القنوات الفضائية

سيد محمد ساداتي الشنقيطي

المقدمة إن الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران: 102] (¬1) {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء: 1] (¬2) {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا - يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب: 70 - 71] (¬3) أما بعد فإنه بالنظر إلى خطورة الإعلام وتعدد ظاهراته، وتنوعها، وتسارعها، ¬

(¬1) سورة آل عمران، الآية: 102. (¬2) سورة النساء، الآية: 1. (¬3) سورة الأحزاب، الآيتان: 70، 71.

ومبلغ تأثيرها على الناس مع تفاوت بين تلك الظاهرات، فقد بات من الضروري الوقوف عندما يرى أنه أبرزها، وأكثرها خطورة في دنيا الناس وهو ظاهرة الإعلام الفضائي بقنواته التي اشتدت وطأتها على الناس مما جعلها مثار اهتمام الباحثين والدارسين والمفكرين رغبة في تخفيف معاناة الناس حيث يصعب في ظل اختلاف وجهات النظر حولها تحديد الموقف المناسب بالنسبة للمسلمين، ذلك أن الاختلاف حولها قد كثر ما بين مادح، وقادح وداع إلى استخدامها، ومحذر منها، ومظهر لمزاياها، وكاشف لعيوبها إلى ما هناك من أراء حولها. من هنا نشأت الرغبة في الكشف بصورة علمية عن حقيقتها ومدى ما فيها من نفع أو ضر، وتعززت هذه الرغبة بدعوة كريمة من وزارة الشؤون الإسلامية للمشاركة ببحث حولها في الندوة التي تعقدها تحت عنوان (الدعوة الإسلامية في عهد الملك عبد العزيز رحمه الله) . والحق أن موضوعا كهذا (القنوات الفضائية- المآخذ

والإيجابيات) تكتنف معالجته بالنسبة لي صعوبات كثيرة، ليس أقلها ضيق الوقت، ومع ذلك فقد حزمت أمري واستعنت بالله سبحانه وتعالى للاستجابة للدعوة الكريمة في نطاق المستطاع. فالقنوات الفضائية اليوم هي وسيلة العصر الأساسية فقد تبين من متابعة لمدى انتشارها أن بعض الدول تلتقط 70 قناة بهوائيات ترفع على السطح تستقبل من خلالها ما يبث مباشرة عبر الأقمار الصناعية، ومالكوها يبثون عمدا وإصرارا رسائل معينة يتوفر لها من أسباب الجذب والإغراء ما يجعلها محط أنظار المشاهدين الذين يستطيعون استيعاب جوانب كثيرة من الرسالة المبثوثة بحكم المزج بين الصوت والصورة، وذلك ما جعل هذه الوسيلة الجديدة أداة طيعة في أيدي الصالحين الذين يحسنون الانتفاع بها، وكذلك أداة طيعة في أيدي العصاة الذين يفسدون بها (¬1) . وإدراك حقيقة إمكان استخدام القنوات الفضائية في ¬

(¬1) انظر دراسات في الإعلام الفضائي، د. عاطف عدلي العبد وزميلته، دار الفكر العربي، ط 1 عام 1416 هـ، ص 97، 98.

الخير والشر هو بداية المواجهة القائمة على أسس علمية صحيحة تؤدي إلى تجاوز مشكلة التعامل معها إلى موقع حضاري متقدم ينقل الأمة من الدفاع إلى الهجوم، ومن استيراد متطلبات الاستخدام الأمثل للقنوات الفضائية إلى تصدير البرامج ذات المضمون السوي، ومن التأثر بما فيها إلى التأثير عالميا (¬1) . وربما كان ذلك أبرز أهداف كتابة هذا البحث الذي اتبع في إعداده المنهج الوصفي باعتباره أنسب المناهج للوصول إلى تشخيص كامل لظاهرة القنوات الفضائية وتبصر كامل بها، مما استدعى تتبع ما كتب حولها باللغة العربية، للخروج بنتائج علمية يوثق بها ويمكن تعميمها (¬2) . ¬

(¬1) انظر الإعلام الخليجي ودوره في مكافحة تيارات الإلحاد والانحراف، د. عبد الحليم عويس، ود. مرعي مدكور، دار الصحوة بالقاهرة، ص 35. (¬2) انظر بحوث الإعلام د. سمير حسين، وانظر الإعلام الإسلامي- المنهج، المؤلف، دار عالم الكتب بالرياض، ط (1) ، ص 13، 14.

ولما كان الجهد في هذا البحث منصبا على الكشف عن حقيقة القنوات الفضائية، ومدى ما يترتب على استخدامها من خير أو شر، فإنه كان لا بد من إثارة جملة من الأسئلة تكون الإجابة الصحيحة عنها هي الحصيلة العلمية التي يخرج بها من هذا البحث، وأهمها في نظري: ما القنوات الفضائية؟ وما طبيعة استخداماتها في الوقت الحاضر؟ هل على واقع استخدامات القنوات الفضائية مآخذ؟ وما هي؟ وكيف يمكن اجتنابها؟ وهل في استخدامها واقعا ومستقبلا منافع؟ أو إيجابيات؟ وما هي؟ وكيف يمكن تكثيرها أو تغليبها على السلبيات؟ وما الموقف الصحيح منها؟ إلى غير ذلك من الأسئلة التي تساعد على استجلاء معالم هذه الظاهرة الخطيرة في حياة الناس، والتي لا يتسع الوقت والحيز المخصص لهذا البحث لمزيد منها؟ وحرصا على إجابة محددة عن تلك التساؤلات فقد رأيت أن من الأوفق تبويب البحث على النحو التالي: مقدمة وهي ما مر، وتمهيد يعرض للظاهرة في أبعادها

المختلفة، ومبحث عن المآخذ وآخر عن الإيجابيات، وخاتمة تضم إلى جانب خلاصة البحث نتائجه وتوصياته. والله المسؤول أن يسدد ويوفق، ويجعل العمل خالصا لوجهه الكريم إنه ولي ذلك والقادر عليه، والحمد لله أولا وآخرًا وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. * * * * *

التمهيد

[التمهيد] التمهيد تحول الإعلام اليوم من مجرد نقل المعلومات والأفكار إلى الإسهام الفعلي في تكوين الحياة في أبعادها السياسية والثقافية، والاجتماعية والاقتصادية لما له من قدرة على دعم الاتجاهات لدى الأفراد والجماعات أو تعديلها أو تغييرها (¬1) . وفي ظل هذا التحول يمكن تقرير حقيقة غاية في الأهمية هي أن التلفزيون- والقنوات الفضائية أحد أشكاله- قد أثار من المناقشات والجدل العلمي أضعاف ما أثارته وسائل الإعلام الأخرى، ومن خلال تلك المناقشات يتحدد موقع التلفزيون في عملية التأثير وتبادلا المعاني في المجتمع، فقد كشفت الدراسات والأبحاث والمناقشات عن توجهات بحثية ¬

(¬1) انظر دور التلفزيون في خلق ثقافة عربية متوازنة في الخليج، حسن عبد الحميد أبو شنب، رسالة ماجستير مقدمة لكلية الإعلام لجامعة القاهرة عام 1982 م، ص 30، غير منشورة.

تمثلت في ثلاثة نماذج، نموذج الآثار القوية، ونموذج الآثار المحدودة، ونموذج الآثار المعتدلة، وضمن كل نموذج جملة من الافتراضات والنظريات العلمية (¬1) ومن كل ذلك نلحظ ضرورة وجود تأثير بغض النظر عن مستواه، وطبيعته، وآثاره وخاصة أن الإعلام اليوم لم يعد قاصرا على إشباع الاهتمامات وغرس المعلومات، وإنما تحول إلى صناعة الاهتمامات وإعادة التشكيل الثقافي للإنسان من خلال الأوعية الإعلامية المختلفة والتقنيات المتطورة، والتي عجز الإنسان أمام سطوتها عن متابعة ما تقدم والإحاطة به ولو في حدود حاجته واهتمامه (¬2) . واستنادا إلى ما تقدم وفي ظل النظر إلى الاتصال على أنه طريقة للتفكير لا تقتصر فقط على الخطابة في الجماهير، ¬

(¬1) انظر المدخل إلى علم الاتصال، د. حسن إبراهيم مكي وزميله، ذات السلاسل بالكويت، الطبعة الأولى، عام 1995 م، ص 431. (¬2) انظر نحو مشروع مجلة رائدة للأطفال، كتاب الأمة، جمادى الأولى عام 1418 هـ، ص 25، 26، وانظر الثورة التكنولوجية ووسائل الاتصال العربية، المنظمة العربية للتربية والثقافة، تونس، ص 91.

