القواعد والضوابط الفقهية المتضمنة للتيسير
عبد الرحمن بن صالح العبد اللطيف
المجلد الأول
المجلد الأول مقدمة ... رابط ظاهر سوى كونها من أصول الفقه1 فيكون في جمع ما يتغلق منها بموضوع معين سد لبعض الفراغ في هذا الجانب وتيسير على من يبحث في موضوع محدد منها. ثم إن أبرز سمات هذا الشرع المطهر هو اليسر الذي نص الله تعالى عليه في غير ما موضع في كتابه العزيز، وصرح به رسوله صلى الله عليه وسلم. فوقع في نفسي أن أجمع الضوابط والقواعد المعبرة عنه والدالة عليه والمتضمنة له لتكون موضوعا لهذه الرسالة. فتكونت لدي بذلك - الفكرة - الأولى بأن يكون موضوع الرسالة: (القواعد والضوابط الفقهية المتضمنة للتيسير) ، ثم عرضت الأمر على أساتذتي الكرام فوجد منهم قبولا، ولله الحمد، فعزز ذلك منهم
الرغبة لدي وشجعني على الإقدام على الكتابة فيه فعزمت على جعل عنوان هذه الرسالة [قواعد وضوابط التيسير في الشريعة] ثم بدأت الكتابة فيها مستعينا بربي - تبارك وتعالى -. ثم بدا لي - عند إعداد هذه الرسالة للطبع - أن أجعل العنوان [القواعد والضوابط الفقهية المتضمنة للتيسير] ؛ لأنه أوضح دلالة على مضمون الكتاب. المطلب الثاني: مضمون الكتاب إجمالا: يتضمن هذا الكتاب ذكر جملة من القواعد والضوابط الفقهية التي صاغها الفقهاء بناء على استقراء وتتبع الفروع الفقهية مما مما يتضمن معنى التيسير على المكلفين بوجه من الوجوه في العبادات والمعاملات ودراستها وفق منهج محدد1. ودفعا لما قد يرد من أن الشرع كله يسر، وأن تحديد قواعد التيسير قد يؤخذ منه مفهوم مخالفة بأن في الشرع قواعد، أو أحكاما لا تتضمن التيسير أقول: إن الأصل في التكليف من حيث هو تكليف أن لا يخلو عن قدر من المشقة كما قال - عز وجل -: {إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ
وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا ... } 1، وكما قال صلى الله عليه وسلم: "حفت الجنة بالمكاره ... "2، وقد عرف علماء اللغة التكليف، بأنه الأمر بما يشق3، وعرفه علماء الأصول بأنه إلزام مقتضى خطاب الشرع4؛ ولأن هذا هو محك الامتحان والابتلاء والتمحيص. لكن الله - عز وجل - بلطفه ومنه وحكمته وعلمه بضعف عباده جعل هذا التكليف في حدود ما يستطيعه الإنسان من غير حرج أو عسر. والمراد من بحث هذا الموضوع عرض القواعد والضوابط التي تتضمن معنى التيسير في الأصل والابتداء وتفيد بأن الله تعالى وإن كان قد كلف عباده بأمور فقد جعلها في حدود ما يستطيعونه،
المقدمة الحمد لله رب العالمين، خلق فقدر، وشرع فيسر، ولم يجعل على الناس في الدين من حرج، والصلاة والسلام على رسوله الأمين ما خير بين أمرين إلا اختار أيسرهما مالم يكن مأثما، وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين. وبعد: فهذه مقدمة بين يدي هذا الكتاب أوضح فيها ما تجدر الإشارة إليه قبل الخلوص إلى الموضوع وتشمل هذه المقدمة المطالب التالية: 1) سبب اختيار الموضوع. 2) مضمون الكتاب إجمالا. 3) منهج جمع مادته. 4) منهج عرض مادته. 5) تقسيمه وبيان ما يتضمنه. 6) الإشارة إلى أبرز ما واجهني من صعوبات في هذا البحث.
المطلب الأول: سبب اختيار الموضوع: أصل هذا الكتاب رسالة علمية1 ذلك أني لما رغبت في مواصلة دراستي العليا لمرحلة الدكتوراه في شعبة أصول الفقه كان علي أن أختار موضوعا للرسالة التي أعدها لهذا الغرض. ولقد وجدت أن أكثر موضوعات أصول الفقه قد طرق بالبحث، وكانت مادة القواعد الفقهية قد أنيطت بقسم أصول الفقه وأسند تدريسها إلى أعضائه ومنسوبيه وهي مادة حديثة العهد في الجامعة الإسلاميةفرأيت أن من المناسب أن يكون موضوع رسالتي في نطاق هذا النوع من علوم الشريعة الغراء. ولما أن توجهت هذا التوجه من حيث الإجمال بدأت البحث التفصيلي عن موضوع مناسب من موضوعات القواعد الفقهية، فرأيت أن جمع متفرقها مما يكون متعلقا بموضوع واحد هو من الأمور التي تصلح لتكون موضوعا للرسالة؛ لأن كتب القواعد الفقهية، وكتب الأشباه والنظائر قد انتظمت كثيرا من قواعد الفقه وضوابطه في موضوعات شتى - وفي كثير من الأحيان - لا يربط بين تلك القواعد
والقواعد والضوابط التي تتضمن زيادة تيسير بخروجها عن الأصل العام في بعض الأحوال التي يكون تطبيقه فيها مؤديا إلى المشقة والحرج. ومن المعلوم أن القواعد الفقهية ليست جميعها على هذه الشاكلة، فهناك من القواعد ماهو موضوع لبيان الحقوق وضبطها فهذه لا تدخل في قواعد التيسير إلا من باب أنها من الشرع والشرع كله يسر. المطلب الثالث: منهج جمع مادة الكتاب: لقد سلكت في جمع مادة هذا الكتاب سبيل الاستعراض لأشهر كتب القواعد الفقهية فاستعرضت جملة منها وحرصت على أن تكون هذه الكتب شاملة للمذاهب الأربعة. وسأعرض فيما يلي أسماء أهم الكتب التي استعرضتها لجمع هذه القواعد والضوابط مصنفة حسب المذاهب الأربعة ومرتبة حسب وفيات مؤلفيها. أ) المذهب الحنفي: 1) الأصول التي مدار كتب الحنفية للكرخي1.
2) القواعد والضوابط المستخلصة من كتاب التحرير للحصيري استخلصها على أحمد الندوي. 3) الأشباه والنظائر لابن النجيم. 4) شرح القواعد الفقهية (شرح لقواعد مجلة الأحكام العدلية) تأليف الشيخ أحمد الزرقاء. ب) المذهب المالكي: 1) الفروق للقرافي. 2) القواعد للمقري (القسم المطبوع منه) . 3) إيضاح المسالك إلى قواعد الإمام مالك للونشريسي. ج) المذهب الشافعي: 1) قواعد الأحكام في مصالح الأنام. للعز بن عبد السلام. 2) المجموع المذهب في قواعد المذهب للعلائي (القسم المحقق منه) 3) الأشباه والنظائر السبكي. 4) المنثور للزركشي.
5) مختصر من قواعد العلائي وكلام الأسنوي لإبن خطيب الدهشه. 6) الأشباه والنظائر السيوطي. د) : في المذهب الحنبلي: 1) القواعد النورانية الفقهية لشيخ الإسلام ابن تيمية. 2) القواعد لابن رجب 3) خاتمة مغني ذوي الأفهام عن الكتب الكثيرة في الأحكام لابن عبد الهادي 4) القواعد والأصول الجامعة لابن سعدي لإضافة على مراجعة عدد آخر من كتب القواعد الفقهية الأخرى واكتفيت - في جمع القواعد والضوابط - باستقراء هذه المجموعة من كتب القواعد عن غيرها مماهو اختصار لها، أو شرح، أو تنقيح أو نحو ذلك مع الاستفادة من تلك الشروح، أو المختصرات، أو التنقيحات. ولا شك أن عرض هذه المجموعة من القواعد والضوابط لا يعد استقصاء لكل القواعد والضوابط الفقهية المتضمنة لمبدأ للتيسير بحيث لا يكون غيرها معدودا من قواعد التيسير وذلك لسببين رئيسين:
أحدهما: أن هذه هي طبيعة البحوث المبنية على استعراض مؤلفات العلماء، فإنه لا يمكن الاستقصاء إلا بقراءة واستعراض كل ما كتب. وفي هذا من الصعوبة ما لا يخفى. الثاني: أن الحكم على قاعدة معينة بأنها من قواعد التيسير أة على ضابط بمثل هذا الحكم أمر قد تختلف فيه وجهات النظر، فإن القاعدة الواحدة قد تعتبر من بعض الوجوه داخلة ضمن موضوع هذا العنوان ومن وجه آخر غير داخلة. المطلب الرابع منهج عرض المادة العلمية: نهجت في عرض مادة الكتاب الطريقة التالية: أولا: أذكر نص القاعدة، أو الضابط باللفظ الذي ذكره الفقهاء، وقد أتصرف في صياغتها إذا اقتضى الأمر شيئا من ذلك، وأنبه عليه، بأن أجعل كلمة ((صياغة)) بعدها، وذلك لأن بعض العلماء قد يذكر القاعدة مفصلة فأتصرف في استخلاص ما يدخل تحت موضوع الرسالة منها، كما أن بعض القواعد والضوابط قد تمر عرضا في ثنايا كلام بعض الفقهاء دون النص على كونها قاعدة أو ضابطا. ثانيا: أذكر من أورد القاعدة أو الضابط ممن اطلعت على إيرادهم
لها فأبدأ بمن صرح بذكر القاعدة أو الضابط، وأعقبه بمن ألمح إليها ممن كتب في القواعد الفقهية، ثم أذكر من علل بها من الفقهاء، ثم من ذكرها أو أشار إليها من الأصوايين - إن وجد -. ثالثا: أبين معاني مفردات القاعدة أو الضابط، إن كان من مفردات ما يحتاج إلى بيان. رابعا: أشرح القاعدة أو الضابط شرحا إجماليا. خامسا: أعرض الأدلة الدالة على صحة القاعد أو الضابط مقدما الدليل الصريح في دلالته على غيره، وأبين وجه الاستدلال منها حيث يلزم ذلك. وأقرن ذلك بأقوال العلماء في الاستدلال به على حكم القاعدة. وإذا كانت القاعدة أو الضابط محل خلاف فإني أعرض أدلة المخالفين الذين لا يرون صحة القاعدة أة الضابط حينما يكون الخلاف في ذلك ظاهرا ومشهورا. وقد سلكت في لإيراد الأدلة مسلك ذكر نماذج من الأدلة التي يكون وجه الدلالة منها على القاعدة أو الضابط متفقا دون استقصاء تلك الأدلة حيث رأيت أن أذكر وجه الدلالة من تلك النماذج يغني عن سرد الأدلة المتفقة معها في وجه الدلالة.
سادسا: أبين من يعمل بتلك القاعدة، أو ذلك الضابط من الفقهاء ومن يخالف ويكون ذلك - في الغالب - مبنيا على أقوالهم في المسائل الفقهية المندرجة تحت تلك القاعدة، وأنقل - في الغالب - شيئا من تلك الأقوال لإثبات العمل بالقاعدة أو الضابط، أو العكس. سابعا: أمثل للقاعدة الفقهية أو الضابط بعدد من الفروع الفقهية وأراعي في صياغة الفرع الفقهي موافقته لمقتضى القاعدة - وإن كانت المسألة خلافية - وقد أذكر الفرع الفقهي ببيان صورته دون الحكم أو أذكره على صيغة الاستفهام إذا كان في الحكم تفصيل يطول وأحيل في تفصيل ذلك على كتب الفقه، وقد أحيل على بعض شروح الحديث أو كتب القواعد الفقهية. ثامنا: أبين وجه التيسير في القاعدة أو الضابط. وقد راعيت - أثناء ذلك - ما تستلزمه المنهجية في البحث: 1) فعزوت الآيات إلى مواضعها من سور القرآن الكريم 2) وعزوت1 الأحاديث النبوية، وآثار الصحابة - رضوان الله
عليهم- إلى مواضعها من الدواوين؛ وكتب الآثار على النحو التالي: أعزو الحديث إلى الصحيحين، أو أحدهما إن كان فيهما أو في أحدهما، فإن لم يكن فيهما أو في أحدهما عزوت إلى كتب السنن الأربعة، فإن لم يكن فيها عزوت إلى موطأ الإمام مالك، ومسند الإمام أحمد، وهكذا إلى ما اقتضى الأمر فيه مخالفة هذا المنهج وإذا تكرر الحديث في شيء من كتب السنة فإني لا ألتزم بيان تلك المواضع بل أكتفي بذكر موضع واحد من ذلك الكتاب، ثم أثبت حكم علماء الفن على الحديث - موجزا - إذا لم يكن الحديث في الصحيحين أو أحدهما. أما الآثار فاكتفيت بعزوها إلى مواضعها من كتب السنة، أو كتب الآثار ولم ألتزم بيان الحكم عليها من حيث الصحة أو عدمه، لعدم تيسر ذلك؛ لأن الآثار لم تحظ - بعد - بما حظيت به السنة من خدمة وعناية. 3) وبينت معاني الألفاظ الغريبة الت تحتاج - في رأيي - إلى بيان، وكذلك ما كان من المصطلحات العلمية محتاجا إلى ذلك. 4) وترجمت للأعلام - ما عدا الأنبياء والملائكة عليهم السلام،
والخلفاء الراشدين، والأئمة الأربعة - ترجمة موجزة ضمنتها ذكر اسم المترجم له، وتاريخ ولادته - إن وقفت عليه - وتاريخ وفاته، وذكر بعض مؤلفاته، وأحرص على أن تكون من كتب الفقه، أو الأصول، أو القواعد الفقهية، كما أراعي أن تكون الكتب المذكورة غير ما أحيل إليه من كتب العلَمَ المترجم زيادة للفائدة. 5) عند ورود الفروع الفقهية فإن كانت معرفة آراء الفقهاء فيها مقصودة بينت ذلك وأحلت إلى كتب الفقهاء، أو أكتفي بالإحالة إلى المراجع إذا كان التفصيل فيها كثيرا. وإن كان ورود الفرع الفقهي عرضا لم ألتزم ذلك. وأعقبت ذلك بخاتمة مختصرة ضمنتها شكر الله تعالى على ما منَّ به من إكمال هذا البحث، وأهمَّ ما ظهر لي من نتائج خلاله، ثم ختمت الرسالة بوضع قائمة بمراجع البحث، وعدد من الفهارس التي تسهل على الباحث الوصول إلى غايته وهذه الفهارس هي كما يلي: 1) فهرس الآيات القرآنية مرتبة حسب السور 2) فهرس الأحاديث النبوية مرتبة حسب حروف المعجم مراعيا في ذلك الحرف الأول من نص الحديث، أو من الجزء المستدل به
الوارد في الكتاب إذا لم أورد الحديث كاملا. 3) فهرس الآثار المروية عن الصحابة - رضي الله عنهم - على نهج فهرس الأحاديث. 4) فهرس الألفاظ المفسرة والمصطلحات سواء كان ذلك من مفردات القاعدة أم غيرها ورتبت تلك الألفاظ والمصطلحات على حروف المعجم مكتفيا في ذلك بالموضع الذي ورد فيه بيان معنى اللفظ، أو تعريف المصطلح. 5) فهرس القواعد والضوابط الواردة في الكتاب مرتبة على حروف المعجم. 6) فهرس المسائل الفقهية مرتبة على أبواب الفقه وحددت مواضع ورود تلك المسائل (برقم القاعدة أو الضابط) ، وعدلت عن الإشارة إلى رقم الصفحة تفاديا للتكرار؛ لأن المسألة الواحدة قد ترلد فب القاعدة الواحدة عدة مرات فترد مجملة، ثم ترد مفصلة وقد تتكرر بذكر قيودها وكل ذلك إيراد لمسألة واحدة. 7) فهرس الأعلام الذين ورد ذكرهم في الكتاب وقد رتبتهم على حسب شهرة كل منهم وأتبعت الشهرة بذكر الاسم، وميزت رقم الصفحة التي ترجم فيها للعلم بجعله بين قوسين، وإذا كان للعلم أكثر من شهرة أوردته في كل شهرة له وأحلت إلى الموضع
رالأول مع عدم اعتبار ((أل)) التعريف، أو كلمة ((أبو)) ، أو ((أم)) ، أو ((ابن)) ، أو نحوها في الترتيب. وأشير في كل ما تقدم إلى ما يكون من ذلك في الحاشية بحرف (ح) ما عدا الأعلام فإني لا أذكر من ورد منهم في الحاشية؛ لأنه تكرار - غالبا - وإذا تكرر شيء من ذلك في صفحة واحدة أشرت إلى ذلك بحرف (ك) ما عدا المسائل الفقهية على ما تقدم إيضاحه. 8) فهرس الموضوعات. المطلب الخامس: تقسيم الكتاب، وترتيبه، وعملي فيه: بعد جمع مادة الموضوع وجدت أن المناسب لتقسيم الكتاب أن يكون في مقدمة، وتمهيد، وقسمين، وخاتمة. إضافة إلى ما يلزم من إعداد قائمة بمراجع البحث، وفهارس. فأما المقدمة فقد بيان ما تضمنته. وأما التمهيد: فقد قسمته إلى ثلاث مباحث المبحث الأول: في تعريف القاعدة الفقهية، والضابط الفقهي والفرق بينهما. والمبحث الثاني: في عرض موجز لبعض ما كتب في موضوع التيسير، ومقارنة مضمونه بمضمون هذا الكتاب.
وأما القسمان الأول والثاني فهما صلب الموضوع. أفردت الأول منهما لعرض القواعد، وأفردت الثاني لعرض الضوابط على النحو الذي تقدم بيانه. وسلكت في ترتيب تلك القواعد والضوابط الترتيب الهجائي؛ لأنه كان من المعتذر ترتيبها - خاصة القواعد - على حسب الموضوعات الفقهية - مثلا - لدخول القاعدة في أبواب الفقهه1؛ ولأن هذا المنهج قد سبقت إليه2. المطلب السادس: أبرز الصعوبات التي واجهتني في إعداد هذه الرسالة: إذا كان من طبيعة كل بحث أو تأليف أن لا يخلو من قدر من الصعوبة وحاجة إلى بذل المجهود، فإن لكل موضوع سماته التي
يتميز بها وعوارصه الخاصة التي يمكن أن تتعرض الباحث فيه. وأشير هنا إلى أبرز ما واجهني من صعوبات مما يتميز به هذا الموضوع بيانا للواقع، والتماسا للعذر عما عساه أن يقع من نقص، فمن ذلك: 1) تحيح القاعدة التي تعد من قواعد التيسير، وكذلك الضوابط، إذ أن هذا من الأمور التي تختلف فيها وجهات النظر. 2) الوصول إلى حكم عام بكون القاعدة أو الضابط معمولا بهما في هذا المذهب أو ذلاك إذا لم ينص على العمل بتلك القاعدة في مذهب معين؛ لأن استقراء الفروع قد لا يوصل إلى حكم قاطع بذلك، لاختلاف الأحكام فيها باختلاف الملابسات والقرائن ومثال ذلك قاعدة ((المتولد من مأذون فيه لا أثر له)) . كما أنه قد يروى عن الإمام في مسألة واحدة عدة روايات ومن هنا يصعب الحكم من خلال ذلك بكون تلك القاعدة معمولا بها في هذا المذهب، أو لا. والمقارنة والترجيح بين تلك الروايات
أو الأقوال في المذهب يطيل البحث وينحى به إلى المنحى الفقهي مما قد يخرجه عن المقصود الأصلي له من بيان القواعد والضوابط. 3) تداخل بعض القواعد مع بعضها وتعدد صيغها - مما لا يكاد يسلم منه من كتب في فنّ القواعد - بحيث كان التخلّص من هذا التكرار أشبه ما يكون بالمتعذر؛ فإن بعض العلماء قد أرجع الفقه كلّه إلى خمس قواعد بل منهم من أرجعه إلى قاعدة واحدة هي جلب المصالح ودفع المفاسد1. 4) أن بعض القواعد تشتمل على تفاصيل كثيرة والباحث - هنا - يحتاج إلى أن يكتب خلاصة لهذه التفاصيل بما لا يخرج بالبحث عن مقصوده الأصلي وهو عرض القواعد وذلك يكلف جهدا ذهبيا غير يسير وربمالم يسلم الباحث فيه من التقصير، ومثال ذلك قاعدة: ((الإكراه يسقط أثر التصرف)) 2. 5) إيراد الفقهاء لكثير من القواعد مجردة عن الدليل وذلك
بسبب الاعتماد في استنباطها على الاستقراء والتتبع للمسائل الفقهية الجزئية1، فكان البحث عن دليل القاعدة أمرا عسيرا وكثيرا ما اعتمدت فيه على الأدلة التفصيلية في القضايا المتشابهة. ثم إن من الواجب الاعتراف لأهل الفضل بفضلهم فقد كان وراء هذا العمل جهود مشكورة من قبل المشرف على الرسالة صاحب الفضيلة الدكتور: [أحمد بن محمود عبد الوهاب] فجزاه الله عني وعن كل من اكتسب منه علما أو خلقا خير الجزاء، وأسأل الله تعالى لكل من أعانني على إنجاز هذا العمل التوفيق والسداد. وأسأله سبحانه أن يحسن لنا النية وأن يجعل عملنا في رضاه وأن يجعل ما تعلمناه عونا على طاعته خالصا لوجهه سبحانه إنه على كل شيء قدير.
تمهيد
التمهيد: لقد دأب غالب المحدثين الذين حققوا كتبا في القواعد الفقهية على أن يقدموا بين يدي تحقيقاتهم دراسات عن تعريف القاعدة الفقهية، وبيان الفرق بينها وبين ما يشترك معها في بعض مدلولها كالضابط الفقهي، والنظرية الفقهية، وعن نشأة هذا العلم وتطوره، والمراحل التي مرّ بها، ومصنفات العلماء في هذا الفن، وأهمية هذه القواعد ونحو ذلك1. كما قدم بعض المؤلفين المتقدمين لكتبهم بشيء من هذا2، فنتج من ذلك دراسات وافية شاملة لهذا الموضوع. هذا بالإضافة إلى الدراسة المستفيضة التي قدمها الدكتور علي بن أحمد الندوي3 في هذا الباب بعنوان [القواعد الفقهية.
مفهومها، نشأتها، تطورها، دراسة مؤلفاتها، أدلتها، مهمتها، تطبيقاتها] . لهذا رأيت أن الكتابة في هذا الموضوع قد تكون من باب التكرار، وتحصيل الحاصل وأني قد كُفيت الكتابة فيه. إلا أنني رأيت أن لا أخلي هذا الكتاب وعنوانه [القواعد والضوابط الفقهية المتضمنة للتيسير]- عن تعريف القاعدة الفقهية، والضابط الفقهي وبيان لما فرق به العلماء بينهما، وعن بيان للمراد بالتيسير. كما رأيت أنه من المناسب أن أقدم -بين يدي الموضوع - موجزا لبعض ما كتب في موضوع التيسير لأخلص من ذلك إلى بيان الفرق بين مضمون تلك الكتب، ومضمون هذا الكتاب. فضمنت هذا التمهيد ثلاث مباحث: المبحث الأول: في تعريف القاعدة الفقهية، والضابط الفقهي وبيان الفرق بينهما.
والمبحث الثاني: في بيان معنى التيسير والمراد به في الشريعة. والمبحث الثالث: في عرض موجز لبعض ما كتب في موضوع التيسير ومقارنة مضمونها بمضمون هذا الكتاب. المبحث الأول: أولا: تعريف القاعدة الفقهية: القاعدة الفقهية مصطلح مركب - تركيبا وصفيا -- من كلمتين ((القواعد)) ، و ((الفقهية)) ، وتعريف القاعدة الفقهية ينبني على تعريف كل من جزأي المركب على حده. فالقاعدة لغة: وزن فاعله من قعد، والقعود يضاهي الجلوس وهو نقيض القيام. على أن بعض أهل اللغة يفرقون بين الجلوس، والقعود من حيث أن القعود يكون من القيام، والجلوس من الضجعة، ومن السجود. وذكر بعض أهل اللغة أن القعود من ألفاظ الأضداد. يقال: قعد
إذا قام، ويقال: قعد إذا جلس. والقاعدة أصل الأسّ، وقواعد البيت أساسه، وتجمع القاعدة على قواعد، وتطلق على القواعد الحسية كما في قوله تعلى: {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ ... } 1، وقوله عز وجل: {فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ ... } 2، وتطلق القاعدة - مجازا - على غير الحسية كقولك: قواعد الشرع ونحوه3. وأما في الاصطلاح فالقاعدة: ((قضية كلية من حيث اشتمالها بالقوة على أحكام جزئيات موضوعها)) . وتسمى جزئياتها فروعا4. والفقهية: نسبة إلى الفقه. والفقه لغة: فهم الشيء والعلم به5.
وفي الاصطلاح هو: "العلم بالأحكام الشرعية العلمية المكتسب من أدلتها التفصيلية"1، وعرّف بتعريفات أخرى2. أما تعريف القاعدة الفقهية باعتبارها علما على هذا النوع من القواعد فقد اختلفت عبارات العلماء في التعبير عنها، وإن المتأمل لتعريفات الفقهاء ليجد أن الغالب أنهم يعرفون القاعدة من حيث هي قاعدة لا من حيث اختصاصها بهذا الوصف - أعني الفقهية - فقد قال السبكي3: "فالقاعدة: الأمر الكلي4 الذي ينطبق
عليه جزئيات1 كثيرة يفهم أحكامها منها"2 وقال ابن خطيب الدهشة3: "القاعدة حكم كليّ ينطبق على جميع جزيئاته لتعرف أحكامها منه"4.
وقال الخامدي1: "القاعدة في اصطلاح: حكم كلي ينطبق على جميع جزيئاته ليُتَعرَّف به أحكام الجزئيات والتي تندرج تحتها من الحكم الكلي"2. وقد اعتبر بعض الباحثين هذه التعريفات للقاعدة الفقهية فاعترضوا عليها من جهتين: الأولى: أن القاعدة الفقهية أغلبية وليست كلية، لأن القاعدة الفقهية كثيرا ما يند عنها بعض فروعها وتستثنى منها. والثانية: أن هذه التعريفات ليست فيها ما يحدد نوع الجزئيات الداخلة تحتها، فهي تعريفات للقاعدة عموما لا للقاعدة الفقهية خاصة3.
والذي يظهر لي أن من عرَّف القاعدة بما تقدم من تعريفات لم يرد تعريف القاعدة الفقهية خاصة، وإنما أراد تعريف القاعدة بعمومها، ثم يتعين المراد منها بما تضاف إليه أو توصف به. ويدل على هذا تمثيل الخادمي للقاعدة - بعد ذكره التعريف السابق - بقاعدة ((الأمر للوجوب)) وهي قاعدة أصولية، وقوله - بعد ذلك -:"قيل: هذا غير الفقهاء، وأما عندهم فحكم أكثري ينطبق على أكثر جزئياته. لكن المختار كون القواعد أعم من أن تكون كلية أو أكثرية"1. وحينئذ فإنه لا اعتراض على تلك التعريفات من جهة عدم انطباقها على القاعدة الفقهية. وإنما يكون الاعتراض من جهة عدم تعريفهم للقاعدة الفقهية. كما أنه يمكن - من جهة أخرى - أن يقال: إنه لا يمتنع أن يطلق على القاعدة الفقهية وصف الكلية2 وإن كانت في واقعها أغلبية من حيث أنها كلية بالقوة. أي أنها من حيث الصيغة صالحة لشمول
جميع جزئياتها، وإنما يستثنى منها ما دل الدليل على خروجه عن حكمها ليدخل في قاعدة أخرى غالبا1. وعلى كل فقد عرف بعض المعاصرين القاعدة ببعض التعريفات التي حاولوا بها تفادي تلك الاعتراضات ومن ذلك: تعريف الدكتور أحمد بن حميد2 لها بأنها: "حكم أغلبي يتعرف منه حكم الجزيئات الفقهية مباشرة"3 وتعريف الدكتور الندوي لها بأنها: "أصل فقهي كلي يتضمن أحكاما تشريعية عامة من أبواب متعددة في القضايا التي تدخل
تحت موضوعه"1. وهذا التعريف الأخير - كماهو ظاهر - لم يتحاش وصف القاعدة الفقهية بالكلية؛ لأنه يرى أن الكلية نسبية لا شمولية2. ثانيا: تعريف الضابط الفقهي: الضابط لغة: اسم فاعل من ضَبَطَ، والضبط لزوم الشيء وحسبه، وضَبْطُ الشيء حفظه بالحزم، والرجل ضابط أي حازم3. وأما في الاصطلاح: فيمكن تعريفه بأنه حكم أغلبي يتعرف منه أحكام الجزئيان الفقهية المتعلقة بباب واحد من أبواب الفقه مباشرة4، فهو يشترك - في معناه الصطلاحي - مع القاعدة الفقهية في أن كلا منهما يجمع جزئيات متعددة يربط بينها رابط فقهي5.
ثالثا: الفرق بينهما: من أشهر وأضهر ما فُرّق به بين القاعدة الفقهية، والضابط الفقهي، أن القاعدة تشمل فروعا من أبواب متعددة من أبواب الفقه. أما الضابط فيشمل فروعا من باب واحد من أبواب الفقه1 على أن من العلماء من يطلق على الضابط قاعدة، وقد يطلق العكس2؛ لتقارب معنييهما؛ ولأنه ليس لإطلاق مصطلح ((القاعدة)) ، أو ((الضابط)) على صيغة ما تأثير في قوة استنباط الحكم منها أو ضعفه، والتفرقة بينهما إنما هي تفرقة اصطلاحية. المبحث الثاني: أولا: بيان معنى التيسير: التيسير في اللغة: مصدر يسّر ومادته (ي - س - ر) ، واليُسْر هو اللين والنقياد وهو ضد العُسْر3.
وقد ورد في القرآن الكريم، والسنة النبوية - في مواضع لا تكاد تنحصر - ما يدل على يسر هذا الدين وسهولته. فيُعَبّر عن هذا المعنى - أحيانا - باليسر كما في قوله تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ... } 1.وقوله صلى الله عليه وسلم: "إن هذا الدين يسر ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه ... "2. ويعبر عنه - تارة - برفع الحرج كما في قوله تعالى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ... } 3، وروي عن ابن عباس4 - رضي الله عنهما - أنه قال: "جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء بالمدينة في غير
خوف ولا مطر قال - أي الراوي - لابن عباس: لم فعل ذلك؟ قال: كي لا يحرج أمته"1 كما يعبر عنه - في مواضع لأخرى - بالوسع كما في قوله تعالى: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا ... } 2، وكما في الرواية الأخرى للحديث السابق " ... قالوا: يا أبا عباس ما أراد بذلك؟ قال: التوسع على أمته"3. وقد يعبر عنه برفع المشقة كما في قوله صلى الله عليه وسلم: "لولا أن أشق على أمتي - أو على الناس - لأمرتهم بالسواك مع كل صلاة"4. ثانيا: المراد بالتيسير في الشريعة: قبل بيان ما يراد بالتيسير في الشريعة لا بد من القول: إن
اليسر (أو التيسير) أمر نسبي فقد يطلق على ماهو في حدود طاقة الإنسان وإن كان فيه حرج وعنت، وقد يطلق على ماهو في وسع الإنسان بحيث يتمكن من امتثال التكليف دون حرج أو عنت. والذي يظهر من النظر في الرخصة الشرعية بل وفي كل التكاليف أن المراد بالتيسير في الشريعة - غالبا - هو كون الأمر بحيث يمكن امتثاله دون حرج أو مشقة، فإن المكلف يطيق أكثر مما كلف به من الصلاة، والزكاة، والصيام، والحج وغيرها، والرخصة لم تُعَلَّق بعدم القدرة على امتثال الأصل - غالبا - كرخصة قصر الصلاة في السفر، وإباحة الفطر، والمسح على الخفين وغير ذلك، وهذا ما يدل عليه تفسير العلماء لليسر في القرآن الكريم1. على أننا نجد من المفسرين من يفسر الوسع في قوله تعالى: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا} 2 بالطاقة والجهد فيقول: إن معنى الآية: أن الله تعلى لم يكلف بما يخرج عن طاقة المكلف3 ومنهم من يفسر ذلك بأن الله تعالى لم يكلف الإنسان
بما يشق عليه وإن كان في طاقته1. ولا تعارض بين التفسيرين، فإن الله تعالى لم يكلف بما لا يطاق، ولم يكلف بما يشق ويعسر وما يظهر في بعض التكاليف من مشقة ظاهره فإن تلك المشقة تُغْمَرُ في مقابل ما يترتب عليها من أجر. المبحث الثالث: ذكر بعض المؤلفات في موضوع التيسير في الشريعة، وبيان أوجه الاتفاق والاختلاف بين مضمونها ومضمون هذا الكتاب إن الداعي لهذه المقارنة هو التشابه، بين مدلول عنوان هذا الكتاب وعناوين تلك الكتب، وتقارب معانيها مما قد يُظن معه تطابق محتواها. ثم إن الكتب التي رأيت أن أعرض مجمل موضوعاتها وأشير إلى الفرق بين مضمونها ومضمون هذا الكتاب هي: 1) كتاب (رفع الحرج، ضوابطه وتطبيقاته) للدكتور صالح بن
عبد الله بن حميد1. 2) وكتاب (رفع الحرج في الشريعة الإسلامية) للدكتور يعقوب ابن عبد الوهاب الباحسين2. وهما في الأصل رسالتان قدمتا لنيل درجة الدكتوراه.
3) وكتاب (المشقة تجلب التيسير دراسة نظرية وتطبيقية) للدكتور صالح بن سليمان اليوسف1. وهو في أصله رسالة ماجستير، وسأعرض أولا مجمل مباحث كتابي: رفع الحرج للدكتور/ صالح بن حميد، وللدكنور يعقوب الباحسين مبينا أوجه الاتفاق والاختلاف بينهما، ثم أحاول أن أخلص من خلال ذلك إلى بيان الفرق بين مضمونهما ومضمون هذا الكتاب، ثم
أورد مجمل موضوعات كتاب: المشقة تجلب التيسير، وأقارن بين مضمونه ومضمون هذا الكتاب. أولا: كتاب رفع الحرج للدكتور ابن حميد، والدكتور الباحسين: لقد اختلفت طريقة الباحثين في عرض مادة كتابيهما، واختلفت وجهة نظريهما في إدراج بعض المباحث والفروع تحت أبوابها. لذا فإنني سأعرض مجمل مباحثهما بصرف النظر عن اندراجها تحت أي باب من أبواب الكتاب. يشترك الكتابان: 1) في بحث معنى الحرج ورفعه في الشريعة، والتوسع في ذلك1. 2) كما يشتركان في عرض الأدلة الدالة على رفع الحرج نصوصا كانت أو إجماعا، أو معقولا2. 3) وفي بحث علاقة قاعدة ومبدأ رفع الحرج مع الأدلة وتعارضهما3.
4) وفي مناقشة العلاقة بين رفع الحرج ومبدأ الاحتياط1. 5) وفي بيان مدى العلاقة بين الأجر والمشقة2. 6) وفي بيان أسباب التخفيف وعوارض الأهلية3. وانفرد الدكتور ابن حميد بإفراد باب في مظاهر التيسير في الأحكام بيّن فيه أوجها من التيسير في العبادات، والمعاملات، والعقوبات، وضمّنه ذكر أقسام الرخصة وأنواع التخفيف، وذكر ضمن هذا الباب قاعدتين فقهيتين هما: ((الأصل في المنافع الإباحة)) ، و ((الأصل في المضار التحريم)) 4. وانفرد الدكتور الباحسين بذكر باب في الأدلة، والقواعد الأصولية المنبنية على رفع الحرج فعدّ في ذلك المصالح المرسلة، والاستحسان، والعرف والعادة، وجعل فيه فصلا للترجيح برفع الحرج5.
كما انفرد بذكر باب في القواعد الفقهية المنبنية على رفع الحرج ذكر فيه خمسا من القواعد المشهورة هي: 1) ((الأصل في المنافع الإباحة)) . 2) ((الأصل في المضار التحريم)) . 3) ((المشقة تجلب التيسير)) . 4) ((الضرورات تبيح المحضورات)) . 5) ((الإسلام يجب ما قبله)) . وأضاف إلى ذلك ثلاث مباحث أحدها في الرخصة، والثاني في التوبة، والثالث في الكفارات1. وغني عن القول - بعد هذا - أن ما اشترك فيه الكتابان عنوانا قد يختلفان فيه في بعض المضمون، وما انفرد به كلّ منهما عنوانا قد يتضمن نقاط اشتراك. ومما تقدم يمكن القول: إن الكتابين بحثا في موضوع رفع الحرج من الوجهة الأصولية، أو على سبيل الإجمال ولم يكن من مقصودهما
حصر القواعد الفقهية المتعلقة بهذا الموضوع والكلام عليها تفصيلا. وبهذا يتبين الفرق بين موضوع ذينك الكتابين، وموضوع هذا الكتاب؛ لأن المقصود هنا بحث التيسير أو رفع الحرج بالكلام على كل قاعدة أفادت هذا المعنى تفصيلا. ثانيا: كتاب المشقة تجلب التيسير: وهذا الكتاب عنوانه ظاهر في أن موضوعه هو هذه القاعدة الكبرى حيث فصّل المؤلف القول في هذه القاعدة من خلال بابي الكتاب فبحث معنى القاعدة1، وأدلتها2، وأقسام المشقة3، وأسباب التخفيف4، وتقسيماته5، وأنواعه6، ثم عرض لبعض أحكام المشقة من حيث قصد المكلف لها والأجر عليها7، ثم أفرد فصلا لذكر القواعد الدالة على التيسير فذكر
من ذلك ((إذا ضاق الأمر اتسع وإذا اتسع ضاق)) ، و ((الضرورات تبيح المحضورات)) ، و ((الضرورة تقدر بقدرها)) ، و ((الحاجة تنزل منزلة الضرورة)) ، كما ذكر القاعدتين الدالتين على التخفيف من حيث الأصل قاعدة ((الأصل في المنافع الإباحة)) ، وقاعدة ((الأصل في المضار التحريم)) ، وبيّن أثر هذه القواعد في الفروع1. ومن خلال هذا العرض لمحتوى الكتاب (المشقة تجلب التيسير) يتبيّن الفرق بين مضمونه ومضمون هذا الكتاب. يضاف إلى هذا، أن هذه الكتب الثلاثة ركزت على التيسير بمعنى رفع المشقة وهذا إنما يكون - في الغالب - فيما هو مطلوب للشرع جزما، ثم يرد التخفيف فيه للعذر الطارئ، وأما التيسير المراد هنا فهو أعم من هذا المعنى، فإن التمكين من زيادة الأجر وتحصيل الثواب ونحو ذلك، والله أعلم.
القسم الأول: القواعد
القسم الأول: القواعد القاعدة الأولى: الاجتهاد لاينقض بالاجتهاد ... القاعدة الأولى: الاجتهاد لا ينقض بالاجتهاد يورد العلماء هذه القاعدة بهذا اللفظ، أو نحوه ضمن القواعد الفقهية، وضمن القواعد الأصولية، فهي إذن قاعدة فقهية أصولية1. فممن عدها في القواعد الفقهية من الحنفية الكرخي2، والحصيري3،
وابن النجيم1، وغيرهم2. ومن المالكية الونشريسي3، ولفظه: ((الظن هل يُنْقَض بالظن
أو لا)) 1 والتواتي2، وأشار إليها القرافي3.
ومن الشافعية العلائي1، والزركشي2، والسيوطي3.
أما الحنابلة فلم أقف على من يذكرها منهم ضمن القواعد الفقهية لإلا أن فقهاءهم عللوا بها في بعض المواطن من كتب الفروع1 وأوردها الأوصليون منهم2 كما ذكرها عدد من الأصوليين من غيرهم3. معاني المفردات: الاجتهاد لغة: افتعال من الجَهد، أو الجُهد وهو الطاقة والجَهد: المشقة، والجُهد: بلوغ الغاية وهو - أي الاجتهاد - في اللغة عبارة عن استفراغ الوسع في أمر من الأمور4. وفي الاصطلاح: له عدة تعريفات منها: أنه استفراغ الفقيه وسعه لدرك حكم شرعي5.
يُنْقَض: النقض ضد الإبرام1 والمراد - هنا - إبطال الحكم الثابت بالاجتهاد الأول ويشمل ذلك ما كان من باب بذل الوسع في استنباط أحكام المسائل التي لم يرد فيها نص، وما كان من باب تحقيق المناط كالتحري في القبلة الذي يراد به العلم بالموضوع على ماهو عليه، وما كان من باب حكم القاضي المبني على البيّنات2. المعنى الإجمالي: يريد الفقهاء بهذه القاعدة أن من غلب على ظنه - بالاجتهاد - حكم فعمل به أو أفتى به، ثم اجتهد ثانية - لوقوع ما يستدعي الاجتهاد الثاني -، أو اجتهد غيره فأدى الاجتهاد الثاني إلى خلاف ما أدى إليه الاجتهاد الأول فإن ما ثبت بالاجتهاد الأول لا ينتقض بسبب الاجتهاد الثاني، ولا يلزم من عمل بموجب الاجتهاد الأول أن يعيد - إذا كان مما تتصور فيه الإعادة -، ويتأكد هذا المعنى فيما
إذا حكم بمقتضى الاجتهاد الأول حاكم. لكن لو كان الاجتهاد الثاني في واقعة ثانية مثل الأولى واختلف الاجتهاد فإنه يلزمه في الواقعة الثانية ما أدّاه إليه اجتهاده الثاني ولا يستمر على حكم الاجتهاد الأول ولا يعدّ هذا نقضا للاجتهاد الأول1. الأدلة: يستدل العلماء على صحة هذه القاعدة بعدة أدلة من أهمها:
لأب والأم في الثلث، فقال له رجل: إنك لم تشرك بينهم عام كذا وكذا، فقال عمر: تلك على ما قضينا يومئذ، وهذه على ما قضينا"1. وكان هذا بمرأى ومسمع من الصحابة - رضي الله عنهم - فلم ينكروا عليه. 2) ما رواه عامر بن ربيعة2 - رضي الله عنه - قال: "كنا مع
رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فتغيمت السماء وأشكلت علينا القبلة، فصلينا وأعْلَمْنا1 فلما طلعت الشمس إذا نحن قد صلينا لغير القبلة فذكرنا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله تعالى: {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} 2"3 ووجه الاستدلال منه أنه لم ينقض اجتهادهم الأول ولم يأمرهم بالإعادة مع تيقنهم الخطأ فيما سبق من اجتهاد، فعدم النقض بالاجتهاد المؤدي إلى الظن أولى4. 3) أن كلا الأمرين - في القاعدة - اجتهاد فليس أحدهما بأولى من الآخر فلا يَنْقضُ المتأخرُ منهما المتقدم. 4) أن نقض الاجتهاد بمثله يؤدي إلى التسلسل واضطراب الأحكام. 5) أن الله تعلى جعل للمجتهد أن ينشئ الحكم في مواضع
الاجتهاد بحسب ما يقتضيه الدليل عنده فإذا أدّاه اجتهاده إلى حكم كان هو الواجب عليه، وعمله به عملٌ بما وجب عليه فلا يصح نقضه1. العمل بالقاعدة: هذه القاعدة مفروضة في حالتين: الأولى: أن يتعلق بالاجتهاد حكم حاكم. الثانية: أن لا يتعلق به حكم حاكم كمالو اجتهد المكلف لنفسه، أو كان الاجتهاد مما لا يتصور فيه ذلك كالتحري في القبلة ونحوه. فأما الحالة الأولى: فقد نقل عدد من علماء الأصول، وغيرهم الاتفاق عل عدم نقض الاجتهاد فيها باجتهاد آخر سواء كان المجتهد هو الحاكم أم غيره.2.
ولم يرتض بعضهم هذا النقل. بل نسبوا القول بعدم نقض الاجتهاد الذي تعلق به حكم الحاكم إلى الجمهور ومنهم الأئمة الأربعة، وأشاروا إلى وجود من يخالف في ذلك1. وأكثر ما نُقل هذا عن بعض المالكية2. لذا فقد ساق الونشريسي وغيره القاعدة بصيغة الاستفهام للدلالة على الخلاف فيها3، وصرح التواتي بأن للمالكية فيها قولين4. أما الحالة الثانية: فإن الأكثرين على عدم نقض الاجتهاد فيها بالاجتهاد كذلك5.
وقال بعض الحنفية، والحنابلة: يُنْقض على تفصيل في ذلك1. وكذلك قال ينقضه من يقول بالنقض مع حكم الحاكم من باب أولى2. من أمثلة هذا النوع مسألة التحري في القبلة3. ولا يخلو الأمر من مزيد تفصيل حيث فرّق بعضهم بين ما يترتب على تغير الاجتهاد ديانةً4، وما يترتب عليه قضاء5، وليس من
غرضنا بحث تفصيل ذلك1. ومما تقدم من تفصيل يتبين أن هذه القاعدة معمول بها - من حيث الجملة - في المذاهب الأربعة وعند أكثر الفقهاء وقد نص الفقهاء على بعض الصور التي خرجت عن هذه القاعدة وهي في غالبها غير داخلة أصلا لكون الناقض للاجتهاد نصا أو إجماعا2. من فروع القاعدة: يتفرع من هذه القاعدة مسائل منها: 1- مالو كان عنده إناءان بهما ماء أحدهما نجس فاجتهد فظن طهارة أحدهما فاستعمله، ثم تجدد اجتهاده لصلاة أخرى فتغير
ظنه، فإنه لا ينتقض اجتهاده الأول باجتهاده الثاني1. 2- ومنها مالو اجتهد في تحري القبلة فصلى، ثم اجتهد للصلاة التالية وتغير اجتهاده فإنه يصلي التالية على حسب اجتهاده الثاني ولا إعادة عليه لما مضى2. 3- ومنها مالو اجتهد الحاكم أو القاضي في حادثة فحكم فيها، ثم حدث مثلها فأعاد الاجتهاد وتغير اجتهاده فإنه يعمل في الحادثة الثانية باجتهاده الثاني ولا ينقض حكمه الأول.3.
وجه التيسير: أشار العلماء عند تعليلهم لصحة هذه القاعدة إلى ما فيها من تيسير فهي تحسم باب الخلاف وتسد ذريعة الاختلاف بعد استقراء الحكم الاجتهادي وذلك أن نقض الاجتهاد بالاجتهاد يؤدي إلى عدم استقرار الأحكام، واستمرار النزاعات بين الناس، ولا يخفى ما في هذا من حرج. هذا فيما إذا تعلق بالاجتهاد حكم الحاكم، وأما إذا لم يكن كذلك فإن التيسير فيه من حيث أن المكلف لا تلزمه إعادة ما أداه بالاجتهاد الأول؛ لأنه هو الواجب عليه وقد أدّاه فأجزاه1.
القاعدة الثانية: اختلاف الأسباب بمنزلة اختلاف الأعيان.
القاعدة الثانية: اختلاف الأسباب بمنزلة اختلاف الأعيان أورد هذه القاعدة الخادمي1، كما أورد صيغة أخرى قريبة المعنى منها وهي قوله: "تبدّل سبب الملك القائم قائم مقام تبدّل الذات"2. وبهذا اللفظ وردت في مجلة الأحكام العدلية3. وقد أورد المقري4 قاعدة لفظها: "إذا اختلف حكم الشيء بالنظر إلى أصله وحاله، فقد اختلف المالكية بماذا يعتبر منهما"5.
وهي بمعنى القاعدتين المذكورتين وأورد ابن رجب قاعدة تتعلق بالأعيان بالنسبة إلى تبدل الأملاك، وبيّن أن هذا على نوعين: أحدهما: ما يتعلق الحكم فيه بملك واحد فإذا زال ذلك الملك سقط الحكم ولو رجع الملك مرة أخرى. والثاني: ما يتعلق الحكم فيه بنفس العين من حيث هي تعلقا لازما لا يختص تعلقه بملك دون ملك، وذكر للنوعين صورا1. ولم أقف على هذه القاعدة في غير ما تقدم من كتب القواعد، لكن كتب الفقه لم تخل من ذكرها على سبيل التعليل كما سيأتي تفصيله إن شاء الله. معاني المفردات: الأسباب: جمع سبب وهو في اللغة: ما يتوصل به لغيره2. وفي اصطلاح أهل الشرع: ما يلزم من وجوده الوجود ويلزم من عدمه العدم لذاته، وعُرّف بغير ذلك3. الأعيان: جمع عَيْنٍ والعين لفظ مشترك بين عدة معان، والمراد هنا
الشيء نفسه وذاته1. المعنى الإجمالي: إذا تغير السبب المقتضي لحكم ما في ذات معيّنة كان ذلك بمثابة اختلاف العين ووجود عين أخرى أو شيء آخر قد يختلف حكمه عن حكمه المبني على السبب الأول وإن كانت الذات المعينه لم تتغير حقيقة كما لو اختلف سبب الملك فإنه يجعل المملوك بالسبب الأول كعين أخرى لها حكمها الخاص2. وقد وردن الصيغة الأولى للقاعدة بصورة التعميم في اختلاف كل سبب وجاءت الثانية بالنص على تغيّر سبب الملك. ولعل السبب في هذا أن الصيغة الثانية روعي فيها أصل هذه القاعدة والحديث الدال عليها وهو في تغيّر سبب الملك كما سيأتي نصه قريبا، والصيغة الأولى روعي فيها كون ما ورد في الحديث اختلاف سبب وإن كان واردا في سبب خاص. الأدلة: 1) ذكر العلماء أن أصل هذه القاعدة هو ما روي "أنه صلى الله عليه وسلم أتي
بلحم تُصُدّق به على بريرة1 فقال: "هو عليها صدقة وهو لنا هدية"2 فقد بوّب الإمام البخاري لهذا الحديث بقوله: باب إذا تحولت الصدقة3. وقال الحافظ ابن حجر4 - في شرح هذا الحديث - "بل أخبرهم صلى الله عليه وسلم أن تلك الهدية بعينها خرجت عن كونها صدقة بتصرف المتصّدق عليه فيها"5.
2) ومن الأدلة أيضا ما روي أن امرأة أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: إني تصدقت ‘لى أمي بجارية وإنها ماتت فقال صلى الله عليه وسلم: "وجب أجرك وردّها عليك الميراث" 1 ... الحديث. فقد أجاز رسول الله صلى الله عليه وسلم لهذه المرأة أن تأخذ ما تصدقت به مع أن الرجوع في الصدقة منهي عنه، وذلك عن طريق الإرث2. 3) ومنها - أيضا - حديث: "لا تحل الصدقة لغني إلا لخمسة: لغاز في سبيل الله، أو لعامل عليها، أو لغارم، أو لجار اشتراها بماله، أو لرجل كان له جار مسكين فتُصُدّق على المسكين فأهداها المسكين للغني"3. ووجه الدلالة من هذا الحديث كوجه الدلالة من الحديثين السابقين فالأصل أن الصدقة لا تحل لغني واستثنى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعض
الصور من ذلك ومنها: أن يكون سبب أخذه لها طريقا آخر غير الصدقة كشرائها أو إهداء المتصدق عليه منها فتكون بذلك قد خرجت عن كونها صدقة1. ومع هذا فإنه لابد من عرض بعض الأدلة التي يدل ظاهرها على عكس ما تقتضيه هذه القاعدة والأدلة الدالة عليها، ومن ذلك: ما رواه عبد الله بن عمر2 رضي الله عنه أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه تصدق بفرس في سبيل الله فوجده يباع فأراد أن يشتريه، ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم فاستأمره، فقال: "لا تعد في صدقتك ... " 3الحديث. وفي لفظ آخر فقال: "لا تشتر ولا تعد في صدقتك وإن
أعطاكه بدرهم فإن العائد في صدقته كالعائد في قيئه"1. وقد جمع بعض العلماء بين مقتضى هذه الأحاديث بأوجه: منها: أن المنع من تملكها حينما يكون هناك شبهة في الرجوع في الصدقة، وذلك يتحقق في صدقة التطوع ولا يتحقق في الفرض ولا يتحقق - كذلك - في الرجوع بطريقة الميراث. ومنها: أن المنع من شراء الصدقة لكونه ذريعة لإخراج القيمة في الزكاة. ولا يوجد هذا المحذور في الإرث، ومنها: أن النهي إنما هو للتنزيه2. العمل بالقاعدة: نصت كتب الحنفية على ذكر هذه القاعدة، ودلت فروعهم وتعليلاتهم الفقهية على اعتبارها. جاء في تحفة الفقهاء: ومن الأسباب المانعة للرجوع في الهبة3 خروج الموهوب عن ملك الموهوب له بأن باع أو وهب؛ لأن اختلاف
الملكين كاختلاف العينين1. وأجاز المالكية أن تعود الصدقة إلى من تصدق بها ببيع أو هبة أو صدقة وكرهوه، وأجازوا من غير كراهة رجوعها بالميراث وكذلك رجوع الهبة مطلقا بأي سبب2. وأجاز الشافعية شراء الزكاة ممن صارت إليه مع الكراهة3، ومنع الحنابلة مخْرِجَ الزكاة من شرائها ممن صارت إليه وبينوا شبهة ذلك، وأجازوا رجوعها بالميراث4. وحكى ابن قدامة5 عن ابن عبد البر6 قوله: "كل العلماء
يقولون: إذا رجعت عليه بالميراث طابت"1. فالذي يظهر أن هذه القاعدة معتبرة - من حيث الجملة - في المذاهب الأربعة، واستثني منها بعض الصور لعللٍ وأسباب خاصة. من فروع القاعدة: 1- ما تقدم ذكره من حكم رجوع الهبة إلى واهبها بالميراث ونحوه، وكذا حكم رجوع الصدقة إلى المتصدق بالشراء أو الميراث2. 2- إذا خرج الموهوب عن ملك الموهوب له ببيع، أو هبة لم يجز للواهب الأول الرجوع فيها لأنها - بانتقالها إلى ملك المشتري
أو الموهوب له الثاني - صارت بمثابة عين أخرى كما تقدم1. وجه التيسير: يظهر التيسير في هذه القاعدة من جهة أن ما يمتنع على المكلف من جهة يجوز له من جهة أخرى. فالنبي صلى الله عليه وسلم لا تحل له الصدقة، لكن جاز له الأكل مما أصله صدقة بطريق الإهداء إليه صلى الله عليه وسلم. والإنسان الذي يُخْرجُ ماله من ملكه ببيع أو هبة أو صدقة وتتعلق به نفسه أو يحتاج إليه في وقت آخر يمكنه الحصول عليه بطريق الشراء، أو أن يوهب له، أو نحو ذلك، وفي هذا من التيسير ما لا يخفى على متأمل, وللقاعدة تطبيقات أخرى في غير هذا المعنى2.
القاعدة الثالثة: إذا اجتمع أمران من جنس واحد ولم يختلف مقصودهما دخل أحدهما في الآخر غالبا
القاعدة الثالثة إذا اجتمع أمران من جنس واحد ولم يختلف مقصودهما دخل أحدهما في الآخر غالباً. وردت هذه القاعدة بعدة صيغ من أشملها هذه الصيغة المذكورة، وهي لفظ السيوطي1، وابن النجيم2، وذكرها السبكي بنحو هذا اللفظ3. وخصها ابن رجب4 بالعبادات، فقال: "إذا اجتمعت عبادتان من جنس في وقت واحد ليست إحداهما مفعولة على جهة القضاء ولا على طريق التبعية للأخرى في الوقت تداخلت أفعالهما واكتفى فيهما بفعل واحد"5.
وبهذا المعنى ذكرها ابن سَعْدي1 أيضا. وقد أشار إليها الزركشي تحت عنوان: التداخل يدخل في ضروب2. وأشار إليها القرافي لدى تفريقه بين تداخل الأسباب وتساقطها3. ووردت عند غير ما تقدم ذكرهم بصيغ أخرى مقاربة4. معاني المفردات: أمران: الأمر في اللغة: مصدر أمر يأمر، وهو هنا بمعنى الشأن أو الشيء، ويأتي لعدة معان منها، أنه ضد النهي5.
جنس: الجنس في اللغة: الضَّرب من الشيء وهو أعم من النوع1. وفي الاصطلاح: عرّف بأنه كلي مقول على كثيرين مختلفين بالحقيقة في جواب ماهو2. المعنى الإجمالي: يقصد بهذه القاعدة، أنه إذا تعلق بذمة المكلف واجبان أو أكثر، أو لزمه حدّان أو أكثر، أو اجتمع في وقت واحد واجب ومندوب أو أكثر أو نحو ذلك3، وكانت هذه الواجبات، أو الحدود ونحنها من جنس واحد، ومقصودها والمراد منها واحدًا فإن أحدهما يدخل في الآخر غالبا، فإن كانت رُتَبُها مختلفة دخل الأدنى منها في الأعلى وأغنى فعله عن فعل الأدنى، وإن كانت متساوية أغنى فعل أحدها عن غيره. فمثال اجتماع الواجبين، أن يجب على المرأة غسل الجنابة وغسل الحيض، أو أن يجب على المكلف الغسل والوضوء، ومثال اجتماع الحدين، أن يتكرر الزنا، أو القذف أو نحوهما من المكلف
قبل إيقاع الحد عليه. ومثال اجتماع الواجب مع المندوب، أن يدخل الإنسان المسجد وقد أقيمت الصلاة، فإنه يدخل في الصلاة وتغنيه عن تحية المسجد1. الأدلة: يذكر كثير من الفقهاء هذه القاعدة - وغيرها - مجردة عن دليل شرعي صريح فيها. ويمكن الاستدلال لها. أولا: بما روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال لعائشة2 رضي الله عنها- وقد أحرمت قارنة-: "يَسَعُك طوافك لحجك وعمرتك"3، وما ورد بمعناه4، حيث أقام
أحد الطوافين مقام الآخر، وكذلك السعي1. ثانيا: النظر إلى التعليل؛ فإن الناظر فيما قيّد به الفقهاء حكم هذه القاعدة يَلْمَحُ مبناها، فقد قيدوا الأفعال التي تتداخل بأن تكون من جنس واحد، وأن يكون مقصودها واحدًا. وهذا يدل على أن سبب إغناء أحد الفعلين عن الآخر هو تحقق المصلحة المرادة بفعل أحدهما، وذلك أقرب إلى مقصود الشريعة وهو التيسير. ولذا فقد علل ابن قدامة دخول طواف العمرة في طواف الحج - بالنسبة للقارن - بأنه ناسك يكفيه حلق واحد ورمي واحد2، وبأنهما عبادتان من جنس واحد فإذا اجتمعت دخلت الصغرى في الكبرى3. وهذا يشعر بأن سبب التداخل هو حصول المقصود بفعل أحدهما4، والله أعلم. العمل بالقاعدة: لقد ذهب عامة الفقهاء من المذاهب الأربعة إلى العمل بهذه القاعدة
وإن اختلفوا في تطبيقها على بعض لبفروع، فقد تقدم تصريح فقهاء المذاهب بها، ونقل ابن المنذر1 الإجماع على أنه إذا سرق السارق عدة مرات وقدم إلى الحاكم في آخر السرقات فإن قطع يده يجزئ عن ذلك كله2. وقد استثنى بعض الفقهاء من حكم هذه القاعدة صورا، وسبب ذلك - في الغالب - عدم انطباق شروط وقيود القاعدة على تلك الصور3. من فروع القاعدة: 1- إذا اجتمع حدث أصغر وجنابة كفى الغسل4.
2- إذا اجتمع موجبان للغسل فنواهما أجزأه عنهما1. 3- لو صلى عقب الطواف فريضة أجزأت عن ركعتي الطواف على خلاف في ذلك2. وجه التيسير: التيسير في هذه القاعدة ظاهر وذلك أنه يسقط عن المكلف بعض ما لزمه، ويحصل له ثواب المندوب عند تداخل الأسباب مراعاة من الشارع الحكيم لمقصود هذه التكاليف الذي يحصل بفعل أحدها، ومراعاة لمبدأ التيسير على العباد ودفع المشقة عنهم.
القاعدة الرابعة: إذا تزاحمت المصالح أو المفاسد روعي أعلاها بتححصيل أعلى المصالح وردء أعلى المفاسد
القاعدة الرابعة: إذا تزاحمت المصالح أو المفاسد روعي أعلاها بتححصيل أعلى المصالح وردء أعلى المفاسد ... القاعدة الرابعة: إذا تزاحمت المصالح أو المفاسد روعي أعلاها بتحصيل أعلى المصالح ودرء أعلى المفاسد. ((صياغة)) هذه القاعدة مكونة من شقين - كما هو ظاهر - يتضمن كل منهما قاعدة وقد أفرد بعض العلماء كل واحد من شقي القاعدة بقاعدة مستقلة كما فعل العز بن عبد السلام1، وابن سعدي2. واكتفى بعضهم بإيراد القاعدة في المصالح دون المفاسد كما فعل ابن تيمية3، واكتفى بعضهم بإيرادها في جانب المفاسد دون المصالح،
ومن أولئك السبكي1، وابن رجب2، والسيوطي3، وابن نجيم4، والونشريسي5، وغيرهم. كل ذلك بعبارات مختلفة مع اتفاق أو تقارب في المعنى6. وهي عند عدد من العلماء ناشئة عن قاعدة: ((الضرر يزال)) ، أو مستثناة منها7. وقد رأيت أن أدمج القاعدتين في قاعدة واحدة؛ للارتباط الوثيق
بينهما، فإن في كل تحصيلٍ لمصلحة دفعًا لمفسدة، وفي كل دفعٍ لمفسدة تحصيلاً لمصلحة. ولعل تلك هي وجهة من ذكرها في المصالح دون المفاسد، أو العكس، ولقد أفرد بعض العلماء مسائل المصالح، والمفاسد بالتأليف، ومن أولئك ابن عبد السلام في كتابه قواعد الأحكام في مصالح الأنام1، والشاطبي2 في كتابه الموافقات3. معاني المفردات: تزاحمت: تضايقت، مِنْ زحمه زَحْمًا وزحاَمًا ضايقها أي ضايق بعضها بعضا، والزاي، والحاء، والميم أصل يدل على انضمام في شدّه4. المصالح لغة: جمع مصلحة مَفْعَلَةٌ من صَلَح والصلاح ضد الفساد،
والفساد يطلق بمعنى بطلان الشيء وبمعنى تغيّره1. ويرد بها في اصطلاح الأصوليين: المحافظة على مقصود الشارع وهو خمسة، أن يحفظ على الخلق دينهم، ونفسهم، وعقلهم، ونسلهم، ومالهم. وتحصيل مقصود الشارع المتمثل في هذه الأمور الخمسة يأتي على ثلاث مراتب هي، الضروريات، والحاجيات، والتحسينيات كلها ترجع إلى المحافظة على هذه المصالح2. المفاسد: جمع مفسدة، مفْعَلة من فَسَد أي بطل واضمحلّ، والمفسدة ضد المصلحة3. درأها: الدَّرْؤُ الدّفع، مصدر درأ يدرأ4. المعنى الإجمالي: هذه القاعدة مبنيّة على أن مدار الشريعة على جلب المصالح ودفع
المفاسد، وعلى أن الأصل في كل مصلحة تحقيقها وإيجادها، وأن الأصل في كل مفسدة دفعها ومنع حصولها1. فإذا تزاحمت مصلحتان بحيث لم يمكن تحصيلهما معا نُظر في ذلك إلى أعلى المصلحتين بتحصيلها وإن ترتب عليه إهدار المصلحة الأخرى التي هي دونها. وإذا تزاحمت مفسدتان بحث لم يمكن دفعهما معا نظر في ذلك، إلى أعلى المفسدتين بدفعها وإن ترتب عليه ارتكاب المفسدة الأخرى
التي هي دونها1. ومعيار تفاوت المصالح تقسيم العلماء لها إلى: ضرورية، وحاجية، وتحسينية2، وكذلك المفاسد؛ لأنها عبارة عن فوات شيء من المصالح3. أدلة القاعدة: ينبغي الاستدلال - أولا - لكون المصالح والمفاسد متفاوتة فمما يدل على ذلك مايل: 1) قول الله تعالى ذكره: {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ ... } 4. ووجه دلالتها على المراد، هو تقسيم الذنوب إلى، كبائر وصغائر، فهي مفاسد متفاوتة5.
2) حديث: "الإيمان بضع وسبعون، أو بضع وستون شعبة، فأفضلها: شهادة أن لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق ... " 1الحديث. قال الحافظ ابن حجر: "وفي رواية مسلم من الزيادة "أعلاها ... "2 وفي هذا إشارة إلى أن رُتبها متفاوتة"3. 3) ما ورد من الأحاديث فيه بيان تفاضل الأعمال كحديث: "سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم، أيُّ العمل أفضل؟ فقال: "إيمان بالله ورسوله"، قيل: ثم ماذا؟ قال: "الجهاد في سبيل الله"، قيل: ثم ماذا؟ قال: "حج مبرور"" 4. وقد ورد في هذا المعنى عدّة أحاديث تفاوتت فيها أجوبة النبي صلى الله عليه وسلم
في ترتيب أفضلية الأعمال وذلك بحسب اختلاف الأحوال واحتياج المخاطبين1. وأما الأدلة على اعتبار المصلحة الراجحة، أو المفسدة الراجحة دون عكسها فمنها: أولآ: قول الله سبحانه: {يَسْأَلونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا ... } 2الآية. ثم قد نزل القرآن الكريم بتحريمها. وهذه الآية كالنص في القاعدة حيث ألغى الشارع المنافع التي في الخمر والميسر ولم يعتبرها، لرجحان الإثم فيهما، فكانت المصلحة في تحريمهما أولى من المصلحة في حلّهما3.
ثانيا: قصة صلح الحديبية1 حيث صالح النبي صلى الله عليه وسلم علة أن يرجع عن مكة ذلك العام، وعلى أن لا يأتيه أحد من قريش إلا رده إليهم - وإن كان مسلما -، وعلى أنّ من أتى قريشا ممن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يردّوه عليه ... إلى آخر شروط الصلح2. فإن في شروط هذا الصلح دليلا على احتمال أهون الضررين - وهو ما دخل على نفوس بعض الصحابة - لما في ظاهر شروط ذلك الصلح من كونها لمصلحة المشركين في مقابل دفع ضرر أكبر - وهو إيذاء المستضعفين بمكة -، وتحقيق مصلحة أكبر وهي مصلحة الدعوة وانتشار الدين، فكان كما قال الله - عز وجل -: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً} 3.
وقد ذكر عدد من الفقهاء أن هذا الصلح يعتبر أصلا لهذه القاعدة1. ثالثا: حديث الأعرابي الذي بال في المسجد فتناوله الناس، فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: "دعوه وهريقوا على بوله سجلا من ماء ... " 2 الحديث. قال الإمام النووي3 - في شرح هذا الحديث -: "وفيه دفع أعظم الضررين باحتمال أخفهما"4.
رابعا: قوله تعلى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ ... } 1، وقوله تعلى: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} 2. ففي هاتين الآيتين بيان لمشروعية الجهاد لمصلحة نشر الدين مع ما فيه من مفسدة إتلاف النفس والمال، لرجحان تلك المصلحة، وبيات لمشروعية القصاص لما فيه من مصلحة حفظ الأنفس والحقوق مع ما فيه من مفسدة إتلاف النفس أو العضو؛ لرجحان تلك المصلحة. وهكذا فإن استقراء كثير من جزئيات الأحكام الشرعية يدل على هذا3. خامسا: عموم قول الله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ ... } 4 الآية، وقوله صلى الله عليه وسلم: " ... وإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم"5.
ووجه الاستدلال من هذين الدليلين ونحوهما أنه لا يسع المكلف الجمع بين فعلين متعارضين وإن كان في كل منهما مصلحة1. والأدلة في هذا المقام كثيرة جدا2 العمل بالقاعدة: تُعدّ هذه القاعدة من القواعد الأساسية3 للفقه، وهي محل اتفاق كما تقدم النقل عن عدد من فقهاء المذاهب. وقد ردّ بعض العلماء أحكام الفقه كلها إلى قاعدة جلب المصالح ودفع المفاسد4. فإذا علمنا أنه لا مصلحة محضة، ولا مفسدة محضة فيما يقع في الحياة الدنيا - كما تقدمت الإشارة إليه - 5 علمنا أن الجميع يأخذون بهذه القاعدة؛ لأنه إنما يطلق على عمل ما أنه مصلحة، أو
مفسدة باعتبار الغالب. من فروع القاعدة: 1- كراهية المبالغة في المضمضة والاستنشاق للصائم مع استحبابهما لغير الصائم1 2- تجويز أخذ الأجرة على ما دعت إليه الضرورة من الطاعات كالأذان والإمامة2. 3- تجويز شق بطن الميتة لإخراج الوالد الذي ترجى حياته3. وجه التيسير: تقدم أن الأصل في المنافع والمصالح أنها مطلوبة الإيجاد، ويدخل في هذا الوجوب، والندب. والأصل في المفاسد أنها مطلوبة الترك. فإذا كان الفعل الواحد متضمنا لمصلحتين متعارضتين، أو لمصلحة
ومفسدة فإنه مأمورا به من جهة ومنهيا عنه من جهة أخرى. وهذا غير ممكن؛ لأن الجهتين متلازمتان فراعى الشارع ما هو الأغلب والأرجح والأنفع للمكلف بمراعة الغالب منهما؛ لئلا يقع التكليف بالمحال؛ ولتحصل للمكلف المصلحة العليا؛ وتندفع عنه المفسدة العظمى كذلك.
القاعدة الخامسة: إذا تعذر العدالة في الولاية العامة، أو الخاصة ـ بحيث لايوجد عدل ـ ولينا أقلهم فسوقا
القاعدة الخامسة: إذا تعذر العدالة في الولاية العامة، أو الخاصة ـ بحيث لايوجد عدل ـ ولّينا أقلهم فسوقاً ... القاعدة الخامسة إذا تعذرت العدالة في الولاية العامة، أو الخاصة - بحيث لا يوجد عدل - ولّينا أقلهم فسوقا. ذكر هذه القاعدة عز الدين بن عبد السلام باللفظ المتقدم1. وأورد مضمونها ابن تيمية حيث قال: " ... وليس عليه - أي على ولي الأمر - أن يستعمل إلا أصلح الموجود، وقد لا يكون في موجوده من هو أصلح لتلك الولاية فيختار الأمثل فالأمثل في كل منصب بحسبه ... "الخ كلامه2. وأشار إليها ابن القيم3 بقوله: " ... إذا لم يجد السلطان من
يوليه الفضاء إلا قاضيا عاريا من شروط القضاء لم يعطل البلد عن قاض، ويولي الأمثل فالأمثل1. وهي مندرجة تحت قواعد كلية أشمل منها كما قال ابن عبد السلام: "وهذا من باب دفع أشد المفسدتين بأخفهما، وأن مبنى هذه المسائل كلها على الضرورات ومسيس الحاجات"2، ويمكن إدراجها تحت قاعدة ((إذا ضاق الأمر اتسع)) 3. معاني المفردات: تعذرت: من عذر يقال: تعذّر الأمر إذا لم يستقم، ويقال: اعتَذَرتِ المياه: انقطعت، واعتذرت المنازل: درست على طريق التشبيه بالمعتذر الذي يندرس ذنبه لوضوح عذره وتأتي لمعانٍ أخرى4. العدالة لغة: مصدر عَدَل، ويأتي مصدره على عَدْل، والعدل الحكم باستواء وهو خلاف الجور5.
وهي في اصطلاح المحدثين والفقهاء: ملكة تحمل على ملازمة التقوى والمروءة، وعرّفها بعض العلماء بنحو هذا المعنى مفصّلاً1. والعَدْلُ من اتصف بالعدالة - وهو في الأصل مصدر - يقال: رجل عَدْل وامرأة عَدْلَ، وهذكا في التثنية والجمع2. الولاية لغة: مصدر وليَ، وقيل: المصدر بالفتح (وَلاية) ، ومعناه النُصْرة والتولي، وبالكسر: اسم للإمارة، والخُطَّة، والسلطان. وتولّى الأمر: تقلّده والولْيُ: القربُ والدنو3. وفي الاصطلاح: سُلْطة شرعية يتمكّن بها صاحبها من إنشاء العقود والتصرفات وتنفيذها4. والولاية العامة هي: الولاية على أشخاص غير معينين كالإمامة العظمى، والقضاء ونحوهما، والخاصة ما كانت على أشخاص
معينين كالولاية على الصدقات وولاية الأيتام ونحوهما، وفسّرت بغير ذلك1. فسوقا: الفسوق لغة: مصدر فَسَق، وهو بمعنى الخروج2. وعُرّف في الاصطلاح: بأنه الترك لأمر الله، والعصيان، والخروج عن طريق الحق، والفجور3. وقال الراغب4: "إن أكثر ما يقال الفاسق، لمن التزم حكم الشرع وأقرّ به ثم أخل بجميع أحكامه، أو ببعضه، وإذا قيل للكافر الأصلي فاسق؛ فلأته أخل بحكم ما ألزمه العقل واقتضته الفطرة"5.
المعنى الإجمالي: تقرر هذه القاعدة أن ما اشترط له العدالة من الولايات العامة كالإمامة العظمى1، والقضاء2، أو الولايات الخاصة كولاية النكاح3 إذا لم يتوفر من يتحقق فيه شرط العدالة فإنه يصحّ تولية الفاسق ويراعى في ذلك تولية أقل الفاسقين فسقا وذلك أنه لا بد من الولاية فيكون من باب دفع أعلى المفسدتين. الأدلة: تتضمن هذه القاعدة أن الأصل اشتراط العدالة فيمن يتقلد الولاية
- كما تقدم -؛ ومما يدل على هذا: 1) قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ ... } 1 الآية. ووجه الدلالة منها: أنه لما جعل الله تعالى من شرط من يحكم في قضاء التحكيم2 العدالة، كان اشتراط ذلك أولى فيما هو أهم وألزم من أنواع التقاضي3. 2) أن العدالة شرط في الشاهد فاشتراطها في القاضي أولى؛ لأنه تجتمع في القاضي ثلاث صفات فمن جهة الإثبات هو شاهد، ومن جهة الأمر والنهي هو مفتٍ، ومن جهة الإلزام بذلك هو ذو سلطان4.
3) أنه لو أسند الأمر إلى فاسق لحكم بالجور، وانتشر الظلم، وضاعت المصالح، وكثرت المفاسد1. وأما الأدلة على صحة تولية أقل الفسّاق عند تعذر وجود العدْل فمنها: أولا: عموم قوله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ ... } 2. ثانيا: عموم قوله تعالى: {لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاّ وُسْعَهَا ... } 3. ونحوهما من الآيات الدالة على القواعد التي تندرج تحتها هذه القاعدة. ثالثا: استدل بعض العلماء بحديث: "ستكون عليكم أمراء يؤخرون الصلاة عن ميقاتها ويخنقونها إلى شَرَق4
الموتى فإذا رأيتموهم قد فعلوا ذلك فصلوا الصلاة لميقاتها واجعلوا صلاتكم معهم سبحة 1 ... " الحديث 2. على صحة تولية الفاسق الولاية العامة، والخاصة دون تقييد بعدم وجود العدل3 فعند عدم وجوده أولى. 4) أنه يصح تولية المفضول مع وجود الفاضل إذا كان في المفضول مزيّة تحقق مصلحة ظاهرة. فإذا صح ذلك مع وجود الفاضل صحّ - من باب أولى - تولية الفاسق الذي لا يوجد أفضل منه لما في ذلك من المصلحة4 العمل بالقاعدة: لقد نص الفقهاء - عدا الحنفية - على اشتراط العدالة في الإمام - كما تقدم -- وقد تقدم تصريح ابن عبد السلام من الشافعية،
وابن تيمية من الحنابلة بهذه القاعدة. كما أن عددا ممن أفرد موضوع الإمامة، والولاية بالتأليف أشار ‘لى هذا المعنى؛ وبين أنه لا يُتَصَوَّر القول بغيره؛ إذ لو لم يولّ أقل الفسّاق فسقا في هذه الحال لكان المقابل له، إما التكليف بالمحال بأن يلزم المسلمون باختيار عدل مع عدم وجوده وهذا ما لم تجر قواعد الشرع به، وإما ترك الناس دون إمام وفي هذا من الشرّ والفساد ما هو أعظم من تولية الغاسق، فكان من باب دفع اِدّ المفسدتين بارتكاب أهونهما، وهو باب الضرورات كما ذكره ابن عبد السلام، وإمام الحرمين1 وهما من القواعد المتفق عليها2، فالقول بجواز تولية أقل الفساق فسوقا عند تعذر العدل إذن هو رأي عامة الفقهاء، ولعل عدم النص عليه؛
لظهور الحكم فيه من جهة، ولدخوله في باب الضرورات ودفع أعلى المفسدتين بارتكاب أهونهما، والله أعلم. من فروع القاعدة: 1- ولاية القضاء، فعند من يشترط العدالة في توليته إذا لم يوجد العدل ولّي الأمثل فالأمثل1. 2- كذلك ولاية النكاح2. وجه التيسير: إن الناس في كل زمان محتاجون إلى من يلي أمورهم ولاية عامة، ومحتاجون إلى بعض الولايات الخاصة، وتعطجيلهم عنها يؤدي إلى فوات مصالح كثيرة، واضطراب شديد3، ومن أجل ذلك سامح الشارع الحكيم في أن يلي الأمر من لا تتوفر في العدالة - التي هي
شرط أصلا في صحة الولاية - إذا عُدم العدْل حفظا لمصالح الناس، وقيّد ذلك، بأن يختار من الفُسّاق أمثلهم وأقلّهم فسقا عملا بقاعدة ((الضرورة تقدر بقدرها)) .
القاعدة السادسة: إذا ضاق الأمر اتسع، وإذا اتسع ضاق
القاعدة السادسة: إذا ضاق الأمر اتسع، وإذا اتسع ضاق هذه القاعدة ذات شقّين: الأول منها بمعنى قاعدة ((المشقة تجلب التيسير)) 1 أو بمعنى قاعدة ((الضرورات تبيح المحضورات)) 2 وهو الدال على التيسير وهو من الألفاظ المنقولة عن الإمام الشافعي3 - رحمه الله -. وقد أورده كثير من العلماء قاعدة مستقلة، ومن هؤلاء ابن عبد
السلام، والزركشي، والسيوطي، وابن النجيم، وغيرهم1. وعلل بها الفقهاء بعض الأحكام2. وأما الشق الثاني، فهو مفهوم مخالفة للشق الأول صُرّح به وقد أورده بعضهم قاعدة مستقلة3، وأوردهما معا ابن نجيم4 وقد جمع بينهما الغزالي5 في لفظ واحد وهو قوله: "إذا تجاوز
الأمر عن حدّه انعكس إلى ضده"1. وقال الجرهزي2 الشافعي: "إن قول الغزالي هذا تقريب للقاعدة"3. معاني المفردات: ضاق: ضد اتسع، والضيق خلاف السعة. يقال: ضاق الرجل أي بخلن وأضاق أي ذهب ماله4. الأمر: هما بمعنى الشيء أو الشأن وقد تقدم بان معنى هذه الكلمة5.
اتسع: من السعة والوسع زالَعَة الجِدَة والطاقة، وأوسع الرجل صار ذا سَعَة وغنى وهو ضد الضيق1. المعنى الإجمالي: أما الشق الأول فمعناه، أن الله تعالى لما تعبّد خلقه بالأوامر والنواهي تحقيقا لمصلحتهم العاجلة والآجلة بنى ذلك على التيسير ودفع الضيق والحرج أصلا وعلى جملة المكلفين كما قال تعالى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ... } 2 ومع هذا فإنه إذا لم يتمكن المكلف إلا مع حرج ومشقة، فإن الله تعالى يعذره ويشرع له من الحكم ما يناسب حاله ويجعله في سعة وبُعْدٍ عن الحرج. وأما الشق الثاني فمعناه، أنه إذا زال هذا العذر زالت التوسعة ورجع الحكم إلى أصله التكليفي الذي لا يخرج عن التيسير. ولابد - هنا - من بيان أنه ليس كل ضيق يؤدي إلى هذه التوسعة وتغيير الحكم فكان لزاما أن يقيّد قولهم: "إذا ضاق الأمر اتسع" بأن يكون هذا الضيق أو الحرج زائدا عن المتحمل؛ لأن قدرا من
المشقة لابد منه في التكاليف الشرعية كما قال صلى الله عليه وسلم: "حفَّت الجنة بالمكاره وحفت النار بالشهوات" 1 الأدلة: مما يستدل به على صحة هذه القاعدة بشقيها: 1) قول الله تعالى: {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُوا لَكُمْ عَدُوّاً مُبِيناً وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً وَاحِدَةً وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كَانَ بِكُمْ أَذىً مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُوا حِذْرَكُمْ إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَاباً مُهِيناً فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِكُمْ فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً} 2.
