القوافي للتنوخي

التنوخي، أبو يعلى

بسم الله الرحمن الرحيم

بسم الله الرحمن الرحيم سميت القافية قافية لكونها في آخر البيت مأخوذة من قولك: قفوت فلاناً، إذا تبعته. وقفا الرجل أثر الرجل إذا قصه. وقافية الرأس مؤخره. ومنه الحديث عنه صلى الله عليه وسلم: " يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم..... ثلاث عقد، فإذا قام من الليل فتوضأ انحلت عقدة.... ". والقافية من الأسماء المنقولة من العموم إلى المخصوص. فإذا أريد بها الشعر لم يقع عليها هذا الاسم حتى تقارن كلاماً موزوناً. وإذا أريد بها الاشتقاق اتسعت فيها العبارة. مثل ذلك الصيام. وهو في الشرع محصور، وفي اللغة يعبر به من الإمساك والوقوف في كل موضع. يقال: صام النهار، إذا دومت الشمس في السماء، ثبتت وسط السماء وصام الفرس إذا قام.

قال النابغة: خَيلٌ صيامٌ وخيلٌ غيرُ صَائمةٍ ... تَحْتَ العَجاجِ وَخَيلٌ تَعلُكُ اللُّجُمَا ومن ذلك الحج. هو في الشرع محصور، وفي اللغة يعبر به عن القصد إلى كل شيء. قال الشاعر: يَحُجُّونَ سِبَّ الزِّبرقانِ المُزَعْفَرا

يريد صفرة عما منه. وقال آخر: يَحُجُّ مَأمُومَةً في قَعْرِها لَجَفٌ وقال آخر: فَدُونَكُمْ حَجُوا العيونَ بِأثْمِدٍ ... مَعَ العَانِيَاتِ البِيضِ فَوْقَ الأرَائِكِ ومن ذلك الإيلاء هو في الشرع أن يقسم الرجل لا يطأ زوجته أربعة أشهر فصاعداً. وهو في اللغة اليمين على كل شيء. قال الشاعر: وأَكذبُ ما يكون أبو المُثَنَّى ... إذا آلى يَميناً بالطَّلاقِ

وقال آخر: رَفَعُوا رايةَ الضِّرَابِ وآلو ... لَيَذُودُونَ سَامِرَ المَلْحَاءِ فصل: قال أبو بكر محمد بن دريد: سميت قوافي لأن بعضها يتلو بعضا. وهذا المعنى غير موجود في القافية الأولى، إلا أن يراد بقسميتها قافية، أنها تصلح أن تكون في موضع ما بعدها، مثل هذا الثوب مدفئ، وطعام مشبع طهور، أي يصلح أن يكون منه ذلك. وقال قوم: سميت قافية لأنها فاعلة بمعنى مفعولة، كما يقال راضية بمعنى مرضية. كان الشاعر يقفوها، أي يتبعها ويطلبها. وأصل ذلك الاتباع.

قال الله تعالى: " وقفينا على آثارهم ". واحتج من رأى الحكم بالعلم بقوله " ولا تقف ما ليس لك به علم " لأن فيه دليل خطاب أجاز له أن يقفو ما له به علم ويتبعه. فصل: وقد اختلف الناس في القافية فقال بعضهم هي القصيدة بهذا البيت: وَقَافِيَةً مِثْلِ حَدِّ السِّنَا ... نِ نَبْقَى وَيَذْهَبُ مَنْ قَالَهَا وقال بعضهم: القافية البيت، واحتج بقول سحيم عبد بني

الحسحاس: أشَارِتْ بِمِدْرَاهَا وَقَالَتَّ لِتِرْبِهَاأَعَبْدُ بَنِي الحَسْحَاسِ يُزْجى القَوَافِيَا ويقول حسان: فَنُحْكِمُ بالقَوَافِي مَنْ هَجَانا ... وَنَضْرِبُ حَتَّى تُخْتَلِطُ الدِّمَاءُ

وقال قوم: القافية الكلمة الأخيرة وشيء قبلها، واحتج بأن أعرابياً سئل عن القافية في قوله: بَنَاتُ وِطَاءِ عَلَى خَدِّ اللَّيْلْ وقال سعيد بن مسعدة: القافية الكلمة الأخيرة. واحتج بأن قائلاً لو قال لك: اجمع لي قوافي تصلح مع كتاب لأتيت له بشباب ورباب.

وقال أبو موسى الحامض: القافية ما يلزم الشاعر تكريره في كل بيت من الحروف والحركات وهذا قول جيد. ويأتي بيان ما ذكره فيما بعد إن شاء الله تعالى. وقال قطرب: القافية حرب الروى وأدخلت الهاء عليه كما أدخلت على علامة ونسابة ولأن القائل يقول قافية هذه القصيدة دال أو ميم.