بل تشمل السلوك الإنساني كله، (¬1) فإنه يمكن إدراك خطورة نمط الإعلام الفضائي، ذلك أن العالم اليوم يشهد ميلاد بيئة إعلامية جديدة أبرز خصائصها التواصل الآني، وتجاوز الحدود، والانعتاق من الرقابة، وتعددية في قنوات الاتصال مع تفاعل بين المادة الإعلامية والمستقبل، ولا يعزب عن البال خطورة هذه البيئة التي لم نكن صناعها على نسيجنا الثقافي والسياسي والاقتصادي، فديننا كان ولا يزال هدفا للاختراق والغزو. (¬2) . وقد برز في الآونة الأخيرة اهتمام كبير بالتواصل الفضائي في مجالات عديدة، خاصة من الدول الصناعية التي سخرت الفضاء لخدمة أغراضها وفي مقدمتها الأغراض الإعلامية بحكم أن الإعلام هو الأقدر على الكشف عن ¬

(¬1) انظر الاتصال والسلوك الإنساني، برنت روبن، ترجمة نخبة من أساتذة قسم الوسائل وتكنولوجيا التعليم بكلية التربية بجامعة الملك سعود، نشر معهد الإدارة العامة، عام 1412 هـ، ص 96. (¬2) انظر الإعلام وقضايا الواقع الإسلامي، د. عبد القادر طاش، مكتبة العبيكان، ط 1 عام 1416 هـ، ص 149- 153.

طموحات المستقبل في ظل تطور الاتصالات الفضائية، وانتشار القنوات الفضائية تبعا لذلك رغبة في توسيع نطاق التعامل بين المرسل والمتلقي أينما كان. (¬1) . ومن ثم كان استخدام الأقمار الصناعية في الاتصال والإعلام استجابة لضرورة عصرية ملحة نابعة من أهمية الإعلام والاتصال في عالم اليوم على النطاقين المحلي والعالمي (¬2) فقد برز الاتصال والإعلام وأصبح إحدى أهم قنوات التواصل والتفاعل بين شعوب العالم ودوله دون أدنى اعتبار للنطاقات الجغرافية أو الحدود السياسية أو السيادة الوطنية، أو حقوق الدول في السيطرة على ما يقدم لشعوبها من معلومات عبر قنوات الاتصال المختلفة، (¬3) مما أدى إلى ¬

(¬1) انظر البث الإعلامي عن طريق الأقمار الصناعية والإعلام، الطبعة العربية، الطيب الجويلي، دار المسيرة ومؤسسة سعيدان، بيروت، ط 1 عام 1991 م ص 5-8. (¬2) انظر القمر الصناعي الإسلامي، تحد حضاري وضرورة عصرية، د. ماجي الحلواني، مكتبة الأنجلو المصرية، ص 15. (¬3) انظر زمن المستقبل والعالم العربي، دراسة في موجة المعلوماتية والاتصال، د. عبد اللطيف دبيان العوفي وزميله، الرياض 1418 هـ، ص 11.

ظهور ظاهرة عالمية الاتصال، وانتشار القنوات الفضائية الحكومية والتجارية، واحتدام المنافسة بينها في مجالي التسويق السياسي والتجاري. (¬1) . كما أدى إلى تجدد الدعوات لإقامة نظام إعلامي جديد على المستويين الوطني والدولي بعد أن أصبح تحت تصرف الإنسان أنماط جديدة وقوية للاتصال ينبغي أن تكرس لإثراء حياة الإنسان لا السيطرة عليه (¬2) . فعن طريق استخدام الأقمار الصناعية ذات القوة العالية أمكن إرسال كم هائل من المعلومات، مما يؤثر على فهم الإنسان وقناعته تجاه المواقف المختلفة إبلاغا، وإقناعا، ¬

(¬1) انظر المادة الإخبارية في القنوات الفضائية العربية، د. أحمد موسى الضبيبان، رسالة دكتوراه مقدمة لقسم الإعلام بكلية الدعوة والإعلام عام 1418 هـ، ص 157، غير منشورة. (¬2) انظر تكنولوجيا الاتصال الحديثة وقضية الحق في الاتصال، د. جهان رشتي، بحث مقدم إلى الندوة العربية لحق الاتصال المنعقدة في بغداد (26- 30) أيلول عام 1981 م ونشر تحت عنوان (حق الاتصال في إطار النظام الإعلامي الجديد) من قبل إدارة الشؤون الثقافية، ص 49.

وتوجيها، وحوارا، (¬1) وبأشكالها المختلفة، صوتا، وصورة، ونصا من مصدرها على الأرض إلى جهاز المستقبل مباشرة من غير اعتبار للزمان والمكان (¬2) وعلى ذلك فكل مجتمع من مجتمعات اليوم عرضة لاختراق الفضائيات لأجوائه حاملة مضامين إعلامية شرقية أن غربية دون إذن مسبق بتجاوز الحدود مما مثل انفتاحا على العالم لم يسبق له مثيل، وما ذلك إلا ثمرة للرقي المتتابع في العلوم والتقنيات وبخاصة علوم الفضاء وتقنيات الاتصال، مما ستكون له آثار لا يعلم مداها إلا الله سواء في الجوانب الإيجابية أو السلبية (¬3) . ذلك أن النتائج الأولية لثورة الاتصالات ممثلة في الأقمار الصناعية وشبكات المعلومات، والنظام الإعلامي الشامل ¬

(¬1) انظر التخطيط الإعلامي- المفاهيم والإطار العام، د. حميد جاعد الدليمي، دار الشروق بالأردن، ط 1 عام 1998 م، ص 17. (¬2) انظر زمن المستقبل والعالم العربي، ص 25، مرجع سابق. (¬3) انظر مجلة الحرس الوطني، العدد 200، ص 51، من مقال للدكتور محمد البشر بعنوان (إسهامات وسائل الإعلام في تحقيق التكامل بين المنجز التنموي وقضايا الانتماء الحضاري في المجتمع السعودي) .

من شأنها إحداث تأثيرات بعيدة في جوانب عديدة من حياة الإنسان الذي يتعرض لكم هائل من المعلومات هو نتاج هذه الظاهرة الإعلامية الكونية التي ليس بالإمكان قياس نتائجها المتوقعة بأدوات سابقة ليست ملائمة لها، ولا متفقة مع حقيقتها على المستويات التقنية والمعرفية والأبنية الاجتماعية والثقافية (¬1) . ولا نبالغ إذا قلنا إن المجتمع الإنساني بالهيمنة الاتصالية الحديثة، والتكنولوجية المتطورة قد يتعرض للإرباك والفوضى، حيث أدت تلك التطورات في أجهزة الحاسوب ووسائل الاتصال إلى تدعيم دور الاتصال وتأثيره (¬2) . وما يهمنا في الحقيقة هو القنوات الفضائية حيث قفز عدد ما يتضمنه منها قمر انتلسات 6 إلى 000 / 80 قناة صوتية ¬

(¬1) انظر التخطيط الإعلامي- المفاهيم والإطار العام، ص 16، مرجع سابق. (¬2) انظر التخطيط الإعلامي- المفاهيم والإطار العام، ص 15، مرجع سابق.

محققة ضعف عددها في أقمار الستينات ب 165 مرة مع زيادة في عمرها الافتراضي من عدة أشهر إلى عشر سنوات وأكثر (¬1) . وتنقسم مدارات الأقمار الصناعية حاملة القنوات الفضائية إلى أربعة مدارات (الثابت، والأرضي المنخفض، والأرضي المتوسط، والواقع بين الأرض والقمر) (¬2) . والأقمار الصناعية في الحقيقة أنواع منها ما هو خاص بالاتصالات ومنها ما هو خاص بالتلفزة المباشرة، وهذا هو ما يعنينا، وقد بلغ عددها (20) قمرا صناعيا (¬3) وربما كان من الضروري أمام تزايد الأقمار الصناعية، وتزايد القنوات الفضائية العربية إيراد تساؤلات عن أهداف التسابق العربي لإقامة المزيد من القنوات الفضائية، أهو خدمة للإسلام ¬

(¬1) انظر زمن المستقبل والعالم العربي، ص 67، مرجع سابق. (¬2) انظر المرجع السابق، ص 67، 68. (¬3) انظر المرجع نفسه، والمدرك نفسه.

