القول السديد في بعض مسائل الاجتهاد والتقليد

ابن مُلّا فَرُّوخ

مقدمة المؤلف

مُقَدّمَة الْمُؤلف بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم وَبِه نستعين وَعَلِيهِ نتوكل الْهم أرنا الْحق حَقًا واهدنا لإتباعه وأرنا الْبَاطِل بَاطِلا ووفقنا لاجتنابه الْحَمد لله لذاته وَجَمِيل صِفَاته وَالشُّكْر لَهُ على آلائه ونعمائه وعطائه وهباته وَالصَّلَاة وَالسَّلَام على عَبده وَرَسُوله الْمَبْعُوث بِالدّينِ المتين وَالْكتاب الْمُبين سيدنَا ومولانا وَنَبِينَا مُحَمَّد الرَّسُول الْأمين وعَلى آله وَأَصْحَابه الهداة المهتدين أما بعد فَهَذِهِ تعليقة موسومة بالْقَوْل السديد فِي بعض

مسائل الاجتهاد والتقليد

مسَائِل الِاجْتِهَاد والتقليد

الكلام في هذه المسائل على فصول

أذكر فِيهَا مَا حضرني من بعض مسَائِل الِاجْتِهَاد والتقليد واقتداء الْمُقَلّد بِإِمَام يرى خلاف قَول مقلده بِفَتْح اللَّام إِمَّا اجْتِهَادًا أَو تقليدا وَمَا يتَعَلَّق بذلك ويتذيل عَلَيْهِ غير متصد للتتبع فِي ذَلِك بل قيدت مَا سنح للخاطر الفاتر فِي الْوَقْت الْحَاضِر من غير تقيد بمراجعة فِي ذَلِك وَهِي نبذة يسيرَة ونزر يسير من سئ كثير فَأَقُول وَبِاللَّهِ الْإِعَانَة الْكَلَام فِي هَذِه الْمسَائِل على فُصُول

الفصل الأول

الْفَصْل الأول إعلم أَنه لم يُكَلف الله تَعَالَى أحدا من عباده بِأَن يكون حنفيا أَو مالكيا أَو شافعيا أَو حنبليا بل أوجب عَلَيْهِم الْإِيمَان بِمَا

بعث بِهِ مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْعَمَل بِشَرِيعَتِهِ غير أَن الْعَمَل بهَا مُتَوَقف على الْوُقُوف عَلَيْهَا وَالْوُقُوف عَلَيْهَا لَهُ طرق فَمَا كَانَ مِنْهَا مِمَّا يشْتَرك بِهِ الْعَوام وَأهل النّظر كَالْعلمِ بفريضة الصَّلَاة وَالزَّكَاة وَالصَّوْم وَالْحج وَالْوُضُوء اجمالا وكالعلم بِحرْمَة الزِّنَا وَالْخمر واللواطة وَقتل النَّفس وَغير ذَلِك مِمَّا علم من الدّين

بِالضَّرُورَةِ فَذَلِك لَا يتَوَقَّف فِيهِ على إتباع مُجْتَهد وَمذهب معِين بل كل مُسلم عَلَيْهِ اعْتِقَاد ذَلِك فَمن كَانَ فِي الْعَصْر الأول فَلَا يخفي وضوح ذَلِك فِي حَقه وَمن كَانَ فِي الْأَعْصَار الْمُتَأَخر فلوصول ذَلِك إِلَى علمه ضَرُورَة من الْإِجْمَاع والتواتر وَسَمَاع الْآيَات وَالسّنَن أَي الْأَحَادِيث الشَّرِيفَة المستفيضة المصرحة بذلك فِي حق من وصلت إِلَيْهِ وَأما مَالا يتَوَصَّل إِلَيْهِ إِلَّا بِضَرْب من النّظر وَالِاسْتِدْلَال فَمن كَانَ قَادِرًا عَلَيْهِ بتوفر آلاته وَجب عَلَيْهِ فعله كالأئمة الْمُجْتَهدين رضوَان الله عَلَيْهِم أَجْمَعِينَ وَمن لم يكن لَهُ قدرَة عَلَيْهِ وَجب عَلَيْهِ اتِّبَاع من أرشده إِلَى مَا كلف بِهِ

مِمَّن هُوَ من أهل النّظر وَالِاجْتِهَاد وَالْعَدَالَة وَسقط عَن الْعَاجِز تَكْلِيفه بالبحث وَالنَّظَر لعَجزه بقوله تبَارك وَتَعَالَى {لَا يُكَلف الله نفسا إِلَّا وسعهَا} وَقَوله عز من قَائِل {فاسألوا أهل الذّكر إِن كُنْتُم لَا تعلمُونَ} وَهِي الأَصْل فِي اعْتِمَاد التَّقْلِيد كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ الْمُحَقق الْكَمَال ابْن الْهمام فِي التَّحْرِير

فصل

فصل إِذا علمت ذَلِك فَاعْلَم أَن أَبَا حنيفَة ومالكا وَالشَّافِعِيّ وَأحمد بن مُحَمَّد بن حَنْبَل رَحْمَة الله عَلَيْهِم أَجْمَعِينَ كل كَانَ من أهل الذّكر الَّذين وَجب سُؤَالهمْ لمن لم يصل إِلَى دَرَجَة النّظر وَالِاسْتِدْلَال فَإِذا عمل أحد منالمقلدين فِي طَهَارَته وَصلَاته اَوْ شَيْء مِمَّا جرى بِهِ التَّكْلِيف بقول وَاحِد مِنْهُم مُقَلدًا لَهُ فِيهِ أَو صَادف قَوْله وَلَو لم يعلم بِهِ حِين الْعَمَل فقلده فِيهِ بعد انقضائه على

مَا ظهر لي فِي الْمَسْأَلَة كَمَا يدل عَلَيْهِ مَا اسْتشْهد بِهِ فِي المسالة بعد هَذَا فقد أدّى مَا عَلَيْهِ وَلَيْسَ لأحد مِمَّن هُوَ فِي دَرَجَته التَّقْلِيد لَهُ قلت بل وَلَا للمجتهد الْإِنْكَار عَلَيْهِ كَمَا صرح بِهِ (فِي غير كتاب) عندنَا من تصانيف الصَّدْر الشَّهِيد حسام الدّين وَغَيره من

كتب الْمَذْهَب الْمُعْتَبرَة كالتجنيس والمزيد لشيخ الْإِسْلَام برهَان الدّين صَاحب الْهِدَايَة كَمَا نقلته بخطي عَنْهَا فِي مظانه

إِذا ثَبت ذَلِك فَلَيْسَ لحنفي أَو مالكي أَو شَافِعِيّ من المقلدين أَن يمْتَنع من الِاقْتِدَاء بِالْإِمَامِ الْمُخَالف لمذهبه و (لَيْسَ لَهُ أَن يحْتَج) بِأَنِّي لما قلدت الشَّافِعِي أَو أَبَا حنيفَة مثلا فقد وَجب على الحكم بِبُطْلَان مَا خَالف اجْتِهَاده لأننا نقُول إِنَّمَا أُبِيح التَّقْلِيد بِقدر الضَّرُورَة وَذَلِكَ ينْدَفع بتقليدك لَهُ فِي عَمَلك وكيفيته فَقَط (وَإِن شِئْت قل فِي كَيْفيَّة إِيقَاع مَا كلفت بِهِ فَقَط) وَأما الحكم بِبُطْلَان مخالفه فَلَيْسَ ذَلِك إِلَيْك بل للْكَلَام مجَال فِي تسويغ ذَلِك للمجتهد الَّذِي قلدته

وَأما أَنْت وَمن هُوَ فِي مرتبتك من المقلدين فَقَوْل كل مُجْتَهد عِنْده على حد سَوَاء إِذْ لَيْسَ التَّرْجِيح بِالدَّلِيلِ من

وظائفك ولكنت فِي درجتهم وَوَجَب عَلَيْك الِاجْتِهَاد وارتفع التَّقْلِيد وَلَكِن لابد للْعَمَل فِي تَصْحِيحه من مُسْتَند فَأَنت استندت إِلَى إمامك وَنعم الإِمَام وَهَذَا الآخر اسْتندَ إِلَى إِمَام فِي فعله مثل إمامك أَو أَعلَى مِنْهُ فَلَا يمكنك الحكم على عمله بِالْبُطْلَانِ الْبَتَّةَ فلست حِينَئِذٍ فِي تخلفك عَن الِاقْتِدَاء بِهِ إِلَّا عَاملا بمحض التعصب وَقد نَص عُلَمَاؤُنَا وَغَيرهم من أَصْحَاب الْمذَاهب على حُرْمَة التعصب وتصويب الصلابة فِي الْمَذْهَب وَمعنى الصلابة أَي الثَّبَات على مَا ظهر للمجتهد من الدَّلِيل وَلَيْسَ ذَلِك إِلَّا للمجتهد نَفسه أَو لمن هُوَ من أهل النّظر مِمَّن أَخذ بقوله

والتعصب هُوَ الْميل مَعَ الْهوى لأجل نصْرَة الْمَذْهَب ومعاملة

الإِمَام الآخر ومقلديه بِمَا يحط عَنْهُم وَقد نَص فِي جَوَاهِر

الفتاوي وَغَيرهَا من كتب أَصْحَابنَا أَن الإِمَام الشَّافِعِي رَحمَه الله تَعَالَى لم يكن لَهُ تعصب على أَئِمَّتنَا رَحِمهم الله تَعَالَى وَقد كَانَ الصَّحَابَة رَضِي الله عَنْهُم يَقْتَدِي بَعضهم بِبَعْض وَكَذَا التابعون لَهُم وَفِيهِمْ المجتهدون وَلم ينْقل عَن أحد من السّلف رَحِمهم الله تَعَالَى أَنه كَانَ لَا يرى الِاقْتِدَاء بِمن يُخَالف قَوْله فِي بعض الْمسَائِل وَلَو فِي خُصُوص الطَّهَارَة وَالصَّلَاة بل كَانَ يَقْتَدِي بَعضهم بِبَعْض وَرُبمَا اعْتقد بَعضهم ولَايَة بعض حَتَّى أَن الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ بعث يطْلب قَمِيص الإِمَام أَحْمد بن حَنْبَل من بَغْدَاد

يستشفي بِهِ فِي مُدَّة مَرضه بِغسْلِهِ وَشرب مَائه كَمَا رَأَيْته مثبتا فِي مَنَاقِب أَحْمد رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم يُعَامل بَعضهم بَعْضًا كَمَا يعلم ذَلِك من سيرهم وأحوالهم وَلَا يلْتَفت إِلَى مَا قد تمسك بِهِ من لَا معرفَة عِنْده بِأَن الِاخْتِلَاف بَينهم لم يكن بَينهم بِهَذِهِ الصّفة الَّتِي عَلَيْهَا الْمذَاهب الْآن لأَنا قد قَررنَا أَن ذَلِك لَا يمْنَع لِأَن الْكل كَانُوا فِي طلب الْحق على

حد متساو واجتهاد كل وَاحِد مِنْهُم يحْتَمل الْخَطَأ كَغَيْرِهِ بعد تَسْلِيم بلوغهم دَرَجَة الِاجْتِهَاد وَإِن تفاوتوا فِيهِ فَإِن قلت قد نقل الإِمَام حَافظ الدّين النَّسَفِيّ صَاحب