فإن مجموع هذه الآيات يعدّ أصلا لهذه القاعدة حيث اقتضت، أن للمؤمنين إذا خافوا أن يقصروا من الصلاة ويغيّروا من كيفيتها على الوجه الذي نصت عليه الآية، أو على بعض الوجوه التي ثبتت عنه صلى الله عليه وسلم في صلاة الخوف1. وهذا التخفيف والتوسعة إنما شرع من أجل المشقة الزائدة عن المعتاد والضيق الطارئ، فإذا زال السبب الداعي إلى ذلك وهو الخوف عادوا إلى الصلاة على هيئتها التي كلفها أصلا2. أما عدد الركعات فإنه ينظر فيه إلى الحضر والسفر3.
2) حديث: ( ... دف1 أهل أبيات من أهل البادية حضرة2 الأضحى زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ادخروا ثلاثا ثم تصدقوا بما بقي" فلما كان بعد ذلك قالوا: يا رسول الله إن الناس يتخذون الأسقية من ضحاياهم ويجملون3 منها الودك4، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وما ذاك"؟ قالوا: نهيت أن تؤكل لحوم الضحايا بعد ثلاث، فقال: "إنما نهيتكم من أجل الدافّة التي دفّت فكلوا وادّخروا وتصدقوا"5. ووجه الدلالة منه: أنه لما ضاق الأمر في حق الوافدين الفقراء، أمر
النبي صلى الله عليه وسلم بالتوسعة عليهم - مع أن أصحاب الأضاحي يلحقهم بذلك بعض الضرر - من أجل مراعاة المصلحة العامة، ولما اتسع الأمر بزوال حاجة الوافدين أو بذهابهم رجع الأمر إلى أصله من جواز الإدّخار، والأكل، والتصدق1. 3) ويضاف إلى هذين الدليلين المعبّرين عن القاعدة بشقّيها ما يدل على قاعدة: ((المشقة تجلب التيسير)) أو على الشق الأول من هذه القاعدة وهو نوعان: أ) ما يدل على يسر الشرع في كل تشريعاته كقوله تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} 2. ب) وما يدل على رفع الحرج بسبب المشقة الطارئة ومنه ما رواه عمران بن حصين3 رضي الله عنه قال: "كانت بي
بواسير1، فسألت النبي صلى الله عليه وسلم عن الصلاة فقال: "صلّ قائما، فإن لم تستطع فقاعدا، فإن لم تستطع فعلى جنب"2. وسيأتي - إن شاء الله - ذكرُ مزيد من هذه الأدلة عند عرض قاعدة ((المشقة تجلب التيسير)) 3. العمل بالقاعدة: تقدم أن هذه القاعدة - في شقها الأول - بمعنى قاعدة ((المشقة تجلب التيسير)) وهي محل اتفاق بين العلماء4، ولا يقدح في هذا عدم نصّ بعض الفقهاء عليها؛ إذ هي بمعنى القاعدة المذكورة وقد نص أكثرهم عليها، كما أن جميع رخص الشرع المبثوثة في كتب الفقه، وتعليق تلك الأحكام الطارئة على الأعذار - بحيث
إذا زال سبب الرخصة رجع الحكم إلى أصله - دليلٌ على عمل الفقهاء بهذه القاعدة بشقيها، والله أعلم. من فروع القاعدة: 1- الذباب يقع على الغائط ثم على الثوب، ونحو ذلك مما يشق التحرز عنه من النجاسات1. 2- إذا فقدت المرأة وليها في سفر فولت أمرها رجلا من غير محارمها2. 3- جواز دفع السارق والباغي ما أمكن ولو بالقتل3.
وجه التيسير: التيسير في جزء هذه القاعدة الأولى، ظاهر من حيث مراعاة أحوال المكلفين، فإذا شقّ عليهم الأمر، أو تعذر نقلهم الشارع إلى الترخص أو العفو. وأما جزؤها الثاني فإن التيسير فيه، هو ما في جميع أحكام الشرع من عموم اليسر وعدم الحرج.
القاعدة السابعة: الإسلام يجب ما قبله
القاعدة السابعة: "الإسلام يجب ما قبله" أورد الزركشي القاعدة بهذات اللفظ، ثم أوضحها بتقييدها بأن ذلك في حقوق الله تعالى1، كما أوردها مقيدة بهذا القيد السيوطي بعنوان "ضابط"2 وابن نجيم بعنوان "تنبيه"3.وذكرها القرافي عند بيانه، الفرق بين ما يلزم الكافر إذا أسلم وما لا يلزمه4. وعلل بها ابن قدامة لإسقاط حقوق الله تعالى عن المرتد، كسقوطها عن المشرك5، وأشار إليها عدد من الأصوليين في مسألة، مخاطبة الكفار بفروع الشريعة6 كما عرض
لها العز بن عبد السلام عند عرضه أمثلة قصد منها الشارع الترغيب في الإسلام مع اشتمالها على بعض المفاسد، لكنها دون مصلحة دخوله في الإسلام1. وأصل هذه القاعدة لفظ نبوي كما سيأتي إن شاء الله. معاني المفردات: الإسلام لغة: الاستسلام، وهو مصدر أسْلَم، ويأتي لمعان أخرى2. وفي الشرع: هو الاستسلام لله وهو الخضوع له والعبودية له3، أو هو الاستسلام لله بالقلب مع الأعمال الظاهرة4. يجبّ: يقطع، والجبُّ هو القطع5. المعنى الإجمالي: تبين هذه القاعدة، حكم أفعال الكافر التي مضت منه حال كفره إذا دخل في الإسلام وكانت تلك الأفعال متعلقة بحقوق الله تعالى من فعل لما نهى الله عنه، وترك لما أوجب الله. حيث تدل على أنه
يسقط عن الكافر إثم ما ارتكب من معاص، ولا يترتب عليها آثارها من حدّ أو نحوه، ولا يطالب بقضاء ما ترك. ويستوي في هذا القول، من قال بأن الكفار مخاطبون بفروع الشريعة، ومن قال بعدم تكليفهم بها1؛ لأن مراد من قال بتكليفهم بفروع الشريعة أنه لو مات كافرا فإنه يعذب على كفره وعلى معاصيه. لا أن العبادات تصحّ منه لو فعلها حال كُفره. فيكون معنى القاعدة بهذا الاعتبار، أنه إذا أسلم سقط عنه إثم كفره، وإثم معاصيه، ولم يلزمه قضاء ما ترك من الأوامر بعد تحقق شرط صحتها منه وهو الإسلام. ومراد من يقول بعدم مخاطبة الكافر بفروع الشريعة، أنه إنما يعذب لو مات كافرا على كفره دون ما عصى الله به. إلا أن العذاب على الكافر هو أشد العذاب، فيكون معنى القاعدة - على اعتبار - أنه إذا أسلم سقط عنه إثم الكفر، ولم يلزمه قضاء ما ترك وإن كان قد أصبح محلا للتكليف2، وقد قيّد هذا الحكم بكونه فيما
يتعلق بحقوق الله تعالى1، ثم أطلق البعض الحكم فيما يتعلق بحقوق الناس، بأنها لا تسقط2. والصحيح، أن من حقوق الآدميين ما يسقط بالدخول في الإسلام. وقد أوضح القرافي رحمه الله الضابط في ذلك فقال: "إن ما أقدم عليه الشخص من حقوق الآدميين حال كفره وهو غير راضٍ بدفعه لمستحقه3، كالقتل والغصب، ونحوهما، فإنه يسقط بالإسلام؛ لأن هذه الأمور إنما أقدم عليها معتمدا على أنه لا يوفيها
أهلها فأُسقِطَت عنه؛ لأن في إلزامه ما لم يعتقد لزومه تنفيرا له عن الإسلام، فقدمت مصلحة دخوله في الإسلام على مصلحة ذوي الحقوق من باب تقديم أعلى المصلحتين وأما ما رضي به حال كفره كالبيع ونحوه من المعاملات، فإنه يلزمه؛ إذ ليس في الإلزام بهذا ما ينفر عن الإسلام. كما قُيد الكافر بكونه حربيا1 ليخْرُجَ الذمي2 والمستأمن3، فإن
الإسلام يُسقط.نهما حقوق الله تعالى، ولا يسقط-عنهما شيئا من حقوق الآدميين لكونهم التزموا أحكام المسلمين قبل أن يُسْلموا1. الأدلة: لقد تواترت الأدلة على أن من تاب من الشرك ومن المعاصي تاب الله عليه. 1) وأول ما يدل على عدم مؤاخذة الكافر بعد إسلامه هو النص النبوي في هذا الباب وهو قوله صلى الله عليه وسلم لعمرو بن العاص2: " ... أما عَلمتَ أن الإسلام يهدم ما كان قبله، وأن الهجرة تهدم ما كان قبلها وأن الحج يهدم ما كان قبله ... " الحديث 3.
وفي لفظ آخر: "الإسلام يجبّ ما كان قبله"1 2) قول الله عز وجل: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ ... } 2. قال الإمام القرطب3ي: " {إِنْ يَنْتَهُوا} يريد عن الكفر"4. 3) قول الله عز وجل: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} 5.
4) قوله تبارك وتعالى: {وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاّ بِالْحَقِّ ... } إلى قوله تعالى: {إِلاَّ مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً} 1. فقد جاء في سبب نزول هذه الآيات: "أن ناسا من أهل الشرك كانوا قد قتلوا وأكثروا، وزنوا وأكثروا، فأتوا محمدا صلى الله عليه وسلم، فقالوا: إن الذي تقول وتدعوا إليه لحسن لو تخبرنا أن لما عملنا كفارة2 فنزل: {وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ ... } ، ونزل: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ ... } 3"، وروي غير ذلك في سبب نزولها وهو بمعناه4.
5) حديث ثوبان1 رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ما أحب أن لي الدنيا وما فيها بهذه الآية {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} 2 فقال رجل: يا رسول الله فمن أشرك؟ فسكت النبي صلى الله عليه وسلم ثم، قال: "ألا من أشرك ثلاث مرات"3. وفي الباب أحاديث أخرى4.
العمل بالقاعدة: أجمع العلماء على العمل بهذه القاعدة في حقوق الله تعالى - من حيث الجملة - وقد تقدم بيان ورودها عند فقهاء المذاهب الأربعة، ونقل الإجماع عليها عدد من أهل العلم. قال الإمام القرطبي رحمه الله في تفسير قوله تعالى: {وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً ... } إلى قوله تعالى: { ... إِلاّ مَنْ تَابَ ... } 1: "لا خلاف بين العلماء أن الاستثناء عامل في الكافر والزاني"2. وقال أبو الخطاب3: "أجمعت الأمة الإسلامية على أنه لا يلزمه أن يفعل العبادات حال كفره ولايجب عليه القضاء إذا أسلم"4. وقال الخطابي5 في شرحه لحديث: "من أحسن في الإسلام لم
يؤاخذ بما عمل في الجاهلية، ومن أساء في الإسلام أُخِذَ بالأول والآخر"1. قال: "ظاهره خلاف ما أجمعت عليه الأمة من أن الإسلام يجب ما قبله، ثم ذكر اجوبة عن هذا"2، وقال النووي في شرحه للحديث نفسه: "المراد بالإحسان هنا الدخول في الإسلام بالظاهر والباطن جميعا وأن يكون مسلما حقيقيا، فهذا يغفر له ما سلف في الكفر بنص القرآن العزيز، والحديث الصحيح "الإسلام يهدم ما قبله"3
وبإجماع المسلمين1. من فروع القاعدة: 1- إذا أسلم شخص في شهر رمضان فإنه يصوم ما يستقبل منه ولا قضاء عليه فيما مضى ويُمسك بقية يومه الذي أسلم فيه2. 2- إقرار الكفار على أنكحتهم التي عقدوها حال الكفر إذا كانت المرأة ممن يجوز نكاحها ابتداء ولا ينظر إلى صفة عقدهم وكيفيته3. 3- لو زنا الكافر ثم أسلم لم يُحدّ4.
وجه التيسير: يظهر التيسير في هذه القاعدة من جهتين: الأولى: عدم تكليف من أسلم بقضاء ما فرّط فيه من حقوق الله تعالى وهي كثيرة متراكمة، وإسقاط الإثم والمؤاخذة عنه فيما كان من حقوق الله تعالى، وفيما كان من حقوق الناس على الوجه الذي تقدم إيضاحه. الثانية: تسهيل الوصول إلى طريق الحق وترغيب الناس فيه. يدل على ذلك ما تقدم من أن بعض الكفار أراد أن يسلم لكنه خشي أن لا يغفر له فرُغِّب في الخير لمصلحته والله غني عن العالمين. ويتجلى هذا في قوله صلى الله عليه وسلم - وهو الرؤوف بمن أرسل إليهم - في شأن قوله تعالى: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ ... } 1، "ما أحب أن لي الدنيا وما فيها بهذه الآية"2. ومع هذا فإن الله تعالى قد كفل للآدميين حقوقهم التي التزم بها الكافر حال كفره إذ أنها مبنية على المشاحة فلم يسقطها عنه.
القاعدة الثامنة: الأصل في الأشياء الإباحة حتى يدل الدليل على التحريم
القاعدة الثامنة: الأصل في الأشياء الإباحة حتى يدل الدليل على التحريم وردت هذه القاعدة بهذه الصيغة عند السيوطي1، وكذلك عند ابن خطيب الدهشة2، وأوردها ابن تيمية في سياق إثباته لكون الأصل في الأفعال العادية عدم التحريم3، وأوردها الزركشي، وابن نجيم بصيغة الاستفهام، وجعلها الزركشي مترددة بين الإباحة، والتحريم، والوقف4 ولم يشر
ابن نجيم إلى الوقف1 وقال بعضهم بالتفصيل، وقال البعض إنها على الحظر2 كما بحثها الأصوليون في مبحث
الاستصحاب1، وفي مبحث التحسين والتقبيح العقليين2. فهي على هذا قاعدة فقهية أصولية. معاني المفردات: الأصل: في الغة أسفل الشيء وأساسه، وهو ما يبتنى عليه غيره3.
وفي الاصطلاح: يطلق على عدة معان، والمراد هنا القاعدة المستمرة المنطبقة على جزئياتها أو الحالة القديمة1. الإباحة في اللغة: مصدر أباح من البوح وهو الإظهار والإعلان، يقال: باح بسرّه أي أظهره، ويأتي بمعنى الإذن، فيقال: أبحتك الشيء أي أحللته لك2. وفي الاصطلاح: هي الإذن في الفعل والترك من غير تخصيص أحدهما بمدح أو ذم. وهذا مأخوذ من تعريف الأصوليين للمباح حيث دأب أكثرهم على تعريفه، وقد عرّفوه بأنه ما أذن في فعله وتركه من حيث هو ترك له من غير تخصيص أحدهما باقتضاء مدح أو ذم، وعرّف بغير ذلك3. الدليل في اللغة: فعيل بمعنى فاعل وهو: يطلق بمعنى الأمارة، وبمعنى المرشد4، وقال الأصوليون إذا أطلق بمعنى المرشد فيصح أن يراد به الناصب للدليل وهو الله تعالى، والذاكر للدليل، وما فيه
الدلالة والإرشاد (وهو الدليل عند الفقهاء) . وفرّق بعض الأصوليين بين الدليل والأمارة، بأن الأمارة ما يمكن أن يتوصل بصحيح النظر فيها إلى الظن، وأما الدليل فهو ما يمكن التوصل بصحيح النظر فيه إلى العلم. وعرّفه كثير من الأصوليين اصطلاحا: بأنه ما يمكن التوصل بصحيح النظر فيه إلى مطلوب خبري1. التحريم لغة: مصدر حرّم، والحرمة لغة ما لا يحل انتهاكه2. وفي الاصطلاح: يمكن أن يعرّف من خلال تعريف العلماء للحرام أو المحرّم، فيقال: هو النهي عن الشيء نهيا جازما، أو يقال: هو إيراد الشارع ما يدل على ذم فاعله، أو توعُّده بالعقاب. حيث عُرّف الحرام بأنه ما نهي عنه نهيا جازما، وعُرّف بأنه ما توعد بالعقاب على فعله شرعا3.
المعنى الإجمالي: تشمل هذه القاعدة بلفظها حكم الأشياء قبل الشرع، وحكمها بعده فيما لم يرد فيه دليل. والمراد بها - هنا - ما كان بعد ورود الشرع؛ لأن الغالب أن الفقهاء إنما يبحثون هذه المسألة من هذا الجانب1. أما الأصوليون فيبحثون من هذا الجانب ومن جانب ما كان قبل ورود الشرع2 في مبحث
الاستصحاب1، كما بحثها بعضهم في مبحث التحسين
والتقبيح العقليين1 وتعني أن حكم الأعيان والأفعال المتعلقة بها التي لم يرد دليل شرعي يمنع الإقدام عليها هو الإباحة أي الجواز الانتفاع بتلك الأعيان والإقدام على الأفعال المتعلقة بها، وهذا هو ما يطلق عليه البراءة الأصلية أو استصحاب العدم الأصلي2. الأدلة: استدل من يرى أن الأصل في الأشياء الإباحة، وكذلك من يرى أن الأصل في المنافع - دون غيرها - الإباحة بعدد من الأدلة منها: 1) قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً ... } 3.
ووجه الدلالة منها: أن الله تعالى ذكر هذا في سياق الامتنان على الإنسان بما خلق له، وأبلغ درجات الإمتنان الإباحة، وأنه تعالى أضاف ما خلق إلى الناس بالام وهي تفيد الملك وأدنى درجات الملك إباحة الانتفاع بالمملوك1. 2) قول الله عز وجل: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ ... } 2. ووجه الدلالة منها: الإنكار على من حرّم شيئا مما أخرج الله لعباده3. 3) قوله تعالى: {الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ ... } 4. ووجه الدلالة منها: أن المراد بالطيبات - هنا - ما يستطاب طبعا، وليس المراد بالطيبات الحلال وإلا لزم التكرار5.
4) وحديث سلمان1 رضي الله عنه أن رسول الله صلى عليه وسلم سئل عن الجبن والسمن والفراء2 فقال: "الحلال ما أحل الله في كتابه، والحرام ما حرم الله في كتابه، وما سكت عنه فهو مما عُفي عنه" 3. قال في تحفة الأحوذي: "وفيه أن الأصل في الأشياء الإباحة"4. 5) وحديث: "أعظم المسلمين جرما من سأل عن شيء لم يحرم
فحرِّم من أجل مسألته" 1. قال ابن حجر: "وفي الحديث أن الأصل في الأشياء الإباحة حتى يرد الشرع بخلاف ذلك"2. 6) استدل بعض من قال: إنها على الإباحة من جهة العقل، بأن خلق هذه الأعيان إما أن يكون لحكمة، أة لغير حكمة، وكونه خلقها لغير حكمة باطل، لقوله تعالى: {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاعِبِينَ} 3 فثبت أنها خلقت لحكمة ولا تخلو هذه الحكمة من أن تكون نفعا يعود إلى الخالق سبحانه أو نفعا يعود إلى الناس، والأول باطل لتنزه الله تعالى عن الانتفاع بشيء. فثبت أنها خلقت لينتفع بها من يحتاج إليها4
العمل بالقاعدة (أو أقوال العلماء فيها) : لقد اختلف العلماء في صياغة هذه القاعدة - بناء على اختلاف مذاهبهم في هذه المسألة -بين جازم بأن الأصل في الأشياء الإباحة، وبين جازم بأن الأصل فيها هو الحظر، وبين مشير إلى الخلاف في الأصل فيها، هل هو الإباحة؟، أو الحظر؟، أو التوقف؟، وبين مفصّل بين المنافع والمضار1. فالقائلون بأن الأصل فيها الإباحة هم الشافعية2، وأكثر الحنفية3، وبعض الحنابلة، وأومأ إليه الإمام أحمد4، وأبو الفرج من
المالكية1. ونسبه بعض المتأخرين إلى الجمهور2. وأما القول بأن الأصل فيها الحظر، فقد نُسب إلى الإمام أبي حنيفة3 وإلى بعض الشافعية4، وبعض الحنابلة5 وإلى الأبهري من المالكية6، وبعض المعتزلة7. ونقل بعضهم عن أكثر الفقهاء،
القول بالتوقف بمعنى أن الأصل في الأشياء عدم الحكم أو عدم العلم بالحكم، فليست بمباحة ولا محظورة1. وذهب الإمام الرازي2 إلى أنه لا حكم للأشياء قبل الشرع، وأما بعده فإن الأصل في المنافع الإباحة والأصل في المضار التحريم3، وبه قال العلائي، ونسبه إلى الشافعية وإلى جمهور أهل العلم4. وبهذا العرض لأقوال العلماء يتبين أن هناك نوعا من الاضطراب في النقل عنهم وتقرير مذاهبهم ومردّ هذا - فيما أرى، والله أعلم - أمران: أحدهما: التداخل بين المسألتين اللتين تتطرق إليهما تلك القاعدة، وهما، كون ذلك فيما قبل ورود الشرع، أو فيما بعده. والثاني: الاختلاف في المراد بالإباحة، والتوقف، فلم تتوارد
الأقوال على محل واحد ويمكن أن يقال - توفيقا - بين القول بالتوقف والقول بالإباحة - إنهما يئولان إلى نتيجة واحدة؛ لأن مراد من قال بالتوقف - غالبا - هو أنه لا يحكم عليها بحظر ولا إباحة قبل ورود الدليل الشرعي بذلك، ونتيجة هذا القول أنه لا حرج في الفعل ولا في الترك وهو بمعنى الإباحة، إلا أنهم تحاشوا التعبير بالإباحة؛ لأنها حكم شرعي لابد أن يقوم على دليل، وقد أشار إلى هذا المعنى عدد من الأصوليين. قال الغزالي: " ... وإن عنوا بكونه مباحا أنه لا حرج في فعله ولا تركه فقد أصابوا في المعنى وأخطأوا في اللفظ، فإن فعل البهيمة والصبي لا يوصف بكونه مباحا وإن لم يكن في فعلهم وتركهم حرج"1، وهذا الجمع يتأتى فيما كان قبل الشرع وفيما كان بعده2. ويمكن أن يقال - توفيقا بين قول من قال إن الأشياء على الإباحة،
وبين من فرّق بين المنافع والمضارّ -: إن من أطلق الحكم بالإباحة وعدم الحرج في الفعل أو الترك يعلل ذلك بعدم وجود الدليل المانع من الإقدام على الفعل، أو عدم العلم به، وأما من يفرق فإنه يبنى الحظر في المضارّ على ورود الدليل العام بحظرها؛ ولذا فإن القائل بالتفريق إنما يقول به بعد ورود الشرع، ويؤيد هذا أن من قال بالإباحة مطلقا يلتفت - في الاستدلال - إلى هذا المعنى1، وعلى هذا فالأكثرون على جواز الانتفاع بما لم يرد الدليل بتحريمه على ما تقدم بيانه وهو الذي يبدو راجحا بالأدلة. وأما من قال بالحظر فقد استدل بأدلة، أجمل بعضها فيما يلي: 1) قول الله تعالى: {وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ. ..} 2. 2) وقول النبي صلى الله عليه وسلم: "الحلال بين والحرام بين وبينهما
مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس، فمن اتقى الشبهات استبرأ لدينه وعرضه ... " 1. ووجه استدلالهم بهذين الدليلين وما في معناهما أنه لا يجوز الحكم بإباحة شيء والإقدام عليه بدون دليل شرعي. والجواب: كما أنه لا دليل على الإباحة فإنه لا دليل على التحريم فلا يجوز القول به بدون دليل أيضا. 3) واستدلوا من جهة العقل بأن التصرف في ملك الغير بغير إذنه لا يجوز، والقول بالإباحة تصرف في ملك الله بغير إذنه فهو باطل. وأجيب عن ذلك، بأن ذها إنما هو في حق من يلحقه بذلك التصرف في ملكه ضرر، أما م لا ضرر فيه على مالكه ولا على المنتفع فلا يقبح وهذا متأتّ في حق الناس، ففي حق الله تعالى أولى، والله أعلم2.
من فروع القاعدة: فروع القاعدة كثيرة جدا ومنها على سبيل الإجمال: 1- الحيوان المشكل أمره الذي لم ينص على تحريمه ولا حلّه، ولم يدخل في عموم الخبائث فإنه مباح عند جمهور أهل العلم1. 2- سائر الأطعمة والنباتات التي لم يرد النص بحكمها فإنها على الإباحة2. 3- جواز استعمال الآلات والصناعان الحادثة3.
وجه التيسير: التيسير في هذه القاعدة واضح حيث إنها تعني أن للإنسان أن ينتفع بكل ما سُخّر له في هذه الدنيا ما لم يدل دليل على تحريمه. وفي هذا إشارة إلى أن ما أباح الله تعالى للإنسان الانتفاع به سواء عن طريق الخطاب بالتخيير، أو البراءة الأصلية أكثر مما حظره عليه، ولله الحمد والفضل.
القاعدة التاسعة: الأصل في العادات العفو
القاعدة التاسعة: الأصل في العادات العفو أورد هذه القاعدة ابن تيمية1، وأشار إليها الشاطبي بقوله: "الأصل في العادات الالتفات إلى المعاني وعدم التزام النص، ومن ههنا أقرت الشريعة جملة من الأحكام التي جرت في الجاهلية كالديّة2 والقسامة3 ... الخ كلامه"4،
ونص عليها ابن سعدي في رسالته في ((القواعد الفقهية)) 1. وقريب من معناها ما ذكره ابن تيمية - أيضا - وغيره من أن الأصل في العقود والشروط - وهي من الأفعال العادية2 - الجواز والصحة، ولا يحرم منها ويبطل إلا ما دل الشرع على تحريمه وإبطاله نصا أو قياسا، وذكر قولا آخر بأن الأصل فيها الحظر3. واهذه القاعدة علاقة قويّة بالقاعدة السابقة ((الأصل في الأشياء الإباحة)) بحيث يمكن اعتبار هذه القاعدة - أعني قاعدة ((الأصل في العادات العفو)) ، وما بمعناها مندرجة تحت قاعدة ((الأصل في الأشياء الإباحة)) . يؤيد هذا أن من المؤلفين من بنى حكم بعض أنواع العقود المستحدثة والمعاملات الجديدة على قاعدة ((الأصل في الأشياء الإباحة)) 4.
فهذه القاعدة ((الأصل في العادات العفو)) مفروضة في الأفعال أكثر من كونها مفروضة في الأعيان1 معاني المفردات: الأصل: تقدم بيان معناه2. العادات لغة: جمع عادة، من العوْد والمعاودة، وهي بمعنى: الرجوع، وتثنية الشيء وتكراره. جاء في معجم مقاييس اللغة: العين والواو والدال أصلان صحيحان، يدل أحدهما على تثنية في الأمر، وذلك هو العَوْد3. وفي اصطلاح الفقهاء والأصوليين هي: الأمر المتكرر من غير علاقة عقلية4، وعرّفت بغير ذلك5 والمراد بها - هنا فيما يظهر - ما
يقابل العبادة من أفعال الناس وهو في معنى ما تقدم؛ لأنها تتكرر. العَفْوُ لغة: الصفح وترك العقوبة، وله معان أخرى متضمنة هذا المعنى1. وفي الاصطلاح: يطلق بمعنى المباح. ويطلق بمعنى نفي الحرج وعدم العقوبة؛ إذ يرى بعض العلماء أن الإباحة هي ما ورد من الشارع خطاب بالتخيير فيها بين الفعل والترك. والعفو، أو نفي الحرج هو ما سكت عنه الشرع2. المعنى الإجمالي: معنى هذه القاعدة أن تصرفات الناس في شئون حياتهم، ومعاملاتهم فيما بينهم وما قد يكون فيها من شروط كلها مباحة، أي لا عقاب في فعلها ولا تركها إلا ما ورد الدليل الشرعي بتحريمه وذلك بناء على بقائها على الأصل. على أن لفظ "العفو" في القاعدة مقصود؛ لأن من العلماء من يرى أن الإباحة حكم شرعي لا يكون إلا بخطاب من الشارع
بالتخيير بين الفعل والترك، وهذه لم يرد فيها هذا النوع من الخطاب1. وقد بين شيخ الإسلام ابن تيمية المراد من هذه القاعدة وكيفية العمل بها بقوله: " ... فإذا ظهر أن لعدم تحريم العقود والشروط - جملة - وصحتها أصلان: الأدلة الشرعية العامة والأدلة العقلية التي هي الاستصحاب وانتفاء المحرّم، فلا يجوز القول بموجب هذه القاعدة في أنواع المسائل وأعيانها إلا بعد الاجتهاد في خصوص ذلك النوع، أو المسألة هل ورد من الأدلة الشرعية ما يقتضي التحريم أم لا أما إذا كان المدرك2 الاستصحاب ونفي الدليل الشرعي فقد أجمع المسلمون، وعُلم بالاضطرار من دين الإسلام أنه
لا يجوز لأحد أن يعتقد ويفتي بموجب هذا الاستصحاب والنفي إلا بعد البحث عن الأدلة الخاصة إذا كان من أهل ذلك1. الأدلة: استدل ابن تيمية على هذه القاعدة بعدد من الأدلة: منها ما هو دال على أن الأصل في العادات - بعمومها عقودا كانت أو غيرها - العفو، ومنها ما هو دال على أن الأصل في العقود والشروط - بخصوصها - العفو أيضا، فمن النوع الأول: 1) قوله تعالى: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَاماً وَحَلالاً ... } 2 فلو قيل بتحريم شيء من تصرفات الناس، ومعاملاتهم دون دليل شرعي على التحريم لدخول القائل في عموم هذه الآية. 2) أن الله تعالى ذمّ المشركين الذين شرعوا من الدين ما لم يأذن به الله وحرّموا ما لم يحرمه في قوله تعالى: {وَقَالُوا هَذِهِ أَنْعَامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ لا يَطْعَمُهَا إِلاّ مَنْ نَشَاءُ بِزَعْمِهِمْ وَأَنْعَامٌ
حُرِّمَتْ ظُهُورُها وَأَنْعَامٌ لا يَذْكُرُونَ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا افْتِرَاءً عَلَيْهِ سَيَجْزِيهِمْ بِمَا كَانُوا يَفْتَرُونَ} 1. 3) ما رواه الإمام مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ذات يوم في خطبته: "ألا إن ربي أمرني أن أعلمكم ما جهلتم يومي هذه كل ما نحلْتُه عبدا حلال، وإني خلقت عبادي حنفاء كلهم، وأنهم أتتهم الشياطين فاجتالتهم2 عن دينهم، وحرّمت عليهم ما أحللت لهم ... " 3الحديث. فقد دل الحديث على أن ما لم يرد نص شرعي بتحريمه فهو حلال، وأن تحريم ما لم ينصّ على تحريمه إنما يأتي من قبل طاعة الشياطين. ومن النوع الثاني الدال على الإباحة في العقود والشروط.
4) قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ... } 1 الآية. 5) حديث: "أربع من كن فيه كان منافقا خالصا ومن كانت فيه خلة منهن كانت فيه خلة من نفاق حتى يدعها ... وذكر منها وإذا وعد خلف" 2. وقد بين ابن تيمية وجه استدلاله بهذين الدليلين ونحوهما يقوله: "وإذا كان جنس الوفاء ورعاية العهد مأمورا به عُلم أن الأصل صحة العقود والشروط؛ إذ لا معنى للتصحيح إلا ما ترتب عليه أثره وحصل به مقصوده، ومقفصود العقد هو الوفاء به، فإذا كان الشارع قد أمر بمقصود العهود دل على أن الأصل فيها الصحة والإباحة3. 6) حديث: "الصلح جائز بين المسلمين إلا صلحا حرّم حلالا، أو أحل حراما، والمسلمون على شروطهم إلا شرطا حرّم حلالا، أو
أحل حراما"1. 7) أن من تتبع سنة النبي صلى الله عليه وسلم، وما ورد عن أصحابه عليهم رضوان الله علم أنهم لم يكونوا يلتزمون الصيغة من الطرفين، ومعنى هذا أن العقود تصح بكل ما دل عليها وبكل صورة لم يرد الدليل بتحريمها. 8) واستدل من المعقول على أن الأصل صحة العقود بأن الأصل فيها رضى المتعاقدين وموجبها هو ما أوجباه على أنفسهما بالتعاقد؛ لأن الله تعالى قال: { ... إِلاّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ ... } 2. إلى غير ذلك من الأدلة3.
ثم إنه قد تقدم أن هناك من يرى أن الأصل في العقود والشروط الحظر إلا ما دل الدليل على إباحته، وسأنقل - هنا - بعض أدلتهم مجملة، وهي في واقعها أدلة لمن يرى أن الأصل في العادات الحظر؛ لأن العقود والشروط من جملة العادات. 1) فمن أشهر ما استدلوا به على هذا حديث عائشة رضي الله عنها في قصة اعتاق بريرة رضي الله عنها وفيه قوله صلى الله عليه وسلم: " ... ما بال رجال يشترطون شروطا ليست في كتاب الله؟ من اشترط شرطا ليس في كتاب الله فهو باطل، وشرط الله أحق وأوثق "1. قال ابن تيمية: "وحجتهم فيه من وجهين: أحدهما: حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم على ما لم يكن في كتاب الله من الشروط بالبطلان. الثاني: قياس جميع الشروط التي تنافي موجب العقود على اشتراط الولاء.
2) ومما استدلوا به أيضا عموم قوله تعالى: {وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} 1 ونحوها من الآيات، حيث يرون أن العقود والشروط التي لم تُشْرَع تعدٍّ لحدود الله وزيادة في الدين2. العمل بالقاعدة: تقدم أن العادات تشمل العقود وما قد يتعلق بها من شروط وتشمل العادات التي ليست بعقود ولا شروط3. فأما ما ليس بعقد ولا شرط فقد صرح الشاطبي بأن مذهب الإمام مالك: أن الأصل فيها العفو، وأنه يلتفت فيها إلى المعاني لا إلى النصوص، وكذلك الأمر بالنسبة إلى مذهب الحنابلة كما تقدم النقل عن ابن تيمية وعن الشاطبي في هذا4. أما الحنفية والشافعية فإن الذي لي أن الحكم عندهم فيها
مأخوذ من الحكم في القاعدة المتقدمة ((الأصل في الأشياء الإباحة أم الحظر)) 1؛ لأن الكثير من الفقهاء لم يفرد العادات أو العقود بقاعدة تدل على الأصل فيها، بل اكتفى ببيان الأصل في الأشياء عموما. وأما ما كان منها من قبيل العقود والشروط فقد ذكر العلماء فيها من حيث الجملة مذهبين: أحدهما: القول بأن الأصل فيها التحريم والبطلان، ما لم يدل دليل على صحة العقد أو الشرط. وهذا القول قول الظاهرية فهم الذين طردوا هذا الحكم في كل عقد وشرط. والثاني: أن الأصل فيها الإباحة والصحة ما لم يدل دليل على بطلان العقد أو الشرط2 وقد جعل بعض العلماء في مقابل أهل الظاهر - القائلين بالمنع - جمهور الفقهاء، أي أنهم يقولون بأن
الأصل فيها الجواز1. لكن ذلك يحتاج إلى شيء من التفصيل فليس على إطلاقه؛ لأن المتأمل يجد بعض الاختلاف في بيات مذاهب الأئمة في هذا. فنجد ابن تيمية مثلا ينسب إلى الإمامين: أبي حنيفة، والشافعيّ أن كثيرا من أصولهما تنبني على أن الأصل في العقود والشروط المنع، ويقول عن الإمام مالك، والإمام أحمد: إن طائفة من أصولهما تنبني على ذلك أيضا. أما أكثر أصول أحمد المنصوصة عنه فإن أكثرها يجري على أن الأصل فيها الجواز، وقريب منه الإمام مالك إلا أن أحمد أكثر تصحيحا للشروط2 ثم نجد الشيخ مصطفى الزرقاء3 يفرق بين العقود والشروط فيرى أن
الأصل في العقود هو الجواز1، ثم يقول في شأن الشروط: "إن الاجتهاد الحنفي مبني على عدم مخالفة مقتضى العقد فليس للعاقدين أن يشترطا ما يخالف هذا المقتضى أو يضيفا إليه شيئا، أو يقيداه بقيد إلا إذا قام دليل شرعي يجيز التزامه ويوجب الوفاء به، ثم ذكر أن هذا مذهب المالكية والشافعية، ونقل عن الحنابلة أن الأصل في العقود والشروط الإباحة ما لم يكن في نصوص الشرع ما يمنع منها، ثم قال: ويقارنه أي الاجتهاد الحنفي نَظَرُ جمهور فقهاء المالكية، ثم الاجتهاد الشافعي، وقال: إن الاجتهاد الشافعي أكثرها تشددا وتضييقا لحرية الشروط2، ويمكن غزو هذا الاختلاف إلى أسباب منها: 1) أن في القاعدة حكما عاما مفروضا في العقود والشروط معا. مع أن ثمة فرقا بينهما من جهة أن العقد حكم ابتدائي، والشرط لاحق للعقد مغير لمقتضى العقد المطلق3.
2) كثرة فروع ومسائل هذه القاعدة وتعدد أنواع الشروط1 بحيث لا يطرد المذهب في تلك المسائل بل تكثر الاستثناءات لعلل خاصة ويصعب مع ذلك الحكم بحكم عام من خلال هذه الفروع. 3) أن من الحنابلة - وهو الذين اشتهر عنهم أكثر من غيرهم أن الأصل في العقود والشروط الإباحة - من يستدل لصحة العقود، أو الشروط بما يدل عليها بخصوصها فيتوهم أنه لولا هذا الدليل لم يكن هذا العقد أو الشرط جائزا، كما أنهم قد يعللون فساد بعض الشروط بأنها تخالف مقتضى العقد2 هذه الأمور هي مبنى قول القائلين بأن الأصل فيها التحريم3.
4) اختلاف فقهاء المذاهب في بغض المصطلحات المتعلقة بالمسألة1، وتلخيصها لما مضى يمكن القول: إنه بالنسبة إلى العقود فإن الجمهور - وهو من عدا الظاهرية - على أن الأصل فيها الإباحة، وأما الشروط ففيها خلاف بينهم وأكثرهم تصحيحا لها هم الحنابلة، وقريبا منهم المالكية؛ إذ إن مذهبهم أن الأصل في العقود والشروط الإباحة ما لم يرد دليل بالمنع دون تقييد2.
وفي مقابلهم الحنفية ومن يرى رأيهم من الشافعية فإن الشروط الصحيحة عندهم مقيدة بأن لا تخالف مقتضى العقد مع موافقتهم للحنابلة والمالكية في أن الأصل فيها الإباحة، والله أعلم. من فروع القاعدة: يتفرع على هذه القاعدة سائر العقود، والشروط، والتصرفات التي لم يرد النص بحكمها، ومنها: 1- ما لو اشترى حنطة على أن يطحنها البائع، أو ثوبا على أن يخيطه، أو نحو ذلك1. 2- لو شرط رجل لامرأته - عند العقد - أن لا يخرجها من دارها أو بلدها، أو نحو ذلك2.
وجه التيسير: وجه التيسير في هذه القاعدة - عند القائلين بها - أن الله تعالى وسع على عباده فجعل ما يحتاجون إليه في معاملاتهم وشئون حياتهم معفوا عنه، والأصل فيه الجواز والصحة، إلا ما دل الدليل الشرعي على تحريمه، وفي هذا تيسير عظيم على المسلمين بحيث تستوعب الشريعة كل معاملة وعادة1 -تجدّ، ويكون فيها مصلحة - بالإباحة، ما لم تعارض نصا أو إجماعا2.
القاعدة العاشرة: الإكراه يسقط أثر التصرف، فعلا كان أو قولا.
القاعدة العاشرة: الإكراه يُسْقط أثر التصرف، فعلا كان أو قولا. ذكر هذه القاعد السبكي بهذا اللفظ في موضعين1، وذكرها الزركشي بنحوه2، وأشار إليها السيوطي، وابن نجيم حيث ذكرا جملة من أحكام المكره ولم يصرحا بنص القاعدة3. وقد فصل الأصوليون في ذلك عند بيانهم أحكام المكلفين وشروط التكليف4. معاني المفردات: الإكراه لغة: مصدره أكْره يُكْرِه، والكريهة: الشدة في الحرب.
والكُرْه: خلاف المحبة والرضا، وأكرهته على كذا: حملته عليه كُرْها1. وفي الاصطلاح: عرّفه العلماء بعدة تعريفات: منها حمل ((الغير)) على أمر يمتنع عنه بتخويف يقدر الحامل على إيقاعه ويصير ((الغير)) خائفا فائت الرضا بالمباشرة2. التصرّف: من الصّرف وهو: الرجوع، وردُّ الشيء عن وجهه. والصرف: التقلب والحيلة، يقال: فلان يصرف ويتصرّف ويصطرف لعياله، أي يكتسب لهم، ومنه التصرف في الأمور3. المعنى الإجمالي: المراد بهذه القاعدة أن ما صدر عن الإنسان من الأقوال أو الأفعال
حال كونه مكرهاً - أي مدفوعاً من قبل غيره بتهديد بقتل أو نحوه - فإنه لا يترتب على تلك التصرفات أثرها الذي يترتب عليها لو صدرت منه مختاراً. ومن ذلك سقوط الإثم عمن يُقدِم على فعل محرّم مُكرها. هذا هو معنى القاعدة إجمالا. بيد أن هذا الحكم ليس على إطلاقه، وبيان ذلك يقتضي شيئا من التفصيل؛ ذلك أن العلماء قسموا المكرَه - بسحب وسيلة الإكراه - إلى أقسام: أوّلها: الملْجأ وهو - عند جمهور الفقهاء - من كان مسلوب الإرادة لا اختيار له، بحيث يكون أداة محضة في يد المكرِه كالسكين في اليد القاطع، كأن يوثق ويحمل إلى دار حَلَفَ أن لا يدخلها، أو يُلقى من شاهق على إنسان فيقتله الملْقَى بثقله أو نحو ذلك. وهذا النوع لا يتصور إلا في الأفعال. أما عند الحنفية فإن الملْجأ هو من هُدّد بإتلاف نفسه، أو عضو من أعضائه بحيث يعْدِم هذا الإكراه رضا المكرَه ويفسد اختياره. وثانيها: غير الملجأ وهو - عند الجمهور - من أكْره على فعل فإتلاف نفسه أو عضو من أعضائه، أو بالضرب الشديد أو
نحو ذلك. وعند الحنفية هو من نقصت درجة إكراره عن إتلاف النفس أو العضو كمن أكره بالضرب، أو الحبس أو نحوهما. وأضاف بعض الحنفية قسما ثالثا وهو: من أكره بما يتعلق بغيره، كحبس الأب، أو الابن أو من يجري مجراهما، وقد اعتبر الجمهور وبعض الحنفية ذلك من قبيل القسم الثاني. ومما مضى يتبين أن الحنفية لم يعدّوا من يصبح كالأداة في يد مُكْرِهِه مُكْرَها فهو لا يدخل في تعريف الإكراه عندهم1.
وقد استثنى العلماء من هذه القاعدة بعض الصور كمن أكْرِه بقتله إن لم يقتل غيره فإنه لا يجوز له الإقدام على ذلك، ولا يسقط عنه الإثم؛ لأن فيه إيثارا للنفس1. الأدلة: يستدل لسقوط الإثم عن المكرَه - من حيث الجملة - بما يلي: 1) قول الله عز وجل: {مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلاّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالأِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} 2. قال الإمام الشافعي - بعد ذكر هذه الآية -: "وللكفر أحكام: بفراق الزوجة، وأن يقتل الكافر، ويُغْنم ماله. فلما وضع الله تعالى عنه ذلك سقطت أحكام الإكراه عن القول كله؛ لأن الأعظم إذا سقط عن الناس سقط ما هو أصغر منه"3.
2) قول الله تعالى: {لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلاّ أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ} 1. روى القرطبي عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال: "هو أن يتكلم بلسانه وقلبه مطمئن بالإيمان"2. 3) حديث: "إن الله تجاوز عن أمتي الخطأ، والنسيان، وما استكرهوا عليه"3. 4) قوله عز وجل: { ... قَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلاَّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ ... } 4. فإن الإكراه نوع من الاضطرار، كما جاء في الأثر عن عليّ رضي
الله عنه حيث أتى عمر رضي الله عنه بامرأة جهدها العطش فمرّت على راعٍ فاستسقت فأبى أن يسقيها إلا أن تمكنه من نفسها ففعلت، فشاور الناس في رجمها فقال علي رضي الله عنه: "هذه مضطرة أرى أن تخلى سبيلها، ففعل"1. وقال القرطبي عند تفسيره لهذه الآية: "الاضطرار لا يخلو أن يكون بإكراه من ظالم أو بجوع في مخمصة"2، وكذلك قاله الرازي3. 5) عموم قوله تعالى: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاّ وُسْعَهَا} 4 وما في معناها من الآيات5.
العمل بالقاعدة: اتفق العلماء على أن الإكراه أثرا في إسقاط الإثم عمن أقدم على ما لا يحل فعله، وعلى تغيير بعض الأحكام المترتبة على القول أو الفعل المكره عليهما1، وإن كانوا قد اختلفوا في بعض التفصيل، حيث اختلفوا في تكليف المكره، فذهب الجمهور إلى أن الإكراه لا يُعدم أهلية التكليف لكنه يَنْقُصها ويبقى المكره مكلفا2. قال ابن العربي3: "اتفق أهل السنة على جواز تكليف المُكْرَه،
وخالف في ذلك بعض المبتدعة"1. وقيّده بعضهم بما إذا لم يصل الإكرته إلى حدّ الإلجاء. قال ابن الحاجب2: "والمختار أنه إن بلغ حدًّا ينفي الاختيار لم يجز تكليفه"3.
وأطلق ابن جزي1 المالكي الحكم بعدم تكليف المكرَه وقال: "إنه الأشهر في مذهب مالك"2، ونُسِبَ القول بعدم تكليفه إلى الحنفية. وما في كتبهم يخالفه3. ولعل السبب في هذا الاختلاف في النقل عن الإمام أبي حنيفة وغيره، الاختلاف في المراد بالإكراه، فقد يطلق بعضهم أنه مكلف وهو يريد بالمكره مَن لم يفسد اختياره، ويطلق بعضهم أنه غير مكلف ويريد بذلك الملجأ الذي لا اختيار له. وذهب المعتزلة إلى أن المكره غير مكلف في عين ما أكره عليه4.
وإيضاحا لما قاله الجمهور من أن المكره مكلف أقول: إن مرادهم أن شروط التكليف - وهي: سلامة العقل، والبدن، والقدرة على الاختيار - موجودة فيه، ولم يرتبوا على القول بتكليفه تأثيمه بل قالوا: إنه وإن كان مكلفا فإنه لا يأثم إذا أكره على محرّم رخصة من الله تعالى1. أما من حيث الآثار المترتبة على أقوال المكرَه وأفعاله فإن الأصل الذي يبنى عليه الحنفية ذلك يتلخص في ثلاثة أمور: أولها: نوع الإكراه من حيث كونه مفسدا للرضا وللاختيار - وهو الإكراه بالإلجاء -، أو مفسدا للرضا دون الاختيار وهو
ما لا يصل إلى حد الإلجاء1. ثانيها: نوع الفعل المكره عليه من حيث إمكان نسبته إلى مكرِه أو عدمه2 وهذا في الأفعال دون الأقوال. ثالثها: نوع القول المكره عليه من حيث كونُه قابلا للفسخ، ويشترط فيه الرضا، أو ليس كذلك وهذا في الأقوال دون الأفعال3. أما الشافعية فالأصل - عندهم - في ذلك أن الإكراه إما أن يكون بحق فتترتب لآثاره عليه، وإما ألا يكون بحق فإن كان
مما أباح الشارع الإقدام عليه بسبب الإكراه لم تترتب لآثاره عليه في حق الفاعل، بل في حق المكرِه إن أمكن نسبة الفعل إليه وإلا فلا. وإن لم يبح الشارع الإقدام عليه فإن آثاره تترتب عليه كالقتل والزنا1. ويوافق المالكية، الحنابلة والشافعية فيما ذهبوا إليه من أن الإكراه إن كان بحق ترتبت آثاره عليه، وإن لم يكن بحق لم تترتب، وفروعهم دال على هذا. قال الخرشي المالكي2: "وإن أكره على الطلاق فلا يلزمه شيء لا
في القضاء ولا في الفتوى"1، وقال: "تنبيه: الإكراه الشرعي بمنزلة الطّوع"2. وقال الشيخ محمد الأمين3: " ... وأما في غير حق الغير فالظاهر أن الإكراه عذر يُسقط التكليف ... " الخ4. وقال ابن قدامة من الحنابلة: " ... وإن كان الإكراه بحق نحو إكراه الحاكم المولي على الطلاق بعد التربص إذا لم يفئ ... وقع الطلاق؛ لأنه قول حُمِل عليه بحق ... "الخ5.
في القضاء ولا في الفتوى"1، وقال: "تنبيه: الإكراه الشرعي بمنزلة الطّوع"2. وقال الشيخ محمد الأمين3: " ... وأما في غير حق الغير فالظاهر أن الإكراه عذر يُسقط التكليف ... " الخ4. وقال ابن قدامة من الحنابلة: " ... وإن كان الإكراه بحق نحو إكراه الحاكم المولي على الطلاق بعد التربص إذا لم يفئ ... وقع الطلاق؛ لأنه قول حُمِل عليه بحق ... "الخ5.
2- من أكره على الكفر فأتى بكلمة الكفر لم يصر كافرا، ولا يحكم عليه بأحكام المرتد1. 3- عدم صحة لإقرار المكرَه2. وجه التيسير: وجه التيسير في هذه القاعدة أن الله تعالى قد أسقط عن الإنسان الإثم إذا ما فعل محرما أو ترك واجبا وهو مكروه، ولم يجعل الله سبحانه وتعالى آثار ما يصدر عنه من فعل أو قول تترتب عليه مع أن مقومات التكليف من الفهم والقدرة على الاختيار موجودة فيه، وذلك رخصة من الله تعالى؛ لكون الإنسان - في تلك الحال - ناقص الأهلية فهو إنما يفعل دفعا عن نفسه فلم يلزمه الله تعالى بالصبر على ما هدد به من قتل أو نحوه حتى في أصل الشريعة وهو الإيمان صيانة لنفسه وحفظا لها فلله الحمد والمنّة3.
القاعدة الحادية عشر: الأمور بمقاصدها
القاعدة الحادية عشر: الأمور بمقاصدها ... القاعدة الحادية عشرة: الأمور بمقاصدها1. هذه القاعدة هي إحدى القواعد الكبرى التي عليها مدار الفقه، ولا يكاد يخلو كتاب من كتب القواعد الفقهية، أو من كتب الفقه من نص عليها، أو إشارة إلى معناها كما أنها قد وردت في بعض كتب الأصول2. وألف في موضوعها - وهو النية - كتب مستقلة3.
ويندرج تحت هذه القاعدة عدد من القواعد والضوابط الأخرى التي تقيدها أو توضح معناها منها: قاعدة ((لا ثواب إلاّ بنية)) ، وقاعدة ((ما تميّز بنفسه لا يحتاج إلى نية)) ، وقاعدة ((الصريح لا يحتاج إلا نية)) وغيرها1. معاني المفردات: الأمور: جمع أمر، وقد تقدم بيان معناه، وهو هنا بمعنى: الشيء، والشأن2. بمقاصدها: المقاصد جمع مقْصَد، أو مقصِد وهو: مصدر ميمي للفعل قَصَد، والقصد يطلق في اللغة بمعنى الأمّ وإتيان الشيء، ويطلق بمعنى: التوسط بين الإفراط والتفريط، وبمعنى: استقامة الطريق، ومعان أخرى3 والمراد - هنا - المعنى الأول. فالقصد هنا
بمعنى النية فكأن الناوي يؤّم بقلبه الشيء ويتوجه إليه للإتيان به. ويحسن هنا بيان معنى النيّة؛ لأنها مدار هذه القاعدة. فالنية لغة: مصدر نوى، وهي بمعنى: العزم، والقصد، وهي أيضا الوجه الذي ينويه المسافر1. وعرّفها بعض الفقهاء اصطلاحا بما لا يعدو المعنى اللغوي فمن ذلك قولهم: هي: القصد إلى الشيء والعزيمة على فعله، وهذا التعريف للنية ونحوه إنما هو باعتبار العرف العام. أما في اصطلاح الشرع فقد عُرفت بأنها: الإرادة المتوجهة نحو الفعل ابتغاء لوجه الله تعالى، وامتثالا لحكمه2. المعنى الإجمالي: المقصود بهذه القاعدة بيان أن الأعمال من قول وفعل تنبني - من حيث آثارها المترتبة عليها - على المقصود من ذلك العمل،
ونيّة العامل. فالعبادات - من حيث الجملة - لا تصح ولا تجزئ إلا مقترنة بالنية، ولا ثواب عليها إلا على أساس النية. والعمل المباح قد يثاب عليه الإنسان إذا ما أحسن نيته فيه، وقد يعاقب إذا أساء نيته، واللفظ لا يدل على معناه إلا إذا اقترن بنية ذلك المعنى ... وهكذا، ويستثنى من ذلك ما كان صريحا1. الأدلة: 1) الأصل في هذه القاعدة هو حديث: "إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى ... " 2 الحديث. والحديث - بعمومه - دال على جانب التكليف والتيسير في القاعدة.
قال ابن دقيق العيد1: "إن قول النبي صلى الله عليه وسلم: "وإنما لكل امرئ ما نوى"، يقتضي أن من نوى شيئا يحصل له - يعني إذا عمله بشرائطه - أو حال دون عمله ما يعذر شرعا بعدم عمله، وكل ما لم ينوه لم يحصل له"2. 2) ومما يدل على جانبها التيسيري ما رواه جبر3 رضي الله عنه قال: "كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة فقال: "إن بالمدينة لرجالا ما سرتم مسيرا ولا قطعتم واديا إلا كانوا معكم، حبسهم
المرض" 1. وفي رواية أخرى: " ... إلا شرِكوكم في الأجر" 2. قال النووي - رحمه الله - في شرح هذا الحديث: "وفي الحديث فضيلة النية في الخير، وأن من نوى الغزو وغيره من الطاعات فعرض له عذر منعه حصل له ثواب نيته ... "الخ كلامه3. 3) حديث: "من مات ولم يغزُ ولم يحدّث به نفسه مات على شعبة من النفاق"4. ووجه الدلالة منه: أنه لا يتوجه إلى من نوى فعل عبادة فمات
قبل فعلها من الذم ما يتوجه إلى من مات ولم ينوها1. 4) حديث: "ما من امرئ تكون له صلاة بليْل يغبله عليها نوم إلا كتب له أجر صلاته وكان نومه عليه صدقة" 2. ودلالة الحديث على أن أجره إنما هو على النية ظاهرة، إذ لم يقيّد ذلك بقضائه3. 5) ومما يدل على أن العمل المباح يحصل به ثواب إذا أحسنت فيه النية ما رواه أبو ذر4 رضي الله عنه أن ناسا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: "يا رسول الله ذهب أهل
الدثور1 بالأجور، يصلون كما نصلي ويصومون كما نصوم ويتصدقون بفضول أموالهم. قال: "أو ليس قد جعل الله لكم ما تصدّقون. إن بكل تسبيحة صدقة، وكل تكبيرة صدقة، وكل تحميدة صدقة، وكل تهليلة صدقة، وأمر بالمعروف صدقة، ونهي عن المنكر صدقة، وفي بُضْعِ2 أحدكم صدقة" قالوا: "يا رسول الله أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟ " قال: "أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه فيها وزر؟ فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له الأجر"3. قال النووي رحمه الله: "وفي هذا دليل على أن المباحات تصير طاعات بالنيات الصادقات"4.
والأحاديث الدالة على أهمية النيّة في العمل، وقيامها - عند العذر - مقام العمل كثيرة وما تقدم فيه كفاية إن شاء الله. العمل بالقاعدة: لا خلاف بين العلماء في اعتبار هذه القاعدة والعمل بها - من حيث الجملة - إذ إنها أصل من أصول الشرع، وقائمة على أدلة صحيحة ثابتة، وقد نقل عدد من العلماء الإجماع على مشروعية النيّة في مواضع كثيرة1. ولا يقدح في هذا الاتفاق كون العلماء قد اختلفوا في كون النية ركنا في العبادة، أو شرطا لها، ولا كونهم قد استثنوا بعض المواضع التي لا تحتاج إلى نية. فقد استثنى العلماء من حكم هذه القاعدة: 1) العبادات التي تتميز بنفسها عن العادات؛ وذلك لأن من
الأغراض المقصودة بالنية تمييز العبادة عن العادة1، فما لم يكن فيه حاجة إلى التمييز بينهما فإنه لا يحتاج إلى نية التقرب إلى الله بل يكفي مجرد القصد إلى الفعل ليخرج الذاهل، ومثلوا لذلك بالعبادات القلبية المتعلقة بالله تعالى كالخوف من الله تعالى، ورجائه، ومحبته ونحو ذلك. 2) النية: فإنها عبادة لكنها لا تحتاج إلى نية وإلا تسلسل الأمر. 3) أداء الديون وردّ المغصوب، ونحوها من الحقوق المالية لتحقق المراد دون نية، وإن كانت النية الحسنة تزيد على الأداء بتحصيل الثواب. 4) العادات كالأكل والشرب ونحوها فإنها في الأصل مشمولة
بعموم كلمة الأمور ويقال فيها ما قيل في أداء الديون1. أما التروك: فقد اختلف العلماء في اشتراط النية لصحتها فذهب طائفة من العلماء إلى اشتراطها وذهب آخرون إلى عدم اشتراطها، وبنوا ذلك على كون الترك يعتبر فعلا أو لا يعتبر. وجمع بعض العلماء بين القولين بجمع حسن؛ حيث قال: "إنه من حيث الخروج عن عهدة النهي فإنه لا تشترط النية بل يخرج المكلف عن عهدته ولو كان ذاهلا عنه، ولكنها تحتاج إلى نية التقرب إلى الله تعالى باعتبار حصول الثواب فإنه لا ثواب إلا بنيّة"2. إلا أنه يمكن القول: إنه قد يكفي في ذلك النية العامة بمعنى أنه لا يشترط أن يستحضر المكلف في ذهنخ كل نهي وينوي بتركه التقرب إلى الله تعالى ليحصل له الثواب. بل يكفيه في ذلك نيّة عامة بأن ينوي تجنب كل منهي عنه تقربا إلى الله تعالى وإن لم يستحضر في ذهنه أفراد المنهيات، والله أعلم.
من فروع القاعدة: يتفرع على هذه القاعدة مسائل كثيرة جدا1 فمن فروعها: 1- اشتراط التعيين فيما يلتبس كالصلوات المفروضة2. 2- ومنها اللقطة إن التقطها الملتقط بنية التملك دون تعريف كان ضامنا، فرّط أو لم يفرّط، وإن التقطها بنية تعريفها لم يضمن إلا أن يفرط فيها أو يجد صاحبها بعد تمام تعريفها إن كان قد انتفع بها3. 3- ومنها القتل فإن قَصَد الفاعل القتل كان عمدا ووجب فيه القصاص إذا لم يعف الولي، وإن لم يقصد القتل لم يكن
عمدا، ولم يجب فيه القصاص1. وجه التيسير: هذه القاعدة - كما قدمت - لها وجه تيسير ووجه تكليف فأما وجه التيسير فهو أنه قد يحصل للمكلف ثواب العمل وإن لم يعمله إذا نواه وعزم عليه ثم عرض له ما يمنعه منه، وأن الإنسان يؤجر على الفعل المباح الذي يفعله الناس بداعي الطبع وذلك إذا أحسن نيته فيه، كما للنية أثرا في إسقاط الإثم عمن لم يعمل الواجب وذلك إذا كان وقته موسعا وأخّره عازما على فعله2.
القاعدة الثانية عشر: انقلاب الأعيان هل له تأثير في الأحكام أم لا؟
القاعدة الثانية عشر: انقلاب الأعيان هل له تأثير في الأحكام أم لا؟ ... القاعدة الثانية عشرة: انقلاب الأعيان هل له تأثير في الأحكام أم لا؟. ذكر هذه القاعدة الونشريسي بهذا اللفظ1، كما أوردها المقري بصيغة أخرى حيث قال: "إذا اختلف حكم الشيء بالنظر إلى إلى أصله وحاله فقد اختلف المالكية بماذا يعتبر منهما)) 2، وقال في موضع آخر: "استحالة الفاسد إلى فساد لا تنقل حكمه، وإلى صلاح تنقل بخلافٍ يقوى ويضعف بحسب كثرة الاستحالة وقلتها، وبُعد الحال عن الأصل وقربه"3. كما أشار إلى معناها ابن سعدي عندما فرّق بين بعض الأعيان التي يتغير حكمها من النجاسة إلى الطهارة بتغيرها وتحولها، وبين بعض آخر لا يتغير حكمه بتغيره4.
وقد تقدمت قاعدة قريبة المعنى من هذه، وهي قاعدة ((اختلاف الأسباب بمنزلة اختلاف الأعيان)) 1، كما تضمنت الأمثلة التي مثل بها ابن رجب للقاعدة المتعلقة بالأعيان بالنسبة إلى تبدل الأملاك بعض صور هذه القاعدة2. والفرق بينهما - فيما يظهر لي - أن قاعدة ((اختلاف الأسباب ... )) مفروضة فيما اختلفت فيه الأسباب التي يبنى عليها الحكم مع بقاء العين على حالها، وأما هذه القاعدة فهي مفروضة فيما تحولت فيه العين إلى شيء آخر. معاني المفردات: انقلاب: مصدر الفعل انقلب، والانقلاب هو التحول، يقال: قَلَبه يَقْلُبه حوّله عن وجهه3. الأعيان: جمع عين، وقد تقدم بيان معناها4. الأحكام لغة: جمع حكم، والحكم هو القضاء، وأصله في اللغة
بمعنى المنع1. وفي اصطلاح الأصوليين عُرّف بأنه: خطاب الله التعلق بأفعال المكلفين بالاقتضاء، أو التخيير، أو الوضع، وعرّفه بعضهم بأنه: خطاب الشارع المفيد فائدة شرعية. وعُرّف بغير ذلك2. وهو في عرف الفقهاء: مدلول خطاب الشرع3.
المعنى الإجمالي: معنى هذه القاعدة أنه إذا تغير الشيء بعينه وتحوّل من حالة وصورة لها حكمها إلى حالة وصورة أخرى لها حكم آخر مغاير، فهل يتغيّر حكم هذا الشيء تبعا لتغير صورته، وبعبارة أخرى هل يكون حكم هذا الشيء باعتبار أصله، أو باعتبار حاله. ومثال ذلك تحوّل النجاسات التي تأكلها الدابة الجلاّلة1 إلى لحم ولبن، وظاهر عموم هذه القاعدة أنها تشمل هذه الحالة وتشمل عكسها، وهي تحوّل الطاهر إلى نجس، أو الصالح إلى فاسد. ولكن يبدو من أمثلة القاعدة أنهم يفرضونها فيما يتحوّل حكمه من الحرمة إلى الحل، دون عكس ذلك2 وينبغي أن يلاحظ أن كلمة انقلاب فيها دلالة على أن ذلك يكون فيما يقع بطبيعة تلك العين لا بفعل فاعل.
الأدلة: يستدل لهذه القاعدة - على اعتبار القول بتغير الحكم تبعا لتغير الشيء واستحالته - بأمرين: أحدهما: الإجماع على حكم بعض صور القاعدة، فقد نقل عدد من العلماء الإجماع على أن الخمر إذا انقلبت خلا بنفسها دون فعل من الإنسان فإنها تطهر1. والثاني: القياس؛ إذ القياس يقتضي أنه إذا زال الموجب للنجاسة - مثلا - زالت النجاسة، وإذا زال الموجب للتحريم زال التحريم وهكذا. قال ابن رشد2 رحمه الله: " ... أما الجلالة - وهي التي
تأكل النجاسة - فاختلفوا في حكمها، وسبب اختلافهم معارضة القياس للأثر. أما الأثر فما روي: "أنه صلى الله عليه وسلم نهى عن لحوم الجلالة وألبانها"1. وأما القياس المعارض لهذا فهو أن ما يَرِدُ جوف الحيوان ينقلب إلى لحم ذلك الحيوان وسائر أجزائه، فإذا قلنا: أن لحم الحيوان حلال2 وجب أن يكون لما ينقلب من ذلك حكم ما ينقلب إليه وهو اللحم ... "الخ كلامه3.
ومما يدل على معارضة هذا القياس - أيضا - حديث أنس1 رضي الله عنه: "أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن الخمر تتخذ خلا فقال: "لا"" 2. وحديث أبي طلحة3 رضي الله عنه: "أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن أيتام ورثوا خمرا قال: "أهرقها"، قال: "أفلا أجعلها خلا؟ " قال: "لا" "4.
العمل بالقاعدة: لقد صاغ علماء المالكية بصيغة الاستفهام1 دليلا على الاختلاف - عندهم - فيها. وبالنظر إلى كتب الفروع نجد أن المالكية والحنفية هم الأكثر قولا بكون الأعيان إذا انقلبت وتحولت كان لذلك تأثيرا في تغيّر حكمها. يدل على هذا تعليلهم - في مواضع متعددة - الحكم بطهارة ما كان أصله نجسا بكونه استحال إلى صلاح وطهارة2. وإن كان هذا لا يعني اطّراد القاعدة في كل فرع. وأما الشافعية، والحنابلة فقد ودر في كتبهم ما يدل على عدم أخذهم بهذه القاعدة، فقد قال الشيرازي3 من الشافعية: "ولا يطهر شيء من النجاسات بالاستحالة إلاّ شيئين أحدهما: جلد
الميتة إذا دبغ ... ، والثاني: الخمر إذا استحالت بنفسها خلا فتطهر بذلك"1. وقال ابن قدامة: "ظاهر المذهب أنه لا يطهر شيء من النجاسات بالاستحالة إلا الخمر إذا انقلبت بنفسها خلا، وما عداه لا يطهر"2. وأما ما ورد الدليل بحكمه وهو الخمر الذي يستحيل بنفسه إلى خل3 فقد أجمعوا على طهارته كما تقدم، وما ورد الدليل فيه بعكس ذلك - وهو لحوم الجلالة - فإن الجمهور علىة كراهته، ونقل عن بعضهم تحريمه، وأجازه المالكية، ونقل ابن جزي عنهم فيه خلافا"4.
من فروع القاعدة: 1- إذا استحالت الخمر خلا بنفسها تغير حكمها من النجاسة إلى الطهارة1. 2- ومنها لحم الجلاّلة فإنه يحرم أكله، أو يكره، فإذا حبست مدة زالت الحرمة أو الكراهية؛ لأن ما أكلته قد استحال لحما ولبنا2. 3- الزروع المسقاة بنجاسة أو سمدت بها فعلى الأخذ بهذه القاعدة لا تحرم، وقال بعض الفقهاء: إنها تحرم3. وجه التيسير: يتضح التيسير على القول بأن ما يحرم الانتفاع به إذا
استحال إلى عين أخرى يحل الانتفاع بها تغير حكم تلك العين إلى إباحة الانتفاع بها؛ وذلك لأن فيه مراعاة لمصلحة الناس من حيث إنه يمكنهم الانتفاع بتلك الأعيان. أما على القول بأن هذه الاستحالة لا تغير حكم العين فإن الحكم في تلك العين يكون باقيا على أصله.
القاعدة الثالثة عشر: تعلق الحكم بالمحسوس على ظاهر الحس لا على باطن الحقيقة
القاعدة الثالثة عشر: تعلق الحكم بالمحسوس على ظاهر الحس لا على باطن الحقيقة ... القاعدة الثالثة عشرة: تعلق الحكم بالمحسوس على ظاهر الحس لا على باطن الحقيقة. ذكر هذه القاعدة المقري من المالكية1 وألمح إليها ابن تيمية وإن لم يذكرها بصيغة القاعدة2. معاني المفردات: المحسوس: اسم مفعول من حسّ، والحس هو: الشعور، والإحساس هو: العلم بالحواس - أي بواسطتها - وهي السمع، والبصر، والشمّ، والذوق، واللمس3. الظاهر: اسم فاعل من ظَهَرَ، يقال: ظهر الشيء ظُهوراً تبيّن، والظاهر: خلاف الباطن4.
الباطن: اسم فاعل من بَطَنَ أي خفي، والباطن: داخل كل شيء1. الحقيقة: فعلية من الحق، والحق خلاف الباطل، ويقال: حَقَقْتُ الأمر، وأحْقَقْته إذا تحققته، وصرت منه على يقين، وتطلق الحقيقة ويراد بها خلاف المجاز، ويراد بها: ما يحق على الرجل أن يحميه2. المعنى الإجمالي: المراد بهذه القاعدة أن الشارع إذا علق حكما من الأحكام على أمر من الأمور المحسوسة لزوما أو انتفاء فإن المطلوب من المكلفين إنما هو مراعاة ذلك الأمر على حسب ظاهره - أو ما يظهر من دلالته - وليسوا مطالبين بمعرفة تحقق ذلك المحسوس عن طريق البحث في بواطن الأمور؛ إذ ليس من شأن الشرع أن يبني الأحكام على العلل الخفية، وقد مثّل المقري لذلك بتعليق الحكم بدخول الشهر وخروجه على رؤية الهلال، وتعليق الصوم والإفطار بطلوع الفجر، وغروب الشمس. وتحسن الإشارة هنا إلى أن قول المقري: "تعلق الحكم بالمحسوس
على ظاهر الحس" لا يعني - فيما أرى - أن الشارع قد يعلق الحكم على أمر غير محسوس وإنما مراده أن الشارع لا يعلق الأحكام إلاّ على أشياء محسوسة؛ لأن هذا هو الذي يناسب تعليله بقوله: "لأنا أمّة أميّة". والله أعلم. الأدلة: تؤخذ هذه القاعدة من عدد من الآيات زالأحاديث دلت على تعليق الحكم الشرعي بأمور محسوسة للناس. من ذلك: 1) قول الله تعالى: { ... وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْل ... } 1. فقد علق الله تعالى الإمساك على تبيّن طلوع الفجر بالبصر، وعلّق الإفطار على دخول الليل بغروب الشمس. 2) حديث: "إذا أقبل الليل من ههنا، وأدبر النهار من ههنا،
وغربت الشمس فقد أفطر الصائم"1 وهو في معنى الآية. 3) حديث: "إنا أمّة أميّة لا نكتب ولا نحسب، الشهر هكذا وهكذا، يعني مرة تسعة وعشرين، ومرّة ثلاثين" 2.وهذا الحديث هو الذي أشار إليه المقري في تعليل هذه القاعدة حيث قال: "لأنّا أمّة أميّة"3. 4) حديث: "صموا لرؤيته وأفطروا الرؤية ... " 4.
وهذان الحديثان في موضوع واحد، وهو الحكم بدخول شهر رمضان وخروجه. قال الحافظ ابن حجر في شرح حديث "إنّا أمّة أميّة": " ... والمراد بالحساب هنا: حساب النجوم وتسييرها، ولم يكونوا يعرفون منه إلا النزر اليسير، فعلق الحكم بالصوم وغيره بالرؤية لرفع الحرج عنهم في معاناة حساب التسيير، واستمر الحكم في الصوم، ولو حدث بعدهم من يعرف ذلك. بل ظاهر السياق يُشعر بنفي تعليق الحكم بالحساب أصلا ... " الخ كلامه1. 5) أحاديث مواقيت الصلاة وهي كثير منها: حديث سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن وقت الصلاة فقال: "وقت صلاة الفجر ما لم يطلع قرن الشمس الأول، ووقت صلاة الظهر إذا زالت الشمس عن بطن السماء ما لم يحضر وقت العصر، ووقت العصر ما لم تصفرّ الشمس، ويسقط قرنها الأول، ووقت صلاة المغرب إذا غابت الشمس ما لم يسقط الشفق، ووقت صلاة العشاء إلى
نصف الليل"1. العمل بالقاعدة: بالنظر في المسائل الفقهية نجد أن المذاهب الأربعة تعتمد هذه القاعدة تعمل بموجبها فقد اتفق الفقهاء على أن الشارع بنى الحكم بدخول شهر رمضان وخروجه - ومن ثم وجوب الصيام ووجوب الفطر - على رؤية الهلال أو إتمام عدة الشهر2، وعلى أن الشارع قد حدد بداية اليوم الذي يصام بطلوع الفجر، ونهايته بغروب الشمس3 وعلى أن مواقيت الصلاة تعرف بأمور محسوسة للجميع كالزوال، والغروب، وطلوع الفجر، ومقدار الظل ونحو ذلك من
الأمور المحسوسة1، وأن المطلوب في ذلك كله إنما هو معرفة ذلك بالأمور الظاهرة المحسوسة لا بالأمور الباطنة الخفية. وما ذكر من فروع فقهية على هذه القاعدة يغني عن إعادتها. وجه التيسير: تتضمن هذه القاعدة التيسر على المكلفين من حيث إن العبادات ومواقتها وما إلى ذلك مما يحتاج إلى معرفته المكلفون قد علقت على أمور محسوسة لا تَكَلُّفَ في تعلمها ولا عناء في معرفتها؛ ليتمكن كل مسلم من إدراكها، سواء كان متعلما أو جاهلا، ولم يكلف الناس بأن يعرفوا هذه الأمور بالطرق الخفية التي لا يحسنها إلا الأقلون، وهذا فيه من التيسير على الناس ما لا يخفى، إضافة إلى أن إسناد الأحكام الشرعية إلى الأمور المحسوسة التي يشترك في إدراكها الجميع يقلل من حدوث الخطأ والاختلاف بين المسلمين2، والله أعلم.
القاعدة الرابعة عشر: تفويت الحاصل ممنوع بخلاف تحصيل ما ليس بحاصل
القاعدة الرابعة عشر: تفويت الحاصل ممنوع بخلاف تحصيل ما ليس بحاصل ... القاعدة الرابعة عشرة تفويت الحاصل ممنوع بخلاف تحصيل ما ليس بحاصل. أورد هذه القاعدة السيوطي1، كما أوردها الزركشي ضمنا بقوله: "القدرة على التحصيل كالقدرة على الحاصل فيما يجب له، وليس كالحاصل فيما يجب عليه"2 وهو قيد للقاعدة وسيأتي إيضاحه قريبا إن شاء الله. وأورد ابن رجب ما يشير إلى معنى هذه القاعدة حيث قال: "القدرة على اكتساب المال بالصناعات غنى بالنسبة إلى نفقة نفسه ومن تلزمه نفقته من زوجة وخادم"3. معاني المفردات: تفويت: مصدر فّوّت يفوّت، وفاته الأمر ذهب عنه4.
الحاصل: اسم فاعل من حَصَلَ، والحاصل هو: ما بقي وثبت من كل شيء1. ممنوع: اسم مفعول من مَنَعَ يَمْنَعُ، والمنع خلاف الإعطاء2. وهو - هنا - بمهنى المحرّم، والمحرّم في الاصطلاح عُرّف بأنه: ما يذم -شرعا - فاعله، وعرف بغير ذلك3. المعنى الإجمالي: تتألف هذه القاعدة من شقين: الأول: منهما أنه لا يجوز تفويت ما قد تحصل للمكلف مما هو سبب لواجب، أو شرط له بالاتلاف، أو غيره من وجوه التفويت؛ لأن ذلك يؤدي إلى تفويت القدرة على أداء الواجب، ومثال ذلك: من كان معه ماء فأراقه في الوقت ولم يكن على طهارة، أو كان على طهارة وقد دخل الوقت وليس معه ماء فنقص وضوءه، وهذا مقيّد بعدة قيود، منها:
1) أن يكون تفريته غير مشروع، ولذا فقد قيد السيوطي المثال المذكور بقوله: "سفها"1. 2) أن يكون ذلك موصلا إلى تفويت واجب، فلو فوّته وأمكنه أداء الواجب لم يحرم ذلك إلا من باب الإسراف، إذا كان ذلك مما يتعلق به الإسراف. والثاني منهما: أن ما لم يكن متحصلا للمكلف مما هو سبب أو شرط2 للوجوب لا يجب على المكلف تحصيله ولو كان قادرا على ذلك فقوله: "بخلاف تحصيل ما ليس بحاصل" يقدر - بعده - "فإنه غير واجب" ويوضّح الشقّ الثاني من القاعدة: القاعدة الأصولية: ((ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب)) ، وما قاله العلماء في إيضاح
معناها. حيث ذهب المحققون منهم إلى أن ما لا يتم الوجوب إلا به فليس بواجب؛ لأن الإنسان - في هذه الحال - لم يتعلق بذمته ذلك الواجب. وأما ما لا يتم الواجب إلا به فإنه يجب على الإنسان تحصيله؛ لأن تكليفه بالواجب تكليف بلازمه أو مقدمته1. وعبر بعضهم عن هذا المعنى بقوله: "إن الواجب المقيد لا يلزم تحصيل ما لا يتم إلا به، والواجب المطلق يجب تحصيل ما لا يتم إلا به، ويَعْنُون بالواجب المقيد ما يكون التكليف به مقيدا ببعض الشروط كالحج، وجوبه مشروط بالاستطاعة. فهذا هو شرط الوجوب. وبالواجب المطلق ما يجب دون شروط زائدة على شروط التكليف، كالصلاة فإنها واجب مطلق فيجب تحصيل ما لا تتم إلا به كالطهارة وهذا هو شرط الصحة2. وقد فرق الزركشي في هذه القاعدة بين ما يجب للإنسان وبين ما يجب عليه، فأما ما يجب له فإن القدرة على تحصيله تجعله
كالحاصل، وذلك مثل الفقير القادر على الكسب بالنسبة إلى نفقة نفسه، فإنه يجب عليه، تحصيل تلك النفقة، ولا يلزم قريبه أن ينفق عليه في هذه الحال، وأما ما يجب عليه فإن القدرة على تحصيله لا تجعله كالحاصل، مثل المفلس، فإنه لا يجب عليه الاكتساب لوفاء دينه1. الأدلة: تقدم أن هذه القاعدة ذات شقين، والمراد هنا - أولا - الاستدلال للشق الثاني منها؛ لأنه هو الذي يتضمن التيسير بحسب المنهج الموضوع لهذا الكتاب. فمما يدل على ذلك: 1) قول الله تعالى: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ ... } 2. 2) حديث أبي سعيد الخدري3 رضي الله عنه قال: "أصيب
رجل في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثمار ابتاعها فكثُر دَيْنُه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تصدقوا عليه"، فتصدق الناس عليه، فلم يبلغ ذلك وفاء دينه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لغرمائه: "خذوا ما وجدتم، وليس لكم إلاّ ذلك"1. فقد أورد الإمام القرطبي هذا الحديث في تفسير الآية الكريمة المتقدمة، ثم قال: "وهذا نص فلم يأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بحبس الرجل ولا بملازمته ولا كلفه أن يكتسب"2. 3) حديث الأعرابي الذي جامع امرأته في شهر رمضان حيث قال له صلى الله عليه وسلم: "أتجد ما تحرر رقبة؟ " قال: "لا"، قال: "فتستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟ " قال: "لا"، قال: "أفتجد ما تطعم به ستين مسكينا؟ "، قال: "لا"، قال - أي الراوي - فأتي النبي صلى الله عليه وسلم بعَرَقٍ فيه تمر - وهو الزبيل -3 قال: "أطعم هذا
عنك"، قال: "على أحجوج منّا؟ ما بين لابتيها أهل بيت أحوج منّأ. قال: "فأطعمه أهلك" 1. ووجه الدلالة منه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يأمره بالاكتساب ليحصّل ثمن الرقبة، أو ما يطعم به ستين مسكينا. وأما الشق الأول وهو أن تفويت الحاصل ممنوع فيصح أن يستدل عليه - تتميما للفائدة - بحديث: " ... لا يجمع بين متفرق ولا يفرّق بين مجتمع خشية الصدقة"2. ففي هذا الحديث نهي عن أن يجمع الرجل ماله إلى مال غيره لتخف عنهم الزكاة، وفي هذا نوع من تفويت الحاصل بتفويت الملك الخاص، وقد نُهي عنه لما فيه من الفرار من الزكاة، وكذلك فيه النهي عن
أن يفرق ما اجتمع لتخفف عن الشريكين الزكاة، وفيه تفويت ما حصل من الشركة لتخفيف الزكاة. ومثال الصورة الأولى أن يكون ثلاثة نفر عند كل واحد منهم أربعون شاة تجب فيها الزكاة شاة واحدة على كل واحد منهم فيجمعونها ليكون الواجب عليهم جميعا شاة واحدة. ومثال الصورة الثانية أن يكون للخليطين مائتا شاة فيكون عليهما فيها ثلاث شياة فيفرقونها ليكون الواجب على كل منهما شاة واحدة1. العمل بالقاعدة: يدل كلام الفقهاء على أن هذه القاعدة معمول بها عند الجميع - من حيث الجملة - وإن تفاوتوا في مدى تطبيقها. من ذلك قول ابن عابدين2 من الحنفية: "لو وهب الأب لابنه مالاً
يحج به لم يجب قبوله؛ لأن شرائط الوجوب لا يجب تحصيلها"1، وما جاء في حاشية رد المحتار: "لو أبرأ مديونه الموسر تلزمه الزكاة؛ لأته استهلاك"2 وهذا فيه دلالة على العمل بشقي القاعدة بمنطوقه ومفهومه وقول الخرشي - شرحا لما في المختصر -: "ولو تكلفه أي المعسر جاز" - يعني أن المظاهر المعسر إذا تكلف العتق واشترى رقبة فإنه يجزئه"3، ثم قال: "ومعنى جاز مضى؛ لأته قد يكون حراما كما إذا كان لا يقدر على وفاء الدين أو لا يعلم أربابه بالعجز عنه وقد يكون مكروها كما إذا كان بسؤال؛ لأن السؤال مكروه ... "4. وصرحوا أنه لا يُلْزَم المفلس بالتكسب لغرمائه ليوفي ما عليه من الدين، ولا يجوز له التفريط في ماله5. على أنهم قالوا بلزوم بيع بعض ما يملكه المكلف ليتمكن به من
الحج1. ويمكن أن يوجه هذا بأن ذلك مال متحصل عنده ولم يُلْزَم بتحصيله. وقول النووي في المفلس: "من قواعد الباب أن المفلس لا يؤمر بتحصيل ما ليس بحاصل ولا يُمكَّن من تفويت ما هو حاصل"2. وقول ابن قدامة في المفلس: "ولا يجبر على قبول هدية ولا صدقة ولا قرض، ولا تجبر المرأة على التزوج ليأخذ مهرها"3، وقال: "وإن جُني على المفاس جناية توجب المال ثبت المال وتعلقت به حقوق الغرماء ولا يصح منه العفو"4. من فروع القاعدة: 1- المفلس فإنه يحجر عليه فلا يتصرف - في ماله - إلا بما لا بدّ
له منه لكنه لا يلزم بتحصيل ما ليس عنده من المال من أجل أداء الدين1. 2- من أراق ما معه من ماء في الوقت سفها فلم يتوضأ، وصلى بالتيمم فإنه يأثم 0 على قول -، ومن اجتاز بماء في الوقت فلم يتوضأ ثم صلى بالتيمم لا يأثم، وهل يعيد صلاته؟ 2. وجه التيسير: وجه اعتبار هذه القاعدة من قواعد التيسير هو النظر إلى شقها الثاني وهو: أن تحصيل ما ليس بحاصل للمكلف لا يجب، وإن ترتب على ذلك عدم تحقق تكليفه بذلك الأمر، فإن الشارع لم يوجب على المكلف ذلك، ولم يؤاخذه على عدم تحصيله، ولم ينسبه إلى التفريط في تلك الحال، والله أعلم.
