القطوف الدانية

صالح المغامسي

الجنة

سلسلة القطوف الدانية - الجنة الجنة هي دار الكرامة وثواب المؤمنين، وقد كثرت النصوص من القرآن والسنة في الترغيب بالجنة والدعوة إليها والحث على الإيمان والعمل الصالح للوصول إليها، حتى صارت غاية عظمى يبتغيها المؤمنون.

معنى الجنة وفضلها

معنى الجنة وفضلها

ثقافات غير المسلمين عن الجنة

ثقافات غير المسلمين عن الجنة المقدم: نريد أن نخرج من الكلام عن الثقافة الإسلامية إلى ثقافة غير المسلمين واعتقادهم في خروج آدم من الجنة، ونجعل اليهود والنصارى نموذجاً. الشيخ: اليهود والنصارى يؤمنون بالجنة والنار، وقد نص القرآن على هذا: {وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى} [البقرة:111]، واليهود يزعمون أنهم يدخلون الجنة إلا أنهم يعذبون في النار أربعين يوماً بحجة أنهم عبدوا العجل في تلك الفترة، قال الله جل وعلا عنهم: {وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدًا فَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ} [البقرة:80]، وهم يقولون: إن هذه الأيام المعدودة أربعون وهي مدة عبادتهم للعجل، أما غير ذلك فهم في الجنة. أما قضية آدم في الثقافات الأخرى فالناس تؤمن بالأحداث التاريخية المتفق على أصلها كخروج آدم من الجنة، ولا أحد يعارض فيها من أهل الملل إلا الذين لا يؤمنون بالجنة أصلاً من الملاحدة، وهؤلاء قليل في التاريخ البشري. نعود إلى هذه الثقافات: مثلاً: هناك قصيدة لشاعر إنجليزي، وهذه القصيدة اسمها: الفردوس المفقود، يقصد: الجنة، ومعنى (مفقود) أنه فقد، فقد، وذلك أن النصارى يرون أن الله جل وعلا حكم عدل -وهذا حق- قالوا: ومن عدله جل وعلا أنه لن يترك الناس من دون عقوبة بسبب أن آدم أخطأ قالوا: فبعث ابنه عيسى حتى يحرر الناس من خطيئتهم، فمن آمن بعيسى على أنه ابن لله شمله عفو الله عن تلك الخطيئة، ومن لم يؤمن بعيسى على أنه ابن لله لا يشمله ذلك العفو. هذا دين النصارى في الأصل وهو محض كذب، قال الله جل وعلا: {وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا * تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا} [مريم:89 - 90]. يصور الشاعر في الفردوس المفقود أن هناك صراعاً بين الشيطان وعصبته من الجن وما بين الملائكة على الجنة، وأنه تدخل عيسى في القضية. والشعر الملحمي في العرف الأدبي وجميع الثقافات يعتمد على تخيل صراعات تقوم بين الملائكة وبين الشيطان، ويصور الشيطان في قوة شديدة حتى يجعل للحرب نوعاً من التوازن. هذه الثقافات في قضية الجنة والخروج منها تتسع للمسلمين وغير المسلمين، مثلاً: الفرزدق الشاعر الأموي المعروف، تزوج من امرأة ثم طلقها فندم على طلاقه إياها فقال: ندمت ندامة الكسعى لما غدت مني مطلقة نوار وكانت جنتي فخرجت منها كآدم حين أخرجه الضرار فهو يقول: إن فراقه لهذه الزوجة كفراق آدم للجنة باعتبار أن هذه جنته، طبعاً هذه المقاربة التي قالها الفرزدق يعني لا يصلح شرعاً. والآن يعرض فيلم في صالات السينما العالمية اسمه: جنة لان، حسب المنظور المسيحي لكنه من وجهه محدودة والذي أعلمه أن الكنيسة رافضة للفكرة أصلاً، وترى أنه صورها بصورة غير صحيحة. هناك رواية إلى الآن لم أقف على قراءتها لكنني وقفت على عنوانها لأحد المعاصرين السعوديين اسمها: رائحة الجنة، طبعاً نحن نرى أن الرواية في مجملها في فكرتها وفي ثنايها وقبل أن نذكر هذا قد يقول قائل: كيف حكمت عليها وأنت لم تقرأها؟ فأقول: لكني علمت الفكرة العامة لها وسمعت بعض مفردات من أبوابها. إذا وجد من أخطأ في فهم السبيل إلى الجنة، فالذين هم قادرون على دحر ذلك الفهم الخاطئ هم العلماء الربانيون العالمون بالجنة، لكن إذا تدخلت ثقافات أخرى تجعل من الأخطاء التي تقع حولنا عقائد يكثر انحرافها وبعدها عن الصواب، ولا ينبغي أن تتخذ الجنة والغيبيات التي عظمها الشرع وشرائع الله عناوين لروايات أو لقصائد شعرية أو يراد بها مجاملة أحد أو رد على طائفة أو الانتقام من فئة، فإن دين الله أعظم من هذا. وشوقي يقول: وطني لو شغلت بالخلد عنه نازعتني إليه في الخلد نفسي نحن قلنا مراراً من هذا المنبر وغيره: إن حب الوطن لا يتنافى مع الإيمان، بل إن الله قدم الوطن على الأهل والأبناء، لكن قول شوقي هذا باطل، ولذلك فالاستشهاد به من مدرسي الأدب أو الثقافة أو حتى الذين يكتبون عن الأوطان خطأ جداً، فالجنة لا يمكن أن تقارن بأي وطن، ومن يدخل الجنة لا يحن إلى شيء من الدنيا، هذه بعض المقاربات الثقافية في الجنة.

ماهية الجنة

ماهية الجنة المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين. مشاهدي الأعزاء: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أهلاً ومرحباً بكم. حديثنا في هذه الليلة سيكون عن أمر عظيم من أجله أرسلت الرسل، وأنزلت الكتب، وبعث الأنبياء، ووعظ الواعظون، ونصح الناصحون. حديثنا عن أمر نفيس لا يحيد عنه إلا كل تعيس، عن نور يتلألأ وريحانة تهتز وقصر مشيد ونهر مطرد، وفاكهة نضيدة، وزوجة حسناء جملية، وحلل كثيرة في مقام عنه في خضرة ونعمة في دور عالية بهية تتراءى لأهلها كما يتراءى الكوكب الدري الغائر في الأفق. قصورها عالية وأنهارها جارية وقطوفها دانية، أودعها الخالق ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، وجلاها لعباده الصالحين حتى عاينوها بعين البصيرة التي هي أنفذ من عين البصر، وبشرهم بما أعد لهم فيها على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم فهي خير البُشر على لسان خير البشر، شمر لها المشمرون، وتنافس لأجلها المتنافسون، وتسابق إليها المتسابقون. الجنة هي موضوع حلقتنا هذه من برنامجكم (القطوف الدانية). أسعد كثيراً باستضافة ضيفنا الدائم في هذه الحلقة فضيلة الشيخ: صالح بن عواد المغامسي عضو هيئة التدريس بكلية المعلمين بالمدينة النبوية، نرحب بكم شيخ صالح وحياكم الله. وكما تعلمون حفظكم الله أن هذا الموضوع طويل وقد لا يحصره وقت حلقتنا، ونريد أن نركز حديثنا عن الأشياء التي يستفيد الناس كثيراً من طرحها، لكن قبل أن أدخل في هذه المحاور أترك لكم المجال لافتتاح الحلقة ولإعطاء تصور واف وشاف بإذن الله عن الجنة. الشيخ: بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن والاه. أما بعد: الجنة والنار في مذهب أهل السنة مخلوقتان الآن، لا تفنيان أبداً، هذا ظاهر كلام ربنا وسنة نبينا صلى الله عليه وسلم، وهو الحق الذي ندين به. والجنة: دار أعدها الله جل وعلا ثواباً لأهل طاعته وكرامة لأوليائه وخاصته، من يدخلها ينعم فلا يبأس، ويخلد فلا يموت، أهلها لا يفنى شبابهم، ولا تبلى ثيابهم، جعلها الله جل وعلا مستقراً لرحمته كما جعل النار مستقراً لغضبه، جعل لها تبارك وتعالى ثمانية أبواب ورد بذلك أحاديث صحاح، كما جعل للنار سبعة أبواب ونص على هذا القرآن: {لِكُلِّ بَابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ} [الحجر:44]. والجنة دار هي بغية كل مؤمن، من أجلها ترك الصالحون مضاجعهم وصاموا هواجرهم، ومن أجلها يغدو المؤمن إلى الجمع والجماعات، من أجلها تطيع المرأة ربها، وتحصن فرجها، وتبر زوجها، من أجلها يبر الرجل والديه، ويقوم بالسعي مع جيرانه وأهله في الخير، كل ذلك لا يبتغى بعده إلا أن يدخلهم الله جل وعلا الجنة، والرب تبارك وتعالى لا تصفو الدنيا إلا بذكره، ولا تطيب الآخرة إلا بعفوه، ولا تطيب الجنة إلا برؤيته. هي الدار التي جعلها الله جل وعلا وعداً على ألسنة رسله، قال تبارك وتعالى على لسان عباده المؤمنين: {رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ} [آل عمران:194]، وقال جل وعلا: {كَانَ عَلَى رَبِّكَ وَعْدًا مَسْئُولًا} [الفرقان:16]. وهي أعظم دار، وأجل مبتغى، لم يجعل الله جل وعلا فيها من نقص أي مكان ولا مقام فهي الخير المحض، كما أن النار عياذاً بالله هي الشر المحض، أما في الدنيا فما غلب خيره على شره فهو خير، وما غلب شره على خيره فهو شر، نسأل الله أن يجعلنا من أهلها إنه ربي سميع مجيب.

الجنة التي أخرج منها أبونا آدم

الجنة التي أخرج منها أبونا آدم المقدم: جاء في صحيح مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (يجمع الله تبارك وتعالى الناس فيقوم المؤمنون حتى تزلف لهم الجنة، فيأتون آدم فيقولون: يا أبانا افتتح لنا الجنة، فيقول: هل أخرجكم من الجنة إلا خطيئة أبيكم، لست بصاحب ذلك). نريد الكلام عن دخول أبينا آدم عليه السلام وخروجه من الجنة. الشيخ: آدم عليه السلام هو أبو البشر، وهذا الحديث يكون يوم القيامة، (وهل أخرجكم من الجنة إلا خطيئة أبيكم)، فيردنا إلى الأول، وهو أن الله جل وعلا خلق آدم بيده في أحسن صورة، ولهذا فأهل الجنة يدخلون الجنة على هيئة أبيهم آدم، وخلق من آدم زوجه حواء على خلاف بين العلماء هل خلق حواء من آدم قبل دخوله الجنة أو بعد دخوله الجنة، فالذين قالوا: إن الله خلق حواء قبل أن يدخل آدم الجنة، أخذوها من قول الله تبارك وتعالى: {اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ} [البقرة:35]. والذين قالوا: خلقت في الجنة قالوا: إن آدم أدخل الجنة لوحده فاستوحش فخلق الله منه زوجه حواء، وأخذوا ذلك من عموم آيات الأعراف: {لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا} [الأعراف:189]، فقالوا: إن السكن لا يكون إلا بعد الوحشة. أباح الله جل وعلا لآدم ما في الجنة كلها: {إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلا تَعْرَى * وَأَنَّكَ لا تَظْمَأُ فِيهَا وَلا تَضْحَى} [طه:118 - 119]، فوسوس إليه الشيطان، فيبقى Q كيف دخل الشيطان إلى الجنة؟ وهذا لا نعلم فيه نصاً صريحاً نجزم به، والغيب لا يتوصل له بعقل ولا بتجربة، لكن النقول التي بين أيدينا مما أخذ عن أهل الكتاب أو غيرهم: أن إبليس دخل الجنة في أنف الحية، وقيل في غير ذلك. فلما دخل إبليس الجنة وسوس إبليس إلى آدم وهو في الجنة ونتج عن تلك الوسوسة أن أقنعه أن يأكل من الشجرة التي حرمها الله جل وعلا على آدم، أخذ إبليس يلاطف أبانا: {وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ} [الأعراف:21]. قال الله: {فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا} [طه:121]، أي: فانكشفت عورتاهما، قال الله: {وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ} [الأعراف:22]، يحاولان ستر العورة، هنا أخرج آدم من الجنة في يوم الجمعة كما خلق عليه السلام في يوم الجمعة، وهذا هو الذي جعل آدم يقول: (وهل أخرجكم من الجنة إلا خطيئة أبيكم)؟ لكن الذي عليه جمهور أهل السنة أن الجنة التي دخلها آدم هي جنة عدن التي وعد الله جل وعلا عباده إياها، والحديث الذي في مسلم: (وهل أخرجكم من الجنة إلا خطيئة أبيكم)، فلو كانت الجنة التي خرج منها آدم غير جنة عدن لما استقام هذا القول، لكن من الناس من يقول: إن الجنة التي أدخلها آدم ليست جنة عدن التي وعد الله جل وعلا عباده. قالوا: بدليل أن الله جل وعلا قال: {وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ} [البقرة:35] والجنة ليس فيها تكليف، وقالوا: من يدخلها يخلد وهذا مخرج من الجنة. فقيل لهم: إن الله قال: {اهْبِطُوا} [البقرة:36]، قالوا: هذا ليس دليلاً؛ لأن الله قال: {اهْبِطُوا مِصْرًا} [البقرة:61]، وهم لم ينزلوا من السماء، لكنهم قالوا: إن هذه الجنة إما في السماء الدنيا وإما على الأرض. المقصود أن أبانا آدم يقول يوم القيامة: (وهل أخرجكم من الجنة إلا خطيئة أبيكم)، حتى يأتي الأمر إلى نبينا صلى الله عليه وسلم فيقول: (أنا لها)، ويقرع باب الجنة، فيقول له الخازن: من أنت؟ فيقول: (أنا محمد)، فيقول: أمرت أن لا أفتح لأحد قبلك، هذا ما تيسر من الكلام حول خلق أبينا آدم وجنة عدن التي أدخلها.