الْكَنْز وَالْكَافِي فِي مصفاة عَن الْمَشَايِخ الْمُتَقَدِّمين إِنَّا إِذا

سئلنا عَمَّا ذَهَبْنَا إِلَيْهِ فِي الْفُرُوع نجيب بَان مَا ذَهَبْنَا إِلَيْهِ صَوَاب يحْتَمل الْخَطَأ وَمَا ذهب إِلَيْهِ الْغَيْر خطا يحْتَمل الصَّوَاب انْتهى بِمَعْنَاهُ وَإِن لم يكن بِلَفْظِهِ وَهَذَا يُوجب امْتنَاع الْمُقَلّد من اتِّبَاع امام يرى مُخَالفَة قَول امامه لكَونه خطأ وَمَا قلد فِيهِ صَوَاب عِنْده قُلْنَا المُرَاد من هَذَا تَخْصِيص أَن مَا ذهب إِلَيْهِ أَئِمَّتنَا هُوَ صَوَاب عِنْدهم مَعَ احْتِمَال الْخَطَأ إِذْ كل مُجْتَهد قد يُصِيب وَقد يُخطئ فِي نفس الْأَمر وَأما بِالنّظرِ إِلَيْنَا فَهُوَ مُصِيب فِي اجْتِهَاده وَهُوَ

معنى مَا رُوِيَ أَن كل مُجْتَهد مُصِيب فَلَيْسَ مَعْنَاهُ أَن الْحق يَتَعَدَّد وَيَنْبَغِي أَن يكون قد أَرَادَ الْكَلَام أَن للمجتهد الحكم ظنا لَا قَطْعِيا بِأَن اجْتِهَاد غَيره خطأ اما نفس الْمُجْتَهد الْمُخَالف فَهُوَ مُصِيب فِي الْعَمَل بِاجْتِهَاد نَفسه لَا مُخطئ فِي ذَلِك وَإِن كَانَ مَحْكُومًا بخطأ إجتهاده عِنْد غَيره لِأَنَّهُ مَأْمُور بإجتهاد نَفسه كَمَا لَا يخفي قَالَ الإِمَام فَخر الْإِسْلَام عَليّ بن مُحَمَّد الْبَزْدَوِيّ فِي شرح

الْجَامِع الصَّغِير فِي مسئلة التَّحَرِّي بالقبلة فِي اللَّيْلَة الْمظْلمَة

وَهَذَا نَص من أَصْحَابنَا على انهم لم يَقُولُوا كل مُجْتَهد مُصِيب خلافًا للمعتزلة فَإِن من نسب ذَلِك إِلَيْهِم فقد تَقول عَلَيْهِم هَذَا لفظ فَخر الْإِسْلَام رَحْمَة الله عَلَيْهِ قلت وَقد ذهب بَعضهم إِلَى أَن الْحق يَتَعَدَّد فِي الْمَسْأَلَة

وَهُوَ مَا أدّى إِلَيْهِ اجْتِهَاد كل مُجْتَهد فِيهَا فقد جعل الله تبَارك وَتَعَالَى حكم الْمَسْأَلَة مَا أدّى إِلَيْهِ اجْتِهَاد كل مُجْتَهد وَلَكِن لَا نقُول بِهِ بل مَعْنَاهُ أَنه مُصِيب فِي اجْتِهَاده ثمَّ الْعَمَل بِهِ وَالْحق عِنْد الله وَاحِد وَلَكِن لما ظهر لَهُم بِالدَّلِيلِ حكم من الْأَحْكَام وَجب عَلَيْهِم اتِّبَاع الدَّلِيل وَمن ضَرُورَة وجوب الِاتِّبَاع التصويب وَإِلَّا فالشرع لَا يَأْمر بِاتِّبَاع الْخَطَأ ثمَّ من ضَرُورَة تصويب قَوْلهم تخطئة قَول مخالفهم مَعَ احْتِمَال الْإِصَابَة من مخالفهم لِأَن الْمُجْتَهد لم يحصل لَهُ إِلَّا الظَّن لَا الْقطع بذلك وَلِهَذَا لَو حكم بِشَيْء من القطعيات فِي العقائد يجْزم بالإصابة وتخطئة الْمُخَالف كَمَا ذكره النَّسَفِيّ فِي تِلْكَ الْمَسْأَلَة فِي الْمُصَفّى أَيْضا فَالْحَاصِل أَن المُرَاد من أَئِمَّتنَا وَمن أَخذ بقَوْلهمْ من أهل النّظر

كمشايخ الْمَذْهَب الْكِبَار الْمُتَقَدِّمين كالشيخ أبي الْحسن الْكَرْخِي وَالْإِمَام أبي جَعْفَر الطَّحَاوِيّ والمتأخرين

مثل شمس الْأَئِمَّة الْحلْوانِي وتلميذه السَّرخسِيّ وفخر الْإِسْلَام الْبَزْدَوِيّ وامثالهم من النظار فِي الْقرن الْخَامِس وَالْإِمَام قَاضِي

خَان وخسرويه صَاحب الْهِدَايَة وأضرابهما من أهل

الانظار ذَوي الْقدر الخطير فِي الْقرن السَّادِس لَو سئلوا لَكَانَ جوابهم مَا ذكره ويرشد إِلَى ذَلِك تَعْبِيره بقوله (لَو سئلنا) وَقَوله (عَمَّا ذَهَبْنَا) إِلَى آخِره وَلم يقل لَو سُئِلَ الْمُقَلّد فَهَذَا الْجَواب مُقَدّر من جَانب الْأَئِمَّة أنفسهم فِيمَا ذَهَبُوا

// إِلَيْهِ وَلَيْسَ المُرَاد أَن يُكَلف كل مقلد أَن يعْتَقد ذَلِك فِيمَا قلد فِيهِ إِذْ ذَلِك تَقْلِيد فِيمَا لَا يحْتَاج إِلَيْهِ وَهُوَ مَمْنُوع كَمَا أفدتك من قبل أَن التَّقْلِيد إِنَّمَا يسوغ بِقدر الضَّرُورَة وَهُوَ مُحْتَاج إِلَى الْعَمَل فَلَا بُد من التَّقْلِيد فِي كَيْفيَّة حُصُوله وَأما اعْتِقَاد صِحَة مَا قلد فِيهِ وَلَا يدْرِي بطلَان كل مَا عداهُ فَلَيْسَ مُكَلّفا فَإِن قلت بل هُوَ مُكَلّف وَإِلَّا لزم إِذا التَّكْلِيف مَعَ اعْتِقَاد عدم صِحَّتهَا قلت لَا يلْزم ذَلِك إِلَّا لَو اعْتقد عدم صِحَة مَا قلد فِيهِ وَنحن لَا نقُول بِهِ بل هُوَ على الصَّوَاب ظَاهر حَيْثُ فعل مَا عَلَيْهِ وَهُوَ الْأَخْذ بقول مُجْتَهد وَأما تخطئة من أَخذ بِخِلَاف قَول

مقلده فَمَا هُوَ مُكَلّف بهَا وَإِذا تقرر هَذَا فَلَا يسوغ لحنفي أَو شَافِعِيّ وجد فِي الْمَسْجِد إِمَامًا على خلاف مذْهبه بعد أَن كَانَ من أهل السّنة وَالْجَمَاعَة ترك الِاقْتِدَاء بِهِ نظرا إِلَى عدم صِحَة صلَاته على مُقْتَضى مَذْهَب إِمَامه

فصل

فصل يُؤَيّد مَا ذكرته مَا نَقله التقى الشمني فِي شرح الْمُخْتَصر

وَالشَّيْخ عُثْمَان الزَّيْلَعِيّ وَصَاحب الْبَحْر الرَّائِق وَغَيرهم عَن الإِمَام الْجَلِيل أبي بكر الرَّازِيّ رَحمَه الله من صِحَة الِاقْتِدَاء بِإِمَام

رعف وَلم يتَوَضَّأ وَهَذَا يشْعر بالاكتفاء باعتقاد الإِمَام نَفسه فِي

صِحَة صلَاته وَلَا عِبْرَة حِينَئِذٍ بفسادها فِي اعْتِقَاد المقتدى كَمَا

اشار إِلَيْهِ النَّسَفِيّ أَيْضا وَهَذَا القَوْل هُوَ الْمَقْصُود رِوَايَته وَإِن اعْتمد خِلَافه رِوَايَة عندنَا وَهُوَ الَّذِي أميل إِلَيْهِ وَعَلِيهِ يتمشى مَا ذَهَبْنَا إِلَيْهِ فِي هَذِه الوريقات أبل أَزِيد وَأَقُول وَالَّذِي يَقْتَضِيهِ النّظر فِيمَا ذَهَبْنَا إِلَيْهِ لَا يَنْبَغِي تَخْصِيص عقيدة الإِمَام بِالِاعْتِبَارِ فِي الصِّحَّة بل نقُول يَكْفِي حُصُول الصِّحَّة على قَول مُجْتَهد سَوَاء فِي ذَلِك مُطَابقَة عقيدة الإِمَام وَالْمَأْمُوم أَو غير مُطَابقَة كَمثل شَافِعِيّ مس فرجه وَصلى

نَاسِيا إِمَامًا واقتدى الْحَنَفِيّ بالشافعي ثمَّ نسي وَدخل فِي الصَّلَاة والحنفي كَانَ عَالما بمسه وَهُوَ ذَاكِرًا لَهُ فَنَقُول لَهُ أَن يَقْتَدِي بِهِ

لِأَنَّهُ فِي حَالَته بعد الْمس وَهُوَ متوضئ فِي اعْتِقَاد الْحَنَفِيّ المقتدى فَيَكْفِي ذَلِك وَقد قَالَ الْمُحَقق فِي فتح الْقَدِير فِي مثل هَذِه الصُّورَة أَن الْأَكْثَر على الصِّحَّة خلافًا للهندواني وَغَيره فَفِي هَذِه الصُّورَة قد اعْتبرنَا إعتقاد الْحَنَفِيّ المقتدى واكتفينا بِصِحَّتِهَا فِي عقيدته وصححنا الِاقْتِدَاء كَمَا أَنه فِي مَسْأَلَة اقْتِدَاء الْحَنَفِيّ بِالْإِمَامِ الَّذِي رعف

وَلم يتَوَضَّأ اكتفينا بِصِحَّتِهَا فِي عقيدة الإِمَام الراعف وصححنا الِاقْتِدَاء بِهِ وَهُوَ الَّذِي نقلوه عَن الإِمَام الرَّازِيّ وَقد ذكر الشَّيْخ الإِمَام الْمُحَقق كَمَال الدّين بن الْهمام فِي شَرحه على الْهِدَايَة عَن شَيْخه الإِمَام سراج الدّين الشهير بقارئ الْهِدَايَة أَنه كَانَ يعْتَقد قَول أبي بكر الرَّازِيّ وَأَنه أنكر مرّة أَن

يكون فَسَاد الصَّلَاة بذلك مرويا عَن الْمُتَقَدِّمين انْتهى وَرَأَيْت فِي رِسَالَة لبَعض الْفُضَلَاء أَن بعض الْفُضَلَاء كَانُوا يرجحون قَول أبي بكر الرَّازِيّ بِنَاء على قُوَّة دَلِيله ووضوح بَيَانه وَهُوَ أَن شَرط صِحَة صَلَاة الْمَأْمُوم صِحَة الإِمَام فِي نَفسهَا كل مُكَلّف إِنَّمَا تصح فِي نَفسهَا إِمَامًا ومأموما بِاعْتِبَار رَأْيه ومذهبه لَا على مَذْهَب الْغَيْر إِذْ كل مُجْتَهد مُطَاع فِي حكمه ومجزي عَن عمله الَّذِي رَآهُ ومثاب عَلَيْهِ وَإِن لم يصب الْحق فالحنفي لَا يجْزم بِفساد صَلَاة مُجْتَهد خرج مِنْهُ الدَّم وَهُوَ يرى انه غير نَاقض وان قطع بفسادها من حَنَفِيّ إبتلى بِهِ على رَأْيه

