القول الأحمد في أحكام في حرمة المسجد

عبد الله السهلي

مقدمة

المقدمة إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} 1، {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً} 2. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} 3. أما بعد فإن المساجد لها مكانة عظيمة وأهمية بالغة عند المسلمين أمر الله برفعها وذكر اسمه فيها يقول عز وجل {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ..} 4. وقوله تبارك وتعالى {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ} 5.

_ 1 آية 102 من سورة آل عمران. 2 آية 1 من سورة النساء. 3 آية 70، 71 من سورة الأحزاب. 4 آية 26، 27 من سورة النور. 5 آية 18 من سورة التوبة.

ولهذه الأهمية العظيمة أُمِرْنا بالمحافظة على المساجد من كل مالا يتناسب مع ما بُنيت له ولذلك نهى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن البيع والشراء في المسجد أو إنشاد الضالة أو أن يأكل الإنسان ثوماً أو بصلاً ويدخل المسجد أو أن يستهان بالمسجد أو يُعبث فيه ولما كان الناس قد خف عندهم شأن المحافظة على المساجد وخاصة فيما يتعلق بتعظيمها والمحافظة على حرمتها وكانت الأحكام المتعلقه بالمساجد كثيرة ومتفرقة أحببت أن أسهم في بيان بعض الأحكام المتعلقة بحرمة المسجد في بحث مستقل وضعته بأسلوب علمي واضح يسهل الاطلاع عليه والاستفادة منه وعنونت له بعنوان (القول الأحمد في أحكام في حرمة المسجد) . خطة البحث قسمت هذا البحث إلى مقدمة وتمهيد وأربعة مباحث وخاتمة. المقدمة: وتشتمل على الافتتاحية وخطة البحث ومنهجه. التمهيد: في تعريف المسجد وبيان أهميته ومكانته وفضل عمارته المبحث الأول: في مكث المحدث والحائض ومن في حكمهما في المسجد. وفيه ثلاثة مطالب المطلب الأول: في مكث المحدث والحائض في المسجد. المطلب الثاني: في عبور الجنب والحائض المسجد. المطلب الثالث: في دخول المستحاضة ومن به سلس بول أو نجاسة دائمة أو رائحة كريهة. المبحث الثاني: في دخول الصبيان والمجانين المسجد. المبحث الثالث: في من يقصد المسجد للبيع والشراء وإنشاد الضالة. المبحث الرابع: في دخول المشرك المسجد.

أو يقصده للصلاة فيبيع ويشتري أو ينشد ضالة. الخاتمة في أهم نتائج البحث. منهج البحث: سلكت في إعداد هذا البحث المنهج الآتي: 1- جمعت المادة العلمية المتعلقة ببحث القول الأحمد في أحكام في حرمة المسجد. 2- درست المسائل الواردة في هذا البحث دراسة موازنة، وحرصت على بيان المذاهب الأربعة في كل مسألة، وقد أذكر في المسألة أقوال بعض الصحابة والتابعين وغيرهم من الفقهاء كما أنني ذكرت قول الظاهرية في بعض المسائل مراعياً في ذلك غالباً الترتيب الزمني بين الفقهاء. 3- حرصاً مني على إخراج المسائل بأسلوب مبسط، يسهل معه معرفة الحكم في المسألة صدّرتها بالإجماع أو الاتفاق إن كانت من المسائل المتفق أو المجمع عليها، كما أنني إن رأيت الخلاف ليس قوياً في المسألة صدّرت المسألة بقول أكثر أهل العلم وبعد ذلك أشير إلى القول المخالف ثم أذكر أدلة كل قول وما قد يرد عليه من اعتراض إن وجد، ثم أختم المسألة بالقول الراجح وقد أؤخر الاعتراضات مع الترجيح. 4- حرصت على نقل أقوال الفقهاء من مصادرها الأصلية. 5- ذكرت أرقام الآيات الواردة في البحث مع بيان أسماء سورها. 6- خرجت الأحاديث الواردة في البحث مبيناً الكتاب والباب والجزء والصفحة فإن كان الحديث في الصحيحين أو في أحدهما اكتفيت بتخريجه منهما أو من أحدهما، وإن لم يكن فيهما أو في أحدهما اجتهدت في

تخريجه من كتب السنة الأخرى مع ذكر درجة الحديث صحة أو ضعفاً معتمداً على الكتب التي تعنى بذلك. 7- بينت معاني الكلمات التي تحتاج إلى بيان معتمداً على الكتب التي تعني بذلك. 8- لم أترجم للأعلام الواردة في البحث خشية الإطالة. 9- بينت في نهاية البحث في الخاتمة أهم النتائج التي توصلت إليها. 10- وضعت فهرساً للمصادر التي اعتمدت عليها مرتباً حسب الحروف الهجائية، وآخر للموضوعات.

التمهيد

التمهيد: في تعريف المسجد وبيان أهميته ومكانته وفضل عمارته تعريف المسجد: المسجد لغة: هو مفعل بالكسر اسم لمكان السجود. والفتح اسم للمصدر. والمَسْجَدُ بالفتح: جبهة الرجل حيث يصيبه ندب السجود1. والمسجد شرعاً: هو كل موضع من الأرض لقوله صلى الله عليه وسلم: “جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً” 2. وهذا من خصائص هذه الأمة قال القاضي عياض: “لأن من كان قبلنا، كانوا لا يصلون إلا في موضع يتيقنون طهارته، ونحن خصصنا بجواز الصلاة في جميع الأرض إلا ما تيقنا نجاسته”3. وقال القرطبي: “هذا ما خص الله به نبيه، وكانت الأنبياء قبله إنما أبيحت لهم الصلوات في مواضع مخصوصة كالبّيع والكنائس” 4. قال الزركشي: ولما كان السجود أشرف أفعال الصلاة لقرب العبد من ربه اشتق اسم المكان منه فقيل مسجد، ولم يقولوا مركع.

_ 1 انظر لسان العرب 3/204، المصباح المنير 1/316، تاج العروس 2/371، الصحاح 2/483. 2 أخرجه البخاري 1/86 في كتاب التيمم في أول كتاب التيمم. ومسلم 1/371 في كتاب المساجد ومواضيع الصلاة في أوله. 3 انظر شرح صحيح مسلم 5/4، إعلام الساجد بأحكام المساجد 27. 4 انظر الجامع لأحكام القرآن 2/78، إعلام الساجد بأحكام المساجد 27.

ثم إن العرف خصص المسجد بالمكان المهيأ للصلوات الخمس حتى يخرج المصلى المجتمع فيه للأعياد ونحوها فلا يعطى حكمه1. أهمية المسجد ومكانته وفضل عمارته: المسجد بيت الله وأحب البقاع إليه ولقد وضع الله للناس أول بيت من بيوته في الأرض وأشرفها، وهو المسجد الحرام ليقام فيه دينه، كما قال تعالى {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً وَهُدىً لِلْعَالَمِينَ} 2. قال ابن كثير، رحمه الله: يخبر تعالى أن أول بيت وضع للناس، أي لعموم الناس لعبادتهم ونسكهم، يطوفون به ويصلون إليه، ويعتكفون عنده {لَلَّذِي بِبَكَّةَ} يعني الكعبة التي بناها إبراهيم الخليل عليه السلام3. ومما يدل على مكانة المسجد وعظم منزلته عند الله أنه سبحانه هو الذي فضل المساجد، ورغب في بنائها وعمارتها، حساً ومعنى، وجعل أصل وظائفها ذكره، وإقام الصلاة له، وهي أهم أركان عبادته بعد الشهادتين، اللتين هما عبادته وذكره، كما قال تعالى {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ} 4. والله سبحانه وتعالى، هو مالك كل شيء نسب المساجد إليه، فليست هي لأحد سواه، كما أن العبادة التي كلف الله عباده إياها لا يجوز أن تصرف

_ 1 انظر إعلام الساجد بأحكام المساجد 28، تحفة الراكع والساجد 12، معجم لغة الفقهاء 428. 2 آية 96 من سورة آل عمران. 3 انظر تفسير القرآن العظيم 2/63. 4 آية 26، 27 من سورة النور.

لسواه، كما قال تعالى {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُو مَعَ اللَّهِ أَحَداً} 1. على القول بأن المراد بالمساجد في الآية أماكن الصلاة2. ويُؤخذ من كون المساجد لله، انه تعالى هو الذي يشرع فيها ما يريد، سواء كان ذلك يتعلق ببنائها وكيفيته أم يتعلق بما يجب فيها، وما يندب، وما يباح، وما يكره وما يحرم، فليس لأحد من الخلق أن يتدخل في شؤون المساجد إلا بما أذن الله، ومن تدخل فيها بما لم يأذن به الله، فقد تعدى حدوده. ومما يدل على مكانة المسجد عند الله أن عمّاره مادياً ومعنوياً هم صفوة خلقه من الأنبياء والمرسلين، وأتباعهم من عباده المؤمنين، فقد كان باني الكعبة أبو الأنبياء إبراهيم وابنه إسماعيل. كما قال تعالى {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} 3. وقال تعالى في عمار سائر المساجد {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاّ اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ} 4. ووعد الله سبحانه وتعالى من بنى له بيتاً في الأرض ـ أي بنى مسجداً لله تعالى ـ أن يبني له بيتاً في الجنة، كما في حديث عثمان بن عفان ـ رضي الله عنه ـ قال: سمعت النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول: “من بنى لله مسجداً بنى الله له كهيئته في الجنة” 5.

_ 1 آية 18 من سورة الجن. 2 انظر الجامع لأحكام القرآن 19/20. 3 آية 127، 128 من سورة البقرة. 4 آية 18 من سورة التوبة. 5 أخرجه البخاري 1/116 في كتاب الصلاة باب من بنى مسجداً، ومسلم 1/378 في كتاب المساجد ومواضع الصلاة باب فضل بناء المساجد والحث عليها.

ومما يدل على مكانتها شهود الملائكة للصلاة فيها واستماعهم للذكر، جاء في فضل الجمعة من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “.... فإذا حضر الإمام حضرت الملائكة يستمعون الذكر” 1. إن مكانة المسجد في المجتمع المسلم تظهر بجلاء من كون الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ لم يستقر به المقام عندما وصل إلى حي بني عمرو بن عوف في قباء حتى بدأ ببناء مسجد قباء، وهو أول مسجد بني في المدينة وأول مسجد بني لعموم الناس 2. وكذلك عندما واصل سيره صلى الله عليه وسلم إلى قلب المدينة كان أول ما قام به تخصيص أرض لبناء مسجده، ثم الشروع في بنائه. وكان صلى الله عليه وسلم ـ إذا نزل منزلاً في سفر أو حرب، وبقى فيه مدة اتخذ فيه مسجداً يصلي فيه أصحابه، رضي الله عنهم، كما فعل في خيبر وفي غزوة الخندق3. وكان صلى الله عليه وسلم يصلي لذوي الأعذار في بيوتهم في مكان منها ليتخذوه مسجداً، كما في قصة عتبان بن مالك الأنصاري4 ـ رضي الله عنه ـ كل ذلك يدل على مكانة المسجد وعدم استغناء المسلم عنه في أي مكان حل، وأنه لا تخلو منه الأحياء والدور والمنازل في سفر ولا حضر. من المسجد ينطلق صوت المؤذن في اليوم والليلة خمس مرات في كل أرجاء المعمورة، فيستجيب له ملايين الناس، تاركين كل شيء وراءهم، ليقووا

_ 1 أخرجه البخاري 2/223 في كتاب الجمعه باب الاستماع إلى الخطبة يوم الجمعة. 2 انظر تفسير القرآن العظيم 4/150. 3 انظر وفاء الوفاء بأخبار دار المصطفى 3/1028، 1204. 4 أخرجه مسلم 1/455 في كتاب المساجد ومواضع الصلاة باب الرخصة عن التخلف عن الجماعة بعذر.

