابن أبي الدنيا في (قضاء الحوائج) برقم (25)، والمنتقى من مكارم الأخلاق للخرائطي برقم (44). وفيه: علي بن إبراهيم بن الهيثم البلدي، ترجم له الخطيب في تاريخ بغداد 11: 336، ترجمة رقم (1671)، وساق حديثًا بسنده وقال عقبه: (هذا الحديث منكر جدًّا، ورجال إسناده كلهم مشهورون بالثقة سوى أبي الحسن البلدي). انتهى. ولذلك قال الحافظ في اللسان (5712): (اتهمه الخطيب). (¬2) الحديث عند أبي يعلى برقم (2789)، والطبراني في الأوسط (3376). قال الحافظ الهيثمي في المجمع 8: 191 (رواه أبو يعلى عن أنس، وفيه: عبد الرحيم بن زيد العمي وهو متروك، وعنه أيضًا أخرج الطبراني أوله في الأوسط 3: 244 (633)، وفيه عبد الرحيم المذكور). انتهى. =

الحديث الثاني والعشرون

الحديث الثاني والعشرون عن أنس أيضًا، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من قضى لأخيه المسلم حاجة كان له من الأجر كمن حج واعتمر"، رواه الخطيب (¬1). الحديث الثالث والعشرون عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من مشى مع أخيه في حاجة فناصحه فيها جعل الله بينه وبين النار سبع خنادق، ما بين الخندق والخندق ما بين السماء والأرض"، رواه أبو نعيم وابن أبي الدنيا (¬2). ¬

_ = وهو في مكارم الأخلاق للطبراني (93)، ولم أجده في المطبوع من "المنتقى من مكارم الأخلاق" للخرائطي. (¬1) أخرجه الخطيب في التاريخ 5/ 339 بسند فيه علي بن الحسن الطرسوسي الصوفي، قال في اللسان 4/ 253 (5786): (وضع حكاية عن الإِمام أحمد في تحسين حال الصوفية)، وعده الخطيب من المجهولين. انتهى منه. وأورده السيوطي في الجامع برقم (8960)، ورمز له بالضعف. فائدة: (قال حجة الإِسلام: وقضاء حوائج الناس له فضل عظيم، والعبد في حقوق الخلق له ثلاث درجات؛ الأولى: أن ينزل في حقهم منزلة الكرام البررة، وهو أن يسعى في أغراضهم رفقًا بهم وإدخالًا للسرور عليهم. الثانية: أن ينزل منزلة البهائم والجمادات في حقهم فلا ينلهم خيره لكن يكف عنهم شره. الثالثة: أن ينزل منزلة العقارب والحيات والسباع الضارية، لا يرجى خيره ويتّقى شره، فإن لم تقدر أن تلحق بأفق الملائكة، فاحذر أن تنزل عن درجة الجمادات إلى مراتب العقارب والحيات، فإن رضيت النزول من أعلى عليين فلا ترضَ بالهوي في أسفل سافلين، فلعلك تنجو كفافًا لا لك ولا عليك). انتهى من فيض القدير، حديث (8960). (¬2) رواية أبي نعيم في الحلية 8/ 200، ورواية ابن أبي الدنيا في الحوائج برقم =

الحديث الرابع والعشرون

الحديث الرابع والعشرون عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من قضى لأخيه حاجة كان كمن عبد الله عُمْرهُ"، رواه البخاري في التاريخ (¬1). الحديث الخامس والعشرون عن ابن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من كان وصلةً ¬

_ = (35)، وفي إسناد الحديث: عبد العزيز بن أبي رواد، ذكره الذهبي في الميزان برقم (5101)، وأنه ممن يقول بالإِرجاء. وروى الطبراني في الأوسط برقم (7322) حديث: "من مشى في حاجة أخيه كان خيرًا له من اعتكاف عشر سنين"، قال في "المجمع 8/ 191: (وإسناده جيد) انتهى. (¬1) التاريخ الكبير للبخاري 4/ 2 / 43: (2089) من طريق حميد بن العلاء عن أنس به، قال الحافظ في لسان الميزان (3020) 2/ 445: (حميد بن العلاء عن أنس رضي الله عنه، وعنه: المتوكل بن يحيى من رواية بقية عنه: لا يصح حديثه، قاله "الأزدي". انتهى. وأنا أخشى أن يكون "الجنيد" تصحف). انتهى. والحديث عند الطبراني في مكارم الأخلاق برقم (88) من طريق بقية بن الوليد، وابن أبي الدنيا في الحوائج برقم (25)، والخطيب في التاريخ 3/ 330، كلهم من طريق بقية هذا، قال في الميزان (1250): مدلس. ورواه أبو نعيم في الحلية 10/ 255 من طريق محمد بن الحسن الدهقان، ومن طريقه أيضًا رواه الخطيب في التاريخ 5/ 338، والدهقان هذا قال عنه في لسان الميزان (7890) 5/ 377: (لا يعرف وأتى بخبر موضوع)، وساق هذا الحديث. ورمز له السيوطي في الجامع بالضعف (8961)، قال المناوي: (وأورده ابن الجوزي في الموضوع).