العمل الصالح سبب لدخول الجنة لا ثمن لها

العمل الصالح سبب لدخول الجنة لا ثمن لها المقدم: ورد في سورة الأعراف قوله تعالى: {وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} [الأعراف:43]، بينما ورد في الحديث: (لن يدخل أحد منكم الجنة بعمله، قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته)، فكيف نجمع بين الآية والحديث؟ الشيخ: هذا الآن نحن أمام نفي وإثبات، فالآية مثبته {أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} [الأعراف:43] أي: بالعمل، والحديث نفي: (لن يدخل أحد الجنة بعمله). ونحن متفقون على أن هناك نفياً وهناك إثباتاً لكننا نقول: إن المنفي غير المثبت، فالباء المثبتة باء السببية، والباء المنفية باء العوض، ومعنى العوض أنك عندما تسأل من اشترى ثوباً: بكم اشتريته؟ يقول مثلاً: بريالين. فالريالان عوض وثمن لهذا الثوب. فالبائع أخذ الريالين وأنت أخذت الثوب عوضاً، لكن الجنة ليست عوضاً عن أعمالنا، وهنا هو معنى الحديث، فأعمال بني آدم وعمل النبي صلى الله عليه وسلم ليست عوضاً عن الجنة، لأن الجنة أكبر من أعمالهم هذا المنفي. والمثبت هو السبب: {أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} [الأعراف:43]، أي: بسبب أعمالكم لا على أن الجنة عوض عن أعمالكم، لكنها سبب، ولا شك أن الأعمال الصالحة سبب في دخول الجنة، وإلا لدخلها كل الخلق، لكن كيف التمييز؟ بالسبب، والمنفي أن تكون الجنة عوضاً عن العمل أو العمل مقابل الجنة، فالآية أثبتت شيئاً والحديث نفى شيئاً آخر. وقد قال بعض الصالحين: إن المؤمن يحرم على النار بعفو الله ويدخل الجنة برحمة الله، ويرث غيره في الجنة بعمله.

معنى حديث (أعددت لعبادي الصالحين)

معنى حديث (أعددت لعبادي الصالحين) المقدم: ورد في الحديث القدسي: (قال الله عز وجل: أعددت للمؤمنين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر)، فكيف يمكن أن نقرب المعنى الوارد في هذا الحديث؟ الشيخ: لقد ورد في القرآن قوله: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ * فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [السجدة:16 - 17]، وورد في الحديث ما ذكر في السؤال. ونحن نقول: الأعمال التي يصنعها العبد ثلاثة: الأول: عمل قلبي: فأنت أيها المؤمن تحب الله، هذا شيء في قلبك لا يعلمه الناس. الثاني: عمل يسمع: كما لو كنت عند شخص وأسمعه يقول: سبحان الله، الحمد لله، ولا إله إلا الله، أو يقرأ القرآن. الثالث: عمل مرئي: أي شيء تراه، فمثلاً: دخلت المسجد فوجدت أحد إخوانك المسلمين يصلي أو صائم رأيته يفطر أمامك، فهذا عبادة مرئية. فانظر إلى عظمة الرب جل جلاله، فأعمال القلوب يثيب عليها ما لا خطر على قلب بشر، والأعمال التي تسمع يثيب عليها ما لم تسمع أذن، والأعمال المرئية يثيب عليها ما لم تر عين. ولا يمكن أن تخرج الأعمال عن هذه الثلاث، وعلى هذا قال الله جل وعلا: (أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت)، مقابل أعمالهم المرئية، (ولا أذن سمعت)، مقابل أعمالهم المسموعة، (ولا خطر على قلب بشر)، مقابل أعمالهم القلبية. إذاً نحن معشر المسلمين ينبغي أن نعلم أننا أمام رب عظيم جليل كريم، فلا يقصر أحدنا في عمل خوفاً من بخل المعطي، هذا محال، فنحن نتعامل مع أكرم الأكرمين، وأرحم الراحمين، من لا تنفذ خزائنه، وليس كمثله شيء وهو السميع البصير.

معنى حديث (عينان لا تمسهما النار)

معنى حديث (عينان لا تمسهما النار) Q ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم: (عينان لا تمسهما النار، عين بكت من خشية الله، وعين باتت تحرس في سبيل الله)، فهل يطلق على كل من بكى من خشية الله أنه لا يدخل النار، وجزاك الله خيراً؟ A هذا الحديث صحيح: (عينان لا تمسهما النار، عين بكت من خشية الله، وعين باتت تحرس في سبيل الله)، والأصل إمرار الحديث على ظاهره، فمن وفقه الله جل وعلا فبكى من خشية الله وأراد بذلك وجه الله تبارك وتعالى فإن الله جل وعلا قد حرمه على النار.

مرافقة الرسول صلى الله عليه وسلم في الجنة

مرافقة الرسول صلى الله عليه وسلم في الجنة المقدم: سائل يسأل عن مرافقة النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة؟ الشيخ: مرافقة النبي صلى الله عليه وسلم من أسمى المطالب، ولهذا وعد النبي عليه الصلاة والسلام على بعض الأعمال الصالحة بجواره كما في قوله عليه الصلاة والسلام: (أنا وكافل اليتيم كهاتين في الجنة)، وقوله عليه الصلاة والسلام: (إن من أحبكم إلي وأقربكم مني مجلساً يوم القيامة أحاسنكم أخلاقًا). وربيعة بن كعب الأسلمي كما في الحديث الصحيح قال: (يا ربيعة سلني حاجتك؟ قال: يا رسول الله، أسألك مرافقتك في الجنة، قال: أو غير ذلك يا ربيعة؟ قال: هو ذاك يا رسول الله، قال: فأعني على نفسك بكثرة السجود). ونحن لم تكتحل أعيننا برؤيته صلوات الله وسلامه عليه؛ لكننا نرجو الله جل وعلا جواره عليه الصلاة والسلام، ولهذا ينبغي أن يكون هناك محبة له في أول الأمر، ثم يتبع ذلك اتباع لسنته، والتماس لهديه، واقتفاء لأثره عليه الصلاة والسلام. وهذا لا يزهد فيه مسلم، ولا يوجد عاقل يزهد في مرافقة النبي صلى الله عليه وسلم. ويوجد حديث في المسند تكلم بعض أهل العلم في سنده، ومعنى الحديث: أن النبي عليه الصلاة والسلام يأتي الجنة فيجد امرأة على بابها تزاحمه في دخولها فيقول لها: من أنت؟ فتقول: أنا امرأة مات زوجي عن أطفال لي فرعيتهم، فالحديث من جملة فضائل الأعمال فيستأنس به ويؤخذ به، نسأل الله جل وعلا العون لكل أرملة.

حديث إيقاد النار ألف عام ثم ألف عام ثم ألف عام

حديث إيقاد النار ألف عام ثم ألف عام ثم ألف عام المقدم: هل يصح حديث إيقاد النار ألف سنة ثم ألف سنة ثم ألف سنة؟ الشيخ: حديث إيقاد النار حديث صحيح، وهو أنه: (أوقد عليها ألف عام حتى ابيضت، ثم ألف حتى احمرت، ثم ألف عام حتى اسودت فهي سواد كالجحيم)، والمقصود أن الله أرادها بهذه الكيفية حتى تكون عظيمة الأمر، وهذا لحكمة أرادها الله وهي تخويف العباد، والنبي صلى الله عليه وسلم نقل ما وقع، والله جل وعلا يقول: {لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ذَلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ يَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ} [الزمر:16]، وقد خلق الله جل وعلا السموات والأرض في ستة أيام مع أنه تبارك وتعالى قادر على أن يخلقها في أقل من ذلك؛ لكن قال العلماء: المراد تعليم عباده. ونحن نقول: سواء علمنا الحكمة أو جهلناها فليس لها علاقة بقدرة الله هنا، فالله جل وعلا لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء، وهذه من اليقينيات التي لا يختلف عليها اثنان من المسلمين.

دخول الجنة والنار والخروج منهما

دخول الجنة والنار والخروج منهما

معنى الاستثناء في آية هود

معنى الاستثناء في آية هود المقدم: معلوم على القول الراجح أن الجنة باقية وأنها لا تفنى، لكن قد يشكل على البعض الآية التي يقول فيها عز من قائل: {وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ} [هود:108]؟ الشيخ: هذه الآية في سورة هود، قال الله جل وعلا: {فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ * فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ * خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ * وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ} [هود:105 - 108]. اختلف العلماء في هذه الآية إلى ثمانية أقوال: فمنهم من قال: إن الاستثناء هنا للمدة التي كانت قبل أن يدخلوا الجنة. ومنهم من قال: إنها محمولة على عصاة المؤمنين الذين دخلوا الجنة متأخرين، يعني: كانوا قد لبثوا في النار فترة. لكن الحق الذي نعتقده أن المعنى المراد إظهار قدرة الله ومشيئته وأنه ليس هناك استثناء، ونظيره في القرآن: {قُلْ لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ} [يونس:16]، فعلقها بالمشيئة لبيان القدرة، ونظيره في القرآن أيضاً قول الله جل وعلا في الإسراء: {وَلَئِنْ شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ بِهِ عَلَيْنَا وَكِيلًا} [الإسراء:86]، وهذا أمر لم يقع وعلقه الله جل وعلا بالمشيئة حتى يظهر تبارك وتعالى قدرته وأنه جل وعلا رحمهم بالجنة لا عن ضعف، بل له القدرة الكاملة سبحانه هذا أفضل تخريج فيما أعلم لهذا النص.

توجيه أحاديث الوعيد

توجيه أحاديث الوعيد المقدم: معلوم أن من مات على الإسلام تكون نهايته في الجنة إن شاء الله؛ لكن وردت بعض الأحاديث أجزم أنها تحتاج إلى توجيه، منها حديث: (لا يدخل الجنة من كان في مثقال ذرة كبر)، (لا يدخل الجنة مدمن خمر)، (لا يدخل الجنة عاق)، فكيف نوجهها مع الأدلة الدالة على خروج المسلم العاصي من النار؟ الشيخ: قوله صلى الله عليه وسلم: (لا يدخل الجنة عاق)، وقوله: (لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر)، كما في الصحيح من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص وغيرهما من الأحاديث توجه بأنه يفهم منها أنهم لا يدخلون الجنة ابتداءً، فمن كان متلبساً بهذه المعاصي ومات متلبساً بها دون توبة ولم يعف الله جل وعلا عنه من غير توبة وحكم الله جل وعلا عليه بالنار؛ فإنه يدخل النار ثم يكون مآله إلى الجنة. فيحمل قوله صلوات الله وسلامه عليه: (لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر)، أن المقصود به: لا يدخل الجنة ابتداءً، و: (لا يدخل الجنة عاق)، أي: لا يدخلها ابتداءً لأول مرة، (لا يدخل الجنة مدمن خمر)، ولو مات على التوحيد فالمعنى: لا يدخلها ابتداءً. هذا أفضل ما قيل في تخريج هذه الأحاديث.

معنى آية (هذا الذي رزقنا من قبل وأتوا به متشابها)

معنى آية (هذا الذي رزقنا من قبل وأتوا به متشابهاً) المقدم: من الآيات التي نحتاج إلى بيانكم لها قوله تعالى: {وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا} [البقرة:25]. السؤال عن آخر الآية، وهو قوله: {هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ} [البقرة:25]، ما المراد به؟ ومعنى قوله تعالى: {وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا} [البقرة:25]؟ الشيخ: الآية يأمر الله فيها نبيه أن يبشر المؤمنين بأن لهم جنات، ومن ضمن ما في الجنات فاكهة وأنعام وخيرات. قال الله جل وعلا عنهم: {وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُوا} [البقرة:25]، أي: أهل الجنة، {مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا} [البقرة:25]، أي: أهل الجنة: {هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ} [البقرة:25]، فبنيت اللام على الضم لانقطاع الإضافة، فأصبحت هذه الإضافة تحتاج إلى أن تقدر: من قبل ماذا؟ فمنهم من قدرها بمعنى: من قبل أن يدخلوا الجنة، أي: في الدنيا، فيصبح المعنى: أنهم يرون ثماراً تشبه ثمار الدنيا، قال ابن عباس: ليس بينهما تشابه إلا في الأسماء. لكنني أقول: هذا بعيد، والذي نراه والعلم عند الله أن ظاهر الآية أنهم يرزقون ثمرة ثم بعد ذلك إذا رزقوا منها خلا مكانها فإذا خلا مكان هذه الثمرة جاء غيرها، فإذا لجئوا إلى غيرها بعد ذلك ليأكلوه فإنهم عندما يرونه أول مرة يحسبونه كالأول فيقولون: {هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ} [البقرة:25]، أي: ما تغير شيء، لكنهم إذا طعموا وجدوه يختلف، ولهذا قال الله بعد: {وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا} [البقرة:25]. الآن التشابه في الدنيا يعطيك خيارات لكن الخيارات في الدنيا لا بد أن يكون الترجيح بناءً على مقصد المرجح، يعني: إذا خيرت بين شيئين فاخترت أحدهما لم يدفعك إلى اختيار أحدهما إلا علو من وجه ما في الراجح، لكن الخيار الذي في الآخرة قال قتادة: خيار لا رذل فيه، يعني: لا يمكن أن يكون في أي منها نقص أو عيب. {وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا} [البقرة:25]، أي: في ظاهرها واحد لكنها مختلفة الطعم، وهذا مستمر؛ لأن الله يعبر بـ (كلا) وهي تدل على الاستمرار.