صلتهم بربِهم ويؤدوا له ما فرض عليهم في بيوته التي أذن أن ترفع ويذكر فيها اسمه. فالمسجد هو مقر إقامة الصلاة المفروضة، والذي يتخلف عنه يسم نفسه بسمة النفاق وهذا ما فهمه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه لا يتخلف عن صلاة الجماعة بدون عذر إلا منافق معلوم النفاق. وللمسلمين عيد أسبوعي يجتمع فيه أهل كل حي في أكبر مساجدهم في غاية النظافة، وبأجمل اللباس، وبأطيب الروائح، أفضلهم أجراً من جاء مبكراً إلى المسجد، وذلك لحضور صلاة الجمعة، والإنصات لخطبتها قبل الصلاة، وليس هناك خطبة يجب الإنصات لها دون لغو ولا عبث كخطبتي الجمعة. وهناك صلوات النوافل التي تسن إقامتها في المسجد، منها تحية المسجد عند دخوله. وكذلك صلاة ركعتين بين الأذان والإقامة من كل صلاة ولا مانع من أداء النوافل الراتبة قبل الصلاة وبعدها في المسجد وإن كان الأفضل أداؤها في المنازل. وكذلك صلاة العيدين، يجوز أداؤها في المسجد، وإن كان الأفضل أن تقام في الصحراء، وكذلك صلاة الاستغاثة، وفي المسجد تقام صلاة الكسوف لكسوف الشمس وصلاة الخسوف لخسوف القمر ومع كل تلك الصلوات يسن أن يخطب الإمام الناس خطبة فيها تناسب المقام وكذلك الصلاة على الجنائز التي اعتادها المسلمون لكثرة المصلين، ويرجى من الخير للميت مع وجود الكثرة ما لا يرجى مع القلة في الغالب. ومن الأعمال الصالحة التي تؤدى في المسجد قراءة القرآن بتدبر وخشوع وحفظه والاجتماع لتدارسه، كما ورد في حديث أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وفيه ... "وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله، يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة

وذكرهم الله فيمن عنده" 1. ومن ذلك ذكر الله سبحانه: ما كان مقيداً منه بعدد ووقت، كالذكر أدبار الصلوات من تسبيح وتحميد وتهليل، وما كان غير مقيد كالذكر المطلق الذي شرع الله الإكثار منه وكالصلاة على رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وغيرها. ومنها الاعتكاف المشروع ـ وهو المكث في المسجد مدة معينة من الزمن تطول أو تقصر ليصلي ويدعو ويقرأ القرآن، ويذكر الله تعالى ويتأمل حاله وحال المسلمين ويحاسب نفسه ويخلو مع خالقه ويبكي على خطيئته ويجدد توبته ويتعرض لنفحات الله بعد أن تعلق قلبه بربه في أحب البقاع إليه يرجو أن يظله الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله جاء في حديث أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ “سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله....” وذكر منهم: “رجل معلق قلبه في المساجد، ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه” 2. والمسجد مدرسة للعلم والتعليم، ومنبت التربية والتثقيف منه يتخرج العلماء والأبطال والقادة والمفكرون وفيه يلتقي المسلمون على مائدة القرآن والسنة. وهو مركز دعوة ومنبر توجيه، فكم نور قلوباً وعمر أفئدة وأزال عنها أوحال الجاهلية وغبش الضلال، وجعلها مؤمنة تقية نقية، مجاهدة قانتة مطيعة عمرت الأرض بالطاعة والإصلاح ونشرت في أنحاء واسعة من المعمورة، فكانت قرآنا يمشي على الأرض ينير للناس مناهج الحق ويهديهم سبيل الرشاد.

_ 1 أخرجه مسلم 3/2074 في كتاب الذكر باب فضل الاجتماع على تلاوة القرآن وعلى الذكر. 2 أخرجه البخاري 1/161 في كتاب الأذان باب من جلس في المسجد ينتظر الصلاة وفضل المساجد، ومسلم 1/715 في كتاب الزكاة باب فضل إخفاء الصدقة.

ونهى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن أن يفعل في المساجد ما لم تبن له فنهى عن البيع والشراء في المسجد وعن إنشاد الضالة وعن إيذاء المصلين والملائكة برائحة كريهة كأكل ثوم أو بصل أو كراث أو نحوها1، وحث ورغب في صيانة المساجد وتنزيهها عن القذى والأذى والحدث وعن اللغو والفحش واللغط والعبث وعن كل ما فيه انتهاك لحرمتها ورتب الجزاء الأوفى على تعاهد نظافة المساجد وصيانتها. والخلاصة: أن للمساجد مكانة عظيمة في الإسلام فهي متعددة الأغراض متشعبة المهام ينبغي على المسلمين أن يهتموا بها ويحرصوا على عمارتها حسياً ومعنوياً، ويصونوها عن كل ما يدنسها أو ينتهك حرمتها أو يلغي من وظائفها أو اعتباراتها أو يتلف شيئاً من أدواتها.

_ 1 سيأتي بيان ذلك والاستدلال له.

المبحث الأول: في مكث المحدث والحائض ومن في حكمهما في المسجد.

المبحث الأول: فيِ مكث المحدث والحائض ومن في حكمهما في المسجد. المطلب الأول: في مكث المحدث والحائض في المسجد. ... المبحث الأول: فيِ مكث المحدث والحائض ومن في حكمهما في المسجد وفيه ثلاث مطالب. المطلب الأول: في مكث المحدث والحائض في المسجد. أجمع العلماء على أن المحدث حدثاً أصغر يجوز له الجلوس في المسجد سواء مكث بغرض شرعي، كانتظار صلاة أو اعتكاف أو سماع قرآن أو علم آخر أو غرض أم لغير غرض1. واختلف الفقهاء في جلوس المحدث حدثاً أكبر والحائض في المسجد على قولين: القول الأول: يحرم مكث الحائض والجنب في المسجد وبه قال الجمهور ومنهم الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة2. القول الثاني: يجوز مكث الحائض والجنب مطلقاً لحاجة ولغير حاجة. وهو مروي عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ ومجاهد وسعيد بن جبير وقتادة وبه قال المزني وابن المنذر والظاهرية3 وبه قال بعض الشافعية إذا دعت الضرورة

_ 1 انظر المجموع 2/173. 2 انظر بدائع الصنائع 1/38، الاختيار1/14، حاشية ابن عابدين 1/171 التفريع 1/206، المعونه 1/161، منح الجليل 1/131، الأم 1/46، 54، الحاوي 2/267، المجموع 2/160، مغنى المحتاج 1/71، المغني 1/200، الإنصاف 1/246، 346، كشاف القناع 1/148. 3 انظر الأوسط 2/108، المجموع 2/160، المغني 1/200، المحلي 2/184.

والحاجة لذلك بشرط التيمم إن وجد تراباً غير تراب المسجد والحنابلة في الجنب إذا توضأ1. الأدلة: استدل الجمهور بالكتاب والسنة والمعقول2. من الكتاب: قول الله عز وجل {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلا جُنُباً إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا......} 3. وجه الدلالة من الآية: أن الله نهى عن قربان مواضع الصلاة في حال الجنابة إلاِّ لعابر من باب إلى باب من غير جلوس4. وأعترض على هذا الاستدلال: بأن المراد بالنهي في الآية: {لا تَقْرَبُوا} أي لاتصلوا في حالة الجنابة حتى تغتسلوا إلاِّ في حالة عبور السبيل وهو السفر فلكم أن تؤدوها بغير اغتسال بالتيمم5.

_ 1 قال الرافعي: قد يعذر في المكث عند الضرورة كما لو نام في المسجد فاحتلم ولم يمكن الخروج لإغلاق الباب أو الخوف من العسس أو غيره على النفس أو المال وليتيمم في هذه الحالة تطهيراً أو تخفيفاً للحدث بقدر الإمكان وهذا إذا وجد تراباً غير تراب المسجد ولا يتيمم بترابه لكن لو تيمم به صح. انظر فتح العزيز 2/146- 147. 2 أنظر الإنصاف 1/246، 346، المستوعب 1/237. 3 آية 43 سورة النساء. 4 انظر جامع البيان عن تأويل القرآن 8/382، معالم التنزيل 1/431، معالم السنن 1/158. 5 انظر أحكام القرآن للجصاص 2/168، تفسير القرآن العظيم 2/274.

وأجيب عن هذا الاعتراض: بأن المراد بالعبور في قوله تعالى {وَلا جُنُباً إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ} عبور الجنب في المسجد وليس المسافر وذلك أن الله عز وجل قد بين حكم المسافر إذا عدم الماء وهو جنب في قوله تعالى {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّبا 1} ، فيعلم بذلك أن قوله {وَلا جُنُباً إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا} لو كان المراد به المسافر لم يكن لإعادة ذكره في قوله تعالى {مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ} معنى مفهوم وقد تقدم ذكر حكمه قبل ذلك2. ومن السنة: 1- حديث أم عطية ـ رضي الله عنها ـ قالت: أمرنا (تعني النبي صلى الله عليه وسلم) "أن نُخْرِج، في العيدين، العَوَاتق3 وذوات الخدور 4. وأمر الْحُيَّض أن يعتزِلْن مصلى المسلمين"5. والمراد بالأمر باعتزالهن المصلى منعهن من دخول المصلى.

_ 1 آية 43 من سورة النساء. 2 انظر جامع البيان عن تأويل القرآن 8/285، معالم التنزيل 1/431. 3 العواتق: جمع عاتق، وهي الجارية البالغة، وقيل هي التي قاربت البلوغ. وقيل هي ما بين أن تبلغ إلى أن تعنس. والتعنيس طول المقام في بيت أبيها بلا زوج حتى تطعن في السن. انظر شرح صحيح مسلم 6/178، فتح الباري 1/424. 4 الخدور. البيوت. وقيل الخدر ستر يكون في ناحية البيت. انظر شرح صحيح مسلم 6/178. 5 أخرجه البخاري 2/8 في كتاب العيدين باب خروج النساء والحيض إلى المصلى، ومسلم 1/605-606 واللفظ له في كتاب صلاة العيدين باب خروج النساء إلى المصلى وشهود الخطبة مفارقات للرجال.

وقد يعترض عليه بأن المراد منعهن من الصلاة نفسها1. وقد يجاب عن هذا بأن الحائض غير مأمورة بالصلاة ولا تجوز منها2. 2- حديث أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال بينما رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في المسجد فقال: "يا عائشة ناوليني الثوب" فقالت: إني حائض. فقال: "إن حيضتك ليست في يدك، فناولته" 3. ففي هذا الحديث دلالة على أن الحائض ممنوعة من دخول المسجد وعبوره ولهذا أمرها النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن تناوله الثوب بيدها وهذا ما كان معلوماً عند عائشة حيث قالت إني حائض ولهذا قال لها النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ إن حيضتك ليست في يدك، أي أنه أقرها أنها ليس لها دخول المسجد، وإنما تناوله بيدها وليست الحيضة في يدها فلا مانع من أن تدخل يدها في المسجد لتناوله الثوب4. 3- حديث عائشة ـ رضي الله عنها أنها كانت ترجل5 رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي حائض ورسول الله صلى الله عليه وسلم حينئذ مجاور6 في المسجد يدني لها رأسه وهي في حجرتها فترجله وهي حائض7.

_ 1 انظر شرح صحيح مسلم 6/179. 2 انظر شرح السنة 2/134. 3 أخرجه مسلم 1/244 في كتاب الحيض باب جواز غسل الحائض رأس زوجها وترجيله وطهارة سؤرها والاتكاء في حجرها وقراءة القرآن فيه. 4 انظر شرح صحيح مسلم 3/210، فتح الباري 1/401. 5 ترجل: ترجيل الشعر هو تسريحه. انظر شرح صحيح مسلم 3/210. 6 مجاور: أي معتكف. أنظر فتح الباري 1/401. 7 أخرجه البخاري 1/77 باب غسل الحائض رأس زوجها وترحيله ن واللفظ له، ومسلم 1/244 في كتاب الحيض باب جواز غسل الحائض رأس زوجها وترجيله....