القاعدة الخامسة عشر: الحاجة تنزل منزلة الضرورة، عامة كانت أو خاصة.
القاعدة الخامسة عشر: الحاجة تنزل منزلة الضرورة، عامة كانت أو خاصة. ... القاعدة الخامسة عشرة الحاجة تنزل منزلة الضرورة عامة كانت أو خاصة. ذكر هذه القاعدة عدد من العلماء منهم إمام الحرمين1، والسيوطي2، وابن نجيم3، والزركشي4 وقد جعلها قاعدتين إحداهما في الحاجة العامة، والأخرى في الحاجة الخاصة. وأشار إليها عدد منهم، كابن عبد السلام5، وابن تيمية6، والعلائي7.
وأورد الونشريسي من الأمثلة على قاعدة ((الضرورات تبيح المحضورات)) ما يصلح لإدراجه تحت هذه القاعدة1. وقال ابن نجيم: "إنها متفرعة من قاعدة ((الضرر يزال)) 2. معاني المفردات: الحاجة لغة: هي الاضطرار إلى الشيء، وتطلق على الافتقار نفسه، وعلى الشيء الذي يُفْتَقَر إليه، وقيل: هي القصور عن المبلغ المطلوب3. وفي الاصطلاح: يمكن تعريفها من خلال تعريف العلماء للحاجيات4 حيث عرف الشاطبي بأنها: "المصالح المفتقر إليها من حيث التوسعة ورفع الضيق المؤدي – في الغالب – إلى
الحرج والمشقة اللاحقة بفوت المطلوب1. فيقال في الحاجة: إنها حالة تطرأ على الإنسان يخاف معها فوت شيء من المصالح المفتقر إليها من حيث التوسعة، بحيث لا تندفع إلا بارتكاب محرّم، أو ما يخالف القواعد العامة للشرع2. الضرورة لغة: من الضرر وهو: خلاف النفع3. وفي الاصطلاح: يمكن تعريفها من خلال تعريف العلماء للضروريات حيث عرّف الشاطبي الضروريات بأنها: "المصالح التي لابد منها في قيام مصالح الدين والدنيا، بحيث إذا فقدت لم تجر مصالح الدنيا على استقامة، بل على فساد، وتهارج، وفوت حياة، وفي الأخرى فوت النجاة، والنعيم، والرجوع بالخسران المبين". ثم قال: "والضروريات هي: حفظ الدين، والنفس، والنسل، والمال، والعقل"4.
فقيل في تعريف الضرورة: إنها حالة من الحظر تطرأ على الإنسان يخاف معها فوت شيء من المصالح التي لابد منها في قيام مصالح الدين والدنيا، بحيث لا تندفع هذه الضرورة إلا بارتكاب المحرّم، أو ترك الواجب، أو تأخيره عن وقته1. عامة: اسم فاعل مؤنث من عمّ أي شمل. يقال: عمهم بالعطية أي شملهم2. والمراد بالحاجة العامة ما تتعلق بأغلب الناس3. خاصة: اسم فاعل مؤنث من خصّ فلانا بالشيء أي أفرده به4
والمراد بالحاجة الخاصة ما يكون تعلقها بفئة معينة، أو أهل صنعة، أو بلد، أو نحوها، وليس المراد بها ما تتعلق بشخص بعينه بحيث لا تتعداه إلى من هو في مثل حاله؛ لأن تعليق الحكم بهذا النوع من الحاجة الخاصة إنما هو من خصائص زمن التشريع فالخصوص – هنا - نسبي1. المعنى الإجمالي: معنى هذه القاعدة أن الحاجة العامة التي تتعلق بأغلب الناس، وكذلك التي تختص بفئة تنزل منزلة الضرورة فتعطى حكمها من حيث إباحة المحظور وإن كانت الحاجة في مرتبة دون مرتبة الضرورة وهي أقل باعثا على مخالفة قواعد الشرع العامة وعنى هذا أن الأصل أن هذا الحكم – أعني اللجوء إلى ارتكاب المحرّم أو مخالفة قواعد الشرع العامة – إنما هو من شأن الضرورات محافظة على المصالح الضرورية لكننا وجدنا من أدلة الشرع ما يدل على أن
الحاجة قد تعطي حكم الضرورة تيسيرا على العباد وتسهيلا لشؤون معاشهم، وقد تقدم بيان معنى كل من الضرورة والحاجة وبيان الفرق بين حقيقتيهما. وقد فرق بعضهم بينهما من جهة أن حكم الضرورة مؤقت بزمان تلك الضرورة، وحكم الحاجة مستمر1. ومع هذا فقد تطلق الضرورة ويراد بها الحاجة2. على أن حكم هذه
القاعدة ليس على إطلاقه فقد اشترط العلماء في الحاجة المبيحة للمحظور شروطا أهمها ما يلي: 1) أن تكون الشدة الباعثة علة مخالفة الحكم الشرعي الأصلي بالغة درجة الحرج غير المعتاد. 2) أن يكون الضابط في تقدير تلك الحاجة النظر إلى أواسط الناس ومجموعهم بالنسبة إلى الحاجة العامة، وإلى أواسط الفئة المعينة التي تتعلق بها الحاجة إذا كانت خاصة. 3) أن تكون الحاجة متعينة بألا يوجد سبيل آخر للتوصل إلى الغرض سوى مخالفة الحكم العام. 4) أن تقدر تلك الحاجة بقدْرها كما هو الحال بالنسبة إلى الضرورات. 5) ألاّ يخالف الحكم المبني على الحاجة نصا من كتاب الله تعالى أو سنة رسوله صلى الله عليه وسلم على حكم ذلك الأمر بخصوصه، وألاّ يعارض قياسا صحيحا أقوى منه، وأن يكون مندرجا في مقاصد الشرع، وألاّ تفوت معه مصلحة أكبر1.
وعلى هذا فإنه يمكن القول: إن هذه القاعدة لا تحقق تحققا صحيحا إلا إذا كان الحكم القائم على الحاجة مستثنى من حكم عام أو في معنى المستثنى منه وهذا الاستثناء إما أن يكون بنص شرعي دل على أن مبنى الترخيص فيه هو الحاجة، وإما أن يكون مبنيا على اجتهاد المجتهدين أخذا من قواعد الشرع العامة، أو قياسا على ما ثبت حكمه بالنص؛ وذلك لأن تنزيل الحاجة منزلة الضرورة معناه إباحة ما ظاهره التحريم، ومن أجل هذا ذهب كثير من الفقهاء إلى أن هذا إنما يكون فيما خالف القياس1.
الأدلة: يستدل لهذه القاعدة بما ورد من النصوص التي تضمنت إباحة بعض الأشياء وعُلّل ذلك فيها بالحاجة، ومن ذلك: 1) حديث: "حرّم الله مكة ولم تحل لأحد قبلي، ولا لأحد بعدي أُحلت لي ساعة من نهار لا يُخْتلى خلاها، ولا يعضد شجرها، ولا ينفّر صيدها، ولا تلتقط لقطتها إلا لمعرّف، فقال العباس1 رضي الله عنه: إلا الإذخر2 لصاغتنا وقبورنا فقال:
" إلا الإذخر" 1. قال الحافظ ابن حجر في شرح هذا الحديث: "حكي عن ابن بطال2 ان الاستثناء – هنا – للضرورة كتحليل أكل الميتة عند الضرورة، وتعقبه ابن المنيِّر3 بأن الذي يباح للضرورة يشترط
حصولها فيه فلو كان الإذخر مثل الميتة لامتنع استعماله إلا فيمن تحققت ضرورته إليه، والإجماع على أنه مباح مطلقا بغير قيد الضرورة1. 2) حديث: "رخص النبي صلى الله عليه وسلم أن تباع العرايا2 بخرصها3 تمرا" 4.
وقد جاء في بعض روايات الحديث النص على العلة حيث أخرج الإمام الشافعي أنه قيل لرجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إما زيد1 وإمت غيره: "ما عراياكم هذه؟ قال فلان وفلان وسمى رجالا محتاجين من الأنصار شَكَوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الرطب يأتي ولا نقد في أيديهم يتبابعون به رطبا يأكلونه مع الناس، وعندهم فضول من قوتهم من التمر، فرخصّ لهم أن يتبايعوا العرايا بخرصها من التمر الذي في أيديهم يأكلونها"2. وقد بين العلماء معتى العرايا بما يدل على أن سبب الترخيص فيها هو: الحاجة إليها3.
3) ما رواه الإمام البخاري عن عاصم الأحول1 قال: "رأيت قدح النبي صلى الله عليه وسلم عند أنس بن مالك وكان انصدع فسلسله2 بفضة ... " الحديث3. ففي الحديث جواز ذلك، وقد علله العلماء بالحاجة؛ لأنه قد ثبت النهي عن الشرب في آنية الذهب والفضة4. 4) حديث أنس رضي الله عنه قال: "رخّص رسول الله صلى الله عليه وسلم
للزبير1 وعبد الرحمن2 في لُبْس الحرير لحكّة بهما"3. ووجه الدلالة منه استثناء هذه الحالة من حكم لبس الحرير للرجال، وهو النحريم4. العمل بالقاعدة: لقد عمل فقهاء المذاهب الأربعة بهذه القاعدة فعللوا صحة بعض العقود وغيرها بحاجة الناس إليها، وإن كان النص قد ورد
بحكمها أو حكم بعضها، ومن ذلك الإجارة، والجعالة1، والسَّلَم2، وغيرها3.
من فروع القاعدة: 1- جواز عقد الإجارة فإنه عقد على منافع لم توجد بعد. لكن الشارع أجازها للحاجة1. 2- جواز تضبيب الإناء بالفضة للحاجة إليه كما هو رأي الجمهور، وذهب المالكية إلى منع استعماله2. 3- إباحة النظر إلى المرأة للحاجة من معاملة ونحوها3. وجه التيسير: لا يخفى ما في هذه القاعدة من التيسير، فإن الله تعالى قد أقام حاجة الناس التي تبلغ درجة الضرورة، مقام الضرورة فأباح للمكلفين – بسبب الحرج – ما يحتاجون إليه على سبيل الاستثناء من قواعد الشرع العامة4.
القاعدة السادسة عشر: حقوق الله مبنية على المسامحة.
القاعدة السادسة عشر: حقوق الله مبنية على المسامحة. ... القاعدة السادسة عشرة: حقوق الله مبنيّة على المسامحة. ذكر هذه القاعدة – بهذه الصيغة - الزركشي1، وألمح إليها عدد من العلماء تعليلا لتقديم حقوق العباد على حقوق الله تعالى2 كما أشار إليها بعضهم عند تفصيل القول في القاعدة ((الإسلام يجب ما قبله)) حيث قُيّدت بكون ذلك فيمت يتعلق بحقوق الله تعالى3. ويستفاد معناها من مجموع قاعدتي ((الضرورات تبيح المحظورات)) ، و ((الاضطرار لا يبطل حق الغير)) حيث يتبين أن إباحة المحظور في حال الاضطرار مطلقا إنما هو فيما يتعلق بحق
الله سبحانه، أما فيما يتعلق بحق الآدمي فإنه وإن أبيح في حال الضرورة إلا أنه مشروط بضمانه1. معاني المفردات: حقوق: جمع حق يقال: حقّ الشيءُ، أي وجب، وأحققتُ لشيءَ أوجبته، والحق: نقيض الباطل، ومادة (حق) في أصلهاتدل على إحكام الشيء وصحته2. المسامحة: هي المساهلة، والسماح والسماحة: الجود3. المعنى الإجمالي: المراد بهذه القاعدة أن ما يلزم المكلف من حقوق الله تعالى فإن مبناها على المسامحة بحيث إذا شق على المكلف أداء ذلك الحق مشقّة معتبرة سقط عنه من الحق بقدر تلك المشقة؛ لأن الله تعالى لا يلحقه ضرر بنقصان تلك الحقوق، أو عدم أدائها. وهذه التكاليف إنما هي لتمييز المطيع من العاصي. ومفهوم هذه القاعدة أن حقوق العباد مبنيّة على المشاحّة والمطالبة:
وذلك لحاجة الناس إليها، فلا تسقط إلا بإسقاط أصحابها لها، وقد صرّح البعض بهذا المفهوم1. والمراد بهذه القاعدة ما هو حق خالص لله تعالى، وذلك أنه قد تتداخل حقوق العباد مع حق الله تعالى في بعض المواضع2. الأدلة: يستدل لهذه القاعدة بعدة أمور منها: أولا: وقوع الرخص والتخفيفات في حقوق الله تعالى كقصر الصلاة والجمع بين الصلاتين في السفر، وكالتيمم عند عدم الماء، وكتأخير الصيام للمسافر في شهر رمضان إلى أيام أخر ... ، وغير ذلك كثير.
ثانيا: حديث: "ادرؤا الحدود بالشبهات" 1. وما في معناه من الأحاديث الدالة على دفع الحدود بالشبهات المحتملة2.
ثالثا: ما يدل بعمومه على رفع الحرج كقوله تعالى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} 1، وكقوله تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} 2. رابعا: أن العلماء قد ذكروا للتوبة – فيما يتعلق بحقوق الله تعالى – ثلاثة شروط، وهي: الإقلاع عن الذنب، والعزم على عدم العود، والندم على ما مضى.
وزادوا – فيما يتعلق بحقوق العباد – شرطا رابعا وهو أن يؤدي ذلك الحق إلى صاحبه، أو يتحلله منه1. فتبيّن بذلك أن حقوقه سبحانه قد بناها على المسامحة بحيث لا يلزم للتوبة من التفريط فيها ما يلزم في حقوق العباد. عمل الفقهاء بالقاعدة: اتفقت آراء الفقهاء على القول بهذه القاعدة والعمل بمقتضاها من حيث الجملة. وإن كانوا قد اختلفوا في بعض الصور التي تجتمع فيها حقوق الله تعلى مع حقوق الآدميين ولم يمكن الوفاء بها جميعا، أيهما يقدم؟ 2. وهذه بعض نصوص الفقهاء الدالة على العمل بهذه القاعدة فيما إذا
اجتمع حقان: أحدهما لله تعالى والآخر للعبد وهي من أوضح صور تطبيق هذه القاعدة. فقد جاء في قواعد المقّري1: "إن مذهب مالك تقديم حق الآدميين"، ومثّل بالحقوق المالية، وقال الخرشيّ من المالكية: " ... لكن ديون الآدميين مقدمة على هدي التمتع إذا مات المتمتع بعد أن رمى العقبة ... " الخ كلامه2.
وجاء في كتاب المبسوط1 من كتب الفقه الحنفي: "إذا اجتمع القصاص في اليد اليمنى وحد السرقة فقد اجتمع في اليد حقّان: أحدهما لله تعالى، والآخر للعبد، فيقدم حق العبد لحاجنه إلى ذلك". وجاء في بدائع الصنائع2: "حكم الحدود إذا اجتمعت أن يقدم حق العبد في الاستفاء على حق الله عز وجل، لحاجة العبد إلى الانتفاع بحقه، وتعالى الله عن الحاجات". وجاء في روضة الطالبين3 في الفقه الشافعي: " ... لو قَطَعَ يسارَ إنسان وسرق قطعت يساره قصاصا، وأمهل إلى الاندمال4، ثم تقطع يمينه عن السرقة ... ، وقدم القصاص لأن العقوبة التي هي حق آدمي آكد من التي هي حق لله تعالى؛ لأنها تسقط بما لا تسقط به عقوبة الآدمي". وجاء في الكافي5 من كتب الحنابلة: "وإن اجتمعت حدود لله
تعالى، وللآدميين ولا قتل فيها استوفت كلها، إلا أن يتفق الحقان في محل واحد كالقطع للقصاص والسرقة فإنه يقدم القصاص؛ لأنه حق آدمي ... "الخ. من فروع القاعدة: يتفرع على هذه القاعدة مسائل كثيرة جدا، وسائر الرخص تندرج تحت هذه القاعدة: 1- مشروعية التيمم عند فقد الماء، أو العجز عن استعماله1. 2- ومنها سقوط الحج عن غير المستطيع2. 3- ومنها درء الحدود بالشبهات مثل حد الزنا3. وجه التيسير: التيسير في هذه القاعدة ظاهر، وذلك أن حق الله تعالى
على عباده أن يعبدوه، ولا يشركوا به شيئا، كما قال سبحانه: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالأِنْسَ إِلاّ لِيَعْبُدُونِ} 1 وكما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ... وحق الله على عباده أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا ... " 2. وعبادته تكون باتباع شرعه، بامتثال أوامره، واجتناب نواهيه وهو حق عظيم بالنظر إلى أهميته وعاقبته، ويسير – على من يسّر الله عليه – إذا ما قورن بأن الله تعالى خالق الإنسان من العدم، ومربيه بالنعم. ولما كان الله تعالى في غاية الغنى عن عباده، وهم في غاية الضعف والحاجة إليه بنى تلك الحقوق على ما يناسب غناه تعالى وحاجتهم إلى المسامحة والتخفيف، إذا ما وجد ما يقتضي ذلك.
القاعدة السابعة عشر: الحوائج الأصلية للإنسان لاتعد مالا فاضلا.
القاعدة السابعة عشر: الحوائج الأصلية للإنسان لاتعد مالاً فاضلاً. ... القاعدة السابعة عشرة: الحوائج الأصلية للإنسان لا تعد مالاً فاضلاً. هذه القاعدة ذكرها الشيخ ابن سعدي1، وذكر السيوطي أحكام المسكن والخادم من حيث كونها يباعان لأداء الحقوق المالية، أو لا يباعان2، وورد ما يدل على معناها في كتب الفقه3. وقد أورد بعض العلماء ضابطا أخص منها، وهو قولهم: ((الدّين مانع من وجوب الزكاة)) ، ثم قيّد ذلك بالدين المطالب به من جهة العباد4. معاني المفردات: الحوائج: جمع حاجة على غير قياس5.
الأصلية: نسبة إلى الأصل، وهو في اللغة: أساس الشيء1. والمراد بها الحوائج التي لا غنى للإنسان عنها فكأنها أصل لحياته. المال: ما ملكْتَه من كل شيء2. فاضلا: أي زائدا. والفضل: ضد النقص، والفضلة: البقيّة من الشيء3. المعنى الإجمالي: يُقصد بهذه القاعدة تحديد ما يعتبر مالا زائد عن حاجة صاحبه؛ وذلك لأن هناك من الأحكام الشرعية ما يترتب لزومه ومشروعيته على وجود مال زائد عن حاجة الإنسان كالحج، والنفقة على الأقارب، وأداء الزكاة، ونحوها ... وهناك من الأحكام ما ينبني على عدم وجود مال زائد عن حاجة صاحبه، كجواز الأخذ من الزكاة في بعض مصارفها ونحوه،
والقاعدة تقرر أن ما كان من حاجات الإنسان التي لا يُستغنى عنها عادة كالمسكن، والمركب، والخادم، وآلة الصنعة فإنه لا يعتبر مالاً زائدا، والنظر في تحديد ذلك راجع إلى قواعد الشرع وإلى العرف. الأدلة: يمكن الاستدلال لهذه القاعدة بعدد من الأدلة منها: 1) قول الله سبحانه: {أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ ... } 1 الآية. فقد سماهم الله تعالى مساكين مع امتلاكهم السفينة، والمسكين2 ممن تحل لهم الزكاة كما قال تعالى: {إِنَّمَا
الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا} 1 فدل ذلكعلى أن ما يملكه الشخص مما يحتاج إليه لا يُعد مانعا من أخذ الزكاة2. 2) قول الله تعالى: {وَيَسْأَلونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ} 3 الآية. قال القرطبي رحمه الله تعالى: "فالمعنى: أنفقوا ما فضل
عن حوائجكم ولم تؤذوا فيه أنفسكم"1 3) حديث: "لا صدقة إلا عن ظهر غنى" 2. وترجم الإمام البخاري بقوله: باب لا صدقة إلا عن ظهر غنًى، ومن تصدق وهو محتاج أو عليه دين فالدين أحق أن يقضي من الصدقة، والعتق، والهبة، ... الخ3. قال ابن حجر في لإيضاح كلام الإمام البخاري: "كأنه أراد تفسير الحديث المذكور بأن شرط المتصدق ألاّ يكون محتاجا لنفسه، أو لمن تلزمه نفقته، ويلتحق بالتصدق سائر التبرعات"4. 4) حديث: "ليس على المسلم صدقة في عبده ولا في فرسه"5. ويتضح وجه الاستدلال منه إذا ما حُمل على أن السبب في عدم وجوب الزكاة فيهما كونها مما يحتاجه الإنسان للخدمة،
كما نقله في عون المعبود عن الإمام أبي حنيفة رحمه الله1. ونقل ابن حجر أنه لا خلاف في عدم وجوب الزكاة في العبد المتصرّف والفرس المعّ للركوب2، ورأى بعض المؤلفين أن إضافة العبد والفرس إلى ضمير المفرد العائد إلى مالكهما تشعر بأن المراد الخيل: التي يحتاجها لركوبه، والرقيق الذي يحتاجه لخدمته3. أما إذا حمل الحديث على أن السبب في عدم وجوب الزكاة فيهما كونهما من هذين الجنسين اللذين لا تجب فيهما الزكاة أصلا فإن الاستدلال به يكون أقل ظهورا. وقد جمع الإمام النووي بين المعنيين حيث قال: "هذا الحديث أصل في أن أموال القنية لا زكاة فيها، وأنه لا زكاة في الخيل والرقيق"4
العمل بالقاعدة: يمكن التعرف على من يقول بهذه القاعدة من الفقهاء من خلال النظر في بعض المسائل الفقهية ومعرفة آراء الفقهاء فيها. فقد نقل القرطبي إجماع أكثر من يُحفظ عنه من أهل العلم على أنه يجوز لمن يملك مسكنا وخادما ونحوهما مما يحتاج إليه أن يأخذ من الزكاة1، ونص الفقهاء على ذلك في كتب الفروع2. ومن جهة أخرى نصّ كثير من فقهاء الحنفية على أن الزكاة لا تجب في المال إلا إذا زاد على حاجة صاحبه الضرورية3، وصرّح بذلك ابن سعدي من الحنابلة4. وأما المالكية، والشافعية فلم أقف على ما يدل على اشتراطهم هذا الشرط، إلا أنه يمكن معرفة ذلك من جهة أخرى، فقد قال القرضاوي5: "وقد استغنى بعض العلماء عن شرط فضل المال عن
الحاجة الأصلية للإنسان باشتراط النماء، وبين أن المراد باشتراط النماء أن يكون معدا لذلك، وإن لم ينمّه صاحبه حقيقة"1، وقد أشار بعض العلماء إلى اعتبار النماء وإن لم يصرحوا باشتراطه لعدم انضباطه2. ثم إن في اشتراط حولان الحول3 دليلا على أنه لا زكاة إلا فيما زاد على الحاجة4. هذا فيما يتعلق بأخذ الزكاة، وما يتعلق بوجوبها.
وفيما يتعلق بوجوب الحج: ذهب الحنفية والحنابلة أنه لا يجب الحج إلا إذا فضل المال عن حاجة الإنسان، من مسكن ونحوه ... 1 وعن الشافعية روايتان: أصحهما كرأي الحنفية، والحنابلة2. أما المالكية فقد أوجبوا على المكلف بيع المسكن ونحوه ليؤدي الحج، ووافقهم على ذلك الشافعية في الرواية الأخرى3. فظهر من هذا أن أكثر الفقهاء يرون أن حوائج الإنسان الأصلية لا تعدّ مالا زائدا، والخلاف إنما يأتي في بعض المسائل الفقهية من حيث إنه يشترط لها وجود مال زائد على الحاجة أو لا يشترط لها ذلك، والله تعالى أعلم. من فروع القاعدة: 1- أن مِلْك الدار التي يسكنها الشخص، أو آلة الحرفة ونحوها لا يعد مالا فاضلا فلا يمنع من صرف الزكاة له4.
2- أن الحج إنما يجب بشرط الاستطاعة، وفسّرت الاستطاعة بالزاد، والراحلة، على أن يكون ذلك فاضلا عن حاجته وحاجة أهله1. 3- إن الإنفاق على الأقارب الفقراء إنما يلزم بشرط أن يكون له مال زائد على حاجته2. وجه التيسير: وجه التيسير أن الشارع لم يعتبر ما يحتاجه الإنسان حاجة لا غنى له عنها من مسكن ومركب ونحوهما زائدا على حاجته، ولو كان ذا قيمة، ورتّب على ذلك أن أسقط عنه من التكاليف ما يجب بوجود ما يزيد على حاجة الإنسان الضرورية، ومن ناحية أخرى لم يجعل ذلك مانعا من استحقاقه للزكاة والنفقة ونحوهما.
القاعدة الثامنة عشر: الضرر يزال
القاعدة الثامنة عشر: الضرر يزال ... القاعدة الثامنة عشرة الضرر يزال. أورد العلماء هذه القاعدة بعدة صيغ، وهذه الصيغة هي الأكثر شيوعا في كتب القواعد الفقهية1. وأوردها بعضهم بصيغة: ((لا ضرر ولا ضرار)) 2 أخذا من اللفظ النبوي. وأوردها الزركشي بلفظ: ((الضرر لا يزال بالضرر)) 3، وصاغها
الفتوحي1 بلفظ: ((يزال الضرر بلا ضرر)) 2. وهذه الصيغة تتضمن القاعدة مقيدة بأن تكون إزالة الضرر بما لا يضر، فتكون مغنية عن ذكر قاعدة أخرى يذكرها العلماء تقييدا لقاعدة ((الضرر يزال)) ، وهي قولهم: ((الضرر لا يزال بالضرر)) ، ويمكن القول: إن اعتماد الصياغة النبوية أولى؛ لأمور منها: 1) أن ذلك يكسب القاعدة قوة؛ إذ يجعلها دليلا شرعيا صالحا لاستنباط الأحكام الشرعية منه مباشرة. 2) أن هذا اللفظ أشمل لتضمنه النهي عن الضرر ابتداءً، وعن مقابلة الضرر بالضرر3.
وهذه القاعدة هي إحدى القواعد الكبرى التي عليها مدار الفقه، وقد قال العلائي: "إنه ينبني عليها كثير من أبواب الفقه بكمالها، ومسائل لا تعد كثرة1، والأقوال في أهمية هذه القاعدة وسعة تطبيقاتها كثيرة"2. وقد ألحق العلماء بهذه القاعدة الكبرى عددا من القواعد المتعلقة بها إما تقييدا لها، أو ترتيبا عليها، أو تفريعا عنها، ومن تلك القواعد مايلي: ((الضرر لا يزال بالضرر)) ، ((الضرورات تبيح المحظورات)) ، ((الضرر يدفع قدر الإمكان)) 3. معاني المفردات: الضرر: لغة تقدم بيان معناه. وقد فرّق كثير من العلماء بين الضرر والضِّرار، فقالوا في ذلك عدة
أقوال، فقيل: إن الضرر هو الاسم، والضِّرار هو الفعل فيكون معنى نفي الضرر والضرار – في الحديث، وفي القاعدة -: أن الضرر نفسه منتف في الشرع، وإلحاق الضرر – بغير حق – ممنوع. وقيل: الضرر أن يُدْخِل على غيره ضررا بما ينتفع هو به، والضرار: أن يدخل عليه ضررا بما لا منفعة له فيه، وفيل: الضرر أن يضر الإنسان من لم يضره – أي الضرر ابتداء -، والضرار أن يضر بمن قد أضر به على وجهٍ غير جائز – أي الضرر مقابلة -. وقال بعضهم: إنهما بمعنى واحد، فيكون الثاني مؤكدا للأول1. المعنى الإجمالي: تعني هذه القاعدة أن كل ضرر فإنه واجب الإزالة، وبالنظر إلى لفظ ((لا ضرر ولا ضرار)) فإن معناه نفي الضرر والضرار، وهو نفي لما ليس بمنتف حقيقة، فيكون المراد النهي والتحريم2.
وهذا كله ينبغي أن يقيّد ببعض القيود منها: ألا يكون الضرر مما أذن فيه الشرع، وكان بوجه حق، فإن هذا النوع من الضرر لا تجب إزالته. فلا يدخل تحت القاعدة الضرر الذي يلحق الجاني بمعاقبته، ولا الضرر الذي يلحق الضامن بضمانه ما أتلف؛ لأن هذا مما ثبت بوجه حق، وأذن فيه الشارع1 كما في قوله تعالى: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} 2. وقوله سبحانه: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ} 3. قال الشيخ الزرقاء: "فالمقصود بمنع الضرار نفي فكرة الثأر المحض الذي يزيد في الضرر ولا يفيد"4. الأدلة: استدل أكثر العلماء على صحة هذه القاعدة بحديث: "لا ضرر ولا ضرار" 5.
وهذا الحديث نص في القاعدة بل هو لفظها عند بعضهم1. 2) يستدل لها – أيضا – بالنصوص التي فيها النهي عن إيقاع الضرر بالغير نحو قوله تعالى: {وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَاراً لِتَعْتَدُوا} 2، كقوله تعالى: {لا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ} 3، يقول عز وجل: {وَلا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ} 4. ونحو قول النبي صلى الله عليه وسلم: "من ضار أضرّ الله به، ومن شاقّ شاقّ
الله عليه"1. 3) كما يدل على هذه القاعدة الأدلة التي فيها الأمر بالإحسان، والحثّ عليه كقوله عز شأنه: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالأِحْسَانِ} 2، وقوله: {وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} 3. وقول النبي صلى الله عليه وسلم: " إن الله كتب الإحسان على كل شيء ... "4 الحديث.
عمل الفقهاء بالقاعدة: لقد اتفقت كلمة الفقهاء على الأخذ بهذه القاعدة، وعلى أنها مبدأ من مبادئ الشرع، فقد نصت أكثر كتب القواعد عليها كما تقدم بيانه. وقد علل الفقهاء المنع من بعض تصرفات الإنسان في ملكه بحصول الضرر للغير1، ويتجلى تطبيق هذه القاعدة في كل حكم كانت حكمة مشروعيته دفع الضرر2، ولعل أكبر مجال لتطبيقها هو المعاملات، حيث يكون الأمر متعلقا بطرفين، ولذلك فقد ذكر العلماء أنه قد انبنى على هذه القاعدة أبواب: كردّ المعيب في البيوع، وإثبات الخيار عند اختلاف الصفات المشروطة، وفسخ النكاح بالعيوب المعتبرة، وغير ذلك. كما أنم لها تطبيقات في أبواب العبادات، والعقوبات ونحوها.
من فروع القاعدة: فروع هذه القاعدة كثيرة جدا فهي إحدى القواعد الكبرى، وتدخل في كثير من أبواب الفقه، كما تقدم ومن فروعها: 1- مشروعية خيار العيب وسائر أنواع الخيار1. 2- مشروعية الشفعة لرفع الضرر عن الشريك2. 3- مشروعية القصاص، والدية، والحدود3. وجه التيسير: يتضح جانب التيسير في هذه القاعدة عند تطبيقها فيما بين المكلف وبين ربه؛ إذ لم يوجب الله سبحانه على المكلف ما فيه عليه ضرر؛ ولذا فقد اعتبر بعض العلماء قاعدة ((الضرورات تبيح
المحظورات)) من القواعد المندرجة تحت هذه القاعدة1. كما يتبين ذلك عندما يقع الضرر من بعض المكلفين على بعض دون غرض صحيح، ففي تحريمه ومنعه تيسير عظيم ومراعاة لمصالحهم، بل إن الإضرار بالغير ممنوع حتى لو كان فيه لفاعله مصلحة إذا كانت دون ذلك الإضرار2.
القاعدة التاسعة عشر: الضرورات تبيح المحظورات.
القاعدة التاسعة عشر: الضرورات تبيح المحظورات. ... القاعدة التاسعة عشرة: الضرورات تبيح المحظورات. هذه القاعدة هي إحدى القواعد الكلية الفرعية؛ فقد أدرجها بعض العلماء تحت قاعدة ((الضرر يزال)) 1، وبعضهم تحت قاعدة ((المشقة تجلب التيسير)) ، أو تحت قاعدة ((إذا ضاق الأمر اتسع)) 2. وقد أوردها الإمام الشافعي بنحو هذا اللفظ3، كما وردت في أكثر كتب القواعد بهذه الصيغة أو نحوها4، واعتبرها البعض
من القواعد الأصولية أيضا1. وبمعناها قول ابن القيم، وابن سعدي: ((لا واجب مع عجز ولا حرام مع ضرورة)) 2. معاني المفردات: الضرورات: جمع ضرورة، وقد مضى بيان معناها. تبيح: من الإباحة، وقد مضى بيان معناها أيضا. المحظورات: جمع محظور وهو اسم مفعول من حَظَ الشيء: منعه وحجره، والمحظور هو المحرّم3. وفي الاصطلاح عُرّف بأنه: ما يذم – شرعا – فاعله، وقيل: ما يذم
فاعله ويمدح تاركه، وقيل: ما ينتهض فعله سببا للذم شرعا بوجه ما من حيث هو فعل له1. المعنى الإجمالي: معنى هذه القاعدة أن المحرم يصبح مباحا2 إذا عرض للمكلف ضرورة تقتضي ذلك بحيث لا تندفع تلك الضرورة إلا بارتكاب ذلك المحرّم، كما إذا اشتد الجوع بالمكلف وخشي الهلاك، فإنه يجوز له أكل الميتة ونحوها، وفي معنى هذا – أيضا – سقوط بعض الواجبات، أو تخفيفها بسب الضرورة3، ويشير إلى هذا المعنى القاعدة التي تقدمت قريبا ((لا واجب مع عجز ولا حرام مع ضرورة)) والمراد بالإباحة – هنا – ما يقابل التحريم؛ لأن بعض العلماء أوجبوا على المضطر الأكل من الميتة، وذهب بعضهم إلى أن
ذلك رخصة يجوز الأخذ بها وتركها1. وهي بهذا المعنى أخص من قاعدة: ((المشقة تجلب التيسير)) ؛ لأن المشقة أعمّ من الضرورة، فليست كل مشقة راعاها الشرع تعتبر ضرورة بل منها ما هو دونها2. وقُيّدت هذه القاعدة بقيود وقواعد أخرى منها: قاعدة ((الضرورة تقدر بقدرها)) 3 فلا يباح للمضطر إلا بقدر ما يدفع الضرورة. ومنها أن من العلماء من قيدها بألا تنقص الضرورة عن المحظور بمعنى ألا يكون المحظور حرمة مما قد يترتب على استمرار الضرورة من مفسدة، ومثّلوا لذلك بمن اضطر إلى أكل ميتة الآدمي
– على القول بجوازه1 فإنه لا يجوز أن يأكل منها لو كان الميت نبيا، وإن أبيح له أكل غيره؛ لأن حرمة النبي في الشرع أعظم من نفس المضطر2، فتكون من باب دفع أعظم المفسدتين بارتكاب أخفهما3.
ومما قيدت به – أيضا – قاعدة ((الاضطرار لا يبطل حق الغير)) فيلزم من اضطر إلى أكل مال غيره، أو نحو ذلك ضمانه1. الأدلة: أولا: يدل لهذه القاعدة ما ورد من الآيات والأحاديث دالا على أن للمضطر حكما يخالف غيره، وأنه يباح له ما لا يباح لغيره، ومن ذلك: 1) قول الله تعالى: {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ} 2. 2) وقوله تعالى: {فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} 3. 3) وقوله سبحانه: {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلاّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ} 4. 4) وقوله عز وجل: {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَإِنَّ
رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} 1. 5) وقوله سبحانه: {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} 2. 6) من السنة ما وراه جابر بن سمرة3 رضي الله عنه: "أن رجلا نزل الحرة ومعه أهله وولده، فقال رجل: إن ناقة لي ضلت فإن وجدتَها فأمسكها فوجدها فلم يجد صاحبها، فمرضت، فقالت امرأته انحرها. فأبى فَنَفقَت4 فقالت: اسلخها حتى نقدّد5 شحمها ولحمها ونأكله. فقال: حتى أسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتاه فسأله، فقال: "هل عندك غنى يغنيك؟ " قال: لا.
قال: "فكلوها". قال: فجاء صاحبها فأخبره الخبر. فقال: هلا كنت نحرتها؟ قال: استحيت منك"1. ثانيا: عموم الأدلة التي تدل على يسر الشريعة أصلا، وعلى التخفيف عند وجود العذر الطارئ، ومنها: قوله تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} 2، وقوله تعالى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} 3، وقوله عز وجل: {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً} 4 الآية. عمل الفقهاء بالقاعدة: هذه القاعدة من القواعد المتفق عليها، فقد نص عليها الفقهاء من
المذاهب الأربعة في كتب القواعد، وفي كتب الفروع1، وصرّح الشيخ السعدي بالاتفاق عليها2، كما نقل ابن المنذر، وغيره الإجماع على إباحة الميتة للضرورة3، وهي إحدى مسائل هذه القاعدة. من فروع القاعدة: يتفرع على هذه القاعدة مسائل كثيرة منها: 1- إباحة أكل الميتة للمضطر4. 2- إباحة النطق بكلمة الكفر عند الاضطرار5.
3- دفع الصائل ولو أدّى إلى قتله1. وجه التيسير: التيسير في هذه القاعدة واضح حيث جعل الله تعالى ما كان محرما في أصله مباحا عند الضرورة، لا إثم في الإقدام عليه. قال ابن كثير2 رحمه الله في تفسير قوله تعالى: {إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} 3. قال: "غفور فيما أكل من اضطرار، ورحيم إذ أحلّ له الحرام في الاضطرار4.
القاعدة العشرون: العادة محكمة.
القاعدة العشرون: العادة محكّمة. هذه إحدى القواعد الخمس الكبرى وقد وردت في أغلب كتب القواعد الفقهية بهذه الصيغة، أو بما يدل على مضمونها1، كما وردت في بعض كتب أصول الفقه2، وكتبَ في معناها، وما يتعلق بها كتب مستقلة3.
ويندرج تحت هذه القاعدة الكبرى عدد من القواعد، منها ما هو بمعناها، ومنها ما هو كالقيد لها، ومن ذلك القواعد التالية: 1) ((استعمال الناس حجّة يجب العمل بها)) . 2) ((الممتنع عادة كالممتنع حقيقة)) . 3) ((المعروف عرفا كالمشروط شرطا)) . 4) ((إنما تعتبر العادة إذا طردت أو غلبت)) 1. معاني المفردات: العادة: تقدم بيان معناها. محكمة: اسم مفعول من حُكِّم يُحَكَّم يقال: حُكّم فلان في كذا، إذا جُعل أمره إليه، والحُكم: القضاء، وأصل مادته تدل على المنع2. المعنى الإجمالي: يعني الفقهاء بهذه القاعدة أنه يُرجع في تحديد المراد من بعض الألفاظ الشرعية، والألفاظ التي يتعامل بها الناس، وبناء
الأحكام الشرعية عليها إلى عادة الناس وما تعارفوا عليه1، وذلك إذا لم يرد الشرع بتحديده، ولم يتضمن المعنى اللغوي للفظ تحديدا وتقديرا له. قال السبكي: "وقد اشتهر عند الفقهاء أن ما ليس له ضابط في اللغة ولا في الشرع يرجع فيه إلى العرف، وعند الأصوليين أن العرف مقدم على اللغة"2.
وقيدت العادة المعتبرة بألا تخالف نصا شرعيا، وبأن تطرد وتغلب، وقيد العرف بأن يكون سابقا لإنشاء التصرف، أو مقارنا له، واشترط بعضهم أن يكون العرف عاما كما اشترط فيه – فيما يجري بين الناس من المعاملات – ألا يُصرّح بخلافه1. الأدلة: لابد من الإشارة – بدءا – إلى أن الأدلة ستكون مما يتضمن اعتبار العادة، ومما يتضمن اعتبار العرف في بناء الأحكام، لما تقدم من
أن (كل عرف فهو عادة) ، ولذا فإن أول وأشهر ما يستدل به على هذه القاعدة ما روي عن عبد الله بن مسعود1 رضي الله عنه أنه قال: "إن الله نظر في قلوب العباد فوجد قلب محمد صلى الله عليه وسلم خير قلوب العباد فاصطفاه لنفسه، فابتعثه برسالته، ثم نظر في قلوب العباد بعد قلب محمد صلى الله عليه وسلم فوجد قلوب أصحابه خير قلوب العباد فجعلهم وزراء نبيه، يقاتلون على دينه، فما رأى المسلمون حسنا فهو عند الله حسن، وما رأى المسلمون سيئا فهو عند الله سيء"2 وقد اعتبره عدد من العلماء أصلا لهذه القاعدة على اعتبار رفعه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم3.
ووجه الاستدلال به: أن الشارع قد جعل ما تعارف عليه المسلون وعدّوه من الأمور الحسنة المقبولة، فهو عند الله كذلك، أي أنه موافق لما أراده الشارع1. ثانيا: يدل على هذه القاعدة ما ورد من الآيات والأحاديث مصرحا فيها باعتبار العرف والعادة في بناء الإحكام الشرعية ومنها: 1) قول الله تعالى: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} 2. 2) قوله سبحانه: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} 3.
3) قوله تعالى: {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} 1. فقد فُسر المعروف بالمتعارف في عرف الشرع أو ما تعارف عليه الناس2. 4) حديث عائشة رضي الله عنها: "أن هندا3 بنت عتبة قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إن أبا سفيان4 رجل شحيح، وليس يعطيني ما يكفيني وولدي إلا ما أخذت منه وهو لا يعلم،
فقال: خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف" 1. قال ابن حجر: "وفيه اعتماد العرف في الأمور التي لا تحديد فيها من قبل الشرع"2. ثالثا: ما ورد من الأدلة في بناء الأحكام على العادة والعرف ولم يصرح فيه بهذين اللفظين، ومنها: 1) قوله تعلى: {فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ} 3. قال ابن تيمية: الراجح في هذا أن يرجع فيه إلى العرف بعد أن نقل الخلاف في كون ذلك مقدرا بالشرع أو العرف4. 2) قوله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلاثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ
صَلاةِ الْعِشَاءِ} 1. ذلك أن الله تعالى أوجب الاستئذان في هذه الأوقات التي اعتاد الناس فيه وضع ثيابهم2. 3) حديث حمنة بنت جحش3 رضي الله عنها التي كانت تستحاض، فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صلاتها، وصيامها، والحديث طويل وفيه قوله صلى الله عليه وسلم: " ... وكذلك فافعلي كما تحيض النساء وكما يطهرن لميقات حيضهن وطهرهن ... "4. والحديث واضح الدلالة على اعتبار العادة فيما لا تحديد فيه
فقد أحالها رسول الله صلى الله عليه وسلم في تحديد ذلك على عادة النساء1. 4) حديث: "الوزن وزن أهل مكة، والمكيال مكيال أهل المدينة" 2. قال العلائي: "وجه الدلالة منه أن أهل المدينة لما كانوا أهل نخيل وزع، فاعتبرت عادتهم في مقدار الكيل، وأهل مكة كانوا أهل متاجر فاعتبرت عادتهم في الوزن، وذلك فيما يتقدر شرعا ... " الخ كلامه3.
عمل الفقهاء بالقاعدة: هذه القاعدة هي إحدى القواعد الكبرى المتفق عليها، وقد عدّ جملة من فقهاء المذاهب الأربعة من أصول أئمتهم اعتبار العرف والعادة في بناء الأحكام وتحديد ما لم يرد تحديده في الشرع1. من فروع القاعدة: المسائل المفرعة على هذه القاعدة كثيرة جدا منها: 1- تحديد أقل سن تحيض فيه المرأة بناءً على عادة النساء2. 2- وكذا معرفة الحيض من الاستحاضة بعادة المرأة إن كانت معتادة3.
3- تحديد ما يُعد حرزا للمال المسروق1. وجه التيسير: تعتبر هذه القاعدة من قواعد التيسير في الشريعة، حيث راعى الشارع أحوال الناس، فأسند تحديد بعض الأمور التي لم يرد بتحديدها نص شرعي، ولم تقتض اللغة تحديدها بحد معلوم إلى أعرافهم التي عهدوها، وإلى العادة الغالبة عند كل فئة، وشمل ذلك تقدير بعض الأمور المتعلقة بالعبادات مما يكون للعرف والعادة فيه مدخلا، وكذلك ما يقع بين الناس من معاملات، وفي هذا توسعة عظيمة؛ لأن هذه الأعراف والعادات قد استقرت في أذهلن الناس، وأصبحت معلومة للغالب منهم، فإقرارهم عليها واعتبارها في إثبات الأحكام يدفع عنهم مشقة التحديد بغير ما يألفونه ويعلمونه2؛ ولذا فقد كان مما قرره العلماء أنه لا ينكر تغير الأحكام بتغير الأزمان وذلك بسبب تبد الأعراف والأحوال3.
القاعدة الحادية والعشرون: العبادات الواردة على وجوه متعددة يجوز فعلها على جميع تلك الوجوه من غير كراهية.
القاعدة الحادية والعشرون: العبادات الواردة على وجوه متعددة يجوز فعلها على جميع تلك الوجوه من غير كراهية. ... القاعدة الحادية والعشرون: العبادات الواردة على وجوه متعددة يجوز فعلها على جميع تلك الوجوه من غير كراهة. ذكر هذه القاعة ابن رجب، ونص على أنها قاعدة في مذهب الإمام أحمد1 وذكرها كذلك ابن تيمية عند حديثه عن الأذان حيث قال: " ... وهذا أصل مستمر له - أي للإمام أحمد - في جميع صفات العبادات: أقوالها وأفعالها يستحسن كل ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من غير كراهة لشيء منه مع علمه بذلك، واختياره للبعض أو تسويته بين الجميع"2. وأشار إليها فقهاء المذاهب الأخرى3. معاني المفردات: العبادات: جمع عبادة، والعبادة لغة: الطاعة، وهي من التعبيد، وهو التذليل. وأصل العبودية الخضوع والذل4.
وفي الاصطلاح عرّفت بأنها: اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه، من الأقوال والأعمال الباطنة والظاهرة، وعرفت بغير ذلك1. كراهة: مصدر كرِهَ، وقد مضى بيان معناه اللغوي. والمكروه في الاصطلاح عرّف بأنه: ما يمدح تاركه ولم يذمّ فاعله. وقد يطلق ويراد به المحظور، وقد يطلق ويراد به ترك الأولى2. المعنى الإجمالي: المراد بهذه القاعدة أن بعض العبادات قد تروى عن النبي صلى الله عليه وسلم على
وجوه وصور متعددة، فيكون صلى الله عليه وسلم قد سنّ كلا منها فإذا ثبت نقل هذه الوجوه عن الرسول صلى الله عليه وسلم جاز للمكلف أن يفعل تلك العبادة على أي صورة من هذه الصور، ولا يكره له شيء منها. مثال ذلك: الأذان والإقامة، فقد روي بألفاظ متعددة1، وكذلك صلاة الخوف حيث وردت السنة بثبوتها عنه صلى الله عليه وسلم وأصحابه في مواضع متعددة على صور متعددة2، وكذلك ألفاظ التشهد3. الأدلة: 1) أن كل تلك الأوجه من سنة النبي صلى الله عليه وسلم، وكلها قد ثبتت عنه، فبأيها عمل المسلم كان عاملا بالسنة، مقتديا النبي صلى الله عليه وسلم، وليس بعضها بأولى من بعض إلا لسبب معيّن. فالأخذ ببعضها
دون البعض مع منع أو كراهة الأخذ ببعض تحكُّم1. 2) أنه قد نُقل الإجماع على صحة الأوجه المتعددة في بعض المسائل كما نقله النووي رحمه الله في ألفاظ التشهد، حيث قال: "واتفقت العلماء على جوازها كلها واختلفوا في الأفضل"2. عمل الفقهاء بالقاعدة: صرّح أصحاب الإمام أحمد بأن هذه قاعدته فيما ثبت نقله عن النبي صلى الله عليه وسلم على وجوه متعددة كما تقدم، وقد سئل الإمام أحمد عن الرجل يرجِّع3 في أذانه فقال: "إن رجّع فلا بأس، وإن لم يرجّع فلا
بأس"1 وكذلك في صلاة الخوف فقد نقل الشوكاني2 عنه قوله: "ثبت في صلاة الخوف ستة أحاديث، أو سبعة، أيها فعل المرء جاز"3. والإمام أحمد قد يختار بعض هذه الوجوه لسبب ما، ولكنّه لا يكره غيره من الوجوه. هذا فيما يتعلق بمذهب الإمام أحمد الذي اشتهرت عنه هذه القاعدة. أما بقية الأئمة فقد نقل عنهم ابن تيمية أنهم يختارون بعض ذلك
ويكرهون بعضه1. وقد وجدت من كلام الإمام الشافعي ما يدل على أنه يرى جواز العمل بكل الوجوه دون كراهة، فقد قال - في شأن التشهد، وما ورد فيه من الروايات-: "ما في التشهد إلا تعظيم الله، وإني لأرجو أن يكون كل هذا فيه واسعا ... ، ومثل هذا يمكن في صلاة الخوف فيكون إذا جاء بكمال الصلاة على أي الوجوه روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أجزأه ... ، ولكن كيف صِرْتَ2 إلى اختيار حديث ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد دون غيره قلتُ: لما رأيته واسعا، وسمعته عن ابن عباس صحيحا كان عندي أجمع وأكثر لفظا من غيره، فأخذته به غير معنّفٍ لمن أخذ بغيره مما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم"3.
إلا أنه كره التثويب1 والصبح وقال: "لأن أبا محذورة2 لم يَحْكِ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره بالتثويب، فأكره الزيادة في الأذان3. وقال النووي: "قال أصحابنا: يسن التثويب قولا واحدا، وإنما كره ذلك في الجديد؛ لأن أبا محذورة لم يحكه"4. وصرّح الحنفية بكراهة بعض الوجوه بناء على ترجيح بعض الروايات على بعض، فكرهوا الترجيع في الأذان5، وكرهوا أن يزاد على
تشهد ابن مسعود1 رضي الله عنه أو ينقصَ منه ونقل ابن عابدين ذلك عن الإمام أبي حنيفة في التشهد ثم بين - في الموضعين - أن الكراهة كراهة تنزيه2. وأما صلاة الخوف فقد قال ابن عابدين فيها: "اعلم أنه ورد في صلاة الخوف روايات كثيرة وأصحها ست عشرة رواية واختلف العلماء في كيفيتها، وفي المستصفى أن كل ذلك جائز والكلام في الأولى3، واختاروا أن يجعل الإمام طائفة تجاه العدو ويصلي بالأخرى ركعة فتذهب هذه الطائفة إلى مواجهة العدو فيصلي بالطائفة الأخرى الركعة الثانية ثم يسلم ثم تصلي الطائفة الأولى ركعة أخرى بغير قراءة، ثم تسلم، ثم تصلي الطائفة الثانية
الركعة الأخرى بقراءة ثم تسلم ورجحوا ذلك بكونه الأقرب إلى ظاهر القرآن1. وأما الإمام مالك فإنه يرجّح - في هذه الحال - بعض الروايات على بعض ويختار منها حتى مع صحة أسانيدها فيرجح بالسند، ويرجح بموافقة عمل أهل المدينة، ويرجح بغير ذلك. فقد اختار في الأذان والإقامة ما عليه العمل عند أهل المدينة2،
واختار في التشهد تشهد عمر رضي الله عنه1، واختار في صلاة الخوف رواية القاسم بن محمد2 عن صالح بن خوّات3.
ولم أجد تصريحا بكونه يكره شيئا مما روي إلا أن الذي يظهر من كلام بعض المالكية وجوب الأخذ بما اختاره الإمام في هذه المواضع1. من فروع القاعدة: تقدم ذكر عدد من الفروع الفقهية المندرجة تحت هذه القاعدة وهي: 1- ألفاظ الآذان2. 2- ألفاظ التشهد3.
3- صور صلاة الخوف1. وجه التيسير: تعدّ هذه القاعدة من قواعد التيسير لما تتضمنه من التوسعة على المكلفين بجواز الأخذ بأي وجه مما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا ريب أن التخيير أيسر وأوسع من التعيين. قال الإمام الشافعي - في سياق كلامه عن اختلاف ألفاظ التشهد -: فإذا كان الله لرأفته بخلقه أنزل كتابه على سبعة أحرف معرفة منه بأن الحفظ قد يزلّ ليحلّ لهم قراءته وإن اختلف اللفظ ما لم يكن في اختلافهم إحالة معنى، كان ما سوى كتاب الله أولى أن يجوز فيه اختلاف اللفظ ما لم يحل معناه"2. وما يقال في اختلاف اللفظ يقال في اختلاف الوجوه التي تروى بها العبادة الواحدة، والله أعلم.
القاعدة الثانية والعشرون: الفعل الواحد يبنى بعضه على بعض مع الاتصال المعتاد ولا ينقطع بالتفرق اليسير.
القاعدة الثانية والعشرون: الفعل الواحد يُبْنَى بعضه على بعض مع الاتصال المعتاد ولا ينقطع بالتفرق اليسير. أورد هذه القاعدة ابن رجب بهذه الصيغة1، وأشار إليها الزركشي تحت عنوان الموالاة2.وأشار إليها العلائي بقوله: " ... وتعتبر العادة في قِصَر الزمان وطوله عند البناء على الصلاة"3 وأوردها ابن سعدي4. معاني المفردات: يُبنى: من البناء، والبَنْي وهو نقيض الهدم، والبناء ضم بعض الشيء إلى بعض5 والمراد هنا اعتبار بعض العبادة مكمّلا للبعض الآخر كما يُكْمِلُ بعض البناء بعضا.
المعنى الإجمالي: تعني هذه القاعدة أن الفعل الشرعي الواد الذي تجب فيه المورلاة يُتسامح فيه الفصل اليسير المعتاد بحيث لو فُصل بين أجزائه بوقت، أو عمل يسير - عادة - لم يعتبر ذلك قطعا للموراة بل يكون العمل في حكم المتصل فيبنى آخره على أوّله وهذا الحكم يتعلق ببعض الأعمال الشرعية في حال تعمد الفصل لحاجة وفي حال السهو من باب أولى ويتعلق ببعضها الآخر إذا حصل القطع على سبيل السهو، أو الاضطرار، وذلك فيما لا يجوز قطعه عمدا ولو بيسير كالصلاة مثلا فإنها شرعت عبادة واحدة متصلة الأجزاء ليس بين أجزائها فصل أصلا. لكن لو حصل القطع سهوا أو اضطرارا بيسير دخلت تحت عموم القاعدة1.
الأدلة: 1) من أظهر ما يدل على صحة هذه القاعدة ما رواه أبو هريرة1 رضي الله عنه قال: "صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إحدى صلاتي العشي2 - قال ابن سيرين3: "سماها أبو هريرة ولكن نسيت أنا" قال: فصلى بنا ركعتين ثم سلم فقام إلى خشبة معروضة في المسجد فاتكأ عليها كأنه غضبان ووضع يده اليمنى على اليسرى وشبّك بين أصابعه ووضع خده على ظهر كفه اليسرى،
وخرجت سرعان الناس من أبواب المسجد فقالوا: قُصرت الصلاة، وفي القوم أبو بكر وعمر فهابا أن يكلماه وفي القوم رجل في يديه طول يقال له ذو اليدين1 قال: يا رسول الله أنسيت أم قصرت الصلاة؟ قال: "لم أنس ولم تقصر. فقال: أكما يقول ذو اليدين؟ " فقالوا: نعم فتقدم فصلى ما ترك ثم سلم، ثم كبّر وسجد مثل سجوده أو أطول، ثم رفع رأسه وكبر، ثم كبر وسجد مثل سجوده أو أطول، ثم رفع رأسه وكبر فربما سألوه ثم سلم؟ فيقول: نبئت أن عمران نب حصين قال: ثم سلم"2. قال الشوكاني: "وفيه جواز البناء على الصلاة التي خرج منها المصلي قبل تمامها ناسيا"3.
2) قياس سائر الأعمال التي يجب فيها الترتيب والموالاة على الصلاة. قال ابن تيمية: "إن عمدة القياس في مسألة الترتيب والموالاة إنما هو قياس ذلك على الصلاة فهي مع وجوب الترتيب والموالاة فيها ومع كونها عبادة واحدة متصلة الأجزاء فإنه إذا فرق بين أجزائها لعذر كما في بعض صور صلاة الخوف، وكما في تسليم النبي صلى الله عليه وسلم من ركعتين وتنبيه الناس له، لم يعتبر ذلك تفريقا"1. 3) أن من المتقرر شرعا عدم مراعاة الشيء التافه اليسير2 والعفو عنه كالعفو عن قليل النجاسة3، وعن قليل الفصل بين أشواط الطواف، وبين أشواط السعي4.
ووجه الاستدلال بهذا أنه إذا لم يعتبر الفصل اليسير فصلا فإن الفعل الواحد الذي تجب فيه الموالاة إذا فصل بين أجزائه بوقت يسير يكون في حكم المتصل. العمل بالقاعدة: تقدمت الإشارة إلى أن الفقهاء من المذاهب الأربعة يرون صحة البناء على ما مضى في الطواف، وفي السعي ونحوها إذا فصل بين أجزائها بوقت يسير وهذا دليل على عملهم بهذه القاعدة لكنهم قد يختلفون في ذلك تشددا وتوسعا، وقد ذكر ابن تيمية أن مذهب الإمام أحمد أوسع من غيره في هذا. من فروع القاعدة: 1- أن الفصل اليسير بين غسل أعضاء الوضوء لحاجة لا يقطع الموالاة عند من يرى وجوب الموالاة، وعند من يرى سنيتها1. 2- الفصل اليسير في الصلاة كما لو سلم ظانا تمام صلاته، ثم بان له عدم تمامها فإنه يبني على ما تقدم منها ما لم يطل
الفصل1. 3- ومنها الطواف إذا تخلله يسير لصلاة أو نحوها بنى آخره على أوله ولم يؤثر ذلك الفصل فيه2. وجه التيسير: ينطوي تطبيق هذه القاعدة على الكثير من التيسير فإن المكلف قد يضطر إلى فصل بعض أجزاء العبادة التي تجب فيها الموالاة عن بعض وهذا الاضطرار قد يكون لأمر شرعي كأن تقام الصلاة أثناء طوافه، وقد يكون لأمر عادي كأن يحتاج إلى الراحة بين أشواط الطواف أو السعي، وقد يكون من باب السهو كمن ظن أنه أتمّ صلاته فسلم وفصل بين أجزاء الصلاة بكلام ونحوه من غير طول يبطل العبادة فالشارع يلغي - في هذه الحال - هذا الفصل ويعتبر العمل كالمتصل بحيث يبني بعضه على بعض ولا يلزم استئنافه. على أن مبنى القاعدة ليس الاضطرار وإنما النظر إلى قلة الفصل ويسره3.
القاعدة الثالثة والعشرون: الفعل ينوب عن القول مع القرينة في صور
القاعدة الثالثة والعشرون: الفعل ينوب عن القول مع القرينة في صور. ذكر هذه القاعدة الزركشي1، وذكرها ابن تيمية مبيّنا مذاهب الأئمة الأربعة في إقامة الفعل مقام القول2، كما ذكرها القرافي في بيانه للفرق بين قاعدة البيع وقاعدة النكاح فقال: "البيع توسع العلماء فيه حتى جوّز مالك البيع بالمعاطاة3 وهي الأفعال دون شيء من الأقوال4، وذكرها السرخسي5 بعدة
صيغ1، وأشار إلى معناها الشيخ أحمد الزرقاء2 ونبه عليها الشاطبي بقوله: "والفتوى تحصل من المفتي جهة القول، والفعل والإقرار"3. كما ذكر العلماء قاعدة أخص من هذه وهي قولهم: ((الإشارة من الأخرس معتبرة)) ، أو قولهم: ((إشارة الأخرس كعبارة الناطق)) ، أو ما في معناهما4.
معاني المفردات: القرينة: فعيلة بمعنى فاعلة من القَرْن والمقارنة أي الجمع يقال: قَرَنْتُ البعيرين أقرُنُهما إذا جمعتهما في حبل واحد1. وفي الاصطلاح عرّفت: بأنها أمر يشير إلى المطلوب2. المعنى الإجمالي: الأصل في الأفعال أن لا تدل على مدلول محدد بل تكون دلالتها من قبيل المجمل الذي لا يعرف المراد منه إلا بقرينة3. وقد جاءت هذه القاعدة لتقرر أن الفعل يقوم مقام القول في الدلالة إذا انضم إليه من القرائن ما يجعله دالا على المراد منه، وأكثر ما يكون ذلك في المعاملات وقد يدخل في بعض العبادات4.
الأدلة: استدل ابن تيميةعلى هذه القاعدة بدليلين: الأول: أنها هي التي تدل عليها أصول الشريعة، وتعرفها القلوب، ثم ساق عددا من الآيات الدالة على مشروعية البيع والهبة ونحوها من العقود، وعلى بناء ذلك على التراضي وطيب النفس ومنها: قوله تعالى: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} 1. وقوله سيبحانه: {وَأَنْكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ} 2 وقوله: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} 3، وقوله: {إِلاّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} 4 إلى غير ذلك من الآيات، ثم ذكر
ثلاثة أوجه للدلالة منها على هذه القاعدة. 1- أنه اكتفى بالتراضي في البيع بقوله: {إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} 1، وبطيب النفس في التبرع في قوله: {فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً} 2. فالأولى من جنس المعاوضات، والثانية من جنس التبرعات ولم يشترط لفظا معينا، ولا فعلا معينا يدل على التراضي وطيب النفس ونحن نعلم بالاضطرار من عادات الناس في أقوالهم وأفعالهم أن يعلموا التراضي وطيب النفس بطرق متعددة من الأقوال والأفعال. 2- أن هذه الأسماء من البيع والإجارة ونحوهما جاءت في كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم معلقا بها أحكام شرعية وليس لها حد يعلم باللغة ولا بالشرع فالمرجع فيه إلى عرف الناس. 3- أن تصرفات العباد من الأقوال والأفعال نوعان عبادات وعادات وقد علمنا بالاستقراء أن الأصل في العبادات ألا يثبت الأمر بها إلا بالشرع وأما العادات فالأصل فيها عدم الحظر فلا يحظر منها
إلا ما حرمه الشرع وإلا دخلنا في معنى قوله تعالى: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَاماً وَحَلالاً} 1. الثاني: أن السنة والإجماع دالان على ذلك فمن تتبع ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم من أنواع المبايعات والمؤاجرات علم أنهم لم يكونوا يلتزمون الصيغة من الطرفين ولم يزل الناس يتعاقدون في كثير من الأشياء بلا لفظ بل بالفعل الدال على المقصود ومن أمثلة ذلك الوقف فقد بنى رسول الله صلى الله عليه وسلم مسجده ولم يقل وقفت هذا المسجد وكذلك فعل الصحابة، ومن بعدهم"2. ومما يدل على القاعدة - أيضا -: حديث: "إذا دعي أحدكم إلى طعام فجاء مع الرسول فإن ذلك إذن له" 3.
ونحوه حديث: "رسول الرجل إلى الرجل إذنه" 1. وبمعناهما أثر ابن مسعود رضي الله عنه: "إذا دعيت فقد أذن لك"2. فهذه الأدلة تدل على أن ما دل على الإذن فهو بمثابة الإذن باللفظ، وأنه يمكن الاستدلال على المراد بالقرائن3. العمل بالقاعدة: بين شيخ الإسلام ابن تيمية موقف أئمة المذاهب الأربعة من هذه القاعدة حيث قال: "إن الفقهاء فيها على ثلاثة أقوال: الأول: أن الأصل في العقود أنها لا تصح إلا بالصيغ والعبارات وهذا ظاهر قول الشافعي، وهو قول في مذهب أحمد، ثم إنهم قد يقيمون الإشارة مقام العبارة عند العجز عنها كما في الأخرس، ويقيمون الكناية مقام العبارة عند الحاجة، وقد
يستثنون مواضع دلّت النصوص على جوازها إذا مسّت الحاجة إليها. لكن الأصل عندهم اللفظ. الثاني: أنها تصح بالأفعال في بيع المحقرات، والوقف ونحوهما مما يكثر عقده بالأفعال وهذا هو الغالب على أصول أبي حنيفة، وهو قول في مذهب أحمد، ووجه في مذهب الشافعي. الثالث: أن العقود تنعقد بكل ما دل على مقصودها من قول أو فعل وبكل ما عده الناس بيعا أو إجارة ويختلف ذلك باختلاف اصطلاح الناس وهذا هو الغالب على أصول مالك، وظاهر مذهب أحمد"1. وقد تقدم أن بعض الفقهاء من المذاهب الأربعة قد ذكروا هذه القاعدة فظهر من هذا أن الأئمة الأربعة يقيمون الفعل مقام القول أحيانا لكن بعضهم يتوسع في ذلك، وبعضهم يحدده بما تقتضيه الضرورة أو الحاجة2، وأن الشافعية هم أقل الفقهاء أخذا بهذه القاعدة.
جاء في التنبيه1 للشيرازي الشافعي: "ولا ينعقد البيع إلا بإيجاب وقبول وهو أن يقول: بعتك أو ملكتك وما أشبهه، ويقول المشتري: قبلت أو ابتعت أو ما أشبهه"، وصرح في المهذب2 بعدم صحة بيع المعاطاة، وقال: ولا يصح الوقف إلا بالقول، فإن بنى مسجدا وصلى فيه أو أذن للناس بالصلاة فيه لم يصر وقفا ... "3. وأجاز بعض متأخريهم بيع المعاطاة4، وصححوا اعتبار الفعل مكان القول في بعض الصور لعلل خاصة كبناء المسجد في أرض موات فإنه يعتبر بذلك وقفا من غير لفظ5. أما الحنفية، والمالكية، والحنابلة فإن الغالب على مذاهبهم إجراء الفعل مجرى القول إذا وجد من القرائن ما يدل على المراد منه مع أنهم قد يختلفون في حكم بعض الصور.
جاء في كتب الهداية1 في فقه الحنفية: " ... والمعنى هو المعتبر في هذه العقود، ولهذا ينعقد بالتعاطي في النفيس، والخسيس، وهو الصحيح لتحقق المراضاة"، واعتبروا الصلاة في المسجد تسليما له وإذنا للمسلمين بالصلاة فيه2. وقال ابن جزي - من المالكية -: "أركان البيع خمسة وعدّ منها اللفظ وما في معناه من قول أو فعل يقتضي الإيجاب والقبول"3. وقال في أركان الوقف: " ... أما الصيغة فهي لفظ الحبس والوقف، والصدقة وكل ما يقتضي ذلك من قول أو فعل"4. وذكر ابن قدامة أن البيع على ضربين أحدهما الإيجاب والقبول، والثاني المعاطاة، وذكر أن الإمام أحمد نص عليه5. وقال في الوقف: "وظاهر مذهب أحمد أن الوقف يحصل بالفعل مع القرائن الدالة عليه، وبيّن أن ما لم تجر العادة بوقفه من غير لفظ
فلا بد في وقفه من اللفظ"1. من فروع القاعدة: 1- مشروعية بيع المعاطاة عند من يجيزه2. 2- تسليم الوقف ولزومه فإنه يحصل بالفعل الدال عليه ولو لم يقترن به قول3. 3_ ومن فروعها أن إشارة الأخرس تقوم مقام النطق4. وجه التيسير: من المعلوم أنه كلما تعددت الطرق الموصلة إلى مقصودٍ ما كان ذلك أيسر مما إذا تعين لذلك طريق واحد، وفي العمل بهذه القاعدة مراعاة لأحوال الناس وأعرافهم واصطلاحاتهم التي تختلف باختلاف
أجناسهم وبلدانهم وغير ذلك، وفي عدم اعتبار ما تعارفوا عليه حرج شديد، ثم إنها قد تدخل في باب الضرورات كما في الإشارة من الأخرس1.
القاعدة الرابعة والعشرون: لا يجوز التفاسخ في العقود الجائزة متى تضمن ضررا على أحد المتعاقدين أو غيرهما ممن له تعلق بالعقد إلا إذا أمكن تدارك هذا الضرر.
القاعدة الرابعة والعشرون: لا يجوز التفاسخ في العقود الجائزة متى تضمَّن ضررًا على أحد المتعاقدين أو غيرهما ممن له تعلق بالعقد إلا إذا أمكن تدارك هذا الضرر. ((صياغة)) . أورد ابن رجب هذه القاعدة بنحو هذا اللفظ1، وأشار إليها الزركشي - ضمنا - عند بيانه تقسيم العقود إلى لازمة، وجائزة2. وبمكن اعتبارها مندرجة في قاعدة ((الضرر يزال)) ، وما في معناها. معاني المفردات: يجوز لغة: يسوغ، وأصله من الجَوز وهو وسط الشيء، وجُزْتُ الطريق سَلكْتُه3. والجواز في الشرع يأتي بمعنى الإباحة، ويأتي بمهنى ما لا يمتنع
شرعا. مباحا كان أو واجبا، أو مندوبا، أو مكروها1. التفاسخ: تفاعل من الفسخ وهو لغة النقض2. وفي اصطلاح الفقهاء عرفه بعضهم بأنه رفع العقد بإرادة من له حق الرفع وإزالة جميع آثاره. وعرفه آخرون بأنه انقلاب كل واحد من العوضين إلى دافعه، وقيل: هو حلُّ ارتباط العقد3. العقود: جمع عقد وهو لغة من عَقَدَ الحبل إذا شدّه، وهو نقيض الحَلّ4 واصطلاحا: عرف بأنه ربط أجزاء التصرف شرعا بالإيجاب والقبول، وقيل: ارتباط إيجاب بقبول على وجه مشروع يثبت أثره في محله5. الجائزة: المراد بالعقد الجائز ما كان للعاقد فسخه بكل حال،
ويطلق عليه غير اللازم1، واللازم عكسه2. المعنى الإجمالي: يقرر العلماء أن الأصل في العقود اللزوم؛ لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} 3؛ ولأن العقود إنما شرعت لتحصيل المقصود من المعقود به، أو المعقود عليه ورفع الحاجات وهذا يناسبه اللزوم4. إلا أنه لما كان أصل مشروعية العقود من أجل تحقيق مصلحة المكلفين وكانت المصلحة في بعض العقود تتحقق بجعلها لازمة، وفي بعضها تتحقق بجعلها جائزة كانت في الشرع كذلك5. والقاعدة المذكورة هنا قي تقييد لجواز فسخ
العقود الجائزة بألا يتضمن الفسخ إضرارا بأحد المتعاقدين، أو بمن له تعلق بالعقد. بحيث إذا وجد الضرر لم يصح الفسخ، ويستثنى من ذلك ما لو أمكن تدارك الضرر بضمان أو نحوه فإنه يجوز الفسخ حينئذ مع حصول الضرر. الأدلة: تقدم أن هذه القاعدة هي في معنى قاعدة ((الضرر يزال)) ، أو ((لا ضرر ولا ضرار)) فالأدلة عليها إذن هي الأدلة على تلك القاعدة. وهي عموم النصوص المتضمنة للنهي عن الإضرار والمضارة، والنصوص المتضمنة للأمر بالإحسان1. العمل بالقاعدة: دلت نصوص الفقهاء علة اتفاقهم على أن من العقود ما هو لازم، ومنها ما هو جائز2 وأما عدم جواز فسخ العقد الجائز إذا تضمن
ضررا فقد ورد من أقوال الفقهاء ما يدل عليه، إضافة إلى الاتفاق على منع الإضرار بالغير جملة. قال المرغيناني1 الحنفي: "وللموكل أن يعزل الوكيل عن الوكالة؛ لأن الوكالة حقه فله أن يُبطله إلا إذا تعلق به حق الغير ... ، والوكالة عقد لازم"2. وقال الخرشي من المالكية: " ... الجدار المشترك إذا طلب أحد الشريكين قسمته بالقرعة وأبى الآخر من ذلك فإن من طلب القسمة يجاب إلى طلبه إذا كان يمكن قسمه بلا إضرار"3. وجاء في كتاب المجموع في الفقه الشافعي: "أن في عزل الوكيل قبل علمه عند الشافعي قولان أحدهما: أنه ينعزل، والآخر: أنه لا ينعزل؛ لأنه لو انعزل قبل علمه كان فيه ضرر؛ لأنه
قد يتصرف تصرفات فتقع باطلة، وربما باع الطعام فيأكله المشتري أو غير ذلك من إطلاق يد المشتري، ويجب ضمانه فيتضرر المشتري والوكيل. وقال ابن قدامة من الحنابلة في شأن الوكالة: "وجماته أنه عقد جائز من الطرفين، ثم بين أن هناك روايتين في عزل الوكيل دون علمه: إحداهما: أنه ينعزل، والأخرى: لا ينعزل؛ لأنه قد يتصرف بما يوجب ضررا على أحد المتعاقدين أو سواهما"1. من فروع القاعدة: 1- عزل الوكيل فإنه من قبل الموكل إلا إذا تضمن عزله ضررا2 2- المزارعة فإنها عقد لازم عند بعض الفقهاء لكن إذا ألقى الزارع البذر لم يكن لصاحب البذر أن يفسخ المزارعة لما يترتب على الطرف الآخر من ضرر3.
وجه التيسير: تتضمن هذه القاعدة التيسير على المكلفين من وجهين: أحدهما: مراعاة الشرع المطهّر لمصالح الناس، ووروده على وفق حاجاتهم بجعل بعض العقود لازمة إذا كانت مصلحتها تتحقق باللزوم، وبعضها جائزة إذا كانت مصلحتها تتحقق بالجواز بحيث يصح فسخ هذه العقود وذلك حسب ما يذكره الفقهاء من تفصيل في ذلك1. الثاني: تقييد جواز فسخها بعدم حصول الضرر على أحد المتعاقدين أو سواهما ممن له علاقة بالعقد.
القاعدة الخامسة والعشرون: ما أوجب أعظم الأمرين بخصوصه لايوجب أهونهما بعمومه
القاعدة الخامسة والعشرون: ما أوجب أعظم الأمرين بخصوصه لا يوجب أهونهما بعمومه. ذكر هذه القاعدة العلائي1، والسبكي2، والزركشي3، والسيوطي4 من الشافعية، ولم أقف على هذه القاعدة في شيء من كتب القواعد في المذاهب الثلاثة - حسب اطلاعي -. ويقرب منها قاعدة ((إذا اجتمع أمران من جنس واحد - ولم يختلف مقصودهما - دخل أحدهما في الآخر غالبا)) كما ذكرها السبكي5، وشبهها في موضع آخر بقاعدة أخرى هي ((إذا بطل الخصوص بقي العموم)) ، أو ((لا يلزم من ارتفاع الخاص ارتفاع العام)) 6.
معاني المفردات: أوجب في اللغة: بمعنى استحق1. والمراد هنا السبب الذي يترتب عليه حكمه فكأنه لما كان يلزم من حصوله - أي السبب - حصول الحكم كان مستحقا له. الأمر لغة: قد تقدم بيان معناه، والمراد بالأمرين هنا الحكمين المترتبين على سببين متداخلين. الخصوص في اللغة: تفرّدُ بعض الشيء بما لا يشاركه فيه الجملة وهو خلاف العموم2. والمراد بالخصوص في قولهم: بخصوصه النظر إلى السبب المتضمن لسبب آخر دونه باعتبار أعلاهما وقطع النظر عما يتضمنه كالزنا بالنسبة لما يتضمنه من ملامسة ونحوها. العموم لغة: تقدم معناه، والمراد بالعموم في قولهم: بعمومه النظر إلى ذلك السبب باعتبار مجموع ما يتضمنه كالزنا إذا نُظر إليه باعتبار شموله
وتضمنه للملامسة ونحوها. المعنى الإجمالي: يعني العلماء بهذه القاعدة أنه إذا اجتمع سببان أحدهما داخل في الآخر؛ لكون الأعلى منهما متضمنا للأدنى لم يترتب على مجموعهما إلا ما يترتب على أعلاهما كالزنا فإنه سبب للجلد أو الرجم1، وهو - أي الزنا - متضمن للملامسة والمفاخذة الذين يقتضيان التعزير عن كثير من أهل العلم2 فإذا حدث الزنا وهو أعظم السببين ترتب عليه حكمه، ودخل ما يترتب على السبب الأدنى وهو التعزير المترتب على الملامسة ونحوها فيما يترتب على السبب الأعلى.