أم نشر للثقافة العربية، أو سعي وراء مكاسب مالية أو سمعة عالمية. ونترك الإجابة عن تلك التساؤلات للدكتور أحمد موسى الضبيبان حيث يقول: " ومن خلال استعراض الباحث لواقع القنوات الفضائية العام المتاح استقبالها في المملكة تبين عدم وجود أهداف واضحة من خلال طبيعتها البرامجية، فمن الناحية التجارية لا تزال غير مربحة، ومن الناحية الثقافية، فهي لا تمثل في الغالب ثقافة بلد المصدر أو الثقافة التي ينتمي إليها مالك هذه القنوات لارتفاع نسبة البرامج المستوردة في كثير منها، وهي في الغالب ليست ذات بعد دولي للطبيعة المحلية لمعظمها، وهذا ما يعضد القول بأن الهدف من هذه القنوات الحكومية هو الرغبة في التواجد فضائيا لتبقى ضمن الخيارات المتاحة أمام المشاهد المحلي فضائيا " (¬1) . ¬

(¬1) المادة الإخبارية في القنوات الفضائية العربية، ص 370، مرجع سابق.

وربما كان هذا الحكم على القنوات الفضائية العربية المستقبلة في المملكة ممهدا للحديث في المبحث الأول عن المآخذ عليها. * * * * *

المبحث الأول المآخذ على القنوات الفضائية

[المبحث الأول المآخذ على القنوات الفضائية] المبحث الأول المآخذ على القنوات الفضائية ربما كان من العدل والإنصاف قبل الخوض في مسألة المآخذ على القنوات الفضائية بيان أنه لا ينبغي إطلاق الأحكام على القنوات الفضائية التي تعود في ملكيتها إلى دولة إسلامية أو أفراد مسلمين ضمن الأحكام التي تطلق على القنوات الفضائية التي تملكها دول كافرة أو أفراد كفار، بل لا بد من الحكم على كل طائفة بما يناسب حالها قربا أو بعدا من الصواب، ولا بد أيضا عند الحديث عن المآخذ من التفريق بين القنوات الفضائية كوسيلة اتصال عصرية متاحة للاستخدام، وبين واقع استخدامات هذه الوسيلة. . على أنه لا ينبغي أن يفهم من الكلام السابق أنه لا توجد مآخذ أو ملحوظات تشترك فيها القنوات الفضائية العربية أو تلك التي يملكها مسلمون مع القنوات الفضائية التي يملكها كفار، سواء كان ذلك بسبب كثرة المادة المستوردة أو ضعف المادة المنتجة

محليا أو لغير ذلك من الأسباب التي يعود كثير منها إلى فساد في التصور أو انحراف في السلوك. (¬1) . وكائنا ما كان الأمر فهناك رؤى مختلفة فيما يتعلق بطبيعة الأخطار التي قد تصيب العالم الإسلامي من جراء البث المباشر حيث قلل البعض من مخاطره، وبالغ آخرون فيها تبعا لسعة إمكانات الاستقبال سواء كان البث عبر القناة غزيرة الإشعاع أو القناة الجماعية من غير حاجة إلى وسيط، (¬2) مما جعل الجمهور "موضع استحواذ من فضائيات عدة مسخرة لخدمة أغراض وأهداف هي موضع شك وملاحظة ممن يشاهدون ما تبث من مضامين (¬3) أضف إلى ذلك أن التطورات الحديثة في تكنولوجيا الاتصال وما نجم ¬

(¬1) انظر المادة الإخبارية في القنوات الفضائية العربية، ص 370، مرجع سابق، وانظر المسلمون في مواجهة البث المباشر، ص 58، مرجع سابق. (¬2) انظر الإذاعات العربية، العدد 3، ص 24/ 25. (¬3) انظر الإعلام والاتصال، العدد الخامس، ص 75، مقال بعنوان (جمهور وسائل الإعلام والاتصالات كيف نحافظ عليه) ، بقلم/ بدر كريم.

عنها من تطور سريع في تجارة المعلومات قد أثارت مخاوف عدد كبير من الدول من انتهاك حق الخصوصية لمواطنيها، ومؤسساتها، وشرعت في سن قوانين حماية حق الخصوصية مثل (أمريكا، وألمانيا، وفرنسا، وكندا، واستراليا، وبلجيكا، والسويد، والدانمارك، ولكسمبرج، وسويسرا، وإسبانيا، والنرويج، وإيرلندا، وإيطاليا، واليابان، وهولندا، وبريطانيا) (¬1) . ومهما يكن من أمر فإن قنوات الفضاء باعتبارها وسيلة العصر هي سلاح ذو حدين، ذخيرته الأساسية في الحقيقة هي المعلومات، وما صنيع شبكة السي إن إن، في حرب الخليج عنا ببعيد فقد أثبتت مقولة أن الإعلام هو الذي يتولى مقاليد الأمور في العالم حاليا، وأن من يملك وسيلة إعلام مؤثرة يشارك في الحكم محليا وعالميا بقدر تأثير وسيلته (¬2) . ¬

(¬1) انظر حق الاتصال وارتباطه بمفهوم الحرية والديمقراطية، د/ راسم محمد الجمال، المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، تونس، عام 1994 م، ص 21، 22. (¬2) انظر بث وافد على شاشات التلفزيون، د. انشراح الشال، دار الفكر العربي، عام 1994 م، ص 197، ص 198، ص 203.

ومع ما في هذا الحكم من مبالغة فإنه لا شك أن للقنوات الفضائية قدرة كبيرة على التأثير على الأفراد والجماعات، غير أن نجاحها مرتبط بعوامل أخرى، لكن ذلك لا يقلل من التأثير السلبي لها، ولعل أبلغ شاهد على ذلك القرار الذي اتخذه مجلس وزراء الإعلام بدول الخليج في اجتماعهم الرابع بدولة البحرين الذي جاء فيه " اتفق الوزراء على التمسك بالقيود التي تحد من اتساع استعمال أجهزة الاستقبال الفضائية الصغرى (أطباق الالتقاط) نظرا لحساسية وأهمية هذا الجانب، وعلاقته بالتراث والأصالة وحماية المواطنين من مخاطر البث المباشر الذي لا يتفق وتعاليم الدين الإسلامي الحنيف " (¬1) . والحق أن هذا التخوف في محله، إذ إنه أصبح من شبه المؤكد وصول البث المباشر إلى كل منزل في ظل التطور المتسارع لتقنيات الاتصال مما يثير إشكالات ثقافية، ¬

(¬1) انظر المادة الإخبارية في القنوات الفضائية العربية، ص 78، 100، 101، مرجع سابق.

واجتماعية، وأخلاقية تتمثل في حقيقة الفوارق الكبيرة بين المجتمعات البشرية فيما يتعلق بحدود المباح وغير المباح (¬1) ومن ثم فإن كثيرين يرون احتمال تجسد الشر فيها تحت مسميات عديدة (الشك، والفوضى، وعدم النظام، والتشويش) (¬2) وربما كانت مقاومة الحكومات وعجز الأفراد عن استيعاب تدفق المعلومات الهائل عبر البث المباشر سواء من الأقمار الصناعية أو شبكات الكيبل من أسباب الحد من تفاقم المخاوف (¬3) . ومع ذلك فهناك تأثيرات سلبية عديدة للبيئة الاتصالية الحديثة تمثلت في التأثيرات الإنسانية، والاختراقات الثقافية، والتأثيرات المادية، وأخرى أخلاقية، وسياسية مما سيجري ¬

(¬1) انظر صناعة التلفزيون في القرن العشرين، محمد حيدر مشيخ، الشركة السعودية للأبحاث والنشر، ص 28. (¬2) انظر ثورة الاتصال، سيرج برد وزميله، ترجمة هالة عبد الرؤوف مراد، دار المستقبل العربي بالقاهرة، عام 1993 م، ص 9. (¬3) انظر ثورة الاتصالات، ص 252، 253، مرجع سابق.