ففي هذا الحديث دلالة على أن الحائض لا تدخل المسجد فمن باب أولى مكثها فيه1. 4- حديث عائشة ـ رضي الله عنها ـ وفيه أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال ... ” فإني لا أحل المسجد لحائض ولا جنب “ 2. وقد دل هذا الحديث على تحريم اللبث في المسجد وكذلك العبور فيه سواء كان لحاجة أو لغيرها3. واعترض على الاستدلال بهذا الحديث. بأنه حديث ضعيف فقد ضعفه ابن المنذر والخطابي والنووي وابن حزم والألباني4. وأجيب عن هذا بأن الحديث قد حسنه الزيلعي وابن القطان وقال الحافظ صححه ابن خزيمة5. وقال أصحاب هذا القول على فرض ضعفه فإنه يتقوى بالأحاديث السابقة الدالة على المنع. 5- حديث أم سلمه ـ رضي الله عنها ـ وفيه أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ “ نادى

_ 1 انظر فتح الباري 1/401. 2 أخرجه أبو داود 1/158-159 في كتاب الطهارة باب في الجنب يدخل المسجد، والبيهقي في سننه 2/442 في الصلاة باب الجنب يمر في المسجد ماراً ولا يقيم فيه، وابن حزم في المحلى 2/185. 3 انظر معالم السنن 1/158، عون المعبود 1/391. 4 انظر الأوسط 2/110، معالم السنن 1/158، المجموع 2/161، المحلى 2/186، ارواء الغليل 1/210. 5 انظر نصب الراية 1/194، المجموع 2/161، 1/140. التلخيص الحبير 1/140.

بأعلى صوته أن المسجد لا يحل لحائض ولا جنب”1. فالحديث صريح الدلالة في عدم جواز حل المسجد للحائض والجنب. واعترض على الاستدلال به. بأنه حديث ضعيف فقد ضعفه جمع من أهل العلم منهم ابن القيم وابن حزم والألباني2 وغيرهم. وقد يجاب عن هذا: بأنه يتقوى بالأحاديث الأخرى الصحيحة الواردة في المنع. ومن المعقول: أن المساجد بيوت الله ـ عزوجل ـ ومحل ذكره، وعبادته، ومأوى ملائكته وإذا كان آكل البصل والأشياء المكروهه ممنوعاً من البقاء في المسجد، فالجنب الذي تحرم عليه الصلاة من باب أولى3. أدلة أصحاب القول الثاني: استدل أصحاب القول الثاني على جواز مكث الحائض والجنب في المسجد لحاجة ولغير حاجة بالسنة والمعقول: فمن السنة: 1) حديث عائشة ـ رضي الله عنها ـ أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: “ ... فافعلي ما يفعل الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت حتى تطهري “ 4.

_ 1 أخرجه ابن ماجه 1/212 في الطهارة باب ما جاء في اجتناب الحائض المسجد، وابن حزم في المحلى 2/1852 انظر تهذيب سنن أبي داود 1/388، المحلى 2/185 ضعيف سنن ابن ماجه ص 49. 3 انظر الشرح الممتع 1/293. 4 أخرجه البخاري 1/79 في كتاب الحيض باب نقض الحائض المناسك كلها إلاَّ الطواف بالبيت واللفظ له، ومسلم 1/873 في كتاب الحج باب بيان وجوه الإحرام، وأنه يجوز إفراد الحج والتمتع والقران، وجواز إدخال الحج على العمرة، ومتى يحل القارن من نسكه.

وجه الدلالة من الحديث: أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ منعها من الطواف ولم يمنعها من دخول المسجد. واعترض على هذا: أن في نهيها عن الطواف بالبيت نهياً عن دخول المسجد لأن الطواف في المسجد ولذلك لم ينهها عن شعائر الحج الأخرى التي تؤدى في غير المسجد كالسعي والرمي والوقوف بعرفه وغيرها. وقد تقدم في حديث أبي هريره في أدلة أصحاب القول الأول ما يدل على علم عائشة بمنع الحائض من دخول المسجد1. 2) حديث أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال: لقيني رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في طريق من طرق المدينة وأنا جنب، فانخنست2 منه فذهب فاغتسل، ثم جاء فقال: أين كنت يا أبا هريرة؟ قال: كنت جنباً فكرهت أن أجالسك وأنا على غير طهارة. فقال: “سبحان الله، إن المسلم لا ينجس” 3. وجه الدلالة من الحديث: أن المسلم ما دام لا ينجس فيجب أن لا يمنع من دخول المسجد4. واعترض على هذا الاستدلال:

_ 1 تقدم ص 377. 2 فانخنست: أي مضيت مستخفيا. انظر فتح الباري 1/390. 3 أخرجه البخاري 1/74 واللفظ له في كتاب الغسل باب عرق الجنب وأن المسلم لا ينجس ومسلم 1/282 في كتاب الحيض باب الدليل على المسلم لا ينجس. 4 انظر الأوسط 2/110.

أن المراد من عدم نجاسة المؤمن أن المؤمن طاهر الأعضاء لاعتياده مجانبة النجاسة1. 3) حديث عائشة ـ رضي الله عنها ـ أن وليدة2 كانت سوداء لحي من العرب فأعتقوها فكانت معهم. قالت: فخرجت صبية لهم عليها وشاح3 أحمر من سيور. قالت: فوضعته ـ أو وقع منها ـ فمرت به حدياه وهو ملقي، فحسبته لحماً فخطفته. قالت: فالتمسوه فلم يجدوه. قالت: فاتهموني به. قالت: فطفقوا يفتشون حتى فتشوا قبلها. قالت: والله إني لقائمة معهم إذ مرت الحُدَيَّاة4. فألقته، قالت: فوقع بينهم، قالت فقلت: هذا الذي اتهمتموني به زعمتم، وأنا منه بريئة وهو ذا هو. قالت: فجاءت إلى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فأسلمت. قالت عائشة: وكانت لها خُباء5 في المسجد، أو خفش، قالت فكانت تأتيني فتحدث عندي. قالت فلا تجلس عندي مجلساً إلاَّ قالت:

_ 1 انظر فتح الباري 1/390. 2 وليدة: أي أمة، وهي في الأصل المولودة ساعة تولد، ثم أطلق على الأمة وإن كانت كبيرة. انظر فتح الباري 1/534. 3 الوشاح: يكسر الواو، ويجوز ضمها ويجوز إبدالها ألفا. خيطان من لؤلؤ يخالف بينهما وتتوشح به المرأة، وقيل نسيج من أديم ويرصع باللؤلؤ وتشده المرأة بين عاتقها ووسطها. انظر فتح الباري 1/534. 4 الحدياه: الطائر المأذون في قتله في الحل والحرم. انظر فتح الباري 1/534. 5 الخباء: الخيمة من وبر. والخفش: البيت الصغير القريب السمك. انظر فتح الباري 1/534.

ويومَ الوشاح مِن تعاجيبِ ربّنا ... ألآَّ إنه مِن بلدةِ الكفرِ أنجاني قالت عائشة: فقلت لها ما شأنك لاتقعدين معي مقعداً إلا قلت هذا؟ قالت فحدثتني بهذا الحديث1. وجه الدلالة من الحديث: أن هذه المرأة ساكنة في مسجد النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ والمعهود من النساء الحيض فلم يمنعها النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ من ذلك وما نهاها عنه2. واعترض على هذا من وجهين: أـ أن ذلك لمن لاسكن له من المسلمين رجلاً كان أو امرأة عنه أمن الفتنة3. ب ـ أنه لم يرد في الحديث أنها وقت الحيض لا تخرج من المسجد، وربما كانت لا تأتي إلى المسجد إلاَّ وقت الطهارة. وعلى فرض صحة الدلالة فهو معارض بالأحاديث التي استدل بها أصحاب القول الأول كحديث أبي هريرة وفيه أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال لعائشة ناوليني الثوب، فقالت إني حائض. فلو كان دخول المسجد للحائض جائزاً لدخلت ولما قالت ذلك 4. 4) حديث جابر بن عبد الله ـ رضي الله عنهما ـ قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ “ أعطيت خمساً لم يُعطهن أحد من الأنبياء قبلي: نصرت بالرعب مسيرة شهر، وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً، وأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل، وأحلت لي الغنائم، وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس

_ 1 أخرجه البخاري 1/113 في كتاب الصلاة باب نوم المرأة في المسجد. 2 انظر المحلى 2/186. 3 انظر فتح الباري 1/534. 4 انظر ص 377.

كافة، وأعطيت الشفاعة “ 1. قال ابن حزم: ولا خلاف في أن الحائض والجنب مباح لهما جميع الأرض وهي مسجد فلا يجوز لأن يخص بالمنع بعض المساجد دون بعض2. واعترض على هذا الاستدلال: بأن معنى الحديث أن الله جوّز للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ الصلاة في أي مكان من الأرض بخلاف من قبله فإنما أبيحت لهم الصلاة في أماكن مخصوصة كالبيع والصوامع. وليس معنى هذا أنه يصلى في كل مكان منها، بل هناك أماكن نهي عن الصلاة فيها وهي من الأرض كالمقبره ومعاطن الإبل وأماكن النجاسات3. ومن المعقول: أن المشرك يمكث في المسجد فالمسلم الجنب أولى4. واعترض على هذا: بأن المشرك لا يعتقد حرمة المسجد بخلاف المسلم5. واستدل من استثنى جواز مكث الجنب إذا توضأ بما يأتي: 1- ما رواه عطاء بن يسار قال رأيت رجالاً من أصحاب ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ يجلسون في المسجد وهم مجنبون إذا توضئوا وضوء الصلاة6.

_ 1 أخرجه البخاري 1/86 كتاب التيمم في أول كتاب التيمم، ومسلم 1/371 في كتاب المساجد ومواضع الصلاة في أول الكتاب. 2 انظر المحلى 2/187. 3 انظر معالم السنن 1/329، فتح الباري 1/437. 4 انظر المجموع 2/160. 5 انظر المجموع 2/161. 6 انظر مصنف ابن أبي شيبه 1/146 في الطهارات باب الجنب يمر في المسجد قبل أن يغتسل، وقال ابن كثير في تفسيره 2/275 وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم وصححه ابن مفلح في المبدع 1/189.

2- ما روى زيد بن أسلم قال: كان أصحاب رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يتحدثون في المسجد وهم على غير وضوء وكان الرجل يكون جنباً فيتوضأ ثم يدخل المسجد فيتحدث1. واعترض على هذا الاستدلال: بأنه لا دلالة فيه على جواز مكث الجنب في المسجد لأنه ليس فيه أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أقرهم عليه بعد علمه به منهم، ولأنه جائز أن يكون ذلك في زمان النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قبل أن يحظر عليهم ذلك ولو ثبت جميع ذلك عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ثم روي ما وصفنا لكان خبر الحظر أولى لأنه طارىء على الإباحة لامحالة فهو متأخر عنها2. 3- ولأن الوضوء يخفف الحدث فيزول بعض ما يمنعه كالمتيمم الذي فقد الماء بدليل أن الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ سئل عن الرجل يكون عليه الغسل أينام وهو جنب3؟ قال: نعم، “إذا توضأ فليرقد “ 4. 4- ولأن الوضوء أحد الطهورين5. وقد يعترض على هذين الدليلين بأنهما لاتقوم بهما حجة مقابل الأدلة

_ 1 انظر نيل الأوطار 1/228، المغني 1/201. 2 انظر أحكام القرآن للجصاص 2/204. 3 انظر المستوعب 1/237، الشرح الممتع 1/294. 4 أخرجه البخاري 1/75 في كتاب الغسل باب كينونة الجنب في البيت، ومسلم 1/248 في كتاب الحيض باب جواز نوم الجنب، واستحباب الوضوء له.... 5 انظر الشرح الممتع 1/294.

النقلية الصحيحة التي تمنع المكث أو تحمل هذه الأدلة على الضرورة والحاجة. القول الراجح في المسألة: بعد عرض الأدلة ومناقشتها يتضح أن قول الجمهور وهو تحريم المكث في المسجد للحائض والجنب هو الراجح لما يلي: 1- قوة الأدلة التي استدلوا بها على المنع قمتها ما هو نص في موضع النزاع. 2- أن أدلة المجيزين للمكث ليست نصاً في الجواز والمنصوص منها ضعيف، ولا تقوم به حجة في مقابل الأحاديث الصحيحة الدالة على منع المكث. 3- أما استثناء جواز لبث الجنب والحائض والنفساء في المسجد في حالة الوضوء وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية فهو محمول على الحاجة الضرورة1.

_ 1 انظر مجموع فتاوى شيخ الإسلام 26/178 وما بعدها.

المطلب الثاني: في عبور الجنب والحائض المسجد.