وقد اعتبر العلائي هذه الصورة من قبيل ما اتحد سببه وتعدد فيه المسبب1، والحقُّ أن السبب متعدد لكن لما كان أحدهما متضمنا للآخر كانا كالسبب الواحد. ولذا فقد اعتبرت هذه القاعدة في معنى قاعدة ((إذا اجتمع أمران من جنس واحد دخل أحدهما في الآخر غالبا)) . إلا أنه يمكن التفريق بين القاعدتين بأن قاعدة ((ما أوجب أعظم الأمرين ... )) مفروضة في السببين المتداخلين بحيث يتضمن أحدهما الآخر من حيث حقيقته، والقاعدة الأخرى مفروضة في السببين المتداخلين لوجودهما في وقت واحد، أو نحو ذلك. الأدلة: لم يصرح الفقهاء - فيما رأيت - بدليل هذه القاعدة كما لم يصرحوا بأدلة قاعدة ((إذا اجتمع أمران من جنس واحد ... )) . لكن من الواضح أن مبنى هذه القاعدة هو التداخل. واستقراء مواضع ذلك من الشريعة يقتضي بأنه إذا تداخل السببان بحيث صارا كالسبب الواحد فإن المسبّبان تتداخل كذلك بحيث تكون مسبّبا واحدا هو الأعظم من الأمرين. وذلك حينما تتحقق
المصلحة المطلوبة أو تندفع المفسدة المراد دفعها بحصول أعظم الأمرين فإن الزنا - مثلا - يتضمن ملامسة ونحوها ولم ينقل عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه عاقب على ما دون الزنا عند وقوعه - أي الزنا - ولا نُقل ذلك عن الخلفاء الراشدين من بعده، وكذلك السرقة فإنها متضمنة - غالبا - لدخول دار الغير بغير إذنه والإطلاع على عورات النساء، ولم ينقل أنه قد عوقب على ذلك إذا حصلت السرقة، وقد جعل بعض الفقهاء من مسائل هذه القاعدة القول برجم المحصن دون جلده عند من يقول بذلك1. فيكون فعل النبي صلى الله عليه وسلم2 دليلا لصحة هذه القاعدة. ومرادهم أن زنا المحصن يتضمن أمرين أحدهما مطلق الزنا - وهو الموجب للجلد - والثاني كونه حاصلا من محصن - وهو الموجب
للرجم1 ولا يخلو التمثيل بهذا - فيما أرى - من نظر؛ لأن زنا المحصن أمر واحد وإنما التعدد باعتبار حقيقة ذلك الفعل وإضافته إلى فاعله. ومن جهة أخرى فإنه لم سلم وجود سببين في هذه الصورة فقد نص الرسول صلى الله عليه وسلم على اعتبارهما بقوله: " ... جلد مائة والرجم" 2 ولذا فقد بنى كثير ممن قال بعدم الجمع بين الجلد والرجم ذلك على كون فعل الرسول صلى الله عليه وسلم مع ماعز3 رضي الله عنه ناسخا لهذا القول منه صلى الله عليه وسلم. وعلل بعضهم ذلك - أعني عدم الجمع بين الرجم والجلد - بأن غير القتل يندرج في القتل4.
العمل بالقاعدة: لم أجد هذه القاعدة منصوصا عليها إلا في كتب الشافعية - كما تقدم -، وقال العلائي - بعد أن ذكر أمثلة لما اتحد سببه وتعدد مسببه -: وقد عبر أصحابنا عن هذه المسائل كلها بقاعدة وهي: ((ما أوجب أعظم الأمرين بخصوصه لا يوجب أهونهما بعمومه)) 1. إلا أن كلام فقهاء المذاهب الأخرى - غير الشافعية - في بعض المسائل يدل على تقريرهم لهذه القاعدة وإن لم يصرحوا بذكرها فقد ذهبوا إلى أن من قطع عضوا من إنسان ثم سرى ذلك إلى نفسه، أو قطع شيئا من أعضائه ثم قتله فإنه لا يلزمه من الديات إلا دية النفس، وتدخل الجنايات الأخرى فيها. ولعل عدم النص على هذه القاعدة راجع إلى الاكتفاء بذكرهم قاعدة ((إذا اجتمع أمران من جنس واحد دخل أحدهما في الآخر غالبا)) ، والله أعلم. من فروع القاعدة: 1- أنه لا يجب على الزاني التعزير بالملامسة والمفاخذة ونحوها
لوجوب حد الزنا عليه وهذا من أوضح أمثلة القاعدة1. 2- ومثله السارق فإنه إذا استوفى الشروط وجب عليه حد السرقة ولا يعاقب على ما تضمنته السرقة من الاعتماد على البيوت وهتك الحرمات ونحوها2. 3- فرّع بعض العلماء على هذه القاعدة زنا المحصن حيث يوجب الرجم ولا يوجب الجلد الذي هو أهون الأمرين3. وجه التيسير: يظهر التيسير في هذه القاعدة من حيث أن الأصل أن يوجد عند وجود السبب مسببه وعند وجود الموجب موجبه4. لكن لما كان مقصود الشرع هو جلب المصالح ودرء المفاسد راعى في هذه القاعدة هذا الجانب بحيث تحصل المصلحة أو تندفع المفسدة بما هو
أيسر على المكلفين ولم يراع الأصل. ففي جانب العقوبات مثلا تندرج عقوبة الذنب الصغير في عقوبة الذنب الكبير من جنسه ولا تتعدد مع وجود سببها؛ لأنه بإيقاع عقوبة الأكبر يكون قد حصل المقصود، والله أعلم.
القاعدة السادسة والعشرون: ما قبض أو عقد في حال الكفر فهو صحيح بعد الإسلام ويجب الوفاء به مالم يكن فيه شيئ محرم في الإسلام.
القاعدة السادسة والعشرون: ما قبض أو عقد في حال الكفر فهو صحيح بعد الإسلام ويجب الوفاء به مالم يكن فيه شيئ محرم في الإسلام. ... القاعدة السادسة والعشرون: ما قُبِض أو عُقِد في الحال الكفر فهو صحيح بعد الإسلام ويجب الوفاء به مالم يكن فيه شيء محرم في الإسلام ((صياغة)) أورد كثير من الفقهاء هذه القاعدة بعدة صيغ. فقد أشار إليها ابن عبد السلام1، كما أوردها ابن تيمية عند كلامه عن العقود2، وأوردها الزركشي، والشيوطي، وابن نجيم في أحكام الذميين، وما يجري على الكفار من أحكام المسلمين، وما يستثنى من ذلك3، وأوردها المقري، وابن اللحام، والونشريسي، وغيرهم، وبنوها على مسألة مخاطبة الكفار بفروع الشريعة4، وأوردها القرافي عند بيانه ما يُقَر من أنكحة الكفار
وما لا يقر منها1، وساق السبكي ضابطا بهذا المعنى فيما يتعلق بالنكاح2. معاني المفردات: القبض لغة: الأخذ، وهو خلاف البسط. يقال: صار الشيء قبضتك أي في ملكك3. وفي الاصطلاح: وضع اليد الممَكِّن من التصرف بالمقبوض4. العقد: تقدم بيان معناه5. الكُفر: - بضم الكاف - الستر والتغطية، وكذلك الكَفر - بفتح الكاف - وهما مصدر كَفَرَ، وقال بعض أهل اللغة: الكَفر - بالفتح - الستر، وبالضم ضد الإيمان، وسمي الكُفر كُفرا؛ لأنه تغطية للحق6. وفي الاصطلاح: يطلق بمعنى الجحود، وبمعنى عدم الإيمان وهو
الأكثر. قال الراغب: والكافر على الإطلاق متعارف فيمن جحد الوحدانية، أو النبوة، أو الشريعة، أو ثلاثتها1. المعنى الإجمالي: إذا حصل من الكافر عقد؛ أو قبض في حال كفره ثم أسلم، فإن ذلك العقد أو القبض يقع صحيحا، ويجب الوفاء به مع أنه قد حصل بغير إذن الشرع، إلا أن بعض العلماء قد فصلوا في ذلك بعض التفصيل فقالوا: إن كان العقد الواقع في حال الكفر قد وقع على صورة صحيحة شرعا فهو صحيح بعد الإسلام مطلقا سواء حصل التقايض أو لم يحصل. أما إذا وقع على نحو محرم فإنه لا يكون صحيحا بعد الإسلام إلا إذا كان قد تم التقايض فيه قبل الإسلام فإن لم يتم التقايض فإنه يفسخ بعد الإسلام. وهذا في المعاملات المالية دون النكاح فإنه يصح وإن لم يتم القبض2، كما قيدوا ذلك بقيد آخر وهو أن لا يكون متضمنا - بعد إسلام العاقد أو المتعاقدين - لما هو محرّم.
وفُسر ذلك - في النكاح - بأن يكون العقد على من يصح العقد عليها في الإسلام، أو بألا يكون السبب المحرم موجودا عند الإسلام - أي عند إسلام المتعاقدين - فإن كان السبب المحرّم قائما لم يصح العقد كأن يكون متزوجا أكثر من أربع، أو من ذوات محارمه أو نحو ذلك مما هو موجود وقائم بعد الإسلام، ومثال مالم يكن سبب التحريم فيه موجودا أن يقع عقد النكاح دون شهود، أو دون ولي1، أو نحو ذلك فإنهما إذا أسلما صح عقدهما2. وهذا يزيل ما قد يظهر من تعارض بين قول الفقهاء يصح العقد بعد الإسلام ولو لم يكن على الصورة المشروعة وبين قولهم: بشرط أن لا يكون فيه بعد الإسلام شيء محرم، وقد جاء في كلام القرطبي ما يدل على أن هذا الحكم ينطبق - أيضا - على ما عقده
المسلم أو قبضه في حال إسلامه مما لم يكن محرما، ثم نزل تحريمه فإنه لا يفسخ1. الأدلة: يدل على هذه القاعدة أدلة من الكتاب ومن السنة، ويدل عليها الإجماع. 1- فمن الكتاب قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} 2 2- زمن السنة ما جاء في خطبته صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع حيث قال صلى الله عليه وسلم: " ... وربا الجاهلية موضوع وأول ربا أضعه ربانا ربا عباس بن عبد المطلب فإنه موضوع كله ... "3. ووجه الاستدلال من الآية والحديث واحد ففي الآية أمر بترك ما بقي من الربا أي مالم يقبض، أما ما قبض فهو معفو عنه. وفي الحديث أمرهم صلى الله عليه وسلم بوضع وترك ما بقي من الربا في الذمم
مما لم يقبض ولم يأمرهم برد ما قبضوه بعقد الربا. بل أمضاه لهم1. 3- وقول النبي صلى الله عليه وسلم: "كل قسم قُسِم في الجاهلية فهو على ما قُسم، وكل قَسمٍ أدركه الإسلام فإنه على قسم الإسلام"2. قال الخطابي: "فيه بيان أن أحكام الأموال والأنساب والأنكحة التي كانت في الجاهلية ماضية على ما وقع الحكم منهم فيها أيام الجاهلية لا يرد منها شيء في الإسلام"3. 4- وأن النبي صلى الله عليه وسلم أقر الناس على أنكحتهم التي عقدوها في الجاهلية ولم يستفصل هل عقد به في عدة أو في غير عدة؟ بولي أو بغير ولي؟ بشهود أو بغير شهود؟ ولم يأمر أحدا بتجديد نكاح ولا بفراق امرأته إلا أن يكون السبب المحرم
موجودا وقائما حين الإسلام على ما تقدم إيضاحه. كما أمر غيلان بن سلمة الثقفي1 رضي الله عنه الذي أسلم وتحته عشر نسوة أن يمسك أربعا ويفارق سائرهن2، وكما أمر فيروز الديلمي3 رضي الله عنه الذي أسلم وتحته أختان أن يختار إحداهما ويفارق الأخرى4.
قال الشوكاني: "وفي ترك استفصاله عن المتقدمة منهما من المتأخرة دليل على أنه يحكم لعقود الكفار بالصحة وإن لم نوافق الإسلام"1. 5- الإجماع حيث نقل عدد من الفقهاء اتفاق المسلمين على أن العقود التي عقدها الكفار يحكم بصحتها بعد الإسلام إذا لم تكن محرمة على المسلمين2. عمل الفقهاء بالقاعدة: نقل عدد من الفقهاء الإجماع على أن الكفار يقرّون على أنكحتهم التي عقدوها في حال كفرهم إذا أسلموا ما لم تتضمن محرما - بالمعنى الذي تقدم بيانه3 -، ونص على ذلك كثير من
فقهاء المذاهب الأربعة1، وأشار بعضهم - ضمن ذلك - إلى أن ذلك يجري في سائر العقود2. ولا ينافي هذا أن بعض الفقهاء قد نص على فساد أنكحتهم كما نص عليه الخرشي من المالكية حيث قال: "إنه مشهور مذهبهم؛ لأنه أراد بالفساد أن تلك الأنكحة ليست صحيحة أصلا، إلا أن أصحابها يقرون عليها إذا أسلموا"3. كما أن القيد المتقدم - وهو أن لا يكون سبب التحريم قائما وموجودا - لا ينافي ما نقله صاحب الدر المحتار عن بعض الحنفية من كون النكاح الذي يعقد في حال الكفر على من ليست محلا للنكاح شرعا4 ينعقد صحيحا؛ لأن مراد من قال ذلك، صحته
في حال كفرهما، وبطلانه بعد إسلامهما1، وذلك بناء على القول بمخاطبة الكفار بالفروع، أو عدمه. ويبدو أن من قال بفساد تلك الأنكحة بناه على القول بتكليفهم بالفروع2، ومن قال بصحتها بناه على القول بعدم تكليفهم بالفروع. وقال ابن اللحام من الحنابلة: "إن بناء هذه القاعدة على مخاطبة الكفار بالفروع، أو عدمه غير منضبط3، وذلك أن الجمهور القائلين بمخاطبتهم بالفروع ذهب أكثرهم إلى صحة هذه العقود مع أن المناسب للقول بمخاطبتهم فساد تلك الأنكحة، ومن قال بعدم مخاطبتهم - وهم أكثر الحنفية - قد ذهب بعضهم إلى فسادها مع أن المناسب للقول بعدم مخاطبتهم صحة تلك الأنكحة، والله أعلم.
من فروع القاعدة: 1- صحة أنكحة الكفار، وإقرارهم عليها إذا أسلموا على ما تقدم بيانه1. 2- صحة عقود الكفار، وقبضهم حال كفرهم إذا أسلموا ولو كان العقد أو القبض وقت وقوعه - أي في حال كفرهم - غير صحيح في الإسلام2. وجه التيسير: من المعلوم أن الناس في جاهليتهم كانوا يتعاقدون، ويتناكحون، وكان كثير من ذلك على غير الوجه الشرعي3 فلو أن الإسلام ألغى كل هذه المعاملات وأمر من أسلم أن ينقض ما عقده من تلك العقود لحصل من ذلك الحرج الشديد بسبب تقادم تلك
العقود وكثرتها، ولكان ذلك تنفيرا من دين الله مع أن المقصود اجتلاب الناس إلى خيري الدنيا والآخرة باتباع شرع الله فكان في إقرار الشرع لهم على عقودهم - إلا ما كان سبب تحريمه قائما - تيسير عظيم1.
القاعدة السابعة والعشرون: ما لا يعلم إلا من جهة الإنسان فإنا نقبل قوله فيه
القاعدة السابعة والعشرون ما لا يعلم إلا من جهة الإنسان فإنا نقبل قوله فيه. أورد هذه القاعدة - بهذه الصيغة - العز بن عبد السلام1، وذكرها السبكي بصيغة قريبة منها2، وذكرها الحصيري3، والقرافي بغير هذا اللفظ4، كما أوردها الكرخي، وقيّد قبول قول الأمين بانضمام يمينه حيث قال: "الأصل أن القول قول الأمين مع اليمين من غير بينة"5. وأشار إليها ابن نجيم بقوله: "كل من قُبل قوله فعليه اليمين من غير بينة"6. المعنى الإجمالي: تعني هذه القاعدة أن ما يختص به الإنسان ولا يمكن أن يُطلع
عليه إلا من قبله، أو يمكن الاطلاع عليه لكن مع حرج شديد وتعسف فإنه يقبل قول الإنسان فيه في فعله، أو ما وقع له ويبنى على ذلك ما يمكن أن ينبني من أحكام ولا يحتاج إلى بينة؛ لأنه في هذه الحال يكون مؤتمنا. وقد جاءت هذه القاعدة مطلقة عن اشتراط العدالة في المخبر وهذا ما عليه أكثر العلماء1؛ وعُلل ذلك بأن الإنسان في هذه الحال ليس بشاهد ولا هو يروي دينا2، وذهب الحنابلة إلى أنها شرط في قبول خبره3. وقيدها بعض العلماء بانضمام اليمين إلى القول، ونسبه ابن قدامة إلى الأكثر4، وصرح فقهاء الحنفية، والمالكية بأنه إنما يشترط إذا كذّب المخبِرُ غيره وانبنى على خبره أحكام تتعلق
بغيره1. كما قيد العلماء قبول قول الأمين بكونه في حدود المعقول وغير مخالف للحس والعادة. فلو ادعت امرأة مثلا انقضاء عدتها بالقروء في مدة لا يمكن أن يكون فيها ذلك لم يقبل قولها2. الأدلة: 1- قول الله تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ} 3 قال الإمام القرطبي: " ... المعنى أنه لما أراد أمر العدة على الحيض والأطهار ولا اطلاع عليهما إلا من جهة النساء جُعل القول قولها إذا ادعت انقضاء العدة أو عدمها، وجعلنَ مؤتمنات على ذلك وهو مقتضى قوله تعالى: {وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ} 4 ... "5.
2- حديث: "الإمام ضامن والمؤذن مؤتمن" 1. حيث قرر هذا الحديث مبدأ قبول قول المؤتمن فإن المسلمين يأتمنون على الأوقات التي يؤذن فيها فيبنون على أذانه فعل ما أمروا به من صلاة، وصوم، وفطر، ونحوها2. 3- حديث المجامع امرأته في نهار رمضان وفيه قوله صلى الله عليه وسلم للرجل: "هل تجد رقبة تعتقها؟ " قال: لا، قال: "فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟ " قال: لا، قال: "فهل تجد إطعام ستين مسكينا؟ " قال: لا، فمكث النبي صلى الله عليه وسلم. قال الراوي: "فينا نحن على ذلك أتي النبي صلى الله عليه وسلم بعرق فيها تمر - والعَرَق المكتل - قال: "أين السائل؟ " فقال: أنا، قال: "خذ هذا فتصدق به" فقال الرجل: "على أفقر مني يا رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فوالله ما بين لابتيها - يريد الحرتين - أفقر من أهل بيتي. فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدت
أنيابه، ثم قال: "أطعمه أهلك". قال ابن حجر: "وفيه قبول قول المكلف مما لا يطلع عليه إلا من قِبَله لقوله في جواب قوله: على أفقر مني: أطعمه أهلك، ويحتمل أن يكون هناك قرينة لصدقه"1 4- ويمكن الاستدلال لهذه القاعدة - من بعض الوجوه - بحديث عقبة بن الحارث2 قال: "تزوجت امرأة فجاءتنا امرأة سوداء قال: أرْضَعْتُكما. فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: تزوجت فلانة بنت فلان فجاءتنا امرأة سوداء فقالت لي: إني قد أرضعتكما وهي كاذبة، فأعرض عني، فأتيته من قبل وجهه قلت إنها كاذبة. قال: كيف بها وقد زعمت أنها قد أرضعتكما. دعها
عنك ... "1. فقد أجاز النبي صلى الله عليه وسلم شهادتها وحدها مع أنها شهدت على فعل نفسها، وإن كان الأمر قد يشترك معها في العلم به غيرها2. عمل الفقهاء بالقاعدة: نقل ابن المنذر، وابن قدامة الإجماع على اعتبار قول المؤتمن في ضياع الوديعة أو تلفها، واشترط الأكثرون يمينه3، وفصل بعض الفقهاء فقالوا: إن ادعى التلف لسبب ظاهر لزمته البينة وإلا قبل قوله مع يمينه، وتقدم ذكر عدد من فقهاء المذاهب لهذه القاعدة تصريحا أو تضمينا4. ويدل كلام فقهاء المذاهب الأربعة على اعتبار هذه القاعدة من حيث الجملة وإن كانوا يختلفون في بعض التفصيل.
ففي مسألة خبر المرأة عن انقضاء عدتها نجد أن فقهاء المذاهب الأربعة يقررون اعتبار قولها؛ لأنها مؤتمنة عليه، وإن كان بعضهم قد اشترط كونها مرضِيَّة، وبعضهم لم يصرح بهذا الشرط1، وكذلك ما كان نحوها من المسائل. قال الشيرازي الشافعي: "وإن تزوجت المطلقة ثلاثا بزوج، وادعت أنه أصابها، وأنكر الزوج قولها لم يقبل قولها على الزوج الثاني في الإصابة، ويقبل قولها في الإباحة للزوج الأول؛ لأنها تدعي على الزوج الثاني حقا وهو استقرار المهر، ولا تدعي على الأول شيئا، وإنما تخبره عن أمر هي فيه مؤتمنة فقُبِل"2. من فروع القاعدة: 1- الأخذ بخبر المرأة إذا ادعت انقضاء عدتها في مدة يمكن انقضاء العدة فيها، أو أنها حين طُلقت كانت حائضا ونحوه على تفصيل في ذلك3.
2- إذا أخبر شخص عن نفسه بأنه فقير أخذ بقوله1. 3- إخبار المؤتمن عن ضياع وديعته، أو تلفها إذا لم يكن بسبب يمكن إقامة البينة عليه2. وجه التيسير: يتضح التيسير في هذه القاعدة من حيث أنه قد يشق على الإنسان أن يُثبتَ بالبينة بعض الأمور الخاصة التي ربما لا يطلع عليها إلا فاعلها أو من تعلقت به، فاكتفى الشارع في ذلك بخبر صاحب الشأن تيسيرا عليه من جهة، وتيسيرا على الحاكم من جهة أخرى إذ لا يكلف بأن يطالبه بالشهود فلا يحتاج إلى التحري في عدالتهم، ولا يكلَّف بالبحث في مطابقة الخبر للواقع. قال القرطبي رحمه الله: "قال سليمان بن يسار3: " ...
.ولن نؤمر أن نفتح النساء فننظر إلى فروجهن ولكن وُكِل ذلك إليهن؛ إذ كن مؤتمنات"1. وقال ابن عبد السلام - بعد ذكر أمثلة على القاعدة -: فإنا نقبل ذلك كله ونجري عليه أحكامه؛ لأنه لو لم نقبله لتعطلت مصالح هذا الباب، لتعذر إقامة الحجة عليها2.
القاعدة الثامنة والعشرون: ما لا يمكن التحرز منه يكون عفوا
القاعدة الثامنة والعشرون: ما لا يمكن التحرز منه يكون عفوا. هذه القاعدة أوردها الحصيري تعليلا1، وورد معناها ضمنا عند عدد من الفقهاء كالسبكي2، والسيوطي3، وابن تيمية4، والمقري5، وغيرهم. ويمكن إدراج هذه القاعدة تحت عدد من القواعد كقاعدة ((المشقة تجلب التيسير)) 6، وقاعدة ((إذا ضاق الأمر اتسع)) 7، وقاعدة ((الضرورات تبيح المحظورات)) 8، فقد
عدّ الفقهاء العسر وعموم البلوى من أسباب التخفيف، ومثلوا له بالصلاة مع النجاسة المعفو عنها1. معاني المفردات: التحرز: التوقي يقال: احترزت من كذا، وتحرزت منه توقيته، والحرز الموضع الحصين2. العفو: تقدم بيان معناه. المعنى الإجمالي: معنى هذه القاعدة أن الشرع يتسامح في القدر الذي يشق على المكلفين اجتنابه، ويعسر عليهم دفعه مما يكون الأصل فيه منع التلبس به. ومنع التلبس بالشيء يأتي بمعنى تحريمه - من حيث هو - كتحريم الزنا وشرب الخمر، ويأتي بمعنى اشتراط عدمه أو زواله لصحة عبادة معينة أو تصرف شرعي معين مثل اشتراط زوال النجاسة لصحة الصلاة ونحوها من العبادات، وكما تنطبق هذه
القاعدة على العبادات تنطبق على المعاملات1. وقد يكون ذلك من أجل يُسر ذلك القدر وقلّته وعموم البلوى به كالعفو عن قليل النجاسة، وقد يكون لأمر آخر ككون الشيء خارجا عن طاقة المكلف ولو كان كثيرا كجواز صلاة المستحاضة مع خروج الدم منها وإن كان كثيرا. هذا ما تقتضيه هذه القاعدة بمنطوقها؛ لأن ما يجب الاحتراز عنه أصلا هو المحرم. لكن قد يدخل في معناها ترك القدر الذي لا يتمكن المكلف من فعله مما هو واجب أصلا. ولعل مما يصح التمثيل به لهذا هو سقوط وجوب استحضار النية في كل جزء من أجزاء العمل المفتقر إلى النية؛ - لعسر ذلك على المكلفين وخروجه عن طاقتهم -، والاكتفاء في ذلك باستحضارها أول العمل مع أن الأصل لزوم وجودها في جميع أجزائه2؛ فإن للعفو مدخلا في ترك الواجب، كما أن له مدخلا في فعل الممنوع حيث قال صلى الله عليه وسلم: " ... وإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم" 3.
الأدلة: أولا: الأدلة الدالة على أن ما لا يمكن التحرز عنه معفو عنه وهي تدل على القاعدة مباشرة ومنها: الأحاديث الواردة في حكم المستحاضة وأنها تتوضأ لكل صلاة، وتصلي وإن استمر معها الدم كحديث عائشة رضي الله عنها قالت: "جاءت فاطمة بنت أبي حبيش1 إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله إني امرأة استحاض فلا أطهر، أفأدع الصلاة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا إنما ذلك عِرْق وليس بحيض. فإذا أقبلت حيضتك فدعي الصلاة، وإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم ثم صلي" قال الراوي: قال أبي2: "ثم نوضئي لكل صلاة حتى يجيء ذلك الوقت"3.
ثانيا: يستدل لهذه القاعدة بما دل على إباحة بعض الأشياء ابتداء، بسبب عموم البلوى بها من حيث إثبات مراعاة الشرع لما تعم به البلوى والتخفيف فيه. من ذلك: قوله تعالى: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ} 1 الآية. قال ابن العربي: "طوافون عليكم، أي مترددون عليكم في الخدمة وما لا غنى بكم عنه منهم، فسقط الحرج عن ذلك وزال المانع كما قال صلى الله عليه وسلم في الهرة - حين أصغى لها الإناء -: "إنها من الطوافين عليكم أو الطوافات"2. وحديث الرسول صلى الله عليه وسلم حيث قال: "إنها ليست بنجس إنها من الطوافين عليكم والطوافات" 3.
فقد حكم صلى الله عليه وسلم بعدم نجاستها وعلل ذلك بكونها من الطوافين عليهم والطوافات أي بكثرة دورانها في البيوت ودخولها فيها بحيث يصعب صون الأواني عنها1، ويتقوى الاستدلال بهذا الحديث على القاعدة باعتبار رأي بعض الفقهاء حيث يرى البعض أن الأصل في الهرة النجاسة فيدخل في الأدلة الدالة على القاعدة مباشرة2. ثالثا: وهناك من الأدلة ما يدل لهذه القاعدة من وجه وذلك مثل حديث المرأة التي سألت أم سلمة3 رضي الله عنها فقالت: "إني امرأة أطيل ذيلي وأمشي في القذر فقالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يطهره ما بعده" 4، وما في معناه من الأحاديث،
فهذا الحديث، وما في معناه يدل على أن الثوب، وما في حكمه إذا لامس نجاسة من الطريق فإنه يطهر بمروره على ما بعد موضع النجاسة من الأرض، أو بفركه بالتراب، وهذا الظاهر معناه أن تلك النجاسة لم يُعفَ عنها وإنما خُفف في طريقة التطهير منها، إلا أن بعض العلماء قد وجه بعض هذه الأحاديث بما يقتضي دلالتها على القاعدة، فقد قال صاحب عون المعبود: "وأما طين الشارع يطهره ما بعده ففيه نوع من التوسع في الكلام؛ لأن المقام يقتضي أن يقال: هو معفو عنه أو لا بأس به، لكن عدل منه بإسناد التطهير إلى شيء لا يصلح أن يكون مطهرا للنجاسة فعلم أنه نعفو عنه"1. وتجدر الإشارة إلى أن جمهور العلماء على أن هذا في النجاسة اليابسة. أما ما يمكن أن يعلق بالثوب فإنه لا يطهره إلا الغسل2. وقد ذهب البعض إلى أن المراد هو أن مرور الثوب أو القدمين
على الأرض الطاهرة بعد الأرض القذرة يخفي عين النجاسة، فلا يعلم المكلف بوجودها فلا يلزمه غسلها، ولو ظهرت لتعيّن غسلها1. رابعا: ويدل على هذه القاعدة الأدلة العامة في رفع الحرج كقوله تعالى: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاّ وُسْعَهَا} 2 ونحوها. عمل الفقهاء بالقاعدة: لقد صرح عدد من فقهاء المذاهب الأربعة بهذه القاعدة، وهذا يدل على أنها محل اتفاق بينهم - من حيث الجملة - إلا أنه لابد من ملاحظة أن ما لا يمكن التحرز منه أمر نسبي يختلف الفقهاء فيه بين متوسع ومتشدد3، ولعل من أظهر ما يبرز فيه تطبيق هذه القاعدة هو باب النجاسات. وهذه بعض النقول عن فقهاء المذاهب الأربعة في هذا الباب. قال المرغيناني الحنفي: " ... وقدر الدرهم، وما دونه من النجس المغلظ كالدم والبول والخمر وخرء الدجاجة وبول الحمار، جازت
الصلاة معه ... إلى أن قال: لنا أن القليل لا يمكن التحرز عنه فيجعل عفوا"1. وذكر الخرشي من المالكية أشياء كثيرة مما يعفى عنه من النجاسات ثم علل ذلك العفو بمشقة الاحتراز عنها2. وقال الشيرازي من الشافعية: " ... وأما الدماء فينظر فيها فإن كان دم القمل والبراغيث وما أشبهها فإنه يعفى عن قليله؛ لأنه يشق الاحتراز منه"3. وقال ابن قدامة الحنبلي: "أكثر أهل العلم يرون العفو عن يسير الدم، والقيح، وذكر على ذلك أدلة، وعلل بمشقة الاحتراز منه4. وفروع هذه القاعدة هي فروع قاعدة ((إذا ضاق الأمر اتسع)) . وجه التيسير: وجه التيسير ظاهر في هذه القاعدة فقد عفى الشارع عن
بعض الأمور التي يكون الأصل فيها المنع؛ من أجل مشقة الاحتراز عنها، سواء ذلك في جانب المنهيات، أو في جانب المأمورات كما تقدم؛ وذلك مراعاة لأحوال المكلفين؛ ولئلا يقع تكليفهم بما يشق عليهم.
القاعدة التاسعة والعشرون: ما وسعه الشرع فضيقه المكلف على نفسه هل يتضيق؟.
القاعدة التاسعة والعشرون ما وسعه الشرع فضيقه المكلف على نفسه هل يتضيق؟. ذكر هذه القاعدة1 الزركشي بصيغة الاستفهام، وقال في موضع آخر: "التزام إبطال الرخص ممنوع على الأصح"2. وأشار ابن رجب إلى معناها في قاعدة ((إذا اجتمعت عبادتان من جنس واحد ... )) ، حيث نقل عن الإمام أحمد رواية في الجنب إذا اغتسل ينوي الجنابة وحدها أنه يرتفع حدثه الأصغر تبعا3، وأشار إليها السبكي4.
معاني المفردات: الشرع في اللغة: نهج الطريق الواضح. يقال: شرعت له طريقا، وأصل مادته (ش، ر، ع) تدل على شيء يُفتح في امتداد يكون فيه1. وفي الاصطلاح: ما شرعه الله تعالى لعباده من الأحكام التي جاء بها نبي من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام2، والمراد - هنا - شريعة محمد صلى الله عليه وسلم. وفي نسبة التوسعة إلى الشرع تجوز، والمعنى ما وسعه الشارع أو المشرع وهو الله تعالى. المعنى الإجمالي: المقصود من هذه القاعدة بيان حكم ما يُلزم المكلَّف به نفسه من تضييق فيما وسعه الشرع، وقد أورد بعض العلماء هذه القاعدة بصيغة الاستفهام للدلالة على عدم الجزم بالحكم فيها لاختلاف الحكم باختلاف الصور، وتشمل هذه القاعدة صورا منها: أن يقيد المكلف نفسه في أداء العبادة المشروعة بهيئة معينة أو نحوها وذلك بالنذر أو ما يجري مجراه بحيث يكون ذلك القيد من غير جنس
القُرب الشرعية كأن ينذر الحج ماشيا1، أو الصلاة في الشمس أو نحو ذلك. ومنها أن يُلزم المكلَّفُ نفسه بشيء ليس من جنس القُرب أصلا كالوقوف في الشمس، أو المشي إلى بلد غير ما تشد الرحال إليه، إلى غير ذلك من الصور، ولا تشمل إلزام المكلف نفسه رقُربة شرعية غير واجبة كما في النذر، لأن النذر مشروع اتفاقا وإن كان حكمه - عند الجمهور - الكراهة على التفصيل عند بعضهم2. ويلاحظ أن الكلام إنما هو في الالتزام لا في العمل والأداء فإنه - على القول بعدم تضييق ما وسعه الشرع فضيقه المكلف على نفسه - لا يمتنع أن يؤدي المكلف العبادة - التي يجوز فعلها على وجهين - على الوجه الشاق منهما كأن يُتم الصلاة في السفر، وأما الالتزام فهو أن ينشئ ما يمنعه من أداء العبادة على وجهها الآخر الأخف.
الأدلة: تقدم أن من ذكر هذه القاعدة ذكرها بصيغة الاستفهام؛ وذلك للإشارة إلى الاختلاف في حكم بعض صورها. ومما يدل على تضيُّق ما وسَّعه الشرع فضيقه المكلف على نفسه ما يلي: 1- حديث: "إن الله يحب أن تؤتى رخصه كما يكره أن تؤتى معصيته" 1. وهذا الحديث وإن كان ليس فيه دلالة صريحة على عدم تضيق ما وسعه الشرع فضيقه المكلف على نفسه، إلا أنه يتضمن معنى النهي عن ترك إتيان الرخص، فقد شبه الله تعالى محبته لإتيان الرخصة بكراهته لإتيان معاصيه وفي هذا دليل على أن في ترك الرخص ترك طاعة كترك الطاعة الحاصل بفعل المعصية2. 2- حديث أنس رضي الله عنه "أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى شيخا يهادي بين ابنيه فقال: "ما بال هذا"؟ قالوا: نذر أن يمشي،
قال: "إن الله عن تعذيب هذا نفسه لغني"، وأمره أن يركب"1. 3- وفي معناه حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: "بينا النبي صلى الله عليه وسلم يخطب إذا هو برجل قائم فسأل عنه فقالوا: أبو إسرائيل2 نذر أن يقوم ولا يقعد، ولا يستظل، ولا يتكلم، ويصوم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "مُره فليتكلم، وليستظل، وليقعد، وليتم صومه" 3. قال الإمام مالك: "ولم أسمع أن رسول الله أمره بكفارة، وقد أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتم ما كان لله طاعة، ويترك ما كان لله معصية"4.
وقال ابن حجر: "فأمره بفعل الطاعة وأسقط عنه المباح"1. 4- وفي معنى الحديثين السابقين حديث عقبة بن عامر2 رضي الله عنه أنه قال: "نذرت أختي أن تمشي إلى بيت الله، وأمرتني أن أستفتي لها النبي صلى الله عليه وسلم فاستفتيته، فقال صلى الله عليه وسلم: لتمش ولتركب"3. 5- حديث أنس رضي الله عنه قال: "جاء ثلاثة رهط إلى بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يسألون عن عبادة النبي صلى الله عليه وسلم فلما أخبروا كأنهم تقالّوها، فقالوا: وأين نحن من النبي صلى الله عليه وسلم؟ قد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر. قال أحدهم: أما أنا فأصلي الليل
أبدا، وقال آخر: أنا أصوم الدهر ولا أفطر، وقال آخر: أنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبدا. فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "أنتم الذين قلتم كذا وكذا؟ أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له. لكني أصوم وأفطر، وأصلي وأرقد، ولأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني" 1. ووجه الاستدلال من هذه الأحاديث وما في معناها على عدم لزوم ما يضيقه المكلف على نفسه ظاهر. إلا أن هناك من الأحاديث ما يدل على لزوم ما يُلزمه المكلفُ به نفسه مما لا يلزمه أصلا، ومن ذلك حديث: "أن امرأة أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله إني نذرت أن أضرب على رأسك بالدف قال: "أوفي بنذرك" الخ الحديث2. وقد تأوله بعض العلماء على أنه يشبه - من بعض الوجوه -
أن يكون قربة كما قال الخطابي: "إنه لما اتصل بإظهار الفرح بسلامة مقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قدم المدينة من بعض غزواته، وكانت فيه مساءة الكفار وإرغام المنافقين صار فعله كبعض القُرب ... "1. آراء الفقهاء في العمل بهذه القاعدة: يمكن الاستدلال على مدى إعمال فقهاء المذاهب الأربعة للقاعدة والعمل بموجبها، أو عدمه من خلال النظر في أقوالهم في فرعين مُثِّل بهما لهذه القاعدة. الفرع الأول: ما لو نوى المتوضئ بوضوئه رفع حدث واحد من أحداث متعددة كانت عليه. فقد جاء في الشرح الصغير2 - من كتب المالكية -: أنه لا تجزئ نية الوضوء مع إخراج حدث ناقض، ويوضح هذا ما في الشرح الكبير أنه لو قال: نويت الوضوء من البول لا من الغائط مثلا فلا يصح وضوءه للتناقض، أما إذا نوى به صلاة الظهر لا العصر، أو الصلاة لا مس المصحف أو
بالعكس فإنه يصح له أن يستبيح بوضوئه ما نواه، وما لم ينوه1. وذكر النووي أن للشافعية خمسة أوجه في هذه المسألة وقال: "أصحها عند جمهور الأصحاب يصح وضوؤء سواء نوى الأول - أي رفع الحدث الأول - أم لا"2. أما الزركشي فقال: "لو وقع منه أحداث فنوى بعضها هل يرتفع الجميع أم لا؟ فيه خلاف، والأصح لا، ولو قال: أصلي صلاة واحدة كان له أن يصلي به مالم يُحدث"3. والفرق بين الصورتين - فيما يظهر - اشتراط النية في الصورة الأولى وعدم اشتراطها في الصورة الثانية. وجاء في الإنصاف4 من كتب الحنابلة: أن في المسألة وجهين: أحدهما: يرتفع سائرها وهو المذهب ... ، والثاني: لا يرتفع إلا ما نواه.
أما الحنفية فالنية عندهم سنة في الوضوء1. الفرع الثاني: النذر الذي يضيق فيه المكلف على نفسه إما بنذر مباح لا قُربة فيه لله تعالى، أو بنذر طاعة، ولكن على هيئة معينة، أو في ظرف معين يوجب مشقة ولا قربة فيه. حيث نجد أن مذهب الحنفية أن من نذر مباحا فإنه لا يجب عليه شيء، وأن من نذر قربة لزمه الوفاء بأصل القربة التي التزمها لا بكل وصف التزمه إلا أن يكون قربة مقصودة2، وكذلك مذهب المالكية. قال الإمام مالك - في حديث أبي إسرائيل المتقدم -: "ولم أسمع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره بكفارة وقد أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتم ما كان لله طاعة ويترك ما كان لله معصية"3. وقال الخرشي: "لا يلزم من النذر إلا ما كان مندوبا فعله أو تركه فلا يلزم في المباح كنذر عليّ أن أمشي في السوق، لا قربة فيه"4.
وصرح الشيرازي من الشافعية بأن المباحات لا تلزم بالنذر1. وقال ابن قدامة الحنبلي - في نذر المباح -: يتخير بين فعله وبين تركه ويكفر كفارة يمين2، ونقل ابن العربي الإجماع على أن نذر المباح لا يلزم3، فيمكن أن يستخلص من هذا أنه لا يلزم بالنذر إذا ما كان مقصودا شرعا عند الجميع، على أنه لا يخلو الأمر من خلاف في بعض الصور هل يصح أن تُقْصد شرعا أو لا، وخلاف في لزوم الكفارة أوعدمه، وأن العلماء إنما يلزمون المكلف بما يلتزم به ويضيقه على نفسه - وإن لم يكن قُربة مقصودة - لعلل وأسباب معينة، فكأن الأصل أن لا يلزمه إلا ما كان من قبيل نذر الطاعة، والله أعلم. من فروع القاعدة: 1- أن ينذر الحج ماشيا4.: 2- أن ينذر التصدق بألف، وليس له إلا مائة مثلا، فإنه لا يلزمه
إلا ما يملك1. 3- من كان عليه غُسلان فنوى أحدهما دون الآخر، أو اغتسل ونوى رفع الحدث الأكبر دون الأصغر فهل يرتفع حدثه الأصغر؟ 2. وجه التيسير: وجه التيسير في هذه القاعدة - على القول بعدم لزوم المكلف ما يضيقه على نفسه - أن الشارع لم يلزم المكلف بما يلزم به نفسه مما ليس بقربة شرعية بل أسقطه عنه وجعل قصارى الأمر أن يلزمه - في بعض الصور - كفارة اليمين أو نحوها ولا شك أن وجوب الكفارة أهون - في كثير من الصور - من الالتزام بما يُلزم المكلفُ به نفسه. والله أعلم.
القاعدة الثلاثون: ما يحصل ضمنا إذا تعرض له لا يضر.
القاعدة الثلاثون: ما يحصل ضمنًا إذا تُعُرِّض له لا يضر. أورد الزركشي هذه القاعدة بهذا اللفظ1، وعرض لها كثير من العلماء عند ذكرهم لقاعدة ((الأمور بمقاصدها)) ، وعند شرح حديث: "إنما الأعمال بالنيات ... " 2، وأوردها القرافي في الفرق بين قاعدة الرياء في العبادات، وبين قاعدة التشريك فيها3، وأشار إليها بعضهم ضمن قاعدة ((إذا اجتمعت عبادتان من جنس واحد تداخلت أفعالهما، واكتُفي عنهما بفعل واحد إذا كام المقصود واحدا)) 4.
معاني المفردات: ضمنا: (الضاد، والميم، والنون) أصل يدل على جعل الشيء في الشيء يحويه، ومنه المضامين وهي ما في بطون الحوامل، وضمَّن الشيء أودعه إياه1، والمراد هنا ما يحصل بتحصيل أمر آخر؛ لكونه مشتملا عليه. المعنى الإجمالي: لما كانت النيات هي أساس كل عمل وعماده؛ إذ بها تتميز العبادات عن العادات، وبه - أيضا - تتميز رتب العبادات وأفرادها؛ كما أنه بها يتميز المقصود بالعمل، وبوسطتها يحصل الإخلاص الذي هو شرط لصحة العمل والثواب عليه2، ساق
العلماء هذه القاعدة لبيان أنه لا يُخِلُّ بالإخلاص أن يحظر ببال المكلف - عند فعله عبادة - قصده منفعة أخرى تحصل ضمنا، كما أنه لا يخل بصحة العبادة وإجزائها أن يتعرض بنيته لعبادة أخرى تشترك معها في الصورة. فالمراد بقولهم: لا يضر أي لا يؤثر على حصول الإخلاص، ولا يؤثر في حصول الإجزاء. فالقاعدة مفروضة في صورتين: الأولى: أن يكون الأمر الذي نواه المكلف - مع حصوله ضمنا - أمرا عاديا غير تعبدي مثل أن ينوي بالوضوء التنظف أو التبرد مع نيته رفع الحدث. الثانية: أن يكون الأمر الذي نواه المكلف - مع حصوله ضمنا - عبادة أخرى ويشمل ذلك نوعين: أحدهما ما يحصل ضمنا - ولو لم ينوه - المكلف كتحية المسجد مع الفرض، فلو لم ينو إلا الفرض لم تلزمه التحية وإن كان ثوابها يتوقف على النية. والثاني: ما لا يحصل إلا بنية كالوضوء مع الغُسل، فلو اغتسل بنية غُسل جنابة أو نحوه، ولم ينو الوضوء، لم يحصل1.
والذي يظهر أن المراد بالقاعدة بيان حكم المنوي الأصلي دون التعرض لحكم ما يحصل ضمنا من حيث اشتراط النية له أو عدمها؛ لقولهم: لا يضر فإن معناها أنه لا يضر المقصود الأصلي، وقد بين بعض الفقهاء أن حكم هذه القاعدة متعلق بالإجزاء. أما الثواب فهو محل خلاف وتفصيل، قال العلائي: "والإخلاص لا يكون إلا بإفراد العبادة لله وحده، فلو شاركه غرض آخر فله مأخذان: أحدهما بالنسبة إلى الإجزاء، وذكر صورا لذلك، ثم قال: فالأصح المنصوص أنه يصح ولا يضره ذلك وأما المأخذ الثاني فهو ترتب الثواب على العبادة. والذيي اختاره الغزالي اعتبار الباعث على العمل فإن كان القصد الدنيوي هو الأغلب لم يكن فيه أجر، وإن كان القصد الديني هو الأغلب كان أجره بقدره، وإن تساويا تساقطا1. وفصل البعض بين مخالطة الرياء ومخالطة غيره، فقالوا: إن شارك العمل الرياء من أصله فالنصوص الصحيحة تدل على بطلانه وحبوطه، وأما إن كان أصل العمل لله ثم طرأت عليه نية الرياء
فلا يضره - على تفصيل -، وإن خالطه نية غير الرياء نقص من أجر العبادة بقدره ولم تبطل بالكلية1 الأدلة: 1- من أظهر ما يمكن الاستدلال به لهذه القاعدة - فيما يظهر لي - هو قول الله تعالى: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ} 2. قال ابن العربي رحمه الله: "أي في مواسم الحج"، ثم قال: "قال علماؤنا: في هذا دليل على جواز التجارة في الحج للحاج مع أداء العبادة، وأن القصد إلى ذلك لا يكون شركا ولا يخرج به المكلف عن رسم الإخلاص المفترض عليه"، وكذلك قال القرطبي3.
فقد دلت الآية على جواز الاتجار مع أنه لا يحصل ضمنا، بل لا يحصل إلا بتحصيل وقصد إليه ولم يؤثر على صحة أداء العبادة، فمن باب أولى جواز قصد ما يحصل ضمنا وإن لم يُقصد، وعدم تأثيره على صحة أداء العبادة، والله أعلم. 2- واستدل ابن رجب بأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقصد - أحيانا - بالصلاة تعليمها للناس، وكذلك الحج كما في قوله صلى الله عليه وسلم: "صلوا كما رأيتموني أصلي "1، وقوله: " ... خذوا عني مناسككم"2. 3- واستدل القرافي لها بقول النبي صلى الله عليه وسلم: "يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء" 3 فقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالصوم الذي هو عبادة وجعل
معه غرضا آخر ولو لم يصح ذلك لما أمر به صلى الله عليه وسلم1. وقال ابن حجر: "فإن أراد - بقصد القرافي - تشريك عبادة بعبادة فهو كذلك وليس محل النزاع، وإن أراد تشريك العبادة بأمر مباح فليس في الحديث ما يساعده"2. 4- ومما يمكن الاستدلال به على هذه القاعدة حديث: "إني لأدخل في الصلاة فأريد إطالتها فأسمع بكاء الصبي فأتجوز مما أعلم من شدة وَجْدِ أمه من بكائه"3. عمل الفقهاء بالقاعدة: نص كثير من علماء الشافعية على العمل بهذه القاعدة كما تقدم4، وأورد ابن نجيم صوراً تطبق فيها هذه القاعدة وصوراً
أخرى لم يجزم فيها بحكم فقال: "ولم أر حكم ما إذا نوى الصوم والحمية ويشملها ما إذا اشرك بين عبادة وغيرها فهل تصح العبادة؟ وإذا صحت هل يثاب بقدره أو لا ثواب له أصلا؟ " ثم قال في صورة أخرى:"لو اغتسل الجنب يوم الجمعة للجمعة ولرفع الجنابة ارتفعت جنابته وحصل له ثواب غسل الجمعة" وقال أيضا: " ... وأما إذا نوى نافلتين كما إذا نوى بركعتي الفجر التحية والسنة أجزأت عنهما"1. ونقل القرافي الإجماع على صحة العبادة التي شرك معها غيرها ما مالم يكن رياء2، وأشار إلى هذا الحكم ابن رجب3، وابن قدامة4، وابن سعدي5 من الحنابلة. من هذا يظهر أن هذه القاعدة معمول بها في المذاهب الأربعة - من حيث الجملة -، وإن كان الخلاف في بعض الصور واردا.
من فروع القاعدة: 1- إذا نوى شخص بالوضوء رفع الحدث، والتبرّد فلا يمنع إشراك قصد التبرد من حصول رفع الحدث. هذا على القول باشتراط النية في الوضوء1. 2- إذا قصد بالصلاة الفرض، وتحية المسجد، أو غيرها مما يصح قصده، لم يضر2. 3- إذا قصد بالحج العبادة، والتجارة لم يُفسد ذلك نية الحج3. وجه التيسير: يتضح التيسير في هذه القاعدة من جهتين: الأولى: أن الإخلاص أمر عسير وهو من أشق الأمور التي يعالجها المكلف؛ لكثرة ما يطرأ عليه مما يتوهم معه فقد الإخلاص
ولا يكاد الإنسان يملك التخلص من هذه العوارض وقد دل على ذلك كثير من أقوال السلف1. وإذا كان الأمر كذلك فإن في تقرير هذه القاعدة ما لا يخفى من التوسعة على المكلفين؛ لأن في تقريرها إرشادا إلى عدم انتقاض الإخلاص بمثل هذه العوارض. الثانية: إمكان تحصيل ثواب العبادتين المتداخلتين بفعل واحد وكذلك جواز انتفاع المكلف - بوجه من الوجوه -بما يقوم به من عمل مع العبادة فيما إذا تأتّى ذلك كالاتجار مع الحج ونحوه.
القاعدة الحادية والثلاثون: المتولد من مأذون فيه لا أثر له.
القاعدة الحادية والثلاثون: المتولد من مأذون فيه لا أثر له. أورد هذه القاعدةالزركشي1، والسيوطي2، وابن سعدي3، وذكر أبو زيد الدبوسي4: أن الأصل عند أبي يوسف5، ومحمد6 أن ((ما حصل مفعولا بإذن الشرع كأنه حصل بإذن من
له الولاية من بني آدم، وعند أبي حنيفة يكون ذلك بشرط السلامة)) 1، ونحوها قول السبكي: ((إن المأذون في فعله من قِبَل الله - فيما تمحض حقا لله - كالمأذون في فعله من قبل العبد - فيما هو من حقوق العباد -)) 2، وأورد بعض العلماء قواعد أخرى قريبة المعنى من هذه القاعدة منها: 1- قاعدة: ((الجواز الشرعي ينافي الضمان)) 3. 2- وقاعدة: ((كل موضوع بحق إذا عطب به إنسان فلا ضمان على واضعه)) 4. 3- وقاعدة: ((الرضا بالشيء رضا بما يتولد منه)) 5.
وقد أشار القرافي إلى هذا المعنى في موضعين1. معاني المفردات: المتولد: ما حصل عنه غيره يقال: تولد الشيء عن الشيء حصل عنه2. المعنى الإجمالي: معنى هذه القاعدة أن الفعل الذي أذن فيه الشارع - وهو ما ليس بمحرم - إذا نشأ عنه أمر آخر لم يأذن الشارع فيه - بمعنى أنه لا يجوز الإقدام عليه ابتداء - فإن الآثار التي تترتب على هذا الأمر - فيما لو فُعل ابتداء - تسقط في هذه الحال؛ لكون هذا الأمر ناشئا عما أذن فيه، ويشمل ذلك الأثر المترتب المتعلق بحق الله تعالى فيسقط الإثم، وما قد يترتب من جزاء3، ومثاله أن يتطيب من يريد الإحرام - قبل إحرامه -، ثم يسري الطيب إلى جزء آخر من جسمه بعد الإحرام فإنه لا إثم عليه ولا فدية4، كما يشمل الأثرَ المترتب في حق العباد حيث يسقط الضمان.
ومثاله أن يقتص إنسان من آخر في طَرَف، فيسري ذلك إلى النفس، أو ما دونها، فإنه لا قصاص عليه ولا دية - عند الأكثرين - بشرط أن يكون قد اقتص على الوجه الشرعي1. فقد قيد العلماء هذه القاعدة وما في معناها من القواعد بقيدين: أولهما: أن لا يكون ذلك الفعل المأذون فيه مشروطا بسلامة العاقبة، فإن كان مقيدا بذلك ترتب عليه أثره مثل ضرب المعلم للصبي ونحوه2. والثاني: ألا يكون عبارة عن إتلاف مال الغير لأجل نفسه3.
وأضاف بعضهم قيد عدم التفريط1. والذي يظهر لي أن كلمة المأذون فيه، أو الجواز الشرعي تتضمنه وإن لم ينص عليه؛ لأن الإذن، أو الجواز مقيد - شرعا - بعدم التفريط. وبالمقارنة بين قاعدة ((المتولد من مأذون فيه لا أثر له)) ، وبين القاعدة الأخرى التي دلت على كون الحكم مفوضا في حكم الضمان نجد أن صيغة ((المتولد من مأذون فيه ... )) أشمل، وأدق. فهي أشمل من حيث كونها دالة على سقوط الأثر المترتب، سواء كان ضمانا أو غيره فإن الضمان يراد به - غالبا - ما يتعلق بحقوق العباد، وإن كان يصح إطلاق الضمان على ما يتعلق بحقوق الله تبارك وتعالى2. وهي أدق - عبارة - حيث أن عبارة "المتولد من مأذون فيه" تُشعر بأن هذا المتولد أو الحادث غير مأذون فيه أصلا، ولا يظهر هذا المعنى في قولهم: "الجواز الشرعي ... "بل إما أن يكون المراد بالمتصف بالجواز شرعا هو الفعل الأصلي المأذون فيه ابتداء،
وحينئذ لا كلام في عدم ترتب أثره عليه، وإما أن يكون المراد به ما ينشأ عن الفعل الأصلي، وحينئذ يكون التعبير عن ذلك بأنه جائز شرعا محل نظر؛ لأنه لا يجوز شرعا الإقدام عليه ابتداء، وإنما يسقط أثره إذا وقع مرتبا على ما أذن فيه، والله أعلم. وقد ذكر ابن رجب قواعد أخرى تندرج تحت هذه القاعدة منها: قوله: "من أتلف شيئا لدفع أذاه له لم يضمنه، وإن أتلفه لدفع أذاه به ضمنه"1، وقوله: "من أتلف نفسا أو أفسد عبادة لنفع يعود إلى نفسه فلا ضمان عليه وإن كان النفع يعود إلى غيره فعليه الضمان"2، ويمكن اعتبارهما بمثابة القيدين لقاعدة ((الجواز الشرعي ينافي الضمان)) 3. وكما هو ظاهر فإن كل واحدة من القاعدتين تضم شقين:
الأول منهما يطابق القاعدة المذكورة، والثاني منهما يقيدها فبالنسبة للقاعدة الأولى منهما نرى أن قول ابن رجب: ((من أتلف شيئا لدفع أذاه له لم يضمنه)) مطابق للقاعدة من حيث عدم ترتب الضمان على ما يجوز فعله شرعا؛ لأنه - أي الصائل، وما في حكمه - قد اضطّر المكلّف إلى ذلك الإتلاف فلذلك لم يضمنه، وأما قوله: "وإن أتلفه لدفع أذاه به ضمنه"، فهو استثناء من القاعدة وقَيْد لها وذلك؛ لأن المكلف - هنا - قد دفع به عن نفسه مضرة من غير جهة المتلف فَضَمِنَه1. وبالنسبة للقاعدة الثانية فإن قوله: "من أتلف نفسا، أو
أفسد عبادة لنفع يعود إلى نفسه فلا ضمان عليه"، مطابق للقاعدة من حيث عدم ترتيب الضمان على ما جاز فعله شرعا؛ لأن الاضطرار يبيح له ذلك، وأما قوله: "وإن كان النفع يعود إلى غيره فعليه الضمان"، فهو استثناء من القاعدة؛ لأن المتلف في هذه الحالة ليس مضطرا بنفسه1، ويمكنه أن يدفع تلك المفسدة من جهة غيره والضمان إنما يسقط عن المضطر نفسه (على ما تقدم
بيانه في القاعدة الأخرى السابقة) . الأدلة: يدل لهذه القاعدة: 1- ما روى عمران بن حصين رضي الله عنه أن رجلا عض يد رجل، فنزع يده من فمه، فوقعت ثنيتاه، فاخنصموا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "يعضُّ أحدكم أخاه كما يعض الفحل. لا دية له" 1. ووجه الاستدلال منه أن الرجل الذي نزع يده قد فعل شيئا مأذونا فيه، فترتب على ذلك الفعل ضرر أهدره الشارع. قال الحافظ ابن حجر: "وفيه دفع الصائل، وأنه إذا لم يمكن الخلاص منه إلا بجناية على نفسه، أو على بعض أعضائه ففعل ذلك به، كان هدرا"2. 2- الإجماع على أنه من شهر على آخر سلاحا؛ ليقتله؛ فدفع عن نفسه؛ فقتل الشاهر أنه لا شيء عليه3.
3- كما يمكن الاستدلال على القاعدة بالأثر المروي عن عمر وعلي رضي الله عنهما أنهما قلا في الذي يموت في القصاص: "لا دية له"1. 4- أن المكلف قد أقدم على ما هو مباح له مأذون له فيه، فلا يضمن ما ترتب عليه، ولا تلحقه تبعته2. العمل بالقاعدة: تقدم أنه قد ذكر هذه القاعدة بلفظها أو بمعناها عدد من فقهاء المذاهب الأربعة3، ويمكن التعرف على مدى عمل الفقهاء بهذه القاعدة من خلال النظر في حكم بعض المسائل الجزئية، فقد نقل النووي عن كثير من الفقهاء، أو الأكثرين منهم أنه لا ضمان على المجني عليه في مثل قصة حديث عمران بن حصين المتقدم4،
ونسبه ابن حجر إلى الجمهور1، وروي عن الإمام أحمد أن عليه الضمان، وعلل بعضهم ذلك بأن الحديث لم يبلغه2، وصرح ابن جزي من المالكية، والشيرازي من الشافعية، وابن قدامة من الحنايلة بأنه لا ضمان على من اقتص في الطرف فسرى ذلك إلى نفس المقتص منه فمات3، وبهذا قال أبو يوسف ومحمد بن الحسن من الحنفية، أما الإمام أبو حنيفة فقد نُقل عنه القول بأن عليه الدية ويسقط القصاص للشبهة، وعلل ذلك بأنه قتل بغير حق، وبأن المجني عليه غير ملزم بالقصاص. بل هو مندوب إلى العفو، أما الإمام، أو من يأمره الإمام فإنه لا يضمن؛ لأنه مكلف بالفعل، ومعنى هذا أنه يقصر حكم هذه القاعدة على ما إذا كان المأذون فيه واجبا. أما المباح فيتقيد بوصف السلامة4. من فروع القاعدة: 1- ماسبق ذكره من أن من اقتص من آخر في طرف، فسرى
ذلك إلى نفس المقتصِّ منه، فمات، فلا ضمان عليه عند الجمهور. 2- مالو تطيب الإنسان قبل الإحرام، فسرى الطيب إلى موضع آخر بعد الإحرام1. 3- مالو سبق ماء المضمضة أو الاستنشاق إلى جوفه، وهو صائم دون مبالغة فإنه لا يفطر عند الشافعية والحنابلة وهو مقتضى القاعدة وذهب الحنفية والمالكية إلى أنه يفطر2. وجه التيسير: أن الشارع أسقط عن المكلف ضمان ما تلف بسبب فعل ما أُذن له فيه مع أن الأصل ضمان المتلفات، وأسقط عنه إثم وجزاء ما حصل منه مرتبا على فعل ما أذن له فيه مع أنه لو فعله ابتداء لترتب عليه أثره من ضمان ونحوه؛ وذلك تيسيرا من الله تعالى على عباده؛ إذ لو كلفهم بتبعة هذه الأمور لوقع الناس في حرج من فعل ما أباحه الشارع خشية عاقبته3، والله أعلم.
القاعدة الثانية والثلاثون: المشقة تجلب التيسير.
القاعدة الثانية والثلاثون: المشقة تجلب التيسير. هذه القاعدة من القواعد الكبرى التي عليها مدار الفقه. قال السيوطي وابن نجيم: "قال العلماء: تنخرج على هذه القاعدة جميع رخص الشرع وتخفيفاته1، وقد ذكرتها أكثر كتب القواعد بهذا اللفظ، أو بما يؤدي معناه2، وقال السبكي: "إن الخطابي عزا هذه العبارة إلى الإمام الشافعي عند كلامه على الذباب يقع في الماء"3.
وقد أُلف فيها كتب مستقلة1. ويندرج تحت هذه القاعدة الكيرى عدد من القواعد منها ما هو بمعناها – أو مقارب لها – كقاعدة ((الضرورات تبيح المحظورات)) ، وقاعدة ((إذا ضاق الأمر اتسع)) ، ومنها ما هو مقيد لها كقاعدة ((الضرورة تقدر بقدرها)) ، وقاعدة ((الاضطرار لا يبطل حق الغير)) ، ونحوهما2. وذكر الندوي أنها قاعدة فقهية أصولية3. معاني المفردات: تجلب: الجلب لغة: هو سَوْقُ الشيء من موضعه4.
والمراد أن حصول المشقة سبب للتيسير. المعنى الإجمالي: لقد شرع الله سبحانه لعباده الشرائع وتعبدهم بأوامر نواه. وهذه الأوامر والنواهي تكليفات لا تخلو عن مشقة؛ إذ النفوس مجبولة على حب الانعتاق من كل قيد ولذا قال الرسول صلى الله عليه وسلم: "حفت الجنة بالمكاره وحفت النار بالشهوات" 1؛ وذلك أنه ليس في الدنيا مصلحة محضة، وليس ذلك في التكاليف فحسب. بل حتى في الأمور الطبيعية الجبلية التي يفعلها الإنسان بطبيعته ويُقدم عليها برغبة دون أمر أو نهي2. وهذه التكاليف – وإن كانت لا تخلو من هذا القدر المحتمل من المشقة – فهي مبنية أصلا على التيسير ومراعاة حال المكلفين من الضعف وهي لصالحهم عاجلا وآجلا، وهذا التيسير يشترك فيه جميع المكلفين، ومع ذلك فإذا لحق بعض المكلفين أو غلب على ظنه
أن يلحقه بسبب فعل شيء من هذه التكاليف حرج زائد عن المحتمل والمقدور عليه – عادة – فإن الشرع المطهر يراعي خصوصية تلك الحالة، ويخفف عن المكلف بما يناسب حاله من إسقاط، أو تقليل، أو تخفيف، أو غيرها من أنواع التيسير1. كما في التيسير على المريض والمسافر ونحوهما. وهذا من كمال هذا الشرع ليناسب كل حال2. الأدلة: لما كانت هذه القاعدة تشمل التيسير الأصلي، والتيسير الطارئ – على ما تقدم بيانه – لزم أن يُستدل للنوعين، والأدلة على النوعين من الكتاب والسنة لا تكاد تنحصر كثرة، فمما يدل على أن الشرع لكه ميسر أصلا وابتداء: 1- قوله تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} 3.
2- قول الله عز وجل: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} 1. 3- حديث: "إن هذا الدين يسر، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه فسددوا، وقاربوا، وأبشروا، واستعينوا بالغَدوَة2 والروحَة3 وشيء من الدُّلْجَة4"5. 4- ما روته أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قال: "ما خير رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أمرين قط إلا اختار أيسرهما ما لم يكن
مأثما ... "1 الحديث. وهذه الأدلة مع دلالتها على أن مبنى الشرع على التيسير ابتداء وأصلا، فهي تدل بعموم نفي الحرج والعسر فيها على التخفيف والتيسير الطارئ لعذر، أو لمشقة عارضة2. ومما يدل على هذا النوع – أعني التخفيف للعذر الطارئ – خاصة مع دلالته – في الجملة – على يسر الشريعة ما يلي: 1- قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلا جُنُباً إِلاّ عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوّاً غَفُوراً} 3. قال الإمام القرطبي: "نزلت في عبد الرحمن بن عوف أصابته جنابة وهو جريح فرُخِّص له في أن يتيمم، ثم صارت الآية عامة في
جميع الناس"1. 2- ومثلها قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ} 2. ففي هاتين الآيتين شرع الله تعالى لعباده التيمم بالتراب بدلا عن الطهارة بالماء إذا وُجدت المشقة المقتضية لذلك وهي عدم وجود الماء وعدم الوجود يراد به عدم الوجود حقيقة أي فقد الماء، وعدم الوجود حكما بمعنى عدم القدرة على استعماله3. 3- قوله تعالى: {فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَاناً} 4. قال القرطبي: "لما أمر الله تعالى بالقيام له في الصلاة بحال قنوت وهو الوقار والسكينة وهدوء الجوارح وهذا على الحالة الغالبة
من الأمن والطمأنينة، ذكر حال الخوف الطارئة أحيانا، وبين أن هذه العبادة لا تسقط عن العبد في حال، ورخص لعبيده في الصلاة رجالا على الأقدام وركبانا على الخيل والإبل ونحوها إيماء وإشارة بالرأس حيثما توجه، هذا قول العلماء"1. 4- من السنة ما رواه عمران بن حصين رضي الله عنه قال: كانت بي بواسير2 فسألت النبي صلى الله عليه وسلم عن الصلاة فقال: "صل قائما، فإن لم تستطع فقاعدا، فإن لم تستطع فعلى جنب" 3، ودلالة هذا الحديث على أن سبب التخفيف والتيسير هو المشقة الطارئة واضحة جلية فكلما زادت المشقة كان الحكم أيسر4. 5- ما روي عن ابن عمر رضي الله عنهما: "أنه أذن بالصلاة في ليلة ذات برد وريح، ثم قال: ألا صلوا في الرحال، ثم قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمر المؤذن – إذا كانت ليلة ذات برد ومطر – ويقول: ألا صلوا في الرحال"5.
6- ومما يدل على نوعي التيسير من جهة العقل أن الله تعالى نص على أنه ما جعل علينا في الدين من حرج، فلو كان غير ذلك لكان متناقضا، وأن مقصود التكليف هو تبيُّنُّ المطيع من العاصي وتمييز المذعن لأمر الله تعالى بطاعته سبحانه من المستنكف عنها وليس المقصود التعجيز والإعنات1 كما قال تعالى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ} 2، فإذا وجد من العبد العزم على فعل العبادة على وجهها، وكان ذلك يشق عليه المشقة المعتبرة في التخفيف، فإن التيسير حينئذ يناسب المقصود الأصلي وهو تمييز المطيع من العاصي؛ لحصول التمييز بالتعبد فلا يكلف بما يشق عليه3 وقد قال صلى الله عليه وسلم – وقد كان في غزاة –: "إن أقواما بالمدينة خلفنا ما
سلكنا شِعبا ولا واديا إلا وهم معنا فيه حبسهم العذر"1. قال الحافظ ابن حجر: "العذر هو الوصف الطارئ على المكلف المناسب للتسهيل عليه"، وقال: "زفيه – أي في هذا الحديث – أن المرء يبلغ بنيته أجر العامل إذا منعه العذر من العمل"2. العمل بالقاعدة: لقد دلت النصوص القاطعة على صحة هذه القاعدة3، واتفق العلماء على صحتها والعمل بها4، ويشهد لذلك أن كثيرا من كتب القواعد من المذاهب الأربعة نصت على ذكر القاعدة أو ألمحت إليها، وكذلك المسائل المتضمنة للترخيص المبثوثة في كتب الفقه،
وما نقل عن عدد من التابعين والأئمة من الأقوال في ذلك1. من فروع القاعدة: تقدم عدد من القواعد المندرجة تحتها فتكون فوع تلك القواعد فروعا لهذه القاعدة، وهكذا كل الرخص الشرعية فإنها من فروع هذه القاعدة. وجه التيسير: التيسير في هذه القاعدة أظهر من أن يحتاج إلى بيان2.
القاعدة الثالثة والثلاثون: معظم الشيئ يقوم مقام كله
القاعدة الثالثة والثلاثون: معظم الشيئ يقوم مقام كله ... القاعدة الثالثة والثلاثون: معظم الشيء يقوم مقام كله. أورد هذه القاعدة بهذا اللفظ الزركشي1، وأورد – هو وغيره – قواعد أخرى تشترك مع هذه القاعدة في بعض معناها كقولهم: ((ما قارب الشيء أعطي حكمه، أو هل يعطى حكمه)) ، وقولهم: ((الأقل يتبع الأكثر)) 2، وقد أشار بعض الفقهاء إلى معناها تعليلا3، ونبّه القرافي على معناها بقوله: "إذا ذهب جل منفعة العين فعندنا يضمن الجميع"4.
وساق ابن الوكيل1 فائدة نصها: "إعطاء كل عبادة حكم بعضها، في صور"، وهي في معنى هذه القاعدة المذكورة وذلك؛ لأن مراده بها ما إذا كانت العبادة بحيث يمكن أن يُفْعل بعضها على وجه فيه ثواب، وبعضها علة وجه لا ثواب فيه – من حيث الأصل – وذلك كالأضحية يأكل صاحبها بعضها، ويتصدق ببعض فهل يثاب على الكل أم على ما تصدق به؟، وقد ذكر في حكم هذه الصورة وجهين: أحدهما أنه يحكم لكل العبادة – أي بجزئيها – بحكم بعضها الذي فيه الثواب، والآخر أن الثواب إنما هو على ذلك البعض دون غيره2. المعنى الإجمالي: المراد بهذه القاعدة أن الشرع قد يجعل لأكثر الشيء حكم كله في بعض المسائل، فإذا أتى المكلف بأكثر العبادة في تلك الصور
كان له حكم من أداها تامة من حيث الثواب، وبراءة الذمة – في بعض الصور -، وإذا أدى أكثرها على وجه فيه زيادة فضل كان له أجر من أدّاها كلها على ذلك الوجه كمن أدرك ركعة مع الإمام تحصل له فضيلة صلاة الجماعة. وقُيّد هذا بما إذا لم يعارضه نص، فلا تتأدى الصلاة الرباعية مثلا بثلاث ركعات؛ لوجود المعارض وهو النص على كونها أربع ركعات1، ويمكن أن يقال: إن هذه القاعدة تجري في حالات منها: 1- أن يدل على إعطاء الأكثر أو البعض حكم الكل – في شيء ما – دليل خاص كما في إدراك الركعة والصلاة بإدراك الإمام قبل الرفع من الركوع حيث قال صلى الله عليه وسلم: "من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة" 2، فقد أخذ جمهور العلماء منه أن من أدرك الركوع مع الإمام فقد أدرك الركعة فلا يقضيها، ويكون قد أدرك بها فضل صلاة الجماعة3
2- أن يدل العرف الشرعي، أو العرف العام على أن المراد بالعام البعض كما في قيام رمضان ونحوه. قال النووي: "إن قيام رمضان يحصل بصلاة التراويح"1، وقال ابن حجر – في بيان قيام رمضان -: "والمراد من قيام الليل ما يحصل به مطلق القيام"2، وقال الشوكاني: "وليس من شرطه استغراق جميع أوقات الليل"3. وأما تقييد حكم هذه القاعدة بكونه في أكثر الشيء أو معضمه فإنما هو – فيما يظهر لي – من باب النظر إلى الغالب وإلا فإن بعض الصور قد يقام فيها البعض مقام الكل وإن لم يكن ذلك البعض هو أكثر العمل4، والله أعلم. الأدلة: أولا: النصوص الواردة في إقامة الأكثر أو البعض مقام
الكل في بعض الصور. كقوله صلى الله عليه وسلم: "من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة"1. وكقوله صلى الله عليه وسلم: "من أدرك من الصبح ركعة قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح، ومن أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر"2. قال النووي – في شأن هذين الحديثين -: "أجمع المسلمون أن هذا ليس على ظاهره وأنه لا يكون بالركعة مدركا لكل الصلاة وتكفيه وتحصل براءته من الصلاة بهذه الركعة. بل هو متأوَّل، وفيه إضمار تقديره فقد أدرك حكم الصلاة، أو وجوبها، أو فضلها"3، وقال ابن حجر: "فيه إضمار تقديره فقد أدرك وقت الصلاة، أو حكم الصلاة، أو نحو ذلك"4.
وحديث: " ... إن الرجل إذا صلى مع الإمام حتى ينصرف حُسب له قيام الليلة" 1 فإن هذه الأحاديث ونحوها تدل على أن من أصول الشريعة قيام بعض العبادة مقام كلها وإن لم يكن هذا مطردا في كل عمل2. ثانيا: حديث: "إنما بقاؤكم فيما سلف قبلكم من الأمم كما بين صلاة العصر إلى غروب الشمس، أوتي أهل التوراة التوراةَ فعملوا بها حتى إذا انتصف النهار عجزوا فأعطوا قيراطا قيراطا،
ثم أوتي أهل الإنجيل الإنجيلَ، فعملوا إلى صلاة العصر ثم عجزوا فأعطوا قيراطا قيراطا، ثم أوتينا القرآن فعملنا إلى غروب الشمس فأعطينا قيراطين قيراطين. فقال أهل الكتابين: أيْ ربنا أُعطيت هؤلاء قيراطين قيراطين، وأعطيتنا قيراطا قيراطا ونحن كنا أكثر عملا. قال الله غز وجل: هل ظلمتكم من أجركم من شيء؟ قالوا: لا. قال فهو فضلي أوتيه من أشاء"1. وحديث: "مثل المسلمين واليهود والنصارى كمثل رجل استأجر قوما يعملون له عملا إلى الليل فعملوا إلى نصف النهار. فقالوا: لا حاجة لنا إلى أجرك، فاستأجر آخرين فقال: أكملوا بقية يومكم ولكم الذي شرطت فعملوا حتى إذا كان حين العصر قالوا: لك ما عملنا، فاستأجر قوما فعملوا بقية يومهم حتى غابت الشمس واستكملوا أجر الفريقين" 2، فقد أورد الإمام البخاري
هذين الحديثين في باب (من أدرك ركعة من العصر قبل الغروب) ، ونقل ابن حجر عن بعض العلماء أن وجه إيراد البخاري لهذين الحديثين في هذه الترجمة، الدلالة على أنه قد يُستحق بعمل البعض أجر الكل مثل الذي أعطي من العصر إلى الليل أجر النهار كله فهو نظير من يُعطى أحرَ الصلاة كلها ولو لم يدرك إلا ركعة – أي في وقت الصلاة1 -. ثالثا: يضاف إلى ما سبق العرف اللغوي فكثيرا ما يطابق الكل – في اللغة – ويراد به البعض أو الأكثر2. العمل بالقاعدة: هذه القاعدة معمول بها في المذاهب الأربعة، فمن الفقهاء من نص على تقعيدها وقد تقدم ذكر بعض ذلك، ومنهم من علل بها في بعض المواضع من ذلم قول محمد بن الحسن للإمام أبي حنيفة: "أرأيت رجلا توضأ ومسح على خُفيه مرة واحد بإصبع أو بإصبعين؟ قال: لا يجزيه. قلت: أرأيت إن مسح بثلاثة أصابع أو أكثر من ذلك؟ قال: يجزيه. قلت: من أين اختلفنا؟ قال: إذا مسح
بالأكثر من أصابعه أجزأه ذلك"1، وقال ابن اللحام الحنبلي: الأكل من مال من مالُه حرام هل يجوز أم لا؟ في المسألة أربعة أقوال: أحدها: التحريم مطلقا، والثاني: إن زاد الحرام على الثلث حرُم الكل، والثالث: إن كان الأكثر الحرام حرُم وإلا فلا؛ إقامة للأكثر مقام الكل2 ... من فروع القاعدة: 1- إدراك الركعة مع الإمام بإدراك الركوع معه3. 2- قيام جزء من الليل في شهر رمضان قائم مقام قيام الليل4. 3- إذا أتلف أكثر العضو، أو أذهب منفعته لزمته دية العضو كاملة إذا كان مما يوجب الدية (على تفصيل في ذلك) 5.
وجه التيسير: يظهر وجه التيسير في هذه القاعدة عند تطبيقها على العبادات حيث يعطي الله تعالى بفضله الأجر على كل العمل وإن كان المُؤدى بعضه كما تقدم في شرح القاعدة1.
القاعدة الرابعة والثلاثون: من أطلق لفظا لا يعرف معناه لم يؤخذ بمقتضاه.
القاعدة الرابعة والثلاثون: من أطلق لفظاً لا يعرف معناه لم يؤخذ بمقتضاه. ... القاعدة الرابعة والثلاثون: من أطلق لفظًا لا يعرف معناه لم يؤاخذ بمقتضاه. ذكر هذه القاعدة بهذا النص العز بن عبد السلام1، وعدّ السيوطي من شروط النية العلم بالمنوي، ثم قال: ومن فروع هذا الشرط ما لو نطق بكلمة الطلاق بلغة لا يعرفها وقال: قصدت بها معناها بالعربية فإنه لا يقع الطلاق في الأصح، وعلل ذلك بأن "ما لا يُعْلم لا يصح قصده"2، وأشار إلى معنى هذه القاعدة ابن رجب حيث قسم الألفاظ إلى ما يعتبر فيه اللفظ والمعنى، وما يعتبر فيه المعنى دون اللفظ، وما يعتبر فيه اللفظ عند القدرة عليه3، وأشار بعض الفقهاء إلى هذا المعنى تعليلا4، ومما يشير إلى معنى هذه القاعدة ما قرره بعض الفقهاء من أن العبرة في العقود للمعاني لا للألفاظ عند اختلافهما5.
معاني المفردات: أطلق: الإطلاق ضد التقييد. يقال: أطلقت الأسير أي خليته، وأطلقت الناقة من عقالها1، والمراد أنه تكلم. لفظا: أي كلاما. يقال: لفظت بالكلام وتلفظت به أي تكلمت به2، وهو في اصطلاح النحويين: جنس يشمل الكلام والكلمة، والكَلِم ويشمل المستعمل والمهمل3.
مقتضاه: مقتضى اللفظ هو ما يدل عليه. جاء في المصباح المنير: اقتضيت منه حقي: أخذتُ، واقتضى الأمر الوجوب أي دلّ عليه. وأصله من القضاء وهو الحكم1، وهو عند الأصوليين ما تتوقف استقامة الكلام، أو صحته العقلية أو الشرعية على تقديره2. المعنى الإجمالي: معنى القاعدة أن من تكلم بلفظ وهو لا يعرف معناه فإنه لا يؤاخذ به، ولا تترتب آثار ذلك اللفظ عليه، سواء كان هذا اللفظ دالا على عقد – من نكاح أو غيره – أم كان دالا على طلاق، أم كان دالا على غير ذلك؛ لأنه لم يقصد المعنى؛ إذ قَصْد معنى اللفظ متوقف على معرفته، ومالم يعلم معناه لم يصح قصده3. وإذا كان العلماء قد جعلوا علة هذه القاعدة أن المتكلم لم يقصد المعنى فإن لفظ القاعدة يكون أشمل لو قيل: ((من لم يقصد معنى اللفظ لم يؤاخذ بمقتضاه)) ؛ ليشمل حكم القاعدة المكرَهَ فإنه غير
مؤاخذ بمقتضى ما يتلفظ به – وإن علم معناه -؛ لأنه لم يقصد، فعدم قصد معنى اللفظ يكون بسبب عدم العلم بالمعنى، أو بسبب الإكراه على اللفظ1. لكن الذي يبدو أن اختيار عبارة " ... لا يعرف معناه" مراد بها إخراج الهازل؛ لأنه يعلم معنى ما يتلفظ به فهو مؤاخذ بما يتلفظ به ولو ادعى أنه لم يقصد معناه2. ولم ينص الشيخ عز الدين على دخول المكرَه تحت حكم هذه القاعدة إلا أن تعليله بعدم القصد إلى المعنى3 دال على شمول حكم القاعدة له فالمكره – وإن كان يعلم معنى ما يتلفظ به – فإن إكراهه على التلفظ بما لا يريد دليل ظاهر على عدم قصده معنى ذلك اللفظ، فيكون قصده إنما هو دفع الأذى عن نفسه فلا يترتب على اللفظ حكمه.