لأخيه المسلم إلى ذي سلطان في منفعة بر أو تيسير عُسر أعانه الله على إجازة الصراط يوم دحض الأقدام"، رواه أبو طاهر المقدسي (¬1). ¬

_ (¬1) حديث ابن عمر هذا رواه العقيلي في "الضعفاء" وابن أبي حاتم في العلل 2/ 29، وفيه عبد الوهاب بن هشام، قال العقيلي: لا يتابع على حديثه، ولا يعرف إلَّا به. ويروى من حديث السيدة عائشة رضي الله عنها عند: الطبراني في مكارم الأخلاق برقم (32)، وفي المعجم الصغير له: 1/ 161، وفي الأوسط برقم (3601)، قال الحافظ الهيثمي في المجمع 8/ 191: (وفيه إبراهيم بن هشام النسائي [كذا في المطبوع من مجمع الزوائد وصوابه، الغسَّاني كما في لسان الميزان رقم (373)]، وثقه ابن حبان وغيره، وضعفه أبو حاتم وغيره). انتهى. ومن حديث أبي الدرداء عند الطبراني في الأوسط برقم (3401)، والبزار في مسنده. وينظر للاستزادة: فتح الوهاب بتخريج أحاديث الشهاب للسيد أحمد الغماري 1/ 400، وتعليق حمدي السلفي. ملحوظة: قول المصنف: (رواه أبو طاهر المقدسي)، لعلها زلة قلم، فلا يعرف أحد بهذا الاسم، وإنما هو: أبو الفضل محمد بن طاهر المقدسي، توفي سنة 507 هـ، عالم وإمام شهير، مترجم في كتب الرجال والطبقات، وذكره الحافظ ابن حجر في لسان الميزان، 5/ 235 برقم (7511)، وقال عنه: (ليس بالقوي فإنه له أوهام كثيرة في تآليفه)، وعد منها: أطراف الكتب الستة، ونقل عن ابن عساكر قوله: (وقد أخطأ في مواضع منه خطأ فاحشًا). انتهى. وفي تعليق حمدي السلفي على (فتح الوهاب) للغماري 1/ 401، على رواية أبي الدرداء عند الطبراني في الكبير والأوسط قال: (وأبو الفضل بن طاهر في الكلام على أحاديث الشهاب). انتهى منه.

الحديث السادس والعشرون

الحديث السادس والعشرون عن مَسْلَمة بن مخلد رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من ستر مسلمًا ستره الله في الدنيا والآخرة، ومن فكَّ عن مكروب كربة فكَّ الله عنه كُربة من كرب يوم القيامة، ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته"، رواه الطبراني (¬1). ¬

_ (¬1) حديث مسلمة عند الطبراني في الأوسط (8129)، قال الهيثمي 8/ 193: (وفيه عبد الله بن زحر، وقد وثقه جماعة وضعفه آخرون، وبقية رجاله ثقات). انتهى، وأوله عنده: (من ستر على مؤمن). بل الحديث في صحيحي البخاري ومسلم، البخاري برقم (2442) و (6951)، ومسلم (6521). وقد انتقد المناوي الحافظ السيوطي في جامعه الصغير حيث أورد الحديث (8741) وعزاه للطبراني فقط كما فعل المصنف، فقال: (وقضية تصرف المصنف أن ذا مما لم يخرج في أحد الصحيحين ليس كذلك، بل هو في البخاري في المظالم والإكراه، ومسلم في الأدب، وممن رواه أيضًا من الستة: الترمذي في الحدود عن أبي هريرة مرفوعًا، وكذا أبو داود، والنسائي في الرجم). انتهى. حديث (8741) من فيض القدير. * من فوائد الحديث: قال الإِمام النووي رحمه الله: (وأما الستر المندوب إليه هنا، فالمراد به: الستر الزائد على ذوي الهيئات ونحوهم ممن ليس هو معروفًا بالأذى والفساد ... فأما المعروف بذلك فيستحب أن لا يستر عليه بل ترفع قضيته إلى ولي الأمر إن لم يخف من ذلك مفسدة؛ لأن الستر على هذا يطمعه في الإِيذاء والفساد، هذا كله في ستر معصية وقعت وانقضت، أما معصية رآه عليها وهو بعدُ متلبس بها: فتجب المبادرة بإنكارها عليه ومنعه منها على من قدر على ذلك، ولا يحل تأخيرها، فإن عجز: لزمه رفعها إلى ولي الأمر إذا لم تترتب على ذلك مفسدة). انتهى المراد من شرح مسلم للإِمام النووي 8/ 351، وفيه فوائد أخرى فلتنظر فيه.