قَوْله لَا يجْزم وَقَوله وَإِن قطع لَا يخفي إِنَّه لَا جزم وَلَا قطع فِي الظنيات فَالصَّوَاب أَن يُقَال لَا يحكم أَو لَا يَقُول بفسادها وَكَذَا أَن يَقُول وَأَن حكم أَو وَأَن قَالَ بفسادها بدل قَوْله وَإِن قطع قَالَ جَامعهَا وَإِن قطع بفسادها من حَنَفِيّ ابتلى بِهِ بِنَاء على رَأْيه ومذهبه إِلَى آخر مَا ذكر مِمَّا تركت ذكره قصد الِاقْتِصَار على مَا هُوَ الْمَقْصُود مِنْهُ وَكَذَلِكَ أَيْضا أجَاب عَنهُ الشمني فِي شرخ الْمُخْتَصر وَغَيره من المصنفين فِي مَسْأَلَة صِحَة اقْتِدَاء مقلد أبي حنيفَة فِي الْوتر بِمن يرى عدم وُجُوبه بِأَنَّهُ لَا يجب عَلَيْهِ إعتقاد الْوُجُوب يدل أَيْضا على مَا

أرشدتك إِلَيْهِ من أَن التَّقْلِيد إِنَّمَا هُوَ بِقدر الْحَاجة واعتقاد الْوُجُوب فِي عمل لم يجتمعوا على وُجُوبه لَا يجب بل رُبمَا لَا يسوغ كَمَا سَيَأْتِي قَرِيبا فَلذَلِك نقُول الْمُقَلّد مُحْتَاج إِلَى إِيقَاع مَا كلف بِهِ

بطريقته لَا غير فَتنبه فقد نقل صَاحب الْبَحْر الرَّائِق وَهُوَ خَاتِمَة الْمُتَأَخِّرين مَوْلَانَا الْعَلامَة ابْن نجيم رَحمَه الله تَعَالَى فِي الْبَحْر الرَّائِق شرح كنز الدقائق عَن شرح منية الْمصلى إِنَّه صرح بعض مَشَايِخنَا بِأَنَّهُ لَا يَنْوِي فِي الْوتر أَنه

وَاجِب للِاخْتِلَاف فِي وُجُوبه وَنقل هُوَ أَيْضا عَن الْمُحِيط والبدائع أَنه يَنْوِي صَلَاة الْوتر والعيد فَقَط انْتهى وَهَذَا نَص فِيمَا أَشرت إِلَيْهِ

فصل

فصل قد استفاض عِنْد فضلاء الْعَصْر منع التلفيق فِي التَّقْلِيد

وَذَلِكَ بِأَن يعْمل مثلا فِي بعض أَعمال الطَّهَارَة وَالصَّلَاة أَو أحداهما بِمذهب إِمَام وَفِي بعض الْعِبَادَات بِمذهب إِمَام آخر لم أجد على امْتنَاع ذَلِك برهانا بل قد أَشَارَ إِلَى عدم مَنعه الْمُحَقق فِي التَّحْرِير

وَأَنه لم يرد مَا يمْنَع وَنقل منع التلفيق عَن بعض الْمُتَأَخِّرين قَالَ شَارِح تحريره الْعَلامَة ابْن أَمِير حَاج الْقَائِل بِالْمَنْعِ

الْعَلامَة الْقَرَافِيّ رَحمَه الله تَعَالَى قلت والقرافي رجل من فضلاء الْأُصُولِيِّينَ من الْمَالِكِيَّة وَلَا علينا أَن نَأْخُذ بقوله خُصُوصا وَقد وجدت عَن بعض أَئِمَّتنَا

مَا يدل على جَوَازه بل على وُقُوعه وَهُوَ مَا نقل فِي الْبَزَّازِيَّة أَن من عُلَمَاء خوارزم من أَصْحَابنَا من اخْتَار عدم فَسَاد الصَّلَاة بالْخَطَأ فِي الْقِرَاءَة فِيهَا أخذا بِمذهب الإِمَام الشَّافِعِي رَحمَه الله فَقيل لَهُ مذْهبه فِي غير الْفَاتِحَة فَقَالَ اخْتَرْت من

مذْهبه الْإِطْلَاق وَتركت الْقَيْد لما تقرر فِي كَلَام مُحَمَّد رَحمَه الله تَعَالَى إِن الْمُجْتَهد يتبع الدَّلِيل لَا الْقَائِل حَتَّى صَحَّ الْقَضَاء بِصِحَّة النِّكَاح بِعِبَارَة النِّسَاء على الْغَائِب انْتهى نَقله عَنْهَا الْعَلامَة خَاتِمَة الْمُتَأَخِّرين ابْن نجيم فِي بعض رسائله فِي الْوَقْف فَأنْظر كَيفَ لفق أخذا بمذهبه بَان الْفَاتِحَة لَيست بِرُكْن فَلَا يضر نُقْصَان بَعْضهَا فِيمَا اخطأ فِيهِ أعنى خطأ فَاحِشا كمن قَالَ إياك نعبا وَإِيَّاك نستعين

فسبقه اللِّسَان خطا فَإِن الْفَاتِحَة نقصت كلمة نعْبد فَلم تجز صلَاته على مَذْهَب الإِمَام الشَّافِعِي رَحمَه الله مَا لم يعد قِرَاءَة نعْبد فَإِذا أَعَادَهَا صحت صلَاته وَلم تفْسد عِنْده بِهَذَا الْخَطَأ لِأَن عِنْده الْكَلَام الْخَطَأ لَا يفْسد إِذا كَانَ قَلِيلا وَعِنْدنَا هُوَ مُفسد فَإِذا أَعَادَهَا على الصِّحَّة لَا يُفِيد لِأَن الصَّلَاة قد فَسدتْ

هَذَا وَقد قَالَ بِعَدَمِ الْفساد عندنَا بعض الْمَشَايِخ إِن أَعَادَهَا على الصِّحَّة كَمَا نَقله الزَّاهدِيّ

وَلَكِن ظَاهر مَا فِي الْبَزَّازِيَّة عَن بعض عُلَمَاء خوارزم أَنه لَا تفْسد وَلَو لم يعد على الصِّحَّة وَإِن أَخذه بِمذهب الشَّافِعِي فِي عدم الْفساد بالْخَطَأ وَهُوَ عين التلفيق فَإِن قلت إِن ذَلِك الْبَعْض من عُلَمَاء خوارزم لَعَلَّه إِنَّمَا قَالَ بذلك اجْتِهَاد بِدَلِيل قَوْله إِن الْمُجْتَهد يتبع الدَّلِيل لَا الْقَائِل قلت يمْنَع من ذَلِك قَوْله اخذا (بِمذهب) الشافعى فَإِن الْمُتَبَادر من ذَلِك انه قَلّدهُ فِي ذَلِك وَمعنى قَوْله حِينَئِذٍ لما تقرر من كَلَام مُحَمَّد إِلَى آخِره يَعْنِي أَن الْمُجْتَهد كَمَا يتبع مَا دلّ عَلَيْهِ الدَّلِيل بِاجْتِهَاد لَا بإتباع من قَالَ بِمثل مَا أَدَّاهُ إِلَيْهِ اجْتِهَاده فَكَذَلِك الْمُقَلّد إِنَّمَا يلْزمه خُصُوص مَا قلد فِيهِ لَا اتِّبَاع ذَلِك الْمُجْتَهد الَّذِي قَلّدهُ

فِي جَمِيع مَا قَالَ بِهِ وخصوص مَا قلت فِيهِ إِنَّمَا هُوَ عدم الْفساد بالْخَطَأ فِي الْقِرَاءَة مُطلقًا سَوَاء كَانَ ذَلِك فِي الْفَاتِحَة أَو غَيرهَا وَذَلِكَ هُوَ مَذْهَب الشَّافِعِي رَحمَه الله تَعَالَى ورضى عَنهُ وَعَن سَائِر الْأَئِمَّة الْمُجْتَهدين وَفَسَاد الصَّلَاة بِوُقُوع الْخَطَأ فِي الْفَاتِحَة عِنْده لَيْسَ لخُصُوص كَونه فِي الْفَاتِحَة بل لفَوَات بعض الْفَاتِحَة عِنْده فِي الصَّلَاة وَلِهَذَا لَو أَتَى بِمَا أَخطَأ فِيهِ مِنْهَا على الصِّحَّة فَإِنَّهُ لَا يَقُول بِفساد صلَاته حِينَئِذٍ والخوارزمي لم يقلده فِي ركنيه الْفَاتِحَة بل قَلّدهُ فِي عدم الْفساد بالْخَطَأ فِي الْقِرَاءَة أَعنِي الشَّافِعِي رَحمَه الله تَعَالَى يَقُول

بِإِطْلَاقِهِ وَقَول الْقَائِل لَهُ مذْهبه فِي غير الْفَاتِحَة غير صَحِيح كَمَا تقدم بَيَانه وَكَذَلِكَ قَول الْخَوَارِزْمِيّ لَهُ وَتَركه الْقَيْد وَاقع فِي غير مَحَله لِأَنَّهُ لم يُقَيِّدهُ الشَّافِعِي بِغَيْر الْفَاتِحَة بل خرج ذَلِك من الْخَوَارِزْمِيّ للمشاكلة فِي الْجَواب لمن نسب إِلَيْهِ الْقَيْد أَي إِلَى الشَّافِعِي وَذَلِكَ إِمَّا جهل من ذَلِك الْقَائِل بِمذهب الشَّافِعِي أَو توسع فِي الْعبارَة وتسامح لِأَنَّهُ لما كَانَ الشَّافِعِي يَقُول بِالْفَسَادِ بِوُقُوع الْخَطَأ فِي الْفَاتِحَة إِذا لم يعد على الصِّحَّة فَكَأَن غير الْفَاتِحَة صَار كالقيد لإِطْلَاق الْجَوَاز وَلَيْسَ قيدا حَقِيقَة كَمَا بَينته فِي أول الْكَلَام فَافْهَم وَالْحَاصِل أَنه لم يثبت من كل وَجه كَون الْخَوَارِزْمِيّ الَّذِي قَالَ بذلك الِاجْتِهَاد وَلَو فَرضنَا ثُبُوت ذَلِك فَمَا ضرنا ذَلِك فِيمَا

دليل منع التلفيق وتوجيهه من قبل الشيخ

قصدنا إِلَيْهِ من جَوَاز التلفيق فَكَمَا أَنه لَو حصل التلفيق بِالِاجْتِهَادِ حكمنَا بِالصِّحَّةِ فَكَذَلِك إِذا حصل التلفيق بالتقليد حكمنَا بِالصِّحَّةِ لِأَن الِاجْتِهَاد أصل فِي الْعَمَل والتقليد فرع التَّكْلِيف فِي الأَصْل إِنَّمَا هُوَ بِالِاجْتِهَادِ عِنْد عدم النَّص فَإِن عجز عَن ذَلِك الِاجْتِهَاد نزل إِلَى التَّقْلِيد فَفِي كل مَوضِع قُلْنَا بِالصِّحَّةِ مَعَ الِاجْتِهَاد نقُول بهَا مَعَ التَّقْلِيد عِنْد الْعَجز عَنهُ من غير زِيَادَة أَمر آخر ومازاد على ذَلِك فَهُوَ قَول مخترع لَا يقوم بِهِ دَلِيل مرضِي وَلَا تنهض بِهِ حجه دَلِيل منع التلفيق وتوجيهه من قبل الشَّيْخ وَمَا يزعمه من منع التلفيق من أَن كلا من الْمُجْتَهدين اللَّذين قلدها مثلا يَقُول بِبُطْلَان صلَاته الملفقة مثلا لَو سُئِلَ عَنْهَا