الأدلة: بنى العلماء هذه القاعدة على أن المتلفظ هنا لم يلتزم مقتضى اللفظ، ولم يقصده؛ لذا فإنه يصح الاستدلال لهذه القاعدة بما يلي: 1- عموم قوله صلى الله عليه وسلم: "إنما الأعمال بالنيات ... "، فالقول هو عمل اللسان1. 2- حديث: " ... لَلَّه أشد فرحا بتوبة عبده حين يتوب إليه من أحدكم كان على راحلته بأرض فلاة فانفلتت منه وعليها طعامه وشرابه، فأيس منها، فأتى شجرة فاضطجع في ظلها قد أيس من راحلته فبينما هو كذلك إذ هو بها قائمة عنده فأخذ بخطامها، ثم قال من شدّة الفرح: اللهم أنت عبدي وأنا ربك أخطأ من شدة الفرح"2. ووجه الدلالة منه أنه لم يؤاخذ بما قال وإن كان كفرا؛ لأنه لم يقصده. 3- "قصة قضاء عمر بن الخطاب رضي الله عنه في المرأة التي قالت لزوجها: سمّني، فسماها الظبية. قالت: ما قلت
شيئا. قال: فهات ما أسمّيك به. قالت: سمّني خليَّة. طالق. فقال لها: فأنت خلية طالق. فأتت عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقالت: إن زوجي طلقني. فجاء زوجها فقص عليه القصة فأوجع عمر رأسها، وقال لزوجها: خذ بيدها وأوجع رأسها"1. العمل بالقاعدة: يقرّ جمهور الفقهاء هذه القاعدة ويعملون بموجبها. قال ابن القيم - رحمه الله في معرض كلامه عن اعتبار النيات والمقاصد في الألفاظ -: "فلا بد من إرادتين إرادة التكلم باللفظ اختيارا، وإرادة موجبه ومقتضاه ... إلى أن قال: وهو قول أئمة الفتوى من علماء الإسلام"2، ويدل على إعمال الفقهاء لهذه القاعدة أن جمهورهم على أن من تلفظ بالطلاق وهو لا يعرف معناه، أنه لا يقع طلاقه، وقال الحنفية: تطلق زوجته ديانة لا قضاء3.
من فروع القاعدة: 1- ما لو تلفظ بالطلاق وهو لا يعرف معناه فإن عدم علمه بالمعنى له تأثير، في عدم المؤاخذة. فمن الفقهاء من يرى أن هذا الطلاق لا يترتب عليه أثر أصلا، ومنهم من يقول: تطلق في القضاء لأنه يُبنى على الظاهر، ولا تطلق ديانة. 2- ما لو تلفظ بكلمة: "بعت"، ونحوها ولم يكن يعرف معناها فإنه لا ينعقد1. 3- ما لو نطق الإنسان بكلمة الكفر وهو لا يعرف معناها لم يعد مرتدا2.
وجه التيسير: وجه التيسير أن الشارع لم يؤاخذ المكلف باللفظ الذي يتكلم به دون معرفة معناه، ولم يرتب على ذلك اللفظ آثاره؛ لأنه لم يتحقق فيه القصد إلى معنى ذلك القول، والله أعلم.
القاعدة الخامسة والثلاثون: من تصرف مستندا إلى سبب، ثم تبين أنه غيره وهو موجود فتصرفه صحيح.
القاعدة الخامسة والثلاثون من تصرف مستندًا إلى سبب، ثم تبين أنه غيره وهو موجود فتصرفه صحيح. ((صياغة)) ذكر هذه القاعدة ابن رجب1، وذكر السبكي نحوها2، وقد أورد السبكي - أيضا - فصلا فيمن أخطأ الطريق، وأصاب المطروق. لكنه أوضحه بما يدل على أن المراد به غير المراد بالقاعدة التي ذكرها ابن رجب فقال: "وبعبارة أخرى فيمن هجم فتبين أنه فعل الصواب هل يكون خطؤه في الطريق حيث هجم موجبا لغير حكم المطروق؟ "3، أما القاعدة التي ذكرها ابن رجب فسيأتي بيان معناها قريبا - إن شاء الله -، وقد أورد المقري قاعدة بلفظ: ((مراعاة المقاصد مقدمة على رعاية الوسائل)) ، وهي بلفظها تتضمن - فيما أرى - إشارة إلى هذه القاعدة، وإن كانت الأمثلة التي أوردها تدل على أن مراده بها مختلف عن مراد ابن رجب بهذه القاعدة، حيث مثل لها بالمتيمم يجد الماء أثناء الصلاة، وقال: إنه
لا يقطعها؛ تقديما للمقاصد على الوسائل1. معاني المفردات: السبب: تقدم بيان معناه في اللغة والاصطلاح. والمراد به في القاعدة ما يستند إليه المكلف في تصرفه وإن لم ينطبق عليه التعريف الاصطلاحي للسبب2. المعنى الإجمالي: يريد ابن رجب بيان حكم من تصرف تصرفا، وكان معتمدا في ذلك التصرف إلى سبب، ثم ظهر له خطؤه في ذلك السبب. بمعنى عدم وجود ذلك السبب حقيقة، مع وجود سبب صحيح لم يطلع عليه، ولم يعتمد عليه، وهذا يشمل حالتين: الأولى: أن يكون السبب الذي اعتمد صحيحا. لكنه لم يثبت له، أي لم يوجد حقيقة كمن استدل على القبلة بنجم يظنه الجدي، ثم تبين له أنه نجم آخر مشابه له، فإن السبب الذي اعتمده وهو دلالة نجم الجدي لم يثبت له حقيقة وإن كان في أصله
سببا أو دليلا صحيحا1. الثانية: أن يكون السبب الذي اعتمده غير صحيح، مثل أن يتصرف في سلعة بناء على شرائه إياها، ثم يتبين أن الشراء فاسد وتكون هذه السلعة قد انتقلت إلى ملكه بسبب آخر كالإرث مثلا. ففي الحالتين يكون الفعل قد وقع موافقا للصواب؛ لوجود سببه الصحيح وإن لم يبن المكلف تصرفه عليه. بل بناه على غيره.
وتخالف هذه القاعدة قاعدة ((لا عبرة بالظن البين خطؤه)) ففيها يكون المكلف قد اعتمد سببا خاطئا، ولم يوجد سبب آخر يقتضي صحة ذلك التصرف. دليل القاعدة: لم يذكر ابن رجب رحمه الله دليلا على صحة هذه القاعدة. إلا أنه علل ذلك بكون التصرف وقع مستندا إلى سبب مسوغ في الباطن والظاهر1، كما أنه بيّن أن الحكم بصحة هذا التصرف أولى من الحكم بصحة نصَرُّف من تصرَّف ولم يكن له مستند في الظاهر، فوافق وجود سبب صحيح، وقد حكم بعض الفقهاء بصحة ذلك التصرف2. العمل بالقاعدة: نص ابن رجب على أن المذهب (أي مذهب الحنابلة) في هذه الصورة الصحة بلا ريب3، وتدل فروع الفقه الشافعي على
تصحيحهم لهذه القاعدة. قال النووي من الشافعية: "لو باع مال أبيه على ظن أنه حيّ وهو فضولي، فبان ميتا حينئذ، وأنه ملك العاقد، فقولان أظهرهما أن البيع صحيح؛ لصدوره عن مالك"1. ولم أقف على صورة القاعدة عند الحنفية، والمالكية. لكن قولهم في مسائل أخرى يدل على تصحيحهم لهذه القاعدة. فقد قال ابن عابدين من الحنفية: "لو كان بحضرة الإنسان من يسأله - أي عن القبلة - فتحرى ولم يسأله فإن أصاب القبلة جزء؛ لحصول المقصود"2. وقال الخرشي من المالكية: "من باع ملك غيره بغير إذنه فإن المبيع موقوف على إجازة المالك فإن أجازه جاز"3؛ وذلك أن هاتين الصورتين لم يعتمد التكلف فيهما على مستند يراه صحيحا فإذا قيل بصحتهما فالقول بالصحة في صورة القاعدة - التي يكون المكلف فيها قد اعتمد سببا يراه صحيحا - أولى، والله
أعلم. وقد أشار إلى هذا المعنى ابن رجب نفسه حيث قال: "فإن قلنا في القاعدة الأولى - وهي قوله ((من تصرف في شيء يظن أنه لا يملكه فتبين أنه كان يملكه)) - بالصحة، فهنا أولى، وإن قلنا ثمَّ بالبطلان فيحتمل هنا الصحة؛ لأنه استند إلى سبب مسوغ وكان في نفس الأمر له مسوغ غيره، فاستند التصرف إلى مسوغ في الباطن والظاهر بخلاف القسم الذي قبله"1. من فروع القاعدة:2 1- ما إذا أصاب القبلة ولم يعتمد على سبب صحيح3. 2- من تصرف في شيء اشتراه، ثم ظهر أن البيع فاسد. لكن ذلك الشيء انتقل إلى ملكه بسبب آخر كالإرث، صح تصرفه4.
3- بيع الفضولي فإذا أجازه المالك صح، وإلا فلا1. وجه التيسير: تعتبر هذه القاعدة من قواعد التيسير حيث يتقرر من خلالها صحة تصرف المكلف إذا وافق ذلك التصرف مستندا صحيحا، وعدم النظر إلى كونه قد اعتمد في ذلك الفعل على سبب تبين له خطؤه فيه. فيصح ذلك العمل ويكون مجزيا - إن كان عبادة - وتترتب آثاره عليه إن كان معاملة.
القاعدة السادسة والثلاثون: من تعلق به الامتناع من فعل متلبس به، فبادر إلى الإقلاع عنه لم يكن ذلك فعلا للممنوع منه في بعض الصور.
القاعدة السادسة والثلاثون: من تعلق به الامتناع من فعل متلبس به، فبادر إلى الإقلاع عنه لم يكن ذلك فعلا للممنوع منه في بعض الصور ((صياغة)) . ذكر هذه القاعدة ابن رجب بصيغة الاستفهام-، ثم قسم الأفعال التي يتعلق فيها الامتناع بالمكلف إلى أربعة أنواع: النوع الأول: أن لا يتعلق به حكم الامتناع بالكلية إلا وهو متلبس به. النوع الثاني: أن يمنعه الشارع من الفعل في وقت معين ويعلم بالمنع، ولكن لا يشعر بوقت المنع حتى يتلبس به. النوع الثالث: أن يعلم قبل الشروع في الفعل أنه إذا شرع فيه ترتب عليه تحريمه وهو متلبس به. النوع الرابع: أن يتعمد الشروع في فعل محرم عالما بتحريمه، ثم يريد تركه والخروج منه1. ولم أجد هذه القاعدة مذكورة عند غير ابن رجب. إلا أن
مسائلها قد تتخرج على قواعد أخرى1. وقد بحث الأصوليون بعض صور هذه القاعدة2. معاني المفردات: متلبّس: أي مخالط، يقال: تلبس بالأمر وبالثوب اختلط3. بادر: سارع يقال: بَدَرْتُ إلى الشيء ابدُرُ بُدُوْرًا أسرعت إليه، وتبادر القوم تسارعوا4. الإقلاع: الكف5. المعنى الإجمالي: صورة هذه القاعدة أن المكلف قد يلزمه - شرعا - الامتناع من أمر معيّن والكفّ عنه6، والحال أنه متلبس به بحيث يكون
تصرفه أو تحركه للإقلاع عن ذلك الأمر واقعا في غير المستَحق له - زمانا أو مكانا - أي يكون طريقه إلى الترك بمثابة الجزء من الفعل المنهي عنه. والمراد بيان الحكم المتعلق بالمكلف في مثل هذه الحال، هل يعتبر - في تركه - مرتكبا لما نهي عنه ويكون مؤاخذا به، أو يعتبر تاركا لما أمر بتركه غير مؤاخذ بذلك؟ والجواب الذي قرره ابن رجب - من خلال هذه القاعدة - أن لتلك الحالة عدة صور منها ما لا يعتبر المكلف فيها مرتكبا للمنهي عنه، ومنها ما هو محل خلاف. الأدلة: تقدم أن ابن رجب بين أن صور هذه القاعدة منها ما هو محل خلاف في المذهب. ولذا فإنه لابد من ذكر مستند من يرى أن المكلف في هذه الصور - أو بعضها - غير مرتكب للمنهي عنه من حيث الجملة أيضا. فأما من يرى أنه غير مرتكب للمنهي عنه فيمكن الاستدلال
له بالآتي: 1- ما جاء في الحديث: "أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم وهو بالجعرانة قد أهل بالعمرة، وهو مصفّر لحيته ورأسه، وعليه جبّة فقال: يا رسول الله إني أحرمت بالعمرة وأنا كما ترى فقال: "انزع عنك الجبّة واغسل عنك الصفرة وما كنت صانعا في حجّك فاصنعه في عمرتك"1. قال الحافظ ابن حجر: "واستُدل به على أن من أصحابه طيب في إحرامه ناسيا أو جاهلا، ثم علم فبادر إلى إزالته، فلا كفارة عليه، وعلى أن المحرم إذا صار عليه المخيط نزعه ولا يلزمه تمزيقه ولا شقُّه"2. 2- إن اعتبار الإقلاع عن الذنب في هذه الحال معصية يؤدي إلى المكلف التكليف بالمحال؛ لأنه يتوجه إلى المكلف أمر ونهي متعلقان بفعل واحد في وقت واحد3.
3- عموم قول الله تعالى: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا} 1. 4- أن ذلك معتبر بالنية، فإن المكلف إذا فعل ذلك بقصد الإقلاع عن الذنب ولرفع أكثر المعصيتين -وهي الاستمرار- بأقلهما وهي ترك المتضمن لفعل شيء من المنهي عنه، لم يكن حاله كحال من يفعل ذلك بقصد البقاء على ما نهي عنه2. وأما القول بأنه يعتبر فاعلا لما نهي عنه في بعض الصور فهو مبني على تحقق ذلك منه فعلا وقطع النظر عن قصده في ذلك. العمل بالقاعدة: إن بيان آراء الفقهاء في هذه القاعدة يحتاج إلى تفصيل يناسب ما ذكره ابن رجب من تفصيل فيما تشمله هذه القاعدة. فقد ذهب جمهور الفقهاء من المذاهب الأربعة إلى أن من أحرم وعليه قميص أو نحوه فبادر إلى نزعه، أو أصابه طيب فبادر إلى إزالته، أنه لا فدية عليه3.
كما ذهب الجمهور إلى أن من حلف أن لا يسكن دارا وهو ساكنها، أو أن لا يلبس ثوبا وهو لابسه، أو نحو ذلك، فإنه يلزمه الخروج من الدار، ونزع الثوب ولا يحنث إذا لم يتراخ في ذلك1. وهاتان المسألتان تمثلان النوع الأول مما ذكره ابن رجب وهو من لا يتعلق به حكم الامتناع بالكلية إلاّ وهو متلبس به. وأما النوع الثاني وهو ما إذا مُنع المكلف من الفعل في وقت معين، وعلم بالمنع، لكنه لم يشعر بوقت المنع حتى تلبس به فمن مسائله من جامع في ليل رمضان فأدركه الفجر وهو مجامع فنزع في الحال، وقد ذهب الحنفية إلى أن ذلك لا يُفسد الصوم2، وقال الخرشي من المالكية: "إنه لا شيء عليه على المشهور"3، ونقل ابن جزي خلافا في وجوب القضاء، وقال: "إن سببه أن النزع هل يعد جماعا أم لا؟ "4 وإلى صحة صومه ذهب الشافعية
أيضا1، أما الحنابلة، فقد نقل ابن قدامة عن بعض فقهاء المذهب أن عليه الكفارة، وعن بعضهم أنه لا قضاء عليه ولا كفارة2. ومن مسائل النوع الثالث وهو ما إذا علم المكلف قبل الشروع في فعل أنه إذا شرع فيه ترتب عليه تحريمه وهو متلبس به أن يقول الرجل لزوجته: إن وطأتك فأنت طالق ثلاثا، فهل يعتبر نزعه بعد وقوع الطلاق فعلا للمنهي عنه (أي استمتاعا بأجنبية؟) . قال المرغيناني من الحنفية: "ولو قال لإمرأته: إذا جامعتك فأنت طالق ثلاثا، فجامعها، فلما التقى الختانان طلقت ثلاثا وإن لبث ساعة لم يجب عليه المهر، وإن أخرجه ثم أدخله وجب عليه المهر"3، ويرى المالكية أن النزع حرام، والمخلص منه أن ينوي ببقية وطئه الرجعة إذا كان الطلاق رجعيا. فإن كان ثلاثا ونحوها فقال بعضهم يُعَجَّل عليه الحنث، وقال بعضهم تضرب له مدة الإيلاء4.
وقال النووي: "الصحيح أنه لا يمنع من الوطء بل يقال له: عليك النزع. بمجرد تغيب الحشفة"1، ونقل ابن قدامة عن الحنابلة روايتين: إحداهما: لا يجوز له الوطء ويؤمر بالطلاق. والثانية: تجوز له الفيأة2 والوطء؛ لأن النزع تركُ للوطء وترك الوطء ليس وطئا3. والنوع الرابع: أن يتعمد الإنسان الشروع في فعل محرم عالما بتحريمه، ثم يريد تركه والخروج منه وقد مثل له ابن رجب بمن توسط أرضا مغصوبة ثم تاب وندم وأخذ في الخروج منها. وهذه
المسألة قد بحثها علماء الأصول، ونقل ابن برهان1 الاتفاق على أنه إذا تاب صحت توبته، ووجب عليه أن يبتدر إلى الخروج مسرعا من أقرب الطرق فإذا فعل ذلك فلا إثم عليه2، وصرح بهذا الحكم الإمام الشافعي3، ولم أتمكن من الوقوف على هذا الفرع الفقهي من كتب الفروع. وقد تقدم ذكر عدد من الفروع الفقهية المخرجة على هذه القاعدة. وجه التيسير: يظهر التيسير في هذه القاعدة إذا ما قيل: إن من يبادر إلى ترك المنهي عنه لا يكون فاعلا له وذلك من وجهين: الأول: عدم حصول التكليف بالمحال. الثاني: تسهيل ترك الذنب والإقلاع عنه؛ حثا للمكلف على الامتناع من المعصية، والله أعلم.
القاعدة السابعة والثلاثون: من صحت منه مباشرة الشيئ صح توكيله فيه غيره، وتوكله فيه عن غيره، ومن لا فلا.
القاعدة السابعة والثلاثون: من صحت منه مباشرة الشيئ صح توكيله فيه غيره، وتوكّله فيه عن غيره، ومن لا فلا. ... القاعدة السابعة والثلاثون: من صحت منه مباشرة الشيء صح توكيله فيه غيرَه، وتوكُّلُه فيه عن غيره، ومن لا فلا. ذكر هذه القاعدة - بهذه الصيغة - السيوطي1، وأوردها عدد من الفقهاء - في كتب القواعد بصيغة متعددة لا تعدو هذا المعنى2، كما أن كتب الفروع توردها في باب الوكالة3. معاني المفردات: صحّت: الصحة لغة ضد السَّقَم4. وفي اصطلاح الفقهاء والأصوليين: عبارة عن كون الفعل مُسْقِطا للقضاء في العبادات، أو سببا لترتب الثمرة المطلوبة عليه
في المعاملات. وهي عند المتكلمين بمعنى موافقة أمر الشارع وجَبَ القضاء أو لم يجب1. المباشرة لغة: مفاعلة من (بشر) ، والبشرة ظاهر جلد الإنسان ومنه مباشرة الأمور أن تليها بنفسك2. التوكيل لغة: مصدر وكّل ومادته في اللغة تدل على اعتماد غيرك في أمرِك3. وفي الاصطلاح: عرَّف الفقهاء الوكالة -وهي بمعنى التوكيل- بعدة تعريفات منها: أنها استنابة جائز التصرف مثله فيما تدخله النيابة4. المعنى الإجمالي: معنى هذه القاعدة أن كل من توافرت فيه شروط الأهلية لمباشرة تصرف ما فإنه يصح له أن يقيم مقامه من يباشر ذلك
التصرف، كما يصح أن يتوكل هو عن غيره في مباشرة ما يوكّله فيه. وظاهرُ عموم هذه القاعدة، وكلام الفقهاء عليها يدلان على أنها تشمل العبادات والمعاملات ويدل على ذلك أن بعض من أورد هذه القاعدة استثنى من عمومها بعض العبادات التي لا تصح فيها النيابة1. إلا أن القاعدة ليست على إطلاقها فهي مقيدة بكونها فيما تصح فيه النيابة. وذلك أن العلماء قسّموا الأفعال من حيث قبولها للنيابة إلى قسمين: قسم يقبل النيابة وهي الأفعال التي تتحقق مصلحتها بحصول الفعل مع قطع النظر عن فاعله كردّ الودائع، وقضاء الديون، وتفريق الزكوات، وأكثر العقود. وقسم لا يقبل النيابة وهو ما لا تتحقق مصلحته إلا بمباشرة المكلف له كالصلاة، ونحوها من العبادات غير المالية2.
الأدلة: أدلة هذه القاعدة هي الأدلة التي يذكرها الفقهاء على مشروعية الوكالة وهي كثيرة من أشهرها: 1- قوله تعالى: {فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَاماً فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ} 1. قال ابن العربي رحمه الله: "وهذا - أي الدليل - يدل على صحة الوكالة وهو أقوى آية في الغرض2. 2- ما رواه عروة البارقي3 رضي الله عنه: "أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطاه دينارا ليشتري له به شاتين فباع إحداهما بدينار فجاء بدينار وشاة فدعا له بالبركة في بيعه وكان لو اشترى التراب لربح فيه"4.
3- الإجماع. وقد نقله عدد من العلماء. قال القرطبي رحمه الله: "ولا خلاف فيها في الجملة"1، وقال ابن قدامة: "أجمعت الأمة على جواز الوكالة في الجملة"2، ونقل ابن المنذر الإجماع على عدد من صور الوكالة3. 4- ومما يدل على صحة النيابة في بعض العبادات: حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنتهما قال: "جاءت امرأة من خثعم عام حجة الوداع. فقالت: يا رسول الله إن فريضة الله على عباده في الحج أدركت أبي شيخا كبيرا لا يستطيع أن يستوي على الراحلة. فهل يقضي عنه أن أحج عنه؟ قال: "نعم"4.
العمل بالقاعدة: كما تقدم فقد أجمع العلماء على صحة الوكالة. وهو إجماع على صحة العمل بهذه القاعدة والخلاف إنما هو في صحة الوكالة في بعض الصور. وذكر السبكي أن الأصل عند الحنفية أن النيابة لا تدخل المأمور إلا لمقتض، وعند الشافعية تدخل المأمور إلا لمانع1. من فروع القاعدة: 1- صحة التوكيل في البيع ونحوه ممن يصح منه البيع2. 2- صحة التوكيل في النكاح3. 3- عدم صحة توكيل الصبي ومن في حكمه4.
وجه التيسير: وجه التيسير في هذه القاعدة أن من الناس من لا يستطيع مزاولة جميع أموره ومصالحه بنفسه لعجز في بدنه، أو اعدم إتقانه لبعض الأمور، أو لكثرة أعماله، أو نحو ذلك، فكان من تيسير الله تعالى أن شرع لعباده ما يمكنّهم من قضاء حوائجهم دون أن يباشروها بأنفسهم. بل أجاز ذلك في بعض العبادات عند العجز عنها، وعندما تكون المصلحة المطلوبة منها متحققة بفعل الوكيل ليحصل له بذلك الثواب1.
القاعدة الثامنة والثلاثون: من فعل عبادة في وقت وجوبها يظن أنها الواجب عليه، ثم تبين بأخرة أن الواجب عليه كان غيرها، فإنه يجزئه.
القاعدة الثامنة والثلاثون: من1 فعل عبادة في وقت وجوبها يظن أنها الواجب عليه، ثم تبيّن بأخَرَةٍ أن الواجب عليه كان غيرها، فإنه يجزئه. هذه القاعدة ذكرها ابن رجب الحنبلي2، ثم قال: "ويلتحق بها ما إذا خفى الاطلاع على خلل الشرط ثم تبيّن فإنه يغتفر في الأصح"3. معاني المفردات: الأخَرَة: بمعنى الأخير يقال: جاء فلان بأخرة أي أخيرا4. يجزئه: الإجزاء لغة مصدر أجزأ يجزئ وهو الكفاية يقال: جَزَاْتُ بالشيء جَزْءًا: أي اكتفيت به، وأجزأني الشيء كفاني5. وفي الاصطلاح: عُرّف بأنه الأداء الكافي لسقوط التعبد به،
وقيل: هو سقوط القضاء1. المعنى الإجمالي: لكي يتضح معنى هذه القاعدة لابد أولا من إيضاح أن بعض التكاليف الشرعية تكون مطلوبة - أصلا على وجه معين، ثم قد يكون الواجب على المكلف أداؤها على وجه آخر - أيسر منه غالبا على سبيل البدل عن الوجه الأصلي تيسيرا عليه على حسب حاله. وبالنظر في المسائل التي مثّل بها ابن رجب رحمه الله يتبين أن مراده بها أنه إذا دخل وقت عبادة ما والمكلف على حال تجب عليه فيها تلك العبادة على وجه من التخفيف والبدل عن المطلوب أصلا، فأدّى ذلك الواجب على وفق ما يجب عليه بحسب حاله، ثم تغير حاله بحيث أصبح ممن تجب عليهم هذه العبادة على الوجه الأصلي، فإن فعله ذلك يكون مجزئا حتى لو لم يخرج وقت تلك العبادة. وبناء على هذا المعنى يتضح أن المكلف قد أدّى الواجب عليه بحسب حاله فيكون معنى قوله: "يظن أنها الواجب" أي
يغلب على ظنه أن تستمر حاله على تلك الصفة بحيث يكون ما فعله من البدل هو الواجب لو أخّره. ويوضح ذلك المثالُ، فإنه إذا أقام المعضوب من يحجّ عنه لمرض أعجزه عن الحج بنفسه ثم برئ بعد أن حجّ عنه وكيله فإن ذلك الحج - على حسب هذه القاعدة يكون مجزيا - وذلك أنه ظن استمرار عجزه عن الحج بحيث لا يجب عليه إلا الإنابة ففعل ما يلزمه فلا يضره أن يزول سبب مشروعية البدل بعد وقوعه. وعلى هذا فهي تخصيص لقاعدة ((لا عبرة بالظن البين خطؤه)) ؛ لأن المكلف قد فعل ما يجب عليه - بحسب حاله فاعتُبر الظن ولم يُلْغَ فإن لفظ "البيّن خطؤه" في القاعدة المذكورة يشمل صورتين: الأولى: هي الصورة المذكورة في هذه القاعدة1. والثانية: فعل المكلف غير ما طلب منه شرعا بناءً على ظن
خاطئ. الأدلة: 1- يصح الاستدلال لهذه القاعدة بما رواه أبو سعيد الخدري رضي الله عنه قال: "خرج رجلان في سفر فحضرت الصلاة وليس معهما ماء فتيمما صعيدا طيبا فصليا، ثم وجدا الماء في الوقت فأعاد أحدهما الوضوء والصلاة، ولم يُعد الآخر، ثم أتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرا له ذلك فقال للذي لم يعد: "أصبت السنة وأجزأتك صلاتك"، وقال للذي توضأ وأعاد: "لك الأجر مرتين" 1. ووجه الاستدلال منه أنه صلى الله عليه وسلم قال للذي لم يعد صلاته. بل اكتفى بما فعله من البدل على حسب حاله: "أصبت السنة وأجزأتك صلاتك" مع أنه قد بنى صلاته على الظن أنه لن يجد الماء في الوقت فلم يضره تغير الحال.
قال السندي1: "وهذا تصويب لاجتهاده وتخظئة لاجتهاد الآخر"2. أما قوله لمن أعاد: "لك الأجر مرتين" فقد تأوله بعضهم على أن له أجر الصلاة بالتيمم، وأجر الاجتهاد الذي أخطأ فيه، وقال بعضهم: أجر الصلاتين؛ لأن كلا منهما صحيحة، والله أعلم3. 2- من حيث المعقول فإن المكلف قد أدّى العبادة الواجبة عليه على الوجه المطلوب منه في تلك الحال فبرئت ذمته4
3- أنه لو لمر بفعلها مرة أخرى لكان مؤديا لعبادة واحدة مرتين على سبيل الوجوب وقد ورد النهي عن أن يصلي المرء صلاة في يوم مرتين1. أي على سبيل الوجوب2. وهذا وإن كان نصا في الصلاة إلا أنه يمكن أن تؤيّد به هذه القاعدة3. العمل بالقاعدة: تقدم أن ابن رجب من الحنابلة قد نص على هذه القاعدة، ولم أقف حسب بحثي على من ينص عليها غيره إلا أنه يمكن اعتبارها بمثابة ما استثني من قاعدة ((لا عبرة بالظن البيّن خطؤه)) وقد استثنى بعض العلماء منها بعض الصور. وبالنظر في بعض المسائل التي مثّل بها ابن رجب للقاعدة نجد أن الغالب على مذهب الحنابلة العمل بموجب هذه القاعدة فقد قالوا
في المعضوب يقيم من يحجّ عنه، ثم يبرأ بعد أن يُحجّ عنه: يجزئه هذا الحج ولا يلزمه أن يحج بنفسه1، وقالوا في المريض الذي لا يرجى برؤه إذا أطعم مكان الصيام، ثم برئ وقدر على الصيام لا يلزمه أن يصوم قضاء، وذكر ابن قدامة احتمالا آخر بلزوم الصيام2. وذهبوا إلى من صلى يوم الجمعة ظهرا ممن لا تجب عليهم الجمعة، ثم أصبح ممن تجب عليهم قبل أن يصلي الإمام، فإن صلاته تجزئه ولا تلزمه الجمعة3، وكذلك الحال في مذهب الشافعية فإنهم يرون أن صلاة الظهر تجزئه في الصورة المذكورة على الرأي المشهور عندهم4. ونقل الشيرازي في مسألة الحج عن المعضوب طريقين أحدهما
أن فيها قولين، والثاني أنه تلزمه الإعادة1. وذكروا في مسألة إجزاء الإطعام عن الصيام في حق من برئ وجهين2. أما الحنفية، والمالكية ففروعهم تدل على أنهم أقل أخذا بهذه القاعدة فالحنفية يرون أنه يلزم من أقام من يحجّ عنه لمرضه، ثم برئ بعد أن حُجّ عنه أن يحج بنفسه ولا يجزئه حج الوكيل عنه3، وكذلك من أطعم، ثم قدر على الصيام يلزمه القضاء عندهم4. أما من صلى يوم الجمعة ظهرا لعذر، ثم زال عذره فإن صلاته تجزئه ولا تلزمه الجمعة ولا يكره له ذلك. بل إنها تجزئ عندهم
عمّن تجب عليه الجمعة أصلا فصلاها ظهرا مع كونه قد ارتكب إثما بترك الجمعة1، وذهب المالكية إلى أن من صلى يوم الجمعة ظهرا لعذر، ثم وال عذره قبل أن يصلي الإمام فإن الجمعة تلزمه2. وبالنسبة إلى فدية من لم يُطِق الصوم فإنها عندهم غير واجبة3 فلا يتوجّه فيها الخلاف، والحج عندهم لا يقبل النيابة أصلا ولا يجزئ الإنسان حجّ غيره عنه4. أما المسألة التي ورد النص به وهي مسألة المتيمم الذي يجد الماء في الوقت بعد أن يصلي فإن غالب الفقهاء من المذاهب الأربعة يرون أنه لا إعادة عليه5. وقد تقدم إيراد بعض فروع القاعدة وآراء الفقهاء فيها.
وجه التيسير: وجه التيسير في هذه القاعدة عند من يقول بها هو عدم إلزام المكلف بإعادة العبادة إذا كان قد فعلها على الوجه المطلوب منه حال عذره وإن زال هذا العذر؛ تيسيرا عليه؛ ولكونه قد أدى ما وجب عليه في تلك الحال.
القاعدة التاسعة والثلاثون: من عليه فرض موسع الوقت يجوز له التنفل ــ قبل أدائه ــ من جنسه.
القاعدة التاسعة والثلاثون: من عليه فرض موسع الوقت يجوز له التنفل -قبل أدائه- من جنسه. ((صياغة)) . أورد الزركشي، وابن رجب هذه القاعدة بصيغة الاستفهام، ثم فصّلا في الجواب فقسما ما يكون فرضا إلى قسمين هم: العبادات المحضة، والتصرفات. فأما العبادات المحضة فإن كان وقتها موسعا جاز التنفل من جنسها قبل أدائها، وقال ابن رجب: "وقبل قضائها على الأصح" وأما التصرفات المالية كالهبة والصدقة ونحوهما فقد قال الزركشي: "إن فعلها من عليه دَين أو من تلزمه نفقته مما لا يفضل عن حاجته حَرُمَ على الأصح" وقال ابن رجب: "إن كان قد حجر عليه لم يصح تصرفه وإلا جاز"1، وأشار إلى معنى هذه القاعدة العز بن عبد السلام2
معاني المفردات: الفرض لغة: الخزّ في الشيء، وله إطلاقات أخرى1. وفي الاصطلاح: مرادف للواجب عند الجمهور، وقد عُرِّف الواجب في الاصطلاح بعدة تعريفات منها: أنه ما يستحق تاركه العقاب على تركه، وفرّق الحنفية بينهما فقالوا: الفرض ما ثبت بدليل قطعي لا شبهة فيه، والواجب ما ثبت بدليل ظني، ورويت التفرقة بينهما عن الإمام أحمد أيضا2. موسع الوقت: الموسع لغة: مشتق من السعة والتوسع. وهو ضد الضيق3. وفي الاصطلاح الواجب الموسع هو: ما قُرّر له من الوقت أكثر من وقت فعله4. التنفل: فعل النفل. والنفل لغة: مطلق الزيادة، ويطلق بمعنى عطيّة التطوع من حيث لا تجب، ومنه نافلة الصلاة5.
وفي اصطلاح الفقهاء: اسم لما شُرع زيادة على الفرائض والواجبات1. الأداء: في اللغة الإيصال والقضاء2. وفي الاصطلاح: هو إيقاع العبادة في وقتها المقدر لها شرعا مالم تسبق بأداء مختل، وزاد بعضهم قيودا أخرى3. المعنى الإجمالي: تعني هذه القاعدة أنه يجوز لمن وجبت عليه عبادة سواء كانت تكليفا أصليا أم نذرا أن يتطوع بالنفل من جنس تلك العبادة قبل أدائها إن كان وقتها موسعا. كالتنفل بالصلاة في أول وقت الفريضة قبل أدائها، ويجوز -على رأي- التنفل من جنس العبادة قبل قضائها إذا كان قد خرج وقت الأداء كأن يتطوع من عليه شيء من قضاء رمضان قبل قضائه. وتقييد جواز ذلك التطوع بكونه من جنس الفرض من باب بيان المقصود من القاعدة؛ لأن ذلك هو الذي قد يكون محل نظر
وليس المراد منه عدم جواز التطوع من غير جنس العبادة الواجبة قبل أدائها. فإنه إذا جاز التطوع من جنس تلك العبادة قبل أدائها مع عدم إمكان الجمع بين الفعلين في وقت واحد فإنه يجوز فيما كان من غير جنس تلك العبادة من باب أولى؛ إذ لا يمتنع الجمع بينهما -غالبا- ولذا فإن ابن عبد السلام قد مثل للقاعدة بأمثلة من النوعين1. وتنبغي الإشارة هنا إلى أن الجواز لا ينافي أن يكون الأولى أداء الفرض إبراء للذمة كما ذكره العلماء في بعض الصور. الأدلة: 1- ما ورد من الأحاديث التي تندب إلى فعل نوافل الصلاة القبلية من فعله وقوله صلى الله عليه وسلم من الرواتب وغيرها بعد دخول وقت بعض الصلوات مع وجوبها على المسلم وتعلقها بذمته بمجرد دخول وقتها وجوبا موسعا. ومن ذلك ما رواه عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: "حفظت من النبي صلى الله عليه وسلم عشر ركعات ركعتين قبل الظهر، وركعتين
بعدها، وركعتين بعد المغرب في بيته، وركعتين بعد العشاء في بيته، وركعتين قبل الصبح وكانت ساعة لا يُدْخل على النبي صلى الله عليه وسلم فيها"1. والأحاديث في هذا الباب كثيرة2. 2- يمكن الاستدلال بما ورد من الأحاديث التي فيها الحث على صيام بعض الأيام تطوعا. ومن ذلك. حديث: "من صام رمضان ثم أتبعه ستا من شوال كان كصيام الدهر" 3. وحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: "أوصاني خليلي بثلاث لا أدعهنّ حتى أموت صوم ثلاث أيام من كل شهر، وصلاة
الضحى ونوم على وتر" 1. والأحاديث في هذا كثير أيضا2. ووجه الاستدلال منها على هذه القاعدة أنها جاءت مطلقة -في ظاهرها- عن التقييد بكون المتطوع بصيامها ليس في ذمته صوم واجب من قضاء رمضان، أو نذر، أو نحوهما. إلا أنه يَرِد على هذا الدليل أنه قد ورد ما يقيّدها بهذا في حديث أخرجه الإمام أحمد من طريق أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من أدرك رمضان وعليه من رمضان شيء لم يقضه لم يُتقبل منه، ومَنْ صام تطوعا وعليه مِن رمضان شيء لم يقضه قلإنه لا يتقبل منه حتى يصومه"3. العمل بالقاعدة: لقد اتفقت مذاهب الفقهاء على مشروعية التنفل بالصلاة قبل الفريضة4 بعد دخول وقتها لورود النص بذلك.
إلا أن هذا لا يعني العمل بهذه القاعدة على عمومها؛ لأن العبادات المفروضة على التراخي أو في وقت موسع ليست على صورة واحدة فإن التراخي في الحج ليس كالتراخي في الصلاة؛ فإن تأخير أداء الحج عن الفور يقتضي تأخيره سنة أو سنوات وهذا وقت الموت فيه وليس بنادر، وأما تأخير الصلاة عن أول وقتها لأداء النافلة فإنه وقت يسير والموت فيه نادر1. فقد ذهب الخنفية والمالكية، والشافعية إلى جواز صوم التطوع قبل إبراء الذمة من الواجب وعلّلوا ذلك بكونه على التراخي وأنه لم يتعين زمن للواجب إلا أن المالكية والشافعية كرهوا ذلك2. واختلفت الرواية عن الحنابلة في صحة التطوع بالصوم ممن عليه صوم فرض فروي عدم صحته إلحاقا له بالحج. وروي صحة ذلك قياسا على الصلاة؛ إذ كل منهما موسع الوقت3 وقال الشيخ ابن سعدي تفريعا على قاعدة ((الواجب بالنذر كالواجب بالشرع)) : "ومن عليه صوم نذر لم يكن له أن
يتنفل بالصيام قبل أداء نذره"1، كما ذكر من الفوارق بين الفرض والمندوب أنه لا يصح صوم النفل ممن عليه صيام فرض2. وأما الحج فقد ذهب الحنفية إلى أن من حج بنية التطوع وعليه فرض الإسلام فإنه يقع على ما نواه3، وإلى هذا ذهب المالكية أيضا4. وأما الشافعية، والحنابلة -في أشهر الروايتين- فإنه يقع عندهم عن الفرض5. لكن ينبغي التنبيه إلى أن التطوع بالحج قبل أداء الفرض وإن أجازه بعض العلماء فقد أجازوه مع الكراهة وليس كالتنفل بالصلاة قبل أدائها لما تقدم بيانه من الفرق بينهما. من فروع القاعدة: 1- جواز التنفل بالصلاة قبل أداء الفرض بعد دخول وقته إذا كان الوقت موسعا كما في السنن القبلية6.
2- عدم التطوع قبل قضاء ما عليه من قضاء رمضان1. 3- من حج تطوعا وهو لم يحج الفرض2. وجه التيسير: تعتبر هذه القاعدة -عند من يقول بها- من قواعد التيسير من جهة أن الشارع أجاز للمكلف أن يتنفل ببعض العبادات مع وجوب ما هو من جنسها عليه، أو أن يتبرع بشيء من المال مع انشغال ذمته بحقّ مالي آخر إذا كان ذلك موسعا مراعاة حاله من حيث طلب تكثير الثواب، وعدم تفويت بعض المواسم الفاضلة عليه، والله أعلم.
القاعدة الأربعون: من قدر على بعض العبادة وعجز عن باقيها وكان المقدور عليه غير مقصود في العبادة، أو كان جزءا من العبادة. لكنه عند انفراده ليس بعبادة، لم يلزم الإتيان به.
القاعدة الأربعون: من قدر على بعض العبادة وعجز عن باقيها وكان المقدور عليه غير مقصود في العبادة، أو كان جزءًا من العبادة. لكنه عند انفراده ليس بعبادة، لم يلزم الإتيان به. ذكر هذه القاعدة ابن رجب رحمه الله بصيغة استفهام، ثم بيّن أن ما يقدر عليه المكلف يكون على أقسام أربعة ولكل قسم حكمه: فالقسم الأول منها: ما ليس مقصودا في العبادة بل هو وسيلة محضة إليها كتحريك اللسان في القراءة، وإمرار الموسي على الرأس في الحلق في الحج والعمرة. والقسم الثاني: ما وجب تبعا لغيره وهو قسمان: أحدهما: ما كان وجوبه احتياطا للعبادة ليتحقق حصولها كغسل المرفقين في الوضوء، وكإمساك جزء من الليل في الصوم. والآخر: ما وجب تبعا لغيره على وجه التكميل واللواحق مثل رمي الجمار، والمبيت بمنى لمن لم يدرك الحج. والقسم الثالث: ما هو جزء من العبادة وليس بعبادة في نفسه بانفراده كصوم بعض اليوم لمن قدر عليه وعجز عن باقيه، أو كان
غير مأمور به لضرر كعتق بعض الرقبة في الكفارة1. والقسم الرابع: ما هو جزء من العبادة وهو عبادة مشروعة في نفسه كالقدرة على القيام في الصلاة مع العجز عن القراءة ونحوها، وبيّن أن ما كان من القسم الأول، والثالث فلا يلزم الإتيان به. وأن القسم الثاني محل خلاف بين فقهاء الحنابلة. وأن القسم الرابع هو الذي يجب الإتيان به2. وقريب من هذا التقسيم ما ذكره الزركشي فقد قسّم المقدور عليه -من حيث الوجوب وعدمه- أربعة أقسام: الأول منها: ما يجب قطعا. والثاني: ما يجب على الأصح. والثالث: ما لا يجب قطعا. والرابع: ما لا يجب، والمجموع المذهب (رسالة) على الأصح. ثم قال: والأحسن في الضبط أن يقال: إذا كان المقدور عليه ليس مقصودا من العبادة بل هو وسيلة لم يجب قطعا. وإن كان
مقصودا نُظر فإن كان لا بَدَلَ له وجب كستر العورة، وغسل النجاسة. وإن كان له بدل ينظر فإن كان اسم المأمور به يصدق على بعضه وجب أيضا كالماء؛ لأن القليل منه يطلق عليه اسم الماء، وإن كان لا يصدق لم يجب كبعض الرقبة1 وقد أشار كثير من العلماء إلى هذه القاعدة ضمنا عند بيان ما يستثنى من قاعدة ((الميسور لا يسقط بالمعسور)) 2. وبحث علماء الأصول شيئا من مباحث هذه القاعدة في مسألة ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب3 المعنى الإجمالي: معنى هذه القاعدة أن من العبادات ما إذا قدر المكلف على بعضها وعجز عن بعض لم يلزمه الإتيان بما قدر عليه، استثناءً من
الأصل الذي هو لزوم المكلف ما قدر عليه من العبادة وسقوط ما عجز عنه الذي عبّر عنه بعض العلماء بقاعدة ((الميسور لا يسقط بالمعسور)) وذلك فيما إذا كان المقدور عليه ليس بجزء من العبادة ولا مقصودا لذاته، أو كان جزءا من العبادة لكنه عند انفراده عن بقية تلك العبادة لا يكون عبادة في نفسه هذا فيما ذكره ابن رجب. الأدلة: لما كان الأصل أن الميسور لا يسقط بالمعسور، وأن من قدر على بعض العبادة دون بعض لزمه الإتيان بما قدر عليه لعموم قول الله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} 1 وقول النبي صلى الله عليه وسلم: " ... وإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم" 2 كانت هذه القاعدة بمثابة المستثنى من الأصل. وبناء على هذا فإن لكل نوع أو قسم عدَّهُ الفقهاء ممالا يجب الإتيان بالمقدور عليه منه وجه أو تعليل خاص به. فقول ابن رجب: إن مات ليس مقصودا في العبادة، أو ما ليس بعبادة إذا انفرد لا يلزم الإتيان به وإن قدر عليه. يتضمن التعليل
لذلك بأنه إذا انتفى الأصل لم تلزم وسيلته، وإذا لم يُقدر على العبادة تامة لم يلزم الجزء الذي ليس بعبادة وهكذا. قال النووي رحمه الله في مسألة إمرار الموسى على رأس الأصلع: "يستحب للأثر1 ولا يجب؛ لأنه -أي الحلق- قُرية تتعلق بمحل فسقطت لفواته كغسل اليد إذا قطعت"2، وكذلك قال ابن قدامة3. وذهب بعض علماء المالكية إلى أنه لا يجب على من لم يحسن الفاتحة أن يقف ساكتا، وعلّل ذلك بأن الوقوف لم يكن لنفسه وإنما هو لقراءة القرآن فإن لم يحسن ذلك صار القيام لغير فائدة4.
وهكذا نجد لكل مسألة لم يلزم الإتيان فيها بالمقدور عليه تعليل يناسبها، وتفصيلُ ذلك في كل مسألة مبسوطة في كتب الفقه. العمل بالقاعدة: تقدم أن ابن رجب من الحنابلة، والزركشي من الشافعي قد ذكرا هذه القاعدة وبيّنا أن من العبادات مالا يجب الإتيان فيها بالمقدور عليه -على ما تقدم من تفصيل- وعلى هذا تدل تعليلاتهم في بعض الفروع، وكذلك المالكية فقد تقدم النقل عن بعض علمائهم أنهم يرون عدم لزوم القيام لمن لا يحسن القراءة. أما الحنفية فالذي وقفت عليه عندهم من فروع هذه القاعدة هو مسألة إمرار الموسى على رأس الأصلع حيث يقولون بالوجوب فيها، ويعللون ذلك بالأثر المروي عن ابن عمر، وبأنه قدر على بعض النسك وهذا هو المشهور عندهم، ونقل ابن عابدين قولا بالاستحباب1. لكن الذي يظهر أن هناك من المسائل مالا يُختلف في عدم لزوم المقدور عليه منها كمن يستطيع أن يصوم بعض اليوم من رمضان ويعجز عن باقيه فإنه لا يلزمه الصيام وإن كان كثير من
الفقهاء لا ينص على هذا فذلك فيما يبدو لظهوره؛ لأن الصيام إنما يطلق شرعا على الإمساك من طلوع الفجر إلى غروب الشمس بشروطه المعتبرة. من فروع القاعدة: 1- من وجد من الماء ما يكفي بعض أعضاء الوضوء فهل يستعمله ويتيمم أم ينتقل إلى التيمم؟ 1. 2- من عجز عن النطق بالتكبير أو القراءة هل يلزمه تحريك لسانه؟ 2. 3- من حج وهو أصلع، أو حليق الرأس فهل يشرع له أن يُمرّ الموسى على رأسه؟ 3.
وجه التيسير: وجه التيسير في هذه القاعدة أنها تتضمن تخفيفا لبعض التكاليف، واستثناءً لبعض ما ورد الأمر العام بفعله إذا وُجد ما يقتضي ذلك مما تقدمت الإشارة إليه1. هذا مع أن القاعدة العامة المأخوذة من الآية الكريمة والحديث النبوي المتقدم ذكرهما وهي ((الميسور لا يسقط المعسور)) لا تخلو من معنى التيسير؛ لأن من معناها أنْ يسقط عن المكلف مالا يقدر عليه2 وإن كانت بضيغتها هذه أقرب إلى تقرير التكليف منها إلى التخفيف. ومما يوضح تضمّنها لمعنى التيسير صياغة ابن عبد السلام لها حيث قال: "من كُلّف بشيء من الطاعات فقدر على بعضه وعجز عن بعضه فإنه يأتي بما قدر عليه ويسقط عنه ما عجز عنه"3، وقول القرافي أن: "المتعذر يسقط اعتباره والممكن يستصحب فيه التكليف"4.
القاعدة الحادية والأربعون: من له الحق على الغير وكان سبب الحق ظاهرا فله الأخذ من ماله بقدر حقه إذا امتنع أو تعذر استئذانه، وإن كان السبب خفيا فليس له ذلك.
القاعدة الحادية والأربعون من له الحق على الغير وكان سبب الحق ظاهرا فله الأخذ من ماله بقدر حقه إذا امتنع أو تعذر استئذانه وإن كان السبب خفيا فليس له ذلك. هذه القاعدة أوردها -بهذا النص- ابن سعدي من الحنابلة1، وبمعناها قول ابن رجب: "من حرم عليه الامتناع من بذل شبء سُئله فهل يسقط إذنه بالكلية أو يعتبره ويجبره الحاكم عليه"2. المعنى الإجمالي: قبل بيان معنى هذه القاعدة لابد من بيان أن الأصل في أموال الناس تحريمها على الغير فلا يجوز الأخذ منها بغير حق، كما قال صلى الله عليه وسلم: " ... إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم بينكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا ... " الحديث3.
أما هذه القاعدة فمعناها أنه متى كان لإنسان على غيره حق مالي فامتنع من أداء ذلك الحق، أو لم يمتنع من الأداء لكن تعذر على صاحب الحق أن يستأذنه لبعد أو نحوه وكان سبب الاستحقاق ظاهرا كنفقة الزوجة مثلا فإنه يجوز لصاحب الحق إاذ قدر أن يأخذ من مال من عليه الحق بقدر ما عليه بدون إذنه1. وإنما قيد ذلك بالقيد الأول -وهو الامتناع من أداء الحق، أو تعذر استيفائه-، لأنه لو لم يمتنع من أداء ما عليه إما باستئذانه أو برفعه إلى الحاكم فإنه يمكن وصول صاحب الحق إلى حقه بالطريق المشروع أصلا وهو أولى فلا يُعدَل عنه. وقيِّد بالثاني -وهو كون سبب الاستحقاق ظاهرا-؛ لأنه لو كان سبب الاستحقاق خفيا لا يعلمه الناس لأمكن نسبة الآخذ إلى الخيانة فيكون منع المستحق من الأخذ من باب سد الذريعة2. الأدلة: مما يدل على هذه القاعدة ما يلي: 1- قول الله تعالى: {الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ
قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} 1. 2- قوله تعالى: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ} 2. فهاتان الآيتان تدلان بعمومهما على أن لصاحب الحقِّ القَّ في الاستيفاء في الحقوق المالية والبدنية. وإن كان هذا مقيدا في بعض الأحوال بحكم الحاكم كما قال ابن العربي: "أما من أباح دمك فمباح دمه لك. لكن بحكم الحاكم لا باستطالتك وأخذٍ لثأرك بيدك ولا خلاف فيه، وأما من أخذ مالك فخذ ماله إذا تمكنت منه إذا كان من جنس مالك طعاما بطعام، وذهبا بذهب، وقد أمِنتَ أن تعدَّ سارقا"3. وقال القرطبي في تفسير قوله تعالى: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} : "عموم متفق عليه إما بالمباشرة إن أمكن وإما بالحكام"4.
3- حديث عائشة رضي الله عنها أن هندا بنت عتبة قالت: يا رسول الله إن أبا سفيان رجل شحيح وليس يعطيني ما يكفيني وولدي إلا ما أخذت منه وهو لا يعلم. فقال: "خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف" 1. وهذا الحديث صريح في الموضوع. قال الحافظ ابن حجر: " ... واستُدل به على أن من له عند غيره حق وهو عاجز عن استيفائه جاز له أن يأخذ من ماله قدر حقه بغير إذنه"2. وكذلك قال النووي3. 4- حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: "قلنا للنبي صلى الله عليه وسلم: لإنك تبعثنا فننزل بقوم لا يُقرُونَنَ فما ترى فيه؟ فقال: "إن نزلتم بقوم فأمِر لكم بما ينبغي للضيف فاقبلوا فإن لم يفعلوا فخذوا منهم حق الضيف" 4. وقد استدل به بعض الأئمة على هذه القاعدة حملاً له على
ظاهره، وحمله بعضهم على أوجه أخرى1. 5- يمكن الاستدلال بحديث: "من أدرك ماله بعينه عند رجل، أو إنسان قد أفلس فهو أحق به من غيره" 2 من وجهٍ فإنه وإن لم يكن صريحا في الموضوع؛ إذا ليس فيه إباحة الأخذ من غير إذن من عليه الحق بل فيه تقديم صاحب المتاع على غيره من الغرماء إلا أنه يمكن الاستدلال به من جهة أن الرسول صلى الله عليه وسلم أثبت لصاحب الحق سلطانا على حقه. قال الحافظ ابن حجر في شرح هذا الحديث: "واستُدل به على أن لصاحب المتاع أن يأخذه وهو الأصح من قولي العلماء، والقول الآخر يتوقف على حكم الحاكم"3. أما الشطر الثاني من القاعدة وهو أن ما كان سبب الاستحقاق فيه خفيا فإنه لا يجوز لصاحب الحق أخذه بغير علمه. فَعلَّة المنع فيه
أن ذلك ذريعة إلى رميه بالخيانة وقد قال صلى الله عليه وسلم: "أدّ الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك"1، وقد استدل بظاهر الحديث من مَنَعَ صاحبَ الحق أن يأخذ حقه إلا بعلم من عليه الحق أو رَفعِه إلى الحاكم2. العمل بالقاعدة: صرح الشيخ ابن سعدي بأن العمل بهذه القاعدة هو مذهب الإمام أحمد، وأنه مذهب وسط بين قول من أجازه مطلقا وبين من منعه مطلقا3. والظاهر أن هذه النسبة إلى المذهب ليست على إطلاقها فقد قال ابن قدامة: "وإن لم يقدر على ذلك -أي على استيفاء حقه- لكونه جاحد لع ولا بيّنة له به، أو لكونه لا يجيبه إلى المحاكمة ولا يمكنه إجباره على ذلك، أو نحو هذا فالمشهور في المذهب أنه
ليس له أخذ قدر حقه" ثم نقل عن ابن عقيل1 قوله: "وقد جعل أصحابنا المحدثون لجواز الأخذ وجها في المذهب أخذا من حديث هند حين قال لها النبي صلى الله عليه وسلم: "خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف" 2. والعمل بهذه القاعدة هو مذهب الشافعية كما نص عليه النووي وغيره3، وقال الشيرازي: " ... وإن كان مُنْكرا ولا بينة له فله أن يأخذ فإن كان من غير جنس حقه باعه بنفسه وقيل: يواطئ من يقر له بحق عند الحاكم وأنه ممتنع ليبيع الحاكم عليه والأول أصح"4، ونقل ابن حجر عن أكثر الشافعية أنه يجوز أخذ الحق ولو أمكن تحصيله بالقاضي5. وعن المالكية روايتان والمشهور من مذهبهم عدم الجواز كما
نقله القرطبي وقال: "إن الصحيح هو عدم الجواز"1، وهو اختيار ابن العربي أيضا2، وقد نص الخرشي على أنه لا قطع على من سرق حقه ممن هو عليه مماطل له فيه سواء كان ما سرقه من جنس حقه أم لا3. وأما الحنفية فالظاهر من مذهبهم جواز ذلك إذا وجد صاحب الحق مالاً من جنس حقه، وعدم الجواز إذا وجد من غير جنسه. جاء في بدائع الصنائع4 ما نصه: " ... فإن كان المال في يدها وهو من جنس النفقة فلها أن تنفق على نفسها منه بغير أمر القاضي". من فروع القاعدة: 1- أخذ الزوجة من مال زوجها للإنفاق إذا امتنع، أو تعذر استئذانه5.
2- أخذ الدائن مال مدِينِه بقدر حقه إذا امتنع المدين، ونحوه الضيف إذا امتنع من نَزَل عنده عن قِراه1. وجه التيسير: تتضمن هذه القاعدة التيسير من وجهين: الأولى: تتعلق بصاحب الحق حيث سمح له الشارع بتحصيل حقه دون إذن من استُحق عليه ذلك إذا تعذر عليه أخذه بإذنه أو عن طريق الحاكم وفي هذا حفظ لحقه وتيسير عليه في طريق الوصول إليه؛ إذ قد يكون في المطالبة به عسر وخاصة إذا كان مما يتجدد كالنفقات ونحوها. الثانية: تتعلق بمن عليه الاستحقاق وذلك أنه تبرأ ذمته مما عليه بعسر علمه أو بغير إذنه؛ إذ ربما لو علم أو استُأذِن لم يؤدِّ
فيبقى ذلك متعلقا بذمته فيكون من باب قوله صلى الله عليه وسلم: "انصر أخاك ظالما أو مظلوما". قالوا: يا رسول الله هذا ننصره مظلوما فكيف ننصره ظالما؟ قال: "تأخذ فوق يديه" 1. فمصلحة صاحب الحق دنيوية، ومصلحة صاحب من عليه الحق أخروية، والله أعلم.
القاعدة الثانية والأربعون: النسيان والجهل مسقطان للإثم مطلقا.
القاعدة الثانية والأربعون النسيان والجهل مسقطان للإثم مطلقا ذكر هذه القاعدة السيوطي1 وأفرد الخبر فقال: "مُسْقِطٌ"، وأطلق الزركشي حكمها في حق الجاهل بالتحريم2 وفرق في حق الناسي بين الأوامر والنواهي3، واعتبر النسيان عذرا في المنهيات دون المأمورات، وكذلك فعل المقري4، وأوردها ابن نجيم، وابن القيم، وابن اللحام في حق الناسي5، وذكرها ابن سعدي في حق الناسي والمخطئ6، وأفرد الزركشي قاعدة بمعناها في حق المخطئ
فقال: "الخطأ يرفع الإثم"1. ويبحث علماء الأصول مسائل هذه القاعدة في شروط المكلف والعوارض التي تطرأ على أهليته للتكليف2. معاني المفردات: النسيان لغة: خلاف الذِّكر والحفظ، وأصل المادة دال على إغفال الشيء، ويطلق على الترك كما في قوله تعالى: {نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ} 3. واصطلاحا: عُرِّف بأنه الغفلة عن معلوم في غير حالة السّنة4.
وذكر الأصوليون له عدة تعريفات لم يسلم أكثرها من اعتراض. منها: أنه معنى يعتري الإنسان بدون اختياره فيوجب الغفلة عن الحفظ. ومنها: أنه جهل الإنسان ما كان يعلمه ضرورة مع علمه بأمور كثيرة لا بآفة. وقال بعضهم: هو أمر بديهي لا يحتاج إلى التعريف1. والجهل لغة: خلاف العلم، وأصل مادة العلم دال على أثر بالشيء يتميز به عن غيره2. واصطلاحا قيل: هو اعتقاد الشيء على خلاف ما هو عليه3، وقيل: إنه انتفاء العلم بالمقصود، وقيل: غير ذلك4. والصحيح -فيما يظهر لي- أن تعريف الجهل يجب أن يشمل
الأمرين أعني عدم العلم بمعنى خلو الذهن عن حكم ما، وبمعنى اعتقاد الشيء على خلاف ماهو عليه ليشمل نوعي الجهل1. ولذلك فقد عرفه صاحب التلويح بأنه عدم العلم عما من شأنه العلم، ثم قال: "فإن قارن اعتقاد النقيض فمركَّب -وهو المراد بالشعور بالشيء على خلاف ماهو عليه- وإلا فبسيط وهو المراد بعدم الشعور"2. مسقط: اسم فاعل من أسقط، والسقوط هو الوقوع3. الإثم في اللغة: الذَّنْب4. ومعناه في الاصطلاح لا يعدو هذا المعنى اللغوي فقد عرف بأنه: ما يجب التحرز منه شرعا وطبعا5. مطلقا: تقدم بيان معنى المطلق لغة6. وفي اصطلاح الأصوليين هو: اللفظ المتناول واحدا غير معين
بعتبار حقيقة شاملة لجنسه1، والمراد به -هنا- المنفك عن القيد. الخطأ لغة: نقيض الصواب، وأصله دال على التعدي والذهاب فالخاطئ متجاوز للصواب2. وفي الاصطلاح عُرِّف بأنه: ماليس للإنسان فيه قصد، وقيل: وقوع الشيء على خلاف ما أريد، فهو على هذا ضد العمد3. المعنى الإجمالي: أن من فيه أهلية التكليف إذا عرض له الجهل4 بحيث لم يعلم تحريم شيء ما ففعله، أو لم يعلم وجوب أمر ما فتركه فإن الإثم المترتب على فعل المحرم أو ترك الواجب يسقط عنه وكذلك الحال
بالنسبة إلى من عرض له النسيان وما في حكمه1 بمعنى أن يكون في الأصل عالما بالحكم لكنه لم يتذكره حال الحاجة إليه2، وكذلك من فعل شيئا من ذلك دون أن يقصده. وتعبير السيوطي وغيره بقولهم: "مُسقط للإثم" أو "يرفع الإثم" يُقصد منه -فيما يظهر- الإشارة إلى أن التكليف باق في حق هؤلاء ولكن الله تعالى عذرهم تخفيفا. قال الزركشي نقلا عن الإمام الشافعي: "إن الجهل لا يمنع التكليف وإلا لكان الجهل خير من العلم وإنما خفف الله عن الجاهل بإسقاط الإثم عنه"3. وقد صرح كثير من العلماء بأن الجهل والنسيان والخطأ لا تنافي التكليف وذلك شامل لأهلية الوجوب، وأهلية الأداء؛ لأن متعلَّق الأهلية هو الذمة والعقل والتمييز وهذه العوارض الثلاثة لا تزيل هذه المقومات وإنما تكون عذرا عند وجودها4.
ويشمل سقوط الإثم عنهم ما كان متعلقا بحقوق الله تعالى، وما كان متعلقا بحقوق الآدميين، ولعل هذا هو معنى قولهم في القاعدة: "مطلقا". أما من حيث القضاء، أو الإعادة بعد زوال العارض فإن الأدلة دالة على أن الناسي يقضي ما نسيه إذا كان مما يتصور فيه القضاء كالصلاة؛ لأنه لم يؤد عليه، وهذا هو معنى تفرقة من
فرق بين الأوامر والنواهي في حال النسيان1، ويدل على لزوم القضاء قوله صلى الله عليه وسلم: "من نسي صلاة فليصل إذا ذكرها لا كفارة لها إلا ذلك {وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي} 2"3. وأما الأمر بإتمام الصوم وعدم الأمر بالقضاء في حق من أكل أو شرب وهو صائم ناسيا فقد ورد به النص4، وهو أيضا ليس كصفة نسيان الصلاة ولذا فقد قسم بعض العلماء النسيان من حيث تأثيره في حقوق الله تعالى (في الدنيا) إلى قسمين: الأول: معفو عنه وهو ما يلازم الطاعات -غالبا- إما لوجود الطبع الداعي إليه كأكل الصائم وشربه ناسيا، وإما بالنظر إلى
الغالب من حال البشر كنسيان التسمية على الذبيحة لأن حالة الذابح تجعله عرضة لنسيانها غالبا. والثاني: غير معفو عنه وهو مالا يكون على هذه الصفة كما إذا وجدت الحالة الداعية إلى التذكر كأكل المصلي في صلاته ناسيا ونحوه1. ومع ذلك فقد ذهب بعض العلماء إلى أن من أكل أو شرب ناسيا وهو صائم فعليه القضاء2. والأدلة دالة على أن الجاهل إذا علم في وقت تلك العبادة التي جهل حكمها أو صفتها فإنه يعيد لحديث المسيء في صلاته حيث قال له صلى الله عليه وسلم: "ارجع فصل فإنك لم تصل" 3. وأما إذا علم بعد فوات الوقت، أو كان مما لا يمكن تداركه فظاهر كثير من الأدلة يدل على أنه لا قضاء عليه. ومن تلك الأدلة حديث أبي ذر رضي الله عنه قال: "كنت
أعزُب1 عن الماء ومعي أهلي فتصيبني الجنابة فأصلي بغير طهور فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بنصف النهار وهو في رهط من أصحابه وهو في ظل المسجد. فقال صلى الله عليه وسلم "أبو ذر"؟ فقلت: نعم، هلكت يا رسول الله. قال: "وما أهلكك؟ " قلت: إني كنت أعزب عن الماء ومعي أهلي فتصيبني الجنابة فأصلي بغير طهور فأمر لي رسول الله صلى الله عليه وسلم بماء فجاءت به جارية سوداء بعُسّ2 يتخضخض ماهو بملآن فتسترت إلى بعير فاغتسلت ثم جئت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا أبا ذر إن الصعيد الطيب طهور وإن لم تجد الماء إلى عشر سنين فإذا وجدت الماء فأمسَّه جلدك"3. ووجه دلالته أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يأمره بقضاء ما صلاه بدون طهارة جاهلا. وقد قسّم بعض علماء الأصول الجهل من -حيث اعتباره عذرا أو عدم اعتباره- إلى أنواع ونصوا خلالها على أنه لا قضاء
على من جَهِلَ من المسلمين إذا كان في دار حرب ولم تبلغه التكاليف1. وأما المخطئ فإنه يجزئه ما فَعَلَه خطأً في الغالب كمن اجتهد فأخطأ في القبلة وصلى إلى غير قبلة فإن صلاته صحيحة كما ثبت ذلك في السنة2.
وأما الضمان فالأكثرون على أنه يلزم الجاهل، والناسي، والمخطئ ولا يسقط عنهم بتلك الأعذار. قال ابن رجب رحمه الله تعالى: " ... والأظهر -والله أعلم- أن الناسي والمخطئ إنما عُفي عنهما بمعنى رفع الإثم عنهما؛ لأن الإثم مترتب على المقاصد والنيات والناسي والمخطئ لا قصد لهما فلا إثم عليهما، وأما رفع الحكم عنهما فليس مرادا من هذه النصوص فيحتاج في ثبوتها ونفيها إلى دليل آخر1. وذهب البعض إلى أن الجاهل والناسي والمخطئ غير مكلفين فيسقط عنهم الإثم، والقضاء وهو ظاهر كلام ابن قدامة حيث قال -عند كلامه عن حديث "رفع عن أمتي ... " 2-: "المراد رفع حكمه، ثم قال: وقيل: المراد رفع حكمه الذي هو المؤاخذة لا نفي الضمان ولزوم القضاء"3.
قال الشيخ محمد الأمين رحمه الله: "اعلم أن ما جزم به المؤلف (رحمه الله) من كون الناسي والنائم غير مكلفين يشكل عليه وجوب قضاء الصلاة والإجماع على أنها قضاء"1. الأدلة: يستدل لصحة هذه القاعدة بالآتي: أولا: عموم الأدلة الدالة على يُسر الشريعة كقوله تعالى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} 2، وقوله عز وجل: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} 3، وبقوله تعالى: {لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا} 4. ثانيا: قوله تعلى: {رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} 5 الآية. وفي الحديث: " ... فأنزل الله عز وجل: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً
إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} قال نعم {رَبَّنَا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا} قال: نعم {رَبَّنَا وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ} قال: نعم {وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} قال: نعم"1. فهذه الآية مع الحديث نص على أن الناسي، والمخطئ غير مؤاخذين والخطأ قد يطلق بمعنى الجهل2. ثالثا: حديث: "إن الله تجاوز عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه" 3. رابعا: الأحاديث الدالة على عدم مؤاخذة الناسي خاصة كحديث: "من نسي وهو صائم فأكل أو شرب فليتم صومه فإنما أطعمه الله وسقاه" 4.
وحديث أبي ذر المتقدم. والأحاديث الدالة على عدم مؤاخذة الجاهل خاصة كحديث الأعرابي الذي بال في طائفة المسجد فأرشده رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديث أبي بكرة1 رضي الله عنه أنه انتهى إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو راكع فركع قبل أن يصل إلى الصف فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: "زادك الله حرصا ولا تَعَد" 2، والأحاديث في هذا المعنى كثيرة جدا بين فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم الصواب لمن أخطأ دون تعنيف، أو ما يشعر بوقوعه في الإثم3. والأحاديث الدالة على عدم إثم المخطئ خاصة. ومن ذلك حديث: "إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله
أجران، وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر"1 والحديث صريح في سقوط الإثم عن المخطئ. بل في ثبوت الأجر لمن أخطأ في الاجتهاد. العمل بالقاعدة: هذه القاعدة محل اتفاق بين العلماء من حيث الجملة2 وهي من القواعد المتقررة شرعا وقد تقدم ذكر عدد من فقهاء المذاهب لهذه القاعدة. على أن هناك بعض التفصيل فيما يعذر فيه بالجهل ومالا يعذر وقد تقدمت الإشارة إلى ذلك. من فروع القاعدة: فروع هذه القاعدة كثيرة جدا؛ إذ تطبق في كل ما يتصور فيه الجهل والنسيان، وقد استثنى من ذلك بعض الصور. على أم الفقهاء قليلا ما يتعرضون لمسألة الإثم أو عدمه، ومن فروعها:
1- من نسي صلاة حتى خرج وقتها فلا إثم عليه ويلزمه أن يصليها متى ذكرها1. 2- من أكل أو شرب ناسيا صومه فلا إثم عليه ويتم صومه ويصح2. 3- من فعل شيئا من محظورات الإحرام جاهلا بتحريمها أو ناسيا فلا إثم عليه، وإن قال بعض الفقهاء: إن عليه الفدية3 وجه التيسير: التيسير في هذه القاعدة ظاهر؛ لأن الله تعالى لم يكلف عباده مالا يطيقون فأسقط عنهم الإثم المترتب على ترك الواجب أو فعل المحرم في حال النسيان، أو الجهل، أو الخطأ؛ لأنها أمور تطرأ على المكلف فتؤثر في أهليته للتكليف بحيث لا يقدر معها على الامتثال الصحيح فَعَذَر الله تعالى عبده في حال طروء أحد هذه الأمور عليه فلله الحمد والفضل.
المجلد الثاني
المجلد الثاني القسم الأول: القواعد. القاعدة الثالثة والأربعون: النفل أوسع من الفرض. ... القاعدة الثالثة والأربعون: النفل أوسع من الفرض. نص على ذكر هذه القاعدة السيوطي1، والزركشي ولفظها عنده ((النفل أوسع بابا من الفرض)) 2، ولم أقف على من ذكرها غيرهما في صيغة قاعدة. لكن معناها قد ورد على سبيل التعليل عند عدد من الفقهاء3، وذكر ابن سعدي عددا من الفروع التي اختلف فيها الفرض عن النفل بما يدل على معنى القاعدة4. معاني المفردات: النفل: تقدم بيان معناه 5. الفرض: تقدم معناه6.
المعنى الإجمالي: المراد أن الشارع يتسامح في النوافل، والتطوع أكثر مما يتسامح في الفروض -على أن الجميع لا يخرج عن مبدأ اليسر- فيصح في النفل مالا يصح في الفرض من جنسه، لكونه النافلة أخفض درجة من الفرض، والقاعدة أن ((الفرض أفضل من النفل)) 1، لقوله صلى الله عليه وسلم: "إن الله قال: من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إليّ عبدي بشيء أحب مما افترضه عليه ... " الحديث2؛ ولأن الفرض هو الأصل. الأدلة: أولا: الأحاديث الدالة على صحة نافلة الصلاة على الراحلة في السفر وإن كان إلى غير القبلة مع عدم العذر، وعدم صحة ذلك في المكتوبة، ونمها: 1- ما رواه جابر رضي الله عنه قال: "كان رسول الله
صلى الله عليه وسلم يصلي على راحلته حيث توجهت به فإذا أراد الفريضة نزل فاستقبل القبلة1. 2- وما رواه ابن عمر رضي الله عنهما قال: "كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي في السفر على راحلته حيث توجهت به يومئ إيماء صلاة الليل إلا الفرائض، ويوتر على راحلته"2، والأحاديث في هذا المعنى كثيرة جدا3، وقد تضمنت التفرقة بين الفرض والنفل. ثانيا: الأحاديث الدالة على جواز صلاة النفل قاعدا مع القدرة على القيام ومنها: حديث عائشة رضي الله عنها: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم
يصلي ليلا طويلا فإذا صلى قائما ركع قائما وإذا صلى قاعدا ركع قاعدا"1. قال الإمام النووي: "فيه جواز النفل قاعدا مع القدرة على القيام وهو إجماع العلماء"2. ثالثا: الأحاديث الدالة على جواز صوم التطوع بنية من نهار وعدم جواز ذلك في الفرض -وهو قول كثير من العلماء-، وجواز إفطار الصائم تطوعا من غير عذر وعدم جواز ذلك في الفرض ومنها: 1- حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: "دخل علي النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم فقال: "هل عندكم شيء؟ " فقلنا:
لا. قال: "فإني إذن صائم"، ثم أتانا يوما آخر فقلنا: يا رسول الله أهدي لنا حَيْس1 فقال: "أرينيه فلقد أصبحت صائما" فأكل"2. فالحديث دال على الأمرين معا3. 2- حديث أم هانئ4 رضي الله عنها "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل عليها فدعا بشراب فشرب، ثم ناولها فشربت فقالت: يا رسول الله أما إني كنت صائمة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الصائم المتطوع أمين نفسه إن شاء صام وإن شاء أفطر"5.
العمل بالقاعدة: تقدم أن بعض الفقهاء قد نص على هذه القاعدة، وأن بعضهم أشار إليها على سبيل التعليل لبعض الأحكام، ومن المسائل التي فرق فيها الفقهاء بين الفرض والنفل الصلاة على الراحلة، حيث جوَّزوا صلاة النافلة على الراحلة للمسافر دون عذر مانع من النزول ولو توجهت به راحلته إلى غير القبلة ونقل الإجماع على هذا عدد من أهل العلم1، ولم يجيزوا ذلك في الفرض إلا مع العذر، واشترط بعضهم في ذلك أن تكون الراحلة متجهة نحو القبلة2، وكذلك مسألة الصلاة قاعدا مع القدرة على القيام فإن ذلك جائز في النفل دون الفرض3 وقد نُقل الإجماع عليه أيضا4 وعلى هذا
فالقاعدة من حيث الجملة محل اتفاق. وما تقدم من فروع القاعدة مغنٍ عن إعادتها. وجه التيسير: وجه التيسير أن الله تعالى شرع لعباده الفرائض وشرع لهم من جنسها نوافل1؛ ليزدادوا بها تقربا إليه تعالى وليُكمَل بها ماقد يقع من الخلل في الفريضة2 وكان من لطف الله تعالى بعباده أن سامح في هذه النوافل أو بعضها نوع مسامحة فلم يوجب
فيها كل ما يجب في الفرض مع أن الأصل المطالبة1 وذلك من أجل أن يسهل على المكلفين طريق الازدياد في الخير فضلا من الله ونعمة. جاء في كتاب الاختيار في تعليل المختار (في الفقه الحنفي) : "ويجوز ذلك -أي صلاة النافلة قاعدا-؛ لفعله صلى الله عليه وسلم؛ ولأن صلاة خير موضوع فربما شق عليه القيام فجاز ذلك إحرازا للخير"2. يضاف إلى هذا أن الفرض محدود أما النافلة فهي غير محدودة بحد في الغالب وأنها في حكم التبرع فناسب التخفيف فيها3، والله أعلم.
القاعدة الرابعة والأربعون: نية الأداء تنوب عن نية القضاء، وعكسه.
القاعدة الرابعة والأربعون: نية الأداء تنوب عن نية القضاء، وعكسه. أورد هذه القاعدة الونشريسي بصيغة الاستفهام1، وأشار إليها عدد من الفقهاء وإن يسوقوها مساق القاعدة، ومن هؤلاء العلائي2، والسيوطي3، وابن نجيم4. معاني المفردات: النية: تقدم بيان معناها5. الأداء: تقدم بيان معناه6. القضاء لغة: الحكم، ويطلق بمعنى الانتهاء وبلوغ الغاية7.
وفي اصطلاح الأصوليين والفقهاء: فعل العبادة بعد وقتها المقدر لها شرعا1. المعنى الإجمالي: المراد أن العبادة ذات الوقت المعين التي يُتَصَوَّر فيها الأداء، ويتصور فيها القضاء2 تصح إذا فعلت في وقتها المقدر لها شرعا -أي في وقت الأداء- بنية القضاء، أو فعلت بعد وقتها المقدر –أي في وقت القضاء- بنية الأداء. وقد قيد كثير من العلماء ذلك بأن لا يكون مُتعمَّدا، لأنه في حالة التعمد يكون عبثا ممنوعا3.
الأدلة: لم أقف على شيء من النصوص يدل على هذه القاعدة ولكن يمكن التعرف على مبناها من خلال ما ذكره بعض الفقهاء من تعليلات لصحتها. فقد قال العلائي معللا لقول من قال بصحة تأدية العبادة بنية القضاء وعكسه إذا لم يتعمد: "فالأوقات ليست قُربة ولا صفة للقربة وإنما تذكر في النية لتمييز المرتبة"1. وجاء في منح الجليل شرح مختصر خليل2 (في الفقه المالكي) : " ... وإذا لم ينو الأداء في التي حضر وقتها، أو لم ينو ضده –أي القضاء- في التي خرج وقتها فلا تبطل والوقت يستلزم الأداء وخروجه يستلزم القضاء". ولذا فقد بنى ابن نجيم المسامحة في نية الأداء والقضاء على أنه أتى بأصل النية لكنه أخطأ في الظن والخطأ في مثله معفو
عنه1. والمقصود بأصل النية أنه قد عين في قلبه ظهر اليوم الذي يريد صلاته مثلا فلا يضر وصفه له بكونه أداء أو قضاء2. العمل بالقاعدة: يتضح مدى إقرار الفقهاء لهذه القاعدة وعملهم بها من النظر في فرعين من فروعها: أحدهما: من صلى الفريضة بنية الأداء فبان أنه صلى بعد خروج الوقت فإنه يكون قد صلى قضاء بنية الأداء، وعكسه من صلى بنية القضاء يظن الوقت قد خرج فبان أنه في الوقت حيث يكون قد صلى أداء بنية القضاء. والثاني: الأسير إذا اشتبهت عليه الأشهر فصام بنية الأداء، ثم تبين أنه صام بعد انقضاء الشهر فإنه يكون قد صام قضاء بنية الأداء، وعكسه مالو صام بنية القضاء يظن الشهر قد انقضى فبان صيامه فيه فإنه يكون قد صام أداءً بنية القضاء.
وقد ذهب الحنفية والمالكية، والحنابلة إلى صحة صلاة المصلي في الفرع الأول في الحالين1، وهو الذي صححه النووي من أقوال أربعة نقلها عن الشافعية2، وذهب الجميع إلى صحة الصيام في الفرع الثاني في الحالين3. فظهر من هذا أن الغالب عمل الفقهاء بهذه القاعدة، وإن كان قد يرد عليها بعض الاستثناءات4. وأوضح فروع القاعدة الفرعان اللذان تقدم ذكرهما قريبا وهما
صلاة الفريضة، وصوم رمضان. وذكر السيوطي فروعا أخر منها: نية الأداء في قضاء الحج أو العكس، وكذا صلاة الجنازة حيث ذكر أن وقتها محدود بالدفن فيتصور فيها الأداء والقضاء1. وجه التيسير: يظهر التيسير في هذه القاعدة من جهة أنه قد يشتبه على المكلف وقت أداء عبادة ما بوقت قضائها، بحيث لا يعلم في وقت فعله للعبادة هل هي أداء أو قضاء فينوي عكس ما عليه الحال فجعل الله تعالى ذلك عذرا في حقه وأباح له أن تقوم نية كل واحد منهما مقام الأخرى، وإن كان الأصل أن الأعمال بالنيات وأن لكل امرئ ما نوى.
القاعدة الخامسة والأربعون: الواجب ــ في النية ــ استصحاب حكمها لاذكرها.
القاعدة الخامسة والأربعون: الواجب في النية استصحاب حكمها لا ذِكرُها1. أورد المقري هذه القاعدة بلفظ قريب من هذا اللفظ2، وأورد ابن عبد السلام ما يدل على معناها3، وصرح به القرافي، والزركشي، وابن نجيم4، ونص السبكي على أن كل نية تجب مقارنتها لأول العمل، ولم يصرح بعدم لزوم استحضارها في أثنائه5.