الحديث السابع والعشرون

الحديث السابع والعشرون عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من فرَّج عن أخيه المؤمن كُربة من كرب الدنيا فرَّج الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن ستر على مسلم ستر الله عليه في الدنيا والآخرة، والله عزَّ وجلّ في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه"، رواه مسلم (¬1). الحديث الثامن والعشرون عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن لله عبادًا اختصَّهم بالنِّعَمِ لِمنافع العباد يقرُّها فيهم ما بَذَلوها، فإذا منعوها حوَّلها منهم وجعلها في غيرهم"، رواه أبو نعيم والطبراني (¬2). ¬

_ (¬1) صحيح مسلم بشرح النووي (6793) ولفظ الحديث عنده: "من نفَّس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفَّس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسَّر على معسر يسَّر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مسلمًا ستره الله في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه ... "، الحديث. وباللفظ الذي أورده المصنف رواه القضاعي في مسنده الشهاب برقم (476) من حديث أبي هريرة، انظر: فتح الوهاب للغماري 1/ 383. ومن حديث ابن عمر رضي الله عنهما عند الشيخين: "المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه، ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته ... "، الحديث. البخاري (2442 و 6951)، ومسلم (2580). وله طرق وشواهد كثيرة. * من فوائد الحديث: قال الإِمام النووي: وهو حديث عظيم جامع لأنواع العلوم والقواعد والآداب، ومعنى "نفس كربة": أزالها. وفيه فضل قضاء حوائج المسلمين، ونفعهم بما تيسر من علم أو معاونة أو إشارة بمصلحة أو نصيحة وغير ذلك. انتهى من شرح مسلم 8/ 23. (¬2) الحديث في الحلية 10/ 215، وعند الطبراني في الكبير (13334)، وفي =

الحديث التاسع والعشرون

الحديث التاسع والعشرون عن سَمُرة بن جُندب رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أفضل الصدقة صدقة اللسان". قيل: يا رسول الله، وما صدقة اللسان؟ قال: "الشفاعة، تفك بها الأسير، وتحقن بها الدم، وتجر بها المعروف إلى أخيك، وتدفع عنه كريهته"، رواه الطبراني والبيهقي. (¬1). ¬

_ = الأوسط من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص (5158) و (8346)، قال في مجمع الزوائد 8/ 192: (وفيه محمد بن حسان السمين، وثقه ابن معين وفيه لين، ولكن شيخه أبو عثمان عبد الله بن زيد الحمصي ضعفه الأزدي). انتهى. وهو عند ابن أبي الدنيا برقم (5) في قضاء الحوائج، ورمز له السيوطي بالحسن في الجامع الصغير" برقم (2352). * من فوائد الحديث: قوله: "حوَّلها في غيرهم": أي لمنعهم الإِعطاء للمستحق، {إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} [الرعد: 11]، فالعاقل الحازم من يستديم النعمة ويداوم على الشكر. من فيض القدير 2/ 487، حديث (2352). (¬1) الطبراني في مكارم الأخلاق (131)، والبيهقي في شعب الإِيمان برقم (7682) و (7683)، وهو من طريق الحسن عن سمرة، والخلاف في سماع الحسن منه مشهور. قال في مجمع الزوائد 8/ 194: (وفي أبو بكر الهذلي وهو ضعيف). انتهى. وقال المناوي في الفيض 2/ 93: (وأقول أيضًا: عند البيهقي: مروان بن جعفر السمري أورده الذهبي في الضعفاء وقال: قال الأزدي: تكلموا فيه). انتهى. والحديث في المعجم الكبير للطبراني برقم (6962)، وفي مسند الشهاب للقضاعي برقم (1279). ومعناه واضح.