المطلب الثاني: في عبور الجنب والحائض المسجد. ... المطلب الثاني: في حكم عبور الجنب والحائض المسجد اختلف الفقهاء في عبور الحائض والجنب المسجد على ثلاثة أقوال: القول الأول: يحرم عبور الجنب والحائض المسجد وهو قول الحنفية والمالكية والحنابلة في رواية1. القول الثاني: يجوز عبور الجنب والحائض المسجد، وبه قال الشافعية في الصحيح والحنابلة في المذهب والظاهرية2. القول الثالث: يجوز عبور الحائض والجنب المسجد إذا دعت لذلك الحاجة والضرورة، وبه قال الشافعية في وجه وبعض الحنابلة3. الأدلة: استدل أصحاب القول الأول على تحريم عبور الجنب والحائض المسجد بالأدلة الآتية: 1- حديث أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال بينما رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في المسجد فقال: “يا عائشة ناوليني الثوب” فقالت: إني حائض. فقال ” إن حيضتك ليست

_ 1 انظر المبسوط 1/118، بدائع الصنائع 1/38، الاختيار 1/14، المعونه 1/161، التفريع 1/206، منح الجليل 1/131، الحاوي 2/267، المجموع 2/172، مغني المحتاج 1/71، المغني 1/200، الإنصاف 1/244، 347، المبدع 1/186. 2 انظر الأم 1/244، الحاوي/267، المجموع 1/172، المغني 1/200، الإنصاف 1/244، 347، المبدع 1/189، المحلى 2/184- 187. 3 انظر فتح العزيز 2/147ـ148، 418، والمجموع 2/172، الإنصاف 1/244، 327، المبدع 1/189.

في يدك” فناولته1. ففي الحديث دلالة على أن الحائض ممنوعة من دخول المسجد وعبوره ولهذا أمرها النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن تناوله الثوب بيدها2. 2- حديث أم عطية ـ رضي الله عنها ـ قالت: "أمرنا (تعني النبي ـ صلى الله عليه وسلم) أن نخرج، في العيدين، العواتق وذوات الخدور وأمر الحُيَّض أن يعتزلن مصلى المسلمين"3. فقد دل الحديث على منع ذوات الحيض من دخول مصلى العيد فمن باب أولى المساجد التي تقام فيها الصلوات الخمس فإذا منعن من الدخول منعن من العبور. وقد يعترض على هذا بأنهن منعن من الصلاة لا من الدخول ويجاب عليه بأن ذوات الحيض لا تصح الصلاة منهن وغير مخاطبات بها في حال الحيض. 3- حديث عائشة ـ رضي الله عنها ـ أنها كانت ترجل رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وهي حائض ورسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ حينئذ مجاور في المسجد يدني لها رأسه وهي في حجرتها فترجله وهي حائض4. فقد دل الحديث على أن الحائض لا تدخل المسجد ولا تمر فيه. 4- حديث عائشة ـ رضي الله عنها ـ وفيه أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال لها “افعلي ما يفعل الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت “ 5.

_ 1 تقدم تخريجه. 2 انظر شرح صحيح مسلم 3/210، فتح الباري 1/401. 3 تقدم تخريجه. 4 تقدم تخريجه. 5 تقدم تخريجه.

ففي الحديث دلالة على منع الحائض من دخول المسجد الحرام فيلزم منه منعها من المرور فيه لأجل الحيض فقياس عليه كل مسجد، فالحائض ممنوعة من دخوله والمرور فيه. 5- حديث عائشة ـ رضي الله عنها ـ وفيه أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال ... ” فإني لا أحل المسجد لحائض ولا جنب “ 1. قال الخطابي: في الحديث بيان أن الجنب لا يدخل المسجد وظاهر قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ “ فإني لا أحل المسجد لحائض ولا جنب” يأتي مقامه في المسجد ومروره فيه2. واعترض على الاستدلال بهذا الحديث: بأنه حديث ضعيف فقد ضعفه ابن المنذر والخطابي والنووي وابن حزم والألباني3. وأجيب عن هذا بأن الحديث قد حسنه الزيلعي وابن القطان وقال الحافظ ابن حجر صححه ابن خزيمة4. وقال أصحاب هذا القول وعلى فرض ضعفه فإنه يتقوى بالأحاديث الدالة على المنع. واستدل أصحاب القول الثاني على جواز عبور الجنب والحائض المسجد بالأدلة الآتية:

_ 1 تقدم تخريجه. 2 انظر معالم السنن 1/158. 3 انظر الأوسط 2/110، معالم السنن 1/158، المجموع 2/161، المحلى 2/186، ارواء الغليل 1/210. 4 انظر نصب الراية 1/194، المجموع 2/161، التلخيص الحبير 1/140.

1- قول الله عزوجل {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلا جُنُباً إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا....} 1. وجه الدلالة من الآية: أن الآية قد دلت على جواز عبور الجنب المسجد وظاهرها العموم لحاجة ولغير حاجة2. واعترض على هذا الاستدلال: بأن المراد أي لا تقربوا الصلاة جنباً حتى تغتسلوا إلاَّ حال عبور السبيل وهو السفر، فلكم أن تؤدوها بغير اغتسال بالتيمم3. وأجيب عن هذا الاعتراض: بأن المراد بالعبور في قوله تعالى: {وَلا جُنُباً إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ} ، عبور الجنب في المسجد وليس المسافر وذلك أن الله عزوجل قد بين حكم المسافر إذا عدم الماء وهو جنب في قوله تعالي: {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً} 4، فيعلم بذلك أن قوله: {وَلا جُنُباً إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا} لو كان المراد به المسافر لم يكن لإعادة ذكره في قوله تعالى: {مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ} معنى مفهوم وقد تقدم ذكر حكمه قبل ذلك5. 2- حديث عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت: قال لي رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ

_ 1 آية 43 من سورة النساء. 2 انظر الشرح الممتع 1/294. 3 انظر أحكام القرآن للجصاص 2/168، تفسير القرآن العظيم 2/274. 4 آية 43 من سورة النساء. 5 انظر جامع البيان عن تأويل القرآن 8/285، معالم التنزيل 1/431 معالم السنن 1/158.

“ناوليني الخمرة1 من المسجد” قالت: فقلت: إني حائض، فقال: “إن حيضتك ليست في يدك” 2. ففي هذا الحديث دلالة على جواز دخول الحائض للمسجد وعبوره حيث إن عائشة ـ رضي الله عنها ـ أخذت الخمرة من المسجد وناولتها رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم.3 واعترض على هذا: بأن معناه أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال لها ذلك من المسجد أي وهو في المسجد لتناوله إياها من خارج المسجد لا أن ـ النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أمرها أن تخرجها له من المسجد لأنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان في المسجد معتكفاً وكانت عائشة في حجرتها وهي حائض لقوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ “إن حيضتك ليست في يدك” فإنما خافت من إدخال يدها المسجد ولو كان أمرها بدخول المسجد لم يكن لتخصيص اليد معنى4. 3- حديث أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال: أقيمت الصلاة وعدلت الصفوف قياماً، فخرج إلينا رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ، فلما قام في مصلاه ذكر أنه جنب فقال لنا "مكانكم" ثم رجع فاغتسل، ثم خرج إلينا ورأسه يقطر، فكبر فصلينا معه5.

_ 1 الخمرة: السجارة التي يسجد عليها المصلي ويقال سميت خمرة لأنها تخمر وجه المصلى عن الأرض أي تستره. انظر معالم السنن 1/179، شرح السنة 2/133. 2 أخرجه مسلم 1/245 في كتاب الحيض باب جواز غسل الحائض رأس زوجها وترجيله وطهارة سؤرها والاتكاء في حجرها وقراءة القرآن فيه. 3 انظر شرح صحيح مسلم 3/209، المغني 1/201. 4 انظر شرح صحيح مسلم 3/210. 5 أخرجه البخاري 1/72، 73 في كتاب الغسل باب إذا ذكر في المسجد أنه جنب يخرج كما هو ولا يتمم.

فقد دل هذا الحديث على دخول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ المسجد وخروجه منه وهو جنب ولم يبين صلى الله عليه وسلم تحريم مرور الجنب في المسجد فدل ذلك على جوازه. واعترض على هذا: أن دخول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ المسجد وهو جنب كان ناسياً وخروجه من المسجد كان لحاجة وهي غسل الجنابة. 4- عن عطاء بن يسار قال “ رأيت رجالاً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يجلسون في المسجد وهم مجنبون إذا توضئوا وضوء الصلاة “1. فقد دل هذا الأثر على جواز جلوس الجنب في المسجد فمن باب أولى مروره. واعترض على هذا: بأنه ليس فيه دلاله على ما استدلوا به عليه لأنه ليس فيه أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أقرهم عليه بعد علمه به منهم، ولأنه جائز أن يكون ذلك في زمان النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قبل أن يحظر عليهم ذلك2. أدلة أصحاب القول الثالث على جواز عبور الجنب والحائض المسجد إذا دعت الحاجة والضرورة لذلك. استدلوا بأدلة الفريقين السابقين المانعين والمجيزين، فحملوا أدلة المانعين عند عدم الحاجة للدخول وحملوا أدلة المجيزين على الحاجة والضرورة فكأنهم جمعوا بين أدلة الفريقين وأخذوا بها جميعاً.

_ 1 أخرجه ابن كثير في تفسير 2/275 وقال صحيح على شرط مسلم، وصححه ابن مفلح في المبدع 1/189. 2 انظر أحكام القرآن للجصاص 2/204.

الراجح: بعد عرض الأقوال وأدلتها ومناقشتها يتضح أن القول بجواز عبور الجنب والحائض إذا أمنت عدم تلويث المسجد هو القول الراجح وذلك لما يأتي: 1- أن الآية التي استدل بها أصحاب هذا القول قد دلت على جواز عبور الجنب وظاهرها العموم لحاجة وغيرها وكذلك الأحاديث التي استدلوا بها تدل على الجواز. 2- أن الغالب لمن أراد أن يعبر المسجد أو يمر به وهذه حاله لا يفعل ذلك إلاَّ عند الحاجة والضرورة والله أعلم.

المطلب الثالث: في دخول المستحاضة ومن به سلس بول أو نجاسة دائمة أو رائحة كريهة.

المطلب الثالث: في دخول المستحاضة ومن به سلس بول أو نجاسة دائمة أو رائحة كريهة المسجد المستحاضة1 ومن به سلس بول أو جرح سائل إن خافوا تلويث المسجد حرم عليهم دخوله وإن أمنوا عدم التلويث لم يحرم عليهم ذكر ذلك النووي وابن حجر وابن قدامة2. والدليل على ذلك ما يأتي: 1- حديث أنس بن مالك قال: بينما نحن في المسجد مع رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ إذ جاء أعرابي فقام يبول في المسجد فقال أصحاب رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ مه مه3 قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ " لا تزرموه4 دعوه" فتركوه حتى بال ثم إن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ دعاه فقال له: "إن هذه المساجد لا تصلح لشيء من هذا البول ولا القذر إنما هي لذكر الله ـ عزوجل ـ والصلاة وقراءة القرآن...." الحديث5.

_ 1 الاستحاضة: جريان الدم في غير أوانه ودم الاستحاضة يسيل من العازل وهو عرق فمه الذي يسيل منه في أدنى الرحم دون قعره. أما الحيض فهو جريان دم المرأة في أوقات معلومة يرخيه رحم المرأة بعد بلوغها ودم الحيض يخرج من قعر الرحم. انظر المصباح المنير 1/192، شرح صحيح مسلم 2/17، المبدع 1/258. 2 انظر المجموع 2/358، فتح الباري 1/412، المغني 1/201. 3 مه مه، كلمة زجر ويقال بد بد أيضاً وقيل أصلها ما هذا ثم حذف تخفيفاً. انظر شرح صحيح مسلم 3/293. 4 لا تزرموه. أي لا تقطعوا والازرام القطع. انظر شرح صحيح مسلم 3/690. 5 أخرجه مسلم 1/237 في كتاب الطهارة باب وجوب غسل البول وغيره من النجاسات إذا حصلت في المسجد.