بِانْفِرَادِهِ فمغالطة مدفوعة بِمَا لَا يسع هَذَا الْمحل بَيَانه وإجمال ذَلِك أَنه إِنَّمَا يَقُول لَهُ إِنَّهَا بَاطِلَة إِن كنت أخذت فِي ذَلِك الْأَمر الَّذِي حكمت أَنا بِبُطْلَانِهِ من أَجله بمذهبي وَأما إِن كنت قلدت فِيهِ غَيْرِي فَلَا أحكم ببطلانها حِينَئِذٍ فِي حَقك إِذْ كنت متمسكا بقول مُجْتَهد وَكَذَلِكَ يَقُول لَهُ الآخر وَالْآخر وَالْآخر فَبَطل إِطْلَاق قَوْلهم يمْنَع التلفيق بِأَن كلا من الْمُجْتَهدين حَاكم بِبُطْلَان صلَاته مثلا بل يُقيد الحكم مِنْهُ ببطلانها بِمَا إِذا كَانَ متمسكا فِيهَا بمذهبه فِيمَا يرى ذَلِك الْمُجْتَهد بُطْلَانهَا بِسَبَب فعله أَو تَركه لَا أَن قلد غَيره فِيهِ فَافْهَم مَا فِيهِ فتندفع تِلْكَ المغالطة الَّتِي

حكم من حكم بِمَنْع التلفيق بِسَبَبِهَا فَإِن أَبيت وَقلت لَا بل الْمُجْتَهد يُطلق القَوْل ببطلانها على رَأْيه فَنَقُول لَا يَلِيق هَذَا الْإِبْطَال بِمَا إِذا قلد مُجْتَهدا غَيره فِي ذَلِك الْأَمر الَّذِي أبطلها بِسَبَبِهِ زياده كَمَا لَا يَلِيق إِبْطَاله بِنَقْض قَول ذَلِك الْمُجْتَهد الْمُصَحح لَهَا مَعَ وجود ذَلِك الْأَمر الَّذِي أبطلها بِسَبَبِهِ ذَلِك الْمُجْتَهد الآخر فَسلمت لَهُ صلَاته أَي الْمُقَلّد لَهَا كل أَمر من أمورها مُجْتَهدا يرى صِحَة ذَلِك فَصَارَ حكم الْمُجْتَهد الْمُبْطل مصروفا

مثال توضيحي لما سبق

عَنهُ بتقليد من يرى الصِّحَّة بذلك الْأَمر وَبِذَلِك ينْصَرف عَنهُ حكم كل الْمُجْتَهدين ببطلانها مِثَال توضيحي لما سبق بَيَان قَول الْمَانِع فِيمَا إِذا قلد الْمُكَلف أَبَا حنيفَة رَضِي الله عَنهُ فِي ان الْمس غير نَاقض مثلا وقلد الشَّافِعِي رَحمَه الله تَعَالَى فِي اكْتِفَاء بمسح بعض شَعرَات من الرَّأْس لَا تبلغ الرّبع أَو مِقْدَار ثَلَاثَة أَصَابِع بِاعْتِبَار الرِّوَايَة الْأُخْرَى فِي مَذْهَب أبي حنيفَة رَحْمَة الله عَلَيْهِ فِي الْمِقْدَار الْمَفْرُوض فِي

مسح الرَّأْس فَإِن الْمَانِع يَقُول أَن أَبَا حنيفَة وَالشَّافِعِيّ حكما بِبُطْلَان

رد المؤلف على المانعين

صلَاته فَأَبُو حنيفَة لفقد مسح زياده الْمِقْدَار الْمَفْرُوض عِنْده وَالشَّافِعِيّ لوُجُود الْمس فَهِيَ غير جَائِزَة عِنْدهمَا رد الْمُؤلف على المانعين أَقُول وَجَوَابه مَا بَيناهُ بِأَن هَذِه مغالطة وَإِطْلَاق فِي مَحل تَقْيِيد بل الحكم ببطلانها عِنْد كل مِنْهُمَا مُقَيّد بِمَا إِذا كَانَ آخِذا فِي

ذَلِك الْأَمر الَّذِي حكم من حكم ببطلانها بِسَبَبِهِ بِمذهب الْمُبْطل كَمَا تقدم بَيَانه قَرِيبا فَافْهَم وَالله أعلم بِالصَّوَابِ اللَّهُمَّ لَو ذهب مُجْتَهد إِلَى أَن الْمَفْرُوض من الرَّأْس فِي الْمسْح مِقْدَار مَا قَالَ بِهِ الشَّافِعِي وَإِلَى أَن الْمس غير نَاقض وَإِلَى أَن الدَّلْك والموالاة فِي الْوضُوء لَا يلزمان

أفلم يسوغ الْمَانِع لَهُ حِينَئِذٍ إجتهاده فَكَذَلِك عَلَيْهِ أَن يسوغ

للمقلد تقيده فِي كل وَاحِد من الْمَذْكُورَات لمجتهد قَالَ بذلك كَمَا لَا يخفى فَإِن تأبى متأب عَن تلقي هَذَا الْبَيَان بِالْقبُولِ بعد صِحَّته ووضوحه فاقرعه بِمَا تقدم قَرِيبا من عدم لُحُوق الْإِبْطَال من الْمُجْتَهد بالمقلد لغيره فِيمَا أبْطلهُ بِسَبَبِهِ وَإِن صَادف حكمه عَنهُ بذلك ثمَّ نرْجِع ونقول وَكَذَلِكَ مَسْأَلَة النِّكَاح فَإِنَّهُ لَا يَصح بِعِبَارَة النِّسَاء عِنْد الشَّافِعِي وَيصِح عِنْده الحكم على الْغَائِب وَعِنْدنَا الحكم بِالْعَكْسِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ فَإِذا حكم

بِصِحَّتِهِ بعد وُقُوعه بِعِبَارَة النِّسَاء على الْغَائِب فقد لفق وَمَعَ هَذَا فقد حكمُوا بِصِحَّة هَذَا الحكم الملفق من المذهبين وَكَذَلِكَ مَسْأَلَة الإِمَام أبي يُوسُف رَحمَه الله تَعَالَى لما صلى بِالنَّاسِ الْجُمُعَة فَأخْبر بِوُجُود فَأْرَة فِي مَاء الْحمام الَّذِي كَانَ اغْتسل مِنْهُ للْجُمُعَة فَقَالَ نَأْخُذ بقول إِخْوَاننَا من أهل الْمَدِينَة إِذا بلغ المَاء قُلَّتَيْنِ لم يحمل خبثا

قَالَ فِي الْمُحِيط البرهاني والفتاوي الظَّهِيرِيَّة وَغَيرهمَا من كتاب النِّكَاح مستشهدا بهَا فِي مَسْأَلَة من مسَائِل النِّكَاح سَيَأْتِي ذكرهَا للحنفي أَن يعْمل فيهاب غير مذْهبه أَقُول فَهَذَا أَبُو يُوسُف رَحمَه الله إِمَام الْمَذْهَب وكبيره الْمُجْتَهد الْكَامِل قد قلد عِنْد الضَّرُورَة وَلم يكن ذَلِك مذهبا لَهُ بل مذْهبه تنجس المَاء الْقَلِيل وَإِن لم يتَغَيَّر بِوُقُوع مَا

يُنجسهُ فِيهِ وَلَا شكّ أَن الظَّاهِر أَنه فعل الطَّهَارَة وَصلى الصَّلَاة على مُقْتَضى مذْهبه وَإِنَّمَا قلد فِي خُصُوص المَاء فقد حصل التلفيق مِنْهُ وَهُوَ أوفى حجَّة لنا وَيُسْتَفَاد مِنْهُ أَيْضا أَنه يُقَلّد إِذا احْتَاجَ إِذْ هُوَ الظَّاهِر من فعله هُنَا وَإِن كَانَ نقل فِي جَوَاهِر الفتاوي عَن الْحَاوِي من كتبنَا إِن أَبَا يُوسُف رَحمَه الله بَقِي على هَذَا الْمَذْهَب سِتَّة اشهر ثمَّ رَجَعَ إِلَى مَذْهَب أبي حنيفَة رَحمَه الله تَعَالَى فِي الْمَسْأَلَة فَإِنَّهُ يحْتَمل أَنه ظهر لَهُ بِالدَّلِيلِ بعد التَّقْلِيد صِحَة مَا ذهب إِلَيْهِ غَيره مِمَّن قَلّدهُ فِي

الْمَسْأَلَة خُصُوصا وَلَفظ نقل الْمُحِيط والظهيرية وَلم يكن ذَلِك مذهبا لَهُ بل يدل على وُقُوعه تقليدا وَهَذِه الْمَسْأَلَة وَهِي هَل للمجتهد أَن يُقَلّد مُجْتَهدا فِي مَسْأَلَة فِيهَا خلاف الْمَشْهُور أَنه لَيْسَ لَهُ ذَلِك وَرُوِيَ عَن الإِمَام مُحَمَّد رَحمَه الله جَوَاز تَقْلِيد الْعَالم للأعلم والفقيه للأفقه وَفرع أبي

يُوسُف هَذَا يُوَافقهُ ثمَّ رَأَيْت فِي أصُول الإِمَام شمس الْأَئِمَّة أبي بكر ابْن مُحَمَّد بن أَحْمد بن أبي سهل السَّرخسِيّ رَحِمهم الله تَعَالَى

وَهُوَ صَاحب الْمَبْسُوط مَا نَصه على أصل أبي حينفة رَحمَه الله تَعَالَى إِذا كَانَ عِنْد مُجْتَهد أَن من يُخَالِفهُ فِي الرَّأْي أعلم بطرِيق الِاجْتِهَاد وَإنَّهُ مقدم عَلَيْهِ فِي الْعلم فَإِنَّهُ يدع رَأْيه لرأي من عرف زِيَادَة قُوَّة فِي اجْتِهَاده إِلَى أَن قَالَ وعَلى قَول أبي يُوسُف وَمُحَمّد رحمهمَا الله تَعَالَى لَا يدع الْمُجْتَهد فِي زَمَاننَا رَأْيه لرأي من هُوَ مقدم عَلَيْهِ فِي الِاجْتِهَاد من أهل عصره إِلَى آخر مَا ذكره فَأفَاد عَن مُحَمَّد خلاف مَا رَأَيْته عَنهُ فَلَعَلَّ أَن لَهُ فِي الْمَسْأَلَة رِوَايَتَيْنِ وَنقل صَاحب الفتاوي الصيرفية عَن فَوَائِد تجنيس الْمُلْتَقط اشْترى

الإِمَام الشَّافِعِي رَحمَه الله تَعَالَى الباقلاء من مُنَادِي السكَك فَأكل وأكلوا بعد مَا حلق وعَلى ثَوْبه شعر كثير فَقيل لَهُ فِي

ذَلِك فَقَالَ حِين ابتلينا انحططنا إِلَى مَذْهَب أهل الْعرَاق وَهُوَ يفهم بِظَاهِرِهِ انه قلد فِي ذَلِك

فقد تلخص من الْمَنْقُول عَن الْأَئِمَّة أَن التلفيق جَائِز وَهُوَ الصَّحِيح كَمَا صرح بِهِ فِي مَذْهَب الشَّافِعِيَّة أَن التلفيق عِنْدهم أَيْضا جَائِز ثمَّ بعد مُدَّة من استنباطي جَوَاز التلفيق من مَسْأَلَتي أبي يُوسُف وَبَعض عُلَمَاء خوارزم وَمَسْأَلَة صِحَة الحكم على الْغَائِب بِصِحَّة النِّكَاح بعد وُقُوعه كَمَا سبق فِي الْمَسْأَلَة الَّتِي ذكروها واستئناسي بمقالة الْمُحَقق فِي التَّحْرِير وَمَا على الْإِنْسَان أَن يخْتَار الأسهل فِي الْعَمَل