الحديث الثلاثون

الحديث الثلاثون عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن من موجبات المغفرة إدخالك السرور على أخيك، إشباع جوعته، وتنفيس كربته"، رواه الحارث بن [أبي] أسامة في مسنده (¬1). الحديث الحادي والثلاثون عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رجل: يا رسول الله، أيُّ العمل أفضل؟ قال: "أن تُدخل على أخيك المسلم سرورًا، أو تقضي عنه دينًا، أو تطعمه خبزًا"، رواه الطبراني في مكارم الأخلاق (¬2). ورواه أيضًا عن الحسن بن علي ولفظه: "إن من موجبات المغفرة إدخالك السرور على أخيك المسلم". ¬

_ (¬1) ورواه كذلك الطبراني في مكارم الأخلاق برقم (157)، ولفظه: "إن من موجبات المغفرة: إطعام المسلم السغبان، قال الله عزَّ وجل: {فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ (14)} [البلد: 14]). انتهى. وهو عند الحاكم في المستدرك، وصحَّحه وأقرَّه الذهبي 2/ 542، وابن أبي الدنيا في قضاء الحوائج رقم (34) من حديث أنس، ورمز له السيوطي بالضعف، حديث (2500) الجامع الصغير. (¬2) حديث أبي هريرة عند الطبراني في مكارم الأخلاق برقم (91). وحديث الحسن بن علي رضي الله عنهما عند الطبراني في الأوسط (8241)، والكبير (2738) ولفظه فيه: "إن من واجب المغفرة". قال الهيثمي في المجمع 8/ 192: (وفيه الجهم بن عثمان ضعَّفوه). انتهى. وهو من حديث عبد الله بن حسين بن الحسن، عن أبيه عن جده الإِمام الحسن، قال الهيثمي 8/ 193: (وعبد الله هذا من أئمة أهل البيت وعبادهم، روى عن عبد الله بن جعفر وكبار التابعين، وعنه مالك والزهري، وأثنى عليه الكبار). انتهى.

الحديث الثاني والثلاثون

الحديث الثاني والثلاثون عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "والذي نفسي بيده لا يضعُ الله الرحمة إلَّا على رحيم"، قلنا: يا رسول الله؛ كلنا رحيم، قال: "ليس الذي يرحم نفسه وأهله خاصة، ولكن الذي يرحم المسلمين"، رواه أبو يعلى والطبراني (¬1). الحديث الثالث والثلاثون عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "قال الله عزَّ وجلّ: إن كنتم تريدون رحمتي فارحموا خلقي"، رواه ابن عدي في الكامل (¬2). الحديث الرابع والثلاثون عن ابن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "الرَّاحمون يرحمهم الرَّحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء"، رواه أحمد وأبو داود والترمذي والحاكم (¬3). ¬

_ (¬1) الحديث عند أبي يعلى (4242)، باختلاف يسير، وعند الطبراني في مكارم الأخلاق (40)، قال في المجمع 8/ 178: (رواية أبي يعلى رجالها رجال الثقات، إلَّا أن ابن إسحاق مدلس، وهو معروف من رواية أبي نعيم والحلبي عن خالد بن عمرو، وأظن أنَّ أبان سرقه من أبي نعيم). انتهى. وهو عند الحكيم في نوادر الأصول 394. (¬2) الحديث عند ابن عدي في الكامل 6: 1289، في ترجمة محمد بن الوليد القلانسي، قال ابن عدي: (وهذا لا أعلم رواه عن الليث غير خالد بن عمرو). انتهى منه، وقال في الميزان (2448): كذبه الفريابي، ووهاه ابن عدي وغيره. انتهى. (¬3) هذا الحديث هو المشهور عند جماهير المحدثين بحديث الرحمة المسلسل =

الحديث الخامس والثلاثون

الحديث الخامس والثلاثون عن جرير رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من لا يَرحم لا يُرحم، ومن لا يَغفر لا يُغفر له"، رواه الطبراني (¬1). ¬