أما الخليل، فله في القافية قولان. أحدهما: أنها الساكنان الآخران من البيت وما بينهما مع حركة ما قبل الساكن الأول منهما. فعلى هذا القول تكون القافية في قول الشاعر: إذَا مَا أَتَتْ من صاحِبٍ لك زَلَّةٌ ... فَكُنْ أنْتَ مُحْتَالاً لِزَلَّتِهِ عُذْراً تكون القافية حركة العين والذال والراء والألف. وفي قول الآخر: وليسَ الغِنَى والفَقْرُ مِنْ شِيمَةِ الفَتى ... ولكن حُظوظُ قُسِّمَتْ وَجُدُودُ

حركة الدال الأولى والواو والدال والواو. والقافية على قول الخليل الآخر ما بين الساكنين الأخيرين من البيت مع الساكن الأخير فقط. والقوافي على هذا تنقسم خمسة أضرب: فالأول: المتكاوس، وهو أن يجتمع أربعة حروف متحركات بعدها ساكن. كقول العجاج: قد جبر الدَّينَ الإله فَجَبْر وكقوله أيضاً: هَلاّ سَأَلْتَ طَلَلاً وَحَمَمَا

فقوله هفجبر هو القافية، وكذلك وحمما. وقيل: إن اشتقاق المتكاوس من قولك: تكاوس الشيء، إذا تراكم، فكأن الحركات لما تكاثرت فيه تراكمت. ولو قيل إنه من كاس البعير يكوس كوساً، إذا فقد إحدى قوائمه فحبا على ثلاث، لكان ذلك وجهاً، لأن الكوس أصله النقص. ذكر ذلك أبو إسحاق الزجاج، وغيره. وقيل ذلك في الدابة لنقص قوائمها. وأنشد: فظلَّت تَكُوسُ زماناً على ... ثَلاثٍ وكان لها أَرْبَعُ وهذه القافية قد دخلها النقص لأن أصلها مستفعلن بحذف ثانيه، وطوى بحذف رابعة، فبقي متعلن، فنقل إلى فعلتن وهو المخبول. والغريزة تنفر منه. ولا يكون ذلك في شيء من ضروب العروض إلا فيما ضربه مستفعلن من البسيط. وهو الرابع من ضروبه. وجميع ضروب الرجز ما خلا الضرب الثاني منه.

وأما القافية الثانية فهي المتراكب. وذلك أن يجتمع ثلاثة حروف متحركة بعدها ساكن. وهو مأخوذ من تراكب الشيء، إذا ركب بعضه بعضاً. وهو مثل قول الشاعر: وَما نَزَلْتُ من المَكْرُوه مَنْزِلةً ... إلاَّ وَثِقْتُ بِأَنْ أَلقَى لَهَا فَرَجاً والضرب الثالث من القوافي يقال له المتدارك وهو أن يجتمع متحركان بعدهما ساكن مثل قول الشاعر: وَمَنْ يَكُ ذَا فَضْلٍ فَيبْخَلِ بِفَضْلِهِعَلَى قَوْمِه يُسْتَغْنَ عَنْهُ وَيُذْمَّمُ كأن الحركتين تدراكتا فيه. والضرب الرابع المتواتر وهو حرف واحد متحرك بعده ساكن، كقول الهذلي: حَمِدْتُ إلهي بَعْدَ عُرْوَةَ إذْ نَجَاخِرَاشٌ وَبَعْضُ الشَّرِّ أَهْوَنُ مِنْ بَعْضِ وهو مأخوذ من الوتر وهو الفرد.

والضرب الخامس أن يجتمع في آخر البيت ساكنان ويقال له المترادف لأنه ترادف فيه ساكنان ويجوز أن يكون سمي بذلك لأنه أكثر ما يستعمل بحرف لين، وربما أتى بغير لين فيسمى مصمتاً. فالذي بحرف لين كقوله: مَنْ عَائِدي اللَّيْلَةَ أَمْ مَنْ نَصِيحْ ... بِتُّ يَهمّ فَفُؤَادِي قَرِيحْ والمصمت كالمسموع يوم فتح مكة من بعض العرب وهو خامس السريع رَفَّعْتَ أَذْيالَ الحَفِّي وَأَرْبَعْنْ ... مَشى حَيِيِّاتٍ كَأَن لَمْ يَفْزَعْنْ إن يُمْنَعْ اليومَ نِساءٌ تَمْنَعْنْ فالتقييد والردف لا زمان له. فلما عدم الردف ها هنا سمي مصمتاً. فصل: سألت الشيخ أبا العلاء - رحمه الله - ما يسمى القصد من الرجز تجتمع فيها القافية المتكاوسة والمتراكبة والمتداركة.