أزواج النساء في الجنة وعدم وعدهن بالغلمان

أزواج النساء في الجنة وعدم وعدهن بالغلمان المقدم: إن الله عز وجل قال: {وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ} [الدخان:54]، والخطاب هنا كان للرجال، وبالنسبة للنساء لم يرد الخطاب لهن بمثل هذا. أيضاً: المرأة قد تكون تزوجت أكثر من رجل، وقد تكون ماتت قبل أن تتزوج، وقد يكون زوجها في النار، فما هو حال النساء بالنسبة للجنة إن شاء الله؟ الشيخ: نقول: يجب أن يفهم أن الجنة دار كرامة فمن دخلها من رجل أو امرأة، جني أو إنسي، نبي أو غير نبي، فليعرف أنه سيكرم، فالمكرم في الجنة هو الله، والخوف بعد دخولها أمر منتف، والحزن كذلك: {ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ} [الأعراف:49]. عندما تقدم على مكان أو تشتري قصراً أو تبني فلة ومعك رهطك وأهلك تقول: أنا سأجلس في المجلس لكن أهلي أين سيجلسون؛ أين سيجلس الأبناء؟ من حقك أن تخشى وتخاف وتحقق؛ لأن الذي سيستضيفك مخلوق مثلك، لكن الجنة دار ضيافة رب العالمين جل جلاله، فعلى الرجال والنساء على السواء ألا يقع في قلوبهم خوف من نقص سيصيرون إليه، هذا محال، لأن الجنة هي الخير المحض، وهي دار كرامة ليس فيها من النقص شيء، وهذا مهم جداً في فهم القضية. ثم نقول بعد ذلك: الله جل وعلا وعد الرجال بالحور العين ولا نعلم أن الله جل وعلا وعد النساء بغلمان، قد يقول قائل: ما الفرق؟ فنقول: لأنه إذا دخل النساء الجنة فلن ترى المرأة حاجة أبداً إلى مثل هذا. أما بالنسبة إلى الأزواج فالجنة ليس فيها أعزب، هذا كلام النبي صلى الله عليه وسلم، أما الزوجات فهناك آثار ثلاثة فيهن انقطاع، بعضها رواها أبو علي الحراني في تاريخه، وبعضها رواها ابن عساكر في تاريخ دمشق، يقول الشيخ ناصر الدين الألباني رحمة الله تعالى عليه: إن الأحاديث بمجموعها يرتقي الحكم عليها بأنها حسنة، هذه الأحاديث تدل على أن المرأة إذا كان لها زوج صالح كتب الله له الجنة ومات قبلها ولم تتزوج بعده فإنها تكون زوجته في الجنة. ومن هذا قالوا: إن أسماء بنت أبي بكر كانت تحت الزبير بن العوام، وقد كان شديداً عليها مع صلاحه وكونه أحد العشرة المبشرين، فذهبت إلى أبيها أبي بكر تشتكيه فقال: يا بنيتي اصبري فإن المرأة إذا كان لها زوج صالح ومات عنها كانت زوجته في الجنة. وقالوا: إن معاوية رضي الله تعالى عنه وأرضاه خطب أم الدرداء رضي الله عنها وأرضاها فامتنعت وقالت: إنها سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول نفس المعنى، أي: أنها إذا مات عنه ولم تتزوج بعده تكون زوجه في الجنة. ونقل عن حذيفة رضي الله تعالى عنه وأرضاه أنه قال ذلك لزوجته. لكن -كما قلت- هذه الأحاديث الثلاثة يوجد انقطاع في اثنين منها، أما حديث معاوية فليس فيه انقطاع، لكن فيه رجل غير معروف وهو العباس بن صالح، لكنها بمجموعها ترتقي إلى درجة الحسن؛ وهي هنا أولى من الرأي وأولى من القياس؛ لكن أعود وأكرر: أن المرأة أو الرجل لا يمكن أن يهان في الجنة مثقال ذرة أو طرفة عين.

كيف دعا النبي صلى الله عليه وسلم إلى الجنة

كيف دعا النبي صلى الله عليه وسلم إلى الجنة المقدم: بعد هذا التحليل لكثير من القضايا وكثير من هذه النصوص دعني أنتقل إلى محور مهم جداً، وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم كان أفضل الدعاة الذين دعوا إلى الجنة وقد دعا إليها بأمور مختلفة في قضايا متنوعة، أتمنى لو تشير إلى هذه القضايا! الشيخ: ما دعا إلى الجنة أحد أكرم من الأنبياء، وأكرم الأنبياء نبينا صلى الله عليه وسلم، بل إن الله بعث الرسل مبشرين بالجنة ومنذرين من النار، والجنة جعلها النبي عليه الصلاة والسلام حجر الزاوية في دعوته، فلنأخذ عدة أمور: الأمر الأول: الأعمال الصالحة: دعا النبي عليه الصلاة والسلام إلى الأعمال الصالحة ثم ربط هذه الأعمال بالجنة قال عليه الصلاة والسلام مثلاً: (من بنى لله بيتاً ولو مثل مفحص قطاة بنى الله له بيتاً في الجنة) وقال: (من صلى لله اثنتي عشرة ركعة بنى الله له بيتاً في الجنة). وقال: (من قرأ قل هو الله أحد عشر مرات في اليوم والليلة بنى الله له بيتاً في الجنة). فهذه أعمال ربطها النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة. إذاً أول معيار طرقه النبي عليه الصلاة والسلام في قضية الجنة أن جعلها مرداًً للأعمال الصالحة حتى يرغب الناس في العمل لدخول الجنة. الأمر الثاني: تعظيم الجنة وتحقير الدنيا: النبي صلى الله عليه وسلم يزهد الناس في الدنيا، وإذا زهدهم في الدنيا فلا بد أن يضع بديلاً فوضع البديل الجنة، وهذا أسلوب القرآن: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ * قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ} [آل عمران:14 - 15]، أي: الذي مضى كله: {لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ} [آل عمران:15]، فجعلها الله جل وعلا بدلاً عن الشهوات الدنيوية. أهدي له صلى الله عليه وسلم قطعة من حرير فجعل الصحابة يلمسونها ويتعجبون منها، فقال عليه الصلاة والسلام: (أوتعجبون من هذه، لمناديل سعد بن معاذ في الجنة خير منها)، إذاً: هنا ربط تحقير الدنيا بالمعيار الثاني وهو تعظيم الجنة. دخل عليه عمر وقد أثر الحصير في جنبه فكأنه رق لحاله صلى الله عليه وسلم وقال ما قال، فقال عليه الصلاة والسلام: (أوفي شك أنت يا ابن الخطاب؟ أولئك أقوام عجلت لهم طيباتهم في الحياة الدنيا). يراهم يحملون الحجر فيقول عليه الصلاة والسلام: (اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة فاغفر للأنصار والمهاجرة)، يذكرهم بالجنة وهذه هي الطريقة الصحيحة. الأمر الثالث: جعل النبي صلى الله عليه وسلم الجنة جزاء للصابرين، فإذا رأى أحداً ممن ابتلي بصرف النظر عن نوع الابتلاء علق أمله بالجنة حتى يكون الطمع في دخولها عوناً له على البلاء الذي هو فيه، فمر عليه الصلاة والسلام على آل ياسر وهم يعذبون في أوائل العهد المكي فقال عليه الصلاة والسلام: (صبراً آل ياسر)، كلمة صبر وحدها لا تكفي، فقال بعدها: (فإن موعدكم الجنة)، فنزلت هذه الكلمة عليهم رضي الله عنهم وأرضاهم كالماء البارد، وفعلاً قتل ياسر وزوجته سمية والموعد الجنة كما أخبر صلى الله عليه وسلم. يقول صلى الله عليه وسلم: (إن الله يقول: ما لعبدي إذا قبضت صفيه من أهل الدنيا ثم صبر واحتسب جزاء إلا الجنة)، فقبض الأصفياء -نسأل الله لنا ولكم العافية- أمر يحز في القلب ويورث الحسرة لكن النبي صلى الله عليه وسلم يعلق الأمر بالجنة حتى يكون هناك صبر ويكون هناك نوع من القدرة على تحمل ذلك الابتلاء، وهذا هو الأمر الرابع. الأمر الخامس: الأخلاق الحميدة ونشرها في المجتمع: وله طرائق عدة، مثلاً الجدال والمراء يقول عليه الصلاة والسلام: (أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقاً)، فلما أراد من الناس أن يتركوا كثرة القيل والقال ويبعدوا عن الجدال الذي لا نفع فيه ذكر صلوات الله وسلامه عليه أنه زعيم أو كفيل ببيت في الجنة لمن تركه. وقال: (أيها الناس! أطعموا الطعام وصلوا بالليل والناس نيام، تدخلوا الجنة بسلام)، فجعل عليه الصلاة والسلام من الجنة رمزاً وطريقاً ومحوراً للدعوة، وكل دعوته تصب في هذا الباب؛ لأنها أعظم العطايا وأجل السخايا كما بينا في أول اللقاء.

خلق الجنة والنار

خلق الجنة والنار المقدم: من المسائل التي كثر فيها كلام أهل العلم من أهل السنة والجماعة ومن غيرهم مسألة: هل الجنة مخلوقة الآن أو أنها لم تخلق إلى الآن، فما هو الحق في ذلك؟ الشيخ: قلنا في السابق: الجنة مخلوقة موجودة الآن، هذا ظاهر كلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم، وهو الحق الذي لا محيد عنه، ومن زاغ عنه من أهل الفرق إنما كان ذلك بسبب تحكيمه للعقل والقياس وتركه للنصوص. ذكر عليه الصلاة والسلام في حديث المعراج: (أنه دخل الجنة فرأى أكثر أهلها المساكين)، واطلع صلى الله عليه وسلم على النار، وأخبر تبارك وتعالى في كتابه الكريم أن الجنة مفتحة الأبواب. وقال عليه الصلاة والسلام: (إذا أقبل رمضان فتحت أبواب الجنة). والحجر الذي سمعه عليه الصلاة والسلام وقال: (هذا ألقي في النار واستقر في قعرها). فهذه الآثار وغيرها مما لا يحصى جعلت أهل السنة يقولون: إن الجنة مخلوقة موجودة الآن. يقول عليه الصلاة والسلام لـ بلال: (بم سبقتني إلى الجنة؟ فما دخلت الجنة إلا سمعت خشخشتك -أو دف نعليك- أمامي).

حال المؤمن في القبر ومنزلة الشهيد

حال المؤمن في القبر ومنزلة الشهيد المؤمن في القبر يرى مقعده من الجنة، فرؤية المرء مقعده فضل من الله لا يمكن أن يتصوره عقل، فإن الإنسان يكون في مرقده في قبره والناس على الأرض يتشاجرون على أموالها وهو يرى مقعده من الجنة وفيه عطايا لا توصف لكنها لا تكون إلا لمن أخلص لله النية وسيأتي هذا. أما الشهيد فقد ثبت في الحديث أنه يلبس تاج الوقار، وأنه يغفر له مع أول قطرة من دمه، وأنه يشفع في سبعين من أهل بيته، والحديث لم يأت مقيداً بأنه يشفع للأقرب أو أنه يختار من أهل بيته من يريد، فما أبقاه الله أو رسوله صلى الله عليه وآله وسلم مطلقاً لا نستطيع نحن أن نقيده، وظاهر الأمر أنه مخير من باب إكرامه، والشهداء من أرفع الناس درجة. أما تزاور الأرواح في القبر فقد قال به بعض العلماء، وأكثر ابن القيم رحمة الله عليه في كتابه الروح وفي غيره من الأدلة على إثباته، ولا أستطيع أن أجزم به؛ لكن هذه حياة برزخ الله أعلم بكنهها، وقلت: هناك آثار لكنها ليست بتلك القوية لكنها في مجملها قابلة للأخذ بها.

الجمع بين أحاديث الوعد والوعيد في حق من عمل الطاعات والمعاصي

الجمع بين أحاديث الوعد والوعيد في حق من عمل الطاعات والمعاصي Q جاء في حديث نفي دخول الجنة لمن في قلبه مثقال ذرة من كبر، وفي حديث أن من حافظ على ثنتي عشرة ركعة بني له بيت في الجنة، فإذا كان الإنسان متكبراً وحافظ على الركعات، فما حاله؟ الشيخ: تتضح الصورة كالتالي: لو فرضنا أن رجلاً يحافظ على اثنتي عشرة ركعة. وفي قلبه مثقال ذرة من كبر، فهذا لا يدخل الجنة ابتداء تطبيقاً لحديث: (لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر)، وفي نفس الوقت إذا أخرج من النار وأدخل الجنة يجد له بيتاً مبنياً في الجنة بسبب صلواته التي كان يصليها جمعاً بين الحديثين. ونحن لا نتكلم عن أحد بعينه، بل نتكلم عن نصوص كيف نجريها، أما فضل الله فواسع، والله جل وعلا منجز وعده لا محالة، أما وعيده فيقول: {وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء:48].

حالة قلب المؤمن

حالة قلب المؤمن Q نرجو توجيهاً للمغرقين في التفاؤل وحسن الظن بالله عز وجل، كما يقال: التقوى في القلوب وإن الله غفور رحيم؟ الشيخ: المؤمن يكون قلبه بين الخوف والرجاء، فهما له مثل جناحي طائر ورأسه محبة الله. أحياناً يغلب جانب الرجاء وأحياناً جانب الخوف، فنحن نحسن الظن بالله ونرجو عفوه، وفي نفس الوقت لا نأمن مكر الله، فلا يوجد مؤمن تقي يعرف الله حقاً يأمن مكر الله: {قُلْ رَبِّ إِمَّا تُرِيَنِّي مَا يُوعَدُونَ * رَبِّ فَلا تَجْعَلْنِي فِي الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [المؤمنون:93 - 94]، وهذه من أعظم آيات التخويف في القرآن؛ لأنه إذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول لربه: إذا جاء أمرك وحكمت عليهم بالعذاب والسخط فنجني من العذاب ولا تجعلني مع القوم الظالمين، فما يقول من دونه. وفي نفس الوقت نحن نؤمل كثيراً برحمة ربنا جل وعلا ونرجو عفوه؛ لأنه جل وعلا الذي قال: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر:60]، وقال: {فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} [البقرة:186].

إفراد الجنة وجمعها في النصوص

إفراد الجنة وجمعها في النصوص المقدم: ورد التعبير عن الجنة بصيغ مختلفة، فوردت بصيغة الإفراد وبصيغة التثنية وبصيغة الجمع، فقد يشكل على البعض هل هي جنة واحدة أو أنها جنان متعددة؟ الشيخ: هي في الأصل جنة واحدة، الجنة في اللغة من (جنَّ) أي: خفي واستتر، فيقال للجن جن لأنهم لا يرون، ويقال للمخلوق في بطنه أمه جنين لأنه لا يرى، وقال الله: {فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ} [الأنعام:76]، يعني: أظلم واستحالت الرؤية. فالجنة من حيث هي كيان عام واحدة، ثم في داخل الجنة جنان فمن الناس من له جنتان ومنهم من له أكثر من ذلك كما قال عليه الصلاة والسلام: (بل هي جنان)، وقد قال الله: {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ} [الرحمن:46]، ثم قال بعدها بآيات: {وَمِنْ دُونِهِمَا جَنَّتَانِ} [الرحمن:62]، قال في الأولى: {ذَوَاتَا أَفْنَانٍ} [الرحمن:48]، وقال في الثانية: {مُدْهَامَّتَانِ} [الرحمن:64]، وقال: {فِيهِمَا مِنْ كُلِّ فَاكِهَةٍ زَوْجَانِ} [الرحمن:52]، وهناك حدد فقال: {فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ} [الرحمن:68]، في الأوليين قال: {فِيهِمَا عَيْنَانِ تَجْرِيَانِ} [الرحمن:50]، وقال فيما بعد: {فِيهِمَا عَيْنَانِ نَضَّاخَتَانِ} [الرحمن:66].

العمل من أجل الجنة أو من أجل إرضاء الله

العمل من أجل الجنة أو من أجل إرضاء الله المقدم: هل هناك فرق بين أن تعمل لدخول الجنة والخوف من النار وبين أن تعمل حباً وشوقاً وتحصيلاً لرضا الله عز وجل؟ الشيخ: هذه متلازمة لا انفكاك بينها: {يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا} [السجدة:16]، فنحن نعمل برضوان الله الذي بسببه ندخل الجنة ونجار من النار، قال الله تعالى: {فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ} [آل عمران:185].