الحديث عنه تفصيلا فيما بعد (¬1) . وقد أجريت دراسات عدة على المستويين الدولي والمحلي حذرت من المخاطر الجسيمة التي قد تنجم عن الوضع الاتصالي الكوني الجديد، الذي تمثل خصوصا في تسطيح الحضارة الكونية والقضاء تدريجيا على مكونات التنوع فيها بطمس الخصوصيات المميزة للثقافات الوطنية، وتذويب معالم الذاتية الحضارية التي يختص بها كل شعب (¬2) كما أنه من ناحية أخرى ينطوي على مخاطر أخرى دعائية، وتسليط ثقافة على أخرى، وانحراف في الأفكار، وتهديد اقتصادي، وأمني (¬3) . ولو لم يكن إلا هذا من حيث الأخطار المتوقعة من جراء البث المباشر جملة لكان في حد ذاته كافيا لاتخاذ أسباب الحيطة والحذر، كيف وقد أفاضت الدراسات التي تناولت ¬

(¬1) انظر زمن المستقبل والعالم العربي، 162- 181، مرجع سابق. (¬2) المسلمون في مواجهة البث المباشر، ص 79، مرجع سابق. (¬3) انظر المرجع السابق، ص 10، وانظر بث وافد على شاشات التلفزيون، ص 109- 214 مرجع سابق.

ظاهرة الإعلام الفضائي اليوم في الحديث عن الأضرار التي ثبت أنه يحدثها في الحياة البشرية عموما، والحياة الإسلامية خصوصا، فكثير من الناس يرى أن البث المباشر له سلبيات كثيرة تمثلت في المآخذ العقدية والثقافية، والأخلاقية، والسياسية الملاحظة على مضامين كثير من قنواته التي تسعى لجذب المشاهدين بتقديم الممنوع في ملتهم وبلدانهم من المضامين التي تبثها، ومن ثم اعتبر مثل هذا البث ضربا من الاختراق للمقاييس الأخلاقية والثقافية للمجتمعات (¬1) إلى جانب أن البث الفضائي قد أسهم في إبراز قضايا اقتصادية وسياسية على حساب قضايا أخرى قد تكون أهم منها عند من يوجه لهم وهم في غفلة مع مقتضيات ذلك من توجيه للرأي العام سياسيا، واستهلاكيا، حسب رؤية المسيطرين على قنوات الفضاء (¬2) "إن تأثير التلفزيون (والقنوات الفضائية نمط متطور منه) كما يتفق الباحثون ينصب أصلا ¬

(¬1) انظر دراسات في الإعلام الفضائي، ص 97، 98، مرجع سابق، وانظر صناعة التلفزيون في القرن العشرين، ص 28، مرجع سابق. (¬2) انظر المرجع السابق، ص 45، 46.

على الثقافة بمفهومها الشامل الذي يتصل بالقيم والمواقف والاتجاهات وأنماط السلوك " (¬1) لذا وجدنا كثيرا من تلك الفضائيات تقدم عروضا وبرامج ونصوصا غير ملائمة لفطرة البشر السوية كالأفلام الرياضية وغيرها مما أسهم في تهديد الدول، وفرض سياسات كونية لم يكن لها أن تقبل لولا ترويج القنوات الفضائية تعميما وتسويقا. (¬2) . وكل ذلك إنما يعود للآثار التي تحدثها المواد اللاأخلاقية المبثوثة من القنوات الفضائية، سواء من حيث الشكل بالصورة والمشاهد الخليعة، أو المضمون المخالف للقيم والأخلاق عموما، وعلى هذا تكون أهم المآخذ هي كونها (القنوات الفضائية) أصبحت وسيلة لانتشار الرذيلة، والدعوة لممارستها بإشاعة صور ارتكابها وإثارة الرغبة فيها بشتى سبل الفتنة مع ما يصاحب ذلك من نشر لصور الفساد ¬

(¬1) خصائص وسائل الإعلام في الاتصال الثقافي، د. سنان سعيد، المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، علم تعليم الكبار 3/ 47. (¬2) انظر زمن المستقبل والعالم العربي، ص 162- 181، مرجع سابق.

الأخرى كالمخدرات والخمور حتى غدت كأنها غير محرمة، وتحريض على الجرائم عموما بإظهار مرتكبيها في صورة أبطال يقتدى بهم، وقبل ذلك زعزعة العقيدة في نفوس المشاهدين بالتشكيك فيها، وتقديم العواطف بمعناها الشهواني، وابتذال النساء والأطفال من خلال الإعلان والترويج للموضة، وإضعاف البصر، وإهدار الوقت وعدم الاستفادة منه في العبادة أو الدراسة أو المنافع الأخرى مع ما يصاحب ذلك من كسل، وانشغال عن القراءة المفيدة، وتعطيل للقدرات العقلية والتأملية حتى غدت القنوات الفضائية كأنها أداة كبيرة للانحراف (¬1) . هذا في الجملة ما يمكن أن يكون مآخذ العقلاء من البشر على القنوات الفضائية، وتأثيرات هذه المآخذ السلبية في عمومها. أما بالنسبة للعالم الإسلامي فإن كثيرا من الباحثين والدارسين يرون أن البث المباشر بحكم تحكم أصحاب النفوذ فيه من غير المسلمين يمثل غزوا حقيقيا للعالم الإسلامي لم ¬

(¬1) انظر دراسات في الإعلام الفضائي، ص 160، 161، مرجع سابق.

يعد العدة لمواجهته مما جعله محل رفض ومعارضة لما يحمله هذا النمط الإعلامي الدولي من تأثير في الأفكار، وغرس لمشاعر الاغتراب، الناجمين عن الاستعمال التجاري للقنوات الفضائية أو استغلالها لأغراض سياسية واجتماعية خارجية مما يمثل غزوا وسيطرة ثقافية لما يحويه من أفكار، وأنماط حياة، وقيم، وأشكال للتعامل والسلوك في المجتمع الغريب المتحكم في التقنيات (¬1) . ولما كانت صناعة الأطباق في تطور مستمر والبرامج التي تبث من القنوات الفضائية وتستقبل بواسطتها من شأنها دعم هيمنة الدول الصانعة، والمالكة للأقمار الصناعية، ونشرا وتعذرا لثقافاتها، وعاداتها فإن ذلك في الحقيقة يعد غزوا للبلدان التي لا تملك مقومات المواجهة الحقيقية، وتهديدا للقيم والمفاهيم السائدة فيها، ومعلوم أن الدول والشعوب الإسلامية هي المستهدفة بالدرجة الأولى، كما ينطق به لسان ¬

(¬1) انظر خصائص وسائل الإعلام في الاتصال الثقافي، تعليم الكبار، 3/ 28، 29، مرجع سابق.

حال من يوجهون البث المباشر ومقالهم. (¬1) . وهذا " الغزو الثقافي يرمي إلى غزو الإنسان في عقيدته وفي لغته، وفي سلوكه، وأخلاقياته، ونمط معيشته من خلال إحلال نماذج معينة من التفكير والنظر إلى الحياة والسلوك محل النظر السائر النابع من روح الشعب المستهدف من قيمه، وعاداته وأخلاقه " (¬2) وبه يغير الإنسان من الداخل حيث يتسلل الشك إلى قناعاته ومن ثم تضعف المقاومة عنده ويتمكن العدو من إخضاعه. وفقا لسنة الله سبحانه وتعالى في التغيير {إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ} [الرعد: 11] (¬3) ومن ثم كان الخطر الحقيقي في أنفسنا، وعلينا ¬

(¬1) انظر مشاركة سعود دهلوي في القضية التي أثارتها مجلة الأمن والحياة في عددها 68 بعنوان (الغزو الفكري عبر الأقمار الصناعية) ، ص 33. (¬2) الموقف الأدبي، العدد (304) ، ص 66، من مقال بعنوان (الغزو الثقافي) بقلم نزار نجار. (¬3) سورة الرعد، الآية: 11.

تحريرها من كل أسباب الضعف والهوان بإيقاد جذوة الإيمان فيها، وزيادة صلتنا بخالقنا وعندها تزول شكوانا من الغزو الخارجي المتمثل فيما تبثه القنوات الفضائية من فكر سقيم، وسلوك غير سوي حف بأنواع البهرجة، والزينة (¬1) سعيا وراء فك الارتباط بين الثقافة المعرضة للغزو، وأصحاب هذه الثقافة، وذلك ما ليس سهلا ولا ميسورا بحمد الله طالما تمسك أهل الثقافة المغزوة بثقافتهم ومبادئهم وقيمهم وأخلاقهم (¬2) وذلك ما أمر به ربنا جل جلاله في قوله: {فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [هود: 112] (¬3) ومن هنا وجدنا من يعتبر البث المباشر عبر الأقمار الصناعية ومن خلال القنوات الفضائية غزوا فكريا، واجتماعيا يأتينا من الفضاء بطريقة تتيح للثقافات الأجنبية ¬

(¬1) انظر دراسات في علم الاجتماع الإعلامي، الطفل المصري بين التلفزيون والفيديو والغزو الثقافي، د. انشراح الشال، مكتبة نهضة الشرق، بجامعة القاهرة، عام 1985 م، ص 143. (¬2) انظر شؤون اجتماعية، العدد الخامس والأربعين، ص 179. (¬3) سورة هود، الآية: 112.