معاني المفردات: النية: تقدم بيان معناها. استصحاب: الاستصحاب في اللغة طلب الصحبة. يقال: استصحبه إذا دعاه إلى الصحبة، والصحبة هي مقارنة الشيء ومقاربته1. وفي اصطلاح الأصوليين يعرف بأنه الحكم بثبوت أمر في الزمان الثاني بناء على أنه كان ثابتا في الزمان الأول، ويعرف بغير هذا. المعنى الإجمالي: إذا كان العمل مما لا يصح إلا بنية كالصلاة والصوم فإنه يكفي أن يحصِّل المكلف النية عند أول جزء من أجزاء العمل أو قبله على حسب العبادة وعلى حسب اختلاف الفقهاء في تقديم النية
ولا يلزمه أن يستحضرها في جميع أجزاء العمل. بل يستصحب حكمها1 بحيث يكون الأصل بقاؤها فلا تزول إلا بنية الخروج من ذلك العمل ولو ذهل عن استحضارها في بعض أجزاء العبادة لم يضره ذلك، ولم يؤثر في صحة العبادة مع أن الأصل وجوب ملازمة النية لكل جزء من أجزاء العبادة لكون النية شرطا في صحة كل العبادة2. لكن لعُسرِ ذلك لم يلزم، وقد نقل بعضهم الاتفاق على استحبابه3. ويجدر التنبيه هنا إلى أن الفقهاء قد استثنوا من وجوب تعلق النية بأول الفعل ما يكون ذلك فيه مؤديا إلى مشقة كالصوم؛ لكون أول وقت الصوم عرضة لأن يكون المكلف فيه نائما أو غافلا فأجازوا تقدم النية على العمل واستصحابها في سائر العمل مالم
معها غير مستحضر لنية الصلاة1. 2- روي عن عمر رضي الله عنه أنه قال: "إني لأجهز جيشي وأنا في الصلاة"2. ووجه الدلالة منه كوجه الدلالة من الحديث. 3- قياس الصلاة على الصوم فإن الصوم متفق على عدم لزوم استحضار النية له في جميع النهار؛ إذ قد ينام الإنسان وقد يغفل ولا يضره ذلك3. 4- كون استحضار حقيقة النية في كل أجزاء العبادة مما يشق على المكلف مشقة عظيمة بل قد يستحيل، وقد علل المقري بهذا في نصه على القاعدة4.
العمل بالقاعدة: ذهب أكثر الفقهاء من أهل المذاهب الأربعة إلى صحة هذه القاعدة فقد تقدم تصريح المقري بها على أنها من قواعد الفقه المالكي، وكذلك إيراد بعض علماء الشافعية لها. وقد صرحت كتب الفروع بهذا الحكم. فقد نقل ابن نجيم عن محمد أنه لو نوى عند الوضوء أن يصلي الظهر أو العصر مع الإمام ولم يشتغل بعد النية بما ليس من جنس الصلاة إلا أنه لما انتهى إلى مكان الصلاة لم تحضره النية جازت صلاته بتلك النية، ونقل عن عامتهم عدم المخالفة في هذا، وردَّ ابن عابدين في حاشيته على من أوجب استحضار النية منهم1. وفي مواهب الجليل من كتب الفقه المالكي: "أن من شروط النية في الوضوء أن تكون مقارنة للمنوي؛ لأن أول العبادة لو عرا عن النية لكان أولها مترددا بين القربة وغيرها، وآخر الصلاة مبني على أولها"، ثم قال: "إن النية تنقسم بحسب ما يعرض لها إلى قسمين فعلية موجودة، وحكمية معدومة فإذا كان في أول العبادة فهذه نية فعلية ثم إذا ذُهِلَ عنها فهي نية حكمية بمعنى أن الشرع
حكم باستصحابها ... "الخ1. ونص الإمام الشافعي على هذا الحكم فقال: "وإذا توضأ ينوي الطهارة ثم عزبت2 عنه النية أجزأته نية واحدة فيستبيح بها الوضوء مالم يحدث نية أن يتبرد أو يتنظف بالماء لا يتطهر به"3، وقال: نحوه في الصلاة4. وجاء في المغني: "استصحاب حكم النية دون حقيقتها بمعنى أنه لا ينوي قطعها، ولو ذهل عنها أو عزبت عنه في أثناء الصلاة لم يؤثر ذلك في صحتها"5. من فروع القاعدة: 1- نية الوضوء حيث تحصل بتحصيلها في أوله ولو ذهل عنها في أثنائه وهذا على القول بوجوبها أو سنيتها6.
2- نية الصلاة كذلك على ما تقدم1. 3- نية الصوم فلا يشترط مقارنتها لكل أجزاء اليوم. بل يكفي إيجادها في الليل إن كان الصوم واجبا، وأجاز بعض الفقهاء الصوم الواجب بنية من النهار2. وجه التيسير: لما كانت النية شرطا في صحة كثير من العبادات، وكان الأصل لزوم حضورها ومقارنتها لكل جزء من أجزاء العبادة، وكان في ذلك أعني استحضار النية في كل أجزاء العبادة من المشقة والحرج مالا يمكن للمكلف غالبا التحرز منه، سامح الشارع في اعتبار هذا الشرط، واكتفى بحضور النية حقيقة في أول العبادة واستصحاب حكمها في بقية العبادة بحيث لا يكون غيابها في أثناء تلك العبادة مؤثرا على صحتها رحمة من الله بعباده وتيسيراً عليهم3.
القاعدة السادسة والأربعون: يجزئ فعل غير المكلف عن المكلف في صور.
القاعدة السادسة والأربعون: يجزئ فعل غير المكلف عن المكلف في صور. ((صياغة)) أورد القرافي معنى هذه القاعدة عند بيانه الفرق بين قاعدة ما يجزئ فيه فعل غير المكلف عن المكلف وبين مالا يجزئ1. وأشار إليها المقري بعد أن بين أن ((الأصل في العبادات أن لا تُتَحمل)) 2 وألمح إليها الحصيري، وابن رجب، وابن سعدي عند بيانهم حكم من أدى عن غيره واجبا من حيث الرجوع عليه بما أداه عنه أو عدمه3. معاني المفردات: المكلّف: اسم مفعول من كلفه أي أمره بما يشق عليه4.
وفي الاصطلاح: هو من أُلْزِم بمقتضى خطاب الشرع. فقد عرف الأصوليون التكليف بأنه إلزام مقتضى خطاب الشرع1. المعنى الإجمالي: المراد بهذه القاعدة أنه يمكن أن يقوم في بعض الصور من لم يؤمر بفعل ما بالأداء عمن أمر به ووجب عليه وأمر به ومُخرجا له عن عهدة التكليف. فيكون المراد بغير المكلف هنا من لم يجب عليه ذلك العمل المعين لامن سقط عنه التكليف أصلا لصغر أو جنون أو نحوهما. وأكثر ما يكون ذلك في الحقوق المالية التي لا تفتقر إلى نية2، وأجازه الجمهور في الحج من العبادات3. وتعم هذه القاعدة الأحياء والأموات؛ لأن الميت قد يتعلق بذمته حال حياته واجب، ثم يموت قبل أدائه فيؤديه عنه ورثته
أو غيرهم تبرعا. ولا شك أنه إذا جاز ذلك تبرعا جاز من باب أولى إذا وصى المكلف به، أو وكل غيره1. أما مسألة العمل للميت ووصول الثواب إليه فمسألة أخرى لها حكمها المستقل؛ لأن المراد بها العمل عنه على سبيل إهداء الثواب لا على سبيل إبراء الذمة2. الأدلة: يدل لهذه القاعدة ما يلي: أولا: حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنه قال: "جاءت امرأة من خثعم فقالت: يا رسول الله إن فريضة الله على عباده في الحج أدركت أبي شيخا كبيرا لا يثبت على الراحلة أفأحج عنه؟ قال: "نعم". وذلك في حجة الوداع"3 قال ابن حجر: "وفي هذا الحديث من الفوائد جواز الحج عن الغير"4.
ثانيا: الحديث الآخر الذي رواه ابن عباس رضي الله عنه وفيه: " ... أرأيت لو كان على أمك دَين أكنت قاضيه؟ اقضوا الله، فالله أحق بالقضاء" 1. فقياسه صلى الله عليه وسلم حكم قضاء الحج عن الميت على قضاء الدين عنه دليل على صحة قضاء الدين عنه وإجزاء ذلك. قال الشوكاني: "وفيه تشبيه ما اختلف فيه وأشكل بما اتفق عليه"2. ثالثا: حديث عائشة رضي الله عنه وفيه: " ... قالت: فدُخِل علينا يوم النحر بلحم بقر فقلت: ما هذا؟ قال: نحر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أزواجه"3، وقد ترجم البخاري لهذا الحديث بقوله:
"باب ذبح الرجل البقر عن نسائه من غير أمرهن". قال الحافظ ابن حجر: "وأما قوله: "نت غير أمرهن" فأخذه من استفهام عائشة عن اللحم لما دخل به عليها ولو كان ذبحه بعلمها لم تحتج إلى الاستفهام"1. وقال: "واستدل به على أن الإنسان قد يلحقه من عمل غيره ما عمله عنه بغير أمره ولا علمه، وتُعُقِّب باحتمال الاستئذان"2. رابعا: حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: "بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر على الصدقة فقيل: منع ابن جميل3 وخالد بن الوليد4، والعباس عم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "ما ينقم ابن جميل إلا أنه كان فقيرا فأغناه الله، وأما خالد فإنكم
تظلمون خالدا قد احتبس أدراعه وأعتاده في سبيل الله، وأما العباس فهي عليَّ ومثلها معها"، ثم قال: "يا عمر: أما شعرت أن عمّ الرجل صنو أبيه"1. وقد تأول بعض العلماء قوله صلى الله عليه وسلم: "فهي عليّ ومثلها" بأنه صلى الله عليه وسلم تسلف منه زكاة عامين، أو غيره من الأوجه إحسانا للظن بالصحابة الكرام واستبعادا لأن يمنع العباس أو غيره من الصحابة رضوان الله عليهم الزكاة الواجبة2. إلا أنه يمكن أن يؤخذ منه بوجه من الوجوه صحة أداء الزكاة عن الغير إذا لم يكن من وجبت عليه جاحدا لوجوبها.
قال النووي: "وقال الذين لا يجيزون تعجيل الزكاة: معناه أنا أؤديها عنه"1. وقال ابن حجر: "ودلت رواية مسلم على أنه صلى الله عليه وسلم التزم بإخراج ذلك عنه لقوله "فهي عليّ"2. خامسا: استدل المقري على صحة الأداء عن الغير بحديث: "أدوا صدقة الفطر عمن تمونون" 3.
ومما يدل على صحة هذه القاعدة في حق الميت ما يلي: 1- الحديث المتقدم في الحج عن الميت1. 2- حديث: "من مات وعليه صوم صام عنه وليه" 2. 3- ما روي: "أن النبي صلى الله عليه وسلم أُتي بجنازة ليصلي عليها، فقال: "هل عليه من دين؟ " قالوا: لا، فصلى عليه، ثم أتي بجنازة أخرى، فقال: "هل عليه من دين؟ " قالوا: نعم، قال: "فصلوا على صاحبكم". قال أبو قتادة3: عليَّ دينه يا رسول
الله فصلى عليه"1. العمل بالقاعدة: قسم القرافي الأفعال المأمور بها إلى ثلاثة أقسام: قسم اتفق الناس على صحة فعل غير المأمور به عن المأمور وذلك كدفع المغصوب للمغصوب منه وإن لم يشعر الغاصب فإن ذلك يسد المسد ويزيل التكليف، ودفع النفقات للزوجات والأقارب والدواب فإن دفعها غير من وجب عليه لمن وجبت له أجزأت وإن لم يشعر المأمور بها من زوج أو قريب، وكذلك دفع اللقطة لمستحقها وإن لم يشعر ملتقطها وهذا النحو. وقسم اتفق الناس على عدم إجزاء فعل غير المأمور به وهو الإيمان والتوحيد والإجلال والتعظيم لله سبحانه وتعالى، ونَقَل حكاية الإجماع على ذلك في الصلاة أيضا، ثم نقل فيه خلافا عن بعض الشافعية. وقسم مختلف فيه هل يجزئ فعل غير المأمور عن المأمور ويسد المسد أم لا؟ وذكر من ذلك الزكاة، والحج عن الغير والصوم
عن الميت وعتق الإنسان عن غيره1. وقد أورد الفقهاء ما يدل على صحة التبرع بالأداء ممن لم يجب ذلك الحق عليه عمن وجب الحق عليه وخاصة في الحقوق المالية، وما يدل على براءة الذمة من الحق المالي بوصوله إلى صاحبه بأي طريق، قال المرغيناني: "ومن ضمن عن آخر خراجه ونوائبه وقسمته فهو جائز"2 وجاء في حاشية رد المحتار: "أن الردّ - أي رد المغصوب- يشمل الرد حكما، فلو وضَع الغاصبُ المغصوب بين يدي ماله برئ"3. قال الخرشي: "وصح -أي الضمان- من أهل التبرع"4، وقال: ":إن من غصب طعام فقدمه لربه ضيافة فأكله فإن الغاصب يبرأ من ذلك وسواء علم مالكه أنه له أم لا"5 فدل على أن الغاصب يبرأ إذا وصل المغصوب إلى مالكه من أي طريق. وقال الشيرازي من الشافعية: "إذا قضى الضامن الدين عن
المدين وقد كان ضمن بغير إذنه وقضى بغير إذنه لم يرجع، لأنه تبرع بالقضاء"1. وقال ابن قدامة: "فأما إن قضى الدين متبرعا به غير ناو للرجوع به فلا يرجع بشيء؛ لأنه تطوع بذلك فأشبه الصدقة"2، وبين أن مذهب الجمهور اشتراط النية لأداء الزكاة، ثم بين الفرق بينها وبين قضاء الدين بأن قضاء الدين ليس بعبادة3. وقال ابن تيمية: "وتبرأ ذمة كل غاصب يوصل المال إلى مستحقه ولو كان بغير فعل الغاصب"4. مما تقدم من النقول يظهر أن جمهور الفقهاء من المذاهب الأربعة على أنه يسقط الدين بأداء المتبرع وإن لم يعلم المدين، وكذلك ما في حكم الدين من رد المغصوب واللقطة، ونحوهما. وهذه النقول وإن كان بعضها منصبا على مسألة رجوع المتبرع على المدين ونحوه يفهم منها صحة الأداء عن الغير من حيث الجملة.
وإنما اختلفوا في تطبيقها على الزكاة ونحوها للاختلاف في اشتراط النية أو عدمه، والله أعلم. من فروع القاعدة: 1- رد المغصوب فإنه يحصل عند الأكثرين بوصوله إلى المغصوب منه بأي طريق كما تقدم. وأكثر الفقهاء لا يصرحون بحكم رد المغصوب من قبل شخص آخر غير الغاصب إلا أن ذلك يدخل في عموم صورة المسألة1. 2- وكذا الضمان وردّ الدين وما في معناها2. وجه التيسير: يتضح التيسير في هذه القاعدة إذا علمنا أنها استثناه من قوله تعالى: {وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنْسَانِ إِلاّ مَا سَعَى} 3، وأن الأصل في العبادة أن لا تتحمل4.
قال ابن العربي: "حديث الخثعمية أصل متفق عليه خارج عن القاعدة المعهودة في الشريعة أي أنه ليس للإنسان إلا ماسعى؛ رفقا من الله في استدراك ما فرط فيه المرء بولد"1. فإن الإنسان قد يعرض له ما يجعل القيام بالأمر الشرعي شاقا عليه مشقة لا تسقط التكليف عنه أو يكون فيه من الصفات مالا يقدر على التخلص منه إلا بمشقة كالشح بالمال فيسر الله تعالى عليه بأن جعل الأداء عنه ممكنا من غيره في بعض الأحوال وجعل ذلك مجزئا عنه ومبرئا لذمته، والله أعلم.
القاعدة السابعة والأربعون: يجوز تصرف الآحاد في الأموال العامة عند تعذر قيام الأئمة بذلك.
القاعدة السابعة والأربعون: يجوز تصرف الآحاد في الأموال العامة عند تعذر قيام الأئمة بذلك ذكر هذه القاعدة العز بن عبد السلام تحت عنوان "فصل في تصرف الآحاد في الأموال العامة عند جور الأئمة"1. وأشار إلى معنى القاعدة شيخ الإسلام ابن تيمية2، وكذلك فعل الجرهزي الشافعي3. وهي داخلة في عموم قاعدة ((الضرورات تبيح المحظورات)) ، أو قاعدة ((تدفع أعظم المفسدتين بارتكاب أخفهما)) . وهي متعلقة بقاعدة مشهورة هي قولهم: ((تصرف الإمام على الرعية منوط بالمصلحة)) 4.
معاني المفردات: الآحاد: جمع أحد وهو بمعنى الواحد1، والمراد أفراد الأمة. المعنى الإجمالي: الأصل في الأموال العامة أن يكون التصرف فيها لإمام المسلمين ولا يجوز لأحد من المسلمين التصرف فيها إلا بإذن الإمام2.
قال الشيخ ابن عبد السلام: "لا يتصرف في أموال المصالح العامة إلا الأئمة ونوابهم"1. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: "وإذا كان بيت المال مستقيما أمره بحيث لا يوضع ماله إلا في حقه ولا يمنع منه مستحقه فمن صرف بعض أعيانه أو منافعه في جهة من الجهات التي هي مصارف بيت المال بغير إذن الإمام فقد تعدى بذلك إذ أمر ولايته للإمام2. هذا هو الأصل مادام الإمام قائما فيه بمصلحة المسلمين ولذا قالوا: "التصرف على الرعية منوط بالمصلحة" فإذا تعذر أن يتصرف فيه الإمام على الوجه الصحيح إما لجور فيه، أو لعدم كفاءة أو نحوهما فإنه في هذه الحالة يجوز لمن تحصَّل في يده شيء من مال المصالح العامة وأمكنه أن يصرفه على وفق ما يقيم المصلحة العامة جاز له ذلك بشروط. أحدهما: أن يؤمن حدوث فتنة سدا لذريعة الاختلاف والشقاق3.
الثاني: ألا يكون متهما في ذلك التصرف كما لو أخذ المال لنفسه متأولا1، وربما كان في تقرير الفقهاء أن هذه القاعدة تنطبق فيما إذا تحصل في يد الكفؤ غير الإمام شيء من الأموال العامة تنبيه إلى تقييد ذلك الحكم بعدم الاستيلاء على الأموال العامة بالقوة؛ ولذا فإن العلماء كثيرا ما يمثلون لهذه القاعدة بما يكون في أيدي الناس من زكاة أموالهم أو مال من لا وارث له ونحوه2. الأدلة: استدل ابن عبد السلام لهذه القاعدة بعدد من الأدلة بعضها يدا عليها بعمومه من حيث عدم اختصاصها بالأموال وهي: 1- قول الله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} 3 وهذا بر وتقوى. 2- قول النبي صلى الله عليه وسلم: " ... والله في عون العبد ماكان العبد
في عون أخيه"1. 3- قوله صلى الله عليه وسلم: "كل معروف صدقة"2. وبعضها يدل عليها بخصوص كونه متعلقا بالأموال وهي: 4- أم رسول الله صلى الله عليه وسلم أجز لهند بنت عتبة أن تأخذ من مال زوجها أبي سفيان ما يكفيها وولدها بالمعروف3 مع كون المصلحة خاصة؛ فلأن يجوز ذلك في المصالح العامة أولى. 5- أن الشارع قد جوز لمن جُحِد حقه أن يأخذ من مال جاحده إذا ظفر به إن كان من جنس ما جُحد4.
6- أنه لو مُنع ذلك لفاتت مصالح صرف تلك الأموال إلى مستحقيها ولأثم أئمة الجور بذلك1. العمل بالقاعدة: اشتملت كتب الفروع في المذاهب الأربعة على نصوص تدل على العمل بهذه القاعدة بقيودها المتقدم ذكرها، وكثيرا ما يتعرض الفقهاء لهذا المعنى في باب الزكاة، لأنها من أغلب ما يتحصل في أيدي الناس من الأموال العامة وقد ذهب أكثرهم إلى جواز أن يلي المسلم إخراجها بنفسه وخاصة إذا لم يكن من يتولاها من قبل السلطان عدلا يضعها في موضعها، وإن كان الأصل فيها من حيث الجملة أنها أموال عامة يتولى أمرها السلطان2. فقد قال الحنفية: إن للمسلم أن يلي تفرقة زكاته بنفسه3. بل نقل السرخسي عن بعض أئمتهم بأنه أفتى بلزوم إعادة تأدية الزكاة إذا أديت إلى من لا يضعها موضعها4، وإلى ذلك ذهب
المالكية أيضا فيما إذا جار الإمام في صرف الزكاة أو أخذها، أما إذا كان عدلا، أو كان جائرا في غير هذين الأمرين فإنه يلزم دفعها إليه في الأموال الظاهرة والباطنة1، وأجاز الشافعية الأمرين أي دفعها إلى السلطان وإخراجها من قبل صاحب المال في الأموال الباطنة، واختلفوا في الأفضل على ثلاثة أوجه. ثالثها أن تدفع إلى السلطان إن كان عدلا، ويلي تفرقتها بنفسه إن كان الإمام جائرا، ويجوز عندهم الأمران كذلك في الأموال الظاهرة في المذهب الجديد2. أما الحنابلة فالأفضل عندهم أن يلي المزكي تفرقتها بنفسه على كل حال، ومن باب أولى إذا لم يكن السلطان ممن يضعها موضعها مع جواز دفعها إلى السلطان3، بل قد ذهب بعض العلماء إلى تحريم دفعها للسلطان الجائر4.
من فروع القاعدة: 1- من أظهر فروع هذه القاعدة الزكاة وقد تقدم القول فيها1. 2- مل من لا وارث له فإنه لبيت المال، فإن لم يستقم بيت المال جاز لمن هو في يده من آحاد الناس التصرف فيه بالمصالح العامة2. 3- ويقرب من ذلك اللقطة فإن منها ما لا يجوز لآحاد الناس التقاطه كالإبل. فإن حِفْظها من حق الإمام. لكن إذا تعذر حفظها من قبل الإمام لأي سبب فقد أجاز بعض الفقهاء لآحاد الناس التقاطها إذا ظن تلفها لو تركها3.
وجه التيسير: وجه التيسير في هذه القاعدة أن الشارع قد أعطى لعامة الناس الحق في التصرف في الأموال العامة التي يكون التصرف فيها في الأصل من حق الإمام1 إذا لم يقم الإمام بالتصرف فيها على الوجه الصحيح؛ وذلك من أجل القيام بمصالح عموم الناس ودفع الضر عنهم وقُيّد ذلك بالقيود التي سبقت الإشارة إليها موازنة بين المصالح والمفاسد.
القاعدة الثامنة والأربعون: يعمل بالقرعة عند تساوي الحقوق.
القاعدة الثامنة والأربعون: يعمل بالقرعة عند تساوي الحقوق. ((صياغة)) 1. أشار إلى معنى هذه القاعدة عدد من الفقهاء، وإن كان كثير منهم لم يسقها مساق القاعدة، ومن هؤلاء العز بن عبد السلام2، والقرافي3، والزركشي4، وابن رجب5، وابن نجيم6، وساقها ابن سعدي مساق القاعدة وصاغها بقوله: "تستعمل القرعة عند التزاحم ولا مميز لأحدهما، أو إذا علمنا أن الشيء لأحدهما وجهلناه"7.
معاني المفردات: القرعة لغة: هي السهم والنصيب، وأصل القرع ضرب شيء على شيء يقال: قَرَعَ الباب، أي دقه بالعصا إذا ضرب بها، والاقتراع: الاختيار، وقُرعه كل شيء: خياره1. وعُرفت في اصطلاح الفقهاء بأنها استهام يتعين به نصيب الإنسان2. المعنى الإجمالي: إذا احتاج المكلف إلى تعيين مبهم من جملة أفراده ولم يوجد دليل التعيين، أو تساوى المستحقون لشيء واحد ولم يمكن اشتراكهم فيه ولا مرجح لأحد المستحقين على غيره فاحتاج الإنسان إلى تخصيص أحدهم بالحق فقد جعل الشارع لذلك طريقا يمكن المكلف من تعيينه، ويصيب بواسطته الحق وهو القرعة. قال ابن القيم رحمه الله تعلى: "ومن طرق الأحكام الحكم بالقرعة، ثم قال: ومن الأسرار فيها أن الفقهاء اعتبروها بمثابة التفويض إلى الله؛ ليعين بقضائه وقدره ما ليس لنا سبيل إلى
تعيينه1. ولما كان العمل بالقرعة لا يصح إجراؤه على العموم في كل أمر فقد ضبط الفقهاء ما تجري فيه القرعة ومالا تجري فيه ببعض الضوابط. فقال ابن رجب: "تستعمل القرعة في تمييز المستحق ابتداء لمبهم غير معين عند تساوي أهل الاستحقاق، وتستعمل أيضا في تمييز المستحق المعين في نفس الأمر عند اشتباهه والعجز عن الاطلاع عليه، وتستعمل في الحقوق الاختصاص والولايات ونحوه"2. وجعل القرافي الضابط لما يصح الحكم فيه بالقرعة توافر شرطين: أحدهما: التساوي. والثاني: أن يكون قابلا للرضى بالنقل. فما فُقد فيه أحد الشرطين تعذرت فيه القرعة3.
وضبط ابن القيم ما تجري فيه القرعة بقوله: "إن الموضع الذي تلحق فيه التهمة شرعت فيه القرعة نفيا لها ومالا تلحق فيه لا فائدة فيها"1. الأدلة: ورد في القرآن الكريم، وفي السنة النبوية نصوص دلت على صحة العمل بالقرعة عند الحاجة إليها. فمن القرآن: 1- قوله تعالى: {وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ} 2. قال القرطبي: "استدل بعض علمائنا بهذه الآية على إثبات القرعة وهي في أصل شرعنا لكل من أراد العدل في القسمة وهي سنة عند جمهور الفقهاء في المستويين في الحجة"3. 2- قوله تعالى: {فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ} 4. قال ابن العربي عند بيانه أحكام هذه الآية: "نصٌ على
القرعة وكانت في شريعة من قبلنا جائزة في كل شيء على العموم على ما يقتضيه موارد أخبارها في الإسرائيليات وجاءت القرعة في شرعنا على الخصوص"1. وقال الإمام الشافعي: "فأصل القرعة في كتاب الله عز وجل في قصة المقترعين على مريم والمقارعين يونس عليه السلام"2. ومن السنة: 1- ما جاء في الصحيحين: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد سفرا أقرع بين أزواجه فأيتهن خرج سهمها خرج بها معه ... " الحديث3. 2- ما جاء في الصحيحين أيضا عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لو يعلم الناس ما في النداء
والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا ... " الحديث1. 3- حديث عمران بن حصين: "أن رجلا اعتق ستة مملوكين له عند موته لم يكن له مال غيرهم فدعا بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فجزأهم أثلاثا، ثم أقرع بينهم فأعتق اثنين وأرقّ أربعة، وقال له قولا شديدا"2. العمل بالقاعدة: ذهب جمهور المالكية، والشافعية، والحنابلة إلى الأخذ بالقرعة واعتبارها طريقا للإثبات عند التساوي وعدم إمكان التعيين أو الترجيح3. وعملوا بها في عدة مواضع منها:
الإقراع بين الزوجات في السفر1، والإقراع في القسمة2، والإقراع بين العبيد المعتقين إذا لم يصح عتقهم جميعا3. أما الحنفية فقد ذهبوا إلى أن الحكم بالقرعة منسوخ4 فلا يصح العمل بها في إثبات الحق لكنهم استحبوها تطييبا للنفوس. كما قال الكاساني5 معللا عدم وجوب القرعة بين الزوجات في السفر: "لأن بالقرعة لا يعرف أن لها حقا في حالة السفر أولا فإنها -أي بالقرعة- لا تصلح لإظهار الحق أبدا لاختلاف عملها في نفسها فإنها لا تخرج على وجه واحد، بل مرة هكذا، ومرة هكذا، والمختلف فيه لا يصلح دليلا على شيء. لكن الأفضل
أن يقرع بينهن تطييبا للنفوس فيخرج بمن خرجت قرعتها تطييبا لقلوبهن ودفعا لتهمة الميل عن نفسه"1. ولا يلزمه الخروج بمن خرجت قرعتها2. وقد مضى ذكر بعض فروع القاعدة. وجه التيسير: وجه التيسير هو أن الله تعالى جعل للمكلفين طريقا إلى تعيين أحد المتساويين مما لا سبيل لهم إلى تعيينه بواسطة البينة أو المرجح، وهو تفويض ذلك إلى قضاء الله وقدره وَجَل سبيل معرفة ذلك هو القرعة دفعا للضغائن والأحقاد التي قد تنشأ بين الناس من جراء الاختيار بين المتساويين بدون مرجح3.
القاعدة التاسعة والأربعون: يغتفر ضمنا ما لا يغتفر قصدا
القاعدة التاسعة والأربعون: يُغْتَفَر ضمنا مالا يُغْتَفَر قصدًا. وردت هذه القاعدة بعدة صيغ منها الصيغة المذكورة وهي التي أوردها ابن نجيم1 وبمعناها قول الكرخي، وغيره: "الأصل أنه قد يثبت الشيء تبعا وحكما وإن كان قد يبطل قصدا"2. ومنها لفظ آخر ذكره السيوطي، وابن نجيم، وغيرهما وهو: "يغتفر في التوابع مالا يغتفر في غيرها"3، وعند ابن رجب "يثبت تبعا مالا يثبت استقلالا"4، وقد ذكرت بصيغ أخرى لا تخرج عن هذا المعنى5.
وأوردها بعضهم في صورة ضابط متعلق ببعض أبواب الفقه، كقول الزركشي: "يغتفر في العقود الضمنية مالا يغتفر في الاستقلال"1، وقول ابن تيمية: "يجوز من الغرر اليسير ضمنا مالا يجوز من غيره"2 وبمعناها قولهم: "مالا يتم الجائز إلا به فهو جائز"3. وهي من القواعد المندرجة تحت القاعدة الأعم وهي: ((التابع تابع)) 4. واعتبرها البعض بمعنى القاعدة الأخرى: ((يغتفر في الدوام مالا يغتفر في الابتداء)) 5. معاني المفردات: يغتفر: الغفر في اللغة هو التغطية6.
وفي الاصطلاح: أن يستر القادر القبيح الصادر ممن تحت قدرته1. ضمنا: تقدم بيان معناه2. المعنى الإجمالي: تعني هذه القاعدة أن الشرع يتسامح فيما يقع ضمن شيء آخر مباح وتبعا له مالا يتسامح فيما لو كان هو المقصود أصلا فقد يبيح ما الأصل عدم إباحته لوقوعه ضمن أمر مباح وتبعا له. وقد يتسامح في بعض الشروط فلا يشترط في التابع ما يشترط في المقصود الأصلي وإن كانت صورتهما واحدة؛ وذلك للحاجة إليه؛ ولأنه يحصل ضرورة لثبوت متبوعه أو ماهو في ضمنه فلو منع منه لأدى إلى منع أصله المباح3. وبهذا تتضح علاقة قاعدة ((يغتفر ضمنا مالا يغتفر قصدا)) بقاعدة ((مالا يتم الجائز إلا به فهو جائز)) 4.
أما علاقتها بقاعدة ((الوسائل لها حكم المقاصد)) فهي علاقة عموم وخصوص، ويمكن إيضاحها بالقول: إن ما يقع تبعا لغيره هو في حكم الوسيلة له؛ لأنه لا يتحقق المقصود إلا ويتحقق تابعه وما في ضمنه. فإذا كان المقصود الأصلي مباحا كانت وسيلته وما يحصل تبعا له مباحا كذلك1. ولا ريب أن حكم هذه القاعدة يجب أن يقيد بعدم مخالفة النص أو الإجماع. الأدلة: يدل على صحة هذه القاعدة ما يلي: 1- حديث: "ذكاة الجنين ذكاة أمه"2. وذلك أن معنى الحديث على رأي الجمهور أن الجنين الذي
في بطن الناقة أو الشاة ونحوهما إذا خرج ميتا بعد ذكاة أمه فإنه يكون حلالا كالمذكى1، فقد جاز في الجنين باعتباره تابعا لأمه مالا يجوز في الأصل وهو حل أكله دون تذكيته حيث اعتبر الشارع تذكية أمه تذكية له. وهذا كالنص في القاعدة.
2- ما رواه عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم "أنه نهى عن بيع حَبَل الحَبَلَة" 1. ووجه الدلالة منه أن بعض الفقهاء قد فسر ذلك بالنهي عن بيع ولد الناقة الذي في بطنها2، وقد أجمعوا على عدم جواز بيع الحمل في البطن3 مع الاتفاق على جوازم بيع الناقة الحامل، والشاه ونحوها حيث لم يدل دليل على المنع منه فهو على أصل حل البيع4. قال النووي رحمه الله تعالى: "وقد يُحتمل بعض الغرر تبعا إذا دعت إليه الحاجة كالجهل بأساس الدار، وكما إذا باع
الشاه الحامل، والتي في ضرعها لبن فإنه يصح البيع؛ لأن الأساس تابع للظاهر من الدار، ولأن الحاجة تدعو إليه فإنه لا يمكن رؤيته وكذا القول في حمل الشاة ولبنها"1. 3- ذكر ابن تيمية أن بعض الفقهاء استدلوا بفعل عمر رضي الله عنه وهو ضرب الخراج على أرض السواد2 وغيرها حيث أقر الأرض التي فيها النخل والعنب في أيدي أهل الأرض وجعل على كل جريب3 من جُرب الأرض السواد والبيضاء4 خراجا مقدرا5 استدلوا به على أن مالا يتم الجائز إلا به فهو جائز.
ووجه استدلالهم به أن هذه المخارجة من عمر رضي الله عنه تجري مجرى المؤاجرة وقد أجمع العلماء على عدم جواز إجارة الشجر1، وإنما جازت هنا تبعا لإجارة الأرض البيضاء؛ لأنها جائرة ولا تتأتى إجارتها إذا كان فيها شجر إلا بإجارة الشجر، وفي هذا المعنى أيضا تجويز المزارعة2 عند بعض الفقهاء تبعا للمساقاة3، وإن كانت لا تجوز عندهم ابتداء4.
العمل بالقاعدة: تقدم أن عددا من فقهاء المذاهب الأربعة قد نصوا على هذه القاعدة، أو ذكروا من القواعد ما يدل على معناها. كما تقدم نقل الاتفاق على جواز بيع الحمل تبعا لأمه وعدم جواز بيعه مستقلا، ونقل النووي الإجماع على جواز بيع الجُبَّة المحشوة وإن لم يُر حشوها، ولو بيع حشوها بانفراده لم يجز1. وهذا كله دليل على أن هذه القاعدة معمول بها في المذاهب الأربعة. من فروع القاعدة: 1- يجوز بيع الحمل تبعا لأمه ولا يجوز بيعه منفردا2.
2- إذا أبق العبد المغصوب ضمنه الغاصب ومَلَكَه عند بعض الفقهاء، ولو اشتراه لم يجز وكذا كل مغصوب تعذَّر ردّه1. وجه التيسير: تتضمن هذه القاعدة التيسير من جهة أن الشرع يتسامح في ما كان تابعا لغيره بحيث يصح وإن لم تتحقق فيه كل الشروط المطلوبة أصلا، ويكتفي بتحققها في متبوعه فيجوز تبعا وضمنا مالا يجوز قصدا مراعاة لحاجات الناس، ولفظ "يغتفر" في القاعدة مشعر بهذا المعنى. والله أعلم.
القاعدة الخمسون: يغتفر في الابتداء ما لا يغتفر في الدوام.
القاعدة الخمسون: يغتفر في الابتداء مالا يغتفر في الدوام1. أورد كثير من الفقهاء هذه القاعدة بعد إيرادهم لعكسها وهي قاعدة ((يغتفر في الدوام مالا يغتفر في الابتداء)) إما على سبيل الإتباع لها، وإما على سبيل ذكر المستثنيات منها2. وابتدأ الزركشي بذكر قاعدة ((يغتفر في الابتداء)) وأعقبها بالأخرى3. معاني المفردات: يغتفر: تقدم بيان معناها4.
المعنى الإجمالي: معنى هذه القاعدة أن الشرع قد يتسامح في ابتداء الأمور أكثر مما يتسامح في دوامها فيجيز بعض الأمور إذا فعلت ابتداء. لكنه لا يجيز الاستمرار عليها لو طرأت أثناء الفعل، أو يجيزها ابتداء لغرض معين ولا يجيز الاستمرار عليها. مثال الأول ما ذكره ابن نجيم رحمه الله أنه يصح تقليد الفاسق القضاء ابتداء أما لو كان عدلا ابتداء ثم فسق فإنه ينعزل عند بعض العلماء بذلك. ومثال الثاني شراء المسلم أحد أبويه مثلا فإنه يصح ابتداء ليتسنى له عتقهما، لكن لا يصح دوامه والاستمرار عليه. الأدلة: يمكن الاستدلال لهذه القاعدة بحديث: "من ملك ذا رحم محرم فهو حر" 1، وحديث: "لا يجزئ ولد والدا إلا أن يجده مملوكا
فيشتريه فيعتقه"1. فإن هذين الحديثين يدلان على صحة شراء الإنسان ذا رحمه المحرَّم وامتلاكه ابتداء ولا يصح دوام استمرار ملكه له وإنما جاز ذلك ابتداء لما فيه من مصلحة تحريره من العبودية كما يبدو للناظر في المسائل التي مثل بها الفقهاء لهذه القاعدة حيث يجعلون علة ذلك مراعاة المصلحة بما ر يتنافى مع النصوص في كل حكم بحسبه، ففي المثالين اللذين ذكرهما ابن نجيم رحمه الله وهما: أن الفاسق يصح توليته القضاء ابتداء وينعزل لو فسق في أثناء توليه القضاء، وأنه يصح الإذن للعبد الآبق ابتداء ولو أبق بعد الإذن له بطل ذلك الإذن، يتبين أنهم قالوا فيهما: يغتفر في الابتداء مالا يغتفر في الدوام؛ لأن حالة النائب أو المأذون معلومة ابتداء فإذا ولاه القضاء وهو فاسق صح ذلك عند القائلين به لأنه ولاه مع علمه بفسقه، أما إذا ولاه وهو عدل فكأنه شَرَط ضمنا في توليته القضاء أن يكون عادلا فإذا تغير حاله بما يقتضي تغيير الحكم
وزواله لم يبق ذلك الحكم، وكذلك الإذن للعبد1. العمل بالقاعدة: نصت كتب الحنفية، والشافعية على وجود صور يغتفر فيها في الابتداء مالا يغتفر في الدوام كما تقدم. وأما المالكية فقد أورد الونشريسي منهم قاعدة ((الدوام على الشيء كابتدائه أم لا؟)) ، وقوله ((أم لا)) يشمل هذه القاعدة وعكسها، لكن أكثر أمثلته تدل على أنه يريد بها أنه قد يغتفر في الدوام مالا يغتفر في الابتداء2. وأما الحنابلة فلم أقف على من يشير إلى هذه القاعدة منهم، بل قد ورد ما يدل على أن الابتداء كالدوام كما في تعليل ابن قدامة عدم صحة شراء الكافر مسلما بأنه يُمنع استدامةُ ملكه عليه فَمُنع لبتداؤه كالنكاح3.
وإن كان هذا لا يمنع من أن يكون لهم من المسائل ما يغتفر فيه في ابتدائه مالا يغتفر في دوامه كمسألة ملك ذي الرحم وعتقه التي ورد النص بها فقد اتفق الفقهاء على أن ذا الرحم يعتق على مالكه، فذهب الجمهور إلى أنه يعتق بمجرد ملكه، وذهب البعض إلى أنه لا يعتق إلا أن يُنشئ مالكه عتقا1. وقد فرع الفقهاء على هذه القاعدة عددا من المسائل يرجع غالبها إلى قاعدة أخرى تقدمت وهي: ((من تعلق به الامتناع من فعل متلبس به فبادر إلى الإقلاع لم يكن ذلك فعلا للممنوع ... )) 2. وجه التيسير: وجه التيسير في هذه القاعدة يتضح إذا علمنا أن الأصل أن
يكون حكم الشيء في ابتدائه ودوامه واحدا فاستثنى الشارع من ذلك ما تكون مصلحة المكلفين فيه مقتضية لجعل حكم الابتداء متسامحا فيه بما لا يجوز دوامه والاستمرار عليه1، والله أعلم.
القاعدة الحادية والخمسون: يغتفر في الدوام ما لا يغتفر في الابتداء.
القاعدة الحادية والخمسون: يغتفر في الدوام مالا يغتفر في الابتداء. نص على هذه القاعدة الزركشي1، وذكرها السيوطي على أنها أحد شقي قاعدة ((المانع الطارئ هل هو كالمقارن؟)) 2، وذكرها الونشريسي بصيغة الاستفهام3. وذكرها العلائي لدى بيانه أقسام المانع حيث ذكر من أقسامه ما يُمنع في حالة الابتداء ولا يُمنع في حالة الدوام4، ووردت في المجلة بصيغة ((يغتفر في البقاء مالا يغتفر في الابتداء)) 5.
وأشار إليها السبكي وقال: "إن التحقيق أن وجود الشيء في الدوام بمنزلة وجوده في الابتداء إلا ما استثني، والمستثنى لا يكون قاعدة؛ ولذا فقد اعترض على إدخال ما يقال فيه (قد) كقولهم: ((قد يغتفر في الدوام مالا يغتفر في الابتداء)) ضمن القواعد"1، وذكر في موضوع آخر أن المسائل التي يغتفر فيها في الدوام مالا يغتفر في الابتداء تدخل في فروع قاعدة ((الدفع أسهل من الرفع)) 2، وقد ذكر هذه القاعدة الأخيرة عدد من العلماء بهذه الصيغة، أو بصيغ مقاربة3. المعنى الإجمالي: معنى هذه القاعدة أن ما يمتنع على المكلف فعله إما مطلقا أو مقيدا بحال معينة يتسامح الشرع فيه في حال كونه امتدادا واستمرار لوجوده السابق على وجه صحيح4 مالا يتسامح في
إيقاعه ابتداءً. ومن ذلك ما مثل به بعض الفقهاء وهو رَجعة المُحْرِم حيث قالوا: تصح؛ لأنها دوام واستمرار على النكاح، وهذا المثال يصلح على رأي الجمهور الذين يرون عدم صحة نكاح المحرم ابتداء1 وقد يُتَصور ذلك بطريقة أخرى مثل الإحرام فإنه يمنع صحة النكاح ابتداءً. لكنه لا يؤثر على دوامه واستمراره إذا ما كان ذلك العقد واقعا في حالة الإحلال2. وسبب هذا التسامح من الشارع كون رفع الشيء بعد وقوعه أكثر مشقة وعسرا من دفعه ومنعه ابتداءً وقبل وقوعه. وهذه القاعدة ليست على إطلاقها؛ لأن هناك قاعدة أخرى عكسها هي القاعدة المتقدمة، لذا فقد قيد بعضهم قاعدة ((الدفع أسهل من الرفع)) بقوله: "غالبا"3، وقد مثل السيوطي
والونشريسي، وغيرهما لهذه القاعدة بأمثلة تصلح أمثلة لقاعدة ((من تعلق به الامتناع من فعل وهو متلبس به فبادر إلى الإقلاع عنه لم يكن ذلك فعلا للممنوع)) 1 وهذا يدل على أن هناك تقاربا بين معنى القاعدتين، إلا أنه يمكن أن يُلتمس نوع من الفرق بينهما. ذلك أن نية المكلف وقصده في مسائل قاعدة ((يغتفر في الدوام ... )) الاستمرار على ماهو عليه، وأما في نسائل قاعدة ((من تعلق به الامتناع ... )) فنيته الإقلاع عما هو فيه لكن هذا الإقلاع لا يحصل إلا بالاستمرار على ماهو عليه قدرا ولو يسيرا من الزمن على صورة من الصور. الأدلة: أشار الندوي إلى أن قاعدة ((المنع أسهل من الرفع)) من القواعد التي نشأت عن تعليل الفقهاء2 ومن ذلك تعليلهم صحة رجعة المُحرم وقد تقدم التمثيل بها لهذه القاعدة. قال ابن قدامة: "فأما الرجعة فالمشهور إباحتها وذكر رواية أخرى، ثم قال: "ووجه الرواية الصحيحة أن الرجعية زوجه والرجعة
إمساك بدليل قوله تعالى: {فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ} 1 فأبيح ذلك كالإمساك قبل الطلاق"2. ويصح الاستدلال بما يقره الشرع من أنكحة الكفار بعد إسلامهم فإن الشرع يقر منها ما لم يكن سبب التحريم فيه قائما بعد الإسلام وإن لم يكن قد عقد على وجه مشروع ابتداءً3 بحيث لو ابتدأ النكاح في الإسلام على ذلك الوجه لم يصح فجاز في الاستمرار مالم يجز ابتداؤه. وقد تقدم أن هذه القاعدة تقارب في معناها قاعدة ((من تعلق به الامتناع من فعل ... )) وعلى هذا فإنه يصح الاستدلال لهذه القاعدة بما يستدل به لتلك من بعض الوجوه4.
العمل بالقاعدة: يظهر من إيراد الفقهاء لهذه القاعدة بصيغتها أو ما يدل على معناها، ومن اتفاقهم على إقرار أنكحة الكفار بعد إسلامهم، ونحو ذلك أن جميع المذاهب الأربعة فيها مسائل يغتفر فيها في الدوام مالا يغتفر في الابتداء، وأن القاعدة معمول بها في المذاهب من حيث الجملة والخلاف إنما يكون فيما بندرج تحت هذه القاعدة من الفروع ومالا يندرج. من فروع القاعدة: 1- إذا وجد المتيمم الماء في أثناء الصلاة فهل يقطع صلاته أو يمضي فيها؟ قولان للعلماء1. 2- إذا حلف لا يدخل الدار وهو فيها أو لا يركب الدابة وهو عليها2. 3- من تزوج أمةً لعدم طَوْلِ الحرة، ثم أيسر وحصل له الطول
فإن مقتضى القاعدة أن لا يفسد النكاح1. وجه التيسير: وجه التيسير في هذه القاعدة أن الشارع يتسامح في رفع الأمر الثابت المستمر مما هو ممنوع ابتداء؛ لكون المشقة في رفع الموجود الثابت أشد منها في دفع الأمر الذي لمّا يوجد بعد ... وإن كان هذا ليس علبى عمومه؛ إذ قد يتسامح الشرع في الابتداء أكثر من الدوام إذا كانت مصلحة المكلفين فيه أرجح (على ما تقدم إيضاحه) .
القاعدة الثانية والخمسون: يقدم النادر على الغالب أحيانا، وقد يلغيان معا.
القاعدة الثانية والخمسون: يقدم النادر على الغالب أحياناً، وقد يلغيان معاً ((صياغة)) أورد القرافي هذه القاعدة عند بيانه الفرق بين ما يعتبر من الغالب وما يلغى منه، ثم بين أنه قد يلغى الغالب ويقدم النادر، وأن تقديمه يدخل تحته قسمان أحدهما: اعتبار النادر وإلغاء الغالب، والثاني: إاغاؤهما معا1، وذكر لكل قسم أمثلة لا يخلو بعضها من نظر2، وهي مسألة تعارض الأصل والظاهر، أو تعارض الأصل والغالب3 التي ذكرها عدد من الفقهاء كالنووي4، والمقري5، والزركشي6، وابن رجب7،
والونشريسي1، والسيوطي2، وابن نجيم3، وتبحث في أصول الفقه في مبحث الاستصحاب4. معاني المفردات: النادر لغة: الشاذ. اسم فاعل من نَدَرَ أي سقط وشذّ5. المعنى الإجمالي: يشير القرافي بهذه القاعدة إلى أن الأصل في قواعد الشرع مراعاة الغالب وإلغاء النادر6 كما نص على ذلك كثير من الفقهاء في قاعدة ((العبرة بالغالب، والنادر لا حكم له)) ، ونحوها7.
فإذا كان للمسألة الواحدة وجهان للحكم أحدهما باعتبار الغالب فيها والآخر باعتبار النادر، فإن الشارع يأخذ بالغالب ويبني الحكم عليه. هذا هو الأصل، لكنه قد يلغي هذا الأصل ويقدم العمل بالنادر على العمل بالغالب إذا كان الحكم بموجب النادر أكثر تيسيرا على المكلفين أو يلغيهما معا للعلة نفسها. وينطبق هذا المعنى على من جعل ذلك من باب تقديم الأصل على الظاهر عند تعارضهما، فإن قواعد الشرع تقتضي العمل بالظاهر وترجيحه على الأصل عند تعارضهما لكن الشارع قد يلغي العمل بالظاهر ويُعمل الأصل تيسيرا على المكلفين ويكون هذا مرجحا للأصل النادر على الظاهر الغالب1. الأدلة: يستدل على هذه القاعدة وأمثالها باستقراء الشرع فإن المستقرئ للشرع يجد أنه يلغي الغالب ويعمل بالنادر أحيانا عندما يكون ذلك أيسر للمكلفين وأقرب إلى مصلحتهم، ومن الأدلة التي جاء فيها إلغاء الغالب: 1- قوله تعالى: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ
لَكُمْ} 1. قال القرافي: "إن مما قدم فيه النادر ما يصنعه أهل الكتاب من الأطعمة في أوانيهم وبأيديهم. الغالب نجاسته؛ لعدم تحرزهم عن النجاسات؛ ولمباشرتهم الخمور والخنازير ولحوم الميتات، والنادر طهارته، ومع ذلك أثبت الشرع حكم النادر وألغى حكم الغالب وجوّز أكله؛ توسعة على العباد"2. 2- وحديث أبي قتادة الأنصاري رضي الله عنه: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي وهو حامل أمامة3 بنت زينب بنت
رسول الله صلى الله عليه وسلم ولأبي العاص1 بن ربيعة بن عبد شمس فإذا سجد وضعها وإذا قام حملها"2. قال ابن حجر في الفتح: "واستدل به على ترجيح العمل بالأصل على الغالب كما أشار إليه الشافعي"3 فالغالب على ثياب الصبيان النجاسة ولم يعتبر الشرع هذا الغالب بل اعتبر الأصل وهو طهارة الثياب ولإن كان في الصبيان نادرا.
3- قول الله تعالى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ} 1، وقوله تعالى: {وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ} 2، وقوله تعالى: {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً} 3. حيث أخذ العلماء من مجموع هذه الآيات أن أقل دمة الحمل ستة أشهر هي نتيجة طرح مدة عامين (وهي زمن الرضاعة) من مجموع مدة الحمل والرضاعة وهي ثلاثون شهرا4. فيكون الشارع قد اعتبر النادر في أقل مدة الحمل وهو ستة أشهر وألغى الغالب وهو حصوله في تسعة أشهر، فإذا ولدت المرأة بعد ستة أشهر من وطء صحيح فإن الولد يُلحق بالزوج وإن كان الغالب أنه أي الولد حصل من وطء سابق على الوطء الصحيح (أي من الزنا) لكون الغالب في مدة الحمل تسعة أشهر؛ وذلك صونا للأعراض وسترا للعباد، وكذلك بالنسبة إلى أكثر مدة الحمل فلو طلّق رجل امرأته أو مات عنها، ثم جاءت بولد بعد طلاقه إياها أو موته عنها بخمس سنين، أو بأربع سنين ولم تكن قد
تزوجت فإنه يعتبر ولدا له يُلحق به وإن كان الغالب أنه حاصل بعد موته عن زوجته أو تطليقه إياها (أي من زنا) ، فقد ألغى الشارع هذا الغالب؛ سترا للعباد وصونا للأعراض أيضا. ودليل أكثر مدة الحمل هو الاستقراء؛ لأنه لا نص فيه فقد وجد من وُلد لأربع سنين ووجد من ولد لأكثر من ذلك. وقد اختلف العلماء في أكثره فمنهم من قال: أربع سنين، ومنهم من قال: خمس سنين، ومنهم من قال: سنتان إلى غير ذلك1، والاستقراء يُثبت صورا أخرى يلغى فيها الغالب، وقد ذكر القرافي عددا منها كما تقدم2. وإما إلغاء الغالب والنادر معا فقد مثل له القرافي بشهادة ثلاثة عدول في الزنا وأكثلة أخرى نحوه وبين معنى إلغاء النادر والغالب فيه فقال: "الغالب صدقهم ولم يحكم الشرع به سترا على المدعى عليه، ولم يحكم بكذبهم. بل أقام عليهم الحد من حيث أنهم قذفوه لا من حيث أنهم شهود زور"3.
وعلى هذا فإنه يستدل لهذا القسم بقوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} 1 فأما إلغاء الغالب في هذا المثال قظاهر، وأما إلغاء النادر فعو محل نظر -فيما أرى- وقد يُعارض بقوله تعالى: {فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ} 2. قال القرطبي: "أي في حكم الله كاذبون وقد يعجز الرجل عن إقامة بينة وهو صادق في قذفه، لكنه في حكم الشرع وظاهر الأمر كاذب لا في علم الله تعالى، وهو إنما رتّب الحدود على حكمه الذي شرعه في الدنيا لا على مقتضى علمه الذي تعلق بالإنسان على ماهو عليه"3. العمل بالقاعدة: لقد تقدم أن هذه القاعدة بمثابة الاستثناء من قاعدة ((العبرة بالغالب، والنادر لا حكم له)) وما في معناها، ويبدو من نصوص الفقهاء الاتفاق على أن هناك مسائل راعى فيها الشارع النادر ولم يراع الغالب. وصرح القرافي بأن العمل بالغالب مطلقا خلاف
الإجماع1، وورد في كتب الفقه ما يدل على أنه قد يعمل بالنادر ويلغي الغالب، وقد يعبر عنه بالعمل بالنادر وقد يعبر عنه بالعمل بالأصل2. من فروع القاعدة: 1- ما تقدم ذكره من جواز الصلاة في الثياب التي ينسجها الكفار، والأكل في آنيتهم ونحو ذلك. 2- مثّل ابن رجب لما يعتبر فيه النادر بدعوى المرأة بعد زمن عدم إنفاق زوجها عليها فإن القول قولها مع اليمين وإن كان الغالب عكس ذلك وهو الإنفاق هذا على رأي الجمهور، وذهب المالكية إلى أن القول قول الزوج3 وهذه الأحوال وما شابهها عمل فيها بالنادر ولكن لا من جهة كونه نادرا بل من جهة كونه على الأصل.
وجه التيسير: وجه ذكر هذه القاعدة ضمن قواعد التيسير أن الشرع قد راعى مصلحة العباد وما هو أيسر عليهم، فإذا كانت مصلحتهم في مراعاة النادر فإن الشارع يراعيه ويعمل بمقتضاه مع أن القاعدة الشرعية الثابتة بالتتيع أن الحكم للغالب لا للنادر. قال القرافي: "اعلم أن الأصل اعتبار الغالب وتقديمه على النادر، وهو شأن الشريعة كما يقدم الغالب في طهارة المياه، وعقود المسلمين، ويُقصر في السفر ويُفطر بناء على غالب الحال وهو المشقة، ويَمنع شهادة الأعداء؛ لأن الغالب منهم الحيف، وهو كثير في الشريعة لا يحصى كثرة، وقد يلغي الشرع الغالب رحمة بالعباد"1.
القاعدة الثالثة والخمسون: يقوم البدل مقام المبدل منه إذا تعذر المبدل منه.
القاعدة الثالثة والخمسون: يقوم البدل مقام المبدل منه إذا تعذر المبدل منه. أورد هذه القاعدة بهذه الصيغة ابن سعدي1، ووردت في المجلة وصيغتها: ((إذا بطل الأصل يصار إلى البدل)) 2. وأشار إليها ضمنا ابن القيم3، والمقري4، والزركشي5، وابن رجب6، والخادمي7، وعلل بها الفقهاء في مواضع عديدة8.
معاني المفردات: البدل: بَدَلُ الشيء: غيره، والخَلَفُ منه، يقال: بَدَل، وبِدْل لغتان1. والمُبدل منه هو: الأمر الأصلي الذي يقوم البدل مقامه. تعذر: تقدم بيان معناه. المعنى الإجمالي: هذه القاعدة مسوقة لبيان الحكم فيما شرعه الله عز وجل من التكاليف وشرع له بدلا يصار إليه عند تعذر الأصل بسبب عدمه أو لحوق المشقة به وهو أن هذا البدل يقوم مقام أصله الذي أبدل منه، وتبرأ الذمة بالإتيان بالبدل وهذا المعنى ظاهر فيما يكون سبب الانتقال فيه إلى البدل هو عدم القدرة على الإتيان بالأصل لسبب متعلق بالمكلف من عجز ونحوه، وهو التعذر حقيقة وهو أكثر ما يراد بالقاعدة. إلا أن البعض قد استدل لهذه القاعدة بما يدل على أنه قد يدخل في عمومها ما يمكن أن يطلق عليه التعذر مجازا وهو ما يكون مشروعا على سبيل التخيير أصلا، فقد استدل بعضهم بقوله تعالى: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ
مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} 1 فإن هذه الآية تدل على المعنى الأول في حق المريض، أما المسافر فهو مخير بين صيام رمضان وصيام أيام أخر، وليس مصيره إلى صيام الأيام الأخر مقيدا أو مشروطا بعدم قدرته على صيام رمضان وإن كان هذا هو الغالب فيكون معنى تعذر الأصل حينئذ عدم جواز إلزام المكلف بصيام رمضان في حالة السفر، والقاعدة يمكن إدراجها تحت قاعدة ((إذا ضاق الأمر اتسع)) أو نحوهما. إلا أن لهذه القاعدة نوعا من الخصوص وهو البدل، أما في القاعدتين المذكورتين فلا يلزم وجود البدل، والله أعلم. الأدلة: يدل لهذه القاعدة عدد من الآيات والأحاديث التي فيها النص على أحكام شُرعت وشرع بدل عنها عند تعذره، وهي كثيرة جدا أذكر نماذج منها: فمن القرآن الكريم: 1- قوله تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ
جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ} 1 فالتيمم بدل عن الطهارة بالماء يقوم مقامها إذا تعذر الإتيان بها. 2- قول الله تعالى: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} 2 الآية، وقد تقدم بيان وجه الاستدلال منها. ومن الأحاديث: 3- قوله صلى الله عليه وسلم لمن جامع امرأته في نهار رمضان: "هل تجد رقبة تعتقها؟ " قال لا. قال: "فهل تستطيع صيام شهرين متتابعين؟ ". قال: لا. قال: "فهل تجد إطعام ستين مسكينا " قال: آ ... " الحديث. 4- قوله صلى الله عليه وسلم: "من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان" 3
وكل دليل دل على رخصة شرعية إلى بدل فهو دليل لهذه القاعدة، وكل ما دل على وجوب كفارة أو نحوها على سبيل الترتيب فهو كذلك1. العمل بالقاعدة: لا خلاف بين العلماء في هذه القاعدة من حيث الجملة، فإنهم قد أجمعوا على مشروعية التيمم2 وهو بدل عن الطهارة بالماء عند تعذرها، وعلى مشروعية المسح على الخفين3 وهو بدل عن غسل الرجلين عند اختيار المكلف له، وهكذا في أمور كثيرة فدل ذلك على الاتفاق على هذه القاعدة وإن لم ينص بعضهم عليها؛
لظهورها، أو لاندراجها تحت قواعد أخرى، والله أعلم. من فروع القاعدة: يتفرع على القاعدة مسائل عديدة منها التيمم، والمسح على الخفين كما تقدم ومنها: 1- البدل عن الهدي أو الأضحية إذا تلفت1. 2- البدل عن الوقف إذا تعطلت منافعه2. وجه التيسير: وجه التيسير في هذه القاعدة أن الله تعالى شرع في كثير من التكاليف ما يقوم مقامها ويكون بدلا عنها عند العجز عن الامتثال أو عمد حصول المشقة مع المقدرة فتبرأ ذمة المكلف، ويحصل له ثواب الامتثال من غير مشقة أو عنت، وقد يَكِلُ الله تعالى ذلك إلى اختيار المكلف دون تقييد بعدم القدرة على الإتيان بالأصل وهنا يكون التيسير أظهر.
القاعدة الرابعة والخمسون: ينزل غالب الظن منزلة اليقين.
القاعدة الرابعة والخمسون: ينزَّل غالب الظن منزلة اليقين. ((صياغة)) . يرد معنى هذه القاعدة في مواضع عديدة من كتب الفقه، وذكرها عدد من العلماء بعدة صيغ منها قول ابن فرحون المالكي1: "ينزّل منزلة التحقيق الظنُّ الغالب"2، وقول السرخسي: "أكبر الرأي فيما لا يمكن الوقوف على حقيقته بمنزلة الحقيقة"3، وأوردها المقري بقوله: "المعتبر في الأسباب والبراءة وكل ما ترتبت عليه الأحكام العلم ولما تعذر أو تعسر في
أكثر ذلك أقيم الظن مقامه لقربه منه"1، وابن عبد الهادي2 في قوله: "غالب الأحكام مبنية في أدائها ووقتها على الظن"3، وذكرها المقري أيضا بصيغة: "الغالب مساوٍ للمحقَّق"4، ونحوها عند الونشريسي5، ولها تعلق بقواعد أخرى كقاعدة ((تعلق الحكم بالمحسوس على ظاهر الحس6)) . معاني المفردات: ينزل: من النزول وهو الحلول، والمنزلة: المرتبة7.
الظن في اللغة: التردد الراجح بين طرفي الاعتقاد الغير الجازم1. وهو في اصطلاح الفقهاء: بمعنى قريب من المعنى اللغوي فهو عندهم مطلق التردد بين أمرين أو أكثر سواء كان على التساوي أم ترجح أحدهما على الآخر على ما نقله النووي وغيره2، وقال بعضهم: إن هذا ليس بمطلق فمن الفقهاء من فرق بين المستوي الطرفين ونا ترجح أحد طرفيه3. وعُرّف بأنه الاعتقاد الراجح مع احتمال التقيض4. وأما عند الأصوليين فإنهم يفرقون بين ما استوى طرفاه، وبين ما ترجح أحدهما على الآخر فيسمون المستوي الطرفين شكا، ويسمون الطرف الراجح مما ترجح أحد طرفيه ظنا5. وأما غالب الظن فهو مرتبة من الظن يترجح فيها أحد الجانبين رجحانا مطلقا يُطَّرَح معه الجانب الآخر6.
اليقين لغة: هو العلم الذي لا شك معه1. وفي اصطلاح المنطقيين: يعرف بأنه الاعتقاد الجازم المطابق للواقع الثابت وجودا أو عدما2. وفي اصطلاح الفقهاء: كالمعنى اللغوي3. المعنى الإجمالي: يتضح معنى القاعدة إذا علمنا أن الأصل فيما تبنى عليه الأحكام هو العلم اليقين بحيث لا يوجد المسبب حقيقة إلا عند وجود سببه حقيقة فإذا أمكن الوصول إلى اليقين لم يجز العدول عنه ولكن إذا تعذر ذلك أو تعسر وهذا هو الغالب فإن غالب الظن يجعل يمثابة اليقين فتبنى عليه الأحكام، وهذا ما أشار إليه المقري في صياغته المتقدمة4. الأدلة: 1- من أصرح ما يدل على هذه القاعدة حديث أم سلمة زوج
النبي صلى الله عليه وسلم أنه سمع خصومة بباب حجرته فخرج إليهم فقال: "إنما أنا بشر وإنه يأتيني الخصم فلعل بعضكم أن يكون أبلغ من بعض فأحسب أنه صادق فأقضي له بذلك. فمن قضيت له بحق مسلم فإنما هي قطعة من النار فليأخذها أو ليتركها"1. ووجه الاستدلال منه أن الرسول صلى الله عليه وسلم صرح بأنه يبني حكمه القضائي على ظاهر ما يقوم من حجة وإن كانت قد تكون مخالفة لواقع الأمر2. ومما يشير إلى أن المطلوب أصلا هو اليقين قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث: "إنما أنا بشر"؛ لأنه قد علل حكمه بالظاهر وإن لم يطابق واقع الأمر بكونه بشرا أي لا يعلم الغيب فدل على أنه لم يمنعه من العمل باليقين الذي هو الأصل هنا إلا عدم قدرته على ذلك لصفته البشرية صلى الله عليه وسلم.
وكذلك قوله: "فإنما أقضي له بقطعة من النار ". وهذا معناه أن المطلوب أصلا هو موافقة الباطن. لكن لما تعذر ذلك أقيم الظن الغالب مقامه، والله أعلم1. 2- حديث: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة. فإن فعلوا ذلك عصموا منّي دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام وحسابهم على الله"2. قال ابن حجر رحمه الله: "وفيه دليل على قبول الأعمال الظاهرة والحكم بما يقتضيه الظاهر"3. 3- قوله تعالى: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ} 4 الآية.
قال ابن العربي: "قال علماؤنا: هذا دليل على جواز الاجتهاد والاستدلال بالأمارات والعلامات على ما خفي من الأحكام"1. وكل مادل على وجب العمل بالشهادة فهو دليل لهذه القاعدة2. العمل بالقاعدة: لا خلاف بين العلماء في العمل بهذه القاعدة فقد اتفق المسلمون على وجوب العمل بمقتضى الشهادة ونَقَل الإجماع على ذلك ابن قدامة3، وكل ما كان من قبيل الحكم بمقتضى شهادة الشهود فهو من باب العمل بالظن لتعذر اليقين والشهادة من أوسع أبواب تطبيق هذه القاعدة، ويدخل تطبيقها في مواضع عديدة كالعمل بغلبة الظن في عدد ركعات الصلاة، أو أشراط الطواف أو نحوهما مما لا ينحصر.
من فروع القاعدة: فروع القاعدة كثيرة جدا فمنها: 1- العمل بشهادة الشهود في القضاء وقد تقدم ذكره. 2- العمل بغلبة الظن في معرفة جهة القبلة1. 3- العمل بغلبة الظن في إزالة النجاسة غير المرئية.2. وجه التيسير: وجه التيسير أن الله تعالى لم يكلف عباده بتحصيل اليقين الذي يكون عليهم شاقا أو متعذرا بسبب نقص علمهم وعدم إحاطتهم بالأمر على حقيقته في كثير من المواضع ليبنوا عليه الأحكام بل جعل وسيلة ذلك ما هو في قدرتهم وهو الظن الغالب؛ إذ لو كُلفوا تحصيل اليقين في مثل هذا الأمر لأدّى ذلك إلى عنتهم، وإلى ضياع كثير من الحقوق، وإلى اضطراب شؤون العباد.
القاعدة الخامسة والخمسون: ينزل المجهول منزلة المعدوم وإن كان الأصل بقاؤه إذا يئس من الوقوف عليه أو شق اعتباره.
القاعدة الخامسة والخمسون: ينزّل المجهول منزلة المعدوم وإن كان الأصل بقاؤه إذا يُئس من الوقوف عليه أو شق اعتباره. أورد هذه القاعدة ابن رجب1 بهذه الصيغة، وذكرها ابن تيمية أيضا2، وذكرها ابن سعدي بصيغة أخص حيث قال: "إذا تعذر معرفة من له الحق جعل كالمعدوم"3، وقد تقدمت قاعدة أعم منها وهي: ((ينزل غالب الظن منزلة اليقين)) . معاني المفردات: المجهول: اسم مفعول من جهل، وقد تقدم بيان معناه. المعدوم: اسم مفعول من عَدِم، والعدم: وهو الفَقْد4.
المعنى الإجمالي: معنى هذه القاعدة أن ما يكون مترددا بين الوجود والعدم، ويجهل المكلف حاله ويعسر أو يستحيل عليه العلم به ويكون الحكم الشرعي فيه مبنيا على وجوده أو عدمه، فإنه ينزّل في حق هذا المكلف منزلة المعدوم فيُجزي الحكم الشرعي فيه كما لو كان غير موجود حقيقة وإن كان الأصل بقاؤه أو وجوده وذلك إذا غلب على ظنه بعد البحث والتحري عدم الوجود. على أنه لابد من بيان أن غلبة الظن بعدم الوجود يمكن أن تفسر بأحد معنيين: أحدهما: أن يغلب على ظنه هلاك الشيء أو زواله أي عدمه حقيقة كما إذا انتُظر المفقود المدة التي يغلب على الظن أن المفقود لا يعيش بعدها1.
والثاني: أن يغلب على الظن عدم إمكان العلم به -أي عدمه حكما- كما إذا غلب على الظن عدم الوارث، لأن المتحري في هذه الحال لا يغلب على ظنه عدم العاصب، لأنه لا يخلو الأمر من وجود بني عم أعلى؛ إذ ليس كلهم بنو آدم فمن كان أسبق إلى الاجتماع مع الميت في أب من آبائه فهو عصبته ولكنه مجهول فلم يثبت له حكم1. وتشترك هذه القاعدة مع سابقتها في العمل بغلبة الظن فغالب ما يراد بالقاعدة السابقة هو غلبة الظن في جانب الوجود، وهنا غلبة الظن في جانب العدم، والله أعلم. الأدلة: يمكن الاستدلال لهذه القاعدة بما يلي: 1- حديث زيد بن خالد2 رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأله عن اللُّقطة فقال: "اعرف عفاصها3
ووك اءها1، ثم عرّفها سنة فإن جاء صاحبها وإلا فشأنك به"2 الحديث. ففي إباحة الانتفاع باللقطة لملتقطها بعد تعريفها وعدم معرفة صاحبها دليل على تنزيل عدم العلم بالشيء -بعد بذل الجهد في معرفته- منزلة المعدوم فقد نزّل اللقطة التي يُجْهَل صاحبها منزلة المال الذي لا مالك له في إباحة الانتفاع وذلك بعد أن يغلب على ظنه عدم معرفة صاحبها. 2- ما روي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: "أيّما امرأة فقدت زوجها فلم تدر أين هو فإنها تنتظر أربع سنين، ثم
تعتد أربعة أشهر، ثم تحل"1. قال ابن قدامة بعد أن ساق هذا الأثر وغيره: "وهذه قضايا انتشرت في الصحابة فلم تُنْكَر فكانت إجماعا"2. 3- كما يصح الاستدلال لها بأدلة التيسير العامة كقوله تعالى: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا} 3، وقوله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} 4. ونحوهما. وذلك أن من بذل وسعه في البحث والتعرف على أمر ينبني عليه حكم فلم يعلم وجوده، وغلب على ظنه عدمه أو عدم قدرته على الوصول إليه فإن هذه الأدلة تقتضي بعمومها أن يعتبره معدوما ويبني الحكم على هذا بحيث لا يلزمه الاستمرار في البحث؛
لأن هذا ليس في قدرته، ولا تنزيله منزلة الموجود إذا كان هذا يشق عليه. بل يعمل بموجب غلبة ظنه بالعدم. العمل بالقاعدة: لم أحد تصريحا لكثير من الفقهاء بهذه القاعدة؛ لذا فإن معرفة عملهم بهذه القاعدة تقوم على النظر في المسائل التي مثل بها من أورد القاعدة، وعلى معرفة أقوالهم في تنزيل غالب الظن منزلة اليقين لتقارب معناهما. فممّا مثل به ابن رجب مسألة اللقطة، ومال من لا يُعلم له وارث. وقد ذهب الشافعية، والحنابلة إلى أن لملتقط اللقطة أن يتملكها وينتفع بها بعد تعريفها سنة إذا لم يعرف صاحبها1، وكذلك المالكية لكن مع الكراهة2. أما الحنفية فالحكم عندهم أن يتصدق بها عن صاحبها إذا لم يجده بعد تعريفها3. وعلى كلا الحالين يكون قد نُزّل المجهول منزلة المعدوم كما
أشار إلى ذلك ابن رجب1، وابن تيمية2. وأما من لم يُعلم له وارث3 فقد اتُّفق على أن ماله يرجع إلى بيت مال المسلمين4 وإن كان الأمر لا يخلو من وجود بني عم أبعد فيكون قد نُزّل المجهول منزلة المعدوم. وقد تقدم أن جمهور الفقهاء قد أخذوا بقاعدة تنزيل غالب الظن منزلة اليقين. وعلى هذا يمكن القول: إن هذه القاعدة معمول بها في المذاهب الأربعة وإن كان الأمر لا يخلو من اختلاف في بعض تطبيقاتها كما في مسألة المفقود، فإن الجمهور على أنه إذا مضى له مدة يغلب على الظن عدم بقائه بعدها حيا تعتدّ زوجته عدة الوفاة، ثم تحل
للأزواج، وذهب الشافعي في مذهبه الجديد إلى أنها زوجته أبدا1. من فروع القاعدة: تقدم ذكر عدد من فروع هذه القاعدة ومن فروعها أيضا: المستحاضة فإنها تترك الصلاة والصوم المدة التي يغلب على ظنها أنها حيض ثم تعتبر هذا الحيض كالمعدوم فتصلي -على ما بيّنه الفقهاء من طريقة تطهرها- وتصوم2. وجه التيسير: وجه التيسير في هذه القاعدة أن الشارع قد راعى حال المكلف من حيث ضعف قدرته وعلمه. فإذا كان الحكم الشرعي متوقفا على العلم بوجود شيء ما أو عدمه ولم يتمكن المكلف من العلم به والوقوف عليه، فإن جهله بوجود ذلك الشيء يجعله في حقه كالمعدوم قيبني الحكم على ذلك. فلم يكلف الله تعالى المخلوق بأكثر من طاقته ولا بما يشق
ويعسر عليه العلم به. هذا من جهة، ومن جهة أخرى لو لم يُحكم بعدم المجهول في مثل هذه الحال لأدّى ذلك إلى توقف كثير من الأحكام وتعطل كثير من المصالح. ولذلك قال في القاعدة: "أو شقَّ اعتباه" أي شقّ اعتباره موجودا بأن كان الحكم المترتب على اعتباره موجودا موجبا للعسر والمشقة"1.
القاعدة السادسة والخمسون: اليقين لا يزول بالشك.
القاعدة السادسة والخمسون: اليقين لا يزول بالشك. هذه إحدى القواعد الخمس، أو الست الكبرى التي ذكر العلماء أنها مبنى الفقه1. وعلى هذا فإنه لا يكاد يخلو كتاب من كتب قواعد الفقه، أو من كتب الفقه من ذكر لها، أو تعليل بها2، وتعرض لها بعض الأصوليين أيضا بالذكر في باب الاستصحاب وغيره3، وقال
المقري: "إنها قاعدة فقهية أصولية"1 وقد اختلفت عبارات العلماء في صياغة هذه القاعدة وإن اتحدت في المعنى. فمن العلماء من ذكرها باللفظ المتقدم2 ومنهم من قال: "اليقين لا يزال بالشك"3، ومنهم من قال: "اليقين لا يرفع بالشك"4، ومنهم من قال: "ما ثبت بيقين لا يرفع إلا بيقين"5، ومنهم من قال: "كل مشكوك فيه يجعل كالمعدوم"6، ومنهم من جعل قاعدة ((الأصل بقاء ماكان على ماكان)) في معنى هذه القاعدة7، ومنهم من اعتبر قاعدة ((الأصل بقاء ماكان على ماكان)) ، وقواعد أخرى مندرجة تحت هذه القاعدة8.
وأول من نسبت إليه صياغة هذه القاعدة هو الإمام الشافعي1. ولم أقف على موضع ذكره لهذه القاعدة بلفظها إلا أنه قد جاء عنه، وعن غيره من الأئمة ما يدل على معناها. فقد قال الإمام الشافعي: "وإذا كانت الرجل مسافرا وكان معه ماء فظن أن النجاسة خالطته فتنجس ولمن يستيقن مخالطة النجاسة"2، ونقل الزركشي، وغيره عنه قوله: "أصل ما أبني عليه الإقرار أني أعْمِل اليقين وأطرح الشك ولا أستعمل الغلبة"3. وجاء في مسائل الإمام أحمد أنه سئل عن رجل يشك في وضوئه قال: "إذا توضأ فهو على وصوئه حتى يستيقن بالحدث، وإذا أحدث في وضوئه فهو محدث حتى يستيقن أنه توضأ"4.
معاني المفردات: اليقين: تقدم بيان معناه. الشك لغة: بمعنى التداخل، ومنه الشك الذي هو خلاف اليقين، ويأتي بمعنى اللزوق واللصوق1. وفي الاصطلاح: هو التردد بين النقيضين بلا ترجيح أحدهما على الآخر عند الشاك وقيل: ماستوى طرفاه2. المعنى الإجمالي: إذا تعارض عند المكلف جهتان في أمر ما جهة يقين وجزم بحكم, وجهة شك في حصول ما ينافيه وذلك بأن يتيقن أمرا في وقت، ثم يطرأ عليه شك في حصول ما ينافيه في وقت آخر كمن تيقن أنه توضأ، ثم شك في حدوث الناقص، أو جزم أنه صلى ركعة واحدة، ثم شك هل صلى الثانية أم لا، فإن الواجب عليه واللازم له أن يأخذ باليقين الذي استقر عنده ويدع الشك الطاريء عليه بحيث يجعله كالمعدوم. ومن هذا يظهر أن المراد باجتماع اليقين مع الشك استصحاب
حكم اليقين السابق إلى وقت طروء الشك فيه؛ إذ لا يتصور اجتماع اليقين مع الشك في حكم واحد في وقت واحد حقيقية 1ولا فرق بين أن يكون اليقين السابق مقتضيا ًللاباحة أم للحظر2. الأدلة: بنى كثير من العلماء هذه القاعدة على ما رواه عبّاد بن تميم3عن عمه4 أنه شكي إلى النبي صلى الله عليه وسلم الرجل يخيل إليه أنه يجد الشيء في الصلاة قال:"لا ينصرف حتى يسمع صوتا ًأو يجد
ريحاً"1. والحديث - وإن كان وارداً في حكم خاص- فهو بيان القاعدة عامة. قال الحافظ ابن حجر -رحمه الله -: "وليس المراد تخصيص هذين الأمرين2 باليقين لأن المعنى إذا كان أوسع من اللفظ كان الحكم للمعنى قاله الخطابي"3. وقال النووي هذا الحديث أصل في بقاء الأشياء على أصولها حتى يتيقن خلاف ذلك, ولايضر الشك الطارئ عليها4. وهناك أحاديث أخرى في معناه5.
2- وفي معنى هذا الحديث بل ربما كان أصرح منه في إثبات القاعدة -قوله صلى الله عليه وسلم: "إذا شك أحدكم في صلاته فليلغ الشك وليبن على اليقين" الحديث1 ففي هذا الحديث تصريح بالعمل باليقين وإلغاء الشك. وهو محمول على ما إذا لم توجد غلبة الظن2,وفي الموضوع نفسه أحاديث أخرى3. 3-عموم قوله -تعالى-: {وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلاّ ظَنّاً إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً} 4. ونحوها قوله-تعالى-: {إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً} 5.
4- ويدل على ذلك العقل -أيضاً-؛ لأن اليقين أقوى, وهو أمر ثابت متضمن لحكم قطعي جازم فلا يزول بالشك1. العمل بالقاعدة: تقدم أن هذه القاعدة قد نقلت عن الإمام الشافعي, وعن الإمام أحمد وأن الشيخ أبا طاهر الدباس2, والكرخي وغيرهما ذكرها من أصول مذهب الإمام أبي حنيفة, وهي كذلك من قواعد المذهب المالكي, فقد نقل القرافي الإجماع عليها فقال: "فهذه قاعدة مجمع عليها وهي أن ((كل مشكوك فيه يجعل كالمعدوم, الذي جزم بعدمه)) 3. وقد نقل الاتفاق على العمل بها -أيضاً- ابن دقيق العيد حيث قال - بعد شرحه للحديث المتقدم-: "والحديث أصل في إعمال الأصل وطرح الشك. وكأن العلماء متفقون على هذه القاعدة
لكنهم يختلفون في كيفية استعمالها"1. ومما اختلف في وجه تطبيق هذه القاعدة عليه من تيقن الطهارة ثم شك في حصول الحدث الناقض فإن المشهور من مذهب المالكية وجوب الطهارة2, وهو قول الظاهرية3 أيضاً, وذهب الجمهور إلى أنه لايلزمه الطهارة4 وكلا الفريقين بنى على أن اليقين لايزول بالشك. فالمالكية ومن رأى رأيهم وافقوا الجمهور على القاعدة, وخالفهم في هذا الحكم الفرعي. والسبب في ذلك هو اختلاف النظر في تطبيق. فالمتيقن -عند الملكية ومن قال بقولهم هنا- هو انشغال الذمة بالصلاة, والمشكوك فيه هو سبب الإبراء وهو أداء الصلاة أداءً صحيحاً إذ الشك في طهارة -التي هي شرط صحة الصلاة- شك في صحة الصلاة نفسها5, فلا يزول اليقين -الذي هو انشغال الذمة بالصلاة-
بالمشكوك فيه وهو الصلاة المشكوك في صحتها؛ بناء على الشك في الطهارة1. والمتيقن عند الجمهور هو الطهارة والمشكوك فيه انتقاضها. فلا يزول اليقين - الذي حصول الطهارة- بالمشكوك فيه وهو حصول الحدث2. وقد أوضح هذا المعنى القرافي - رحمه الله - ورأى أن الفريقين يخالفان القاعدة هنا من وجه3.