قال النووي: فيه صيانة المساجد وتنزيهها عن الأقذار والقذى والبصاق ورفع الأصوات والخصومات والبيع والشراء وسائر العقود وما في معنى ذلك1. 2- حديث عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت: “اعتكفتْ مع رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ امرأة من أزواجه فكانت ترى الدم والصفرة والطست تحتها وهي تصلي”2. قال الحافظ ابن حجر: في الحديث جواز مكث المستحاضة في المسجد وصحة اعتكافها وصلاتها وجواز حدثها في المسجد عند أمن التلويث. ويلحق بها دائم الحدث ومن به جرح يسيل3. أما من به رائحة كريهة كمن أكل ثوماً أو بصلاً أو كراثاً أو غيرها مما يترتب عليه صدور رائحة كريهة فيكره له دخول المسجد حتى تذهب تلك الرائحة للأحاديث الصحيحه التي نهى فيها النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أصحاب هذه الروائح من قربان المسجد4 ومنها: 1) حديث جابر بن عبد الله ـ رضي الله عنهما ـ قال: قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ “ من أكل من هذه الشجرة ـ يريد الثوم ـ فلا يغشانا في مساجدنا “ 5. 2) وعن جابر أيضاً قال نهى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ "عن أكل البصل والكراث فغلبتنا الحاجة فأكلنا منها فقال "من أكل من هذه الشجرة المنتنة فلا يقربن

_ 1 انظر شرح صحيح مسلم 3/191ـ192. 2 أخرجه البخاري 1/80 في كتاب الحيض باب الاعتكاف للمستحاضة. 3 انظر فتح الباري 1/412. 4 انظر عمدة القارىء 6/146، شرح الزرقاني 1/41، طرح التثريب 1/140، المجموع 2/3582، فتح الباري 1/412، المغني 1/201. 5 أخرجه البخاري 1/207 في كتاب الأذان باب ما جاء في الثوم النيء والبصل والكراث، ومسلم 1/394 في كتاب المساجد ومواضع الصلاة باب نهي من أكل ثوماً أو كراثاً ونحوها.

مسجدنا فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه الأنس" 1. وفي رواية “ من أكل ثوماً أو بصلاً فليعتزلنا أو ليعتزل مسجدنا وليقعدن في بيته” 2. 3) وعن أنس ـ رضي الله عنه ـ أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال في الثوم: "من أكل من هذه الشجرة فلا يقربنا ـ أو لا يصلينَّ معنا" 3. 4) وعن ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: "من أكل من هذه البقلة فلا يقربن مساجدنا حتى يذهب ريحها يعني الثوم" 4. 5) وعن عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ أنه خطب يوم الجمعة فقال في خطبته.. ثم إنكم أيها الناس تأكلون شجرتين لا أراهما إلاَّ خبيثتين هذا البصل والثوم لقد رأيت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ إذا وجد ريحهما من الرجل في المسجد أمر به فأخرج إلى البقيع فمن أكلهما فليمتهما5 طبخاً6.

_ 1 أخرجه مسلم 1/394 في كتاب المساجد ومواضع الصلاة باب نهي من أكل ثوماً أو بصلاً أو كراثاً ونحوها. 2 أخرجه مسلم 1/394. 3 أخرجه البخاري 1/208 في كتاب الأذان باب ما جاء في الثوم النيء والبصل والكرات، ومسلم 1/394 في كتاب المساجد ومواضع الصلاة باب من أكل ثوماً أو بصلاً أو كراثاً ونحوها. 4 أخرجه البخاري 1/207 في كتاب الأذان باب ما جاء في الثوم النيء والبصل والكرات، ومسلم 1/394 واللفظ له في كتاب المساجد ومواضع الصلاة باب نهي من أكل ثوماً أو بصلاً أو كراثاً أو نحوهما. 5 فليمتهما. معناه من أراد أكلهما فليمت رائحتهما بالطبخ وإماتة كل شيء كسر قوته وحدته. انظر شرح صحيح مسلم 5/54. 6 أخرجه مسلم 1/396 في كتاب المساجد ومواضع الصلاة باب نهي من أكل ثوما أو بصلاً أو كراثاً أو نحوهما.

قال النووي: قال العلماء ويلحق الثوم والبصل والكراث كل ما له رائحة كريهة من المأكولات وغيرها ... ومن به بخر في فيه أو به جرح له رائحة.. وقاس العلماء على المسجد مجامع الصلاة غير المسجد كمصلى العيد والجنائز ونحوها من مجامع العبادات وكذا مجامع العلم والذكر والولائم ونحوها ولايلحق بها الأسواق ونحوها1. قلت فكل صاحب رائحة كريهة ينبغي له أن يجتهد في إزالتها وذلك بأن يستعمل من الطيب ما يزيل تلك الرائحة أو يأكل البصل والثوم ونحوه مطبوخاً بحيث لاتظهر رائحته أو يستعمل من الأدوية ما يساعد على إذهاب هذه الروائح وإذا لم يفعل ذلك فالأولى أن لايدخل المسجد لئلا يؤذي الناس في صلاتهم فيفقدهم الخشوع والطمأنينة بل قال النووي قال العلماء وفي الأحاديث دليل على منع آكل الثوم ونحوه من دخول المسجد وإن كان خالياً لأنه محل الملائكة2.

_ 1 انظر شرح صحيح مسلم 5/48. 2 انظر شرح صحيح مسلم 5/49.

المبحث الثاني: في دخول الصبيان والمجانين المسجد.

المبحث الثاني: في دخول الصبيان1 والمجانين المسجد المساجد وضعت للصلاة وإقامة ذكر الله عز وجل ودخول الصبيان والمجانين ينافي الحكمة التي وضعت من أجلها لأن دخولهم في الغالب يعطل المساجد عما وضعت له ومن أجل ذلك اختلفت عبارات الفقهاء في حكم دخول هؤلاء المساجد. القول الأول: يجوز إدخال الصغار والمجانين المسجد إذا أمن اللعب والتلويث والنجاسة وإلا فيكره وبه قال المالكية في الصحيح والشافعية والحنابلة2. القول الثاني: يكره إدخالهم المسجد مطلقاً إذا غلب على الظن التلويث والتنجيس واللعب وبه قال الحنفية3. القول الثالث: يحرم إدخالهم للمسجد إذا غلب على الظن التلويث والعبث والتنجيس وبه قال بعض الحنفية وجماعة من المالكية4.

_ 1 الصبيان: جمع صبي والمراد به غير المميز. 2 انظر البيان والتحصيل1/282،383،الذخيرة 13/345، الحاوي 2/267، إعلام المساجد بأحكام المساجد 312، 313، المجموع 2/176 المستوعب 2/106، الإنصاف 1/245، 246. 3 انظر المبسوط 2/68، تبين الحقائق 1/168، حاشية ابن عابدين 1/656. 4 انظر حاشية ابن عابدين1/656، تبين الحقائق 1/168، البيان والتحصيل1/282، 283، حاشية الدسوقي 1/344.

القول الرابع: يباح دخولهم مطلقاً وبه قال الظاهرية1. الأدلة: استدل أصحاب القول الأول بالأدلة الآنية: 1- حديث أبي قتادة ـ رضى الله عنه ـ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي وهو حامل أمامة بنت زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا ركع وضعها وإذا قام حملها وهو يؤم الناس في المسجد2. وجه الدلالة: إن الحديث نص صريح في جواز دخول الصبيان المساجد. 2- حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ أنه قال: “مروا أبناءكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين واضربوهم عليها وهم أبناء عشر سنين وفرقوا بينهم في المضاجع” 3. وجه الدلالة: أن الحديث دل على جواز دخول الصبيان المساجد وقالوا وهذه الأحاديث الدالة على الجواز لاتنفي الكراهة لأنه صلى الله عليه وسلم فعل

_ 1 انظر المحلى 4/241. 2 أخرجه البخاري 1/137 في الصلاة باب إذا حمل جارية صغيرة، ومسلم 2/352 في الصلاة باب ما يقال في الركوع والسجود. 3 أخرجه أحمد في المسند 2/187 وأبو داود 1/344 في الصلاة باب متى يؤمر الغلام بالصلاة وحسن النووي إسناده في المجموع 3/11 وصححه الألباني في الرواء الغليل 1/266، 2/7.

ذلك لبيان الجواز فيكون حينئذ أفضل في حقه فإن البيان واجب1. 3- حديث واثلة بن الأسقع ـ رضى الله عنه ـ أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: “جنبوا مساجدكم صبيانكم ومجانينكم “ 2. أن النهي في الحديث يحمل على الكراهة التنزيهية للأحاديث الدالة على الجواز. 4- أن دخول الصبيان المساجد لا يؤمن معه تلويث المساجد وتنجيسها فيكره لهم الدخول وخاصة غير المميزين3. 5- ولأن الصبيان شأنهم اللعب والعبث والمسجد ليس بموضع للعبث واللعب4. واستدل أصحاب القول الثاني بالأدلة الآنية: 1- قول الله تعالى {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ} 5. وجه الدلالة من الآية: أن الله أمر يرفع المساجد ومن ذلك تطهيرها وتنزيهها عن الأقذار والأنجاس ودخول الصغار والمجانين ينافى ذلك6.

_ 1 انظر المجموع 2/176، إعلام المساجد بأحكام الساجد 312. 2 أخرجه ابن ماجه 1/247 في كتاب المساجد والجماعات باب ما يكره في المساجد، والطبراني في الكبير 8/7601، وضعفه الهيثمي في مجمع الزوائد، والألباني في ضعيف سنن ابن ماجه 59 رقم 164. 3 انظر المجموع 2/176، إعلام الساجد بأحكام المساجد 312. 4 انظر البيان والتحصيل 1/238. 5 آية 36 من سورة النور. 6 انظر أحكام القرآن 3/1389، 1390.

2- حديث واثلة بن الأسقع ـ رضى الله عنه ـ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "جنبوا مساجدكم صبيانكم ومجانينكم " 1. وجه الدلالة من الحديث: أن النهى في الحديث يحمل على الكراهة2. واستدل أصحاب القول الثالث بالأدلة الآتية: 1- حديث واثلة بن الأسقع ـ رضى الله عنه ـ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "جنبوا مساجدكم صبيانكم ومجانينكم" 3. أن النهي في الحديث يحمل على التحريم4. 2- ولأن الغالب في الصبيان والمجانين عدم الطهارة والنظافة والتحرز عن الأقذار والأنجاس5. واستدل أصحاب القول الرابع بالأدلة الآتية: 1- حديث أنس بن مالك ـ رضى الله عنه ـ عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال “إني لأدخل في الصلاة فأريد إطالتها فأسمع بكاء الصبي فأتجوز مما أعلم من شدة وجد6 أمه من بكائه “ 7.

_ 1 سبق تخريجه ص: 399. 2 انظر حاشية ابن عابدين 1/656، 657. 3 تقدم تخريجه ص: 399. 4 انظر حاشية ابن عابدين 1/656،657. 5 انظر أحكام القرآن 3/1389، 1390، البيان والتحصيل 1/238. 6 شدة وجد أمه، أي حزنها واشتغال قلبها به، انظر شرح صحيح مسلم 4/187 فتح الباري 2/202. 7 أخرجه البخاري 2/166 في كتاب الحج باب المريض يطوف راكباً واللفظ له ومسلم 1/926 في كتاب الحج باب جواز الطواف على بعير وغيره واستلام وتحوه للراكب.

2- حديث أبي قتادة ـ رضى الله عنه ـ أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم "كان يصلي وهو حامل أمامة بنت زينب بنت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم فإذا ركع وضعها وإذا قام حملها وهو يؤم الناس في المسجد"1. وجه الدلالة من الحديثين: أنهما قد دلا دلالة صريحة على جواز إدخال الصبيان المساجد. القول الراجح في المسألة: مما سبق بيانه من الأدلة في هذه المسألة يتضح أن الأدلة الدالة على جواز إدخال الصبيان المساجد أقوى من غيرها ولكن مع هذا أقول أنه ينبغي أن تجنب المساجد الصبيان غير المميزين وكذلك المجانين لأنه لا يؤمن منهم عدم الطهارة وتشويش المصلين وإشغالهم مما يفقد المصلين الخشوع في صلاتهم بل إنهم ربما يؤذون المصلين في صلاتهم ولكن من كان مضطرا لإدخال ولده الصغير للمسجد كأن يكون مسافراً ودخل المسجد وقت الصلاة أو أنه لا يوجد عنده من يترك ولده الصغير عنده أو يخاف عليه إذا تركه وحده فلا بأس بإدخاله المسجد مع الاهتمام بنظافته وأدبه حيث إن الضرورة تقدر بقدرها أما المجانين الذين لا يدركون فإنهم لا يمكنون من دخول المساجد لقوله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ} 2 فقد نهى الله تبارك وتعالى عن قربان الصلاة والنهي عن قربان الصلاة نهي عن قربان مواضعها في حالة السكر فكذلك الصلاة في حالة عدم الإدراك والتمييز.