ثمَّ وجدت شيخ الْإِسْلَام خَاتِمَة الْأَئِمَّة الْمُتَأَخِّرين مَوْلَانَا الْعَلامَة زين الدّين ابْن نجيم صرح فِي رِسَالَة ألفها فِي بيع الْوَقْف على وَجه الِاسْتِبْدَال بِأَن مَا وَقع فِي آخر التَّحْرِير من منع التلفيق فَإِنَّمَا عزاهُ إِلَى بعض الْمُتَأَخِّرين وَلَيْسَ هَذَا الْمَذْهَب انْتهى فحمدت الله تبَارك وَتَعَالَى على مُوَافقَة مَا ادعيته لما نَص عَلَيْهِ مَوْلَانَا الْعَلامَة ابْن نجيم

فصل

فصل وَكَذَلِكَ مسالة التَّحْرِير أَيْضا وَهِي الَّتِي عبر عَنْهَا بَعضهم بقوله لَا تَقْلِيد بعد الْعَمَل فِيهَا نظر وَهُوَ أَن هَذِه الْعبارَة لَهَا مَعْنيانِ أَحدهمَا انه إِذا عمل عملا وصادف الصِّحَّة على مَذْهَب إِمَام وَلم يكن عَالما بذلك وَالْحَال انه على مُقْتَضى مذْهبه بَطل ذَلِك الْعَمَل فَهَل لَهُ أَن يَقُول أخذت بِمذهب من يرى صِحَة ذَلِك أم لَا فعلى مَا أذكر لَيْسَ لَهُ ذَلِك على تَقْدِير تَفْسِير الْعبارَة بِهَذَا الْمَعْنى

أَقُول وَفرع أبي يُوسُف الْمَنْقُول فِي مسالة الْفَأْرَة يردهُ إِذْ هُوَ عين التَّقْلِيد بعد انْتِهَاء الْعَمَل وَهُوَ الَّذِي أذهب إِلَيْهِ وَأَقُول بِهِ بل قد اخْتَار عَالم قطر الْيمن فِي زَمَانه الإِمَام الْعَلامَة الْفَقِيه عبد الرَّحْمَن بن زِيَاد الشَّافِعِي فِي فَتَاوِيهِ إِن الْعَاميّ إِذا وَافق فعله مَذْهَب إِمَام من الْأمة الَّذين يجوز تقليدهم صَحَّ وَإِن لم يقلده توسعة على الْعباد وَاخْتِلَاف الْأمة رَحْمَة وَقَالَ الْمُحَقق ابْن حجر لَا يكون صَحِيحا إِلَّا إِن قلد ذَلِك الْقَائِل

بِالصِّحَّةِ لِأَن تَقْلِيده لإِمَام من الْأَئِمَّة الْمَذْكُورين الْتزم مُتَابَعَته فِي الْأَحْكَام كلهَا فَلَا يُجزئ فِي خلاف ذَلِك إِلَّا بتقليد صَحِيح وَقد ذكر بعض أَوْلِيَاء الله تَعَالَى الصَّالِحين انه كشف لَهُ أَن الله لَا يعذب من عمل فِي الْمَسْأَلَة بقول إِمَام مُجْتَهد من الَّذين يجوز تقليدهم وهم الْآن الْأَئِمَّة الْأَرْبَعَة الْمُدَوَّنَة مذاهبهم والمحررة أصُول وفروع مسائلهم أما المجتهدون السَّابِقُونَ فَلَا للْجَهْل بضوابط الْأَحْكَام عِنْدهم لفقد التدوين لتطاول السنين كَذَا رَأَيْت مَا حكيته فِي بعض المجاميع

قلت وَفِي تَخْصِيص الْأَئِمَّة الْأَرْبَعَة كَلَام لَا يسع فِي هَذَا الْمحل بَيَانه

ثمَّ رَأَيْت فِي الْبَحْر الرَّائِق شرح الْكَنْز للعلامة ابْن نجيم فِي بَاب قَضَاء الْفَوَائِت عِنْد قَوْله وَيسْقط بِضيق الْوَقْت وَالنِّسْيَان مَا نَصه وَإِن كَانَ عاميا لَيْسَ لَهُ مَذْهَب معِين فمذهبه فَتْوَى مفتيه كَمَا صَرَّحُوا بِهِ فَإِن أفتاه حَنَفِيّ أعَاد الْعَصْر وَالْمغْرب وَإِن أفتاه شَافِعِيّ فَلَا يعيدهما وَلَا عِبْرَة بِرَأْيهِ وَإِن لم يستفت أحدا وصادف الصِّحَّة على مَذْهَب مُجْتَهد أَجزَأَهُ وَلَا إِعَادَة عَلَيْهِ انْتهى وَهَذَا مُوَافق لما اخْتَارَهُ عَالم قطر الْيمن فِي زَمَانه وفقيهه الْعَلامَة عبد الرَّحْمَن بن زِيَاد الشَّافِعِي

والمعنى الثاني

رَحمَه الله تَعَالَى وَالْمعْنَى الثَّانِي إِنَّه لَيْسَ للْإنْسَان إِذا عمل فِي مَسْأَلَة بِمذهب أَن يعْمل بِخِلَافِهِ فِيهَا ثَانِيًا وَهَذَا أَيْضا مَدْفُوع من وُجُوه الأول أَنه لم يقم عَلَيْهِ دَلِيل إِلَّا لُزُوم صُورَة التلاعب وَذَلِكَ لَا يلْزم إِلَّا لَو قصد بِهِ ذَلِك (اَوْ ادلت عَلَيْهِ قَرَائِن احوال اَوْ) مُكَلّف ضَاقَ بِهِ الْحَال فالتجأ إِلَى الْأَخْذ فِي وَاقعَة كَانَ عمل فِيهَا مرّة بقول إِمَام فَوَقَعت لَهُ مرّة ثَانِيَة فَأَرَادَ الْأَخْذ فِيهَا فِي الْمرة الثَّانِيَة بقول إِمَام آخر لدفع ضَرُورَة ألجأته إِلَى ذَلِك وَالْغَرَض صَحِيح فَلَا ينْسب إِلَى التلاعب وَقد صَحَّ وَثَبت عَن عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ أَنه رَجَعَ

عَن قَوْله فِي مَسْأَلَة كَانَ حكم فِيهَا بِحكم ثمَّ تَكَرَّرت فتبدل نظره فِيهَا فَحكم بِخِلَافِهِ وَقَالَ تِلْكَ على مَا قضينا وَهَذِه على مَا نقضي

المعنى الصحيح للعبارة لا تقليد بعد العمل

فَإِن قلت أَنه مُجْتَهد وَهَذَا حَال الْمُجْتَهد أَنه يجب عَلَيْهِ الرُّجُوع إِلَى مَا سنح لَهُ من الدَّلِيل بِخِلَاف الْمُقَلّد قلت مهلا يَا أخي فَإِن الْمُقَلّد لم يظْهر لَهُ بِالدَّلِيلِ صِحَة مَا قلد فِيهِ أَولا كَمَا ظهر للمجتهد وَهنا مُجْتَهد آخر قَائِل بِخِلَافِهِ فَهُوَ أَحْرَى بتجويز الِانْتِقَال لَهُ الْمَعْنى الصَّحِيح للعبارة لَا تَقْلِيد بعد الْعَمَل ثمَّ ظهر لي بعد مُدَّة تسطيري هَذِه الأسطر ظهورا بَينا منكشفا لَا ريب فِيهِ أَن مُرَادهم من قَوْلهم لَا

تَقْلِيد بعد الْعَمَل أَنه إِذا عمل مرّة فِي مَسْأَلَة بِمذهب فِي طَلَاق أَو عتاق أَو غَيرهَا واعتقده وأمضاه فَفَارَقَ الزَّوْجَة مثلا واجتنبها وعاملها مُعَاملَة من حرمت عَلَيْهِ واعتقد الْبَيْنُونَة بَينه وَبَينهَا بِمَا جرى مِنْهُ من اللَّفْظ مثلا فَلَيْسَ لَهُ أَن يرجع عَن ذَلِك وَيبْطل مَا أَمْضَاهُ وَيعود إِلَيْهَا بتقليد ثَانِيًا إِمَامًا غير الإِمَام الأول فَهَذَا معنى قواهم لَيْسَ لَهُ التَّقْلِيد بعد الْعَمَل وَلَا يرجع عَمَّا قلد فِيهِ وَعمل بِهِ وَنَحْو ذَلِك من الْعبارَات فَأَما إِذا وَقعت تِلْكَ الْوَاقِعَة مرّة ثَانِيَة مَعَ امْرَأَة أُخْرَى أَو مَعَ

زواجها بِنِكَاح جَدِيد فَلهُ الْأَخْذ بقول إِمَام آخر وَلَا مَانع مِنْهُ كَمَا سَيَأْتِي قَرِيبا على انه قد نقل الْعَلامَة ابْن أَمِير الْحَاج الْحلَبِي الْحَنَفِيّ تلميذ المحق ابْن الْهمام عَن الزَّرْكَشِيّ من أَئِمَّة الشَّافِعِيَّة فِي شرح التَّحْرِير أَن فِي كَلَام بعض الْأَئِمَّة مَا يَقْتَضِي جَرَيَان الْخلاف فِي جَوَاز التَّقْلِيد بعد الْعَمَل أَيْضا وَإِن مَنعه لَيْسَ بِاتِّفَاق فاعلمه وَقد

نقل صَاحب الفتاوي الصيرفية عَن الظَّهِيرِيَّة والنسفية والنصاب وَاللَّفْظ من الظهرية انه سُئِلَ شيخ الْإِسْلَام عَطاء بن حَمْزَة السغدي عَن الصَّغِيرَة إِذا زَوجهَا أَبوهَا من صَغِير وَقبل أَبوهُ

وَكبر الصَّغِير وَبَينهمَا غيبَة مُنْقَطِعَة وَقد كَانَ التَّزْوِيج بِشَهَادَة الفسقة فَهَل يجوز للْقَاضِي أَن يبْعَث إِلَى شَافِعِيّ الْمَذْهَب ليبطل هَذَا النِّكَاح بَينهمَا بِهَذَا السَّبَب قَالَ نعم وللحنفي أَن يفعل ذَلِك بِنَفسِهِ أَيْضا أخذا بِمذهب الْخصم وَإِن لم يكن ذَلِك مذْهبه انْتهى ثمَّ أورد فِي الْمُحِيط والظهيرية مَسْأَلَة أبي يُوسُف فِي الْفَأْرَة عَقبهَا مستشهدا فَاعْلَم ذَلِك وَكَذَا مَوْلَانَا خَاتِمَة الْمُتَأَخِّرين الْعَلامَة ابْن نجيم رَحمَه الله فِي الْبَحْر الرَّائِق فِي مَسْأَلَة الْيَمين المضافة عَن الْبَزَّازِيَّة عَن أَصْحَابنَا أَنه لَو استفتى فَقِيها عدلا فافتى بِبُطْلَان

الْيَمين هَل لَهُ الْعَمَل لفتواه وإمساكها وروى أوسع من هَذَا وَهُوَ أَنه لَو أفتاه مفت بِالْحلِّ ثمَّ أفتاه آخر بِالْحُرْمَةِ بَعْدَمَا عمل بفتوى الثَّانِي فِي الأول فَإِنَّهُ يعْمل بفتوى حق امْرَأَة أُخْرَى لَا فِي حق الأولى أَي فِي هَذِه الْمَرْأَة الَّتِي مَضَت كَمَا نبهتك عَلَيْهِ قَرِيبا وانظره فقد صرح بِجَوَاز الْعَمَل بِخِلَاف مَا عمل للعامي وَإِنَّمَا منع من أَن يُفْتِي بِهِ الْمُفْتِي لِئَلَّا ينْسب الى الْغَرَض والتشهي والتلاعب وَلِئَلَّا ينسسب الْعلمَاء إِلَى التَّنَاقُض من جِهَة الْعَوام فَافْهَم هَذَا مَا قَامَ عِنْدِي فِي وَجه ذَلِك وَرَأَيْت فِي عبارَة