وذلك لأن ضروب الرجز مستفعلن على ما تقدم إلا الثاني. فمستفعلن متدارك: وكذلك إن نقله الخبن إلى مفاعلن وبنقله الطي إلى مفتعلن فيكون متراكباً، وينقله الخبل إلى فعلتن فيكون متكاوساً. فقال: ما علمت أن أحداً قاله. ذكر هذا. وأنا أسمي هذه القصيدة المثفاة يذهب بذلك إلى ثفية. ومنه المرأة المثفاة، وهي التي نكحت ثلاثة أزواج.

الباب الثاني

الباب الثاني وزن الشعر وما يلحقه

ما يلحق آخر الشطر

ما يلحق آخر الشطر التقفية والتصريع والإقعاد، والتخميع، والوقف للقافية موضعان، أحدهما يستعمل فيه على سبيل الاستحباب، وآخر يستعمل فيه على سبيل اللزوم. فالذي يستحب فيه عروض البيث، والذي تلزم فيه ضربه، ومن ألزم نفسه النظر في هذا العلم فلا بد له من المعرفة بأحكام هذين الموضعين. فصل: فأما التقفية فأن يأتي الشاعر في عروض البيت بما يلزمه في ضربه من غير أن يرد العروض إلى صيغة الضرب مثال ذلك قول الشاعر في ثاني الطويل: قِفَا نَبْكِ مِنْ ذِكْرَى حَبيبٍ وَمَنزِلِبِسِقْطِ اللَّوَى بَيْنَ الدَّخُولِ فَحَوْمَلِ فالتقفية إيتاؤه في قافية النصف باللام التي هي الروي والباء هي الوصل.

وهذان الحرفان هما اللذان لزماه في القافية. ومع ذلك فسلم بغير صيغة العروض، لأن العروض مفاعلن والضرب مفاعلن. ومثله قول النابغة في البسيط: يَا دَارمَيَّةَ بالْعلْياءِ فَالسَنَدِ ... قَوَتْ وَطالَ عَلَيْها سالِفُ الأبَدِ فنصف البيت فعلن وآخره فعلن بكسر العين أيضاً، وقد التزم في النصف الدال والباء اللذين لزماه في الآخر. فصل: وأما التصريع فهو أن يغير صيغة العروض فيجعلها مثل صيغة الضرب، ويستصحب اللوازم في الموضعين. مثال ذلك قول الشاعر في أول الطويل: أَلا أَنْعِمْ صَباحاً أَيُّهَا الطَلَل البَالِيوَهَلْ يَنْعَمَنْ مَنْ كانَ في العُصُرِ الخَالي

فقد جعل في نصف البيت مفاعيلن كآخره بسبب التصريع، ولولا ذلك لكان في نصف البيت مفاعلن مقبوضاً: ألا تراه يقول في هذه القصيدة: وَلَوْ أَنَّني أَسْعَى لأِدْنَى مَعِيشَةٍكَفَانِي، وَلَمْ أَطْلُب قَلِيلٌ مِنَ المَالِ فوزن معيشة مفاعلن، وقد أتى فيها بتصريع بعد البيت الأول، فقال: أَلا إِنني بالٍ على جَمَلٍ بَالٍ ... يَقُودُ بِنَا بَالٍ وَيَتْبَعُنَا بَالِ فأنى في العروض بمفاعيلن. ومثله قول جرير في البسيط الثاني: بَانَ الخَلِيطُ ولو طُوِّعْتُ مَا بَانَا ... وَقَطَّعُوا مِنْ حِبَالِ الوَصْلِ أَقْرَانَا

فأتى بالقطع في النصف كما أتى به في الآخر، وهو أن يعود فاعلن إلى فعلن ساكنة العين. ولولا التصريع لأتت العروضى مخبونة كقوله: يا أُمَّ عَمْرٍو جَزَاكِ اللهُ مَغْفِرَةً ... رُدِّي عَلَيَّ فُؤَادي كالَّذِي كانَا فقوله فرة فعلن وهذا قد استعمله القدماء والمحدثون. التقفية والتصريع في غير البيت الأول كثير، وليس عيبا، بل هو دليل على البلاغة والاقتدار على الصنعة. ويستحب أن يكون ذلك عند الخروج من قصة إلى قصة. والتصريع مأخوذ من مصراعي الباب. والأصل في ذلك صرعا النهار وهما الغداة والعشي. وإنما حسن هذا في استفتاح الشعر والقصة، لأن البيت الأول بمنزلة باب القصيدة والقصة الذي يستفتح به.