وأما الحديث الذي هو مبنى القاعدة فإن المالكية يجعلونه خاصاً بما إذا شك في الصلاة, وذلك في إحدى الروايات عنهم1. وقد استثنى العلماء من حكم هذه القاعدة بعض الصور لمعارضة أصل آخر راجح على هذا الأصل, أو لظاهر ترجح إعماله على إعمال الأصل2. من فروع القاعدة: فروع هذه القاعدة كثيرة جداً ومن أشهرها: 1- الشك في عدد ركعات الصلاة فإن من شك هل صلى ثلاثاً أو أربعاً فإنه يعتبرها ثلاثاً؛ لأن اليقين هو تعلق الصلاة بالذمة, ثم تيقن أداء ثلاث ركعات فبرأت منها الذمة, وشك في
أداء الرابعة فبقيت في الذمة, وهكذا كل ما كان الشك في عدده أو أجزائه بني على الأقل؛ لأنه هو المتيقن حصوله1 2- من شك في طلوع الفجر وهو يريد الصوم فإنه يجوز له الأكل والشرب؛ لأن اليقين في حقه بقاء الليل2 وذهب الملكية إلى عدم الجواز, وقال بعضهم: يكره3 3- من شك في غروب الشمس وهو صائم فليس له أن يفطر؛ لأن اليقين في حقه بقاء النهار4. وجه التيسير: لا يكاد يخفى على الناظر في هذه القاعدة الجليلة وتطبيقاتها ما تتضمن من التيسير, ورفع الحرج من جهة تخليص المكلف من الشك الذي قد يقع له فيورث الحيرة والتردد, وذلك ببيان الطريق
إلى ذلك وهو إلغاء ذلك الشك واعتبارها في حكم المعدوم والعمل بما تيقنه أولاً. ولا يعارض هذا الوجه من التيسير أنه قد يترتب عليه زيادة تكليف, كما إذا شك المصلي هل صلى ثلاثاً أو أربعاً في صلاة الرباعية؟ فإنه يجعلها ثلاثاً ويلزمه الإتيان برابعة؛ لأن مجرد دلالة المكلف على الطريق الذي يخرج بواسطته عن الشك والتردد يعدّ تيسيراً, ولو تضمن زيادة تكليف ويدرك هذا-تماماً- من كثرة شكوكه وسيطرة عليه التردد. ولعل لفظه (شكي) التي صدر بها الحديث الدال على القاعدة تشعر بهذا المعنى؛ لأن الشكوى إنما تكون عادة مما يسعر على الإنسان ويشق عليه1. ويمكن تصور التيسير فيها من وجه آخر. وذلك فيما إذا كان المتيقن -أولاً- هو وقوع المأمور به والشك في زواله حيث لا يلزم المكلف فعل ذلك المأمور به مرة أخرى كما إذا تيقن الطهارة والشك في الحدث, والله أعلم.
القسم الثاني: الضوابط
القسم الثاني: الضوابط الضابط الأول: الحدود تسقط بالشبهات. ... الضابط الأول الحدود تسقط بالشبهات. ورد ذكر هذا الضابط في عدد كبير من كتب القواعد الفقهية في المذاهب الأربعة إما بهذه الصيغة, أو بصيغة أخرى مقاربة1, وأطلق عليه كثير منهم مصطلح "قاعدة"2, ويورده الفقهاء كثيراً في باب أو كتاب الحدود من كتاب الفروع 3.وقد تقدمت قاعدة أعم وهي: ((حقوق الله مبنية على المسامحة)) 4.
والحدود منها ما هو حق خالص لله -تعالى-, ومنها ما هو حق للآدميين, أو فيه شائبتان1. معاني المفردات: الحدود: جمع حدّ. والحد في اللغة: الحاجزان بين الشيئين, وحد الشيء: منتهاه, والحدّ: المنع2. وفي الاصطلاح عرفه كثير من العلماء: بأنه عقوبة مقدرة وجبت حقاً لله3 وأطلق بعضهم فقال: هو عقوبة مقدرة
شرعاً1 وسميت هذه بالحدود؛ لأنها تمنع المعاودة؛ أو لكونها مقدرة من الشارع2. الشبهات: جمع شبهة. وهي في اللغة: الالتباس3. وفي الاصطلاح: عرفت بأنها مالم يتيقن كونه حراماً أو حلالاً, وتختلف الشبهة باختلاف سببها الذي تضاف إليه4.
المعنى الإجمالي: معنى هذا الضابط أن الله -تعالى - الذي شرع وقدر العقوبات جزاءً على بعض المعاصي شرع درء هذه الحدود والعقوبات, وإسقاطها بكل أمر يورث شكاً ولبساً إما في ثبوت تلك المعصية على من ادّعيت عليه, أو في علم من أقدم على ذلك الفعل بتحريمه, أو نحوها من أنواع الشبه. وذلك بأن شرع من القيود في ثبوت بعض هذه الحدود ما يجعلها قليلة الثبوت, وشرع للمسلمين الستر على من وجدوه على شيء من تلك المعاصي بعد نصحه وإرشاده, وشرع للحاكم عدم القصد ونحوه من الشبه. وذلك أن الشارع يتشرف إلى الستر على المؤمن وعدم فضحهم. فإن هذه الحدود وإن كانت لم تشرع إلا لتطبيق ولم تشرع إلا أن الشارع غلّب مصلحة حرمة المؤمن على هذه المصلحة مال م يجاهر الإنسان بمعصيته, وما لم يثبت ذلك عند
الحاكم1. الأدلة: الأدلة على هذا الضابط كثيرة جداً ومنها ما يلي: أولا: أشهر وأصرح الأدلة على هذا الضابط هو حديث: "ادرؤا الحدود عن المسلمين ما استطعتم, فإن كان له مخرج فخلوا سبيله, فإن الإمام إن يخطئ في العفو خير من أن يخطئ في العقوبة"2. ثانياً: ما يدل على التشدد في إثبات بعض الحدود سواء كان ذلك بالشهادة أم بالإقرار. خاصة فيما يكون خفياً عادة كالزنا, فإنه لا يثبت إلا بأربعة شهود عدول يصفون الزنا بما لا يوجد معه شك ولا ريب, وبما لا يكاد يطلع عليه إلا إذا جاهر العاصي بمعصيته, أو بالإقرار الصريح أربع مرات أيضاً3.
يدل على ذلك قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} 1. وقوله -تعالى-: {لَوْلا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ} 2. وحديث ابن عباس -رضي الله عنهما-: "أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لماعز بن مالك: "لعلك قبلت أو غمزت أو نظرت". قال: لا. قال: "أفنكتها"؟ قال: نعم. قال: فعند ذلك أمر برجمه"3. وحديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه: "أن رجلا من أسلم جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعترف بالزنا فأعرض عنه، ثم
اعترف فأعرض عنه حتى شهد على نفسه أربع شهادات: فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "أبك جنون؟ " قال: لآ قال: "أحصنت؟ " قال: نعم. قال: فأمر به النبي صلى الله عليه وسلم فرجم في المصلى" الحديث1. فإن مجموع هذه الأدلة يدل على رغبة الشارع في دفع الحد قدر الإمكان2 ثالثا: الأدلة التي فيها الحث على ستر العاصي بعد نصحه وإرشاده والإنكار عليه3. فمن الأدلة العامة على هذا قوله صلى الله عليه وسلم: "المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يُسلمه، ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرّج عن مسلم كربة فرّج الله عنه كربة من كربات يوم القيامة، ومن ستر مسلما ستره الله يوم القيامة"4
ومما يدل على الستر فيما يوجب الحدّ خاصة حديث: أن ماعزا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فأقر عنده أربع مرات فأمر برجمه وقال لهزّال1: "لو سترته بثوبك كان خيرا لك" 2. رابعا: مشروعية اللعان بين الزوجين لتخليص من يرمي زوجته بالزنا من حدّ القذف فقد شق على بعض الصحابة رضي الله عنهم قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} 3 فاشتكوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله تعالى قوله: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلاَّ أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ} 4. إلى قوله تعالى: {وَالْخَامِسَةَ أَنَّ
غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ} 1. قال الإمام ابن كثير: "هذه الآية الكريمة فيها فرج للأزواج وزيادة مخرج إذا قذف أحدهم زوجته وتعسر عليه إقامة البينة أن يلاعنها"2 خامسا: حديث: "لا قطع في ثَمَرٍ ولا كثر3"4، وما في معناه من الأحاديث الكثيرة التي تقييد القطع في السرقة بما
يضمن انتفاء شبهة الحاجة ونحوها1. العمل بالضابط: اتفق العلماء على درء الحدود بالشبهات من حيث الجملة كما تقدم بيانه، وقد نقل الإجماع عليه ابن المنذر2، وابن قدامة3، وغيرهما. من فروع هذا الضابط: 1- سقوط حد الزنا عمّن وَطَئَ في نكاح مختلف فيه4. 2- سقوط حد القذف عن القاذف إذا كان قذفه تعريضا لا تصريحا عند جمهور العلماء، وذهب المالكية إلى أنه يُحدّ، وهو رواية عن الإمام أحمد5.
3- سقوط حد السرقة عمّن سرق طعاما عام مجاعة إذا لم يجد ما يأكله1. وجه التيسير: وجه التيسير في هذا الضابط واضح في حق من وقعت منه المعصية وهو دفع العقوبة المؤلمة، أو المزهقة للنفس عنه، وعدم افتضاحه بين الناس، وتيسير سبيل التوبة والرجوع إلى الله تعالى2.
الضابط الثاني: الشبهة تسقط الكفارة.
الضابط الثاني: الشبهة تسقط الكفارة. ذكر السيوطي هذا الضابط بقوله: "تنبيه: الشبهة لا تسقط التعزير وتسقط الكفارة"1، وأورده الزركشي في صورة استفهام حيث قال: "هل تسقط الكفارة بالشبهة؟ "2. وأشار ابن نجيم إلى حكم الكفارات مع الشبهة بقوله: "والكفارات تثبت معها -يعني مع الشبهة- أيضا إلا كفارة الفطر في رمضان فإنها تسقط؛ ولذا لا تجب مع النسيان والخطأ، وبإفساد صوم مختلف في صحته"3. معاني المفردات: الشبهة: تقدم بيان معناها4. الكفارة لغة: صيغة مبالغة من الكَفْر وهو التغطية والستر. كأنها -لكونها سببا في مغفرة الذنب- تغطيه وتستره5.
وفي الاصطلاح تعرّف: بأنها تصرّف أوجبه الشرع لمحو ذنب معين كالإعتاق والصيام والإطعام1. المعنى الإجمالي: رتّب الله تعالى على الوقوع في بعض المخالفات2 أنواعا من التصرفات أو من العبادات يؤديها المخالف ليمحو بها ذنبه، ومع أن مشروعية هذه الكفارات هو من باب التيسير لتمكين الله عز وجل عباده مما يمحون به ذنوبهم. إلا أنها لما كانت تتضمن معنى العقوبة أسقطها الله تعالى عمّن وقع في المحذور الذي تلزم له الكفارة أصلا إذا اقترن بحال فعله للمحذور شبهة تؤثر في ثبوت وقوع المخالفة منه، أو في قصده إليها أو نحو ذلك. الأدلة: لا أعلم نصا يمكن الاعتماد عليه في سقوط الكفارات بالشبهة
إلا أنه يمكن اعتبار قوله تعالى: {لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ} 1 دليلا لهذا الضابط. ذلك أن الآية الكريمة دلّت على سقوط كفارة اليمين عمّن تلفظ به لغوا. وقد جاء في تفسير اللغو عدة معان. منها: أن المراد باللغو ما يتلفظ به الإنسان من قوله: لا والله، بلى والله مما لا يراد معناه. ومنها: أن المراد به حلف الإنسان على ما يظنه صحيحا، ثم يتبين خطؤه فيه. ومنها: أن المراد به أن يحلف وهو غضبان. إلى غير ذلك من المعاني2. فكل هذه شُبَه رتّب الله تعالى عليها عدم المؤاخذة بالحنث في اليمين. قال الإمام الشوكاني: "وذلك -أي عدم المؤاخذة- يعمُّ الإثم، والكفارة فلا يجب أيُّهما"3. وإذا ثبت ذلك في نوع من الكفارات أمكن الاستدلال به على
إسقاط الكفارات بالشُّبَه في كل كفارة بحسبها. كما يصح أن يستدل على ذلك بالقياس على الحدود وذلك أنها تشترك مع الحدود في تضمنها معنى العقوبة، وقد تقدم أن الحدود تسقط بالشبهات. العمل بالضابط: تشعر عبارات بعض الفقهاء بأن هناك من يرى سقوط الكفارة بالشبهة. كقول ابن قدامة فيمن أكره على الحنث في يمينه، "وقال مالك، وأبو حنيفة: يحنث؛ لأن الكفارة لا تسقط بالشبهة"1، وقول ابن نجيم: "والكفارات تثبت معها -أي الشبهة- أيضا إلا كفارة الفطر في رمضان فإنها تسقط"2. لكن المستقرئ لبعض مواطن ذلك من كتب الفقه يجد أن مجمل أقوال الفقهاء يدل على أنهم يرون سقوط بعض الكفارات عن
بعض من استوجبها إذا وجد من العوارض والشُّبه ما يقتضي ذلك، وقد يصرح بعضهم بأن العلة في ذلك السقوط هي وجود الشبهة وقد لا يصرح آخرون. والخلاف بينهم إنما هو في تحديد الشبهة المسقطة للكفارة بحسب قوة تلك الشبهة وضعفها، وفي تعيين الكفارة التي يمكن أن تسقط بالشبهة والتي لا يمكن أن تسقط؛ إما لاستبعاد طروء الشبهة عليها؛ أو لغير ذلك من الاعتبارات. وهذه بعض أقوال الفقهاء الدالة على أنهم من حيث الجملة قد يسقطون بعض الكفارات بسبب الشبهة. قال ابن عابدين في كفارة من أفطر في نهار رمضان1: "لو أفتاه مفت يعتمد على قوله أو سمع حديثا ولم يعلم تأويله لم يكفِّر للشبهة"2، وقال ابن عبد البر من فقهاء المالكية: "وإن جامع ناسيا فلا كفارة عليه في المشهور"3، وعدّ
الخرشي من شروط وجوب الكفارة بالفطر في نهار رمضان العمد، والاختيار، والانتهاك للحرمة، ثم قال: "فالمتأول تأويلا قريبا لا كفارة عليه"1. وقال الإمام الشافعي: "وإن جامع ناسيا لصومه لم يكفر، وإن جامع مع الشبهة مثل أن يأكل ناسيا فيحسب أنه أفطر فيجامع على هذه الشبهة فلا كفارة عليه في مثل هذا"2. وقال ابن قدامة من الحنابلة: "من حلف أن لا يفعل شيئا ففعله ناسيا فلا كفارة عليه"، ونقل رواية أخرىي عن الإمام أحمد بالحنث. وقال: "إن فعله غير عالم بالمحلوف عليه كرجل حلف لا يكلم فلانا فسلم عليه يحسبه أجنبيا أو نحو ذلك فهو كالناسي"3. من فروع هذا الضابط: 1- أن المولي إذا أراد الفيأة ولم يمكنه ذلك، لعذر فيه أو في المرأة فإن فيأته تكون باللسان أي بالوعد بالجماع متى قدر عليه
عند كثير من الفقهاء، ولا كفارة عليه في هذه الحال1. 2- إذا قال الرجل لامرأته: "أنت عليّ حرام" وهي محرمة عليه لحيض أو نحوه أو قال: "أنت كأمي" مما يحتمل الظهار وغيره ولم يكن له قصد معين، فإنه لا يكون ظهارا فلا كفارة2. وجه التيسير: صورة التيسير المترتبة على هذا الضابط ظاهرة حيث أسقط الشارع الكفارة عمّن استحقها لقيام الشبهة العارضة المانعة من لزومها للمكلف.
الضابط الثالث: لا تجب الإعارة إلا حيث تعينت لدفع مفسدة.
الضابط الثالث: لا تجب الإعارة إلا حيث تعينت لدفع مفسدة. ... الضابط الثالث: لا تجب الإعادة إلا حيث تعينت لدفع مفسدة. أورد هذا الضابط السيوطي بهذا اللفظ، تحت عنوان قاعدة1، وذكر بعده قاعدة أخرى هي قوله: "العرية لا تلزم إلا في صور"2، وأشار إلى معناها عدد من الفقهاء بذكر بعض صورها، وأورد الزركشي قاعدة لفظها: ((الفرض لا يؤخذ عليه عِوَض)) ، وذكر من فروعها مسائل مما يجب بذله بالإعارة ونحوها3، وأورد ابن رجب قاعدة أعم من هذا الضابط خلاصتها أنه "يجب بذل ما تدعو الحاجة إلى الانتفاع به من الأعيان -ولا ضرر في بذله- مجانا في الأظهر" ولكن يظهر من أمثلته أن البذل المقصود غي أغلب صورها هو البذل على سبيل الإعارة أو مافي معناها4.
معاني المفردات: الإعارة لغة: مصدر أعار يُعير وبمعناها العارية، وهي من التعاور وهو التداول. يقال: عار السيء إذا ذهب وجاء، وقيل: كأنها من منسوبة إلى العار؛ لأن طلبها عارٌ1. وفي اصطلاح الفقهاء: هي تمليك منفعة بلا بدل2، وقيّدها بعضهم بأن تكون مؤقتة3. وقيل: إباحة الانتفاع بعين من أعيان المال4. المعنى الإجمالي: العرية في أصلها عقد جائز أي أن لمالك العين أن يعيرها وله أن يمنعها، وإذا أعارها كان له أن يستردها متى شاء ما لم يكن ذلك محددا بوقت؛ فإن كانت محددة بوقت لم يكن للمعير استرجاعها قبله. وهذا الضابط يدل على أن الإعارة قد تجب على مالك العين
وذلك عندما يترتب على معناها وعدم إعارتها مفسدة1. والظاهر من إيراد السيوطي للضابطين المتقدمين أنه يريد بالأول منهما أن الإعارة قد تجب ابتداء كوجوب إعارة الدلو لمن يريد أن يستقي أو يسقي مواشيه وهو مضطر لذلك، ويريد بالآخر أن الإعارة قد تلزم بمعنى وجوب استمرارها وعدم جواز استرجاع العين المعارة إذا كان في استرجاعها مفسدة ظاهرة، وضرر على المستعير كمن أعار غيره أرضا ليزرعها فأراد المعير أن يرجع قبل أن يحصد المستعير ما زرع، وكمن أعار غيره أرضا ليدفن فيها ميتا، ثم أراد الرجوع فيها قبل أن يبلى ذلك الميت حيث ذهب كثير من الفقهاء إلى منعه من ذلك على ما سيأتي تفصيله قريبا إن شاء الله؛ وذلك دفعا لأعظم المفسدتين بارتكاب أخفهما؛ إذ في لزوم الإعارة في هذه الأحوال مضرة في حق المعير لكن الشارع لم يراعها لكون ارتكابها يدفع مفسدة أعظم. وقد قيد بعض العلماء هذا الضابط وما في معناه بعدم تضرر
صاحب العين كما نص على ذلك ابن رجب1؛ ولذا فإن بعض الفقهاء قد نصوا على أن الإعارة إذا كانت مؤقتة بزمن معين أو غرض ولزم استمرارها لدفع مضرة المستعير، فإن عليه أجرة المثل فيما زاد عن المدة المؤقتة لدفع الضرر عن المعير2. ولا يخفى أن الضرر أمر نسبي؛ إذ لا يخلو بذل عين من الأعيان وإباحة الانتفاع بها من قدر من الضرر. الأدلة: يمكن الاستدلال لهذا الضابط بما يلي: أولا: قوله تعالى: {فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ فِي غَمْرَةٍ سَاهُونَ الَّذِينَ هُمْ يُرَاؤُونَ وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ} 3. فقد أخذ بعض العلماء من الوعيد الوارد في هذه الآيات وجوب العاريّ عند احتياج الناس إليها4.
ثانيا: بعض الأدلة التي فيها الأمر بأنواع معينة من البذل وذم منعها. كحديث: "لا يمنع جار جارَه أن يغرز خشبه في جداره" 1. ومن هذا القبيل الأثر المروي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "أن الضحاك2 بن خليفة ساق خليجا3 له من العُرَيْض4
فأراد أن يمر في أرض محمد بن مسلمة1 فأبى محمد. فقال له الضحاك: لمَ تمنعني وهو لك منفعة تشرب به أولا وآخرا ولا يضرك؟ فأبى محمد، فكلم فيه الضحاك عمر بن الخطاب، فدعا عمر بن الخطاب محمد بن مسلمة، فإمر أن يخلي سبيله، فقال محمد: لا، فقال عمر: لمَ تمنع أخاكم ما ينفعه وهو لك نافع تسقي به أولا وآخرا وهو لا يضرك؟ فقال محمد: لا والله، فقال عمر: والله ليمرنّ ولو على بطنك، فأمره عمر أن يمرّ به، ففعل الضحاك"2. ثالثا: العمومات التي فيها الحث على التعاون، وإحسان الناس بعضهم إلى بعض، وبذل المعروف وهي كثيرة منها: قوله تعالى: {وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ} 3، وقوله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} 4.
فإن هاتين الآيتين ومافي معناهما تتضمنان بعهومهما الأمر بالإحسان إلى الناس ببذل ما تدعو حاجتهم إلى بذله1. رابعا: عموم الأدلة الدالة على النهي عن إبقاع الضرر على الغير. كقوله صلى الله عليه وسلم: "لا ضرر ولا ضرار" 2؛ فإن منع ما يحتاج الناس إليه مع عدم التضرر ببذله يعدّ من قبيل الإضرار بالغير3. ولما كان بعض الفقهاء قد ذكر القاعدة بلفظ أعم بحيث يشمل البذل على سبيل العارية، وغيرها؛ فإنه يمكن الاستدلال بحديث: "لا تمنعوا فضل الماء لتمنعوا به فضل الكلأ"4، ومافي
معناه من الأحاديث. عمل الفقهاء بهذا الضابط: اتفق العلماء على استحباب العاريّ في حق المعير لكونها من الإحسان المأمور به ولما فيها من قضاء حوائج الناس، وعلى أنه يتأكد هذا الاستحباب في حال الحاجة والضرورة. أما وجوبها ابتداء فإن أكثر الفقهاء لم يصرحوا به، ولعل ذلك راجع إلى أن عدم وجوبها هو الأصل، وقد صرح ابن قدامة بأن أكثر العلماء لا يرون وجوبها1 وقد تقدمت الإشارة إلى أنه قد نقل عن بعض العلماء إيجابها. وإنما أوجب جمهور الفقهاء من الحنفية والشافعية والحنابلة العارية بمعنى استمرارها إذا ما كان المستعير يتضرر من استرجاع العين المعرة، كالذي يستعير أرضا ليزرعها أو ليبني عليها بناء أو نحو ذلك، ويكون ذلك مؤجلا بأجل محدود فإنه إذا انتهى الأجل قبل الحصاد، وقبل الانتفاع المقصود لزم المعير عند الجمهور
أن يستمر في إعارة الأرض ولم يجز له إلزام المستعير بتخليتها، وعلى المستعير أجرة المثل عند أكثر الفقهاء. على تفصيل في ذلك سيأتي بيانه إن شاء الله. قال الكاساني من الحنفية: "فأما إذا استعار أرضا للزراعة فزرعها ثم أراد صاحب الأرض أن يأخذها لم يكن له ذلك حتى يحصد الزرع. بل تترك في يده إلى وقت الحصاد بأجرة المثل استحسانا"1، وذكر ابن نجيم عددا من الصور التي للمستعير فيها حق المنع من أداء ما استعاره بعد أن يطلب منه2, وذكر النووي في مثل هذه الصورة أنه إن كان مما يُعتاد قطعه كلّف قطعه وإلا فأرجه أصحها: أنه يلزم المعير إبقاؤه إلى أوان الحصاد، وهل له الأجرة؟ وجهان3. وقال ابن قدامة: "وللمعير الرجوع في العارية في أي وقت شاء سواء كانت مطلقة أو مؤقتة ما لم يأذن في شغله بشيء يتضرر بالرجوع فيه"4
وظاهر مذهب المالكية أنه لا يلزم المعير ذلك. قال الخرشي: "من أعار شخصا أرضه ليبني فيها، أو يغرس غرسا إلى مدة معلومة ثم انتقضت مدة البناء أو الغرس المشترطة أو المعتادة، فإن المستعير حكمه حكم الغاصب فإن شاء أمره بالقلع وتسوية الأرض، أو أمره بإبقاء ما فعل ويدفع له قيمة ذلك منقوضا ... الخ كلامه1. فظهر من هذا أن الجمهور يقولون بلزوم استمرار الإعارة في حالة كون الرجوع فيها يؤدي إلى ضرر بالمستعير، وهذا نوع من وجب الإعارة بعد اتفاقهم على استحبابها، والله أعلم. من فروع هذا الضابط: تقدم ذكر بعض فروع هذا الضابط ومنها أيضا: 1- من أعار غيره لوحا ليرقع به سفينة، فليس للمعير طلب العارية ما دامت في البحر لما يترتب عليه من ضرر2 2- ومن فروعها ما ذهب إليه بعض الفقهاء من وجوب إعارة
الدلو، والفأس، ونحوهما ابتداء إذا احتيج إلى بذله لدفع مفسدة، وتعيّن1. وجه التيسير: وجه التيسير في هذا الضابط على القول بوجوب الإعارة في بعض الصور أن الشارع قد ألزم مالك العين ببذل منفعتها لمن يحتاج إليها مراعاة لحاجة الناس وهذا ظاهر في حق المستعير؛ لأنه هو المستفيد من هذه المنفعة. أما في حق المعير فقد يبدو الأمر على خلاف ذلك؛ لأنه يتضرر ببذل ماله لكن الشارع رجّح دفع المفسدة العظمى على دفع المفسدة الدنيا على القاعدة المشهورة في الموازنة بين المصلحتين أو المفسدتين عند تعارضهما وذلك بناء على أن ملك الإنسان للمال إنما هو من قبيل الاستخلاف فيه كما قال تعالى: {وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ} 2.
الضابط الرابع: لا تصح الوصية بكل المال إلا في صور.
الضابط الرابع: لا تصح الوصية بكل المال إلا في صور. ذكر هذا الضابط الزركشي، والسيوطي وااستثنيا منه ثلاث مسائل1. معاني المفردات: الوصية في اللغة: من وَصَى بمعنى اتصل، ووصّاه توصيةً عهد إليه2 وفي اصطلاح الفقهاء: تمليك مضاف إلى ما بعد الموت3. المعنى الإجمالي: هذا الضابط واضح المعنى ففيه المنعُ من الوصية بكل المال وتحريمه لما فيه من الإضرار بالورثة. ولكن بالنظر إلى الدليل الذي
بيّن حدَّ ما تجوز به فإن الأولى أن تكون صيغة هذا الضابط (لاتصح الوصية بما زاد على الثلث إلا في صور) ؛ لأن هذا يتضمن منع الوصية بكل المال وما دونه إلى الثلث. الأدلة: الأصل في هذا الضابط حديث سعد بن أبي وقاص1 رضي الله عنه وفيه: "قلت يا رسول الله صلى الله عليه وسلم أوصي بمالي كله؟ قال: "لا". قلت: فالشطر؟ قال: "لا". قلت: الثلث؟ قال: "فالثلث والثلث كثير" الحديث2. وهو صيريح في النهي عن الوصية بما زاد على الثلث. العمل بالضابط: اتفق العلماء على أن الأصل عدم جواز الوصية بما يزيد على
ثلث المال1. إلا أن منهم من استثني من ذلك بعض المسائل التي لا تكون الوصية فيها بما زاد على الثلث سببا في الإضرار بالورثة كما لو أجاز الورثة الوصية بما زاد على الثلث2، أو لم يكن له ورثة3. وأما المسألتان الأخريان اللتان استثناهما الزركشي، والسيوطي فإني لم أقف على تصريح في كتب الفقه بحكمهما.
ولكن الذي يظهر أن سبب استثناء وصية المستأمن إذا أوصى بكل ماله من حُكم هذا الضابط هو ما ورد (أن رجلا من اليهود يقال له مُخَيْرِيْق1 خرج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة أحد وقال حين خرج: إن أصبت فأموالي لمحمد يَضَعُها حيث أراه الله. فقال صلى الله عليه وسلم: "مخيريق خير يهود" 2. وسبب استثناء من أوصى بعتق عبيده الذين لا مال له سواهم،
ثم ماتوا. هو حديث عمران بن حصين: "أن رجلا أعتق ستة مملوكين له عند موته لم يكن له مال غيرهم فدعا بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فجزّأهم أثلاثا، ثم أقرع بينهم، فأعتق اثنين، وأرقّ أربعة، وقال له قولا شديدا". فتقييدهم للمسألة المستثناه بكون المعتقين قد ماتوا؛ لعدم إمكان تحقق القرعة، والإعتاق، والله أعلم. وهذا الضابط أشبه ما يكون بالفرع الفقهي حيث لا يظهر له مسائل جزئية تتفرع عليه، والظاهر أن المراد من إيراد هو التنبيه على ما يُستثنى منه مسائل. وجه التيسير: التيسير المستفاد من هذا الضابط متحقق في جانب الورثة أكثر فقد بين النبي صلى الله عليه وسلم سبب النهي عن الوصية بما يزيد على الثلث في حديث سعد المتقدم حيث قال: "إنك إن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس" ومع هذا فإنه يُلمح جانب آخر من التيسير على المورث أو صاحب المال؛ لأن الإنسان
بغريزته يحب المال وتميل نفسه إلى الاحتفاظ به، أو بذله لمن يحبه طبعا من ولد أو قريب. لكن المؤمن يخالفه هواه ومستحبّه؛ طلبا للأجر والمثوبة كما قال سبحانه: {وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ} 1، وقال: {إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُوراً} 2. فإذا جعل الشارع الأجر مستحقا على ترك المال للولد والقريب وجعل ذلك قربة لله تعالى وصدقة كما جاء في آخر الحديث المتقدم: "وإنك مهما أنفقت من نفقه فإنها صدقة حتى اللقمة التي ترفعها إلى في امرأتك". كان ذلك مراعاة لميل النفس البشرية وتيسيرا ظاهرا على صاحب المال، والله أعلم.
الضابط الخامس: لا رابطة بين الإمام والمأموم وكل منهما يصلي لنفسه.
الضابط الخامس: لا رابطة بين الإمام والمأموم وكل منهما يصلي لنفسه. أورد السبكي هذا الضابط وعنون له ب (مأخذ) 1، ونص على أنه من ضوابط المذهب الشافعي حيث قال: "قال علماؤنا: لا رابطة بين الإمام والمأموم وكل منهما يصلي لنفسه"، ثم بين ضابط المذاهب الأخرى في ذلك2. وقال الإمام الشافعي: "كما لا يجزئ عني فعلُ إمامي فكذلك لا يُفسد عليّ فعل إمامي"3، كما أشار إلى هذا الضابط ابن تيمية مبرزا قول الفقهاء في مدى الارتباط بين صلاة الإمام وصلاة المأموم4. وذكره المقري في مواضع مفصلا رأي المالكية في ذلك5.
وأشار إليه القرافي عند بيان الفرق بين ما يجوز فيه تقليد المجتهد لمجتهد آخر، ومالا يجوز فيه ذلك1. المعنى الإجمالي: لعل أوضح ما يبين معنى هذا الضابط ما أوضحه به السبكي حيث قال: " ... ولا نعني بانتفاء الرابطة انتفاء العلاقة رأساً فإن بينهما علاقة بلا شك, وإنما نعني بالرابط أن لا يلزم من فساد واحدة, أو كونها مؤداة فساد الأخرى, ولا كونها مؤداة بل قد تكون صحيحة أو مقضية"2. وقال في –موضع آخر-: "ولا ننكر بينه –أي المأموم- وبين الإمام علاقة لكنها لا تنتهي إلى الحد الذي قالوه"3 أي من ذهب إلى فساد صلاة المأموم بفساد صلاة الإمام كما سيأتي تفصيله إن شاء الله –تعالى-. الأدلة: استدل الآخذون بهذا الضابط بحديث: "يصلون لكم فإن أصابوا فلكم ولهم وإن أخطأوا فلكم وعليهم" 4.
نقل ابن حجر عن ابن منذر قوله: "هذا الحديث يرد على من زعم إن صلاة الإمام إذا فسدت فسدت صلاة من خلفه", وقال: واستدل بعضهم على صحة الإئتمام بمن يخل بشيء من الصلاة ركناً أو غيره إذا أتم المأموم, وقيد ذلك بالأمور الاجتهادية. كمن يصلي خلف من لا يرى قراءة البسملة, ولا أنها من أركان القراءة, ولا أنها آية من الفاتحة. بل يرى أن الفاتحة تجزيء بدونها فإن صلاة المأموم تصح إذا قرأ هو البسملة؛ لأن غاية حال الإمام في هذه الحالة أن يكون أخطأ وقد دلّ الحديث على أن خطأ الإمام لا يؤثر في صلاة المأموم إذا أصاب1. وقال ابن تيمية: إن هذا الحديث نص في أن الإمام إذا أخطأ كان درك خطئه عليه لا على المأمومين2. 2- حديث: "الإمام ضامن فإذا أحسن فله ولهم, وإن أساء فعليه ولا عليهم"3. وهو في معنى الحديث الأول, وفي معنا هما
أحاديث أخرى1. 3- ما روي "أن عمر –رضي الله عنه – صلى بالناس وهو جنب فأعاد ولم يأمرهم أن يعيدوا"2 4- ما روي "أن عثمان بن عفان –رضي الله عنه – صلى بالناس وهو جنب, فلما أصبح نظر في ثوبه احتلاماً فقال: كبرت والله, ألا أراني أجنب ثم لا أعلم ثم أعاد ,ولم يأمر هم أن يعيدوا "3. 5- ما روي عن علي –رضي الله عنه – أنه قال: "إذا صلى الجنب بالقوم فأتم بهم الصلاة آمره أن يغتسل ويعيد ولا آمرهم أن يعيدوا"4.
ولما كان هذا الضابط محل خلاف بين العلماء كان من المناسب بيان ما يستدل به المخالفون, وهم الذين يرون أن صلاة المأموم تفسد بفساد صلاة إمامه. فقد ذكر السبكي, وابن تيمية أن مما استدلوا به حديث: "الإمام ضامن والمؤذن مؤتمن ... "1. قال صاحب النهاية في غريب الحديث2: "أراد بالضمان –ههنا –الحفظ والرعاية لا ضمان الغرامة؛ لأنه يحفظ على القوم صلاتهم, وقيل: إن صلاة المقتدين به في عهدته وصحتها مقرونة بصحة صلاة فهو كالمتلف لهم صحة صلاتهم". وقال السبكي: "ولا حجة لهم فيه إذ لا يلزم من كونه ضامناً أن تفسد صلاة المأموم بفساد صلاته لاسيما وقد فسر الضامن بخلاف هذا" يعني ما تقدم من حديث: "الإمام ضامن فإذا أحسن فله ولهم وإن أساء فعليه ولا عليهم"3.
وقد استدل المرغيناني1 بحديث: "من أم قوماً ثم ظهر أنه كان محدثاً أو جنباً أعاد صلاته وأعادوا"2. العمل بالضابط: ذهب الجمهور من المالكية, والشافعية, والحنابلة إلى الأخذ بهذا الضابط واختلفوا في بعض التفصيل, فقد تقدم أن السبكي نص على أن مذهب الشافعية عدم الرابطة بين الإمام والمأموم وأن صلاة المأموم لا تفسد بفساد صلاة الإمام3, ومن نصوص الشافعية ما تقدم من نقل عن الإمام الشافعي.4
وقول الشيرازي:"فإن صلى من خلف المحدث غير الجمعة ولم يعلم, ثم علم فإن كان ذلك في أثناء الصلاة نوى مفارقته وأتم, وإن كان بعد الفراغ لم تلزمه الإعادة؛ لأن ليس على حدثه أمارة فعذر في صلاته خلفه ", وزاد النووي:" سواء كان الإمام عالماً بحدث نفسه أم لا؛ لأنه لا تفريط من المأموم في الحالين".1 ونقل السبكي عن الإمامين مالك, وأحمد أنهما قالا: يسري النقص إلى المأموم عند عدم العذر لا مع العذر2, وكذالك نقله ابن تيمية, ونقل عن الإمام أحمد رواية أخرى بفساد صلاة المأموم3. ومن أقوال الفقهاء المالكية في هذا قول الخرشي: "لو استمر الإمام على حدثه ناسياً للحدث, ولم يعلم المأموم إلا بعد فراغه صحت صلاة القوم دونه على المشهور"4 ومن أقوال فقهاء الحنابلة قول ابن قدامة: "إن الإمام إذا صلى بالجماعة محدثاً أو جنباً غير عالم بحدثه, فلم يعلم هو ولا
المأموم حتى فرغوا من الصلاة فصلاتهم صحيحة, وصلاة الإمام باطلة"1 وأما الإمام أبو حنيفة فقد ذهب إلى أن بينهما رابطة, وأن كل خلل حصل في صلاة الإمام يسري إلى صلاة المأموم؛ لأن فرع عليه هذا ما نقله عنه السبكي2, وابن تيمية3. وصرح فقهاء الحنفية بهذا فقال الإمام أبو زيد الدبوسي4: ((الأصل عندنا أنصلاة المقتدي متعلقة بصلاة الإمام تفسد بصلاة إمامه, وتجوز بجوازها)) وقال ابن عابدين: "فلو تبين فسادها –أي الصلاة – فسقاً من الإمام, أو نسياناً لمضي مدة المسح, أو لوجود الحدث أو غير
ذلك لم تصح صلاة المقتدي لعدم صحة البناء"1, وقال ابن تيمية: إن المذهب المفرق بين أن يكون المأموم معذوراً وبين أن لا يكون كذلك هو أوسط الأقوال2, وقال السبكي: "وزعما-أي الإمامين مالك وأحمد-أن هذا توسيط بين المذهبين"3.
وبالنظر في مسألة أخرى من المسائل هذا الضابط –وهي مسألة اقتداء المصلي بإمام يخالفه في الفروع1- بحيث تكون صلاة الإمام صحيحة في اعتقاده دون اعتقاد المأموم – نجد أن ما ذكره السبكي من رأي الشافعية ليس على إطلاقه, فقد حكى النووي في ذلك أربعة أوجه, ثم قال وإن تحققنا الإتيان بجميعه, أو شككنا صح, ونسب ذلك الوجه إلى الأكثرين منهم2. وقد ذهب الحنفية إلى عدم صحة الصلاة المأموم في هذه الحال.
قال ابن عابدين –بعد أن بين- فساد صلاة من صلى خلف إمام محدث, ثم علم بعد ذلك -:وكذا لو كانت صحيحة في زعم الإمام فاسد في زعم المقتدي, لبنائه على فاسد في زعمهم فلا يصح ". إلا أنه قال: "وفيه خلاف وصحح كل"1. وذهب المالكية, والحنابلة إلى صحة الصلاة خلفه.2 من فروع هذا الضابط: 1- صلاة المفترض خلف المتنفل مؤتماً به, حيث ذهب الشافعية, والحنابلة – في إحدى الروايتين – إلى جوازه, ومنعه الحنفية والمالكية والحنابلة في الرواية الأخرى.3 2- صلاة المتنفل خلف المفترض. قال ابن قدامة: "لا نعلم بين أهل العلم فيه اختلافاً"4 وإن كان بعض الفقهاء لم يصرح بهذا الحكم لكنهم صرحوا بصحة إئتمام من يصلي فرضاً بمن يصلي
وبالنظر في مسألة أخرى من المسائل هذا الضابط –وهي مسألة اقتداء المصلي بإمام يخالفه في الفروع1- بحيث تكون صلاة الإمام صحيحة في اعتقاده دون اعتقاد المأموم – نجد أن ما ذكره السبكي من رأي الشافعية ليس على إطلاقه, فقد حكى النووي في ذلك أربعة أوجه, ثم قال وإن تحققنا الإتيان بجميعه, أو شككنا صح, ونسب ذلك الوجه إلى الأكثرين منهم2. وقد ذهب الحنفية إلى عدم صحة الصلاة المأموم في هذه الحال.
الضابط السادس: لا ضمان على القاضي إذا أخطأ.
الضابط السادس لاضمان على القاضي إذا أخطأ. ذكر هذا الضابط الحصيري -من الحنفية - في عدة مواضع1, ونص في أحدها على أنه يكون في بيت المال2,وأورده ابن رجب تعريفاً على قاعدة المباشرة والسبب3. معاني المفردات: الضمان لغة: الكفالة يقال: ضمنت الشيء ضماناً أي كلفت به, ويأتي بمعنى الالتزام4. وله في اصطلاح الفقهاء إطلاقان: أحدهما: أنه بمعنى الكفالة وعرف- حينئذ- بأنه: شغل ذمة أخرى بالحق, أو ضم ذمة الضامن إلى ذمة المضمون عنه في التزام الحق. والثاني: أعم منه وهو: رد مثل التالف إن كان مثلياً أو
قيمته إذ كان لا مثل له1, وهو المراد هنا. المعنى الإجمالي: هذا الضابط يقتضي أنه إذا حدث من القاضي خطأ في حكم, ونفذ ذلك الحكم, وترتب عليه إتلاف أو نحوه مما يقتضي الضمان, فإن القاضي لا يتحمل هذا الضمان في ماله وإن كان هو المباشر للحكم. وحينئذ فالضامن إما عاقلة القاضي, أو بيت مال المسلمين, أو الشهود, أو مقضي له (كل حالة بحسبها) . وقد يطلق بعض الفقهاء أن على القاضي الضمان, وهذا لا يعني-قطعاً- أن المراد أن عليه الضمان في ماله. بل قد يكون هذا هو المراد, وقد يكون المراد أن عليه الضمان وتتحمل العاقلة, أو بيت المال, أو يرجع على الشهود, أو نحو ذلك2. وقد صرح
بعض الفقهاء بأن القاضي يضمن، ثم بين أنه يجب عليه في بيت المال أو على العاقلة أو غيرهما1 فيكون مرادهم بقولهم: يضمن أو يجب عليه الضمان أن المقضيَّ عليه يستحق الضمان. ولخطأ القاضي عدة صور فمنها: أن يخطئ القاضي في الاجتهاد والحكم، ومن صوره أيضا: أن يخطئ بسبب الحكم بشهادة شهود، ثم يتبين كذبهم أو فسقهم أو غيره مما يقدح في صحة شهادتهم2. ويُعد بعض الفقهاء من صور الخطأ القاضي أن يتعمد الحكم بما لا يصح الحكم بموجبه كشهادة الفاسق ونحوه لعلمه بصدقه في تلك القضية. وهاتان الصورتان وبخاصة صورة
تعمد الجور إنما تعدّ من قبيل الخطأ بمعنى عدم موافقتها لمطلوب الشرع لا من باب عدم القصد. وظاهر كلام الفقهاء الاتفاق على أن الضمان في هذه الصورة يكون في مال القاضي1. والذي يظهر أن المراد بهذا الضابط هو الصور التي لا يتعمد القاضي فيها الجور، أو الحكم بما لا يصح الحكم بموجبه، ويدل على ذلك المثال الذي ذكره الحصيري لهذا الضابط2. الأدلة: يستدل لذها الضابط بعدد من الأدلة أهمها: أولا: الأدلة الدالة على أنه لا إثم على الحاكم أو القاضي إذا حكم باجتهاده، ولو أخطأ إذا كان أهلا للحكم والاجتهاد، وبذل وسعه. ومن ذلك حديث: "إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران، وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر" 3.
وحديث: "إنما أنا بشر وإنكم تختصمون إلي ولعل بعضكم أن يكون ألن بحجة من بعض، فأقضي له على نحو ما أسمع فمن قصيت له من حق أخيه شيئا فلا يأخذه فإنما أقطع له قطعة من النار"1. ففي قوله: "فلا يأخذه فإنما أقطع له قطعة من النار" دليل على عدم إثمه. وعدم الإثم دليل على أنه فعل ما أذن له فيه شرعا، ومن فعل ما أذن له فيه شرعا لم يضمن بنفسه وإن كان الضمان يلزم بالنظر إلى أنه حق للغير. لكنه لا يلزم في مال المباشر كما في دية قتل الخطأ، وقد ثبت بالحديث الأول أن للحاكم أجرا واحد إذا اجتهد فأخطأ. ثانيا: ما روي "أن رجلين أتيا عليّا فشهدا على رجل أنه
سرق فقطع يده، ثم أتياه بآخر فقالا: هذا الذي سرق وأخطأنا على الأول فلم يُجز شهادتهما على الآخر وأغرمهما دية الأول وقال: لو أعلم أنكما تعمدتما لقطعتكما"1. والدليل فيه أنه جعل الغُرم على الشاهدين، وعلّق القصاص منهما على كونهما تعمدا ذلك. ولم يلزم نفسه باعتباره قاضيا بشيء ولم يذكر له مخالف من الصحابة2. ثالثا: الأثر المتقدم عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه فإنه لما أشير عليه بأن الدية أمر بها أن تقسم في عاقلته حيث قال: "عزمت عليك لا تبرح حتى تقسمها في قومك"3. رابعا: أن جعل الضمان في مال القاضي يؤدي إلى نفرة الناس من القضاء، فتتعطل مصلحته؛ لأن القاضي عرضة للخطأ لكثرة ما يقضي فيه؛ ولأنه قد يستند في حكمه إلى أدلة غير
يحتمل ظهور خطئها، وكذلك جعله على العاقلة، وذلك على القول بأنه يكون في بيت المال1. العمل بالضابط: تقدم أن الغالب هو أن المراد بحكم هذا الضابط الصور التي لا يكون القاضي فيها متعمدا للجور، أو للحكم بما لا يصح الحكم بموجبه. وعلى هذا فقد اتفق الفقهاء على أن الضمان في هاتين الحالتين ونحوهما يكون في مال القاضي، فمنهم من صرح بذلك ومنهم من يؤخذ هذا من فحوى كلامه؛ إذا قد لا يعد بعضهم مسألة الجور من الخطأ2. ويبقى البحث في أنه هل يجب الضمان في مال القاضي إذا أخطأ في غير هاتين الصورتين؟ فصّل الفقهاء في ذلك تفصيلا كثيرا وذكروا من المسائل مالا يضمن فيها القاضي إذا أخطأ، إلا أنهم صرحوا بأن الضمان قد يكون على القاضي في بعض الصور. وهذا كما نقدم ليس
بصريح في كونه في مال القاضي؛ لذا فإن منهم من أتبع ذلك ببيان معنى ضمان القاضي وهو أن يكون ذلك في بيت المال، أو على عاقلة القاضي، أو على الشهود، أو على المقضي له، وأطلق بعضهم القول بضمانه في تلك الصور وهذه بعض نصوص الفقهاء في ذلك: جاء في قرة عيون الأخيار (تكملة رد المحتار) ما ملخصه: "أن القاضي يضمن بمعنى أنه متى ظهر خطؤه فيما قضى بيقين فإنه يضمن ما قضى به ويرجع بذلك على المقضي له أو على بيت المال"1. وقال ابن جزي المالكي: "إذا حكم حاكم بشهادة شاهدين، ثم قامت بعد الحكم بينة بفسقهما لم يضمن ما أتلف بشهادتهما، ولو قامت بينة بكفرهما أو ورقهما ضمن"2. وقال الشيرازي من الشافعية: "ومتى نُقض الحكم فإن كان المحكوم به إتلافا كالقطع والقتل ضمنه الإمام، وإن كان مالا فإن كان باقيا رده وإن كان تالفا ضمنه المحكوم له، فإن كان
معسرا ضمنه الحاكم، ثم يرجع به على المحكوم له إذا أيسر"1, وقال صاحب مغني المحتاج: "فإن قالوا أخطأنا فعليه نصف دية وعليهم نصف"2. وقال ابن قدامة: "وأما إن تبين فسق المزكيين فالضمان على الحاكم لأن التفريط منه قبل شهادة فاسق من غير تزكية ولا بحث فيلزمه الضمان"، وقال: "ولو جلد الإمام إنسانا بشهادة شهود، ثم بان أنهما فسقة أو كفرة أو عبيد فعلى الإمام ضمان ما حصل من أثر الضرب"3. وخلاصة ما تقدم فيما ظهر لي أن الأصل في القاضي ألا يضمن أي لا يكون الضمان في ماله إلا إذا فرط بوجه من الوجوه4.
من فروع هذا الضابط: تقدم ذكر بعض فروع هذا الضابط، ومن فروعه أيضا تغريم الشهود إذا رجعوا عن شهادتهم بعد الحكم إذا تضمن الحكم إتلافا1. وجه التيسير: وجه التيسير في هذا الضابط أن الخطأ قد يقع في أحكام القاضي؛ لكثرة ما يصدر عنه من أحكام؛ ولأنه يحكم بموجب البينات والقرائن الظاهرة وقد يتبين الأمر بخلاف الظاهر. فإذا عمل القاضي بمقتضى ما يلزمه من التحري في الشهود، والاجتهاد في الحكم مع أهليته لذلك، ثم حكم فأخطأ فإن مقتضى هذا الضابط أن لا يلزمه ضمان ما تلف بسبب حكمه في ماله؛ تيسيرا وتخفيفا؛ لأنه لو ألزم بضمان ذلك لكان إجحافا في حقه ولحقه الضرر، وكذلك لو ألزم بذلك عاقلته في كل قضية2، وربما أدى
ذلك إلى أن يترك الناس القضاء، وتتعطل بذلك المصالح العامة. كما تقدمت الإشارة إلى ذلك؛ ولأنه لا يتصرف في ذلك لنفسه. بل لغيره1.
الضابط السابع: لا يتوقف الملك في العقود القهرية الاضطرارية على دفع الثمن بل يقع العقد ويكون الثمن مضمونا في الذمة.
الضابط السابع: لا يتوقف الملك في العقود القهرية الاضطرارية على دفع الثمن بل يقع العقد ويكون الثمن مضموناً في الذمة. ... الضابط السابع: لا يتوقف الملك في العقود القهرية الاضطرارية على دفع الثمن بل يقع ويكون الثمن مضموناً في الذمة. (صياغة) ذكر ابن رجب هذا الضابط بمعناه في صيغة استفهام "هل يتوقف الملك في العقود القهرية على دفع الثمن ... "1,وأشار إلى معنى هذا الضابط العز بن عبد السلام في بيان أنواع القبض2, كما أشار إليه البعض في قاعدة ((الاضطرار لا يبطل حق الغير)) معاني المفردات: العقود: جمع عقد وقد تقدم بيان معناه4.
القهرية: نسبة إلى القهر وهو الغلبة يقال: أخذتُ فلاناً قُهرةً أي اضطراراً1. وقد يطلق عليها (العقود الجبرية) , أو (التملك الجبري) , والمراد بها:مالا يشترط فيه رضا أحد الطرفي العقد. وقد قسمها الشيخ مصطفى الزرقاء إلى قسمين: الأول منها: العقود تقوم بإجرائها السلطة القضائية مباشرة وصراحة نيابة عمن تجب عليهم إذا امتنعوا عن إجرائها كبيع مال المدين جبراً لأجل وفاء الدين. والثاني: التملك الجبر المسمى-عرفاً-نزع الملكية الجبري وله صورتان: أ) الصورة الأولى: أن يكون حق التملك الجبري ممنوحاً لشخص معين كالشفعة. ب) والثانية: أن يكون حق التملك لأجل المصالح العامة.2 ويذكر الفقهاء هذا المعنى عند بيان بعض العقود التي
لا يشرط لها الرضا كالشفعة.1 المعنى الإجمالي: لما كان العقد القهري لا يتوقف على رضا صاحب العين المعقود عليها. على خلاف الأصل في العقود, وكان من المتقرر شرعاً أن هذا لا يسقط حق مالك العين في أخذ العوض عن تلك العين, بين الفقهاء في ذا الضابط الحكم في نوع معين من العقود القهرية وهو ما يكون قائماً على الاضطرار إذا لم يكن مع المضطر ثمن ما يضطر إليه, وهو كون العقد يتم وإن لم يدفع الثمن وقت أخذه والانتفاع به بحيث يكون الثمن مضموناً في ذمته؛ وذلك لئلا تفوت منفعة مشروعية هذا العقد القهري؛ وليحصل رفع الاضطرار2. الأدلة: يستدل لهذا الضابط بمجموع الأدلة الدالة على حرمة مال الغير إلا برضاه, ووجوب الضمان فيه عند إتلافه - ما لم يكن المتلف متسبباً في أذى متلفه - كقوله صلى الله عليه وسلم: "إن دماءكم
وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام ... "1 , مع عموم الأدلة على أنه يجوز للمضطر -في حالة الاضطرار - مالا يجوز في غيرها كقوله -تعالى-: {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلاّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْه} 2. فإذا كان الشارع قد أجاز للمضطر حفظ حياته بمال غيره عند الاضطرار, وأوجب ضمان المتلف فلا بد أن يترتب على ذلك أنه إذا لم يكن معه - في حال الاضطرار - قيمة ما يضطر إليه جاز له دفع الاضطرار به ويبقى ثمنه في ذمته. العمل بالضابط: مقتضى هذا الضابط - فيما يظهر - محل اتفاق بين الفقهاء فقد اتفقوا على أنه إذا منع صاحب الطعام أو الشراب طعامه أو شرابه عن المضطر, ولم يكن بصاحب الطعام أو الشراب - نفسه - اضطرار إليه, فإن للمضطر أن يقاتله ويأخذ منه جبراً إذا خشي الهلاك3, ومعنى هذا أن تملكه لا يتوقف على رضا المالك, ولا
على دفع الثمن له ثم إن الجمهور على أن المضطر يضمن قيمة ما يأخذه اضطراراً. وهذا الفرع الفقهي هو أوضح فرع هذا الضابط. أما ما كان من العقود القهرية غير قائم على الاضطرار كالشفعة مثلاً فإن العلماء من يرى أن الشفعة لا يحق له تملك المشفوع فيه إلا بعد دفع الثمن, وقال ابن رجب: إنه الأظهر1. وجه التيسير: وجه التيسير في هذا الضابط أن الشارع سامح في مخلفة الأصل الذي هو اشتراط الرضا بين المتعاقدين, فلم يشترطه في حالة الاضطرار, ولم يشترط دفع الثمن لصحة التملك وذلك ليتحقق دفع الاضطرار عن المضطر؛ إذ قد لا يتيسر له دفع الثمن في تلك الحال, والله أعلم.
الضابط الثامن: لا يجب في عين واحد زكاتان إلا في مسائل.
الضابط الثامن: لا يجب في عين واحد زكاتان إلا في مسائل. ... الضابط الثامن: لا يجب في عين واحدة زكاتان إلا في مسائل. أورد هذا الضابط السبكي1, وأورده السيوطي بصيغة ((لا تجتمع زكاتان في مال)) 2وأطلقا عليه (قاعدة) , واستثنيا منه بعض المسائل3.
وأشار إليها المقري من المالكية حيث بين وجه اجتماع زكاة الفطر مع زكاة التجارة في العبد المرصد للتجارة وهو اختلاف سببهما1 فدل على أن الأصل أن لا تجتمع زكاتان في مال واحد, وعلل به الفقهاء في مسائل الفروع2. ويمكن إدراج هذا الضبط - المتعلق بحكم الزكاة على وجه الخصوص - تحت قاعدة عامة هي ((إذا اجتمع أمران من جنس واحد ولم يختلف مقصود هما دخل أحد هما في الآخر غالباً)) 3. معاني المفردات: عين: تقدم بيان معنى العين4.
المعنى الإجمالي: يعني الفقهاء بهذا الضابط أنه إذا ملك عيناً1, وكانت تلك العين بحيث لو نظر إليها باعتبارين مختلفين لوجبت فيها زكاتان, فإنه لا يجب عليه فيها إلا زكاة واحدة كما لو ملك سائمة وأعدها للتجارة. واستثنى الفقهاء من ذلك بعض المسائل التي يكون فيها السببان الموجبان للزكاة مختلفين بحيث يكون الشيء الواحد - باعتبار اختلاف السبب الموجب للزكاة فيه - كالشيئين وقد مضى ذكر بعض مستثنيات هذه القاعدة. الأدلة: أولاً: استدل بعض الفقهاء بحديث: "لا ثنى2 في الصدقة" 3
وهو صريح في الموضوع. ثانياً: حديث: "لا ضرر ولا ضرار", وما في معناه مما يدل على النهي عن الاضطرار بالغير؛ فإن إيجاب زكاتين في مال واحد - مع ما تقرره في قواعد الشرع من أن الأصل فيما تجب فيه الزكاة من الأموال أن تجب فيه مرة واحدة عند تحقق سبب الزكاة وتحقق شروطها فيه - إحجاب بحق المالك وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عماله على الصدقات عما يضر بالمالكين فقال صلى الله عليه وسلم لمعاذ1- في شأن أخذ الزكاة - حين بعثه إلى اليمن -: " ... فإياك وكرائم أموالهم ... "2.
العمل بالضابط: تقدم - قريباً- أن السيوطي, والسبكي من الشافعية قد نصا على ذكر هذا الضابط واستثنيا منه بعض المسائل, وأن المقري كمن المالكية قد أشار إلى المعناه. وقد صرح المرغيناني وغيره من الحنفية, وابن قدامة من الحنابلة بذكر هذا الضابط تعليلاً1, فظهر من هذا أن هذا الضابط محل اتفاق من حيث الأصل. وإنما الخلاف فيما يستثنى منه فتجب فيه الزكاة من جهتين لاختلاف السببين الموجبين للزكاة. فمما استثناه الجمهور من ذلك عبيد التجارة فإن فيهم زكاة التجارة وتجب عنهم زكاة الفطر2 وذهب الحنفية إلى أنه لا تجب عنهم زكاة الفطر3. ولم أقف على فروع مستثناة من حكم هذا الضابط عند الحنفية4.
من فروع الضابط: إذا ملك الإنسان نصاباً من السائمة وقصد به التجارة وجبت فيه زكاة واحدة بأحد الاعتبارين - على تفصيل في ذلك -, ولم تجب فيه زكاتان.1. وقد تقدم بيان خلاف الفقهاء في بعض المسائل المندرجة تحت هذا الضابط.2. وجه التيسير: وجه التيسير في هذا الضابط هو عدم إلزام صاحب المال بما يكون ضرراً عليه, ونقصاناً لماله كما هو ظاهر.
الضابط التاسع: اللهو واللعب عند الشافعي على الإباحة، وعند مالك على التحريم.
الضابط التاسع: اللهو واللعب عند الشافعي على الإباحة، وعند مالك على التحريم. ... الضابط التاسع: اللهو واللعب عند الشافعية على الإباحة, وعند المالك على التحريم. ورد هذا الضابط عند ابن خطيب الدهشة1 بنحو هذه الصيغة, ونقل السبكي هذا عن بعض الفقهاء, ثم قال: "وهذه العبارة لا أعرف أحداً من الأصحاب قالها. ولكنها قضية أن أصول الأشياء على عدم التحريم"2. المعنى الإجمالي: هذا الضابط متفرع عن قاعدة أعم وهي ((الأصل في الأشياء الإباحة)) كما هو قول السبكي. ولكنها في موضوع خاص وهو اللهو واللعب, فهي تعني أن ما لم يرد النص بتحريمه من أنواع اللعب واللهو فهو على أصله من الإباحة عند بعض الفقهاء, أو اللعب بالقمار3 أو الاشتغال بشيء من ذلك عن العبادة الواجبة, أو نحو
ذلك1. الأدلة: هذا ضابط محل خلاف كما تقدم ولذا فلابد من عرض أدلة الفريقين (أي من يرى أن الأصل فيهما الإباحة ومن يرى أن الأصل فيهما التحريم) : أولاً: أدلة من يرى أن الأصل فيهما الإباحة. من أشهر ما استدل به من يرى أن الأصل في اللهو الإباحة ما يلي: 1- أن الأصل في الأشياء -كلها - الإباحة فما لم يدل دليل على تحريم من اللهو أو غيره فهو على الأصل2.
2- حديث عائشة - رصي الله عنها - قالت: "رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً على باب حجرتي والحبشة يلعبون في المسجد ورسول الله صلى الله عليه وسلم يسترني بردائه أنظر إلى لعبهم"1. قال النووي رحمه الله تعالى: "فيه جواز اللعب بالسلاح ونحوه من آلات الحرب في المسجد ويلتحق به ما في معناه من الأسباب المعينة على الجهاد وأنواع البرّ"2. 3- حديث عائشة - رضي الله عنها- قالت: "دخل علي أبو بكر وعندي جاريتان من جواري الأنصار تغنيان بما تقاولت به الأنصار يوم بُعاث3.قالت وليست بمغنيتين, فقال أبو بكر:"
أبمزمور الشيطان في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ وذلك في يوم عيد فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا أبا بكر إن لكل قوم عيداً وهذا عيدنا" 1. قال النووي: - رحمه الله -: احتج المجيزون للغناء بهذا الحديث2. وهذان الحديثان, وما في معنا هما يدلان على إباحة نوع من اللهو في حالات خاصة. وقد يرد على الاستدلال بهما على أن الأصل في ذلك الإباحة أنه قد يفهم منهما العكس, وهو أن الأصل في ذلك التحريم وإنما
جاز في وقت معين لعلة خاصة. 4- أنه قد روي عن بعض السلف إباحة بعض أنواع اللهو كاللعب بالشطرنج1. ثانياً: أدلة القائلين بأن الأصل في اللهو التحريم. من أشهر ما استدل به من يروي أن الأصل في اللهو التحريم ما يلي: 1- قوله - تعالى -: {فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاّ الضَّلالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ} 2. قال القرطبي: روي عن الإمام مالك أنه قال: "اللعب بالشطرنج والنرد من الضلال",وأنه سئل عن الرجل يلعب في بيته مع امرأته بأربع عشر3 فقال: ما يعجبني وليس من
شأن المؤمن يقول الله - تعالى -: {فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاّ الضَّلال} 1 ". وقوله- تعالى-: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ} 2.وقد فسر جمهور السلف لهو الحديث في الآية بأنه الغناء3 3- حديث: "كل ما يلهو به الرجل المسلم باطل إلا رمية بقوس, وتأديبه فرسه, وملاعبته أهله فإنه من الحق"4.
وهو صريح في بطلان ماعدا هذه الأنواع الثلاثة من اللهو. لكن بعض العلماء قد أجاب عنه بأن كونه من الباطل لا يعني تحريمه بل يدل على عدم فائدة1. قال الشوكاني: "وهو جواب صحيح؛ لأن ما لها فائدة فيهمن قسم المباح"2. العمل بالضابط: نص ابن خطيب الدهشة على أن هذا هو مذهب الإمام الشافعي حيث قال: ((اللهو واللعب عند الشافعي على الإباحة إلا أن يقوم دليل على تحريمه لهو خاص أو لعب خاص)) 3, وهو ظاهر مذهب الحنابلة كما ذكره ابن قدامة, فقد قال:" ... وسائر اللعب إذا لم يتضمن ضرراً, ولا شغلاً عن فرض فالأصل إباحته"4. أما الإمام مالك فقد نص ابن خطيب الدهشة على أن مذهبه التحريم إلا أن يقوم دليل على إباحة لعب خاص أو اهو خاص, وقد تقدم نقل بعض النصوص في ذلك عن الإمام مالك5.
والذي يصح به بعض فقهاء الحنفية هو كراهة كل لهو إلا ما ورد الدليل بإباحته 1, ويبدو أن مرادهم بالكراهة التحريم؛ لأن منهم من نص على ذلك. قال الكاساني - في كون لعب الشطرنج مما يسقط العدالة -:" وكذلك من لعب بالشطرنج ويعتاده فلا عدالة له وإن أباحه بعض الناس لتشحيذ الخاطر وتعلم أمر الحرب؛ لأنه حرام عندنا لكونه لعباً",ثم استدل بالحديث السابق2,ومن المعلوم أن ما يطبق عليه هذا الضابط ما لم يرد الدليل بتحريمه أو يرد بإباحته, وإن كان قد يختلف فيما ورد الدليل بالنهي عنه من حيث حمله على التحريم أو على الكراهة, ومن حيث دخول بعض أنواع اللهو فيما نهي عنه أو عدم دخولها. ومع هذا فإن من يرى عدم التحريم يرى كراهته إلا ما ورد الدليل بإباحته كالرخصة في ضرب الدف النكاح, ونحوه من مواطن الفرح على وجه مخصوص. قال الإمام الشافعي: "يكره وجه الخبر اللعب بالنرد أكثر مما يكره اللعب بشيء من اللاهي, ولا نحب اللعب بالشطرنج, وهو أحف من النرد, ويكره كل ما يلعب به الناس؛ لأن اللعب ليس من
صفة أهل الدين والمروءة"1. وقال الشوكاني - بعد عرضه أقوال العلماء في الغناء - "ولا يخفى على الناظر أن محل النزاع إذا خرج عن دائرة الحرام لم يخرج عن دائرة الاشتباه والمؤمنون وقّافون عند الشبهات"2. من فروع الضابط: تقدم أن هذا الضابط محل خلاف بين الفقهاء ومن فروعه: 1- حكم اللعب بالشطرنج إذا خلا من القمار3. 2- حكم الغناء إذا خلا عما يجعله محرماً4. وجه التيسير: وجه التيسير في هذا الضابط - على القول بأن الأصل في
اللهو الإباحة - أن من طبيعة النفس البشر الميل إلى الملذات من لهوٍ وغيره, فإذا كان الأصل في كل لهو ولعب الإباحة ما لم يدل على تحريمه دليل فإن في ذلك مراعاة من الشارع لحظ المكلف وطبيعته البشرية, فهو تيسير من جهة إعطاء النفس ما تطلبه وعدم حجبها عنه, والله أعلم.
الضابط العاشرة: ليس للنجاسة في الباطن حكم النجاسة.
الضابط العاشرة: ليس للنجاسة في الباطن حكم النجاسة. ... الضابط العاشر: ليس للنجاسة في الباطن حكم النجاسة. "صياغة" ذكر هذا الضابط الزركشي ولفظه: "النجاسة مادامت في الباطن لا يحكم لها بحكم النجاسة في إبطال الصلاة"1, ونقل الشعراني2 عن ابن سريج3قوله: "الشريعة تقتضي أن ليس في باطن الإنسان نجاسة"4, وأشار إليها القرافي ببيان الفرق بين
ما يكون من النجاسات في باطن الحيوان وما يرد على باطن الحيوانات1. المعنى الإجمالي: المراد أن كل ما بباطن الإنسان أو غيره من الحيوانات الطاهرة من فضلة, أو دم, أو نحو هما مما هو نجس إذا خرج من الجسد, لا يحكم عليها بحكم النجاسات مادامت في الباطن, فلا تبطل الصلاة بوجودها سواء كانت في جسم المصلي نفسه, أم حمل معه آدمياً أو حيوان اً طاهراً, ولا يتنجس ما لاقته2. وقيد ذلك كثير من العلماء بأن تكون في موضعها الأصلي, فلو حمل المصلي معه قارورة محكمة, أو نحوها بها نجاسة كان حاملا للنجاسة, ولم تصح صلاته3. الأدلة: 1- استدل العلماء على هذا الضابط بما رواه البخاري ومسلم: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي وهو حامل أمامة بنت زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ولأبي العاص بن ربيعة بن عبد الشمس فإذا سجد
وضعها وإذا قام حملها"1. قال الحافظ ابن حجر في شرح هذا الحديث: "وليس في الحديث ما يخالف قواعد الشرع لأن الآدمي طاهر وما في جوفه معفو عنه"2, وكذلك قال النووي, علل العفو عن النجاسة بكونه في معدته3,وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: أنه جعل طاهراً لمشقة الاحتراز وليس من النجاسات العفو عنها4. 2- ويمكن الاستدلال على صحة هذه القاعدة بقوله- تعالى-: {نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَناً خَالِصاً سَائِغاً لِلشَّارِبِينَ} 5فقد استدل بها بعض العلماء على طهارة المني - على تسليم أنه يجري في مجرى البول- حيث قالوا أن المماسة في باطن غير موجبة للتنجيس, ولو كانت موجبة للنتجيس لنجس اللبن6.
ولا يخفى أن هذا مبني على القول بمماسة اللبن للنجاسة. أما إذا قيل: إن بينهما حاجزاً فلا يصح الاستدلال, والله أعلم. 3- استدل بعض العلماء على صحة حمل الآدمي ونحوه في الصلاة وإن كان حاوياً للنجاسة بالقياس على ما في باطل المصلي نفسه من النجاسة, حيث لم ينقل عن أحد أنها مؤثرة في صحة الصلاة؛ لأن التكليف بالتطهر منها تكليف بالمحال1. العمل بالضابط: لا خلاف - فيما - بين الفقهاء في صحة هذا الضابط والعمل بمقتضاه فقد نص على هذا الحكم عدد من العلماء, وجاء في كلام بعضهم ما يقتضيه وإن لم يكن تصريحاً. ومن ذلك قول العيني2- من الحنفية في شرح حديث أمامة المتقدم-: "ومن
فوائد هذا الحديث صحة صلاة من حمل آدمياً وكذا من حمل حيواناً طاهراً"1. وقول الخرشي - في توضيح المراد بالدم غير المسفوح-: ".. فخرج الدم القائم بالحي فإنه لا يحكم له"2. وصرح الشيرازي -من الشافعية- بهذا الحكم فقال: وإن حمل حيواناً طاهراً في صلاته صحت صلاته؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم حمل أمامة في صلاته؛ ولأن ما في الحيوان من النجاسة في معدن النجاسة فهو كالنجاسة التي في جوف المصلي3, وقال نحو ذلك ابن قدامة من الحنابلة4 وأما ما ذهب إليه بعض فقهاء المالكية من منع جواز حمل
الصبي ونحوه في الفريضة مع جواز ذلك في النفل فإن مبناه عدم جواز العمل الكثير في الصلاة, واحتمال نجاسة ثياب الصبي وليس مبناه نجاسة ما في باطنه بدليل تفريقهم بين الفرض والنفل1. من فروع الضابط: 1- صحة صلاة من يحمل معه آدمياً أو حيواناً طاهراً2. 2- طهارة اللبن الذي يخرج من بين فرث ودم3. وذكر الشعراني فروعاً أخرى4. وجه التيسير: التيسير في هذا الضابط ظاهر حيث لم يكلف الله تعلى الإنسان بالتطهر والتحرز عن النجاسة التي في الباطن لما في ذلك من مشقة الاحتراز. بل والتكليف بالمحال فيما يكون في باطل الإنسان نفسه5.
الضابط الحادي عشرة: من استحق القصاص فعفا عنه إلى بدل فهو له إلا في صور.
الضابط الحادي عشرة: من استحق القصاص فعفا عنه إلى بدل فهو له إلا في صور. ... الضابط الحادي عشر: من استحق القصاص فعفا عنه إلى بدل فهو له إلا في صورة. أورد هذا الضابط - بهذه الصيغة - السيوطي1, وأورده السبكي 2والزركشي بنحوه3, وأستثناه من ذلك صورة واحدة4.
معاني المفردات: استحق: أي وجب له , وهو من الحق ضد الباطل1. القصاص لغة: من قص أي تبع يقال: قص الأثر إذا تتبعه, وسمي قتل القاتل ونحوه قصاصاً؛ لأنه يفعل بالجاني مثل ما فعل بالأول فكأنه اقتص أثره2. وفي الاصطلاح: لا يخرج عن المعنى اللغوي: فقد عرف -اصطلاحاً-بقولهم: أن يفعل بالفاعل مثل ما فعل3 أو أن يوقع على الجاني مثل ما جنى4.
المعنى الإجمالي: أن من وجب له القصاص على غيره بسبب قتل أو جراح, وأراد العفو عنه مقابل الدية أو مال يصطلحان عليه - وإن كان أكثر من الدية أو أقل - جاز له ذلك ويشتمل ذلك الولي والمجني عليه فيما دون النفس. فقوله: ((إلى بدل)) أعم من أن يكون الدية المقدرة شرعاً أو غيرها, على أن ظاهر إيراد هذا الضابط أنه لبيان من يستحق المال الذي بدل عن القصاص, وليس لبيان جواز ذلك. الأدلة: أولاً: قوله -تعالى-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنْثَى بِالأُنْثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ} 1. فقد ثبت بهذه الآية الكريمة صحة العفو عن القصاص. قال جماعة من المفسرين في قوله -تعالى-: {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ
مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ} إنه قبول الدية في العمد1. ثانياً: حديث: "من قتل متعمداً دفع إلى أولياء المقتول فإن شاؤا قتلوا, وإن شاؤا أخذوا الدية وهي ثلاثون حقة2, وثلاثون جذعة3, وأربعون خلفة4, وما صالحوا عليه فهو لهم" 5 وثبت بهذا الحديث جواز أخذ الدية, أو المصالحة على ما زاد عنها أو قل.
العمل بالضابط: هذا الضابط متفق عليه بين الفقهاء الأربعة, فقد ذكر الفقهاء أنه يصح تصالح الجاني مع الولي أو المجني عليه على أي قدر من المال من جنس الدية أو من غير جنسها, وقال ابن قدامة: "لا أعلم خلافاً في أن من له القصاص له أن يصالح بأكثر من الدية, وبقدرها, وأقل منها."1 من فروع الضبط: جواز العفو2 عن القصاص على أكثر من الدية, أو أقل منها على ما سبق. وجه التيسير: وجه التيسير في الضابط أن الله -تعالى- جعل المجني
عليه, أو وليه أن يعفو عن المجني مقابل مال يأخذه منه, وقد صرحت الآية المستدل بها على هذا الضابط بأن هذا تخفيف من الله تعالى حيث قال الله عزوجل: {ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ} 1. وذلك أن هذا لم يكن لبني إسرائيل كما جاء في الأثر عن ابن عباس -رضي الله عنهما - أنه قال:"كان في بني إسرائيل القصاص ولمتكن فيهم الدية فقال الله لهذا الأمة: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنْثَى بِالأُنْثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ} 2 فالعفو أن يقبل الدية في العمد. {فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ} 3 يتبع المعروف ويؤدي بإحسان {ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَة} 4 مماكان على من كان قبلكم ... "إلخ الأثر5. وجاء في هذا المعنى عدة روايات بعضها فيه أن القصاص كان في اليهود والعفو في النصارى6,فالتيسير فيه على الجاني من
جهة, وعلى المجني عليه, أو وليه من جهة أخرى. فأما ما هو في جانب الجاني فهو مشروعية الدية أو المصالحة على ما زاد عنها أو أقل لحفظ أو ما دونها. وأما ما هو في جانب المجني عليه أو وليه فهو تعويضه - إذا أراد العفو عن القصاص - بما يذهب غيظ نفسه على الجاني1, والله أعلم.
الضابط الثاني عشرة: يجبر أحد المشركين على موافقة الآخر إذا كانا محتاجين على رفع مضرة أو إبقاء منفعة.
الضابط الثاني عشرة: يجبر أحد المشركين على موافقة الآخر إذا كانا محتاجين على رفع مضرّة أو إبقاء منفعة. ... الضابط الثاني عشر: يجبر أحد المشركين على موافقة الآخر إذا كانا محتاجين إلى رفع مضرة أو إبقاء منفعة. ((صياغة)) أورد ابن رجب هذا الضابط بصيغة نحو هذه, وقال: "إنه الصحيح من المذهب1, كما أورد هذا المعنى ابن تيمية, ونسبه إلى الإمام أحمد وأكثر الفقهاء2,وذكر ابن نجيم بعض مسائله في قاعدة ((الضرر لا يزال بالضرر)) 3. معاني المفردات: يجبر: يكره يقال: أجبرته على الأمر أي أكرهته عليه4. المعنى الإجمالي: قسم بعض العلماء الشركة إلى نوعين شركة أملاك, وشركة عقود5.ولما كان الأصل في شركة الأملاك أن كل واحد من
الشريكين كالأجنبي في نصيب الآخر لا يجوز له التصرف فيه إلا بإذنه1, أورد الفقهاء هذا الضابط لبيان الحكم في الأملاك المشتركة إذ اختلف الشريكان في التصرف معين يتعلق بالمال الذي يشتركان فيه. فإذا كان هذا التصرف مما يحتاج إليه المال المشترك لجلب مصلحة أو دفع مفسدة عنه وجب - بمقتضى هذا الضبط- على كل واحد من الشريكين موافقة الآخر على ذلك التصرف, وإن
لم يوافقه فإنه يلزم بذلك من جهة القاضي. ومما يؤيد أن هذا الضابط إنما هو في حكم شركة الأملاك أمثلة ابن رجب لهذا الضابط, فإنها كلها من هذا النوع.1 وهذا الحكم الذي يتضمنه هذا الضابط مقيد بعدة قيود منها أن يتعين هذا التصرف لدفع الضرر عن المشتركة فلو أمكن دفع دورن إجبار الشريك على هذا التصرف فإنه لا يجبر عليه ولا يلزمه. ومنها ألا يكون على الشريك - فيما يجبر عليه - زيادة ضرر؛ لئلا يزال الضرر بالضرر2. الأدلة: 1- يدل على هذا الضابط حديث: "لا ضرر ولا ضرار" 3 بعمومه؛ فإن امتناع الشريك عن الاستجابة لما ينفع شريكه من غير أن يضره هو نوع من الضرار المنهي عنه بعموم هذا الحديث, وما في معناه4.
2- استدل ابن تيمية على وجوب بيع أحد الشريكين نصيبه مع شريكه أو مؤاجرته معه عند تعذر القسيمة بحديث: "من أعتق شركاً له في عبد وكان له مال يبلغ ثمن العبد قوم عليه قيمة عدل فأعطي الشركاء حصصهم, وعتق عليه العبد, وإلاّ فقد عتق عليه ما عتق"1. ووجه الاستدلال به - على ما ظهر لي - أن النبي صلى الله عليه وسلم قد أوجب على من أتق نصيبه من عبد مشترك بينه وبين غيره قيمة نصيب شريكه مقدرة بقيمة عدل؛ لأن عدم إلزام بذلك يؤدي إلى تضرر الشريك بنقص قيمة نصيبه؛ إذ ليست قيمة نصيبه في حال كون العبد تام الرق مثلها في حال كونه ناقص الرق2.
3- مشروعية الشفعة؛ فإن من حكمة مشروعية الشفعة دفع الضرر عن الشريك1. العمل بالضابط: لقد تضمن كلام ابن رجب عن هذا الضابط قيوداً معتبرة للعمل به وقد تقدمت الإشارة إلى بعض هذه القيود, فمنها: عدم تضرر الشريك مما يراد إجباره عليه, ومنها: تعين ذلك التصرف لدفع الضرر ونحوهما. والذي يظهر من تتبع بعض المسائل الفقهية التي لها تعلق بهذا الضابط أن كثيراً من الفقهاء يأخذون به. لكن لا على الإطلاق. بل في مسائل معينة تتحقق فيها تلك المصلحة- وهي عدم الإضرار بالطرفين- بحيث يختلف الحكم باختلاف ملابساته. فقد ذكر ابن نجيم - من الحنفية- بعض المسائل التي يجبر الشريك فيها على فعل ما يدفع الضرر عن العين المشتركة. منها: الحائط المشترك إذا أراد أحد الشريكين نقضه وأبى الآخر, فإن لا يخاف سقوطه لا يجبر, وإن كان بحيث يخاف سقوطه
يجبر1. وقال الخرشي- من المالكية - "وإن كان الحائط بينهما أمر الآبي أن يبني مع صاحبه إن طلب ذلك2". وقال النووي: "إذا عظم ضرر قسمة العين المشتركة فإن طلبها أحدهما وامتنع الآخر لم يجبر فإن لم يكن به ضرر أجبر"3 وأما ابن قدامة فقد نقل في مسألة ما إذا كان بين الشريكين حائط فانهدم فطلب أحدهما إعادة وأبى الآخر, أحداهما: أنه يجبر وهي أصح الروايتين وعلل ذلك بحصول الضرر بعدم البناء , والرواية الثانية: أنه لا يجبر وقال:إن هذه الرواية أقوى دليلا وعلل بأنه ملك لا حرمة له في نفسه فلم يجبر مالكه على الانفاق عليه كما لو انفرد به ... الخ4. من فروع الضابط: 1- إذا انهدم الحائط المشترك بين الشريكين, وأراد أحدهما
بناءه أو أراد أحدهما هدم الجدار القائم, وامتنع الآخر أجبر الممتنع على ذلك إذا كان ذلك في مصلحة المال المشترك, ولم يكن على الشريك فيه ضرر1 2- إذا طلب أحد الشريكين سقي الشجر وامتنع الآخر أجبر الممتنع على السقي2. وجه التيسير: يتضح وجه التيسير في هذا الضابط إذا علم أن الأصل المستمر أن لكل مالك أن يتصرف في ملكه بما يشاء. وأن لا يجبر على تصرف فيه. وهذا الضابط يقيد تلك الحرية فيه بعدم الإضرار بالغير وخاصة بالشريك فقد جعل للشريك الحق في إلزام شريكه ببعض التصرفات في ملكهما المشترك إذا كان ذلك التصرف يعود عليه, أو على العين المشتركة بالنفع دون أن يكون فيه إضرار بالطرف الآخر. ففي هذا الضابط خروج عن الأصل؛ مراعاة لأعلى المصلحتين؛ وتحقيقاً لمبدأ عدم التعسف في استعمال الحق.