بَعضهم تَعْلِيله لكيلا يتَطَرَّق بِهِ إِلَى هدم مَذْهَب أَصْحَابنَا أَو نَحْو ذَلِك من الْعبارَة وَالله أعلم وَاعْلَم أَن من الْمسَائِل مَا يَقع التَّصْرِيح بهَا من بعض الْمُتَأَخِّرين رَحْمَة الله عَلَيْهِم أَجْمَعِينَ وخصوصا فِي الْأُصُول الَّتِي ألفها الْمُتَأَخِّرين وَلَيْسَت بمرضية بل رُبمَا يَقع التَّصْرِيح بِخِلَافِهَا من الْمُتَقَدِّمين وَيُوجد من هَذَا النَّوْع فِي كتاب التَّحْرِير الَّذِي أَلفه الْمُحَقق وَجمع فِيهِ من مقالات الْمُتَأَخِّرين من فضلاء عصره فَمن قبلهم

بِقَلِيل حَتَّى من كَلَام أَرْبَاب الْمذَاهب غير مَذْهَبنَا فَلَا علينا أَلا نَأْخُذ بِمَا ظهر لنا صَوَاب خِلَافه إِن أنعم الله علينا بِحُصُول ضرب من النّظر يُمكن الْوَقْف بِهِ على الصَّوَاب هَذَا وَنحن مَعَ ذَلِك بِحَمْد الله تَعَالَى لَا نخرج عَن دَرَجَة التَّقْلِيد لإمامنا الْأَعْظَم أبي حنيفَة رَحْمَة الله عَلَيْهِ وَنحن مقلدون لَهُ ولكبار أَصْحَابه وَمن بعدهمْ من كبار أَئِمَّتنَا كشمس الْأمة وَأَضْرَابه وَأما مَا يبحثه ويقرره

الْمُتَأَخّرُونَ من أهل التَّاسِع والعاشر من فضلاء الْمَذْهَب فلنا النّظر فِيهِ إِن أمكن وعلينا التَّمَسُّك بِمَا هُوَ مَنْقُول عَن الْمُتَقَدِّمين وخصوصا إِذا انتهض متمسكا لنا فِيمَا نرتضيه وَالله الْمُوفق إِلَى الصَّوَاب وَبِه الِاعْتِصَام

فصل

فصل وَمِمَّا ينشأ من الْجَهْل والتعصب تَفْوِيت فرض من فروض الله تَعَالَى مَعَ إِمْكَان اقامته على رَأْي مُجْتَهد جليل بل رَأْي جمع من الْمُجْتَهدين وَذَلِكَ أَن جهلة المتعصبين يمتنعون وَيمْنَعُونَ من جمع الصَّلَاتَيْنِ فِي السّفر الَّذِي ذهب إِلَى جَوَازه الإِمَام

الشَّافِعِي وَغَيره من صدر الْإِسْلَام رَحْمَة الله عَلَيْهِم وَيُؤَدِّي ذَلِك إِلَى تَفْوِيت الْفَرْض رَأْسا وَذَلِكَ إِنَّهُم لما يعزمون على السّير عِنْد الزَّوَال مثلا فيصلون الظّهْر لأوّل وَقتهَا ويمتنعون من جمع الْعَصْر اليها فيركبون ويسيرون بِنَاء على إِنَّهُم قد لَا يتهيأ لَهُم النُّزُول إِلَّا مَعَ الْمغرب أَو الْغُرُوب بِحَيْثُ لَا يَتَّسِع الْوَقْت إِلَى

الطَّهَارَة وَالصَّلَاة وخصوصا فِي حق من تتعسر الطَّهَارَة عَلَيْهِ فتفوتهم الفرصة وَقد كَانُوا يُمكنهُم أَدَاؤُهَا فِي الْمنزل فِي الْمَكَان الَّذِي كَانُوا بِهِ مَجْمُوعَة جمع تَقْدِيم إِلَى الظّهْر على مَذْهَب الإِمَام الشَّافِعِي رَحْمَة الله عَلَيْهِ وعَلى مَذْهَب غَيره مِمَّن جوز الْجمع لأجل السّفر فيمتنعون عَن ذَلِك ويرضون بتفويتها وَلَا يرضون بِفِعْلِهَا على مَذْهَب مُجْتَهد يجوز لَهُم

أَو يجب عَلَيْهِم اتِّبَاعه وَالْحَال مَا قرر لِأَن تَحْصِيل الْفَرْض من وَجه مقدم على تفويته من كل وَجه وَمَا هَذَا إِلَّا مَحْض التعصب وَالْجهل وَقد ذكر الإِمَام الْأَجَل ظهير الدّين الْكَبِير المرغيناني عَن أستاذه السَّيِّد الإِمَام أبي شُجَاع رَحمَه الله

تَعَالَى انه سُئِلَ شمس الْأَئِمَّة الْحلْوانِي عَن كسالي بُخَارى أَنهم يصلونَ الْفجْر وَالشَّمْس طالعة فَهَل نمنعهم من ذَلِك فَقَالَ لَا يمْنَعُونَ لأَنهم لوا منعُوا يتركونها أصلا ظَاهرا أَي مِمَّا يظْهر من حَالهم وَلَو صلوها تجوز عِنْد أَصْحَاب الحَدِيث وَلَا شكّ أَن الاداء الْجَائِز عِنْد الْبَعْض أولى من التّرْك أصلا هَذَا جَوَاب الْحلْوانِي وناهيك بِهِ إِذْ هُوَ شيخ الْمَذْهَب فِي عصره تخرج بِهِ الفحول النظار من أَئِمَّتنَا كشمس الْأَئِمَّة السَّرخسِيّ

وفخر الْإِسْلَام البزودي صَاحب المبسوطين وأضرابهم من رُؤَسَاء الْمَذْهَب الَّذين هم قدماء الدَّهْر وَعُظَمَاء مَا وَرَاء النَّهر هَذَا مَعَ أَن الْجَاهِل المتعصب الغبي يَكْفِيهِ إيقاعها مَجْمُوعَة مَعَ الظّهْر تقليدا الإِمَام الشَّافِعِي وَغَيره ثمَّ إِن أَرَادَ الِاحْتِيَاط وَأدْركَ فِي الْوَقْت فسحة أَعَادَهَا على مذْهبه أَو قَضَاهَا بعد

الْمغرب احْتِيَاطًا إِن لم تطعه نَفسه فِي أَدَائِهَا مَجْمُوعَة مَعَ الظّهْر وَالله اعْلَم والموفق لَا رب غَيره وَهُوَ حسبي وَنعم الْوَكِيل قَالَ جَامعهَا مُحَمَّد عبد الْعَظِيم الْمَكِّيّ الْحَنَفِيّ غفر الله تبَارك وَتَعَالَى لَهُ ولوالديه ولسائر الْمُسلمين ثمَّ بعد تسطير هَذِه الأسطر ظَفرت فِي أثْنَاء المطالعة بعدة من النقول تؤيد مَا ذكرته بِهَذِهِ الرسَالَة وَتشهد لَهُ لم أنشط لإلحاقها ثمَّ رَأَيْت كلَاما للْإِمَام الْكَبِير الْمُجْتَهد فِي الْعُلُوم رَأس الْفُقَهَاء والمحدثين الشهير بِابْن تَيْمِية

الْحَنْبَلِيّ رَحمَه الله تَعَالَى فَأَحْبَبْت تَعْلِيقه فِي ذيل هَذِه الرسَالَة وَهُوَ مؤيد لما أَشَرنَا إِلَيْهِ مُطَابق إِلَى جَمِيع مَا أوردته فِيهَا فَالْحَاصِل وَإِن كَانَ فِي كَلَامي زِيَادَة إِيضَاح وَبَيَان فَهُوَ لَا يُخَالِفهُ بل يعضده وَيُؤَيِّدهُ وَلَفظ مَا رَأَيْته سُئِلَ الإِمَام الْعَلامَة شيخ الْإِسْلَام تَقِيّ الدّين أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن عبد الْحَلِيم بن عبد السَّلَام بن تَيْمِية الْحَنْبَلِيّ رَحمَه الله تَعَالَى عَن أهل الْمذَاهب الْأَرْبَعَة هَل يَصح اقْتِدَاء بَعضهم بِبَعْض فِي الصَّلَوَات الْمَفْرُوضَة وَغَيرهَا أم لَا وَهل قَالَ أحد من السّلف أَنه لَا يُصَلِّي بعض الْمُسلمين خلف بعض إِذا اخْتلفت مذاهبهم أم

لَا وَهل قَائِل ذَلِك مُبْتَدع أم لَا واذا فعل الإِمَام مَا يعْتَقد أَن صلَاته مَعَه صَحِيحَة والمأمون يعْتَقد خلاف ذَلِك مثل أَن يكون الإِمَام تقيأ أَو رعف أَو احْتجم أَو لمس النِّسَاء بِشَهْوَة أَو مس ذكره أَو قهقه فِي صلَاته أَو أكل مَا مسته النَّار أَو أكل لحم الْإِبِل وَصلى وَلم يتَوَضَّأ وَهُوَ لَا يعْتَقد وجوب الْوضُوء من ذَلِك أَو كَانَ الإِمَام لَا يقْرَأ الْبَسْمَلَة أَو لم يتَشَهَّد التَّشَهُّد الْأَخير أَو لم يسلم من الصَّلَاة وَالْمَأْمُوم يعْتَقد وجوب ذَلِك فَهَل تصح صَلَاة الْمَأْمُوم وَالْحَالة هَذِه أفتونا مَأْجُورِينَ وَلكم الثَّوَاب

أجَاب رَحمَه الله تَعَالَى الْحَمد لله رب الْعَالمين نعم تجوز صَلَاة الْمُسلمين بَعضهم خلف بعض كَمَا كَانَ الصَّحَابَة والتابعون لَهُم بِإِحْسَان وَمن بعدهمْ من الْأَئِمَّة الْأَرْبَعَة رضوَان الله عَلَيْهِم اجمعين يُصَلِّي بَعضهم خلف بعض مَعَ تنازعهم فِي هَذِه الْمسَائِل الْمَذْكُورَة وَغَيرهَا وَلم يقل أحد من السّلف الصَّالح رَحِمهم الله تَعَالَى إِنَّه لَا يصلى بَعضهم خلف بعض وَمن أنكر ذَلِك فَهُوَ مُبْتَدع ضال مُخَالف للْكتاب وَالسّنة واجماع سلف الْأمة وأئمتها وَكَانَ الصَّحَابَة والتابعون وَمن بعدهمْ مِنْهُم من يقْرَأ الْبَسْمَلَة وَمِنْهُم من لَا يَقْرَأها وَمِنْهُم من يجْهر بهَا وَمِنْهُم

من لَا يجْهر بهَا وَكَانَ مِنْهُم من يقنت فِي الْفجْر وَمِنْهُم من لَا يقنت وَمِنْهُم من يتَوَضَّأ من الْحجامَة والرعاف والقيء وَمِنْهُم من لَا يتَوَضَّأ من ذَلِك وَمِنْهُم من يتَوَضَّأ من لمس النِّسَاء بِشَهْوَة وَمَسّ الذّكر وَمِنْهُم من لَا يتَوَضَّأ من ذَلِك وَمِنْهُم من يتَوَضَّأ مِمَّا مسته النَّار وَمِنْهُم من لَا يتَوَضَّأ من ذَلِك وَمِنْهُم من يتَوَضَّأ من أكل لُحُوم الْإِبِل وَمِنْهُم من لَا يتَوَضَّأ من ذَلِك وَمَعَ هَذَا كَانَ بَعضهم يُصَلِّي خلف بعض مثل مَا كَانَ أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه وَالشَّافِعِيّ وَغَيرهم رضوَان الله عَلَيْهِم أَجْمَعِينَ يصلونَ خلف أَئِمَّة أهل الْمَدِينَة من الْمَالِكِيَّة وَغَيرهم وَإِن كَانُوا لَا يقرؤن الْبَسْمَلَة لَا سرا وَلَا جَهرا وَصلى