_ = بالأولية، قال الترمذي (2944): حسن صحيح، وأخرجه أحمد في مسنده 2/ 160، وأبو داود (4941) والحاكم وصححه وأقره الذهبي 4/ 159، وجزم ابن العراقي بصحته. قال السيد عبد الحي الكتاني في فهرس الفهارس 1/ 93: (تداولته الأمة، واعتنى به أهل الصناعة، فقدموه في الرواية على غيره ليتم لهم بذلك التسلسل). وإني أرويه بحمد الله عن عدد من الأكابر منهم بشرطة، منهم: شيخنا العلَّامة الكبير عبد الفتاح أبو غدة، وسيدي الإِمام أبي الحسن الندوي، رحمهما الله تعالى، وعن جمع من علماء العصر ومسنديه، وأسانيدهم مفصَّلة في أثباتهم كـ (إمداد الفتاح) ثبت سيدي الشيخ عبد الفتاح أبو غدة، وهو كتاب محرَّر ونفيس في فنه طُبِع مؤخرًا، جمعه أخونا الفاضل البحاثة المسند المؤرخ الأستاذ محمد بن عبد الله الرشيد. وقد أفرده عدد من الحفاظ بأجزاء مستقلة، منهم الحافظ مرتضى الزبيدي بجزء سماه (العروس المجلية)، يقوم بتحقيقه الأخ الفاضل البحاثة الشيخ محمد بن ناصر العجمي، وسيطبع ضمن هذه السلسلة. (¬1) الحديث عند الطبراني في مكارم الأخلاق برقم (44)، والمعجم الكبير برقم (2475) بنفس الإِسناد، وأخرجه الإِمام أحمد في المسند بنفس اللفظ برقم (19141)، ووثق الحافظ الهيثمي في مجمع الزوائد رواية أحمد وسكت عن رواية الطبراني، مجمع 10/ 193، وقال: (رجال أحمد رجال الصحيح). انتهى. وهذا ما جعل المناوي يقول في فيض القدير: (فأفهم -أي صنيع الهيثمي- أن رجال الطبراني ليسوا كذلك، وقد يقال: لا مانع من كونه صحيحًا =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = مع كون رجاله غير رجال الصحيح وقال المنذري: إسناده صحيح). انتهى. شرح الحديث رقم (9094) من الجامع الصغير. وأوله في صحيح الإِمام البخاري في كتاب الأدب برقم (6013)، وعند الإِمام مسلم في الفضائل -باب رحمة النبي الصبيان والعيال برقم (5982)، والترمذي في البر باب رحمة الولد (1911) وكذا أبو داود في الأدب (5218) بألفاظ متقاربة. وزاد في المعجم الكبير للطبراني: "ومن لم يتب لا يُتب عليه" رقم (2475). * من فوائد الحديث: قال الإِمام؛ أبو العباس أحمد بن عمر القرطبي: (ولا يفهم من هذا أن الرحمة التي وصف الحقُّ بها نفسه هي: رقة وحنوّ كما هي في حقنا؛ لأن ذلك تغير يوجب للمتصف به الحدوث، والله تعالى منزه ومقدس عن ذلك وعن نقيضه الذي هو القسوة والغلظ، وإنما ذلك راجع في حقنا إلى ثمرة تلك الرأفة وفائدتها، وهي: اللطف بالمبتلى والضعيف، والإِحسان إليه، وكشف ما هو فيه من البلاء، فإذًا هي في حقه سبحانه وتعالى من صفات الفعل لا من صفات الذات، وهذا كما تقدم في غضبه تعالى ورضاه في غير موطن. وإذا تقرر هذا، فمن خلق الله تعالى في قلبه هذه الرحمة الحاملة له على الرفق وكَشْف ضر المبتلى فقد رحمه الله تعالى بذلك في الحال، وجعل ذلك علامة على رحمته إياه في المآل، ومن سلب الله ذلك المعنى منه وابتلاه بنقيض ذلك من القسوة والغلظ ولم يلطف بضعيف، ولا أشفق على مبتلى فقد أشقاه الله في الحال وجعل ذلك علمًا على شقوته في المآل، نعوذ بالله من ذلك). انتهى المراد من "المفهم بشرح صحيح مسلم"، للإِمام القرطبي، وفيه كلام نفيس فينظر: 6/ 108، وما بعدها في شرح الحديث رقم (2228 - 2229) بترقيم الكتاب.

الحديث السادس والثلاثون

الحديث السادس والثلاثون عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "الخلق عيال الله فأحبُّهم إلى الله أنفعُهُم لعيالِه"، رواه أبو يعلى والبزار (¬1). الحديث السابع والثلاثون عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "خير الناس أنفعهم للناس"، رواه القضاعي (¬2). ¬

_ (¬1) الحديث عند أبي يعلى (3315)، وعند البزار (1949)، وفيه يوسف بن عطية أبو سهل الصفار، قال في الميزان (9877): مجمع على ضعفه ... وكناه البخاري أبا سهل، وقال: منكر الحديث)، وساق هذا الخبر من مناكيره. ورواه الطبراني في المكارم (87) من طريقه، وكذلك ابن أبي الدنيا في الحوائج (24)، والطبراني في المكارم (210). قال في "المجمع 8/ 191: (ويروى عن ابن مسعود بنفس اللفظ عند الطبراني في الكبير والأوسط، وفيه عمير وهو أبو هارون القرشي متروك). انتهى. * معنى الحديث: قوله: (الخلق عيال الله): أي فقراؤه، وهو الذي يعولهم، قال العسكري: هذا على المجاز والتوسع، فإنه تعالى لما كان المتضمن لأرزاق العباد الكافل بها كان الخلق كعياله، والعادة أن السيد يحب الإِحسان إلى عبيده وحاشيته ويجازي عليه. وفيه حث على فضل قضاء حوائج الخلق ونفعهم بما تيسر. انتهى من فيض القدير حديث (4135). وفي المعنى يقول أبو العتاهية: عيال الله أكرمهم عليه ... أبثهم المكارم في عياله ولم تر مثنيًا في ذي فعال ... عليه قط أفصح من فعاله أوردها في الفيض، وفي كشف الخفاء (1220). (¬2) الحديث في مسند الشهاب (1234)، وفيه عمرو بن بكر السكسكي، قال في =