_ 1 سبق إخراجه ص 398. 2 آيه 43 سورة النساء.

المبحث الثالث: في من يقصد المسجد للبيع والشراء وإنشاد الضالة.

المبحث الثالث: في من يقصد المسجد للبيع والشراء وإنشاد الضالة أو قصده للصلاة فيبيع أو يشتري أو ينشد ضالة كره أهل العلم دخول المسجد لكل من أراد أمراً من أمور الدنيا كالبيع والشراء وإنشاد الضالة وغير ذلك مما ينافي ما وضعت له المساجد1. وذهب الحنابلة في الصحيح من المذهب إلى أن الكراهة هنا تحريمية2. وذلك للأدلة الآتية: 1- حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال "نهي رسول الله صلة الله عليه وسلم عن البيع والابتياع وعن تناشد الأشعار في المساجد"3. 2- حديث أبي هريرة أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: "إذا رأيتم من يبيع أو يبتاع في المسجد فقولوا لا أربح الله تجارتك وذا رأيتم من ينشد ضالة فقولوا: لا رد الله عليك" 4.

_ 1 انظر المبسوط 3/122، حاشية ابن عابدين 2/449 التفريع 1/314 روضة الطالبين 2/393، المجموع 2/175 المبدع 3/82 الإنصاف 3/385. 2 انظر المبدع 3/82، المغني 4/471، الإنصاف 3/385، غاية المرام 2/296. 3 أخرجه أبو داود 1/651 في كتاب الصلاة باب التحلق يوم الجمعة قبل الصلاة، وابن ماجه 1/247 في كتاب المساجد والجماعات باب يكره في المساجد، والترمذي 2/139 في الصلاة باب كراهة البيع والشراء وإنشاء والضالة والشعر في المسجد وقال حديث حسن وقال احمد شاكر في تعليقه على سنن الترمذي 2/140 بل هو حسن صحيح وحسنه الألباني في صحيح سنن أبي داود 1/201. 4 أخرجه الترمذي 3 /611 في كتاب البيوع باب النهي عن البيع في المسجد وقال حديث حسن غريب.

3- حديث أبى هريرة أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم قال “من سمع رجلاً ينشد ضالة في المسجد فليقل: لاردها الله عليك فإن المساجد لم تبن لهذا “ 1. 4- حديث بريدة عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم لما صلى قام رجل فقال: من دعا إلى الجمل الأحمر؟ فقال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ “لا وجدت. إنما بنيت المساجد لما بنيت له “ 2. فهذه الأحاديث تدل بعمومها على كراهة البيع والشراء وإنشاد الضالة وما في معناها في المساجد لأنها وضعت لذكر الله وإقامة والصلاة وتلاوة كتاب الله ولم توضع لمثل هذه الأمور ومن فعل شيئاً من ذلك ففعله مكروه عند الجمهور باطل عند الحنابلة.

_ 1 أخرجه مسلم 1/397 في كتاب المساجد ومواضع الصلاة باب النهي عن نشد الضالة في المسجد وما يقول من سمع الناشد. 2 أخرجه مسلم 1/397 في كتاب المساجد ومواضع الصلاة باب النهي عن نشد الضالة في المسجد وما يقول من سمع الناشد.

المبحث الرابع: في دخول المشرك المسجد.

المبحث الرابع: في دخول المشرك المسجد اختلف الفقهاء في دخول المشرك المسجد على ثلاثة أقوال: القول الأول: يجوز للمشرك دخول المساجد كلها إلا المسجد الحرام. وبه قال الشافعية والحنابلة في رواية والظاهرية إلاَّ أن الشافعية والحنابلة قيدوا الدخول بإذن الإمام أو من يقوم مقامه1. القول الثاني: لا يجوز للمشرك دخول المساجد مطلقاً. وبه قال المالكية وبعض الشافعية والحنابلة في رواية هي المذهب وللحنابلة رواية في التفريق بين أهل الذمة وغيرهم2. القول الثالث: يجوز للمشرك دخول المساجد كلها حتى المسجد الحرام. وبه قال أبو حنيفة وأحمد في رواية3. الأدلة: استدل أصحاب القول الأول بالكتاب والسنة والمعقول.

_ 1 انظر الحاوي 2/268، المهذب 2/231، روضة الطالبين 10/231، مغني المحتاج 4/247، المغني 13/245، المبدع 3/425، كشاف القناع 34/137، الإنصاف 4/239، المحلى 4/243. 2 انظر قوانين الأحكام الشرعية 64، حاشية الدسوقي 1/139، الجامع لأحكام القرآن 8/104، المتقي 7/192، الحاوي 2/268، روضة الطالبين 10/310، مغني المحتاج 4/247، المغني13/245، المبدع 3/245، الأنصاف 4/241- 242. 3 انظر بدائع الصنائع 1/64، شرح فتح القدير 5/271، أحكام القرآن 3/88، 89، عمدة القارئ 4/199- 200، الإنصاف 4/242.

فمن الكتاب: قول الله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا} . وجه الدلالة من الآية: أنها نص صريح في منع المشركين من دخول المسجد الحرام لأن لا ناهية والنهي يفيد التحريم، وفيها دلالة على أن غير المسجد الحرام مخالف له في الحكم المعلق به1. واعترض على هذا الاستدلال من وجهين: 1) إما أن يكون النهي خاصاً بالمشركين الذين كانوا ممنوعين من دخول مكة وسائر المساجد، لأنهم لم تكن لهم ذمة، وكان لا يقبل منهم إلا الإسلام أو السيف وهم مشركو العرب. 2) أو أن يكون المراد منعهم من دخول مكة للحج والعمرة2. وقد يعترض على هذا الاعتراض: بأن الآية صريحة الدلالة في منع المشركين من قربان المسجد الحرام3. ومن السنة: أـ حديث أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال: بعث رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ خيلاً قبل نجد. فجاءت برجل من بني حنيفة يقال له ثمامة بن أثال. سيد أهل اليمامة. فربطوه بسارية من سواري المسجد. فخرج إليه رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقال: “ماذا عندك؟ يا ثمامة! ” فقال: عندي يا محمد خير. إن تقتل تقتل ذا دم. وإن تنعم تنعم على

_ 1 انظر الجامع لأحكام القرآن 8/104، محاسن التأويل 8/3078. 2 انظر أحكام القرآن للجصاص 3/88،89. 3 انظر الحاوي 2/268.

شاكر. وإن كنت تريد المال فسل تُعط منه ما شئت. فتركه رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ حتى كان من الغد. فقال: “ماذا عندك؟ يا ثمامة! “ فقال عندي: ما قلت لك. إن تُنْعِم تُنعِم على شاكر. وإن تقتل تقتل ذا دم. وإن كنت تريد المال فسل تُعط منه ما شئت. فقال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ "أطلقوا ثمامة “ فانطلق إلى نخل قريب من المسجد. فاغتسل. ثم دخل المسجد فقال: أشهد أن لا إله إلاَّ الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله1 ... “ الحديث. وجه الدلالة من الحديث: أن الحديث صريح الدلالة في جواز دخول المشرك المسجد فقد أدخل ثمامة المسجد وربط بسارية من سواريه، ورسول الله صلى الله عليه وسلم ينظر إليه كلما جاء يصلي ويكلمه ثم أكرمه الله بالإسلام بعد ذلك. ب ـ حديث أنس بن مالك ـ رضي الله عنه ـ وفيه ـ بينما نحن جلوس مع النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في المسجد دخل رجل على جمل فأناخه في المسجد ثم عقله، ثم قال لهم أيكم محمد والنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ متكئ بين ظهرانيهم فقلنا هذا الرجل الأبيض المتكئ، فقال له الرجل ابن عبد المطلب فقال له النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ إني سائلك فمشدد عليك في المسألة فلا تجد على في نفسك فقال سل عما بدا لك2.... “ الحديث. وجه الدلالة من الحديث: قال السبكي: الحديث يدل على جواز دخول الكافر المسجد إذا كانت له فيه حاجة3.

_ 1 أخرجه البخاري 1/120 في كتاب الصلاة باب دخول المشرك المسجد، ومسلم 2/1386 واللفظ له في كتاب الجهاد باب ربط الأسير وحبسه. 2 أخرجه البخاري 1/23 في كتاب العلم باب ما جاء في العلم. 3 انظر المنهل العذب المورود 4/109.

واعترض على دخول المشرك في الحديثين للمسجد: بأن ذلك كان متقدماً على نزول الآية أو أن كلاً منهما واقعة عين فلا ينبغي أن تدفع بها الأدلة وقد يمكن أن يقال أنه إنما ربط ثمامة في المسجد لينظر حسن صلاة المسلمين واجتماعهم عليها، وحسن آدابهم في المسجد فيستأنس بذلك ويسلم وكذلك كان1. واعترض على هذا الاعتراض: بأن الحديثين صريحا الدلالة في جواز دخول الكافر المسجد وما اعترض به عليهما لا دليل عليه2. ج ـ حديث عثمان بن أبي العاص ـ رضي الله عنه ـ أن وفد ثقيف لما قدموا على رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنزلهم المسجد ليكون أرق لقلوبهم فاشترطوا أن لا يحشروا ولا يعشروا ولا يجبوا3 فقال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ “ لكم أن لا تحشروا ولا تعشروا ولا خير في دين ليس فيه ركوع “ 4. وجه الدلالة من الحديث: أنه واضح الدلالة على جواز دخول الكافر للمسجد يقول الامام الخطابي “وفي هذا الحديث من العلم أن الكافر يجوز له دخول المسجد لحاجة له فيه أو

_ 1 انظر الجامع لأحكام القرآن 8/105. 2 انظر الحاوي 2/268. 3 قوله ((لا تحشروا)) معناه: الحشر في الجهاد والنفير له، وقوله ((وأن لايعشروا)) معناه: الصدقة أي لا يؤخذ عشر أموالهم. وقوله ((أن لا يجبوا)) معناه: لا يصلوا، وأصل التجبية أن يكب الإنسان على مقدمه ويرفع مؤخره " انظر معالم السنن 3/421. 4 أخرجه أبو داود 3/421 في كتاب الإمارة والخراج باب ما جاء في خبر الطائف، وابن ماجه 1/559 في كتاب الصلاة باب فيمن أسلم في شهر رمضان، وابن خزيمة 2/285 في أبواب الأفعال المباحة في الصلاة، والبيهقي 2/444 في كتاب الصلاة باب المشرك يدخل المسجد وصححه ابن خزيمة.

للمسلم إليه”1. د ـ حديث أبي هريرة ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: “أتى اليهود النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وهو جالس في المسجد في أصحابه فقالوا: يا أبا القاسم في رجل وامرأة زنيا”2. وجه الدلالة من الحديث: أن الحديث قد دل على جواز دخول الكافر المسجد لأن اليهود دخلوا على الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ وهو في المسجد فلم ينكر عليهم ولم يمنعهم من الدخول ولو كان ذلك غير جائز لمنعهم. واعترض على الاستدلال بهذين الحديثين: بأن ذلك كان قبل نزول الآية.. ولأنه كان بالمسلمين حاجة إليهم، وأنهم كانوا يخاطبون الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ، وقد سمعوا الدعوة منه ـ ولأن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لم يكن ليخرج لكل من قصده من الكفار3. واعترض على هذا الاعتراض: بأن ذلك كان قبل نزول الآية أو بعدها لافرق لأن الآية خاصة بالمسجد الحرام فلا تتعداه إلى غيره من المساجد4. ومن المعقول:

_ 1 انظر معالم السنن 3/421. 2 أخرجه البخاري مطولاً 8/30 في كتاب الحدود باب أحكام الذمة وإحصائهم إذا زنوا ورفعوا إلى الإمام، ومسلم 2/1326 في كتاب الحدود باب رجم اليهود في الزنا، وأبو داود 1/328 في كتاب الصلاة باب ما جاء في المشرك يدخل المسجد وهذا اللفظ المختصر له. 3 انظر أحكام القرآن لابن العربي 2/914، مطالب أولي النهى 2/617. 4 انظر أحكام القرآن لابن العربي.