اقتحام أجهزة المشاهدين في منازلهم من غير استئذان ولا رقيب (¬1) وأخطر ما فيه الآثار العقدية والثقافية والعلمية، والسياسية، والأخلاقية والأمنية، والاجتماعية إلى غير ذلك من الآثار التي أشارت إليها دراسة أجريت على الأطفال العرب ومن بينها تمرد الأطفال على أسرهم واتساع الفجوة الفكرية بين الفئات والطوائف المختلفة، وارتفاع نسبة التقليد الأعمى لما يشاهدون، وشيوع السلوك العدواني، وضعف التحصيل الدراسي، والإصابة بالكسل، والإحساس بالنقص مع التأخر العقلي والعلمي (¬2) . وما أشير إليه من سلبيات للبث المباشر على المستويات العقدية والأخلاقية والسياسية والثقافية من أسبابه أن هناك قنوات فضائية تنصيرية وأخرى يهودية لا ترقب في المؤمنين إلا ولا ذمة، وكثيرا مما يقدم من خلالها هو أداة تفتيت للمجتمعات، وإلغاء لدور وسائل الإعلام المحلية إلى جانب إضراره بالأمن من حيث ارتباطه بدوائر المخابرات المعادية، ¬

(¬1) انظر المسلمون في مواجهة البث المباشر، ص 53، مرجع سابق. (¬2) انظر المرجع السابق، ص 39- 49.

وإثارته للاضطرابات، وتزيينه للجريمة وانتشار أنماط السلوك العدواني إضافة إلى آثاره الأخلاقية والاجتماعية المدمرة مثل المساعدة في شيوع الرذيلة وبيان سهولة ارتكابها، وبث الاغتراب والانبهار مع ما يصاحب ذلك من آثار اجتماعية أخرى مثل إثارة التطلعات الاستهلاكية، وتقديم الأنماط الإجرامية الشاذة، وتمزيق النمط الاجتماعي السائد بعرض مفاهيم وتصورات اجتماعية غير مرغوبة (¬1) . ولقد كان من أول المآخذ على القنوات الفضائية ما لوحظ من تأثير لها في المجتمعات الإسلامية التي تستقبل فيها بكثافة تمثلت في هز ثقة الشباب في حاضره هزا عنيفا، ودك أسس إيمانه بأمجاده الماضية، واكتنف المستقبل في نظره ضباب كثيف إضافة إلى انفصام عرى التضامن بين الأجيال (¬2) أما التحصيل العلمي وأثر القنوات الفضائية ¬

(¬1) انظر بث وافد على شاشات التلفزيون، ص 209 - 214، وانظر صناعة التلفزيون في القرن العشرين، ص 46، 47. (¬2) انظر المسلمون في مواجهة البث المباشر، ص 79، مرجع سابق، وانظر التخطيط الإعلامي المفاهيم والإطار العام، ص 16، مرجع سابق.

عليه بين الطلاب فخير ما ينبئ عنه من كابده وهم الطلاب كما جاء في قصيدة لأحدهم: يا أستاذ أما بالعلم ما عاد لي شف ... من يوم شفت الدش ضاعت علومي أسهر عليه الليل كله ولا أكف ... دايم أقضى في حلاته لزومي ما غير أقلب بالقنوات وألف ... وليا لقيت الفلم غاية نعومي فلم مدبلج بالإثارة مزخرف ... وجلسة طرب وأشكال تجلي همومي مالي ومال العلم. . أف. . على أف ... لا حل طاري العلم كبدي تزومي يا أستاذ بالحصة عن مطالبي خف ... النصح من كثره باشقق هدومي! (¬1) ¬

(¬1) من قصيدة بعنوان (بين طالب علم ومدرس) منشورة بمجلة الشرق، العدد 963، صفحة 3 من صحفات الأدب الشعبي.

والقصيدة في الحقيقة تصوير لما يحدثه التلفزيون والبث المباشر نمط منه من تقليص لدور المؤسسات التربوية والاجتماعية (¬1) وقبل أن أطوي الحديث عن الآثار السلبية للقنوات الفضائية من خلال بيان ملحوظات الباحثين والدارسين على المضامين التي تبثها فإنه يطيب لي التذكير بأبرز النظريات التي تفسر الآثار الاجتماعية التي يحدثها البث التلفزيوني عموما والفضائي خصوصا على المشاهدين وخاصة صغار السن وهي نظرية التطهير، ونظرية التعلم بالملاحظة، ونظرية التحريض، ونظرية التعزيز، ونظرية الغرس إضافة إلى ما كتب حول مدخل الاستخدامات والإشباعات (ماذا يفضل الناس لأنفسهم بوسائل الإعلام) (¬2) . ومعلوم أن الرسالة الإعلامية تكون فعالة بقدر تعزيزها للمواقف والآراء الموجودة فعلا إضافة إلى أهمية المرسل ¬

(¬1) انظر المدخل إلى علم الاتصال، ص 433، مرجع سابق. (¬2) انظر المدخل إلى علم الاتصال، ص 433، مرجع سابق.

وحسن تقييم المتلقي الذاتي. حيث ينتقي المتلقون المضمون الذين يحبون، ويفسرونه بالطريقة التي يرونها ووفقا لاهتماماتهم وميولهم، مع أن احتكار وسيلة الاتصال وجدة الموضوع وعدم التعود عليه من الجمهور المتلقي وشبكة العلاقات الشخصية مما يزيد في فاعلية الاتصال، وهي أمور معظمها متوفر في مضمون الإعلام الفضائي (¬1) ونحن إذا ما أدركنا أن تكنولوجيا الاتصال هي أهم مجالات التقدم في القرن العشرين، وأنها استخدمت ولا تزال تستخدم من الدول المالكة لها ضد الإسلام والمسلمين من خلال بث السموم في أكثر أنواعها تطورا وهو القنوات الفضائية عبر الأقمار الصناعية، يكون ذلك باعثا على الاهتمام بإقامة قمر صناعي إسلامي باعتباره أحد المطالب الأساسية للمسلمين في عالم اليوم (¬2) خاصة وأنه غير متاح الآن لغير القوة الرئيسة السيطرة على ثورة الاتصال ¬

(¬1) انظر ثورة الاتصال، ص 147، مرجع سابق. (¬2) انظر القمر الصناعي الإسلامي، ص 13، مرجع سابق.

وتكنولوجيا صناعة المعلومات، وتشكيل العقول، وأنماط السلوك (¬1) . ولعلنا بهذه الدعوة نكون قد مهدنا السبيل للحديث عن المبحث الثاني. * * * * * ¬

(¬1) انظر الدراسات الإعلامية، العدد 93، لعام 1998 م، ص 61، مقال للدكتورة عواطف عبد الرحمن بعنوان (حرية الإعلام المعاصر وتحديات العولمة) .

المبحث الثاني إيجابيات القنوات الفضائية

[المبحث الثاني إيجابيات القنوات الفضائية] المبحث الثاني إيجابيات القنوات الفضائية لا بد من التقرير بادئ ذي بدء أن القنوات الفضائية ما هي إلا وسيلة، وأن الحكم عليها مرتبط بطبيعة الاستخدام. وأن مكانتها فيما يتعلق بالإيجابيات إنما هي في إمكاناتها الواسعة في الانتشار والجذب باعتبار أنها اليوم أداة الاتصال الكونية الأولى فبعد مضي أكثر من ثلث قرن على انطلاقة أول قمر صناعي في الفضاء عام 1957 م تكون القنوات الفضائية بما حازته من اهتمام متزايد على مستوى العالم قد تبوأت مركز الصدارة من وسائل الإعلام المعاصرة (¬1) . ونحن عندما نتناول القنوات الفضائية بالدراسة بحثا عن أفضل السبل للانتفاع بمزاياها الاتصالية إنما نفعل ذلك إدراكا منا باختلاف واقعنا عن واقع أجدادنا فيما يتعلق بعالم الاتصال الذي مر بمراحل مختلفة "فمن طريق الاتصال ¬

(¬1) انظر دراسات في الإعلام الفضائي، ص 97، 100، مرجع سابق.