الحديث الثامن والثلاثون

الحديث الثامن والثلاثون عن سعد رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "هَلْ تُنْصَرُونَ وتُرْزَقُونَ إلَّا بضُعَفَائِكُم بِدَعْوَتِهمْ وإخْلاَصِهمْ"، رواه أبو نعيم في الحلية. وزاد النسائي: "بِدَعْوتِهمْ وصَلاَتِهمْ وإخْلاَصِهِمْ" (¬1). ¬

_ = الميزان (6337): (واه، قال ابن حبان: يروي عن الثقات الطامات)، ثم ساق له هذا الحديث. وهو عند الطبراني في الكبير (13646)، والصغير 2/ 35، وفي الأوسط (5783)، وأورده السيوطي في الجامع ورمز له بالحسن (4044). * معنى الحديث: قال بعضهم: هذا يفيد أن الإِمام العادل خير الناس، أي بعد الأنبياء لأن الأمور التي يعم نفعها ويعظم وقعها لا يقوم بها غيره، وبه نفع العباد والبلاد. من فيض القدير 3/ 48، شرح حديث رقم (4044). (¬1) الحديث في الحلية 8/ 290، وسنن النسائي 6/ 45، وأوله: "إنما ينصر الله هذه الأمة ... " الحديث ورواية أخرى عنده من حديث أبي الدرداء رضي الله عنه في نفس الموضع. بل الحديث في صحيح الإِمام البخاري في كتاب الجهاد برقم (2896) من حديث مصعب بن سعد عن أبيه، ولم يصرح بالسماع من أبيه عند البخاري فهو مرسل عنده. لكن ذكر الإِمام النووي في رياض الصالحين أن الحافظ البرقاني روى الحديث في صحيحه المستخرج على البخاري متصلًا عن مصعب عن أبيه، وذكر الإِمام النووي أن له رواية عند أبي داود من حديث أبي الدرداء، رياض الصالحين 184، حديث (271). * من فوائد الحديث: الاستفهام للتقرير، أي ليس النصر وإدرار الرزق لا ببركتهم، فأبرزه في صورة الاستفهام ليدل على مزيد التقرير والتوبيخ، وذلك لأنهم -أي الضعفاء- أشد =

الحديث التاسع والثلاثون

الحديث التاسع والثلاثون عن النعمان بن بشير رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مثل المؤمنين في توادِّهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمَّى"، رواه الشيخان البخاري ومسلم. وفي لفظ لمسلم: "المسلمون كرجل واحد إن اشتكى عينه اشتكى كله، وإن اشتكى رأسه اشتكى كله" (¬1). الحديث الأربعون عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "المؤمِنُ مِرْآةُ المؤمن، المؤمنُ أَخو المؤمن حيثُ لَقِيهُ يَكُفُّ عَلَيه ضَيْعتَه ويحفظُه من وَرَائِه ويحُوطُه"، رواه الطبراني (¬2). ¬

_ = إخلاصًا في الدعاء وأكثر خضوعًا في العبادة؛ لخلاء قلوبهم عن التعلق بزخرف الدنيا مما يقطع عن الله، فجعلوا همهم واحدًا، فتركت أعمالهم وأجيب دعاؤهم، واستدل الشافعية على ندب إخراج الشيوخ والصبيان في الاستسقاء. وبين قوله "بدعوتهم": أنه لا يلزم من الضعف والصعلكة عدم القوة في البدن، ولا عدم القوة في القيام بالأوامر الإِلهية، فلا يعارض الأحاديث التي مدح فيها الأقوياء، ولا خبر: "إن المؤمن القوي أحب إلى الله من المؤمن الضعيف". انتهى من فيض القدير شرح الحديث رقم (9591). (¬1) حديث النعمان بن بشير عند البخاري، ومسلم (2586) باب تراجم المؤمنين، والرواية الأخرى عند مسلم (2586/ 67). (¬2) الحديث عند الطبراني في مكارم الأخلاق (92) وفيه عبد العزيز بن محمد الدراوردي، قال في الميزان (5125): (صدوق من علماء المدينة، وقال أبو حاتم: لا يحتج به). انتهى. وقال الزين العراقي: إسناده جيد، عن فيض =