فصل: وأما الإقعاد فهو يدخل في العروض من غير تقفية ولا تصريع يوهم سامع النصف الأول أن الشاهر يأتي بالثاني موافقاً له، فيأتي به خلاف ذلك. مثال قول النابغة: جَزَى اللهُ عَبْساً، عَبْسَ آل بَغِيضٍ ... جَزَاءَ الكِلاَبِ العَاوِياتِ وَقَدْ فَعَلْ فيظن سامع نصف هذا البيت أول وهلة أن الشاعر قد استفتح شعراً مصرعاً من ثالث الطويل ثم يأتي المنشد بنصفه الثاني فيكون مقيد ثاني الطويل، لأن العروض في هذا البيت فعوان وذلك لا يكون في الطويل إلا في الثالث إذا كان مصرعاً. والضرب مفاعلن، وذلك لا يكون إلا لثانيه. ومثله. إذا ما اتَّصَلْتُ قُلْتُ يآل تميمٍ ... وَأيْنَ تَميمٌ مِنْ مَحَلّةِ أَهْوَدَا

ومنه قول عمر بن أبي ربيعة: دُمْيَةٌ عِنْدَ رَاهبٍ قسِّيسٍ ... صَوَّروهَا في جَانب المِحْرَابِ فهذا من الخفيف وفيه تشعيث في العروض. وهو رد فاعلاتن إلى مفعولن. وهذا لا يحسن إلا في التصريع. ومثله من الخفيف أيضاً: أَسَدٌ في اللِّقَاءِ ذُو أشْبَالٍ ... وَرَبيعٌ إن شَعَّبَتْ غَبراءُ ومثله من الطويل لعامر بن جوين: خَلِيليَّ كَمْ بِالجِزْعِ من مَلْكاتٍ ... وَكَمْ بِالصَّعِيدِ من هِجانٍ مُؤبَّلةٌ

ومثله: وَمَصَابِ غَادِيَةٍ كَأَنَّ تِجَارا ... نَشَرَتْ عَلَيْهِ بِزَّهَا وَرِحَالها فالنصف الأول مصرع الكامل الثامن والنصف الثاني من الكامل الأول: ومثله: لَمَّا رَأتْ مَاءَ السَّلَى مَشْرُوبَاً ... وَالفَرْثَ يُعصَرُ بالأكُفِّ أَرَنَّتِ ومثله من الكامل أيضاً قول حميد: إنِّي كَبُرْتُ وَإنَّ كلَّ كَبيرٍ ... مِمَّا يُظَنُّ بِهِ يَملُّ وَيَفْتُر

وهذا عند الخليل إقعاد، وعند أبي عبيد وأبي عبيدة إقواء. فصل: وأما التخميع فهو أن يخلى الشاعر عروض البيت من التصريع والتقفية، ويدرج الكلام فيكون وقوفه على القافية، وقد استعمل ذلك الشعراء المجودون من القدماء والمحدثين. قال الشنفرى:

أَقِيموا بَني أُمِّي صُدُورَ مَطِيِّكُمْ ... فَإنِّي إلى قَوْمٍ سِواكُمْ لا مْيَلُ وقال متمم بن نويرة: لَعَمْرِي وَمَا دَهْرِي بِتَأبِينِ مَالِكٍ ... ولا جَزَعاً مِمَّا أصَابَ فَأوْجَعَا وهذا كثير جداً وسمي تخميعا مأخوذاً من الخماع الذي هو العرج، ومن ذلك قيل للضياع الخوامع. فصل: وقد أجاز بعضهم الوقوف في نصف البيت على الحرف المشدد بالتخفيف، وإن لم يكن فيه تصريع، اقتداء بالوقوف على المشدد في القافية لأن الأنصاف تحمل ما تحتمله الأواخر، قال: وكما يجوز الابتداء في نصف البيت الأخير بالضرورة، يجوز الوقوف في نصفه عليها. ومثال هذا أن يقول القائل: إنَّ فِعْلَ الخَيْرِ أَحْرَى وأَسَدّْ ... وَعَلى الإنْسَانِ إصْلاحُ العَمَل وهو ضرورة قبيحة.