تزاور أهل الجنة

تزاور أهل الجنة المقدم: سائل يقول: من هم الذين يدخلون الجنة بغير حساب؟ ويتساءل يقول: هل يرى المرء أهله في الجنة، وكيف يكون ذلك إذا اختلفت منازلهم؟ الشيخ: أما دخول الجنة بغير حساب فإن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر أن هؤلاء السبعين ألفاً يدخلونها على أعمال القلوب. أهل الجنة يتزاورون كما ثبت في ذلك الآثار، والله جل وعلا يقول: {وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ} [الرعد:23]، إلى غير ذلك من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الثابتة. والذي نريد أن نقوله: إن أهون أهل النار عذاباً يرى أنه أشد أهل النار، مع أن أقل أهل الجنة -وليس فيها قليل- يرى أنه أكثرهم عطاءً، والتزاور أثبته الله جل وعلا قال: {وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ * قَالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ * فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ * إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ} [الطور:25 - 28]. وقد ثبتت فيه آثار أخر، وحتى الأنبياء والمرسلون يزورهم من آمن بهم وأحبهم في الدنيا.

رفع الوالدين إلى منزلة الابن في الجنة

رفع الوالدين إلى منزلة الابن في الجنة المقدم: إن من نعم الله على أهل الجنة أن تلحق بهم ذريتهم الذين اتبعوهم بإيمان، فإذا كان الابن صالحاً وكانت درجته أعلى من درجة والديه في الجنة فهل يرفعان إليه؟ الشيخ: نعم يرفعان إليه ويزورانه فيها.

أمة محمد صلى الله عليه وسلم أكثر أهل الجنة

أمة محمد صلى الله عليه وسلم أكثر أهل الجنة المقدم: ورد أن أكثر أهل الجنة من أمة محمد صلى الله عليه وسلم، فنرجو منكم توضيح ذلك؟ الشيخ: هذه الأمة من حيث الجملة أمة مرحومة، وفي الحديث: (وإني لأرجو الله أن تكونوا ربع أهل الجنة)، ثم قال عليه الصلاة والسلام: (إني لأرجو الله أن تكونوا ثلث أهل الجنة)، ثم قال: (إني لأرجو الله أن تكونوا شطر أهل الجنة) فكبروا. نقول: هذه الأمة أمة مرحومة، فأمة محمد صلى الله عليه وسلم لهم باب خاص يدخلون منه وهم شركاء الناس فيما دون ذلك من الأبواب، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الصديق رضي الله عنه يدخل من هذه الأبواب كلها هذا ما يتعلق بالأمة. وأنا أقول: لا نحب في هذا اللقاء عن الجنة أن نعرج على المفردات، وإنما نتكلم عن الطرائق العامة، وستأتي الغاية من الدرس وهي معرفة السبيل إلى دخول الجنة.

الاسترقاء ومنعه من دخول الجنة بغير حساب

الاسترقاء ومنعه من دخول الجنة بغير حساب المقدم: هنا السائل يقول: ورد في الحديث: (لا يسترقون)، هل هم الذين لا يطلبون أن يقرأ عليهم أحد أم أنه غير ذلك، أوضح لنا هذا الأمر الذي أشكل علينا كثيراً، فإني أتحاشى هذا الأمر رغبة فيما عند الله؟ الشيخ: أقول: هذا مشكل؛ لأنه ورد في الرواية الصحيحة أن النبي صلى الله عليه وسلم رقته عائشة ورقى نفسه وطلب لبعض أهل بيته الرقية، ورقاه جبريل، وقال: (استرقوا لها فإن بها النظرة)، واسترقى لأبناء جعفر بن أبي طالب. هذه تحصل في البيت النبوي وهي التي جعلت بعض العلماء يتحفظون على الزيادة الموجود فيها: (ولا يسترقون) وأنا أتوقف في المسألة ولا أستطيع أن أجزم بشيء.

منزلة قارئ القرآن في الجنة

منزلة قارئ القرآن في الجنة المقدم: جاء في الحديث أن قارئ القرآن يرقى في الجنة حسب ما لديه من القرآن، فما معنى ذلك؟ الشيخ: الأعمال الصالحة لها دور كبير في قضية العلو في الجنة، وقارئ القرآن من أعظم أهل الجنة مكانة، بل أهل القرآن هم أهل الله جل وعلا وخاصته. والجنة درجات متفاوتة، ويقال كذلك: إن النار درجات ولكنها يقال لها (دركات). والجنة درجات متفاوتة، أكثر من مائة درجة، وبين الدرجتين مثل ما بين السماء والأرض، وهذه مبنية على العمل، ولقد قلنا مراراً: إن الناس يدخلون الجنة بفضل الله لكن منازلهم في الجنة مختلفة، فمنازل الأنبياء والمرسلين غير منازل غيرهم، وكل بحسب ما قدمه من عمل صالح.

أسباب دخول الجنة

أسباب دخول الجنة المقدم: ما هي أعظم الأسباب التي ممكن أن يدخل الإنسان بها الجنة؟ الشيخ: الجنة جعلنا الله وإياكم من أهلها من أعظم الغايات وأجل العطايا وأصفى الهبات، الجنة دار وعدها الله جل وعلا عباده، قال ربنا تبارك وتعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا * خَالِدِينَ فِيهَا لا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا} [الكهف:107 - 108]. وقال عن أوليائه المتقين: {الجَنَّة عَرَّفَهَا لَهُمْ} [محمد:6]. وأعظم سبيل إلى الجنة توحيد الرب تبارك وتعالى، وحظ الإنسان من ربه جل وعلا بقدر ما لله تبارك وتعالى من قدر في قلبه، قال الله جل وعلا ينعي على أهل الإشراك عدم معرفتهم بربهم: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ قُلْ مَنْ أَنزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى نُورًا وَهُدًى لِلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيرًا وَعُلِّمْتُمْ مَا لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلا آبَاؤُكُمْ قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ} [الأنعام:91]. وقال جل ذكره: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّموَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} [الزمر:67]. الطريق إلى الجنة لا يمكن أن يمر بلا توحيد لله تبارك وتعالى، التوحيد أمر الله به الملائكة -وهم غير مكلفين- لكنهم جبلوا عليه. أمر الله به الجن والإنس: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات:56]. أمر الله به الأنبياء والرسل: {وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ} [الزخرف:45]. وقال الله جل وعلا في أكثر من آية يبين لخلقه وعباده أنه ما أرسل الرسل ولا أنزل الكتب ولا أقام الآيات والشواهد والبراهين إلا ليوحد تبارك وتعالى دون سواه ويدعى من دون غيره: {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ} [الأحقاف:5]. فكلما حقق الإنسان توحيد الرب تبارك وتعالى على الوجه الأتم والنحو الأكمل كان حقاً على الله جل وعلا أن يدخله الجنة، قال معاذ: (قلت: يا رسول الله! ما حق الله على العباد؟ قال: أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً)، فلما أخبرهما ما حق العباد على الله إن وحدوه قال: (أن يدخلهم الجنة). فالسبيل الأعظم من حيث الجملة توحيد الرب تبارك وتعالى، والإنسان لن يصل إلى طاعة ولن يفر من معصية إلا إذا كان عالماً بالرب جل جلاله. والعلم بأسماء الله وصفاته أسمائه الحسنى وقدرة الله تبارك وتعالى من أعظم ما يقرب العبد من ربه الله جل وعلا، فقد نثر الآيات وأقام البراهين وأبان الحجج حتى تدل على كماله جل وعلا وعلى وحدانيته وعلى أنه الخالق وحده دون سواه، وجعل للناس أبصاراً يرون بها هذه الآيات، يرى ذلك البر والفاجر، والمؤمن والكافر؛ لكن المؤمنين الصالحين القانتين الراغبين بما عند الله يرون هذه الآيات ببصيرتهم، فإذا رأوها ببصيرتهم دلتهم على الله: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [آل عمران:190 - 191]. فإذا حشر العباد على أرض بيضاء نقيه لم يعص الله جل وعلا فيها طرفة عين وليس فيها ملك لأحد، جاء أولئك الذين رأوا تلك الآيات فدلتهم على ربهم تبارك وتعالى فأدخلوا الجنة، ثم يكرمهم الله برؤية وجهه الأكرم الذي هو أعظم الغايات، كما قال تعالى: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} [يونس:26]، والزيادة: رؤية وجه الرب تبارك وتعالى. وفي حديث صهيب عند مسلم في الصحيح: (إذا دخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار نادى مناد: يا أهل الجنة! إن لكم عند الله موعداً يريد أن ينجزكموه، فيقولون: وما هو ألم يثقل موازيننا، ألم يبيض وجوهنا، ألم يجرنا من النار، ألم يدخلنا الجنة؟ فيكشف الحجاب فيرون وجه ربهم تبارك وتعالى فلا يلتفتون إلى شيء من النعيم هو أعظم ولا أجل من رؤية وجه الله تبارك وتعالى). والله جل وعلا حتى يربط العباد بهذه النعمة أظهر لهم ضعف المخلوقين أجمعين، فشج رأس نبينا صلى الله عليه وسلم حتى لا يتعلق به الأصحاب، وتكسف الشمس، ويخسف القمر، وتمور الأرض، وتكور الشمس، وتنسف الجبال، وتنشق السماء وتصبح كالمهل، كل ذلك حتى لا يبقى للناس تعلق بأحد إلا الله. ألا يرى المؤمن أن الله جل وعلا رزق إبراهيم ابنه إسماعيل على الكبر فتعلق قلب إبراهيم بإسماعيل، فلما أراد الله جل وعلا أن يخرج حب إسماعيل من قلب أبيه إبراهيم حتى لا يكون في قلب إبراهيم أحد إلا الله أمره الله جل وعلا بذبحه، فساق الأب ابنه إلى الموت فوضعه على الجبين حتى لا تلتقي العينان فيتغير العزم الذي فيهما، يقول الله: {فَلَمَّا أَسْلَمَا} [الصافات:103]، أي: إسماعيل وإبراهيم من قبل قلبهما لله ولم يبق في قلبهما أحد غير الله، قال الحق تبارك وتعالى: {قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ * وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ} [الصافات:105 - 17]. يقول ربنا على لسان الخليل نفسه: {وَلا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ * يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الشعراء:87 - 89]. يدخل الجنة ويفوز برؤية الله من سلم قلبه من الشرك وملئ بالتوحيد، من سلم قلبه من البدعة وملئ بالسنة، من سلم قلبه من الغل والحقد والحسد وملئ بالإيمان وحب الخير للناس؛ فهذا أعظم ما يدخل الناس الجنة، قال عليه الصلاة والسلام: (إن الله سيخلص رجلاً من أمتي على رءوس الخلائق يوم القيامة ينشر له تسعة وتسعين سجلاً كل سجل مد البصر، فيقول الله له: يا عبدي أظلمك كتبتي الحافظون؟ أتنكر مما ترى شيئاً؟، يقول: لا يا رب، فيقول الله جل وعلا له: إن لك عندنا بطاقة، فيقول: يا ربي! وما تغني هذه البطاقة أمام هذه السجلات)، وفي البطاقة: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله، قال عليه الصلاة والسلام: (ووضعت البطاقة فرجحت فطاشت السجلات)، ولا يثقل مع اسم الله شيء. هو دين رب العالمين وشرعه وهو القديم وسيد الأديان هو دين آدم والملائك قبله هو دين نوح صاحب الطوفان هو دين إبراهيم وابنيه معاً وبه نجا من لفحة النيران وبه فدى الله الذبيح من البلى لما فداه بأعظم القربان هو دين يحيى مع أبيه وأمه نعم الصبي وحبذا الشيخان وكمال دين الله شرع محمد صلى عليه منزل القرآن. المقصود: أن السبب الأعظم في دخول الجنة توحيد الله ومحبته وإجلاله وتعظيمه، والله جل وعلا ذم أهل الكفر بقوله: {إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ} [الصافات:35]، فاستكبارهم عن هذه الكلمة: {أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ} [ص:5]، كل ذلك رده الله تبارك وتعالى.

حدود الجد الذي تتبعه ذريته في الجنة

حدود الجد الذي تتبعه ذريته في الجنة Q بالنسبة للآية الكريمة: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ} [الطور:21]، فإذا كان أحد من الصحابة رضي الله عنهم داخل الجنة وتوجد ذريته الآن في هذا الزمان، فهل الذرية تتبع هذا الصحابي؟ A الأصل الشرعي في الذرية الجد الخامس، هذا الذي يعلق به الذرية عموماً ولا يجزم به في هذه القضية، لكن مثلاً نقول: إن النبي صلى الله عليه وسلم من بني هاشم، فهو محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف، إذا أخذنا بالذرية على إطلاقها فأبناء الصحابة اليوم يحلقون بهم، لكن الذي يتبادر من كلام الله وكلام رسوله أنهم لا يدخلون إلا إذا كانوا قريبين، أي: الجد الثالث أو الجد الخامس، والأفضل عندي أن نعتبر بالنبي صلى الله عليه وسلم، فهو محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم، وهو الجد الثالث. وحصره في الجد الخامس عليه أعمال الناس؛ لكن الشرع يدل على ربطه بالجد الثالث.

الحور العين لسن من نساء الدنيا

الحور العين لسن من نساء الدنيا المقدم: سائلة تسأل عن نساء الدنيا هل يصبحن حوراً أم ماذا؟ الشيخ: هذا فيه خلط، فالحور العين لسن من نساء الدنيا، بل خلق ينشئه الله جل وعلا في الجنة، أما النساء المؤمنات في الدنيا اللاتي يدخلهن الله الجنة فلسن من الحور، بل الحور ينشئهن الله على سن آدم على هيئة حواء، يعني: بطول آدم. قال تعالى: {إِنَّا أَنشَأْنَاهُنَّ إِنشَاءً} [الواقعة:35]. ومعنى (حور عين) (عين): جمع عيناء أي: واسعة العين، و (حور) جمع حوراء، وهي شديدة بياض العين شديدة سواد العين في نفس الوقت. والعرب: المتحببة المتغنجة لزوجها ونظيره قول جرير: فؤادك غير. تقول فؤادي من هواه على رماحي عراباً لم مع النصاري ولم يأكلن فعراب: أي: متقربة إلى صاحبها على القول بأن هذا، قال آخرون: بمعنى أنه

معنى: (لا أجمع لعبدي أمنين ولا خوفين)

معنى: (لا أجمع لعبدي أمنين ولا خوفين) المقدم: سائل يسأل عن حديث: (لا أجمع لعبدي أمنين ولا خوفين، إن أمن في الدنيا خاف في الآخرة)؟ الشيخ: هذا أثر لا أعلمه عن النبي صلى الله عليه وسلم. لكن المعنى صحيح، فإن الله لا يجمع أمنين لكن الأمن نسبي والمعنى: أنه إذا وجد إنسان أمن الله تماماً فهذا كافر أي: إذا قال: إن الله جل وعلا لن يدخلني النار فهذا كفر، وهذا هو ما زعمته اليهود من قبل، قال تعالى: {قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدًا فَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ} [البقرة:80]، لكن المتلبسين بالمعاصي ليسوا كذلك.