وفي البخاري عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "انصُرْ أَخَاكَ ظَالِمًا أو مَظْلومًا"، فقال رجل: يا رسول الله؟ أنصره إذا كان مظلومًا، أفرأيت إن كان ظالمًا كيف أنصره؟ قال: "تَحجِزُه أو تَمْنعُه من الظُّلمِ فإنَّ ذَلِك نَصْرُه"، وفي لفظ: كيف أنصره؟ قال: "تَأْخُذُ فَوقَ يَدِه" (¬1). * * * ¬

_ = القدير 6/ 252، وأخرجه أبو داود عن أبي هريرة في الأدب (باب في النصيحة)، والبزار والقضاعي وابن المبارك في البر. مقاصد (1228). * معنى الحديث: قوله: (مرآة المؤمن ... إلخ) كل إنسان مشهده عائد عليه، ومن ثم قالوا: من مشهدك يأتيك روح مددك، قال بعض العارفين: كن رداء وقميصًا لأخيك المؤمن، وحطه من ورائه واحفظه في نفسه وعرضه وأهله، فإنك أخوه بالنص القرآني، فاجعله مرآة ترى يها نفسك، فكما يزيل عنك كل أذى تكشفه لك المرآة، فأزل عنه كل أذى به عن نفسه. من فيض القدير 6/ 252. (¬1) حديث أنس عند البخاري في باب اللقطة (2443) و (2444)، وفي باب الإِكراه (6952)، قال الحافظ: قوله: "تأخذ فوق يديه" كنى به عن كفه عن الظلم بالفعل إن لم يكن بالقول، وعبر بالفوقية: إشارة إلى الأخذ والاستعلاء والقوة ... قال ابن بطال: النصر عند العرب: الإِعانة، وتفسيره لنصر الظالم بمنعه من الظلم: من تسمية الشيء بما يؤول إليه، وهو من وجيز البلاغة. قال ابن المنير: فيه إشارة إلى أن الترك كالفعل في باب الضمان وتحته فروع كثيرة. لطيفة: ذكر المفضل الضبي في كتابه "الفاخر": أن أول من قال (انصر أخاك ظالمًا أو مظلومًا) جندب بن العنبر بن عمرو بن تميم، وأراد بذلك ظاهره، وهو ما اعتاده من حمية الجاهلية، لا على ما فسره النبي - صلى الله عليه وسلم -، وفي ذلك يقول شاعرهم: إذا أنا لم أنصر أخي وهو ظالم ... على القوم لم أنصر أخي حين يظلم انتهى، من فتح الباري 5/ 388.

خاتمة

خَاتمَة لا بأس بذكرها هنا تناسب المقام: روى عبد الرزاق والبيهقي، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "البِرُّ لا يَبْلَى، والإِثْمُ لا يُنسَى، والديَّانُ لا يموت، فَكُن كما شِئتَ، كمَا تدينُ تُدانُ" (¬1). وروى إمامنا أحمد عن مالك بن دينار قال: (مكتوب في التوراة: تدين تدان، وكما تزرع تحصد) (¬2). ¬

_ (¬1) الحديث رواه البيهقي في الشعب برقم (10664) من حديث أبي الدرداء، والسيوطي في الجامع برقم (3199) ورمز له بالحسن. وقال المناوي: (ووصله أحمد، فرواه في الزهد من هذا الوجه بإثبات أبي الدرداء من قوله، وهو منقطع على وقفه. ورواه أبو نعيم والديلمي مسندًا عن ابن عمر يرفعه، وفيه محمد بن عبد الملك الأنصاري: ضعيف، وحينئذٍ فاقتصار المصنف على رواية إرساله قصور أو تقصير). انتهى. وقال ابن حجر: له شاهد مرسل خرجه عبد الرزاق عن أبي قلاب يرفعه، قال: ورجاله ثقات. ورواه أحمد في الزهد عن أبي قلابة قال: قال أبو الدرداء فذكره. انتهى من الفيض، حديث (3199). (¬2) الزهد للإِمام أحمد: 154، وفي المقاصد: أخرجه البيهقي في الكلام على (الديان) من الأسماء والصفات، وفي الزهد كلاهما له من جهة عبد الرزاق، =

وروى الديلمي في مسند الفردوس، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "مكتوبٌ في الإِنجيلِ: كما تَدينُ تُدانُ، وبالكيلِ الَّذي تكِيلُ بِه يُكالُ لك" (¬1). * * * وفي هذا القدر كفاية وذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السَّمع وهو شهيد، نسأله سبحانه أن يجعلنا ممَّن سمع الموعظة فوسماها بقلب حاضر وعقل سديد، وأن يرزقنا من فضله وإحسانه المزيد، وأن لا يجعل الدنيا أكبر همِّنا، ولا مبلغ علمنا، وأن لا يسلِّط علينا بذنوبنا من لا يرحمنا، وأن يقبضنا قبل ظهور الفتن، وأن يرزقنا كل خُلق حسن، مع مزيد فضل ومنن، آمين. تمَّ بخط مؤلِّفه مرعي الحنبلي المقدسي، خادم الفقراء بالجامع الأزهر في أوائل ذي الحجة من شهور سنة إحدى وثلاثين وألف (¬2) * * * ¬