فأما الوقوف على الحرف المشدد إذا كان في ضرب البيت، فالصواب فيه أن يوقف عليه بالتخفيف إلا ما كان من المترادف ودخل عليه الإصمات والتقى فيه حرفان مثلان، فإنه لو قال: إن يُحْصَنِ اليَوْمَ نِساءٌ يُحْصَنّْ لكان الصواب الوقوف عليه بالتشديد. وحدثني الشيخ أبو العلاء - رحمه الله تعالى - قال: وجد بخط ثعلب تشديده على الروى في قول لبيد: يَلْمَسُ الأحْلاَسَ في مَنْزِلِهِ ... بِيَدَيْهِ كاليَهُودِيِّ المُصَلّْ

ما يلحق آخر الشطر

ما يلحق آخر الشطر وكما يلزم الناظر في علم القوافي المعرفة بأحكام الطرفين الأخيرين من مصراعي البيت، تلزمه المعرفة بأحكام الطرفين الأولين. وقد استعمل في الجزء الأول من النصفين ضروات كثيرة، ولكل منها اسم تختص به. وذلك مستقصى في كتب العروض، وإنما نذكر هنا ما يكثر استعماله ووجوده، وما علقت به الألسن. فصل: فالخرم: يقوهم العامة أن كل نقص يوجد في أول كل بيت خرم، وليس الأمر كذلك، إنما الخرم إسقاط الحرف الأول من الجزء الأول فيما هو مبني على الأوتاد المجموعة. وذلك يكون في خمسة أوزان من العروض، الطويل والوافر والهزج والمضارع والمتقارب. مثل ذلك في الطويل: لا تَعْتَرِضْ في الأمْرِ تُكْفَ شُئُونَهُ ... وَلا تَنْصَحَنَّ إلا لِمَنْ هُوَ قَابِلُهُ

وذكر ابن دريد، الخرم ومثله بقول عنترة: وَلَقَدْ نَزَلْتِ فلا تَظنِّي غَيْرَهُ ... مِنِّي بِمَنْزِلَةِ المُحَبِّ المُكْرَمِ وهذا عيب في حكم العروض يقال له الوقص، لأن متفاعلن إذا أعيدت إلى مفاعلن سمى الجزء موقوصا. وقد عيب ذلك من ابن دريد لما تقدم من أن الخزم لا يكون إلا في تلك الأوزان الخمسة، وبيت عنترة من الكامل. وقد يكون الخرم في النصف الأول وأول النصف الثاني. قال الشاعر. خَرَجْتُ بِهَا مِنْ بَطْنِ بَبْرِينَ بَعْدَمَانَادَى المُنَادِي بالصَّلاةِ فأَعْتَمَا قيل ولا يوجد بيت مصرع مخروم النصف الثاني إلا هذا البيت وبيت لأوس بن حجر وهو:

غَشِيْتُ دِيَارَ الحَيِّ بالسَّبُعَانِ ... كالبُرُدِ بالعَيْنَيْنِ يَبْتَدِرَانِ فصل: وأما الخزم بالزاي المعجمة فهو زيادة تلحق أوائل الأبيات ولا يختص بذلك وزن دون وزن، ولا يعتد بتلك الزيادة في تقطيع العروض. فيزاد البيت حرفاً واحداً كقول طرفة: أَتَذْكُرُونَ إذْ نُقاتِلُكُمْ ... إذْ لا يَضُرُّ مُعْدِماً عَدَمُهْ وقد يجزم بحرفين، كقول طرفة أيضاً: إذْ أنْتُمْ نَخْلٌ نَظِيفُ بِهِ ... فإِذَا مَا جُزَّ نَضْطَرِمُهْ وقد يخزم بثلاثة أحرف كقول الشاعر.

نَحْنُ جَلَبْنَا عِتَاقَ الخَيْلِ مِنْ كلِّ بَلْدَةٍوَسِرْنَا عليها للرَّدَى يومَ ذِي قار وربما خزموا بأربعة أحرف، ويروى عن أمير المؤمنين عليه السلام: أَشْدَدْ حَيَازِيْمَكَ لِلمَوْتِ ... فإِنَّ الموتَ لاقيكا ولا تَجْزَعْ مِنَ المَوتِ ... إذا حَلَّ بِنَادِيكا وقال آخر:

كُنَّا رَضينا بِمَا كانَتْ مَعَدُّ لَنَا بِهِ ... تَراضَتْ وَلمْ تَرْضوا بِهِ لقَبِيلِ وقد خزموا بستة أحرف، وينشد للوالبي: وَإلا فَتَعَالَوا نَجْتَلِدْ بِمُهَنَّدَاتٍ ... نَفُض بهَا الحَواجِبَ والشُّئُونَا وما زاد عن الحرفين في الخزم فهو شاذ، وقبحه على قدر زيادته. وقد يخزم الأول بالنصف الثاني كالنصف الأول كقول طرفة: إذ لا يَضُرُّ مُعْدِماً عَدَمُه فقوله إذ خزم. وقال آخر - فخزم في الموضعين - وَإن تَعَدَّيْتُ طَوْرِي كُنْتُ أَوَّلَ هَالِكِمِنْ جَمَاعَتِكُم، والمُعْتَدِي الطَّورِ هَالِك فخزم في الموضعين أيضاً. فصل: وقد يجوز قطع ألف الوصل في أول النصف الثاني لتمام الكلام قبله، كقول الشاعر:

ولا يُبَادِرُ في الشِّتَاءِ وَلِيْدُنَا ... أَلْقِدْرُ يُنْزِلُهَا بِغَيِرِ جِعَالِ الجعال خرقة تنزل بها القدر، وهي الجعالة أيضاً. وقال آخر: هَذِي مَشَابِهُ مِنْ مَيِّ مُصَادِقَةٌ ... أَلْعَيْن وَاللَّون وَاللَّبَّاتُ والجِيْدُ ورأيت في غير نسخة العنق واللون وهذا كثير شائع.

الباب الثالث

الباب الثالث لوازم القافية

الكلام في الحروف اللازمة

الكلام في الحروف اللازمة وهي خمسة: التأسيس، والردف، والروي، والوصل، والخروج. والأولى أن يبتدأ بالكلام على الروي ليكون المعرفة قطبا لما يحيط به من اللوازم. الروي ليس عند العرب معرفة بشيء من هذه الحروف إلا بالروي وقد ذكره النابغة فقال: بِحَسْبِكَ أنْ تُهَاضَ بِمُحْكَمَاتٍ ... يَمُرَّ بِهَا الرَّوِيُّ عَلَى لِسَانِي

وهو آخر أحرف الشعر المقيد، وما قبل الوصل في الشعر المطلق. فالروي في المقيد كالراء في قوله. فَلاَ وَأَبِيْكِ ابنةَ العَامرِيِّ ... لا يَدَّعِي القَوْمَ أَنَّى أَفِرّْ وفي المطلق كالميم في قوله: وَلَنْ يَلْبَثَ المَصْرَانِ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ ... إذَا طَلَبَا أَنْ يُدْرِكا تَيَمَّمَا

وقيل إن الروي مأخوذ من الرواء الذي هو الجبل ومن روى الرجل على القوم بالرواء. قال الراجز: إنِّي على ما كان من تَخَدُّدِي ... وَدِقَّةٍ في عَظْمِ سَاقِي وَيَدِي أروِّي عَلَى ذِي العُكَنِ الضَّفْندَدِ ويجوز أن يكون مأخوذاً من رويت الشعر إذا حفظته من أصحابه. فيكون فعيلاً بمعنى مفعول. ومن هذا قول الشاعر: رَوَى فِيَّ عَمْروٌ مَا رواهُ بِجَهْلِهِ ... سَأتْرُكُ عَمْرَاً لا يَقُولُ ولا يَرْوى وفي الروي من التمكن ما ليس في غيره من الحروف اللازمة لأننا قد نجد تارة شعراً خالياً من التأسيس، وتارة شعراً خالياً من الردف. ويوجد ما هو خال من لصلة والخروج. ولا يوجد شعر يخلو من الروي. فلهذا المعنى - والله أعلم - خص بالإسم المشتق من الرواية، ووقع به التمييز، فقيل لامية امرئ القيس ودالية النابغة وميمية زهير. فصل: وقد تكون حروف المعجم روياً إلا حروفاً ضعفت، منها

ألف التثنية في الماضي والمستقبل نحو: قاما، ولم يقوما، وكذلك فتحة ألف الواحد إذا أشبعت للترنم، وتاء التأنيث في طلحة وشجرة، والتنوين جار هذا المجرى، وكذلك الألف التي تصير في الوصل نوناً نحو لنسفاً بالناصية والتنوين الذي يصير في الوقف ألفاً، وهو هذا المقدم ذكره، وقولك: رأيت زيداً، وكذلك الياء في قولك للمرأة: اضربي وكلي، والألف التي تبين بها الحركة نحو: أنا، وفي معنى الهاء التي يوقف عليها لتبيين الحركة نحو قولك: هد غلاميه. ومن ذلك الهاء في قولك: يا أبه، وينشد لبعض جواري العرب تسأل سخاناً أو ما أشبهه: يَا بُنَى ويا أبَه ... حسنْتُ إلا الرَّقَيَه فَزَيَّنتها يا أَبَه ... كَيْمَا يَجِئَ الخَطَبَه