الشفاهي والشخصي إلى الطريق الاتصالي الألكتروني السريع، ومن طريق أنظمة الاتصال الموجهة إلى طريق أنظمة الاتصال المتشاركة، وعن طريق الرسائل العامة الموجهة إلى طريق الرسائل الفئوية المتخصصة، ومن طريق الاتصال الهاتفي الشخصي إلى طريق الاتصال الحاسوبي، المتشارك والمصحوب بالصوت والصورة، وأخيرا من طريق الاستقبال السلبي للرسائل الاتصالية إلى طريق الاستقبال المتفاعل والتراسل بين المرسلين والمتلقين. . فالتقنية المتقدمة أو العالية، قد مهدت الطريق أمام الإنسان ليسبر غور الفضاء البعيد ويسيطر على الوقت، وليحصل على المعلومات ويتبادلها مع الآخرين أينما كانوا " (¬1) . ومن ثم فالقنوات الفضائية بما وصلت إليه هي وسيلة الاتصال الأكثر انتشار، والأوسع مدى، والأكثر جذبا وإغراء لجمعها بين الصوت والصورة، والضوء، واللون والحركة، واستخدامها مما يحقق الظهور لدين الله وهذه أبرز ¬

(¬1) زمن المستقبل والعالم العربي، ص 315، 316.

إيجابياتها (¬1) ذلك أن سطوة الإعلام الفاجر، وطوفان المعلومات غير السوية، وأثره على بصائر البشر وبصيرتهم، قد أججا نار الحيرة والقلق في النفوس ووجها نحو التطلع إلى طريق الهداية والنور كل ذلك مما يعمق الإحساس بأهمية استثمار طاقات القنوات الفضائية في الدعوة إلى الله، حيث إن الناس كل الناس في أمس الحاجة إلى جهد إعلامي يجعل التدين ثقافة للناس، والقنوات الفضائية وسيلة العصر المناسبة بحكم تطورها، وشدة جذبها للناس، على مختلف طبقاتهم، واستخدامها في بث معان تحارب الرذيلة، وتزكي جذوة الإيمان في النفوس وتؤكد الترابط الاجتماعي، وتسهم في بناء المجتمع الفاضل، والأمة الملتزمة، وهذا يجعل تلك القنوات من ضرورات العصر (¬2) . وما دام أنه مطلوب من المسلمين إحسان البلاغ، " فلن ¬

(¬1) انظر مكانة وسائل الإعلام الجماهيرية في تحقيق وحدة الأمة، المؤلف، دار عالم الكتب بالرياض، ط 1 عام 1481 هـ، ص 123- 156. (¬2) انظر أراء في الإعلام الإسلامي، المؤلف، دار عالم الكتب بالرياض، ط 1 عام 1419 هـ.

يكون ذلك. ممكنا ما لم يحسن المسلمون كيفية البلاغ العصرية المرتبطة في حقيقة الأمر بطبيعة تطور وسيلة الاتصال التي تحمل معاني الإيمان والحق والصدق، والعفاف والطهر والنقاء في كفاية واقتدار، وهي في عالم اليوم متربع على عرشها القنوات الفضائية التي تبث برامجها عبر الأقمار الصناعية " (¬1) . فإشارة التلفزيون المبثوثة عبر الأقمار الصناعية تستقبل في منازل المشاهدين دون حاجة إلى وسيط، بسبب ما حققته تقنيات الاتصال من تقدم بلغت به وسيلة الاتصال قمة التطور إذ أمكن أن يقال بحق إن هذا الإنجاز هو ميزة العصر الاتصالية التي أتاحت إمكان الوصول إلى أي مشاهد على مستوى العالم من خلالها، وخاصة أن عددها الآن يفوق الخيال، وأن الإرسال عبرها يجري بلغات عديدة، وعلى مدى أربع وعشرين ساعة، وإلى جميع القارات دون استثناء حيث يتم البث إلى المستقبل في أي مكان من العالم في أجزاء ¬

(¬1) آراء في الإعلام الإسلامي ص 10، مرجع سابق.

من الثانية سواء كان ذلك عبر الأقمار الصناعية الدولية أو الإقليمية أو المحلية (¬1) . وبغض النظر عن الآراء العديدة حول ظاهرة البث المباشر والأحكام الصادرة حولها، فإنه لا مناص لمن يتصدون للدعوة إلى الله من تطويع قدرات القنوات الفضائية في الانتشار، والذيوع، والإبهار لغزو قلوب الكافرين والمبطلين في كل مكان إخراجا لهم من الظلمات إلى النور وحدا من الآثار السلبية التي أحدثتها في الجوانب الفكرية والخلقية والسلوكية (¬2) . ولعل نسبة الإقبال على البرامج الدينية المبثوثة خلالها تؤكد الحاجة إليها، وفقا لما جاء في دراسة أجراها الدكتور عاطف عدلي العبد وزميلته على دراسة أنماط مشاهدة تسع عشرة قناة من قبل طلبة وطالبات قسم الإعلام بجامعة الإمارات العربية المتحدة فقد حصلت البرامج الدينية على نسبة 94. 2% من النوعية الأولى من برامج تلك القنوات مما ¬

(¬1) انظر آراء في الإعلام الإسلامي، ص 10، 11. (¬2) انظر المرجع السابق، ص 16، مرجع سابق.

يؤكد أهمية استخدام القنوات الفضائية وإيجابياتها بالنسبة للبلاغ، ونشر الخير وتعميمه (¬1) وأيضا حصلت البرامج الدينية على نسبة 82. 5 % من مشاهدي القناة الفضائية المصرية، وحصلت البرامج الثقافية في القناة نفسها على نسبة مشاهدة بلغت 77. 5 % (¬2) وهي نسب تؤكد مدى أهمية استثمار القنوات الفضائية في بث ما ينفع الناس ويمكث في الأرض، وخاصة أننا أمة بلاغ لا يصح في حقنا إغفال فرصة ثمينة كهذه لتحقيق الظهور والذيوع لديننا، وكفى بذلك إيجابية بالنسبة للمسلمين، لكن ينبغي أن يكون تعاملنا مع ظاهرة الإعلام الفضائي تعاملا واقعيا ومسؤولا يدرك حقيقة واقعه، وكيفية إحسان توظيفه، ويغير الصورة التي عليها واقع استخدامات القنوات الفضائية العربية حيث لم تحسن الصورة العربية، ولا الصورة الإسلامية، فليست المسألة مسألة ظهور على الهواء، بل لا بد أن يكون لدينا ما نقوله للآخرين مما هو شديد الصلة بذواتهم ومصلحتهم، وما ¬

(¬1) انظر دراسات في الإعلام الفضائي، ص 134، مرجع سابق. (¬2) انظر المرجع السابق، ص.

يفيدهم ويمتعهم، صحة في المضمون، وجاذبية في العرض، ومهارة فنية فائقة في الأداء، ورغبة صادقة في المثوبة من الله سبحانه وتعالى، وتفان تتطلبه هذه الرغبة (¬1) وخاصة أننا "نشهد منذ فترة تطورا ملموسا في امتلاك العديد من تقنيات الاتصال والإعلام الحديثة، فلدينا مشاريع ناجحة في مجال الأقمار الصناعية، ولدينا مشاريع ناجحة في البث التلفزيوني الفضائي، ولدينا تقدم لا بأس به في استخدام شبكات المعلومات وتوفير خدماتها في عدد من بلداننا العربية على تفاوت بينها، ولكن السؤال الذي لا يزال يبحث عن إجابة هو: هل واكب هذا التطور الملموس في امتلاك التقنيات تطور مماثل في البنى الفكرية والاجتماعية للعمل الإعلامي؟ " (¬2) . ¬

(¬1) انظر الاتصال الإنساني ودوره في التفاعل الاجتماعي، د. إبراهيم عرقوب ومحمد لاوي، ط 1 عام 1993م، ص 73، وانظر آراء في الإعلام الإسلامي، ص 18، مرجع سابق، وانظر المسلمون في مواجهة البث المباشر، إعداد دار طويق للنشر والتوزيع، ط 1 عام 1417 هـ، ص 10. (¬2) الإعلام والاتصال، العدد السادس، ص 58، من مقال للدكتور عبد القادر طاش بعنوان (الإعلام العربي في مجتمع المعلومات) .