كثرة النساء في الجنة والنار

كثرة النساء في الجنة والنار المقدم: هناك قضية قد تشكل على بعض الأخوات، وهو ما ورد أن النساء أكثر أهل الجنة وأهل النار، وورد أيضاً أنهن أكثر أهل الجنة، فكيف يجمع بين الحديثين؟ الشيخ: لقد جمع بينهما بعض العلماء كـ القرطبي وغيره، والذي يظهر والله أعلم أن خلق الله للنساء أكثر من خلقه للرجال، ينعكس عليه أنه قبل أن يخرج عصاة المؤمنين من النار يكون النساء في الجنة قليل، فإذا خرج عصاة المؤمنين بما فيهم النساء من النار صرن أكثر من الرجال، فهذا باعتبار أن خلق النساء أكثر من خلق الرجال، هذا تخريج! التخريج الآخر قالوا: هذا بالنظر إلى الحور العين؛ لأن المؤمن يعطى حوريتين في الجنة إضافة إلى أهلها من نساء الدنيا، فتكون النساء أكثر إذا نظرنا إليهن بمجموع النساء الحور وغير الحور، وتكون النساء أقل إذا أخرجنا الحور.

توجيه للمرأة المسلمة حول التغريب

توجيه للمرأة المسلمة حول التغريب المقدم: نرجو أن تختم بإشارة يسيرة فيها توجيه للأخوات حول ما يثار الآن من تغريبهن؟ الشيخ: جعل الله البيت جنة للمؤمنات في الدنيا، والمؤمن يتحسر عندما يرى بعض أبناء جلدتنا ممن يدينون بالإسلام يسعون إلى إخراجها من ما كتب الله جل وعلا أن تستقر فيه. أخاطب المرأة نفسها، فإنه لا يحبب المرأة إلى الرجل أكثر من حيائها، هذا من حيث الحظ الدنيوي، ومن حيث الحظ الأخروي فإن الله جل وعلا جعل من النساء كـ خديجة وآسية ومريم عاكفات في بيوتهن فيما يظهر من سيرتهن العطرة رضوان الله تعالى عليهن أجمعين. كل ما أريد أن أقوله: إنها بالانحلال توضع في شراك ينبغي عليها أن تتحرز منه، وأن تتقي الله في الدنيا حتى يكرمها الله جل وعلا بها برؤيته في الآخرة.

الإنصاف

سلسلة القطوف الدانية - الإنصاف الإنصاف أمر عظيم يطلبه الشرع ويحث عليه؛ لكنه عزيز بين الناس، فلا يتحلى به من الناس إلا القليل، وله قواعد يجب أن يعمل بها من يريد أن يكون منصفاً، وأن يجاهد نفسه على ذلك.

الفرق بين الإنصاف والعدل

الفرق بين الإنصاف والعدل الملقي: صاحب الفضيلة! موضوع هذه الحلقة (الإنصاف) يدعي الكثير من الناس أنه يتصف بهذه الصفة، ولكن في محك التعاملات يتبين هل هذا الإنسان في هذه الحالة أو في هذه الدرجة الرائعة أو لا؟ الإنصاف مفردة كبيرة جداً، قد تكون مرادفة أو مقاربة لمفردة العدل، أحياناً يخلط الكثير من الناس بينهما فنريد فضيلة الشيخ بيان المقصود من الإنصاف. الشيخ: الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام رسول الله، سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم. نقول مستعينين بالله جل وعلا: الإنصاف مفردة يتغنى بها الأكثرون، كل يريد أن يكون رجلاً منصفاً. الفرق بين الإنصاف والعدل: أنه إذا كان الحكم على الأشياء بناءً على معايير وقوانين خارجية فهذا عدل، وإذا كان الحكم يخرج من النفس دون أن يكون بين أكثر من شخص، فهذا يسمى إنصافاً. مثلاً: الرجل المتزوج أكثر من امرأة لديه ضوابط شرعية في التعامل معهن، وقد رخص الله له في قضية الفراش، ورخص الله له في قضية المحبة القلبية التي لا يملكها، وما سوى ذلك فهو مطالب بالعدل، فالعدل: أن يساوي بينهن في النفقة وفي المبيت وفي غير ذلك. هذه المسألة تسمى عدلاً، ولا يسمى ذلك إنصافاً، لكن من يتعامل مع شخص لوحده ولا توجد معايير خارجية وقوانين خارجية تحكم التعامل إلا مقدار ما يتحلى به من أخلاق وصفات وخصائص -كما سيأتي بيانها- فإذا أجحف إما أن يجحف وإما أن يغلو، فإذا أصاب الكبد الحقيقة سمي هذا إنصافاً. المعلم الذي لديه في فصله طلاب وعنده معايير في درجات أعمال السنة فالعدل: أن يطبق تلك المعايير على كل أحد دون تفرقة، فهذا لا يسمى إنصافاً ويسمى عدلاً، لكنه تعامله البيتي الذي فيه روح الحماس مع الطالب الجيد يعاتبه إن كان دون ذلك، هذا حكمه على الطالب حكماً عاماً من غير تقييم عندما يسأله والده ومديره أو شخص آخر، هنا يحتاج المرء إلى مفردات الإنصاف ويحتاج إلى خصائص عامة. يقولون في قضايا الإنصاف: الإنسان يحتاج إلى من ينصف، وأكثر الناس حاجة إلى أن ينصف من كان في رفعة ثم ابتلي فأصبح في أقل منها، تقول: بنت أحد المناذرة الذين كانوا يحكمون الشام قبل الإسلام: فبينا نسوس الناس والأمر أمرنا أصبحنا فيهم سوقة نتنصف نتنصف: نطلب من الناس أن ينصفونا، فنحن انتقلنا من درجة الملوك إلى درجة السوقة والفرزدق يقول مفتخراً: ترى الناس ما سرنا يسيرون خلفنا وإن نحن أومأنا إلى الناس وقّفوا إلى أن قال: فلا عز إلا عزنا قاهر له ويسألنا النصف الذليل فينصف الذليل: فاعل (يسأل)، وما قبلها مفعولين قدما ونصبا، والمعنى: أن الذليل من الناس يطلب منا أن ننصفه بقدرتنا على الإنصاف ورد اعتباره فننصفه، هذا تحرير الخطاب فيما يغلب على الظن بين الإنصاف والعدل. الملقي: أليس بينهما عموم وخصوص؟ الشيخ: ممكن أن يكون الإنصاف نوعاً من العدل فالعدل أعم لكن الإنصاف كما قلت يكون في شيء واحد بخلاف العدل.

أبرز الصفات التي يتحلى بها المنصف

أبرز الصفات التي يتحلى بها المنصف الملقي: بارك الله فيك، هناك خصائص وصفات لابد لمن يريد الإنصاف أن يتحلى بها، فما هي أبرز هذه الصفات؟ الشيخ: أبرزها المعرفة، والتجرد من الهوى، والنظرة الشمولية والتماس الأعذار، هذه الأربع إذا وجدت في أحد أصبح قادراً على أن يكون منصفاً. وتحقيق هذه الخصائص ليست من الصعوبة بمكان، وهي مسألة بشرية فبالإمكان تحقيقها، ما دام في الناس منصفون.

عدم الإجحاف في مقابل الغلو

عدم الإجحاف في مقابل الغلو الملقي: كنا نتحدث عن الخصائص الرئيسية للإنصاف، وهي أربع خصائص: المعرفة، التجرد من الهوى، النظرة الشمولية، التماس الأعذار. هذه أسس وقواعد لابد لها من حواش أو أشياء تساند هذه الأشياء الأربعة وتكملها، فما هي؟ الشيخ: مما تجب مراعاته مع تلك الخصائص أن نعلم أنه ليس من الإنصاف أن نجحف في حق من له حق؛ لأن غيرنا بالغ فيه، وهذا مثال من القرآن: عيسى ابن مريم عليه السلام زعمت النصارى أنه ابن الله، وفي بعض أقوالهم أنه الله، وفي بعض أقوالهم أنه ثالث ثلاثة، وهذا غلو مذموم شرعاً، لكن ذلك لا يعني ألا ننصفه ولا نعرف له المقام الذي أعطاه الله جل وعلا، فمن أجل ذلك أثنى الله تبارك وتعالى عليه، قال ربنا: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ} [الأحزاب:7]، فعده خامس أولي العزم من الرسل، وقال جل وعلا: {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ} [الشورى:13]، فغلو النصارى في عيسى بن مريم لم يمنع القرآن أن يأتي بالإنصاف في حقه، هذا التأصيل الأول. هذا التأصيل يدفعنا إلى الواقع، فثمة أشياء في حياتنا نشعر بانقباض نحوها خوفاً أن نتهم بأننا مبالغون فيها، فأردنا أن نفر من الباطل، فلم نصب الحق. فمثلاً: الحسن والحسين سبطا رسول الله صلى الله عليه وسلم، بالغت الرافضة فيهما وغلوا فيهما غلواً شنيعاً وفي علي أيضاً، ولذلك فجمهرة الناس وطلاب العلم لا يتحدثون عن الحسن والحسين، وجمهرة الناس لا يسمون باسم الحسن والحسين، ويتحاشا المتصدر في مجلس أن يتكلم بـ الحسن والحسين خوفاً من أن يتهم، وهذا إجحاف في حق السبطين وهما ريحانتا رسول الله صلى الله عليه وسلم. والعذر عند الناس في هذا أن طائفة من الناس غلت فيهما، والأصل أنه لا يمنعنا ذلك الغلو أن ننصفهما، فمن الخطأ جداً أن يدفع ذلك إلى الإجحاف، وشيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمة الله تعالى عليه، وهو الإمام المجدد كان من أسماء أبنائه الحسن والحسين وفاطمة، وذلك لأنه عالم، والعلم نور. فليس من الصواب أن نجحف في حق الناس لأن زيداً أو عمراً غلا فيهم، مثلاً: ذكر الله تبارك وتعالى في القنوت، فلا يأتينا إنسان فنخشى أن نذكر الله عنده خوفاً من أن يتهمنا بأننا من غلاة الصوفية؛ لأن غلاة الصوفية لهم طريقة معينة في الذكر تنكر وتشنع وتبدع، إذا كانت على غير منهج سلف الأمة، وعلى غير منهج النبي صلى الله عليه وسلم، لكن لا يعني ذلك أبداً أن نسعى في أن نحرم أنفسنا من الخير بدعوى أنه تلبس به أهل الباطل، ويوجد منا من يقدم للناس الخير في قالبه الصحيح، هذه أولى.

معرفة ما هو الإنصاف

معرفة ما هو الإنصاف الملقي: سنبدأ بالمعرفة، ولعلي أبدأ بالقاعدة المشهورة، أعني الحكم على الشيء فرع عن تصوره؟ الشيخ: نعم، الحكم على الشيء فرع عن تصوره، وينبغي أن نعرف أول الطرائق إلى الإنصاف؛ لأن الإنسان عدو ما يجهل، فإذا جهل شيئاً أصبح غير مقبول في الحكم عليه، ولذلك كثير من الأشياء نجهل تعليلها ولا نفقه لماذا وقعت؛ لأننا لا نعرف كل شيء عنها، فنبدأ بمثال بسيط من السنة. حكى عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه كان مع النبي صلى الله عليه وسلم في غار، فينزل عليه صلى الله عليه وسلم القرآن {وَالْمُرْسَلاتِ عُرْفًا} [المرسلات:1] قال: فبينا نحن نأخذها رغبة من فيه صلوات الله وسلامه عليه إذ خرجت حية، فقال صلى الله عليه وسلم: (ابتدروها فاقتلوها، قال ابن مسعود: فابتدرناها فدخلت، فقال عليه الصلاة والسلام: وقاكم الله شرها كما وقاها شركم)، وفي رواية أخرى حسنها الألباني نسبة إلى هذا الشاهد: (أنه أمر بإدخال نار حتى تخرج). موضع الشاهد هنا: من كان يجهل قضية الحية يتعجب من هذا الفعل، فيأتي إنسان ذو بضاعة مزجاة فيقول: هذا نبي الأمة والصحابة حوله يقرءون القرآن فتخرج حية فقاموا إليها وكان المفروض أنهم منشغلون بالذكر وبالخشوع؛ لأن عنده الجهل بالحية. فلأن النبي صلى الله عليه وسلم عرف أن الحية عدو لم يترك لها مجالاً، ولهذا قال في حديث آخر: (الحية أخت العقرب)، وقال: (لعن الله العقرب ما تدع نبياً ولا غيره)، وفي حديث: (لا تدع مصلياً ولا غيره). هذا المثال البسيط يبين لنا أن المعرفة بالشيء تجعل الإنسان متصوراً لأشياء كثيرة، فلهذا يحتاج إلى المعرفة كل من يريد أن ينصف أحداً أو يحكم على أحد؛ لأن الإنصاف فرع عن الحكم لما يريد أن يحكم عليه، والحكم فرع عن المعرفة. وبعبارة أخرى: الإنصاف نوع من الحكم، والحكم فرع عن المعرفة، لكن من كان جاهلاً لا يمكن أن ينصف، والإنسان الذي جهل نفسه جهل قدره، فإذا جهل من حوله لم يحسن التعامل عليها، كالباعة مثلاً أو السوقة لا يعرفون قدر العلم، ولا يعرفون قدر العلماء. وهكذا كل أحد يجهل أحداً يكون تعامله معه بإجحاف لا بإنصاف، بخلاف من كان يعرف فهذا أقرب إلى الإنصاف من غيره، ولهذا جعلنا المعرفة باب كل شيء وجعلناها المعيار الأول، فلن يعبد الله إلا من يعرف الله، فالمعرفة مدخل عظيم لكل شيء.