أن الأصل في دخول الكافر المسجد هو الجواز ما لم يخش الأذى منه، ولم يرد في الشرع ما يخالف هذا الأصل إلاَّ في المسجد الحرام فيبقى على وفق الأصل1. أدلة أصحاب القول الثاني: استدل أصحاب القول الثاني بالكتاب والسنة والمعقول. فمن الكتاب: 1- قوله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا.....} 2. وجه الدلالة من الآية: أن الآية عامة في منع المشركين من دخول سائر المساجد، وقد دلت على المنع من دخول المسجد الحرام نصاً، والمنع من دخول المساجد الأخرى تنيهاً على التعليل بالشرك أو النجاسة أو العلتين جميعا. قال تعالى {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ} فسماه الله تعالى نجساً فلا يخلو أن يكون نجس العين أو نجس الذات، وأي ذلك كان فمنعه من المسجد واجب لأن العلة موجودة فيه وهي النجاسة، والحرمة موجودة في المسجد3. وقد يُعترض على هذا الاستدلال: أن الآية خاصة بالمسجد الحرام، ولا تتعداه إلى غيره فقد نصت عليه فتقصر عليه4.

_ 1 انظر التفسير الكبير 16/26. 2 آية 28 سورة التوبة. 3 انظر الجامع لأحكام القرآن 8/105، أحكام القرآن لابن العربي 2/913ـ914. 4 انظر معالم التنزيل 2/281، تفسير القرآن العظيم 4/73.

2- قوله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلا جُنُباً إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا} 1. وجه الدلالة من الآية: أن المسلم السكران وكذلك الجنب يمنعان من قربان الصلاة، والنهي عن قربان الصلاة نهي عن قربان موضعها وهو المسجد فمنع الكافر من باب أولى2. وقد يعترض على هذا الاستدلال. بأن الآية واردة في شأن الحائض والجنب وليست في شأن الكافر وليس في الآية ما يدل على منع الكافر من دخول المسجد. 3- وقوله تعالى {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُولَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا إِلَّا خَائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} 3. وجه الدلالة من الآية: أن الكافر ليس له أن يدخل المسجد بحال4. أعترض على هذا الاستدلال: بأن الآية نزلت في مشركي مكة، وأراد بالمساجد المسجد الحرام منعوا رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأصحابه من حجه والصلاة فيه عام الحديبيه، وإذا منعوا رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ من أن يعمره بذكر الله فقد سعوا في خرابها. أولئك ما كان

_ 1 آية 43 سورة النساء. 2 انظر تحفة الراكع والساجد ص 198. 3 آية 114 من سورة البقرة. 4 انظر الجامع لأحكام 2/78.

لهم أن يدخلوها إلاَّ خائفين، يعني: أهلَه مكة1. ومن السنة: حديث أنس بن مالك ـ رضي الله عنه ـ في شأن الأعرابي الذي بال في المسجد وفيه أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: ” إن هذه المساجد لا تصلح لشيء من هذا ولا القذر وإنما هي لذكر الله عز وجل والصلاة وقراءة القرآن “ 2. وجه الدلالة من الحديث: أن الكافر نجس ولا يخلو عن هذه القاذورات التي لا تصلح أن تكون في المسجد، وأيضاً المساجد لذكر الله عز وجل، وإقامة الصلاة ن وقراءة القرآن، والكافر لا يفعل شيئاً من ذلك فيمنع من دخول المساجد3. واعترض على هذا الاستدلال: بأن الحديث لا يدل على ما ذهبوا إليه وغاية ما يدل عليه هو وجوب تنظيف المساجد وتطهيرها من الأوساخ والقاذورات ولهذا ذكره الإمام مسلم ـ رحمه الله ـ تحت باب وجوب غسل البول وغيره من النجاسات إذا حصلت في المسجد4. ومن المعقول: أن حدث الحيض والنفاس والجنابة يمنع المقام في المسجد فحدث الشرك

_ 1 انظر معالم التنزيل 1/107. 2 أخرجه البخاري 1/62 في كتاب الوضوء باب يهريق الماء على البول، ومسلم 1/237 في كتاب الطهارة باب وجوب غسل البول واللفظ له. 3 انظر الجامع لأحكام القرآن 8/104. 4 انظر صحيح مسلم 1/237 كتاب الطهارة باب وجوب غسل البول وغيره من النجاسات إذا حصلت في المسجد.

أولى1. ولأن الكافر أسوأ من الحائض والجنب فإنه نجس بنص القرآن {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ} 2 بخلاف الحائض والجنب فقد قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ “المؤمن لا ينجس “ 3 ومع هذا لا يجوز لهم دخول المسجد والكافر من باب أولى. وقد انضم إلى حدث جنابته شركه فتغلظ المنع4. ومن القياس: قياس سائر المساجد على المسجد الحرام بجامع أنها كلها بيوت الله كبيت الله الحرام فيمنعون من دخولها كما يمنعون من دخول بيت الله الحرام5. واعترض على هذا: أن هذه الأدلة العقلية لا تقوى على معارضة ومقاومة النصوص الواردة في إباحة الدخول. أما قياس سائر المساجد على المسجد الحرام بجامع أنها كلها بيوت الله فلاشك أن المساجد كلها بيوت الله، لكن المسجد الحرام ليس كغيره من بيوت الله، فله خصائص وميزات ينفرد بها عن غيره6 فمن أجل ذلك يمنع الكافر من دخوله.

_ 1 انظر المغني 13/247. 2 آية 28 من سورة التوبة. 3 أخرجه البخاري 1/75 في كتاب الغسل باب عرق الجنب وأن المؤمن لاينجس، ومسلم 1/282 في كتاب الحيض باب الدليل على أن المسلم لا ينجس، من حديث أبي هريرة ـ رضي الله عنه. 4 انظر مطالب أولي النهي 2/617. 5 انظر المسائل الفقهية من كتاب 2/386 الروايتين والوجهين. 6 انظر أحكام أهل الذمة 1 /188.

أدلة أصحاب القول الثالث: أدلة جواز دخول المشرك المسجد الحرام: قاسوا جواز دخولهم المسجد الحرام على جواز دخول المشرك المسجد النبوي وغيره من المساجد إذ إن المسجد الحرام له حكم سائر المساجد في الأصل إلاَّ ما خصه الدليل ولم يأت دليل يخص هذا1. والآية سبق بيان المراد بها2. بالنسبة لجواز دخول المشرك سائر المساجد غير المسجد الحرام فاستدلوا بأدلة أصحاب القول الأول وقد سبق الكلام عليها3. وقد أجيب عن هذا الاستدلال بما يأتي: 1) أنه قياس فاسد وباطل لأنه في مقابل النص الوارد في تحريم دخول المشركين المسجد الحرام وهو قوله تعالى {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا} 4. 2) أن للمسجد الحرام خصائص وأحكاماً تخالف غيره من المساجد، وفي هذا يقول الإمام ابن القيم ـ رحمه الله ـ ولا يصح هذا القياس فإن لحرم مكة أحكاماً يخالف بها المدينة5. الراجح بعد عرض أقوال الفقهاء وما ورد عليها من اعتراضات: يتضح أن الراجح في المسألة هو أن المشرك لا يجوز له دخول المسجد

_ 1 انظر أحكام القرآن للجصاص 3/88. 2 انظر ص 404-405. 3 انظر ص 404-410. 4 آية 28 من سورة التوبة. 5 انظر أحكام أهل الذمة 1/188.

الحرام لأن قول الله عز وجل {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ} . نص صريح في منعهم لا يقبل التأويل ولأن ما ذكر من تأويل للآية تأويل باطل وغير صحيح. ولأنه لم يرد عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه مكَّن مشركاً من دخول المسجد الحرام ولاعن الصحابة من بعده. ولأن تطهير المسجد الحرام من الكافرين ومن أقذارهم واجب ولا يكون إلاَّ بمنعهم من قربانه أو دخوله. أما بقية المساجد فيجوز للمشرك دخولها ولكن دخوله مقيد بإذن الإمام أو من يقوم مقامه ومقيد بعدم خرابها أو العبث بها أو توسيخها وذلك لصراحة الأدلة الدالة على ذلك كحديث ثمامة وحديث اليهوديين اللذين زنيا، وحديث وفد ثقيف وغيرها من الأحاديث ولا يتصور إدخالهم مسجد رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلاَّ بإذنه أو بأمر منه. ولأن دخولهم المساجد لسماع كلام الله أو مشاهدة أداء فروضه قد يكون سبباً في إسلامهم وهدايتهم.

الخاتمة

الخاتمة الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات وبعد: فقد يسر الله لي إتمام هذا البحث فهذه خلاصة ما توصلت إليه من نتائج: 1- أن المسجد هو المكان المهيأ للصلوات الخمس. 2- أن للمساجد مكانة هامة ومنزلة عظيمة في الإسلام، فهو متعددة الأغراض متشعبة المهام. ينبغي للمسلمين أن يهتموا بها ويحرصوا على عمارتها حسياً ومعنوياً ويصونوها عن كل ما يدنسها أو ينتهك حرمتها أو يلغي من وظائفها أو اعتباراتها أو يتلف شيئاً من أدواتها. 3- أن المحدث حدثاً أصغر يجوز له الجلوس في المسجد سواء مكث بغرض شرعي كانتظار صلاة أو اعتكاف أو سماع قرآن أو علم آخر أو غرض، أو غير غرض. 4- أن الراجح هو تحريم مكث الحائض والجنب في المسجد. 5- أن الراجح هو جواز عبور الجنب والحائض إذا أمنت عدم التلويث للمسجد. 6- أن المستحاضة ومن به سلس البول أو جرح سائل إن خافوا تلويث المسجد حرم عليهم دخوله وإن أمنوا عدم التلويث لم يحرم عليهم. 7- أن من به رائحة كريهة كمن أكل ثوماً أو بصلاً أو كراثاً أو غيرها مما يترتب عليه صدور رائحة كريهة يكره له دخول المسجد. 8- ينبغي أن تجنب المساجد الصغار غير المميزين وكذلك المجانين لأنه لا يؤمن منهم عدم الطهارة وتشويش المصلين واشغالهم.

9- كراهة البيع والشراء وإنشاد الضالة ومن في معناها في المسجد. 10- إن الراجح أن المشرك لا يجوز له دخول المسجد الحرام. 11- أن الراجح أن المشرك يجوز له دخول المساجد غير المسجد الحرام ولكن دخول مقيد بإذن الإمام أو من يقوم مقامه ومقيد بعدم خرابها أو العبث بها أو توسيخها. والله أسأل أن يجعل هذا العمل خالصاً لوجه الكريم، موافقاً لمرضاته، نافعا لعباده، إنه ولي ذلك والقادر عليه. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبيناً محمد وآله وصحبه أجمعين.