الرشيد إِمَامًا وَكَانَ قد احْتجم فصلى الإِمَام أَبُو يُوسُف خَلفه وَلم يعد صلَاته وَكَانَ أفتاه الإِمَام مَالك بِأَنَّهُ لَا وضوء عَلَيْهِ وَكَانَ الإِمَام أَحْمد بن حَنْبَل يرى الْوضُوء من الرعاف والحجامة فَقيل لَهُ فِي ذَلِك إِذا كَانَ الإِمَام قد خرج مِنْهُ الدَّم وَلم يتَوَضَّأ تصلي خَلفه فَقَالَ كَيفَ لَا أُصَلِّي خلف مَالك وَسَعِيد بن الْمسيب

وَفِي الْجُمْلَة فَهَذِهِ الْمسَائِل لَهَا صُورَتَانِ إِحْدَاهمَا أَن لَا يعرف الْمَأْمُوم أَن إِمَامه فعل مَا يبطل الصَّلَاة فَهَذَا يُصَلِّي خَلفه بِاتِّفَاق السّلف وَالْأَئِمَّة الْأَرْبَعَة وَغَيرهم وَلَيْسَ فِي هَذَا خلاف مُتَقَدم وَإِنَّمَا خَالف بعض المتعصبين من الْمُتَأَخِّرين فزعموا أَن الصَّلَاة خلف الْحَنَفِيّ لَا تصح وان أُتِي بالواجبات لِأَنَّهُ أَدَّاهَا وَهُوَ لَا يعْتَقد وُجُوبهَا وَقَائِل هَذَا القَوْل إِلَى أَن يُسْتَتَاب كَمَا يُسْتَتَاب أهل الْبدع أحْوج مِنْهُ إِلَى يعْتد بِخِلَافِهِ فَإِنَّهُ مازال الْمُسلمُونَ على عهد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وعهد خلفائه رَضِي الله عَنْهُم يُصَلِّي بَعضهم بِبَعْض واكثر الْأَئِمَّة لَا يميزون بَين الْمسنون والمفروض بل يصلونَ الصَّلَوَات الشَّرْعِيَّة وَلَو كَانَ الْعلم

والصورة الثانية

بِهَذَا وَاجِبا لبطلت صَلَاة أَكثر الْمُسلمين وَلم يُمكن الِاحْتِيَاط فَإِن كثيرا من ذَلِك فِيهِ نزاع وأدلة خُفْيَة وَأكْثر مَا يُمكن المتدين أَن يحْتَاط من الْخلاف وَهُوَ لَا يجْزم بِأحد الْقَوْلَيْنِ فان كَانَ الْجَزْم بِأَحَدِهِمَا وَاجِبا فَأكْثر الْخلق لَا يُمكنهُم الْجَزْم بذلك وَهَذَا الْقَائِل لَيْسَ مَعَه إِلَّا تَقْلِيد بعض الْفُقَهَاء وَلَو طُولِبَ بأدلة شَرْعِيَّة تدل على صِحَة قَول إِمَامه دون غَيره لعجز عَن ذَلِك وَلِهَذَا لَا يعْتد بِخِلَاف مثل هَذَا فَإِنَّهُ لَيْسَ من أهل الِاجْتِهَاد وَالصُّورَة الثَّانِيَة أَن يتقين الْمَأْمُوم أَن الإِمَام فعل مَالا يسوغ عِنْده مثل أَن يمس ذكره أَو يلمس النِّسَاء بِشَهْوَة أَو يحتجم أَو يتقيأ ثمَّ يُصَلِّي بِلَا وضوء فَهَذِهِ الصُّورَة فِيهَا نزاع مَشْهُور فأحد الْقَوْلَيْنِ لَا تصح صَلَاة الْمَأْمُوم لِأَنَّهُ يعْتَقد بطلَان صَلَاة إِمَامه كَمَا قَالَ

والقول الثاني

ذَلِك جمَاعَة من أَصْحَاب أبي حنيفَة وَالشَّافِعِيّ وَأحمد رَحِمهم الله تَعَالَى وَالْقَوْل الثَّانِي تصح صَلَاة الْمَأْمُوم وَهُوَ قَول جُمْهُور السّلف وَهُوَ مَذْهَب مَالك رَحمَه الله وَأحد قولي الشَّافِعِي وَأحمد بل وَأبي حنيفَة وَأكْثر نُصُوص الإِمَام أَحْمد على هَذَا هُوَ الصَّوَاب لما ثَبت فِي الصَّحِيح وَغَيره عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ (يصلونَ بكم فَإِن أَصَابُوا فلكم وَلَهُم وَإِن أخطئوا فلكم وَعَلَيْهِم) فقد بَين صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن خطأ الإِمَام لَا يتَعَدَّى

إِلَى الْمَأْمُوم وَلِأَن الْمَأْمُوم يعْتَقد أَن مَا فعله سَائِغ لَهُ وَأَنه لَا إِثْم عَلَيْهِ فِيمَا فعل فانه مُجْتَهد أَو مقلد مُجْتَهد وَهُوَ يعلم أَن هَذَا قد غفر الله لَهُ خطأه فَهُوَ يعْتَقد صِحَة صلَاته وَأَنه لَا يَأْثَم إِذا لم يعدها بل لَو حكم حَاكم بِمثل هَذَا لم يجز لَهُ نقض حكمه بل كَانَ ينفذهُ وَإِذا كَانَ الإِمَام قد فعل بِاجْتِهَادِهِ وَلَا يُكَلف الله نفسا إِلَّا وسعهَا وَالْمَأْمُوم قد فعل مَا يجب عَلَيْهِ كَانَت صَلَاة كل مِنْهُمَا قد أدّى مَا يجب عَلَيْهِ وَقد حصلت مُوَافقَة الإِمَام فِي الْأَفْعَال الظَّاهِرَة

وَقَول الْقَائِل أَن الْمَأْمُوم يعْتَقد بطلَان صَلَاة الإِمَام خطأ مِنْهُ فَإِن الْمَأْمُوم يعْتَقد أَن الإِمَام قد فعل مَا وَجب عَلَيْهِ وَأَن الله قد غفر لَهُ مَا أَخطَأ فِيهِ وَأَنه لَا تبطل صلَاته لاجل ذَلِك وَلَو أَخطَأ الإِمَام وَالْمَأْمُوم فَسلم الإِمَام خطأ واعتقد الْمَأْمُوم جَوَاز مُتَابَعَته فَسلم كَمَا سلم الْمُسلمُونَ خلف رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما سلم من رَكْعَتَيْنِ سَهوا مَعَ علمهمْ بِأَنَّهُ إِنَّمَا

صلى رَكْعَتَيْنِ وكما لَو صلى خمْسا سَهوا فصلوا خَلفه سَهوا مَعَ علمهمْ بِأَنَّهُ صلى خمْسا لاعتقادهم جَوَاز ذَلِك فانه تصح صَلَاة الْمَأْمُوم فِي هَذِه الْحَالة فَكيف إِذا كَانَ الْمُخطئ هُوَ الإِمَام وَحده وَقد اتَّفقُوا كلهم على أَن الإِمَام لَو سلم خطأ لَا تبطل صَلَاة الْمَأْمُوم إِذا لم يُتَابِعه فَدلَّ ذَلِك على أَن مَا فعله خطأ لَا يلْزم فِيهِ بطلَان صَلَاة

الْمَأْمُوم وَالله اعْلَم انْتهى بِلَفْظِهِ فَانْظُرْهُ فَإِنَّهُ مُطَابق ومؤيد لما ذكرته فِي هَذِه الرسَالَة وَللَّه الْحَمد على مُوَافقَة من مضى من كبار الْأَئِمَّة وَكَثِيرًا مَا أخْتَار شَيْئا فأجدني قد سبقني إِلَى اخْتِيَاره الفحول من الرِّجَال من الْأَئِمَّة أَو اسْتشْكل شَيْئا فأجد اشكاله مَنْقُولًا عَن كبار الْمُتَقَدِّمين وَكَذَلِكَ إِذا أبديت قولا لم يكن وقف من رأى كَلَامي على نَقله فَيَقَع مِنْهُم موقع الْإِنْكَار ويحملهم الْجَهْل والتعصب على رده ثمَّ أَجِدهُ مَنْقُولًا بعد ذَلِك بِعَيْنِه أَو

بِمَا يُوَافقهُ عَن السّلف فَمن بعدهمْ من كبار الْأَئِمَّة وَذَلِكَ فضل الله يؤتيه من يَشَاء بل رُبمَا أفعل أمرا من الْأُمُور العادية فيستغربه النَّاس ويتعجبون من صدوره مني وَرُبمَا عيب عَليّ بل رُبمَا أنسب بِهِ عِنْد بعض الْجُهَّال إِلَى سخافة الْعقل ثمَّ أَجِدهُ أَو مثله محكيا عَن بعض الصَّحَابَة رَضِي الله عَنْهُم أَو عَن التَّابِعين أَو عَن بعض الْخُلَفَاء أَو السلاطين الْكِبَار الْمجمع على إِصَابَة فعلهم وجلالتهم وَالْحَمْد لله رب الْعَالمين ثمَّ لخص لي تلخيصا شافيا شَافِعِيّ زَمَانه السَّيِّد الْجَلِيل عمر

بن عبد الرَّحِيم الْبَصْرِيّ الْمَكِّيّ رَحمَه الله تَعَالَى وَمن خطه الْكَرِيم نقلت مَا نَصه قَالَ الإِمَام الرَّافِعِيّ فِي الْعَزِيز وَإِن كَانَت

صلَاته صَحِيحَة فِي اعْتِقَاده الإِمَام دون الْمَأْمُوم أَو بِالْعَكْسِ فَإِن كَانَ الِاخْتِلَاف فِي الْفُرُوع كَمَا إِذا مس الْحَنَفِيّ فرجه وَصلى أَو ترك الإعتدال أَو قَرَأَ غير الْفَاتِحَة فَفِي صِحَة اقْتِدَاء الشَّافِعِي بِهِ وَجْهَان أَحدهمَا يَصح وَبِه قَالَ الْقفال لِأَن خطأه غير مَقْطُوع بِهِ وَالثَّانِي وَبِه قَالَ الشَّيْخ أَبُو حَامِد لَا يَصح لفسادها عِنْد

الْمَأْمُوم فَأشبه مَا لَو اخْتلف اجْتِهَاد رجلَيْنِ فِي الْقبْلَة لَا يقْتَدى أَحدهمَا بِالْآخرِ وَهُوَ أظهر عِنْد الاكثرين انْتهى قَالَ الإِمَام الزَّرْكَشِيّ فِي الْخَادِم مَا حَاصله وخلاصة

مَا رَجحه وَنَقله عَن الْأَكْثَرين غير مُسلم فَإِنَّمَا تعرض لَهُ طَائِفَة كالبرزنجي وَالرُّويَانِيّ فِي الْحِلْية وَالْبَغوِيّ وَصَاحب الْكَافِي

وَالْغَزالِيّ فِي فَتَاوِيهِ وَلم يذكر الْمَسْأَلَة طَائِفَة كالماوردي والدارمي وَالشَّيْخ فِي الْمُهَذّب والتنبيه وَكَلَام الشَّيْخ أبي حَامِد

فِيهَا مُحْتَمل فَإِنَّهُ قَالَ لَو اقْتدى بِهِ وَهُوَ يحْتَمل الْكَرَاهَة وَعَلَيْهَا جرى الرَّوْيَانِيّ فِي الْبَحْر وَلم يَصح عَن القَاضِي أبي الطّيب