التجرد عن الهوى

التجرد عن الهوى الملقي: ذكرتم هذه الخصائص قبل قليل، وثاني هذه الخصائص: هو التجرد من الهوى؟ الشيخ: إن الهوى في طبعه غلاب. والتجرد من الهوى مرحلة أو نقطة أساسية في حصول الإنسان على الإنصاف، وبالأمثلة تتضح الأمور كثيراً، هناك كتاب: (المائة الأوائل) ألفه دكتور ماركل هارت، أراد أن يجمع فيه بعد أن استقصى التاريخ استقصاء معرفية، ولذلك قدمنا المعرفة، بعد أن نظر في الأشخاص الذين أثروا في التاريخ، وكانت لهم أقدام راسخة: يقول شوقي: ليس الخلد مرتبة تلقى وتؤخذ من شفاه الجاهلينا ولكن منتهى همم كبار إذا ذهبت مصادرها بقينا وسر العبقرية حين يسري فينتظم الصنائع والفنونا وأخذك من فم الدنيا ثناءً وتركك في مسامعها طنينا هذا الرجل تجرد أولاً من هواه، وهو مسيحي، لكنه جعل المسيحية وهو يحكم وراء ظهره، وبحسب معايير وضعها متجرداً من الهوى، نظرت الأشخاص المؤثرين في تاريخ البشرية كلهم من آدم إلى أن تقوم الساعة. والمهم أنه كان متجرداً من الهوى، ثم من غير حساب وجد أن النبي صلى الله عليه وسلم هو الأول، وهو يقدم الكتاب للعالم المسيحي يقرءونه فجعل النبي عليه الصلاة والسلام في الأول وجعل إسحاق في الثاني، والثالث: عيسى بن مريم، وجعل السادس عشر موسى، والسابع والعشرين: جورج واشنطن، والواحد والخمسين: عمر بن الخطاب، وهكذا، وكان يحتاج إلى دعم بياني في سبب اختار النبي صلى الله عليه وسلم؟ فقال: وجدت أن هذا الرجل أكثر الرجال في تاريخ البشرية تأثيراً دينياً ودنيوياً. ونحن نعلم ذلك يقيناً معشر المسلمين. فالشرف للكتاب لا له هو عليه الصلاة والسلام فقد زكاه ربه، زكى الله جل وعلا صدره، زكى الله جل وعلا بصره ومر معنا هذا كثيراً، يكفيه قول الله: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ} [الأنفال:33]، فالله جعل هذا النبي الكريم أمنة من العذاب، لكن الذي يعنينا هنا هو التجرد من الهوى، فلهذا نحكم على هذا المؤلف: ماركل هارت أنه كان رجلاً منصفاً. وقد بدأت به؛ لأنه رجل أنصف النبي صلى الله عليه وسلم، لكن في تاريخنا الإسلامي مثلاً، كلنا يعرف قضية حادثة الإفك، فـ عائشة رضي الله عنها رميت بـ صفوان بن المعطل، ثم برأها الله، فمن اتهمها بعد تبرئة الله جل وعلا فقد رد على الله جل وعلا كلامه. الذي يعنينا من القضية هذه أن النبي صلى الله عليه وسلم بمقتضى البشرية لما تأخر الوحي عنه استشار من حوله، وممن كان حول عائشة زينب بنت جحش رضي الله عنها وأرضاها التي زوجها الله لنبيه، وهي المنافسة لـ عائشة في قلب النبي صلى الله عليه وسلم، فلما سأل النبي صلى الله عليه وسلم زينب رضي الله عنها وأرضاها، قالت: (يا رسول الله: أحمي سمعي وبصري ولا أقول إلا خيراً)، تقول أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وأرضاها: (فعصمها الله بالتقوى، رغم أنها هي التي كانت تساميني من زوجات النبي صلى الله عليه وسلم). وهذه مرحلة عليا في الإنصاف، مع أن أختها حمنة بنت جحش رضي الله عنها وأرضاها وقعت في حديث الإفك، تريد أن تنصر أختها وصدق الله إذ يقول: {وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ} [الأعراف:26]. هناك مثال آخر: من المعلوم أن الأندلس دخلت الإسلام في عهد بني مروان، ثم ظهرت دولة بني العباس على يد أبي العباس السفاح، ثم آلت الخلافة إلى أبي جعفر المنصور المؤسس الثاني لدولة بني العباس. في تلك الفترة ظهر عبد الرحمن بن معاوية بن عبد الملك بن مروان المعروف بـ الداخل، ودخل الأندلس بمفرده وأسس فيها الدولة الأموية وأقام ملكاً استمر قرابة ثلاثة وثلاثين عاماً، كان يكنى بـ أبي المطرف وهو يعرف بـ الداخل، من الذي لقبه صقر قريش؟ الذي لقبه بـ صقر قريش غريمه وخصمه أبو جعفر المنصور. فمعنى ذلك: أن أبا جعفر المنصور ارتقى إلى مرتقى عال جداً في قضية الإنصاف، حتى يقال: من بطش عبد الرحمن الداخل أن أبا جعفر المنصور بعث له أناساً يقتلونه، لكن ظفر بهم عبد الرحمن الداخل فقطع رقابهم وكتب أسماءهم ثم علق الورقة المكتوب فيها اسم كل واحد منهم في إذنه. فأصبحت الرأس معلقة في الورقة في أذنه، ثم وضعها في جوالق أشبه بالبراميل الكبار، ثم أعطاها تاجراً ثقة لديه، وقال: اذهب بها إلى مكة، فأدخلها التاجر الحجاز فوافق تلك السنة موسم الحج وكان المنصور قد حج بالناس، ووضع له عند باب إقامته، فلما خرج أبو جعفر رأى تلك الرءوس، وفيها رأس سيدهم الذي بعثهم، فلما رأى رأس سيدهم الذي بعثهم قال: الحمد لله الذي جعل بيننا وبينه البحر! موضوع الشاهد: أن أبا جعفر كان منصفاً عندما نعت عبد الرحمن الداخل بأنه صقر قريش. هذه الأمثلة ليس المقصود منها الإشباع المعرفي، وإنما المقصود أن نتحلى به في تعاملنا مع الناس، وهذا هو المهم جداً من البرنامج، والغرض من إيراد هذا الموضوع أن نكون منصفين عندما نتحدث عن غيرنا، مثل زميل في العمل، أنت إمام وهو إمام، أنت مؤذن وهو مؤذن، أنت مدير وهو مدير، أنت أمير وهو أمير، وهكذا في الحديث عن الأنداد أو عن المدراء أو عن الجيران, ينبغي أن يكون حكمنا على الناس بإنصاف متجرداً من الهوى، لكن مغالبة الهوى كما تعلم أمر صعب جداً لا يستطيعه إلا القليل، وما ذم الله شيئاً في كتابه مثلما ذم الهوى: {أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا * أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا} [الفرقان:43 - 44].

النظرة الشمولية

النظرة الشمولية الملقي: ما هي النظرة الشمولية من أجل حصول الإنصاف؟ الشيخ: النظرة الشمولية مهمة في سائر الأشياء التي نريد أن نصل إليها ونبتغيها، ومن أهمها الإنصاف، الإنسان إذا كان نظرته نظرة متكاملة كان حكمه على الأشياء منصفاً؛ لأنه لا ينظر إلى جزئية فقط، لأن من يريد عيباً سيجد، ومن يريد حسناً سيجد، فإذا أراد أن يمدح أغمض عينيه عن المعايب، وإذا أراد أن يذم أغمض عينيه عن المحاسن. لكن الصواب أن يلتفت إلى الأشياء وينظر إليها نظرة كاملة، قال ابن رجب رحمه الله: يأبى الله العصمة إلا لكتابه، والمنصف من اغتفر قليل خطأ المرء في كثير صوابه. ومالك يقول: ما منا إلا راد ومردود عليه. فمثلاً: تعامل الرجل مع زوجته، فهي ليست حاملة لكل المواصفات التي يبتغيها الرجل، والرسول صلى الله عليه وسلم قال: تنكح المرأة لكذا ولكذا ولكذا، ثم قال: (فاظفر بذات الدين تربت يداك)، يعني: التي تجمع الصفات الأربع من النساء قليل، لكن المقصود قال عليه الصلاة والسلام: في حديث آخر حتى يوازن الكفة: (لا يفرك مؤمن مؤمنة إن سخط منها خلقاً رضي منها آخر)، فقد تكون المرأة ليست على حظ من الجمال، لكنه لا يمنع أن يكون هناك حظ من دين، هناك حظ من رأفة بزوجها، هناك حظ من حنان، هناك حظ من قدرة على رعاية أبنائها، وقد تكون فيها حظ من جمال، في حظ من منظر آخر، النظرة الشمولية هي التي تخفف ما يجده الرجل أحياناً من عناء، فتكون هذه النظرة الشمولية دافعة للإنصاف. بالطبع كما تحتاج المرأة إلى أن ينصفها زوجها، يحتاج الزوج إلى تنصفه زوجه، فإذا وجدت في زوجها خلقاً معيباً، ينبغي أن تنظر إليه نظرة شاملة ثم تقيس المحاسن على المساوئ، وإيجابياته على سلبياته، ثم تستطيع بعد ذلك أن تنصفه وتحكم عليه حكماً مميزاً. فالنظرة الشمولية للأشياء هي التي جعلت الكثير من الناس يسير في طريقه، لكن أصحاب النظرات الجزئية الذين يقفون عند كل فقرة، ولا يقبلون أن يقيلوا أي عثرة، هؤلاء لا يمكن أن ينصفوا، حتى العرب لما ذكرت الأصحاب وذكرت الخلطاء بينت أن الصديق لا يمكن أن يصفو على كل حال، ولا الأخ ولا الوالد ولا الولد ولا الزوجة، لابد من التفاوت، لابد من التباين، لا بد من الاختلاف. إذا أنت لم تشرب مراراً على القذى ظمئت وأي الناس تصفو مشاربه فعش واحداً أوصل أخاك فإنه مقارف ذنب مرة ومجانبه فتارة مصيب وتارة مخطئ، لكن يجب أن تكون لدينا نظرة شمولية في الأشياء من حولنا.

التماس الأعذار

التماس الأعذار الملقي: ذكرتم أن التماس الأعذار حاجة ملحة في أهل الإنصاف، كيف يكون ذلك والإنسان يعاني مثلاً من ضغطة الموقف، يعني أحياناً ليس للإنسان متسع حتى ينظر هذه النظرة الشمولية ويلتمس هذا العذر؟ الشيخ: التماس الأعذار ينبئ عن علم الإنسان بواقعه، فالإنسان المنصف يعلم، كما أن في حياته الصعود الصوارف منزلة عند غيره، كثير ممن حولها، نحبهم ونجلهم ونودهم، لكن أن نواصلهم، لكن الصوارف حولنا تمنعنا من أن نضرهم، فلأجل ذلك ينبغي على غيرنا كما ينبغي علينا أن يلتمس بعضنا لبعض العذر في حال الإخلال بذلك البر والصلة المطلوبة، فمن الإنصاف أن يكون الإنسان ذا عذر للناس، يعني أن الإنسان إذا كان يعتذر فهو دليل على سلامة قلب، ورحابة صدره، وسمو خلقه وحلمه، ومعناه أن لديه قدرة على أن يعيش مع الخلق. لكن الذي يعاتب على كل صغيرة وكبيرة ويؤنب عليها ويجعل منها مشكلة كبرى لن يستمر معه أحد، لكن العاقل حتى يكون منصفاً يعلم أنك إذا وثقت بأحد ينبغي أن تسلم بأن له عذراً، ينبغي أن تسلم أنه ليس من المعقول أن نصل بخلطائنا وأصحابنا وأصدقائنا ومشايخنا إلى الذروة ثم عند أدنى خطأ ننزلهم، فكيف رفعناهم في الأصل إذاً؟ لكن يمر معنا كثيراً في قضايا الحديث فلان تجاوز القنطرة، وهذه درجات واختبارات مرة وأمور مضت وانتهت، فإذا حدث زلل أو خلل أو عثرة عذر الشخص، لأننا لو ملكنا الوصول إلى القلب لعلمنا أن له عذراً، وإن كنا لا نعرف ذلك العذر، قال مالك رحمه الله: ما كل الناس يستطيع أن يبيح بعذر. وأحياناً إنسان يعطي مواعيد لا يستطيع أن ينجزها؛ لأن الإنسان يعطي موعداً قبلها بفترات طويلة، والغيب غيب لا يعلمه إلا الله، ثم تأتي صوارف قادحة لا يستطيع معها الوفاء، وهي كما تأتي على الرجل تأتي على المرأة، فالإنسان العاقل يقبل العذر. وأنا أسجل هنا كلمة شكر للإخوان في جامع النور في الرياض، فأنا أعطيتهم موعداً إلى الإثنين القادم، لكن وجدت أني لا أستطيع، فلما اعتذرت لهم الليلة قبل البرنامج قبلوا العذر على أن يؤجلوا إن شاء الله تعالى إلى شعبان، فنشكر لهم ذلك، وهذا من دلائل تحليهم بالإنصاف.

حكم المحاباة بالدرجات بين الطلاب

حكم المحاباة بالدرجات بين الطلاب الملقي: سائلة تقول: إذا أعطى المعلم الطالب درجات زائدة عل درجاته لسبب ما، هل هذا من الإنصاف؟ الشيخ: أنا كنت يوماً معلماً، وهناك أشياء لا يمكن الفرار منها، لكن هذه الزيادة التي طلبتها السائلة لا تعطى جزافاً؛ لأن ذلك يخالف الأنظمة، فإذا أردنا أن نحسن إلى طالب فالمعمول به في الواقع ثلاث طرائق: الطريقة الأولى: أن يكلف الطالب بشيء خارجي -يسمونها وسيلة- يشتريها عند دخوله ويأخذها المعلم أو المعلمة فيرميها، لكن هو يريد أن يجعلها حجة، فهذا أظن أن الوزارة تمنعه وأنا أمنعه بتاتاً؛ لأنها مبنية على الدينار والدرهم، والدينار والدرهم يختلف الناس فيهما، وليسا معياراً. الطريقة الثانية: إعطاء لطالبات دون طالبات من غير معيار، يعني: فلان ضعيف أعطوه خمس درجات، وفلان طيب أعطوه ثلاث درجات. الحالة الثالثة: وهي التي ينبغي العمل بها: إذا قررنا أن ننفع أحداً ننفعه بطريقة علمية، فنكلفه بواجب، أو بتمرين، حتى لو كان صح وخطأ أو أكمل الفراغ. قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ} [النحل:90]، قالوا: والعدل معروف، والإحسان زيادة، كما في بعض التفاسير، لكن بهذه الطريقة يمكن أن تحل المشكلة، أما الإعطاء المجرد فليس بصواب.