بِإِبِلٍ مُقَرَّبَه ... لِلْفَحْلِ فِيهَا قَبْقَبَه فلم تجعل الهاء رويا، ولزمت الباء. فأما هاء المذكر المضمر فلها حالان: إما أن يكون ما قبلها ساكنا أو متحركاً. وإن كان ما قبلها ساكناً فهو روي كقوله: أَيُّها القُلْبُ لا تَدَعْ ذِكْرَكَ المَ ... وْتَ وَأيْقِنْ بِمَا يَنُوبُكَ مِنْه إنَّ في المَوْتِ عِبْرَةً واتِّعَاظاً ... فازجُرِ القَلْبَ عن هَواكَ وَدَعْهُ فجعل الهاء رويا لا وصلا، وأتى قبلها تارة بنون وتارة بعين. وإن كان ما قبلها متحركاً فهي صلة، كقول بعض النساء وهي تطوف: اليومَ يَبْدُو بَعْضُهَ أَو كُلُّهُ ... وَمَا مِنْهُ فَلاَ أَحِلُّهُ وكقول طرفة: أشَجَاكَ الرَّبْعُ أَمْ قِدَمُه ... أَمْ رَمَادٌ دَارِسٌ حُمَمَهُ

وإنما تكون هذه الهاء - إذا سكن ما قبلها - روياً، لأن الساكن لا وصل له لوقوع السكت عليه. وإنما يكون تولد الوصل من حركة الروي، وكذلك هاء ضمير المؤنث تعتبر بما قبلها، فتكون وصلاً في قوله: مَنْ لَمْ يَمُتْ عَبْطَةً يَمُتْ هَرَماً ... لِلمَوْتِ كَاسٌ وَالمَرْءُ ذَايِقُهَا وكذلك تكون وصلاً في قوله: وَهْيَ على البُعْدِ تُلِّوي خَدَّهَا ... تُرِيغ شَدِّي وَأُرِيغُ شَدَّهَا وَكُلَّمَا جَدَّت تَرَانى عِنْدَهَا ... كَيْفَ تَرَى عَدْوَ غُلاَمٍ رَدَّهَا قيل: سبب هذا الرجز، أن ظبية كانت ترتع في روضة فنظر إليها رجل، فقال له أعرابي: أتحب أن تكون هذه الظبية لك؟ قال: نعم قال: أفتعطيني أربعة دراهم إن جئتك بها؟ قال: نعم. فشد عليها فلم يزل وراءها حتى لحقها وجاء بها يقودها بقرنها، وهو يرتجز هذه الأبيات.

وتكون هذه الهاء روياً إذا سكن ما قبلها في مثل قوله: أَمْوَالُنَا لِذَوِي المِيرَاثِ نُجْمَعُها ... وَدُورُنا لِخَرَابِ الدَّهْرِ نَبْنِيها وقد أجمع على أن الواو يجوز أن تعاقب الياء هاهنا، فلو كانت الياء رويا لما جاز تغييرها وقد ذهب إلى أنها الروي بعض أهل العلم. والأصح ما ذكرت لك. فأما الألف التي في ضمير المؤنث نحو قولك: لها، وكلها، وعندها فلا تكون رويا. وقد رخص بعض أهل العلم في كونها رويا، وقد أورد أبو المنهال عيينة بن المنهال في كتاب الأمثال المنظومة أبياتاً رويها على هذه الألف منها:

وقَدْ يُعْجِبُ المَرْءَ طُولُ البَقَا ... وَلَمَّا يَزال يَخُوطُ الحَيَا وَيَلْحَقُ أَبناؤُهُ كُلُّهم ... وَيُدْرِكُ حَاجَتَه كُلُّهَا وسألت أبا العلاء - رحمه الله تعالى - على هذا الألف فقال: لا تكون رويا وذكر ما أورده أبو المنهال، فقال: إنه على سبيل الشذوذ. فأما ألف ذا فإنها تكون رويا، لأنها منقلبة، ألا تراك تقول في التصغير ذيا. فأما التاء التي لضمير المؤنث نحو: مرت وحجت المرأة، والكاف التي للخطاب في المذكر والمؤنث، فإنهما وإن كانا في الإضمار بمنزلة هاء أكرمه وشتمه فإنهما قويان، وتستعملان في الروي استعمال الميم والنون، ولا يلتفت إلى قصيدة كثير وما لزمه فيها من اللام قبل التاء، فإن ذلك غير لازم له. وإنما يستحسب للشاعر ليدل به على قوة منته.