شَيْء بل حكى عَن الدَّارمِيّ الْجَوَاز وَعَن أبي اسحاق الْمَنْع والقائلون بِهِ لم يقفوا للشَّافِعِيّ على نَص بل قَالُوا إِنَّه قِيَاس مذْهبه فِي الْمُخْتَلِفين فِي الْقبْلَة والأواني وَهَذَا مَمْنُوع نقلا وتوجيها أما النَّقْل فَإِن الْمَنْصُوص للشَّافِعِيّ مَا نَقله الْقفال الصِّحَّة وَمِمَّا يشْهد للصِّحَّة مَا حَكَاهُ الْمحَامِلِي فِي الْمَجْمُوع قَالَ قَالَ الشَّافِعِي رَحمَه الله تَعَالَى فِي الامالي وَإِذا دخل الرجل

بَلَدا فَنوى أَن يُقيم أَرْبَعِينَ يَوْمًا وَكَانَ يرى جَوَاز الْقصر حِينَئِذٍ وَمَعَهُ رجل يعْتَقد أَن صلَاته الْمَقْصُورَة لَا تجوز فَإِن قدمه وَصلى خَلفه جَازَ لِأَنَّهُ مَحْكُوم بِصِحَّة صلَاته فِي حَقه هَكَذَا حَكَاهُ القَاضِي أَبُو الطّيب عَن الامالي وَلَو كَانَت الْعبْرَة باعتقاد الْمَأْمُوم لَكَانَ اقْتِدَاؤُهُ بِهِ بَاطِلا لِأَن عِنْد الْمَأْمُوم أَن نِيَّة الْقصر لَا تَنْعَقِد مَعهَا الصَّلَاة وَمَعَ ذَلِك صحّح الشَّافِعِي الِاقْتِدَاء بِهِ اعْتِبَارا باعتقاد الإِمَام وَهَذَا النَّص ذكره الإِمَام

النَّوَوِيّ أَيْضا فِي بَاب صَلَاة الْمُسَافِر فِي شرح الْمُهَذّب وَوَقع فِي بعض نسخ شرح الْمُهَذّب هَكَذَا وَالْمُخْتَار وَالظَّاهِر قَول الْقفال فَلم تزل الْأَئِمَّة المختلفون فِي الْفُرُوع يُصَلِّي بَعضهم خلف بعض وَيشْهد لَهُ تصحيحهم أَن المَاء الَّذِي تَوَضَّأ مِنْهُ الْحَنَفِيّ وَغَيره مِمَّن لَا يرى وجوب النِّيَّة مُسْتَعْمل وَإِن لم ينْو على الْأَصَح وَهَذَا هُوَ الصَّوَاب الَّذِي يَنْبَغِي أَن تكون الْفَتْوَى عَلَيْهِ وَقد كَانَ الإِمَام الشَّافِعِي رَحمَه الله تَعَالَى يُصَلِّي خلف أَئِمَّة الْمَدِينَة ومصر وَكَانُوا لَا يسلمُونَ وَلم ينْقل عَنهُ الِامْتِنَاع عَن الِاقْتِدَاء

بهم وَصَحَّ عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ أَنه ائتم بمنى مَعَ عُثْمَان رَضِي الله عَنهُ مَعَ إِنْكَاره عَلَيْهِ ذَلِك فَقيل لَهُ فِي ذَلِك فَقَالَ الْخلاف شَرّ فتْنَة وَأما تَوْجِيه المانعين بقَوْلهمْ إِن الْمَأْمُوم يعْتَقد بطلَان صَلَاة الإِمَام فمردود فَإِنَّهَا مسئلة اجْتِهَاد واعتقاد

وَالْخَطَأ فِيهَا لَا يسوغ كَمَا فِي غَيرهَا من الْمسَائِل الاجتهادية كَالْحكمِ بِصِحَّة حكمه وَامْتِنَاع نقضه بِشَرْطِهِ وَأما قياسهم على الْمُجْتَهدين فِي الْقبْلَة أَو فِي الْأَوَانِي فَيصْرف بَان الإِمَام وَالْمَأْمُوم فيهمَا يعتقدان فَسَاد صَلَاة من صلى بِطَهَارَة من إِنَاء نجس أَو صلى إِلَى غير الْقبْلَة بِخِلَاف الْمَأْمُوم فِي اقتدائه بتارك الْفَاتِحَة فانه لَا يعْتَقد

بطلَان صلَاته مَعَ تَركهَا لانه مُسْتَند لاجتهاد من جملَة عقيدة الْمَأْمُوم الَّتِي يدين بهَا ربه اعْتِقَاد صِحَّته وَبِأَن الْمُجْتَهد أَو بِأَن لَهُ فِي مَسْأَلَتي الْأَوَانِي والقبلة أَن الْأَمر على خلاف ظَنّه يَقِينا لَزِمته الْإِعَادَة بِخِلَاف الْمُجْتَهد فِي الْفُرُوع لَو عثر على نَص جلي مُخَالف لاجتهاده السَّابِق لَا تلْزمهُ إِعَادَة مَا صلاه بِالِاجْتِهَادِ السَّابِق وسر ذَلِك أَن الِاجْتِهَاد الأول مُسْتَند إِلَى أَمر عادى وقرائن تُشِير الظَّن اكْتفى بهَا الشَّارِع تَخْفِيفًا على الْأمة فَإِن تحقق الْخَطَأ فِيهَا رَجَعَ إِلَى الأَصْل وَتبين عدم صلاحيتها لمن ظن بهَا بِخِلَاف الِاجْتِهَاد الثَّانِي فَإِنَّهُ مُسْتَند إِلَى أَمر شَرْعِي أوجب الشَّارِع عَلَيْهِ إتباعه فَلم يَقع عمله السَّابِق على خلاف حكم الله تبَارك وَتَعَالَى وَإِن فرض وَصرح النَّص الثَّانِي المعثور عَلَيْهِ بِحَيْثُ

أَفَادَ الْيَقِين أَو مَا قاربه من الظَّن الْقوي وَأَيْضًا الِاجْتِهَاد الأول يُمكن التَّوَصُّل بِهِ إِلَى الْقطع بالْخَطَأ فِيهِ خلاف الثَّانِي وَمِمَّنْ اخْتَار ذَلِك من الْمُتَأَخِّرين صَاحب الذَّخَائِر وأفرد الْمَسْأَلَة بتصنيف سَمَّاهُ بَيَان الْمَشْرُوع فِي الِاقْتِدَاء بالمخالفين فِي الْفُرُوع وَقَالَ ابْن أبي الدَّم فِي بَاب الْجَنَائِز من شرح الْوَسِيط

لَعَلَّ الْأَصَح الصِّحَّة الْمُطلقَة وَأقَام الدَّلِيل على الْجَوَاز من وُجُوه ثمَّ نبه على أَمر حسن فَقَالَ وَهَذَا الْخلاف كُله فِي الْمُجْتَهدين وَأما عوام النَّاس فليسوا مقصودين فِي الْخلاف فَإِنَّهُم لَا مَذْهَب لَهُم يعولون عَلَيْهِ وَإِنَّمَا فرضهم التَّقْلِيد عِنْد نزُول النَّازِلَة فَمن أفتاهم من أهل الْفَتْوَى وَجب عَلَيْهِم قبُول قَوْله وانتسابهم إِلَى الْمذَاهب عصبية وَمَعْنَاهُ ارتضى أَن يعْمل فِي عِبَادَته وكل أَحْوَاله بقول إِمَام انتسب اليه فَهَؤُلَاءِ يَصح

قدوة كل مِنْهُم بِأَيّ إِمَام كَانَ من غير تَفْصِيل وَنقل عَن الإِمَام أَحْمد بن حَنْبَل رَحمَه الله تَعَالَى أَنه كَانَ يرى الْوضُوء من الدَّم الْكثير فَقيل لَهُ إِذا كَانَ الإِمَام لايتوضأ من ذَلِك أتصلى خَلفه فَقَالَ سُبْحَانَ الله تَعَالَى أَقُول إِنَّه لَا يُصَلِّي خلف سعيد بن الْمسيب وَمَالك رَضِي الله عَنْهُمَا وَكَانَ القَاضِي أَبُو عِصَام العامري الْحَنَفِيّ مارا فِي بَاب

مَسْجِد الْقفال والمؤذن يُؤذن الْمغرب فَنزل عَن دَابَّته وَدخل الْمَسْجِد فَلَمَّا رَآهُ الْقفال أَمر الْمُؤَذّن أَن يثني فِي الْإِقَامَة وَقدم القَاضِي

أَبَا عِصَام فَتقدم وَصلى وجهر بالبسملة وَأم بشعار الشَّافِعِيَّة فِي صلَاته وَكَانَ ذَلِك مِنْهُمَا تهوينا لأمر الْخلاف فِي

الْفُرُوع وَقَالَ القَاضِي الْحُسَيْن فِي تَعْلِيقه وَالْمُخْتَار أَن كل مُجْتَهد مُصِيب إِلَّا أَن أحدهم أصَاب الْحق عِنْد الله وَالْبَاقُونَ أَصَابُوا الْحق عِنْد أنفسهم وَقَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ قَالَ

عُلَمَاؤُنَا من أَخطَأ كَانَ مخطئا للحق عِنْد الله مصيبا فِي حق عمل نَفسه حَتَّى إِن عمل نَفسه يَقع صَحِيحا عِنْد الله شرعا كَأَنَّهُ أصَاب الْحق عِنْد الله وَقد حكى الإِمَام الشَّافِعِي رَحْمَة الله عَلَيْهِ الْإِجْمَاع على أَن كل مُجْتَهد أَدَّاهُ اجْتِهَاده إِلَى أَمر فَهُوَ حكم الله تَعَالَى فِي حَقه وَلَا يشرع لَهُ الْعَمَل بِغَيْرِهِ حِينَئِذٍ فَمن صلى بِحكم اجْتِهَاده فَصلَاته صَحِيحَة عِنْده وَعند من يُخَالِفهُ فِي الْمَسْأَلَة لاعْتِقَاده أَن ذَلِك حكم الله تَعَالَى عِنْده وَصلَاته صَحِيحَة لأتيانه بهَا على الْوَجْه الْمَأْمُور بِهِ حِينَئِذٍ فَكيف يمْنَع الِاقْتِدَاء بِهِ مَعَ الحكم بِصِحَّة صلَاته فِي

نَفسه انْتهى مَعَ تَلْخِيص وتحرير وَاقْتضى نسخه إِلَى هُنَا انْتهى مَا رَأَيْته بِخَط الْمَذْكُور دَامَت إفادته وَقد أرسل بِهِ إِلَيّ فِي ذيل نُسْخَة من هَذِه الرسَالَة بعد إمرار نظره السعيد عَلَيْهَا وَهَذَا بِحَمْد الله تَعَالَى أَيْضا مؤيد لما أَشرت إِلَيْهِ واعتمدت فِيهَا عَلَيْهِ وَالله الْمُوفق إِلَى الصَّوَاب قَالَ جَامعهَا ومؤلفها مُحَمَّد بن عبد الْعَظِيم الْمَكِّيّ الْحَنَفِيّ ابْن الْمَقْدِسِي الميروز الملا فروخ بن عبد المحسن

كرم الله وَجهه الله جلّ ذكره الرُّومِي الموروي حفظه الله تَعَالَى فِي نَفسه وَأَوْلَاده وَجَمِيع نعم الله تَعَالَى عَلَيْهِ وأحياه حَيَاة طيبَة سَالِمَة من الأسواء فِيمَا وصل ويصل من منَّة الله إِلَيْهِ بعد أَن علم بِأَنَّهُ مر عَلَيْهِ مطالعة وتصحيحا وتتمة فِي يَوْم الْجُمُعَة الثَّانِيَة من شَوَّال سنة اثْنَتَيْنِ وَخمسين وَألف من الْهِجْرَة النَّبَوِيَّة وَالْحَمْد لله على ذَلِك وَصلى الله على نبيه كَذَلِك

§1/1