حكم تقصير الزوجة في حق الزوج حتى يرتدع

حكم تقصير الزوجة في حق الزوج حتى يرتدع الملقي: تقول السائلة: زوجي مقصر معي، فهل يجوز أن أبادل التقصير بالتقصير في حقه حتى يرتدع؟ الشيخ: نعم، إذا بادلت التقصير بالتقصير جاز من حيث الأصل: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} [الشورى:40]، لكن حق الزوج على زوجته عظيم: (لو كنت آمراً أحداً أن يسجد لأحد لأمرت الزوجة أن تسجد لزوجها)، فلا يعدل حق الزوج على زوجته شيء، لأن حقه على زوجته أعظم من حق والديها عليها، فالمرأة ينبغي عليها أن تراعي هذا جيداً، وهذا أمر مهم، لكنها إذا أرادت بتقتيرها لفت نظره وردعه وبيان الأمر له فهذا محتمل ولا تأثم إن شاء الله.

الصبر على أذى الجار

الصبر على أذى الجار الملقي: الأخت تقول: ماذا تفعل حينما يكون الجار مؤذياً، وهو قريب لكنها تلقى منه هذه الأذى؟ الشيخ: الناس في القدرة على تحقيق هذه الأمور يختلفون، فإن كانت عاجزة عن الصبر فأنا أنصحها بالانتقال، والقرابات ينبغي أن يتزاوروا ولا يتجاوروا، هذا يؤثر عن عمر رضي الله تعالى عنه وأرضاه، لكنها إذا ابتليت فعليها بالصبر، النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن كنت كما قلت فكأنما تسفهم المال)، يعني: الرماد الحار، وإذا ردت الأذية أحياناً تأديباً لهم فلا حرج، لكن الأفضل أن تصبر، والأفضل من حيث التطبيق العملي أن تنتقل، ولذلك استعاذ النبي صلى الله عليه وسلم من الجار السيئ في دار المقامة.

العدل والإنصاف بين الأولاد والزوجات

العدل والإنصاف بين الأولاد والزوجات الملقي: حينما يكون الإنسان لديه مجموعة من الأبناء والزوجات ويتفاوتون في تعاملهم معه وطاعته وبره، فكيف يعمل في الإنصاف؟ الشيخ: اجتمع في هذا السؤال العدل والإنصاف، فهو مأمور أن يعدل بينهم، وهو مأمور أن ينصف، لكن ليس العدل كالإنصاف كما تقدم، فنفرض أن هذا السائل حفظه الله له أربعة أولاد ذكور، فلا يجوز له أن يهب أحداً منهم شيئاً لم يهبه للآخر، ولو كان أشد ضراً، فهذا هو العدل. لكن لو سأله إنسان: أي أبنائك أضر بك؟ فقال مثلاً: أحمد، أو خالد، أو زيد، فهذا جائز، إذاً: هذا إنصاف لأنه إخبار بالواقع. فالأول من باب العدل وهو مأمور به شرعاً، وهو أيضاً مأمور بالإنصاف، لكن الإنصاف غير العدل، فمن الإنصاف أن تقول إن هذا أبر، لكن العدل له قانونه وله ضوابطه التي لا يستطيع أن يتجاوزها، وقد قلنا في الأول: إن العدل قانون خارجي، وأما الإنصاف فشيء داخلي.

حال الشيخ محمد المختار الشنقيطي

حال الشيخ محمد المختار الشنقيطي الملقي: الأخ الكريم يسأل عن الشيخ محمد المختار الشنقيطي. الشيخ: الشيخ محمد المختار الشنقيطي حفظه الله تعالى ورعاه هو شيخنا وأستاذنا وحبيبنا وأخونا، وهو بخير وعافية، وله درس في الحرم النبوي الشريف ما زال مستمراً كل خميس؛ لكن الذي أعرفه أن الشيخ لديه ارتباطات علمية كتابية في إخراج بعض كتب والده وأشباه ذلك منعته حالياً من كثرة المحاضرات، ولذا أنا أطمئن محب الشيخ أن الشيخ ولله الحمد والفضل والمنة بخير وعافية، نسأل الله أن يزيد في فضله آمين.

الإنصاف مع العدو

الإنصاف مع العدو الملقي: سائل يقول: لدي اضطراب حينما أتعامل مع قضايا العدو بحزن أو فرح، لأنه قد يصيب الشر عدواً مسلماً فنطلب كيف يكون الإنصاف والعدل مع العدو؟ الشيخ: قال تعالى: {وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [المائدة:8]، والعدو يختلف، بعض الناس لا يصلح أن تحسن إليه، لأن بعض الناس يحتاجون إلى تأديب والرحمة لا تنفع معهم، وبعض الناس ممكن أن تجره بالإحسان إليه؛ يقول معن بن أوس: أحسن إلى الناس تستعبد قلوبهم فطالما استعبد الإنسان إحسان

القضاء والقدر سر الله في الأرض

القضاء والقدر سر الله في الأرض الملقي: سائل يسأل عن القضاء والقدر. الشيخ: أيها الأخ الصالح! القضاء والقدر سر الله جل وعلا في الأرض، والنبي صلى الله عليه وسلم خرج على الصحابة وهم يتحدثون عن القدر، فقال: (أقسمت عليكم أن تمسكوا)، فنهاهم أن يتكلموا ويخوضوا في القضاء والقدر. وأنا أعطيك قاعدة عامة: ثق أن الله جل وعلا أجل وأكرم وأعظم من أن يظلم، فمن عُذب عُذب بعدل الله، ومن رُحم رحم بفضل الله، ولا يهلك على الله جل وعلا إلا هالك، ولا تخض في هذا الباب ولا تلج فيه أبداً.

قبول الحق من أهل الباطل

قبول الحق من أهل الباطل الملقي: ذكرت في محور سابق أنه ليس من الإنصاف أن يجحف في حق من له حق، أود أن أسأل فضيلتكم عمن ظاهره الباطل ويعمل عملاً باطلاً، ولكن يحصل أحياناً أنه يقوم بعمل حق، فكيف نتعامل مع مثل هذا الأمر؟ الشيخ: من كان ظاهره الباطل فالحق لابد أن يقبل منه، فالحق لا يرد لأنه مصدره الباطل، استدل العلماء على هذا بأن بلقيس كانت كافرة تعبد الشمس، ومع ذلك قبل الله جل وعلا منها بعض قولها: {قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً} [النمل:34]، هذا كلام الله حكاية عنها، ثم قال ربنا خاتماً الآية: {وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ} [النمل:34]. قال شيخنا الشنقيطي رحمة الله عليه: فهذا قبول من الله جل وعلا لقولها، رغم أنها عابدة وثن، وفي هذا دليل على أن الحق يقبل أياً كان مصدره، فمن الإنصاف أن يخبر عن هذا الشيء الحسن الذي قاله، كما أثنى الله جل وعلا على بعض أهل الكتاب للأمانة: {وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ} [آل عمران:75]. والمقصود من هذا: أن الإنسان مهما كان سيئاً يقبل منه الحق إذا وجد، ولا يمنع من قبولنا الحق كونه على باطل في أكثر أحواله. لكن هناك أمثلة على الواقع المرير للتعامل مع مثل هذه الأمور، فكثير من الناس يصادر جهود كثيرة، وهذا للأسف سلوك مشين، حتى إننا لو أردنا أن نطبق هذه القاعدة عليهم أنفسهم لما قبل بعضهم من بعض، لكنها قاعدة مشوبة بالهوى، تطبق على أقوام دون أقوام؛ فالعلماء لما تكلموا عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، قالوا: إن الأمر بالمعروف وفعل المنكر أمران لا يسقط أحدهما بالآخر، نبه على هذا القرطبي وغيره. ومعنى (لا يسقط أحدهما بالآخر)، أن كونه أمراً بالمعروف لا يجعله معصوماً من فعل المنكر، وكونه يفعل المنكر لا يمنع من أن يأمر بالمعروف وينكر المنكر بل كل مجراه. ثاني الأمور: العاقل لا يصادم الواقع، وهذه مهمة جداً في قضية الإنصاف، فالشمس لا ترد بالغربال، هناك أناس تجاوزوا القنطرة فأصبح خيرهم شائعاً وفضلهم ذائعاً، ومن السفه أن يأتي إنسان ويسلبهم ذلك كله، كمن يسفه الآراء كلها. فمثلاً: هناك أحداث ووقائع وأشخاص وأعلام ومؤسسات وهيئات، تجاوزت هذه الأمور، ليس هناك عاقل يطعن فيها ويتكلم فيها بغير إنصاف، نعم قد يقع منها خطأ، فالعصمة لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقط والأنبياء من قبله، لكن ينبغي أن على الإنسان ألا يصادم الواقع ويريد أن يرد الشمس بغربال, من اللطائف في هذا أن الشاعر كثيراً كان يحب عزة، وقد اشتهر حبه لها وشاع ذكره لها بين الناس، حتى سمي كثير عزة، وكان يقول فيها الشعر، ومما قال: أباحت حمى لم يرعه الناس قبلها وحلت تلاعاً لم تكن قبل حلت وإني وتهيامي بعزة بعدما تخليت مما بيننا وتخلت لكالمرتجي ظل الغمامة كلما تبوأ منها للمقيل اضمحلت ثم بعد هذا كله جاء نسوة إلى كثير ينفرنه منها ويذكرن له أنها شوهاء وغير ذلك من العيوب، فقال مجيباً لهن: وجاءني بعيوب عزة نسوة جعل الإله خدودهن نعالها ولو أن عزة حاكمت شمس الضحى في الليل عند موفق لقضى لها يعني: أنتم بعد هذا كله تأتون تريدون أن تبغضوا إليَّ عزة وأنا أحبها على علم واختيار، هذا غير مقبول. فالعاقل إذا انتقد شخصية في أمور عامة أذعن الناس له، أما أن يسلبها حقها بالكلية بعد أن رست على الجودي واعترف أهل الفضل لها، وتجاوزت القنطرة وقبل الناس منذ دهر أمرها، هذا أمر غير محمود ولا مقبول، ولا يدل على كمال العقل، والمنصفون من أول صفاتهم كمال العقل ورجحانه.

شروط الخلع ونصيحة لمن يضرب زوجته

شروط الخلع ونصيحة لمن يضرب زوجته الملقي: ما هي شروط الخلع، ونرجو نصيحة لمن يضربون زوجاتهم؟ الشيخ: الخلع باب فتحه الله وجعله طريقاً للمرأة للتخلص من الزوج بطريقة شرعية مقررة شرعاً إذا تعذر لها أن تعيش معه، فهي تفدي نفسها إما بمقدار المهر أو دونه أو أكثر منه، بحسب ما يتفقان عليه، هذا الشرط الأساسي في الخلع، وهذا مجاله أو بابه القضاء. أما نصيحة من يضربون زوجاتهم فنقول: حسب الرجال الذين يضربون أزواجهن أن النبي صلى الله عليه وسلم قال عنهم: (ليس أولئك بخياركم)، فليسوا من الأخيار في شيء، قال عليه الصلاة والسلام: (وقد طاف بآل محمد نسوة يشتكون ضرب أزواجهم، فغضب وخرج على الناس، وقال: ليس أولئك بخياركم). المقصود: الرجل الشهم الحر الذي يعقل حتى إذا أراد أن يؤدب يؤدب وفق منطوق الشرع، وفق مفردات الشرع، وأحياناً يهجر في الفراش حتى ينتقل أخيراً إلى الضرب غير المبرح، أما أن يكون هناك ضرباً مبرحاً أو تعنيفاً، أو ما أشبه ذلك فلا. هذا كله والعياذ بالله ليس من الصواب في شيء، وهو يهدم الأسر المسلمة، والنبي عليه الصلاة والسلام: (أخبر أن المرأة خلقت من ضلع وإن أعوج ما في الضلع أعلاه)، وأخبر أنه لا يمكن أن يستمتع بامرأة إلا على ميل، وأنك إذا أردت أن تقيمه كسرته، وكسرها طلاقها. فالمقصود: ينبغي أن يكون الرجل عاقلاً: (لا يفرك مؤمن مؤمنة)، لا يوجد امرأة كاملة، وبعض الناس يبقى الساعات الطوال عاكفاً على القنوات ثم يخرج يريد أن يرى ذلك في زوجته، ينظر جزئية واحدة ولا يعلم حال اللواتي يراهن، هذا من الباطل كله، ولا ينبغي لعاقل أن يتلبس به.

فائدة الإنصاف

فائدة الإنصاف الملقي: ماذا يستفيد هذا المنصف من هذا الإنصاف؟ الشيخ: يستفيد إشباعاً نفسياً، عز نظيره وقل مثيله، المنصفون رجال كبار ونساء عظيمات قليلون في المجتمع، والقمة قلما تقبل القسمة على اثنين، والذي يريد أن يكون في الذروة في كل شيء ينبغي أن يجاهد نفسه، العظماء لا يستطيعون أن يعيشوا في الدنيا، ولا يقبلون أن يتلبسوا بكل لباس، ولعل هذا يأتي في مفردات عديدة، لكن الذي أقصده أنه يستفيد الإنسان المنصف البراءة أمام الله، شعوره بأنه قد أدى ما عليه، فراره من الظلم والإجحاف بالغير، هذه كلها مكاسب لا تقدر بثمن عند الشرفاء من الرجال.