ألا ترى إلى قول الشاعر: وَلو شَهِدَت أُمُّ القُدَيْدِ طِعَانَنا ... بِمَرْعَشَ خَيْلَ الأرْمَنِّي أَرَنَّتِ ثم قال فيها: وَلاَحِقَةِ الأبطَالِ أَسْنَدْتُ صَفّهَا ... إلى صَفِّ أُخْرَى مِن عِدَيّ فاقشعرَّتِ وقد فعل ذلك الشنفرى وغيره من الفصحاء. على أن كثيرا قد غير منهجه في اللام فقال:

أَصَابَ الرَّدَى مَن كَانَ يَهْوَى لَكِ الرَّدَىوَجُنَّ اللواتي قُلْنَ: عَزَّةُ جُنّتِ وكذلك حكم تاء النفس تكون رويا نحو قولك: أكلت وشربت. وقد زعم بعضهم أن كاف الخطاب في مثل قولك: حمدك وشكرك لا تكون رويا إلا أن تشاركها كاف أصلية، واحتج بأن هذا اللفظ لو رد إلى الغائب لتغيرت الكاف وصارت هاء، فالكاف في موضع ما لا تكون رويا. وأما الواو التي تكون للجميع، مثل واو فعلوا فلا تكون رويا، وقد وردت أبيات شاذة رويها الواو مثل شقوا، وحيوا فأما إذا انفتح ما قبلها فهي روي، مثل عصوا، ورموا فإن سكن ما قبل الواو فهي روي لا غير، مثل واو دلو، وشأو، وشلو، وعضو. فأما الواو التي في الفعل، وهي من الأصل مثل واو يغزو، ويرجو فتكون رويا. وليست بأضعف من ألف يخشى.

وأما الياء فكل مكان تحركت فيه فهي روي، وكذلك إذا سكن ما قبلها تحركت هي أو سكنت وأنشد المبرد: رَمَيْتِيه فَأَقْصَدْتِ ... فَمَا أَخْطَأْتِ الرَّمْيَه بِسَهْمَيْنِ مَلِيحَيْنِ ... أَعَارَتْكِهُمَا الظَّبْيَة فأما ياء يرمي ويقضي فالأحسن أن تكون وصلا. وكذلك ياء الإضافة، ومما استعملت فيه رويا قوله: إنِّي امرؤٌ أَحْمِي ذِمَارَ إِخْوَتي ... إذا يَرونِي مُنْكِراً، يَرْمُونَ بي وقال آخر: إذا تُغَدَّيْتُ وطَابَتْ نَفْسِي ... فَلَيْسَ في الحَيِّ غُلاَمُ مِلْى إلا غُلاَمٌ قَد تَغَدَّى قَبْلي

وأما الياء الأولى من ياء فعيل فيجوز أن يكون رويا، قال الراجز: أَلَمْ تَكُنْ أَقْسَمْتَ بِاللهِ العَلِيَّ ... أنَّ مَطَاياكَ لِمَن خَيْرِ المَطِيِّ وقال رؤبة: إنَّ سُليمانَ استَلانَا ابنَ عَلِي ... بِسُنَّةِ اللهِ وَمَسْعَاهِ الغَّبِي استلانا: دعانا وكذلك الياء المخففة في النسب كقول المرجز: إن تُنْكِرُونِي فَأنَا ابنُ اليَثْرِبيِّ ... فَتَلْتُ عَلْيَاءَ وَهِنْدَ الجَمَلِي وَإبناً لِصَوْحَانَ عَلَى دِينِ عَلِي والأحسن في كل ما وقع فيه اختلاف أن يجعل وصلا.

فصل: والهمزة تكون رويا. وهي في ذلك بمنزلة الباء، والدال، وتعرب بوجوه الإعراب، وقد تكون رويا في الشعر المقيد. ورأى الخليل أن تجعل ما قبلها على وجه واحد من الإعراب مثل قول ابن هرمة: إنَّ سُلَيْمَى واللهُ يَكْلَؤُهَا ... ضَنَّتْ بِشَئٍ مَا كانَ يَرْزَؤُهَا فجل ما قبل الهمزة فتحة وألزم نفسه ذلك. والغرض فيه أن الهمزة يجتزأ عليها بالتخفيف. ويرى ذلك قوم: وربما خففت باختلاف الحركات التي قبلها فتصير دفعة واواً، ودفعة ياء، ودفعة ألفاً. وإذا لزم الشاعر حركة واحدة، لم يدخل هذا الاختلاف. ألا تراه لو خففت همزة يكلؤها لقال يكلاها وكذلك يرزاها فعادت الهمزة في الموضعين ألفاً بالإعلال. ولو أن مع هذه القوافي، صئصئها لجاز إلا أنه لو خفف لقال صيصيها بالياء، وكذلك لو أن معها جؤجؤها جاز إلا أنه لو خفف قال جوجوها بالواو، واعتباراً بالحركة التي قبل الهمزة. قال سعيد بن مسعدة: قد ناقض الخليل بهذا القول نفسه، لأنه

§1/1