_ = وكذلك هو في جامعه عن معمر عن أيوب عن أبي قلابة رفعه به مرسلًا، ووصله أحمد فرواه في الزهد له من هذا الوجه بإثبات أبي الدرداء وجعله من قوله وهو منقطع مع وقفه. انتهى. (¬1) أورده السيوطي في الجامع الصغير برقم (8198)، وعزاه للديلمي ولفظه: "وبالكيل الذي تكيل به تكتال"، وذكر أنه من حديث فضالة بن عبيد. قال المناوي: (ظاهر صنيع المصنف أن الديلمي أسنده في مسند الفردوس، وليس كذلك، بل ذكره بغير سند وبيض له). انتهى من الفيض. (¬2) أي قبل وفاته بسنتين. وزاد رحمه الله العبارة الآتية بخطه: (روى الإِمام الطبراني أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "تحفظوا من الأرض فإنها أمكم، وإنه ليس أحد عامل عليها خيرًا أو شرًّا إلَّا =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = وهي مخبرة به" [الطبراني في المعجم الكبير برقم (2596)، من حديث ربيعة الجرشي، وأوله: "استقيموا ونعمَّا إن استقمتم". قال الهيثمي في مجمع الزوائد 1/ 241: (وفيه ابن لهيعة وهو ضعيف). انتهى]. هذا، وقد دل العقل والنقل والفطر وتجارب الأمم على اختلاف أجناسها ومللها ونحلها على أن التقرب إلى رب الأرباب، وطلب مرضاته، والإِحسان إلى خلقه: من أعظم الأسباب الجالبة لكل خير. وأضدادها: من أكبر الأسباب الجالبة لكل شر. فما استجلبت نعم الله واستدفعت نقمه بمثل طاعته والتقرب إليه والإِحسان إلى خلقه. وقد رتب الله سبحانه حصول الخيرات في الدنيا والآخرة، وحصول السرور في الدنيا والآخرة في كتابه العزيز على الأعمال، ترتب الجزاء على الشرط، والعلة على المعلول، والمسبب على السبب فقال سبحانه: {إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ} [الأنفال: 29]، وقال سبحانه: {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ} [النساء: 31]، وقال: {لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ} [إبراهيم: 7]، وقال: {فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ (143) لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} [الصافات]. وبالجملة فالقرآن من أوله إلى آخره صريح في ترتب الجزاء بالخير والشر، والأحكام الشرعية على الأسباب، بل أحكام الدنيا والآخرة ومصالحهما ومفاسدهما مرتبة على الأسباب والأعمال، ومن فَقِه هذه المسألة وتأملها حق التأمل انتفع بها غاية النفع. اللَّهُمَّ انفعنا بما علَّمتنا، ووفِّقنا لما به أمرتنا، واكفنا ما أهمنا، وتوفَّنا على الإِسلام وأنت راض عنا، آمين). انتهى ما وجد بخط المصنف. يقول المعتني غفر الله له: ° فرغت من تبييض هذا التخريج في شهر جمادى الآخرة من عام 1420 للهجرة بمدينة تريم الغناء مهد العلماء والصالحين بوادي حضرموت من الديار =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = اليمنية، أثناء الدراسة بكلية الشريعة (جامعة الأحقاف)، وأعدت النظر فيها بثغر جُدة تحت نظر أستاذنا الفاضل الشيخ مسجد مكي الحلبي وفقه الله. ° وفرغت من مقابلة منسوخة الكتاب على مصورة الأصل الذي بخط المصنف في المسجد الحرام تجاه الكعبة المشرفة بصحن المطاف، ليلة 28 من شهر رمضان المبارك من عام 1420 للهجرة النبوية بقراءتي على عالم البحرين شيخنا الفاضل نظام بن محمد صالح يعقوبي نفع الله به. ° كما قام الأخوين الكريمين الشيخ محمد بن ناصر العجمي والشيخ رمزي دمشقية بمقابلة مخطوطة دار الكتب المصرية على نسخة المؤلف في بيروت فجزاهما الله كل خير. والحمد لله أوَّلًا وآخرًا وصلى الله على سيِّدنا وشفيعنا وقرَّة أعيننا محمد - صلى الله عليه وسلم - وعلى آله الطيِّبين الطَّاهرين وصحابته والتَّابعين

§1/1