وعدم الاستفادة المثلى من وسيلة العصر (القنوات الفضائية) قد يترتب عليه انتشار الفساد لعدم مواجهة شرور البث المباشر ذي الطبيعة الماجنة الفاجرة والحد منه، وما يترتب على ذلك من آثار سيئة جرى بيان كثير منها في المبحث الأول ليس أقلها بث اليأس في نفوس المسلمين، والشعور بفقدان الذات، ومحو الهوية، والسلبية في التعامل مع القضايا الإسلامية، فضلا عن عدم الانتماء العقدي، وعدم الالتزام، والانحلال، والتفكك الأسري والتسيب وغير ذلك من الآثار السيئة الظاهرة غير الخافية والمعلومة غير المجهولة (¬1) ومتى ما أحسنا استثمار طاقة القنوات الفضائية حققنا هيمنة الإسلام على الإعلام، ومكنا لحقائقه وحقائق الواقع في نفوس الناس عن طريق استغلال طاقة وسيلة الإعلام العصرية في حفظ نصوصه، وإشاعة معانيها الحقة بين الناس، والكشف عن التطبيقات السديدة للإصلاح من خلال التركيز على معطيات العصور الزاهية للمسلمين في القديم والحديث وبذلك يصبح الإسلام مرتكز حياة الناس ¬

(¬1) انظر زمن المستقبل والعالم العربي، ص 15، مرجع سابق.

اليومية ومادة حديثهم، ومحاوراتهم ومستند تصرفاتهم، وبذلك نكون قد ضربنا للناس المثل في الصلاح والاستقامة، ومكناهم من التعرف على حقيقة الإسلام، ودعوناهم بصدق قولا وعملا للدخول فيه، وأقمنا الحجة على من لم يشأ الله هدايته (¬1) ذلك أن "الإعلام يمكن أن يسهم بقدر وافر في مجال الدعوة ونشر الإسلام، وإظهار حقائقه للناس " (¬2) . و"أمر آخر يجب التنبه إليه، وهو أنه لم يعد أمر إنشاء قناة إسلامية فضائية أو مجلة، أو جريدة إسلامية كافيا لمواجهة هذا الزخم الهائل من القنوات الفضائية الموجهة عبر الأقمار الصناعية، والمجلات والجرائد المتنوعة والتي أصبحت تستقطب غالبية الناشئة والشباب إلا من رحم ربي ¬

(¬1) انظر مكانة وسائل الإعلام الجماهيري في تحقيق وحدة الأمة، المؤلف، دار عالم الكتب بالرياض، ط 1، 1418 هـ، ص 203، 204. (¬2) الإعلام والاتصال، العدد السادس، من كلام معالي وزير الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد الدكتور عبد الله عبد المحسن التركي.

وحتى الكبار أصبح الكثير منهم لا يستطيع التحول عنها، لما تقدمه من برامج عديدة ومتنوعة تناسب الأذواق والرغبات، ومن هنا يلزم العمل على اقتحام هذه القنوات من الداخل وتقويمها من خلال المواجهة المباشرة ثقافيا وعلميا " (¬1) . وعلينا أن ندرك أهمية أن جهود المسلمين في هذا السبيل ينبغي أن تنطلق من سياسة إعلامية مشتركة يتحرك في إطارها كل من أراد إعلاء كلمة الله بواسطة القنوات الفضائية. أو غيرها من وسائل الإعلام لأن ذلك أدعى إلى التكامل وأبعد عن التنافر، والمسلمون أولى بهذا المسلك من أولئك الذين يتبعونه في نشر باطلهم والتمكين له، وينبغي أن تكون مرتكزات تلك السياسة متضمنة في المجالات الأساسية للحياة، الديني والثقافي والسياسي والاقتصادي، والاجتماعي، بحيث تستوعب الحياة البشرية في أبعادها الدينية والدنيوية، ولا يند منها شيء عن الاهتمام (¬2) . ¬

(¬1) المرجع السابق نفسه. (¬2) انظر القمر الصناعي الإسلامي، تحد حضاري وضرورة عصرية، ص 91 - 107، مرجع سابق.

وإذا كان ما مضى هو أهم ما يمكن الوقوف عنده من إيجابيات القنوات الفضائية بالنسبة للمسلمين فإنه ينبغي أن يشار إلى أن لها أيضا جوانب إيجابية أخرى يشترك في الانتفاع بها غير المسلمين مع المسلمين، فهي ذات أثر في مساعدة الإنسان على توفير أسباب الراحة، وتحقيق المصالح حيث قربت البعيد، وسهلت صورا من الاتصال الثقافي والاجتماعي والسياسي لم تكن متاحة من قبل بما هيأت من إمكانات لخزن المعلومات، ونقلها استفادة من تجارب الآخرين دون مشقة، مما يتوقع معه أن تكون أداة حقيقية لبناء مجتمع أفضل (¬1) ذلك أن البث المباشر يتيح فرصا للإعلام الدولي بنشر الأخبار، ويوفر تجارب على الصعيد العالمي ويسهم في محو الأمية، ونشر التعليم، وتثقيف الجماهير، إضافة إلى النقل الحي للأحداث، وتطوير صور التبادل العلمي والثقافي، وهو فرصة للتحاور الحضاري، (¬2) ويمكن ¬

(¬1) انظر الباحث، العدد الأول، ص 11، وانظر ثورة الاتصال، ص 257، 258، مرجع سابق. (¬2) انظر المسلمون في مواجهة البث المباشر، ص 10، 12، مرجع سابق.

من الاشتراك في متابعة ما يجري على مستوى العالم لحظة وقوعه من مصادر متعددة مما يسهم في تكوين صورة صحيحة عنه بالانفتاح على العالم وزيادة المعلومات عنه مع اكتساب مهارات جديدة قد تساعد على تغيير الاتجاه والسلوك السلبي، والتخلص من العزلة والوحدة (¬1) . ومن ثم فإنه رغم الصيحات المتعالية للتخلص من التلفزيون (والقنوات الفضائية نمط متقدم منه) لكثرة الشر والفساد فيه فإنه لا مناص من الاعتراف بأنه أحد منجزات العصر التي أكسبت الإنسان سيطرة أكبر على واقعه، وأطلعته على أسرار كونية ما كان يستطيع الاطلاع عليها من دونه حيث بلغت تكنولوجيا الفضاء الذروة في القدرة على عرض ما يجري في العالم حال وقوعه (¬2) . وفوق ذلك فإن القنوات الفضائية في حقيقة الأمر ما هي ¬

(¬1) انظر دراسات في الإعلام الفضائي، ص 158، مرجع سابق. (¬2) انظر المدخل إلى علم الاتصال، د. حسن مكي وزميله، ص 47، 438، مرجع سابق، وانظر تلفزيون المملكة العربية السعودية: نشأته وتطوره، عبد العزيز أبو النجا، ط 1 عام 1417 هـ، ص 59.

إلا إرسال تلفزيوني عبر الأقمار الصناعية ولا ينكر عامل أهمية التلفزيون كوسيلة إعلامية تعليمية، وتربوية، وإخبارية، وهو كذلك فرصة لنظام تعليمي متطور وسريع وشامل يساعد في إيجاد جو تنموي فعال، وهذه الأهمية مقدرة ومعتبرة، وغير منكرة، وتأسيسا على ذلك فالقنوات الفضائية وسيلة تربوية متى أحسن استخدامها تجذب إليها ملايين البشر بحكم خصائصها الذاتية شديدة الوقع والتأثير، وكثير منها مهيأ لتقديم خدمات تعليمية، وتربوية، وثقافية، وإعلامية واسعة ومن ثم ليس من الحكمة رفضها والإعراض عنها (¬1) . ولعلنا في هذا السياق نجدها فرصة للإشادة بالجهود التي تبذل حاليا في المملكة العربية السعودية لإقامة قناة فضائية إسلامية باعتبار مثل هذا العمل سبيلا من سبل الريادة في الدعوة إلى الله، وسبقا يضاف إلى أمجادها (¬2) . ¬

(¬1) انظر آراء في الإعلام الإسلامي، ص 14، مرجع سابق، وانظر المسلمون في مواجهة البث المباشر، ص 19، مرجع سابق. (¬2) انظر آراء في الإعلام الإسلامي، ص 17، مرجع سابق.