مصادر ومراجع

مصادر ومراجع ... فهرس المصادر مرتباً حسب الحروف الهجائية القرآن الكريم 1- أحكام أهل الذمة: لشمس الدين أبي عبد الله محمد بن أبي بكر المعروف بابن القيم الجوزية المتوفى 771?. تحقيق صبحي الصالح. الطبعة الثانية سنة 1401هـ. الناشر دار العلم للملايين. 2- أحكام القرآن: لأبي بكر أحمد بن على الرازي الجصاص. المتوفى 370 هـ. بالأوفست عن الطبعة الأولى. الناشر دار الكتاب العربي. بيروت. 3- أحكام القرآن: لأبي بكر محمد بن عبد الله بن العربي المتوفى 543هـ تحقيق على محمد البجاوي. الناشر دار المعرفة. بيروت. 4- الاختيار لتعليل المختار: لعبد الله بن محمود بن مودود الموصلي الحنفي المتوفى 683 هـ الناشر مكتبة محمد علي صبيح وأولاده القاهرة. 5- إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل: لمحمد ناصر الدين الألباني. إشراف زهير الشاويش. الناشر: المكتب الإسلامي. الطبعة الأولى 1399هـ. 6- إعلام الساجد بأحكام المساجد: لمحمد بن بهادر بن عبد الله الزركشي المتوفى 794هـ طبع مطابع الأهرام 1403هـ القاهرة

1- الأم: للإمام محمد بن إدريس الشافعي المتوفى 204 هـ طبعة الشعب. القاهرة. 2- الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف على مذهب الإمام أحمد: لعلاء الدين أبي الحسن على بن سليمان المرداوي المتوفى 855 هـ تحقيق محمد حامد الفقي. الطبعة الأولى 376هـ. 3- الأوسط: لأبي بكر محمد بن المنذر. المتوفى 218هـ تحقيق أبي حماد صغير. الناشر دار طيبه. الرياض. الطبعة الأولى. 4- بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع: لعلاء الدين أبي بكر بن مسعود الكاساني المتوفى سنة 587هـ الناشر زكريا على يوسف. طبع مطبعة الإمام بمصر. 5- البيان والتحصيل: لأبي الوليد محمد بن أحمد بن رشد القرطبي. المتوفى 520هـ الناشر دار الغرب الإسلامي. بيروت. سنة 1404هـ 6- تاج العروس من جواهر القاموس: لمحمد بن مرتضى الزبيدي. المتوفى 1205هـ الناشر مكتبة الحياة. بيروت 7- تبيين الحقائق شرح كنْز الدقائق: لفخر الدين عثمان بن عليّ الزيلعي المتوفى 743 هـ طبعة معادة بالأوفست عن الطبعة الأولى 1313?. الناشر دار الفكر. بيروت 8- تحفة الراكع والساجد في أحكام المساجد: لتقي الدين أبي بكر بن زيد الجراعي الحنبلي. المتوفى 883هـ

تحقيق طه الولي. الناشر المكتب الإسلامي. بيروت. الطبعة الأولى 1401?. 1- التفسير الكبير: لمحمد بن عمر بن حسين القرشي الرازي المتوفى 606 هـ الطبعة الأولى، المطبعة البهية بمصر سنة 1357هـ 2- تفسير القرآن العظيم: لإسماعيل بن عمر بن كثير المتوفى 773هـ الناشر دار إحياء الكتب. عيسى البابي الحلبي وشركاه. 3- التفريع: لأبي القاسم عبيد الله بن حسين الجلاب المتوفى 378هـ دراسة وتحقيق د. حسين بن سالم. الناشر دار الغرب الإسلامي. الطبعة الأولى. 4- التلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير: لأحمد بن على بن حجر العسقلاني. المتوفى 852هـ تصحيح السيد هاشم عبد الله اليماني. الناشر دار المعرفة. بيروت 5- تهذيب الإمام ابن القيم: مطبوع مع مختصر سنن أبي داود للمنذري. تحقيق محمد حامد الفقي وأحمد شاكر، الناشر دار المعرفة. بيروت 6- جامع البيان عن تأويل القرآن: لأبي جعفر محمد بن جرير الطبري المتوفى 310هـ تحقيق محمود محمد شاكر. الناشر دار المعارف بمصر. الطبعة الثانية. 7- الجامع لأحكام القرآن: لمحمد بن أحمد الأنصاري القرطبي. المتوفى 671هـ الناشر: دار إحياء التراث العربي. بيروت. الطبعة الأولى. 1362هـ

1- حاشية أحمد شاكر على سنن الترمذي: مطبوع مع سنن الترمذي. 2- حاشية رد المحتار على الدر المختار المعروف بحاشية ابن عابدين: لمحمد أمين بن عمر الدمشقي الشهير بابن عابدين المتوفى 1252هـ الناشر مصطفى البابي الحلبي. مصر. الطبعة الثانية. عام 1386هـ 3- الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي: لأبي الحسن على بين محمد الماوردي المتوفى 405هـ تحقيق على محمد معوض، وعادل عبد الجواد. الناشر دار الكتب العلمية. بيروت. الطبعة الأولى 4- الذخيرة: لشهاب الدين أحمد القرافي. نشر وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت. 5- الروايتين والوجهين من المسائل الفقهية. للقاضي محمد بن الحسين بن محمد الشهير بأبي يعلي المتوفى 458هـ تحقيق الدكتور عبد الكريم بن محمد اللاحم. الناشر مكتبة المعارف بالرياض. 6- روضة الطالبين: لأبي زكريا محي الدين بن شرف النووي المتوفى 676هـ الناشر المكتب الإسلامي. دمشق. 1388هـ 7- سنن أبي داود: للحافظ أبي داود سليمان بن الأشعث السجستاني المتوفى 275هـ تحقيق عزت عبيد الدعاس، طبع محمد على السيد، حمص.

1- سنن ابن ماجه: لأبي عبد الله محمد بن يزيد القزويني المتوفى 275هـ تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، الناشر عيسى البابي. 2- سنن التزمذي " الجامع الصحيح ": للحافظ أبي عيسى محمد بن عيسى الترمذي المتوفى 279هـ تحقيق أحمد شاكر ورفيقيه، الناشر. مصطفى البابي الحلبي. القاهرة 3- السنن الكبرى: لأبي بكر أحمد بن الحسين البيهقي. المتوفى 458هـ الناشر دار الفكر. 4- شرح الزرقاني على موطأ الإمام مالك: لمحمد بن عبد الباقي بن يوسف الزرقاني. المتوفى 1122هـ الناشر دار المعرفة. بيروت. 5- شرح السنة: لأبي محمد الحسين بن مسعود الفراء البغوي. المتوفى 516هـ تحقيق شعيب الأرناؤوط وزهير الشاويش. الطبعة الأولى. 1390هـ 6- شرح صحيح مسلم: لأبي زكريا محي الدين بن شرف النووي المتوفى 676هـ الناشر دار الفكر. بيروت. 7- شرح فتح القدير على الهداية: لمحمد عبد الواحد السيواسي المعروف بالكمال بن الهمام المتوفى 681? الناشر دار إحياء التراث العربي. 8- الشرح الممتع على زاد المستنقع: لفضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين.

اعتنى به د. سليمان عبد الله أبا الخيل ود. خالد عليّ محمد المشيقح. 1- الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية: لإسماعيل بن حماد الجوهري المتوفى 393هـ تحقيق أحمد عبد الغفور عطار. الناشر دار العلم للملايين. بيروت. الطبعة الثانية 1399هـ. 2- صحيح البخاري: للإمام محمد بن إسماعيل البخاري المتوفى 256هـ بتصحيح محمد ذهني. 3- صحيح ابن خزيمة: لأبي بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة السلمي المتوفى 311هـ تحقيق محمد مصطفى الأعظمي. الطبعة الثانية. سنة 1401هـ 4- صحيح مسلم: للإمام مسلم بن حجاج القشيري المتوفى 616هـ تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، الناشر عيسى البابلي الحلبي 1374هـ 5- عمدة القارئ شرح صحيح البخاري: لبدر الدين أبي محمد محمود بن أحمد العيني المتوفى 855هـ طبع بمطابع مصطفى البابي الحلبي. مصر. الطبعة الأولى. 1392هـ. 6- عون المعبود شرح سنن أبي داود: لأبي الطيب محمد شمس الحق العظيم آبادي. الناشر محمد بن عبد المحسن. صاحب المكتبة السلفية. 7- غاية المرام شرح مغني ذوي الأفهام: تأليف عبد المحسن بن ناصر آل عبيكان. الناشر مكتبة العبيكان.

1- فتح الباري شرح صحيح البخاري: للحافظ أحمد بن على بن حجر العسقلاني المتوفى 852هـ تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي. الناشر دار المعرفة. بيروت. 2- فتح العزيز شرح الوجيز وهو الشرح الكبير: لأبي القاسم عبد الكريم محمد الرافعي المتوفى 623هـ مطبوع مع المجموع ومعهما التلخيص الحبير لابن حجر. الناشر دار الفكر. بيروت. 3- القوانين الفقهية: لأبي القاسم محمد بن جزي، المتوفى 741هـ الناشر دار العلم. بيروت. 4- كشاف القناع عن متن الإقناع: لمنصور بن يونس البهوتي المتوفى 1051هـ الناشر عالم الكتب. بيروت. 5- لسان العرب: لأبي الفضل جمال الدين محمد بن مكرم بن منظور الأفريقي المصري المتوفى 711هـ الناشر دار صادر. بيروت. 6- المبدع في شرح المقنع: لآبي إسحاق إبراهيم بن محمد بن مفلح الحنبلي المتوفى 884هـ الناشر دار المعرفة. بيروت. 7- المبسوط: لأبي بكر محمد بن أحمد السرخسي المتوفى 483هـ الطبعة الثالثة بالأوفست 1318هـ. الناشر دار المعرفة. بيروت.

1- مجمع الزوائد ومنبع الفوائد: لنور الدين على بن أبي بكر الهيثمي. المتوفى 807هـ الطبعة الثالثة 1402هـ الناشر دار الكتاب العربي. بيروت. 2- المجموع شرح المهذب: لأبي زكريا محي الدين بن شرف النووي المتوفى 676هـ مع تكملتيه للسبكي والمطيعي. الناشر دار الفكر. 3- مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية: جمع وترتيب عبد الرحمن بن قاسم وابنه محمد الطبعة الأولى 1380هـ الناشر دار الكتاب العربي. بيروت. 4- محاسن التأويل: لمحمد جمال الدين القاسمي المتوفى 1332هـ تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي. الطبعة الأولى 1376هـ. دار إحياء الكتب العربية. 5- المحلى: لأبي محمد على بن أحمد بن سعيد بن حزم المتوفى 456هـ قوبلت هذه النسخة على النسخة التي حققها أحمد شاكر. 6- المستوعب: لنصير الدين السامري المتوفى 616هـ تحقيق د. مساعد الفالح. الطبعة الأولى 1413هـ. مكتبة المعارف. الرياض. 7- مسند الإمام أحمد بن حنبل: وضعه الإمام أحمد بن حنبل الشيباني. المتوفى 241هـ الطبعة الرابعة 1403هـ. الناشر المكتب الإسلامي. بيروت.

1- المصباح المنير: لأحمد بن محمد بن على المغزي الفيومي. المتوفى 770هـ الناشر المطبعة الأميرية ببولاق. مصر. الطبعة الأولى 1321هـ 2- المصنف: للحافظ عبد الله بن محمد بن أبي شيبه. المتوفى 235هـ تحقيق عامر العمري الأعظمي. الطبعة الثانية 1399هـ. الناشر الدار السلفية. الهند. 3- مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى: لمصطفى بن سعد السيوطي الرحيباني المتوفى 1243هـ الناشر. المكتب الإسلامي بدمشق. 4- معالم التنزيل: لأبي محمد الحسين بن مسعود الفراء البغوي المتوفى 388هـ مطبوع بذيل سنن أبي داود، طبع محمد على السيد، حمص. 5- المعجم الكبير: لسليمان بن أحمد الطبراني المتوفى 360هـ الناشر مطبعة الأمة بغداد. 6- معجم لغة الفقهاء: للدكتور محمد رواس، د. حامد صادق. الطبعة الأولى 1405هـ. دار النفائس. بيروت. 7- المعونة على مذهب عالم المدينة الإمام مالك بن أنس: للقاضي أبي محمد عبد الوهاب بن على بن نصر البغدادي المتوفى 422? تحقيق حميش عبد الحق. الناشر المكتبة التجارية. مكة المكرمة.

1- المغني: لأبي محمد عبد الله بن أحمد بن قدامة. المتوفى 620هـ تحقيق د. عبد الله بن عبد المحسن التركي، د. عبد الفتاح الحلو. الناشر هجر للطباعة والنشر. القاهرة. 2- مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج: للشيخ محمد الشربيني الخطيب. المتوفى 977هـ الناشر مطبعة مصطفى البابي الحلبي. عام 1377هـ. 3- المنتقى شرح موطأ الإمام مالك: لأبي الوليد سليمان بن خلف الباجي المتوفى 494هـ الطبعة الثالثة بالأوفست 1403هـ. الناشر دار الكتاب العربي. بيروت. 4- منح الجليل على مختصر خليل: لمحمد عليش. الناشر دار الفكر للطباعة والنشر. 5- المنهل العذب المورود شرح سنن أبي داود: لمحمود محمد السبكي المتوفى 1352هـ 6- المهذب: لأبي إسحاق إبراهيم بن على الشيرازي. المتوفى 476هـ الناشر شركة ومطبعة الحلبي وأولاده عام 1396هـ 7- نصب الراية لأحاديث الهداية: لجمال الدين عبد الله بن يوسف الزيلعي المتوفى 762هـ الناشر دار المأمون. الطبعه الثانية بالأوفست من الطبعة الأولى 1357?. 8- وفاء الوفاء بأخبار دار المصطفى: لنور الدين علي بن أحمد السمهودي المتوفى 911هـ الناشر محمد النمنكاني بالمدينة المنورة 1374هـ.

§1/1