الخاتمة: الحمد لله على توفيقه وتيسيره, وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه إلى يوم الدين وبعد: فإنه يحسن بي – بعد أن أنهيت الكتابة في هذا الموضوع, بعد أن قضيت زمناً غير يسير في جمع مادة العلمية, ثم تنسيقها – أن أدون أبرز ما ظهر لي من نتائج فمن نتائج أهمها يلي: 1) أن القواعد المتضمنة التيسير في غالبها محل اتفاق بين الفقهاء, وأن الخلاف بينهم إنما هو في كيفية تطبيق بعض هذه القواعد أتلك. كما يحصل الاتفاق – أحيانا – على ثبوت الدليل ثم يختلف في الحكم المسنتبط منه.1 2) أن القواعد التيسير مستمد من نصوص الكتاب والسنة وقائمة على أدلة الشرعية هي مجموع الأدلة الدالة على الفروع المندرجة تحتها. 3) أن الشريعة الإسلامية وأحكامها الفقهية قائمة على رفع الحرج
والتيسير على المكلفين وأن هذه هي أحدى خصائص هذه الشريعة المطهرة ومحاسنها. 4) أهمية هذه القواعد في الفقه واندراج كثير من المسائل تحتها. كما ظهر لي من خلال استعراض كتب القواعد الفقهية لاستخلاص المادة العلمية بعض النتائج العامة ومنها: أ) أن سبب إغفال كثير من المؤلفين في قواعد الفقهية لذكر الأدلة على صحة تلك القواعد هو طريقة استنباطها وهي استقراء الفروع. ب) أن أولئك العلماء الأجلاء قد بذلوا جهوداً عظيماً في استنباط تلك القواعد من خلال استقراء الفروع, وهي صياغة تلك الصياغات المحكمة, وفي تتبع ما استثني منها من المسائل. نسأل الله أن يجزيهم عن الدين وأهله خير الجزاء. وبعد فهذا هو جهد المقل وأسأل الله تعالى أن أكون قد وقفت فيه للصواب كما أسأله تعلى أن يغفر لي ما أخطأت فيه إنه سميع مجيب. وأوجه رجائي إلى كل من اطلع على هذا العمل أن يستر العيب ويسد الخلل, ويبيدي النصح, وأن يعلم أن هذه هي طبيعة عمل البشر. والله المستعان وعليه التكلان والحمد لله أولاً وآخراً.
مصادر ومراجع
مصادر ومراجع ... نشر الرباحين في تاريخ البلد الأمين. تأليف عاتق غيث البلادي، الناشر دار مكة للنشر والتوزيع، الطبعة الأولى 1415هـ. نصب الراية لأحاديث الهداية. تأليف أبي محمد يوسف بن عبد الله الزيلعي (ت762هـ) ، ومعه حاشيته بغية الألمعي، الناشر المجلس العلمي/كراتشي، والمكتب الإسلامي/دمشق، الطبعة الثانية 1392هـ. النعت الأكمل لأصحابالإمام أحمد بن حنبل. تأليف أبي الفضل محمد بن محمد الغزي (ت1214هـ) ، تحقيق محمد مطيع حافظ، ونزار أباظه، الناشر دار الفكر 1402هـ. نظرية الضرورة الشرعية. تأليف د. وهبه الزحيلي، الناشر مؤسسة الرسالة/بيروت، الطبعة الرابعة 1405هـ. نهاية الإحكام في بيان ما للنية من الأحكام. تأليف أحمد بن أحمد بن يوسف الحسيني (ت1332هـ) ، الناشر المطبعة الأميرية/القاهرة 1320هـ.
قائمة المراجع:1 القرآن الكريم. الآثار. تأليف أبي عبد الله محمد بن الحسن الشيباني (ت 189هـ) ، ويليه الإيثار لابن حجر، الناشر إدارة القرآن والعلوم الإسلامية/كراتشي، الطبعة الأولى/1407هـ. آداب البحث والمناظرة. تأليف محمد الأمين الشنقيطي (ت 1393هـ) ، الناشر دار ابن تيمية/ القاهرة. أبو حنيفة حياته وعصره آراؤه وفقهه. تأليف الشيخ محمد أبو زهرة (1395هـ) ، الناشر دار الفكر العربي/ الطبعة الثانية.
الإجماع. تأليف أبي بكر محمد بن إبراهيم بن المنذر النيسابوري (ت 318هـ) ، الناشر دار الكتب العلمية/بيروت. إحكام الأحكام شرع عمدة الأحكام. تأليف أبي الفتح محمد بن علي القشيري (ابن دقيق العيد) (ت 702هـ) ، تحقيق أحمد محمد شاكر، الناشر مطبعة السنة المحمدية/ القاهرة، طبعة 1374هـ. أحكام الأطعمة في الشريعة الإسلامية. تأليف د. عبد الله بن محمد الطريفي، الطبعة الأولى/1404هـ. أحكام الإمامة والائتمام في الصلاة. تأليف عبد المحسن بن محمد المنيف، الطبعة الثانية/ 1410هـ. أحكام أهل الذمة. تأليف أبي عبد الله محمد بن أبي بكر الدمشقي (ابن قيم الجزية) (ت751هـ) ، تحقيق د. صبحي الصالح، الناشر دار العلم للملايين، الطبعة الثانية 1401هـ.
الأحكام السلطانية والولايات الدينية. تأليف أبي الحسن علب بن محمد الماوردي (ت 450هـ) الناشر دار الكتب العلمية/بيروت. الأحكام السلطانية. تأليف محمد بن الحسين الفراء (القاضي أبي يعلى) (ت 458هـ) ، تصحيح وتعليق محمد حامد الفقي، الناشر شركة مكتبة ومطبعة مصطفى الباز، الطبعة الأولى 1356هـ. إحكام الفصول في أحكام الأصول. تأليف أبي الوليد سليمان بن خلف الباجي (ت 474هـ) ، تحقيق د. عبد المجيد تركي، الناشر دار الغرب الإسلامي/بيروت، الطبعة الأوللا 1407هـ. الإحكام في أصول الأحكام. تأليف أبي الحسن علي بن أبي علي الآمدي (ت 631هـ) ، تحقيق أحد الأفاضل. الإحكام في تمييز الفتاوى عن الأحكام وتصرفات القاضي والإمام. تأليف أبي العباس أحمد بن إدريس القرافي (ت 631هـ) ، تحقيق عبد الفتاح أبو غدة الناشر مكتب المطبوعات الإسلامية/ طبعة عام 1387هـ.
أحكام القرآن. تأليف علي بن محمد الطبري (إلكيا الهراس) (ت 504هـ) ، تحقيق موسى محمد علي، ود. عزت علي، الناشر دار الكتب الحديثة/ مصر. أحكام القرآن. تأليف أبي بكر أحمد بن علي الرازي (الجصاص) (ت 370هـ) ، الناشر دار الكتاب العربي/بيروت. أحكام القرآن. تأليف الإمام محمد بن إدريس الشافعي (ت204هـ) . أحكام القرآن. تأليف أبي بكر محمد بن عبد الله (ابن العربي) (ت 543هـ) ، تحقيق علي محمد البجاوي، الناشر دار المعرفة، ودار الجيل/بيروت، طبعة عام 1407هـ. أحكام النجاسات في الفقه الإسلامي. تأليف عبد المجيد محمود صلاحين، الناشر دار المجتمع/جدة، الطبعة الأولى 1412هـ.
أحكام الوصايا في الفقه الإسلامي. تأليف د. علي بن عبد الرحمن الربيعة، الناشر دار اللواء/ الرياض عام 1408هـ. إحياء علوم الدين. تأليف أبي حامد محمد بن محمد الغزالي (ت 505هـ) ، قدم له بدوي طبانة، الناشر دار إحياء الكتب العربية. الاختيارات الفقهية من فتاوى ابن تيمية. اختارها أبو الحسن علي بن عباس البعلي (ابن اللحام) (ت 803هـ) ، تحقيق محمد حامد الفقي، الناشر مكتبة السنة المحمدية. الاختيار لتعليل المختار. تأليف أبي الفضل عبد الله بن محمود الموصلي الحنفي (683هـ) ، نعليق الشيخ محمود أبي دقيقة، الناشر دار المعرفة/بيروت، الطبعة الثالثة 1395هـ. أدب القاضي. تأليف أبي العباس أحمد بن أبي أحمد الطبري (ابن القاصّ) (ت 335هـ) ، تحقيق د. حسين الجبوري، الناشر مكتبة الصديق/الطائف، الطبعة الأولى 1409هـ.
أدب القاضي. تأليف أبي الحسن علي بن محمد الماوردي (ت 450هـ) ، تحقيق محيي هلال السرحان، الناشر رئاسة ديوان الأوقان بالجمهورية العراقية 1391هـ. أدب المفتي والمستفتي. تأليف أبي عمرو عثمان بن عبد الرحمن (ابن الصلاح) (ت 643هـ) ، تحقيق د. موفق عبد الله، الناشر عالك الكتب، الطبعة الأولى 1407هـ. إدرار الشروق على أنوار الفروق المطبوع مع الفروق. تأليف أبي القاسم قاسم بن عبد الله الأنصاري (ابن الشاط) (ت 723هـ) ، الناشر عالم الكتب/بيروت. أدلة التشريع المختلف في الاحتجاج به. تأليف د. عبد العزيز الربيعة 1406هـ. إرشاد الفحول إلى تحقيق القح من علم الأصول. تأليف محمد بن علي الشوكاني (ت 1255هـ) ، الناشر دار المعرفة/بيروت. إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل. تأليف محمد ناصر الدين الألباني (ت1420هـ) ، الناشر، المكتب الإسلامي، الطبعة الأولى 1399هـ.
الاستدلال عند الأصوليين. تأليف د. علي العميريني، الناشر مكتبة التوبة/الرياض، الطبعة الأولى 1411هـ. أسد الغابة في معرفة الصحابة. تأليف أبي الحسن علي بن محمد الشيباني (ابن الأثير) (ت 630هـ) ، الناشر دار إحياء التراث العربي/بيروت. الإسعاف بالطلب مخنصر شرح المنهج المنتخب على قواعد المذهب. تأليف أبي القاسم محمد بن أحمد التواتي، الطبعة الأولى 1395هـ. الأشباه والنظائر. تأليف تاج الدين عبد الوهاب بن علي السبكي (ت 771هـ) ، تحقيق عادل أحمد عبد الموجود، وعلي محمد عوض، الناشر دار الكتب العلمية/بيروت، الطبعة الأولى 1411هـ. الأشباه والنظائر في قواعد وفروع الشافعية. تأليف جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي (ت 911هـ) ، الناشر دار الكتب العلمية/بيروت، الطبعة الأولى 1403هـ.
الأشباه والنظائر على مذهب أبي حنيفة النعمان. تأليف زين العابدين بن إبراهيم بن نجيم (ت 970هـ) ، الناشر دار الكتب العلمية/بيروت 1405هـ. الأشباه والنظائر. تأليف محمد بن عمر بن مكي (ابن الوكيل) (ت 716هـ) ، تحقيق د. أحمد ابن محمد العنقري، ود. عادل الشويخ، الناشر مكتبة الرشد/الرياض، الطبعة الأولى 1413هـ. الإصابة في تمييز الصحابة. تأليف أحمد بن علي العسقلاني (ابن حجر) (ت 852هـ) ، تحقيق علي محمد البجاوي، الناشر دار نهضة مصر/القاهرة. الأصول التي عليها مدار كتب الحنفية. تأليف أبي الحسن عبيد الله بن الحسن الكرخي (ت 340هـ) ، المطبوع مع تأسيس النظر، تحقيق مصطفى الدمشقي، الناشر دار ابن زيدون/بيروت. أصول الفقه الإسلامي. تأليف د. وهبة الزحيلي، الناشر دار الفكر/دمشق، الطبعة الأولى 1406هـ.
أصول مذهب الإمام أحمد. تأليف د. عبد الله بن عبد المحسن التركي، الناشر مكتبة الرياض الحديثة/الرياض، الطبعة الثانية 1397هـ. الأصول والضوابط. تأليف أبي زكريا يحي بن شرف النووي (ت 676هـ) ، تحقيق د. محمد حسن هيتو، الناشر دار البشائر الإسلامية/بيروت، الطبعة الثانية 1409هـ. أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن. تأليف مجمد الأمين بن محمد المختار الشنقيطي (ت 1393هـ) ، طبعة عام 1386هـ. وكذلك الجزء العاشر الملحق به في طبعة عالم الكتب/بيروت، وفيه ترجمة المؤلف كتبها تلميذه عطية بن محمد سالم. الاعتصام. تأليف أبي إسحاق إبراهيم بن موسى الشاطبي (ت 790هـ) ، الناشر المكتبة الفيصلية/مكة المكرمة. الأعلام. تأليف خير الدين الزركلي، الناشر دار العلم للملايين/بيروت، الطبعة الثامنة 1989م.
أعلام الحديث في شرح صحيح البخاري. تأليف أبي سليمان حمد بن محمد الخطابي (ت 388هـ) ، تحقيق د. محمد بن سعد آل سعود، الناشر مركز إحياء التراث الإسلامي بجامعة أم القرى بمكة المكرمة، الطبعة الأولى 1409هـ. إعلام الساجد بأحكام المساجد. تأليف محمد بن بهادُر الزركشي (ت 794هـ) تحقيق أبي الوفاء المراغي، الناشر لجنة إحياء التراث الإسلامي، القاهرة، الطبعة الثانية 1403هـ. أعلام الموقعين عن رب العالمين. تأليف أبي عبد الله محمد بن أبي بكر الدمشقي (ابن القيم الجوزية) (ت 751هـ) ، مراجعة وتعليق طه عبد الرؤوف يعد، الناشرمكتبة الكليات الأزهرية 1388هـ. أفعال الرسول صلى الله عليه وسلم ودلالتها على الأحكام الشرعية. تأليف د. محمد العروسي عبد القادر، الناشر دار المجتمع/جدة، الطبعة الأولى 1404هـ. الإكراه وأثره في التصرفات. تأليف د. عيسى زكي شقره، الناشر مكتبة المنار الإسلامية/الكويت، الطبعة الأولى 1406هـ.
الأم. تأليف الإمام محمد بن إدريس الشافعي (ت204هـ) . كتاب الشعب. الإمامة العظمى عند أهل السنة والجماعة. تأليف عبد الله بن عمر الدميجي، الناشر دار طيبة/الرياض، الطبعة الأولى 1407هـ. الأمنية في إدراك النية. تأليف أبي العباس أحمد بن إدريس القرافي (ت 684هـ) . الناشر دار الكتب العلمية/بيروت. الأموال. تأليف حميد بن زنجويه (ت 251هـ) ، تحقيق د. شاكر ذيب فياض، الناشر مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية/ الرياض، الطبعة الأولى 1406هـ. الأموال. تأليف أبي عبيد القاسم بن سلام (ت 224هـ) ، تحقيق محمد خليل هراس، الناشر، مكتبة الكليات الأزهرية/ القاهرة 1388هـ.
إنباء الغمر بأبناء العمر. تأليف أحمد بن علي العسقلاني (ابن حجر) (ت 852هـ) ، تحقيق حسن حبشي، الناشر المجلس الأعلى للسئون الإسلامية بمصر 1392هـ. الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف. تأليف أبي الحسن علي بن سليمان المرداوي (ت 885هـ) ، تصحيح محمد حامد فقي، الناشر مطبعة السنة المحمدية/القاهرة، الطبعة الأولى 1374هـ. الأنكحة الفاسدة. تأليف عبد الرحمن بن عبد الرحمن الأهدل، الناشر المكتبة الدولية/الرياض 1403هـ. أنيس الفقهاء في تعريفات الألفاظ المتداولة بين الفقهاء. تأليف قاسم القونوي (ت 978هـ) ، تحقيق د. أحمد بن عبد الرزاق الكبيسي الناشر دار الوفاء/جدة، الطبعة الأولىهـ.) الإيضاح في علوم البلاغة. تأليف أبي المعالي محمد بن عبد الرحمن القزويني (ت 739هـ) ، شرح وتعليق د. محمد عبد المنعم خفاجة، الناشر دار الكتاب اللبناني، الطبعة السادسة 1405هـ
الإيضاح لقوانين الاصطلاح في الحدل الأصولي الفقهي. تأليف أبي محمد يوسف بن عبد الرحمن بن الجوزي (ت 656هـ) ، تحقيق د. فهد السدحان، الناشر مكتبة العبيكان/الرياض، الطبعة الأولى 1412هـ. إيضاح المسالك إلى قواعد الإمام مالك. تأليف أبي العباس أحمد بن يحي الونشريسي (ت 914هـ) ، تحقيق أحمد بوطاهر الخطابي، الناشر صندوق إحياء التراث الإسلامي المشترك بين المغرب والإمارات العربية 1400هـ. الإيمان. تأليف أبي العباس أحمد بن عبد الحليم الحراني (ابن تيمية) (ت 728هـ) الناشر دار الكتب العلمية/بيروت، الطبعة الأولى 1403هـ. البحر الرائق شرح كنز الدقائق. تأليف زين الدين بن إبراهيم بن نجيم (ت 970) ، بهامشه حاشية منحة الخالق لابن عابدين، الناشر دار المعرفة/بيروت، الطبعة الثانية. البحر المحيط. تأليف أبي عبد الله محمد بن يوسف بن حيان (ت 754هـ) وبهامشه تفسيران آخران، الناشر مكتبة ومطابع النصر الحديثة/الرياض.
البحر المحيط في أصول الفقه. تأليف محمد بن بهادُر الزركشي (ت 794هـ) ، تحرير عبد القادر العاني، ومراجعة د. عمر الأشقر، الناشر وزارة الأوقاف والشئون بالكويت، الطبعة الأولى 1409هـ. بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع. تأليف أبي بكر بن مسعود الكاساني (ت 587هـ) ، تخريج الأحاديث: أحمد مختار عثمان، الناشر دار الكتاب العربي، الطبعة الثانية. بدائع الفوائد. تأليف أبي عبد الله محمد بن أبي بكر الدمشقي (ابن القيم الجوزية) (ت 751هـ) ، الناشر دار الكتاب العربي/بيروت. بداية المجتهد ونهاية المقتصد. تأليف أبي الوليد محمد بن أحمد القرطبي (ابن رشد الخفيد) (ت 595هـ) الناشر دار الفكر/بيروت. البداية والنهاية. تأليف أبي الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القيسي (774هـ) ، الناشر مطبعة السعادة/مصر.
البدر الطالع بمحاسن من بعد القرن السابع. تأليف محمد بن علي الشوكاني (ت1255هـ) الناشر الشيخ معروف باسندوه، الطبعة الأولى 1348هـ. بذل المجهود في حل أبي داود. تأليف خليل بن أحمد السهارنفوري (ت 1346هـ) ، الناشر مطبعة السعادة، الطبعة الثالثة 1393هـ. البرهان. تأليف أبي المعالي عبد الملك بن عبد الله الجويني (إمام الحرمين) (ت 478هـ) ، تحقيق د. عبد العظيم الديب، الطبعة الأولى 1399هـ. بغية الملتمس في تاريخ رجال أهل الأندلس. تأليف أحمد بن يحي الضبي (599هـ) ، الناشر دار الكتاب العربي. بغية الوعاة في طبقات اللغويين والنحاة. تأليف جلال الدين عبد الرحمن السيوطي (ت911هـ) ، تحقيق محمد أبي الفضل إبراهيم، الناشر مطبعة عيسى البابي، الطبعة الأولى 1384هـ.
بلغة السالك لأقرب المسالك إلى مذهب الإمام مالك. تأليف أحمد الصاوي (ت 1241هـ) ، وبهامشه الشرح الصغير، النشر مطبعة مصطفى البابي، طبعة عام 1372هـ. البناية في شرح الهداية. تأليف أبي محمد محمود بن أحمد العيني (ت 855هـ) ، تصحيح ناصر الإسلام الرامفوري، الناشر دار الفكر/بيروت، الطبعة الأولى 1400هـ. البيان والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل لمسائل مستخرجة. تأليف أبي الوليد محمد بن أحمد بن رشد (الجد) (ت520هـ) ، تحقيق محمد حجي، الناشر دار الغرب الإسلامي/بيروت 1404هـ. تاج التراجم في طبقات الحنفية. تأليف زين الدين قاسم بن قطلبوغا (ت 879هـ) ، الناش مكتبة المثنى/بغداد، طبعة عام 1962م. تاج العروس من جواهر القاموس. تأليف أبي الفيض محمد بت محمد الحسيني (السيد مرتضى الزبيدي) (ت1205هـ) ، تحقيق عبد الستار أحمد فراج، وآخرين، الناشر وزارة الإرشاد والأنبياء بالكويت/1385هـ.
التاج المكلل من جواهر مآثر الطراز الآخر والأول. تأليف أبي الطيب صديق بن حسن الحسيني (ت 1307هـ) ، تصحيح وتعليق عبد الحكيم شرف الدين، الناشر شرف الدين الكتبي/بمباي، المطبعة الهندية العربية 1383هـ. تاريخ المدينة المنورة. تأليف عمر بن شبّة النمري (ت 262هـ) تحقيق فهيم محمد شلتوت. تأسيس النظر. تأليف أبي زيد عبيد الله بن عمرب الدبوسي (ت 430هـ) [راجع أصول الكرخي] . تبصرة الحكام في أصول الأقضية ومناهج الأحكام. تأليف أبي الوفاء إبراهيم بن علي اليعمري (ابن فرحون المالكي) (ت 799هـ) ، مطبوع بهامش فتح العلي المالك، الناشر مكتبة مصطفى البابي 1378هـ. تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق. تأليف عثمان بن علي الزيلعي (ت 743هـ) ، وبهامشه حاشية الشيخ الحلبي، الناشر دار المعرفة/بيروت، الطبعة الثانية.
تحرير ألفاظ التنبيه، أو لغة الفقهاء. تأليف أبي زكريا يحي بن شرف النووي (ت 676هـ) ، تحقيق عبد الغني الدقر، الناشر دار القلم/دمشق، الطبعة الأولى 1408هـ. تحفة الأحوذي شرح جامع الترمذي. تأليف أبي العلي محمد بن عبد الرحمن المباركفوري (ت1353هـ) ، مراجعة عبد الرحمن محمد عثمان، الناشر المكتبة السلفية بالمدينة النبوية، الطبعة الثالثة. تحفة الفقهاء. تأليف علاء الدين السمرقندي (ت 539هـ) ، الناشر دار الكتب العلمية/بيروت، الطبعة الأولى 1405هـ. تحفة المحتاج بشرح المنهاج. تأليف أبي العباس أحمد بن محمد بن حجر الهيثمي (ت 974هـ) ، وبهامشه حاشية عمر البصري. ترتيب المدارك وتقريب المسالك لمعرفة أعلام مذهب مالك. تأليف القاضي عياض اليحصبي (ت 544هـ) ، تحقيق د. أحمد بكير محمود، الناشر دار مكتبة الحياة/بيروت، ودار مكتبة الفكر/ليبيا، طبعة عام 1387هـ.
ترجمة الشيخ محمد الأمين الشنقيطي. تأليف عبد الرحمن بن عبد العزيز السديس، الناشر دار الهجرة/الرياض، الطبعة الأولى 1412هـ. تسهيل المسالك إلى هداية السالك إلى مذهب الإمام مالك. تأليف الشيخ عبد الحميد بن مبارك آل مبارك، الناشر مكتبة الإمام الشافعي/الرياض، الطبعة الأولى 1416هـ. التعريفات. تأليف الشريف علي بن محمد الجرجاني (ت 816هـ) ، الناشر دار الكتب العلمية/بيروت، الطبعة الأولى 1403هـ. التعزير في الشريعة الإسلامية. تأليف عبد العزيز عامر، الناشر دار الفكر العربي، الطبعة الخامسة 1396هـ. التعليقات السنية المطبوع بهامش الفوائد البهية. تأليف أبي الحسنات محمد بن عبد الحي اللكنوي (ت 1304هـ) ، الناشر مطبعة السعادة/مصر، الطبعة الأولى 1324هـ.
تعليل الأحكام. تأليف محجمد مصطفى شلبي، الناشر دار النهضة العربية/بيروت، طبعة عام 1401هـ. تفسير ابن عباس ومروياته في التفسير من كتب السنة. تأليف د. عبد العزيز الحميدي، الناشر مركز البحث العلمي بجامعة أم القرى/مكة المكرمة. تفسير القرآن العظيم. تأليف أبي الفداء إسماعيل بن كثير القيسي (ت 474هـ) ، الناشر دار المعرفة/بيروت، الطبعة الثانية 1408هـ. التفسير الكبير. تأليف أبي عبد الله محمد بن عمر الرازي (ت 606هـ) ، الناشر دار إحياء التراث العربي/بيروت، الطبعة الثالثة. تقريب التهذيب. تأليف أحمد بن علي العسقلاني (ابن حجر) (ت 852هـ) ، الناشر دار الكتب الإسلامية/باكستان. تقريب الوصول إلى علم الأصول. تأليف أبي القاسم محمد بن أحمد بن جزي الكلبي (ت 741هـ) ، تحقيق محمد علي فركوس، الناشر دار التراث الإسلامي/الجزائر، الطبعة 1401هـ.
التقرير والتحبير شرح التحرير., تأليف محمد بن محمد (ابن أمير الحاج) (ت 879هـ) ، بالهامش شرح الأسنوي المسمى نهاية السول، الناشر دار الكتب العلمية/بيروت، الطبعة الثامية 1403هـ. تلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير. تأليف أبي الفضل أحمد بن علي العسقلاني (ابن حجر) (ت 852هـ) ، تصحيح عبد الله هاشم اليماني، الناشر شركة الطباعة الفنية المتحدة/القاهرة 1384هـ. التلويح على التوضيح شرح متن التنقيح في أصول الفقه. تأليف سعد الدين مسعود بن عمر التفتازاني (ت 792هـ) ، الناشر دار الكتب العلمية/بيروت. التمهيد في أصول الفقه. تأليف أبي الخطاب محفوظ بن أحمد الكلوذاني (ت 510هـ) ، تحقيق محمد بن علي إبراهيم، ود. مفيد أبو عمشة، الناشر مركز البحث العلمي وإحياء التراث بجامعة أم القرى، الطبعة الأولى 1406هـ.
التنبيه في فقه الشافعي. تأليف أبي إسحاق إبراهيم بن علي الشيرازي (ت 476هـ) ، إعداد عماد الدين أحمد حيدر، الناشر عالم الكتب، الطبعة الأولى 1403÷ـ. تهذيب الفروق والقواعد السنية في الأسرار الفقهية. تأليف محمد بن علي بن حسين المالكي، بهامش الفروق، الناشر عالم الكتب/بيروت. توشيح الديباج وحلية الابتهاج. تأليف بدر الدين محمد بن يحي القرافي (ت 946هـ) ، تحقيق أحمد الشتيوي، الناشر دار الغرب الإسلامي/بيروت الطبعة الأولى 1403هـ. توضيح الأفكار لمعاني تنقيح الأنظار. تأليف محمد بن إسماعيل الصنعاني (1182هـ) ، تحقيق محمد محي الدين عبد الحميد، الناشر مكتبة الخانجي، الطبعة الأولى 1366هـ. تيسير التحرير شرح كتاب التحرير. تأليف محمد أمين بن محمود البخاري (أمير بادشاه) (ت 972هـ) ، الناشر دار الكتب العلمية/بيروت.
تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان. تأليف عبد الرحمن بن ناصر السعدي (ت1376هـ) ، إهداء الجامعة الإسلامية مؤسسة مكة للطباعة 1398هـ. الثقات. تأليف أبي حاتم محمد بن حبان البستي (ت 354هـ) ، الناشر مؤسسة الكتب الثقافية، عن الطبعة الأولى بمطبعة مجلس دائرة المعارف العثمانية/حيدر آباد الدكن 1393هـ. جامع البيان في تفسير القرآن. تأليف أبي جعفر محمد بن جرير الطبري (ت 310هـ) ، الناشر دار المعرفة/بيروت، الطبعة الثالثة 1398هـ. جامع العلوم والحكم في شرح خمسين حديثا من جوامع الكلم. تأليف أبي الفرج عبد الرحمن بن أحمد البغدادي (ابن رجب) (ت 795هـ) ، الناشر مؤسسة الكتب الثقافية. جامع الفصولين. تأليف محمود بن إسرائيل (ابن قاضي سماونه) ، وبهامشه حواشي خير الدين الرملي، الناشر المطبعة الكبرى الميرية/مصر، الطبعة الأولى 1300هـ.
الجامع لأحكام القرآن. تأليف أبي عبد الله محمد بن أحمد الأنصاري القرطبي (ت 671هـ) ، الناشر الهيئة المصرية العامة للكتاب، الطبعة الثالثة 1987م. جامع النقول في أسباب النزول وشرح آياتها. تأليف عليوي خليفة عليوي، مطابع الإشعاع/الرياض، الطبعة الأولى 1404هـ. الجريمة والعقوبة في الفقه الإسلامي. تأليف الشيخ محمد أبو زهرة (ت 1395هـ) ، الناشر دار الفكر العربي. الجواهر المضية في طبقات الحنفية. تأليف أبي محمد عبد القادر بن محمد الحنفي (775هـ) ، تحقيق د. عبد الفتاح الحلو، الناشر مطبعة عيسى البابي 1398هـ. الجوهر المنضد في طبقات متأخري أصحاب الإمام أحمد. تأليف يوسف بن الحسن بن عبد الهادي (ابن المبرد) (ت 909هـ) تحقيق د. عبد الرحمن بن سليمان العثيمين، الناشر مكتبة الخانجي/القاهرة.
حاشية البناني على شرح المحلي على جمع الجوامع. تأليف عبد الرحمن بن جاد الله البناني المالكي (ت 1189هـ) الناشر دار الفكر/بيروت. حاشية التفتازاني على مختصر المنتهى الأصولي. تأليف مسعود بن عمر التفتازاني (سعد الدين) (ت 791هـ) ، ومعها حاشية السيد الجرجاني، الناشر دار الكتب العلمية/بيروت، الطبعة الثانية 1403هـ. حاشية الدسوقي على الشرح الكبير. تأليف محمد بن أحمد بن عرفة الدسوقي (ت 1230هـ) ، الناشر دار إحياء الكتب العربية. حاشية رد المحتار على الدر المختار شرح تنوير الأبصار في فقه مذهب الإمام أبي حنيفة. تأليف محمد أمين بن عمر الدمشقي (ابن عابدين) (ت 1252هـ) ، تكملتها قرة عيون الأخيار، تأليف نجل المؤلف محمد علاء الدين (ت 1306هـ) ، الناشر دار الفكر 1393هـ، الطبعة الثانية 1386هـ.
حاشية السندي على سنن النسائي. تأليف أبي الحسن نور الدين بن عبد الهادي السندي (ت 1138هـ) ، ومعها شرح السيوطي، باعتناء عبد الفتاح أبو غدة، الناشر مكتب المطبوعات الإسلامية/حلب، الطبعة الثالثة 1409هـ. حاشية العدوي على (كفاية الطالب الرباني) ، شرح أبي الحسن لرسالة أبي زيد القيرواني في مذهب الإمام مالك. تأليف علي بن أحمد العدوي (ت 1189هـ) ، الناشر دار إحياء الكتب العربية. حسن المحاضرة في تاريخ مصر والقاهرة. تأليف جلال الدين عبد الرحمن السيوطي (ت 911هـ) ، تحقيق: محمد أبي الفضل إبراهيم، الناشر دار إحياء الكتب العربية، الطبعة الأولى 1967هـ. الحقوق المتعلقة بالتركة في الفقه الإسلامي. تأليف د. يوسف قاسم، الناشر دار النهضة العربية/القاهرة 1399هـ. الخراج. تأليف القاضي أبي يوسف يعقوب بن إبراهيم الأنصاري (ت 182هـ) ، تحقيق د. محمد إبراهيم البنا، الناشر دار الإصلاح/القاهرة.
الخرشي على مختصر خليل (شرح الخرشي) . تأليف محمد بن عبد الله الخرشي المالكي (1101هـ) وبهامشه حاشية العدوي، الناشر دار الكتاب الإسلامي. الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة. تأليف أحمد بن علي العسقلاني (ابن حجر) (ت 852هـ) تحقيق: محمد سيد جاد الحق، الناشر دار الكتب الحديثة/مصر، الطبعة الثانية 1385هـ. الدر المختار على حاشية رد المحتار. تأليف محمد بن علي الحصكفي (علاء الدين) (ت 1088هـ) ، [راجع حاشية رد المحتار] . دليل حصر الكفاءات العلمية السعودية من حملة الماجستير (الجزء الثاني) . إعداد وزارة التعليم العالي/الإدارة العامة لتطوير التعليم العالي، 1405-1406هـ. دليل الرسائل الجامعية في المملكة العربية السعودية. إعداد الدكتور زيد بن عبد المحسن آل حسين، الناشر مركز الملك فيصل/الرياض، الطبعة الثانية 1415هـ.
الديباج المذهب في معرفة أعيان المذهب. تأليف أبي القاسم إبراهيم بن علي اليعمري (ابن فرحون المالكي) (ت 799هـ) ، تحقيق: محمد الأحمدي أبو النور، الناشر دار التراث/القاهرة. الدية وأحكامها في الشريعة الإسلامية والقانون. تأليف: د. خالد رشد الجميلي، الناشر مطبعة دار السلام/بغداد 1975م. الذخيرة. تأليف أبي العباس أحمد بن إدريس القرافي (ت 684هـ) ، الناشر وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بالكويت، الطبعة الثانية 1402هـ. الذيل على طبقات الحنابلة. تأليف أبي الفرج عبد الرحمن بن شهاب الدين البغدادي (ابن رجب الحنبلي) (ت 795هـ) ، الناشر دار المعرفة/بيروت. الرسالة. تأليف محمدج بن إدريس الشافعي (ت 204هـ) ، تحقيق: أحمد محمد شاكر، الناشر مكتبة دار التراث/القاهرة، الطبعة الثانية 1399هـ.
رسالة في القواعد الفقهية. تأليف عبد الرحمن بن ناصر السعدي (ت 1376هـ) ، الناشر مكتبة ابن الجوزي/الدمام، طبعة عام 1410هـ. رسالة نشر العَرف في بناء بعض الأحكام على العرُف. تأليف محمد أمين بن همر الدمشقي (ابن عابدين) (ت 1252هـ) ، ضمن مجموعة رسائل ابن عابدين 2/ص114-147. رفع الحرج في الشريعة الإسلامية ضوابطه وتطبيقاته. تأليف د. صالح بن عبد الله بن حميد، الناشر مركز البحث العلمي بجامعة أم القرى، الطبعة الأولى 1403هـ. روضة الطالبين. تأليف أبي زكريا يحي بن شرف النووي (ت 676هـ) ، الناشر المكتب الإسلامي/مدشق. روضة الناظر وجنة المناظر. تأليف أبي محمد عبد الله بن أحمد بن قدامة المقدسي (ت 620هـ) ، ومعها شرحها نزهة الخاطر العاطر، الناشر مكتبة المعارف/الرياض، الطبعة الثانية 1404هـ. وكذلك طبعة مكتبة الرشد، بتحقيق د. عبد الكريم النملة، الطبعة الأولى 1413هـ.
روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني. تأليف أبي الفضل محمود الألوسي البغدادي (ت 1270هـ) ، الناشر دار إحياء التراث العربي/بيروت. زاد المستقنع في اختصار المقنع. تأليف موسى بن أحمد الحجاوي (ت 968هـ) ، مع حاشيته الروض المربع، الناشر مكتبة الرياض الحديثة. السبب عند الأصوليين. تأليف د. عبد العزيز بن عبد الرحمن الربيعة، الناشر لجنة البحوث والنشر في جامعة الإمام محمد سعود الإسلامية/الرياض، طبعة عام 1399هـ. سبل السلام شرح بلوغ المرام. تأليف محمد بن إسماعيل الكحلاني (الأمير) (ت 1182هـ) ، الناشر دار الفكر. سد الذرائع في الشريعة الإسلامية. تأليف محمد هشام البرهاني، الناشر مطبعة الريحاني/بيروت، الطبعة الأولى 1406هـ. سراج السالك شرح أسهل المسالك. تأليف عثمان بن حسين الجعلي المالكي، الناشر مكتبة مصطفى البابي الحلبي/مصر.
سقوط العقوبات في الفقه الإسلامي. تأليف د. جبر محمود الفضيلات، حقق أحاديثه أحمد خليفة الناشر دار عثمان/الأردن، الطبعة الأولى 1408هـ. سلسلة الأحاديث الضعيفة وشيء من فقهها. تأليف محمد ناصر الدين الألباني، الناشر المكتب الإسلامي/دمشق. سلم الوصول لشرح نهاية السول. تأليف محمد بخيت المطيعي (ت 1354هـ) مع نهاية السول للإسنوي، الناشر عالم الكتب. السماع. تأليف محمد بن طاهر الأندلسي (لبن القيسراني) (ت 507هـ) ، تحقيق أبي الوفاء المراغي، الناشر المجلس الأعلى للشئون الإسلامية بالجمهورية العربية المتحدة، لجنة إحياء التراث الإسلامي 1390هـ. سنن الترمذي. تأليف الإمام أبي عيسى محمد بن عيسى بن سورة الترمذي (ت 279هـ) ، مع تحفة الأحوذي [راجع تحفة الأحوذي] .
سنن الدارقطني. تأليف أبي الحسن علي بن عمر الدارقطني (ت 385هـ) ، وبذيله التعليق المغني على الدارقطني، عني بتصحيحه وتحقيقه ونشره السيد عبد الله هاشم يماني المدني 1386هـ. سنن أبي داود. تأليف أبي داود سليمان بن الأشعث السجستاني (ت 275هـ) ، مع عون المعبود للعظيم آبادي، وشرح ابن القيم، الناشر دار الكتب العلمية/بيروت، الطبعة الأولى 1410هـ. السنن الكبرى. تأليف أبي بكر أحمد بن الحسين البيهقي (ت 458هـ) ، وبذيله الجوهر النقي، الناشر دار المعرفة/بيروت، ومصور عن الطبعة الأولى بمطبعة مجلس دائرة المعارف العثمانية بالهند 1344هـ. سنن ابن ماحه. تأليف أبي عبد الله محمد بن يزيد القزويني (ابن ماجه) (ت 275هـ) ، تحقيق وترقيم محمد فؤاد عبد الباقي، الناشر المكتبة العلمية/بيروت.
سنن النسائي. تأليف أبي عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي (ت 303هـ) ، مع شرح السيوطي وحاشية السندي [راجع حاشية السندي] . سير أعلام النبلاء. تأليف أبي عبد الله محمد بن أحمد الذهبي (ت 748هـ) ، تحقيق شعيب الأرنؤوطوآخرين، الناشر مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى 1401هـ. شجرة النور الزكية في طبقات المالكية. تأليف محمد بن محمد مخلوف (ت 1360هـ) ، الناشر دار الكتاب العربي/بيروت، طبعة جديدة عن الطبعة الأولى 1349هـ. شذرات الذهب في أخبار من ذهب. تأليف أبي الفتح عبد الحي بن عماد الحنبلي (ت 1089هـ) ، الناشر المكتب التجاري للطباعة والنشر والتوزيع/بيروت. شذا العَرف في فت الصرف. تأليف أحمد الحملاوي (ت 1351هـ) ، الناشر مطبعة دار الكتب المصرية/القاهرة، الطبعة الخامسة 1345هـ.
شرح تنقيح الفصول في اختصار المحصول. تأليف أبي العباس أحمد بن إدريس القرافي (ت 684هـ) ، تحقيق: طه عبد الرؤوف سعد، الناشر مكتبة الكليات الأزهرية/القاهرة، ودار الفكر/دمشق، الطبعة الأولى 1393هـ. شرح الزرقاني على موطأ الإمام مالك. تأليف أبي عبد الله محمد بن عبد الباقي الزرقاني (ت 1122هـ) ، الناشر شركة ومكتبة مصطفى البابي الحلبي/مصر. شرح السراجية في الفغرائض. تأليف علي بن محمد الجرجاني (السيد الشريف) (ت 816هـ) ، الناشر وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بالعراق 1399هـ. شرح السنة. تأليف أبي محمد الحسين بن مسعود البغوي (ت 510هـ) ، تحقيق شعيب الأرنؤوط، ومحمد زهير الشاويش، الناشر المكتب الإسلامي، الطبعة الأولى 1390هـ.
شرح السير الكبير. تأليف أبي بكر محمد بن أحمد بن سهل السرخسي (ت 483هـ) تحقيق د. صلاح الدين المنجد، الناشر معهد المخطوطات الدول العربية 1971م. الشرح الصغير. تأليف أحمد الدردير على مختصره المسمى (أقرب المسالك إلى مذهب الإمام مالك) (ت 1201هـ) تحقيق محمد محي الدين عبد الحميد، الناشر مكتبة محمد علي صبيح/القاهرة، الطبعة الثانية 1391هـ. شرح ابن عقيل على ألفية ابن مالك. تأليف عبد الله بن عبد الرحمن بن عقيل الهاشمي (ابن عقيل) (ت 769هـ) ، ومهع منحة الجليل بتحقيق شرح ابن عقيل لمحمد محي الدين عبد الحميد، الناشر المكتبة التجارية الكبرى/مصر، الطبعة الخامسة 1386هـ. شرح القواعد الفقهية. تأليف أحمد بن محمد الزرقاء (ت 1357هـ) ، مراجعة عبد الستار أبي غدة، الناشر دار الغرب الإسلامي، الطبعة الأولى 1403هـ.
شرح ابن القيم على سنن أبي داود. تأليف أبي عبد الله محمد بن أبي بكر الدمشقي (ابن القيم) (ت 751هت) [راجع سنن أبي داود] . الشرح الكبير. تأليف أحمد بن محمد العدوي (الدردير) (ت 1201هـ) ، ومعه حاشية الدسوقي، [راجع حاشية الدسوقي] . شرح الكوكب المنير. تأليف أبي الوفاء محمد بن أحمد الفتوحي الحنبلي (ابن النجار) (ت 972هـ) تحقيق د. محمد الزحيلي، د. نزيه حماد، الناشر مركز البحث العلمي بجامعة أم القرى بمكة المكرمة، الطكبعة الأولى 1408هـ. شرح المجلة. تأليف سليم رستم باز اللبناني، الناشر دار الكتب العلمية/بيروت، الطبعة الثالثة. شرح مختصر الروضة. تأليف الربيع سليمان بن عبد القوي الطوفي (ت 716هـ) تحقيق د. عبد الله بن عبد المحسن التركي، الناشر مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى 1407هـ.
شرح النووي على صحيح مسلم. تأليف أبي زكريا يحي بن شرف النووي (ت 676هـ) مع الصحيح، الناشر المطبعة المصرية بالأزهر. شروق أنوار المنن الكبرى الإلهية بكشف أسرار السنن الصغرى النسائية (شرح سنن النسائي) . تأليف الشيخ محمد المختار بن محمد الشنقيطي، الناشر مطبعة المدني السعودية/القاهرة، الطبعة الأولى 1410هـ. الشيخ ابن سعدي وجهوده في توضيح العقيدة. تأليف عبد الرزاق بن عبد المحسن العباد، الناشر مكتبة الرشد/الرياض. الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية. تأليف إسماعيل بن حماد الجوهري، تحقيق أحمد عبد الغفور عطار، الناشر دار العلم للملايين/بيروت، الطبعة الثالثة 1404هـ,. الصحاح في الغة والعلوم. معجم وسيط، تجديد لصحاح الجوهري. إعداد نديم وأسامة مرعشلي، الناشر دار الحضارة العربية/بيروت، الطبعة الأولى 1975م.
صحيح البخاري (الجامع الصحيح) . تأليف الإمام أبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري ومعه شرحه فتح الباري، ترقيم محمد فؤاد عبد الباقي، الناشر دار الريان للتراث/القاهرة، الطبعة الثانية 1409هـ. صحيح سنن الترمذي. تأليف محجمد ناصر الدين الألباني (ت 1420هـ) ، تعليق وغهرسة زهير شاويش، الناشر مكتب التربية العربي لدول الخليج، الطبعة الأولى 1408هـ. صحيح سنن أبي داود. تأليف محجمد ناصر الدين الألباني (ت 1420هـ) ، تعليق وغهرسة زهير شاويش، الناشر مكتب التربية العربي لدول الخليج، الطبعة الأولى 1409هـ. صحيح سنن ابن ماجه. تأليف محجمد ناصر الدين الألباني (ت 1420هـ) ، تعليق وغهرسة زهير شاويش، الناشر مكتب التربية العربي لدول الخليج، الطبعة الأولى 1409هـ.
صحيح مسلم (الجامع الصحيح) . تأليف أبي الحسين مسلم بن الحجاج القشيري (ت 260هـ) ، ومعه شرح النووي، (راجع شرح النووي) . الضوء اللامع لأهل القرن التاسع. تأليف أبي الخير محمد بن عبد الرحمن السخاوي (ت902هـ) ، الناشر دار مكتبة الحياة/بيروت. ضوابط المصلحة في الشريعة الإسلامية. تأليف محمد سعيد رمضان البوطي، الناشر مؤسسة الرسالة/بيروت، الطبعة الخامسة 1406هـ. طبقات الشافعية. تأليف جمال الدين عبد الرحيم بن الحسن الأسنوي (ت 772هـ) ، تحقيق: عبد الله الجبوري، الناشررئاسة ديوان الأوقاف بالجمهورية العراقية، الطبعة الأولى 1390هـ. 1406هـ. طبقات الشافعية. الكبرى. تأليف نصر عبد الوهاب بن علي السبكي (ت 771هـ) ، تحقيق عبد الفتاح الحلو، ومحمودالطناحي، الناشر مطبعة عيسى البابي الحلبي، الطبعة الأولى 1383هـ.
الطبقات الكبرى. تأليف أبي عبد الله محمد بن سعد البصري (ابن سعد) (ت 230هـ) ، الناشر دار صادر/بيروت، ودار بيروت 0380هـ. طبقات المفسرين. تأليف محمد بن علي بن أحمد الداودي (ت 945هـ) ، تحقيق: علي محمد عمر الناشر مكتبة وهبة/مصر، الطبعة الأولى 1392هـ. طرح التثريب في شرح التقريب. تأليف أبي الفضل عبد الرحيم بن الحسين العراقي (ت 806هـ) ن وولده أبي زرعة أحمد بن عبد الرحيم العراقي (ت 826هـ) ، الناشر دار المعارف/حلب. الطرق الحكمية في السياسة الشرعية. تأليف أبي عبد الله محمد بن أبي بكر الدمشقي (ابن القيم) (ت 751هـ) تحقيق: محمد جميل غازي، الناشر دار المدني للطباعة/جدة. طريق الرشد إلى تخريج أحاديث بداية ابن رشد. تأليف الشيخ عبد اللطيف بن إبراهيم آل عبد اللطيف (ت 1416هـ) ، الناشر مركز شئون الدعوة بالجامعة الإسلامية، الطبعة الثانية.
عارضة الأحوذي بشرح صحيح الترمذي. تأليف أبي بكر محمد بن عبد الله المعافري (ابن العربي) (ت 453هـ) ، الناشر دار العلم للجميع. العبودية. تأليف أبي العباس أحمد بن عبد الحليم الحراني (ابن تيمية) (ت 728) الناشر مطبعة المدني/القاهرة 1398هـ. عدة البروق في جمع مافي المذهب من الجموع والفروق. تأليف أبي العباس أحمد بن يحي الونشريسي (ت 914هـ) ، تحقيق: حمزة أبو فارس، الناشر دار الغرب الإسلامي، الطبعة الأولى 1410هـ. العدة في أصول الفقه. تأليف القاضي أبي يعلى محمد بن الحسين الفراء (ت 458هـ) ، تحقيق: د. أحمد ابن علي المباركي الناشر مؤسسة الرسالة/بيروت، الطبعة الأولى 1400هـ. العذب الفائض شرح عمدة الفارض. تأليف إبراهيم بن عبد الله الفرضي، الناشر دار الفكر/بيروت، الطبعةالثانية 1394هـ.
العرف وأثره في الشريعة الإسلامية. تأليف د. أحمد بن علي المباركي، الطبعة الأولى 1412هـ. على طريق الهجرة (رحلات في قلب الحجاز) تأليف عاتق بن غيث البلادي، الناشر دار مكة للنشر والتوزيع. علم القضاء. تأليف د. أحمد الحصري، الناشر مكتبة الكليات الأزهرية/القاهرة 1397هـ. علماء نجد خلال ستة قرون. تأليف الشيخ عبد الله بن عبد العزيز البسام، الناشر مكتبة ومطبعة النهضة الحديثة/مكة المكرمة، الطبعة الأولى 1398هـ. علماء ومفكرون عرفتهم. تأليف محمد المجذوب، الناشر دار الشواف/الرياض، الطبعة الرابعة. عمدة القاري شرح صحيح البخاري. تأليف أبي محمد محمود بن أحمد العيني (ت855هـ) ، تصحيح وتعليق جماعة من العلماء، الناشر دار الفكر/بيروت.
عوارض الأهلية عند الأصوليين. تأليف د. حسين بن خلف الجبوري، الناشر معهد البحوث العلملية بجامعة أم القرى، الطبعة الأولى 1408هـ. عون المعبود شرح سنن أبي داود. تأليف محمد أشرف بن أمير العظيم آبادي1) ت بعد 1323هـ) [راجع سنن أبي داود] . غمز عيون البصائر شرح الأشباه والنظائر لابن نجيم. تأليف أحمد بن محمد الحموي (ت 1098هـ) ، الناشر دار الكتب العلمية/بيروت، الطبعة الأولى 1405هـ. غياث الأمم في التياث الظلم. تأليف أبي المعالي عبد الملك بن عبد الله الجويني (ت 478هـ) ، تحقيق عبد العظيم الديب، الناشر مطبعة نهضة مصر، الطبعة الثانية 1401هـ. 1 المثبت على غلاف عدد من طبعات هذا الكتاب أنه لأبي الطيب شمس الحق العظيم آبادي، والذي وجدته في مقدمة هذا الكتاب هو ما أثبته، وأما شمس الحق فله شرح آخر، وهذا ما ذكره عمر رضا كحالة أيضا. انظر: مقدمة عون المعبود 1/3، ومعجم المؤلفين 9/63، 10/72.
فتح الباري بشرح صحيح البخاري. تأليف أبي الفضل أحمد بن علي العسقلاني (ابن حجر) (ت 852هـ) . [راجع صحيح البخاري] . الفتح الرباني. تأليف أحمد عبد الرحمن البنا (الساعاتي) ، ومعه بلوغ الأماني من أسرار الفتح الرباني للمؤلف نفسه، الطبعة الأولى. فتح القدير. تأليف محمد بن عبد الواحد السيواسي (ابن الهمام) (ت681هـ) ، وتكملته نتائج الأفكار في كشف الرموز والأسرار. تأليف شمس الدين أحمد بن قورد (قاضي زاده) ، الناشر شركة مصطفى البابي، الطبعة الأولى 1389هـ. فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير. تأليف محمد بن علي الشوكاني (ت 1255هـ) ، الناشر دار الفكر/بيروت.
فتح المجيد شرح كتاب التوحيد. تأليف الشيخ عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ (ت1285هـ) ، وتعليق وموراجعة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، الناشر دار أولي النهى. الفرائد البهية في القواعد والفوائد الفقهية. تأليف محمود حمزة الحسيني (ت 1305هـ) ، الناشر دار الفكر، الطبعة الأولى 1406هـ. فرائد الفوائد في اختلاف القولين امجتهد واحد. تأليف محمد بن إبراهيم المناوي السلمي (ت 746هـ) ، الناشر دار الصحابة للتراث/طنطا، الطبعة الأولى 1412هـ. الفروع في الفقه الحنبلي. تأليف شمس الدين محمد بن مفلح المقدسي (ت 763هـ) ، ومعه تصحيح الفروع للمرداوي، الناشر دار مصر للطباعة/القاهرة، الطبعة الثانية 1379هـ. الفروق (أنوار البروق في أنواء الفروق) . تأليف أبي العباس أحمد بن إدريس الصنهاجي (القرافي) (ت 684هـ) ، [راجع تهذيب الفروق] .
الفروق في اللغة. تأليف أبي هلال الحسن بن عبد الله العسكري (ت 395هـ) ، الناشر دار الآفاق الجديدة/بيروت، الطبعة الأولى 1393هـ. الفقه الإسلامي وأدلته. تأليف د. وهبه الزحيلي، الناشر دار الفكر/دمشق، الطبعة الثالثة 1409هـ. فقه الزكاة. تأليف يوسف القرضاوي، الناشر دار الإرشاد/بيروت، الطبعة الأولى 1389هـ. فهرس الفهارس والأثبات ومعجم المعاجم والمشيخات والمسلسلات. تأليف عبد الحي بن عبد الكبير الكتاني، باعتناء د. إحسان عباس، الناشر دار الغرب الإسلامي/بيروت، الطبعة الثانية 1402هـ. فواتح الرحموت بشرح مسلم الثبوت. تأليف عبد العلي محمد بن نظام الدين الأنصاري، مع المستصفى للغزالي، الناشر دار إحياء التراث العربي/بيروت.
الفواكه الدواني على رسالة أبي زيد القيرواني. تأليف الشيخ أحمد بن غنيم النفراوي المالكي (ت 1215هـ) ، الناشر دار الفكر/بيروت. الفوائد البهية في تراجم الحنفية. تأليف أبي الحسنات محمد بن عبد الحي اللكنوي، ومعه التعليقات السنية [راجع التعليقات السنية] . الفوائد الجنية حاشية المواهب السنية. تأليف أبي الفيض محمد بن ياسين الفاداني (ت 1410هـ) ، الناشر دار البشائر الإسلامية/بيروت، الطبعة الأولى 1411هـ. فيض الباري على صحيح البخاري. تأليف محمد أنور الكشميري (ت 1352هـ) ، ومعه حاشية البدر الساري لمحمد بدر الميرتهي، الناشر دار المعرفة/بيروت. القاعدة الكلية إعمال الكلام أولى من إهماله وأثرها في الأصول. تأليف محمود مصطفى هرموش، الناشر المؤسسة الجامعية/بيروت، الطبعة الأولى 1406هـ.
القاموس الفقهي لغة واصطلاحا. تأليف سعدي أبو حبيب، الناشر دار الفكر/دمشق، الطبعة الأولى 1402هـ. القاموس المحيط. تأليف أبي طاهر محمد بن يعقوب الفيروز آبادي (ت 817هـ) ، الناشر دار الفكر/بيروت.1318هـ. القضاء ونظامه في الكتاب والسنة. تأليف د. عبد الرحمن إبراهيم الحميصي، الناشر معهد البحوث العلمية بجامعة أم القرى، الطبعة الأولى 1409هـ. القواعد. تأليف أبي الفرج عبد الرحمن بن رجب الحنبلي (ت 795هـ) ، الناشر دار المعرفة/بيروت. القواعد. تأليف أبي عبد الله محمد بن محمد المقري (ت 758هـ) ، تحقيق د. أحمد بن عبد الله بن حميد، الناشر مركز إحياء التراث الإسلامي بجامعة أم القرى/مكة المكرمة.
قواعد الأحكام في مصالح الأنام. تأليف أبي محمد عبد العزيز بن عبد السلام السلمي (ت 660هـ) ، ومراجعة طه عبد الارؤوف سعد، الناشر دار الجيل/بيروت، الطبعة الثانية 1400هـ. القواعد الفقهية. تأليف محمد عميم الإحسان المجدي، ضمن مجموع (قواعد الفقه) ، الناشر لجنة النقابة والنشر/باكستان 1407هـ. القواعد الفقهية. تأليف علي بن أحمد الندوي، الناشر دار القلم/دمشق، الطبعة الأولى 1407هـ. القواعد النورانية الفقهية. تأليف أبي العباس أحمد بن عبد الحليم الحرّاني (ابن تيمية) (ت 728هـ) ، تحقيق محمد حامد الفقي، الناشر دار الندوة الجديدة/بيروت. القواعد والأصول الجامعة والفروق والتقاسيم البديعة النافعة. تأليف الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي (ت 1376هـ) ، الناشر مكتبة الإمام الشافعي/الرياض، الطبعة الثانية.
القواعد والضوابط المستخلصة من التحرير للحصيري. جمع علي بن أحمد الندوي، الناشر مطبعة المدني/القاهرة الطبعو الأولى 1411هـ. القواعد والفوائد. تأليف أبي عبد الله محمد بن مكي العاملي (الشهيد الأول) (ت 786هـ) ، تحقيق د. عبد الهادي الحكيم، الناشر جمعية منتدى النشر/النجف. القواعد والفوائد الأصولية. تأليف أبي الحسن علي بن عباس البعلي (ابن اللحام) (ت 803هـ) ، تحقيق محمد حامد الفقي، الناشر دار الكتب العلمية/بيروت، الطبعة الأولى 1403هـ.. القوانين الفقهية. تأليف أبي القاسم محمد بن أحمد الكلبي (ابن جزي) (ت 741هـ) ، الناشر دار الفكر. قيود الملكية الخاصة. تأليف عبد الله بن عبد العزيز المصلح، الناشر مؤسسة الرسالة/بيروت، الطبعة الأولى 1408هـ.
الكافي في فقه أهل المدينة المالكي. تأليف أبي عمر يوسف بن عبد الله النمري (ابن عبد البر) (ت 463هـ) ، تحقيق محمد محمد أحيد، الناشر مكتبة الرياض الحديثة/الرياض، الطبعة الأولى 1398هـ. الكافي في فقه الإمام أحمد بن حنبل. تأليف أبي محمد عبد الله بن أحمد المقدسي (ابن قدامة) (ت 620هـ) ، الناشر المكتب الإسلامي، الطبعة الثانية 1399هـ. الكتاب المصنف. تأليف أبي بكر عبد الله بن محمد بن أبي شيبة العبسي (ت 235هـ) ، تحقيق مختار أحمد الندوي، الناشر الدار السلفية/بمباي، الطبعة الأولى 1402هـ. وجزؤه الملحق به وهو الجزء المفقود منه، تحقيق عمر بن غرامة العمري، الناشر دار عالم الكتب. كشاف اصطلاحات الفنون. تأليف محمد علي الفاروقي التهانوي، تحقيق د. لطفي عبد البديع، الناشر وزارة الثقافة والإرشاد القومي/مصر 1383هـ.
كشاف القناع على متن الإقناع. تأليف أبي حسن منصور بن يونس البهوتي (ت1051هـ) ، طبعة 1394هـ. كشف الأسرار شرح المصنف على المنار. تأليف أبي البركات عبد الله بن أحمد النسفي (ت710هـ) مع شرح نور الأنوار على المنار لملاجيون، الناشر دار الكتب العلمية/بيروت، الطبعة الأولى 1406هـ. كشف الأسرار عن أصول البزدوي. تأليف علاء الدين عبد العزيز بن أحمد البخاري (ت730هـ) ، الناشر دار الكتاب العربي/بيروت 1394هـ. الكليات معجم في المصطلحات والفروق اللغوية. تأليف أبي البقاء أيوب بن موسى الحسيني (1094هـ) ، فهرسة عدنان درويش، ومحمد المصري، الناشر مؤسسة الرسالة، بيروت، الطبعة الأولى 1412هـ. الكواكب السائرة بمناقب أعيان المائة العاشرة. تأليف أبي المكارم محمد بن محمد الغزي (ت1061هـ) ، تحقيق جبرائيل سليمان جبور، الناشر محمد أمين دمج وشركاه/بيروت.
كف الرعاع عن محرمات السماع. تأليف أبي العباس أحمد بن محمد بن حجر الهيثمي (ت974هـ) ، تحقيق محمد عبد القادر عطا، الناشر دار الكتب العلمية/بيروت. لسان العرب. تأليف أبي الفضل محمد بن مكرم الأنصاري (ابن منظور) (ت711هـ) ، تنسيق وتعليق علي شيري، الناشر دار إحيائ التراث العربي. مالك -حياته وعصره- آراؤه وفقهه. تأليف الشيخ محمد أبو زهرة (ت1395هـ) ، الناشر دار الفكر العربي، الطبعة الثانية 1952هـ. المبدع هـ. في شرح المقنع. تأليف أبي إسحاق إبراهيم بن محمد بن مفلح (ت884هـ) ، الناشر المكتب الإسلامي، بيروت، الطبعة الأولى 1397هـ. المبسوط. تأليف أبي بكر محمد بن أحمد السرخسي (ت483هـ) ، الناشر دار المعرفة/بيروت، الطبعة الأولى 1398 هـ.
المتوارى على تراجم أبواب البخاري. تأليف ناصر الدين أحمد بن محمد الإسكندري (ابن المنير) (ت683هـ) ، تحقيق صلاح الدين مقبول أحمد، الناشر مكتبة المعلا/الكويت، الطبعة الأولى 1407هـ. مجامع الحقائق مع شرحه منافع الدقائق (خاتمته) . تأليف أبي سعيد محمد بن محمد الخادمي (ت1176هـ) ، الناشر شركة الصحافة العثمانية 1308هـ. مجلة الأحكام العدلية، مع شرح سليم رستم باز. تأليف جماعة من علماء الدولة العثمانية، [راجع شرح المجلة] . مجمع الزوائد ومنبع الفوائد. تأليق أبي الحسن علي بن أبي بكر الهيثمي (ت807هـ) ، الناشر دار الكتاب العربي/بيروت، الطبعة الثالثة 1402هـ. المجموع شرح المهذب. تأليف أبي زكريا يحي بن شرف النووي (ت676هـ) ، وتكملته للسبكي، وللمطيعي، الناشر المكتبة العالمية بالفجالة.
مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية. تأليف أبي العباس أحمد بن عبد الحليم الحراني (ابن تيمية) (ت728هـ) ، جمع وترتيب عبد الرحمن بن محمد بن قاسم بمساعدة ابنه محمد. المجموع المغيث في غريبي القرآن والحديث. تأليف أبي موسى محمد بن أبي الأصفهاني (ت 581هـ) تحقيق د. عبد الكريم العزباوي، الناشر مركز البحث العلمي بجامعة أم القرى، الطبعة الأولى 1406هـ. المحصول في علم أصول الفقه. تأليف فخر الدين محمد بن عمر الرازي (ت606هـ) ، تحقيق د. طه جابر العلواني، الناشر لجنة البحوث والتأليف بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية/الرياض، الطبعة الأولى 1399هـ. المحلى. تأليف أبي محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم (ت456هـ) ، تحقيق أحمد محمد شاكر، الناشر مكتبة دار التراث/القاهرة.
مختصر طبقات الحنابلة. جمع واختصار جميل أفندي الشطي، طبع في دمشق عام 1339هـ، مطبعة الترقي. مختصر المزني. تأليف أبي إبراهيم إسماعيل بن يحي المزني (ت264هـ) ، بهامش الأم [راجع الأم] . مختصر من قواعد العلائي وكلام الأسنوي. تأليف أبي الثناء محمود بن أبي أحمد الحموي (ابن خطيب الدهشة) (ت834هـ) تحقيق د. مصطفى محمود البنجويني، الناشر مطبعة الجمهور الموصل 1984م. المدخل إلى أصول الفقه المالكي. تأليف محمد المختار ولد أباه، الناشر الدار العربية للكتاب 1987م. المدخل إلى مذهب الإمام أحمد. تأليف عبد القادر بن بدران الدمشقي، تعليق د. عبد الله بن عبد المحسن التركي، الناشر مؤسسة الرسالة/بيروت، الطبعة الثالثة 1406هـ.
المدخل الفقهي العام. تأليف مصطفى بن أحمد الزرقاء، الناشر دار الفكر. المدونة الكبرى. تأليف الإمام مالك بن أنس الأصبحي (ت179هـ) ، الناشر دار صادر/بيروت 1323هـ. مذكرة أصول الفقه على روضة الناظر. تأليف الشيخ محمد الأمين الشنقيطي (ت1393هـ) ، من مطبوعات الجامعة الإسلامية. مراتب الإجماع في العبادات والمعاملات والاعتقادات. تأليف أبي محمد علي بن أحمد بن حزم (ت456هـ) ، ومعه نقد مراتب الإجماع لابن تيمية، الناشر دار الكتب العلمية/بيروت. المرشد السليم في المنطق الحديث والقديم. تأليف د. عوض الله جاد حجازي، الناشر دار الهدى/مصر، الطبعة السادسة 1405هـ. مرويات غزوة الحديبية. تأليف حافظ بن محمد الحكمي، الناشر المجلس العلمي بالجامعة الإسلامية.
مسائل الإمام أحمد. تأليف أبي داود سليمان بن الأشعث السجستاني (ت275هـ) ، الناشر/دار المعرفة، بيروت. المسائل الفقهية من كتاب الروايتين والوجهين. تأليف القاضي أبي يعلى محمد بن الحسين الفرّاء (ت 458هـ) ، تحقيقد. عبد الكريم بن محمد الللاحم، الناشر مكتبة المعارف/الرياض، الطبعة الأولى 1405هـ. المستصفى من علم الأصول. تأليف أبي حامد محمد بن محمد الغزالي (ت505هـ) [راجع فواتح الرحموت] . مسند الإمام أحمد. تأليف أحمد بن حنبل الشيباني (ت241هـ) ، وبهامشه منتخب كنز العمال الناشر المكتبالإسلامي بيروت، الطبعة الأولى 1389هـ. وكذلك المسند بتحقيق الشيخ أحمد شاكر، الناشر دار المعارف/مصر 1367هـ.
المسودة في أصول الفقه. تأليف ثلاثة من آل تيمية، جمعها أبو العباس أحمدج بن محمد الحراني (ت705) ، تحقيق محمد محي الدين عبد الحميد، الناشر دار الكتاب العربي/بيروت. المشقة تجلب التيسير. تأليف صالح بن سليمان اليوسف، الناشر المطابع الأهلية/الرياض 1408هـ. المصباح المنير في غريب الشرح الكبير. تأليف أبي العباس أحمد بن محمد الفيومي المقري (ت770هـ) ، تحقيق عبد العظيم الشناوي، الناشر دار المعارف/القاهرة. وكذلك طبعة مكتبة لبنان /1987م. المصنف. تأليف الحافظ أبي بكر عبد الرزاق بن همام الصنعاني (ت211هـ) ،تحقيق حبيب الرحمن الأعظمي، الناشر المجلس العلمي /الهند، الطبعة الأولى 1390 هـ. مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى. تأليف مصطفى بن سعد السيوطي الرحيباني (ت 1243هـ) ، ومعه تجريد زوائد الغاية والشرح لحسن الشطي، الناشر المكتب الإسلامي/دمشق.
معالم السنن المطبوع مع سنن أبي داود. تأليف أبي سليمان حمد بن محمد الخطابي (ت388هـ) ، الناشر محمد علي السيد/حمص، الطبعة الأولى 1388هـ. المعتمد. تأليف أبي الحسين محمد بن علي البصري (ت436هـ) ، تحقيق محمد حميد الله وآخرين، دمشق/1384هـ. معجم البلدان. تأليف أبي عبد الله ياقوت بن عبد الله الحموي (ت626هـ) ، تحقيق فريد بن عبد العزيز الجندي، الناشر دار الكتب العلمية/بيروت، الطبعة الأولى 1410هـ. معجم الفقهاء. وضع محمد رواسي قلعجي، وحامد صادق قنيبي، الناشر دار النفاءس، الطبعة الثانية 1408هـ. معجم مصطلحات أصول الفقه. وضعه د. قلب مصطفى سانو، قدم له وعلق عليه د. محمد رواسي قلعجي، الناشر دار الفكر المعاصر، الطبعة الأولى 1420هـ.
معجم المعالم الجغرافية في السيرة النبوية. تأليف عاتق بن غيث البلادي، الناشر دار مكة للنشر والتوزيع. معجم المؤليفن. تأليف عمر رضا كحالة، الناشر دار إحياء التراث العربي/بيروت. المعدول به عن القياس حقيقته، وحكمه، موقف شيخ الإسلام أحمد بن تيمية منه. تأليف د. عمر بن عبد العزيز بن محمد، الناشر مكتبة الدار/المدينة المنورة، الطبعة الأولى 1408هـ. المعجم الوسيط. أخرجه إبراهيم مصطفى، وآخرون/مجمع اللغة العربية، الناشر المكتبة العلمية/طهران. معرفة السنن والآثار. تأليف أبي أحمد بن الحسين البيهقي (ت458هـ) ، توثيق وتخريج عبد المعطي أمين قلعجي الناشرون جامعة الدراسات الإسلامية/كراتشي، وآخرون، الطبعة الأولى 1412هـ.
مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم (المغازي) . تأليف أبي عبد الله محمد بن عمر الواقدي (ت207هـ) ، الناشر جماعة نشر الكتب القديمة/القاهرة، الطبعة الأولى 1367هـ. المغانم المطابة في معالم طابة. تأليف مجد الدين الفيروز آبادي (ت817هـ) ، تحقيق حمد الجاسر الناشر دار اليمامة/الرياض 1389هـ. المغني. تأليف أبي محمد عبد الله بن أحمد بن قدامة المقدسي (ت620هـ) ، تحقيق د. عبد الله بن عبد المحسن التركي، د. عبد الفتاح الحلو، الناشر هجر للطباعة/القاهرة، الطبعة الأولى 1406هـ. مغني ذوي الأفهام عن الكتب الكثيرة في الأحكام (خاتمته) . تأليف يوسف بن حسن بن عبد الهادي (ابن المبرد) (ت 909هـ) ، تعليق عبد الله بن عمر بن دهيش، الطبعة الثانية.
المغني في أبواب التوحيد والعدل. تأليف القاضي أبي الحسن عبد الجبار بن أحمد الهمذاني المعتزلي (ت 415هـ) تحقيق جماعة من العلماء، الناشر وزارة الثقافة والإرشاد القومي/المؤسسة المصرية العامة للتأليف/مصر. المغني في أصول الفقه. تأليف أبي محمد عمر بن محمد الخبازي (ت 691هـ) ، تحقيق د. محمد مظهر بقاء الناشر مركز البحث العلمي بجامعة أم القرى/مكة المكرمة، الطبعة الأولى هـ. مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج. تأليف محمد بن أحمد الشربيني الخطيب (ت977هـ) ، الناشر مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي/مصر 1377هـ. المفردات في غريب القرآن. تأليف أبي القاسم الحسين بن محمد الأصفهاني (الراغب) (ت502هـ) ، تحقيق وضبط محمد سيد كيلاني، الناشر مكتبة مصطفى البابي الحلبي/مصر 1380هـ.
المقاصد الحسنة في بيان كثير من الأحاديث المشتهرة على الألسنة. تأليف أبي الخير محمد بن عبد الرحمن السخاوي (ت902هـ) ، تحقيق محمد عثمان الخشت، الناشر دار الكتاب العربي، الطبعة الأولى 1405هز مقاصد المكلفين فيما يتعبد به لرب العالمين أو النيات في العبادات. تأليف د. عمر بن سليمان الأشقر، الناشر مكتبةت الفلاح/الكويت، الطبعة الأولى 1401هـ. مقاييس اللغة. تأليف أبي الحسن أحمد بن فارس القزويني (ت395هـ) ، تحقيق عبد السلام محمد هارون، الناشر مطبعة مصطفى البابي الحلبي/مصر، الطبعة الثانية 1389هز المقدمات الممهدات لبيان ما لقتضته رسوم المدونة من الأحكام الشرعيات. تأليف أبي الوليد محمد بن أحمد بن رشد القرطبي (الجد) (ت520هـ) ، تحقيق د. محمد حجي، الناشر دار الغرب الإسلامي/بيروت، الطبعة الأولى 1408هـ.
المقصد الأرشد في ذكر أصحاب الإمام أحمد. تأليف أبي إسحاق إبراهيم بن محمد بن مفلح (ت884هـ) ، تحقيق د. عبد الرحمن بن سليمان العثيمين، الناشر مكتبة الرشد/الرياض، الطبعة الأولى 1410هـ. المناسك من كتاب الأسرار. تأليف أبي زيد عبيد الله بن عمر الدبوسي (ت430هـ) ، تحقيق د. نايف بن نافع العمري، دار المنار/القاهرة. مناهج العقول. تأليف محمد بن الحسن البدخشي (ت922هـ) ومعه نهاية السول، الناشر دار الكتب العلمية/بيروت، الطبعة الأولى 1405هـ. المنتقى شرح موطأ للإمام مالك. تأليف أبي الوليد سليمان بن خلف الباجي (ت494هـ) ، الناشر دار الكتاب الإسلامي/القاهرة، الطبعة الثانية. منتهى الإرادات في جمع المقنع مع التنقيح وزيادات. تأليف أبي البقاء محمد بن أحمد الفتوحي (ابن النجار) (ت972هـ) الناشر مكتبة دار العروبة/القاهرة.
منتهى السول والأمل في علمي الأصول والجدل. تأليف أبي عمر عثمان بن عمر بن أبي بكر (ابن الحاجب) (ت646هـ) ، الناشر دار الكتب العلمية/بيروت، الطبعة الأولى 1405هـ. منح الجليل شرح مختصر خليل. تأليف محمد بن أحمد بن محمد عليش المالكي (ت1299هـ) ، وبهامشه حاشيته تسهيل منح الجليل. من حكم الشريعة وأسرارها. تأليف حامد بن محمد العبادي، الناشر المكتبة العصرية/لبنان. المنثور في القواعد. تأليف أبي عبد الله محمد بن بهادر الزركشي (ت794هـ) ، تحقيق د. تيسير فائق أحمد محمود الناشر وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية/الكويت، مصور عن الطبعة الأولى 1402هـ.
المنهج الأحمد في تراجم أصحاب الإمام أحمد. تأليف أبي اليمن عبد الرحمن بن محمد العليمي (ت928هـ) ، تحقيق محمد محي الدين عبد الحميد، الناشر عالم الكتب، الطبعة الثانية 1402هـ. المهذب في فقه مذهب الإمام الشافعي. تأليف أبي إسحاق إبراهيم بن علي الشيرازي (ت476هـ) ، ومعه النظم المستعذب لابن بطال الركبي، الناشر مطبعة عيسى البابي الحلبي/مصر. الموافقات في أصول الشريعة. تأليف إبراهيم بن موسى اللخمي (الشاطبي) (ت790هـ) ، شرحه عبد الله دراز، وعني بضبطه محمد عبد الله دراز، الناشر المكتبة التجارية/مصر، الطبعة الثانية 1395هـ. موافقة الخُبْر الخَبَر في تخريج أحاديث المختصر. تأليف أبي الفضل أحمد بن علي العسقلاني (ابن حجر) (ت852هـ) ، تحقيق حمدي السلفي، وصبحي السامرائي، الناشر مكتبة الرشد/الرياض، الطبعة الأولى 1412هـ. مواهب الجليل شرح مختصر خليل. تأليف أبي عبد الله محمد بن محمد الرعيني (الحطاب) (ت954هـ) ، وبهامشه التاج والإكليل، الناشر مكتبة النجاح/ليبيا.
المواهب السنية على الفرائد البهية. تأليف عبد الله بن سليمان الجرهزي الشافعي (ت1201هـ) ، مطبوع مع الأشباه والنظائر للسيوطي الناشر دار الفكر/بيروت. موسوعة أسبار للعلماء والمتخصصين في الشريعة الإسلامية. الناشر أسبار للدراسات والبحوث والإعلام/الرياض 1419هـ. الموطأ. تأليف الإمام مالك بن أنس الأصبحي (ت179هـ) ، تصحيح وترقيم محمد فؤاد عبد الباقي، الناشر المكتبة الثقافية/بيروت 1408هـ. نزهة النظر شرح نخبة الفكر. تأليف أبي الفضل أحمد بن علي العسقلاني (ابن حجر) (ت852) ، الناشر مكتبة التوعية الإسلامية، طبعة 1410هـ. نشر البنود على مراقي السعود. تأليف عبد الله بن إبراهيم العلوي الشنقيطي (ت1230هـ) ، الناشر دار الكتب العلمية/بيروت، الطبعة الأولى 1409هـ.
نهاية السول في شرح منهاج الأصول. تأليف أبي محمد عبد الرحيم بن الحسن الإسنوي (ت772هـ) ، معه حاشيته سلم الوصول [راجع سلم الوصول] . النهاية في غريب الحديث والأثر. تأليف أبي السعادات المبارك بن محمد الجزري (ابن الأثير) (ت606هـ) ، تحقيق محمود خفاجي، الناشر المكتبة الإسلامية. نيل الابتهاج بتطريز الديباج. تأليف أحمدج بن أحمد بن عمر (بابا التنبكتي) (ت1036هـ) ، مطبوع بهامش الديباج المذهب لابن فرحون، الناشر مطبعة عباس بن عبد السلام شقرون 1351هـ. نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار. تأليف محمد بن علي الشوكاني (ت1255هـ) ، الناشر دار الفكر، الطبعة الثانيبة 1403هـ. نيل الوطر من تراجم رجال اليمن في القرن الثالث عشر. تأليف محمد بن محمد زبادة (ت1380هـ) ، الناشر المطبعة السلفية ومكتبتها/القاهرة 1350هـ.
النية وأثرها في الأحكام الشرعية. تأليف د. صالح بن غانم السدلان، الناشر مكتبة الخريجي، الطبعة الأولى 1404هـ. الهداية شرح بداية المبتدي. تأليف أبي الحسن علي بن أبي بكر المرغيناني (ت593هـ) ، الناشر دار الكتب العلمية/بيروت، الطبعة الأولى 1410هـ. الوافي بالوفيات. تأليف أبي الصفا خليل بن أيبك الصفدي (ت764هـ) باعتناء عدد من المحققين، الناشر دار النشر فرنز شتاينر بفيسبادن. الوجيز في إيضاح قواعد الفقه الكلية. تأليف محمد صدقي البورنو، الناشر مكتبة المعارف/الرياض، الطبعة الثانية 1410هـ. وسائل الإثبات في الشريعة الإسلامية. تأليف د. محمد مصطفى الزحيلي، الناشر مكتبة دار البيان/دمشق، الطبعة الأولى 1402هـ. وفاء الوفاء بأخبار المصطفى. تأليف نور الدين علي بن عبد الله السهودي (ت911هـ) ، تحقيق محمد محي الدين عبد الحميد، الناشر دار التراث العربي/بيروت.
الوقوف من مسائل الإمام أحمد. تأليف أحمد بن محمد الخلال (ت311هـ) ، تحقيق د. عبد الله بن أحمد الزيد الناشر مكتبة المعارف/الرياض، الطبعة الأولى 1410هـ. الوكالة في الشريعة والقانون. تأليف محمد رضا عبد الجبار العاني، ساعدت جامعة بغداد على نشره، مطبعة العاني 1975/.
المخطوطات، والرسائل الجامعية: زكاة عروض التجارة. إعداد أحمد بن عبد الله كاتب، رسالة ماجستير/عام 1399-1400هـ /شعبة الفقه بالجامعة الإسلامية. شرح المنهج المنتخب إلى قواعد المذهب. تأليف أحمد بن علي المنجور (ت995هـ) ، تحقيق محمد الشيخ محمد الأمين، رسالة دكتوراه/1412هـ، شعبة الفقه بالجامعة الإسلامية. المجموع المذهب في قواعد المذهب. تأليف أبي سعيد خليل بن كيكلدي العلائي (ت761هـ) (قسم منه لازال مخطوطا ويحققه الآن بعض الباحثين، وقسم حققه محمد بن عبد الغفار بن عبد الرحمن في رسالة دكتوراه عام 1405-1046هـ/شعبة الفقه بالجامعة الإسلامية. المحصول في علم الأصول. تأليف لأبي بكر محمد بن عبد الله المعافري (ابن العربي) (ت 543هـ) تحقيق: عبد اللطيف بن أحمد الحمد، رسالة ماجستير، شعبة أصول الفقه بالجامعة الإسلامية 1409هـ.
مختصر قواعد الزركشي. تأليف عبد الوهاب بن أحمد الشعراني (ت973هـ) ، تحقيق إبراهيم شيخ إسحاق، رسالة ماجستير 1405-1406هـ/شعبة الفقه بالجامعة الإسلامية.