وبهذا القدر من التناول نكون قد أتينا على كل ما من شأنه الإجابة عن تساؤلات البحث الأساسية بحيث يتمكن المطالع له من الحصول على جواب مقنع قام الدليل القاطع على صحته وسلامته، وبذلك يكون البحث قد انتهى إلى غايته، والله المسؤول أن يجعل ما فيه من صواب وخير في ميزان الحسنات، وأن يغفر ما وقع فيه من زلل وخطل فهو وحده المسؤول وهو القادر، وهو حسبنا ونعم الوكيل. * * * * *

الخاتمة

[الخاتمة] [خلاصة البحث] الخاتمة وفيها: خلاصة البحث. نتائجه. توصياته.

خلاصة البحث انصب الجهد في هذا البحث على الكشف عن حقيقة ظاهرة الإعلام الفضائي من حيث آفاقها المختلفة، والآراء المختلفة حولها، مع بيان أبرز المآخذ عليها، والآثار المترتبة عليها في الحياة البشرية، ومدى الأضرار التي تلحقها بالناس، وأيضا جوانب الخير في استخدامها، وصور الانتفاع بها من قبل المسلمين خصوصا والناس عموما، وأبرز المنافع التي يمكن الحصول عليها جراء استخدامها، وغير ذلك من المسائل المتعلقة بالظاهرة الإعلامية الكونية الجديدة. * * * * *

نتائج البحث

[نتائج البحث] نتائج البحث انتهى البحث إلى نتائج أبرزها: (1) القنوات الفضائية ظاهرة إعلامية جديدة تربعت على عرش وسائل الاتصال العصرية، وجاوز الاهتمام بها حد الاستخدامات العادية لوسائل الاتصال إلى آفاق أرحب وأوسع حتى غدت وسيلة للهيمنة والسيطرة. (2) هناك مآخذ عديدة أدت إلى التصاق صور من الشرور بها، أوجدت نفرة منها لدى الغيورين على دين الله. (3) للقنوات الفضائية إيجابيات عديدة للمسلمين في مقدمتها أنها وسيلة بلاغ عصرية يتعين استخدامها في الدعوة إلى الله بحكمة واقتدار. (4) قصور استخدامات المسلمين لها في الوقت الحاضر عن الوفاء بمطالبهم الأساسية في الحياة الكريمة. * * * * *

التوصيات

[التوصيات] التوصيات إذا لم يكن بد من توصية فإن الباحث يوصي بأن يتبنى المسلمون المنهج الأقوم في التعامل مع المستجدات عموما، والمستجدات في حقل الإعلام خصوصا لأن الحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أولى الناس بها، ومن الحكمة استغلال كل مفيد مباح في وسائل الاتصال باعتبار أن الإعلام اليوم هو أمضى أسلحة العصر، والتردد في امتلاك ناصيته، وتسخير طاقاته خدمة لدين الله تردد غير لائق ولا مقبول، ومن ذلك القنوات الفضائية موضوع هذا البحث. والله الهادي إلى سواء السبيل، وهو حسبنا ونعم الوكيل، وآخر دعوانا أن الحمد الله رب العالمين وصلى الله وسلم على أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. [فهرس المراجع] فهرس المراجع * الاتصال والسلوك الإنساني، برنت روبن، ترجمة نخبة من أساتذة قسم الوسائل وتكنولوجيا التعليم بكلية التربية بجامعة الملك سعود، نشر معهد الإدارة العامة، عام 1412 هـ. * الإذاعات العربية، العدد 3، ص 24 / 25. * آراء في الإعلام الإسلامي، المؤلف، دار عالم الكتب بالرياض، ط 1 عام 1419 هـ. * المسلمون في مواجهة البث المباشر، إعداد دار طويق للنشر والتوزيع، ط 1 عام 1417 هـ. * الإعلام الخليجي ودوره في مكافحة تيارات الإلحاد والانحراف، د. عبد الحليم عويس، ود. مرعي مدكور، دار الصحوة بالقاهرة. * الإعلام والاتصال، العددان الخامس، والسادس.

* الإعلام وقضايا الواقع الإسلامي، د. عبد القادر طاش، مكتبة العبيكان، ط 1 عام 416 اهـ. * الاتصال الإنساني ودوره في التفاعل الاجتماعي، د. إبراهيم عرقوب ومحمد لاوي، ط 1 عام 1993 م. * المدخل إلى علم الاتصال، د. حسن إبراهيم مكي وزميله، ذات السلاسل بالكويت، ط 1، عام 1995 م. * الباحث، العدد الأول. * البث الإعلامي عن طريق الأقمار الصناعية والإعلام، الطبعة العربية، الطيب الجويلي، دار المسيرة ومؤسسة سعيد، بيروت، ط 1 عام 1991 م. * بث وافد على شاشات التلفزيون، د. انشراح الشال، دار الفكر العربي، عام 1994 م. * بحوث الإعلام د. سمير حسين، الإعلام الإسلامي- المنهج، المؤلف، دار عالم الكتب بالرياض، ط 1 عام 1419 هـ.

* التخطيط الإعلامي- المفاهيم والإطار العام، د. حميد جاعد الدليمي، دار الشروق بالأردن، ط 1 عام 1998 م. * تلفزيون المملكة العربية السعودية. نشأته وتطوره، عبد العزيز أبو النجا، ط 1 عام 1417 هـ. * تكنولوجيا الاتصال الحديثة وقضية الحق في الاتصال، د. جيهان رشتي، بحث مقدم إلى الندوة العربية لحق الاتصال المنعقدة في بغداد (26- 0 3) أيلول عام 1981 م ونشر تحت عنوان (حق الاتصال في إطار النظام الإعلامي الجديد) من قبل إدارة الشؤون الثقافية. * ثورة الاتصال، سيرج برد وزميله، ترجمة هالة عبد الرؤوف مراد، دار المستقبل العربي بالقاهرة، عام 1993 م. * حق الاتصال وارتباطه بمفهوم الحرية والديمقراطية، د. راسم محمد الجمال، المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، تونس، عام 1994 م.

* خصائص وسائل الإعلام في الاتصال الثقافي، د. سنان سعيد، المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، تعليم الكبار. * دراسات إعلامية، العدد 93، لعام 1998 م. * دراسات في الإعلام الفضائي، د. عاطف عدلي العبد وزميلته، دار الفكر العربي، ط 1 عام 1416 هـ. * دراسات في علم الاجتماع الإعلامي، الطفل المصري بين التلفزيون والفيديو والغزو الثقافي، د. انشراح الشال، مكتبة نهضة الشرق، بجامعة القاهرة، عام 1985 م. * دور التلفزيون في خلق ثقافة عربية متوازنة في الخليج، حسن عبد الحميد أبو شنب، رسالة ماجستير مقدمة لكلية الإعلام لجامعة القاهرة عام 1982 م، غير منشورة. * زمن المستقبل والعالم العربي، دراسة في موجة المعلوماتية والاتصال، د. عبد اللطيف دبيان العرفي وزميله، الرياض عام 1418 هـ.

* شؤون اجتماعية، العدد الخامس والأربعون. * صناعة التلفزيون في القرن العشرين، محمد حيدر مشيخ، الشركة السعودية للأبحاث والنشر. * القمر الصناعي الإسلامي، تحد حضاري وضرورة عصرية، د. ماجي الحلواني، مكتبة الأنجلو المصرية. * المادة الإخبارية في القنوات الفضائية العربية، د. أحمد موسى الضبيبان، رسالة دكتوراه مقدمة لقسم الإعلام بكلية الدعوة والإعلام عام 1418 هـ، غير منشورة. * مجلة الأمن والحياة في العدد 68. * مجلة الحرس الوطني، العدد 200. * مجلة الشرق، العدد 963. * مكانة وسائل الإعلام الجماهيرية في تحقيق وحدة الأمة، المؤلف، دار عالم الكتب بالرياض، ط 1 عام 1418 هـ. * الموقف الأدبي، العدد (304) .

* نحو مشروع مجلة رائدة للأطفال، كتاب الأمة، جمادى الأولى عام 1418 هـ. * الثورة التكنولوجية ووسائل الاتصال العربية، المنظمة العربية للتربية والثقافة، تونس.

§1/1