إنصاف العلماء وعدم الهجوم عليهم

إنصاف العلماء وعدم الهجوم عليهم الملقي: من المفترض أن يتوجه الجميع نحو العلماء باحترام بالغ، لكن للأسف الشديد هناك خاصة في الآونة الأخيرة هجوم يندى له الجبين على من هم ورثة الأنبياء. الشيخ: العلماء ورثة الأنبياء، لكنهم ليسوا بمعصومين، وهذا أمر مقرر شرعاً كما تقدم قول مالك رحمه الله: ما منا إلا راد ومردود عليه إلا صاحب هذا القبر، وأشار إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم، وكان بجواره. العلماء رحمة الله تعالى عليهم، الأصل أنهم أفنوا أعمارهم وقضوا أيامهم في الوصول إلى المقصود الشرعي وإلى معرفة مراد الله، ومراد رسول الله صلى الله عليه وسلم ليظهروه للناس حتى يتعبد الناس به ربهم، وهم في طريقهم هذا لم يخلوا من زلل. فالمنصف من الناس من يغفر لهم تلك الزلة ويستر عنهم تلك الخلة، المقصود من هذا كله أن العاقل لا يجعل من أعراض العلماء طريقاً في الوصول إلى غضب الله جل وعلا وسخطه، وإنما إذا أمرنا بحسن الثناء على الناس عموماً فحق العلماء أوكد، قال الشاطبي رحمه الله: والواجب عند اختلاف الفهم إحساننا الظن بأهل العلم والمشكلة الكبرى: أن أكثر من يتجرأ على القدح في العلماء ليس من العلم في شيء، وأنا والله قبل فترة اتصل بي رجل فاضل إن شاء الله، يذكر أنه كان مجتمعاً مع بعض قرابته، وخلانه، وأصحابه، فتذاكروا شيخاً له فتوى معينة فكل أسهم بقوله، فكأنهم شعروا بالذنب، فربما قال قائلهم: فلنتصل، وهنا اتصلوا في الغالب ليجدوا مبرراً لهم في هذا الصنيع، أو يجدوا أحداً يبارك تلك الكلمات، فلما كلموني تحاشوا أن يذكروا اسم الشيخ، لكن أنا قلت لهم: أنتم تقصدون فلاناً؟ قالوا: نعم، قلت: دعك الآن من فلان، أنا أسألك بالله، كم جزءاً من القرآن تحفظ؟ فسكت. قلت: تحفظ أربعة، ثلاثة، فلم يجب، قلت: ولا هؤلاء الذين معك، فقال فيما معناه: ولا هؤلاء. فقلت: سبحان الله! يعني: أكثركم لا يكاد يحفظ ثلاثة أجزاء سوغ لنفسه أن يتكلم في عالم، نحن لا نقول: إن هذا العالم أصاب، لكن الذين يملكون الحق في الرد على العالم من كان مثله. أما أنتم فينبغي أن يحفظ المرء منكم لسانه ويسكت، ولست ملزماً بفتوى زيد ولا عمرو، فإن كنت تراها خطأ فاسأل غيره ممن تثق به، ولا يكلفك الله جل وعلا بأكثر من هذا، لكن هذه مشكلة كبرى نعانيها في أن كثيراً من الناس يتصدرون للحكم على العلماء. والمفترض أن من يحكم على غيره يكون إما موازياً له أو أحسن منه، لكن الذي يحدث أن الصغار يحكمون على الكبار، وقد نبه الأخيار إلى هذا من قبل: متى ترد العطاش إلى ارتواء إذا استقت البحار من الركايا وإن ترفع الوضعاء يوماً على الرفعاء من إحدى البلايا إذا استوت الأسافل والأعالي فقد طابت منادمة المنايا فإذا كان هذا قيل قديماً فما عسى أن يقال في عصرنا؟! لكن ينبغي على طلبة العلم أن يتقوا الله في إخوانهم من العلماء، وأن يراعوا أن لا يغرسوا في الطلاب ولا في العامة جرأة الحديث والتكلم على العلماء. كما أنه ينبغي على العلماء الذين لهم بعض الفتاوى التي غالب الظن أنها بعيدة النزعة عن الصواب أن يحتفظوا بها قدر الإمكان، أو أن تقال في مجالس يمكن معها مناقشة القضية.

كيف يتعامل الإنسان مع نفسه بإنصاف

كيف يتعامل الإنسان مع نفسه بإنصاف الملقي: نفس الإنسان كيف يتعامل معها بإنصاف. الشيخ: نفس الإنسان أعظم ما يعنى به الإنسان: {قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا} [التحريم:6]، {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ} [نوح:28] هذه أمور مقررة. ولكن كيف ينصف الإنسان نفسه؟! أن لا يحرمها من فضل، وأن لا يرضى لها بالدون، وأن ينظر إلى قمم المعالي فينافس فيها: إذا غامرت في شرف مروم فلا تقنع بما دون النجوم فطعم الموت في أمر حقير كطعم الموت في أمر عظيم لكن كذلك من ذل النفس، أن تكلفها ما لا تطيق، وأن تقتحم بها لججاً لم تخلق لها، وأن تركب سنناً لست من ركبانها، وإن قيمة كل إنسان فيما يحسنه من العمل، فإذا جاء إنسان ليس النحو من صنعته، وأراد أن يتشدق بكلمات عربية فهذا يظهر عيبه، إنسان ليس من بضاعته العلم الشرعي، فأراد أن يجادل فيه فيكشف سوءة أخرى فيه وهكذا. العاقل يعرف أين قدراته، أين مكمن القوة من نفسه، ثم يسير على مكمن القوة من نفسه فينميه ويطوره ويسأل الله التوفيق والسداد، هذا من أعظم إنصاف النفس. كذلك من هضم النفس والإجحاف في حقها بأن تعرف أن لديك قدرات، لديك مواهب ثم تقنع بما فيه أقرانك حباً في القرب منهم، والركون إليهم وتحرم نفسك من أشياء عظيمة يمكن أن تحققها، وآمال جليلة يمكن أن تدركها؛ كل ذلك مراعاة لمن حولك، لا تريد أن تفارقهم، ولا تريد أن تهجرهم، أمثال هؤلاء لا يصلون إلى المعارف؛ لأن أول قضية الرحيل التنقل عمن هو سبب في تثبيطنا، والطغرائي يقول: إن العلى حدثتني وهي صادقة في ما تحدث أن العز في النقل لو أن في شرف المأوى بلوغ منى لم تبرح الشمس يوماً دارة الحمل وإنما رجل الدنيا وواحدها من لا يعول في الدنيا على رجل فالمقصود: هذا باب إنصاف النفس، وأعظم الإنصاف إلى النفس أن يجعلها الإنسان على صراط الله المستقيم، لا تريد إلا وجه ربها، ولا تخشى إلا ذنبها، ولا تريد شيئاً أعظم من الجنة، ولا ترهب شيئاً أذل من النار.

إنصاف هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

إنصاف هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الملقي: الهيئات الشرعية والمؤسسات الخيرية تعاني هجوماً وإجحافاً وسأضرب لك مثلاً بـ (هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر)؟ الشيخ: هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في بلادنا مثلاً برهان عظيم على أن هذه دولة الإسلام، من كان منصفاً ينظر إليها نظرة شمولية وعنده تجرد من الهوى وتلمس للأعذار فيجد أن الله جل وعلا سد بهم ما الله به عليم من الثغرات، وحفظ الله جل وعلا بهم العديد من الحرمات، ونصر الله جل وعلا بهم الكثير من أهل الصلاح، وقطع الله جل وعلا بهم كثيراً من حبال أهل الفساد. وهيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أفضالها على الناس قائمة، لكن هناك -عياذاً بالله- من يبحثون عن النقص؛ والكمال عزيز وهؤلاء مجموعة أفراد، هؤلاء الأفراد بشر، لابد أن يقع من بعضهم خطأ حتى ولو عمداً، لكن هذا الخطأ الواحد إذا وجد فهو مغمور في خيرات إخوانه، فهي هيئة شرعية مباركة نفع الله جل وعلا بها. وينبغي على من تطاول عليها أن يتقي الله جل وعلا، ولو أراد أن يكون منصفاً، نقول له: هل تقبل أن يتعرض أحد لحرماتك بأذى؟ والله إنه لولا الله ثم ما كتب الله جل وعلا لولاة هذا الأمر من وجود هذه الهيئة لحدثت أمور وأمور يندى لها الجبين، وتأباها قلوب الأحرار، وهي في أول الأمر وآخره تصادم شرع رب العالمين، ونسأل الله أن يبارك في جهودهم ويعينهم ويوفقهم ويسددهم.

الكلام بإنصاف عن الحجاج بن يوسف وأحمد شوقي

الكلام بإنصاف عن الحجاج بن يوسف وأحمد شوقي الملقي: فضيلة الشيخ، أود أن أنتقل معك في هذه الحلقة إلى شخصيتين تاريخيتين ثار حولهما جدل كبير وتدور حولهما علامة استفهام، والناس ينظرون إليهما نظرات مختلفة، وهما: شخصية الحجاج بن يوسف الثقفي وشخصية الشاعر أحمد شوقي، فماذا تقول فيها يا فضيلة الشيخ؟ الشيخ: الإنصاف أن ننظر نظرة شمولية، فـ الحجاج مما حقق الله على يديه جمع كلمة الناس، جنحت الأمة على خلافة عبد الملك بن مروان إلا قليلاً بسيف الحجاج، من هذه الزاوية نفع الله به الناس، وجمع الناس أمر محمود، ولو كان له ضريبة كبيرة بسفك الدماء، لكن الرجل في تجرئه على دماء المسلمين أخطأ خطأ عظيماً، ولهذا كرهه الأخيار من السلف، وتكلموا فيه كلاماً في بعضه عندي قسوة، لكن من حيث الجملة أصابوا، وهذا لا يمنع من أن يستفيد الإنسان من حزمه، ومن بيانه، ومن كرمه، فقد كان كريماً، كان يقول للناس: إذا طلعت الشمس فاحضروا للغداء، وإذا غربت فاحضروا للعشاء. وكان حافظاً للقرآن، وكان لغوياً وهو أحد أربعة لم يلحنوا قط، إن صحت الرواية وكان ذكياً جداً، وكان له أمر محمود في الناس. والذين يريدون أن يسوسوا الناس لا بد أن يكونوا أقوياء: {إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأَمِينُ} [القصص:26]، ومن القوة أن يكون الإنسان نبيهاً ذكياً فاهماً محيطاً، هذه شخصية الحجاج؛ لكن من حيث الجملة هو إلى الفسق أقرب منه إلى الإيمان. أما أمير الشعراء أحمد شوقي فقد أخذ حقه من اللقب، لكن المشكلة أنه عندما أخذ حقه ظلم، حتى قال بعض المعاصرين: هذا شاعر الأمراء وليس أمير الشعراء، لقربه من السلطان. وكل من يقرب من السلطان فإن الناس تذمه هذه سنة الله في خلقه، وإلا فكل الناس يتمنى أن يتقرب في الأصل من السلطان، لكن الحق في شوقي رحمة الله تعالى عليه أنه شاعر بمعنى الكلمة. ولو قدرنا أن نختار خمسة أو عشرة أو أقل على مدار الدهور، ممن أقام الشعر العربي حقاً وقطعاً فإن شوقي سيكون أحدهم إن لم يكن أولهم، لكن لأنه كان قريباً من حكام مصر آنذاك ذمه الناس ولم يقبلوا منه. وبعض الناس عندما يجادلوننا في شوقي ينسون دوره، ويقولون: الناس تحفظ شعر المتنبي وكذا وكذا، ونحن نقول: كل له دور، والأشياء إذا عتقت وقدمت صارت عيوبها نوعاً من القذاة، والنفس تنبهر أمام القديم ولا تستطيع أن تقربه، وهذا من قديم أصلاً، حتى أبو تمام لما ظهر تجنب بعض الناس أن يمدحه لأنه محدث، لكن الآن تمدحه الناس من غير روية، وكذلك شوقي لما ظهر. ثم إن شوقي ظهر في فترة ظهرت فيها غالب علوم الأدب، وكان الناس غير منشغلين عن الشعر، والآن انصرف الناس عن الشعر وظهرت قنوات وقنوات وأمور أخريات، لكن المقصود أن شوقي رحمة الله تعالى والشعراء غيره ظلموا حين أعرض الناس عن الشعر وعن الرواية وعن الأدب وعن القصة، فضاع سوقهم، ومع ذلك يعتبر شوقي شاعراً حقاً.

علماء منصفون

علماء منصفون الملقي: من خلال تعاملك مع الناس لاشك أنك قابلت شخصيات منصفة، فلو تكرمت بذكر من يتسم بهذه الصفة البارزة إذا رأيت ذلك؟ الشيخ: الحق أنهم كثيرون، لكن منهم الشيخ عبد العزيز بن صالح رحمة الله تعالى عليه، إمام الحرم سابقاً، هذا كان رجلاً منصفاً بمعنى الكلمة، لكن أنا قلت في إحدى اللقاءات هنا في هذا البرنامج إن الشيخ إبراهيم الأخضر حفظه الله كان يقول: إن كل جسد مركب من حسد، ولو أن جسداً خلا من الحسد لكان جسد الشيخ ابن صالح. من دلائل إنصافه أنه قرب كثيراً من العلماء للتدريس في الحرم النبوي بصرف النظر عن أشياء أخر لم يعتبرها ربما ذمها الناس ولا داعي لنشرها، لكنه كان يتجنبها. فمن أجل ذلك منّ الله عليه بمحبة الناس له، إلا أن هؤلاء الذين قدر لهم أن يدرسوا في الحرم الشريف شاع ذكرهم وعم فضلهم وانتشر علمهم وانتفع الناس بهم، وهذا كله عائد بعد رحمة الله وفضله إلى إنصاف الشيخ رحمة الله تعالى عليه. زرت سماحة الشيخ الوالد عبد العزيز آل الشيخ مفتي المملكة حالياً مرتين أو ثلاثاً في مجلسه، وذكرنا عدة قضايا، وذكرنا عدة أشخاص، والحق -ونحن شهود الله في أرضه- أن الرجل كان منصفاً في الحديث عن أشخاص لو ذكروا عند غيره لهجم عليهم بالذم، لكن الرجل كان منصفاً جداً في الحديث عنهم، وكان ورعاً في ذلك، كان يتكلم كلاماً علمياً معرفياً، كلام رجل يريد النصح، يريد الخير، حتى ما فيهم من نقص يريد أن يواريه فيستره أو يسعى في حله، وأنا منذ خرجت من عنده آنذاك أكبرته وازداد إجلالي له، حتى أنني حدثت بعض طلبة العلم بما كان بيننا.

التقديم والتأخير في كلام العلي الكبير

سلسلة القطوف الدانية - التقديم والتأخير في كلام العلي الكبير القرآن العظيم كتاب الله الذي لا تنقضي عجائبه ولا تنفد، ومما في القرآن من البلاغة مسائل التقديم والتأخير بين الأشياء المذكورة في القرآن.

تمهيد يبين أغراض التقديم والتأخير في القرآن

تمهيد يبين أغراض التقديم والتأخير في القرآن المقدم: الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده سيدنا ونبينا محمد وعلى آله. أيها الأحبة: القرآن الكريم هو حجة الرسول وآيته الكبرى، يقوم في فم الدنيا شاهداً برسالته وناطقاً بنبوته، ودليلاً على صدقه وأمانته، وهو ملاذ الدين الأعلى، وعماد لغة العرب الأسمى، تدين له اللغة في بقائها وسلامتها، وتستمد علومها منه على تنوعها وكثرتها. هو القوة التي غيرت صورة العالم، وحولت مجرى التاريخ، وأنقذت الإنسانية العاثرة؛ لذلك كله كان القرآن الكريم موضع العناية الكبرى من الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته ومن سلف الأمة وخلفها جميعاً. وقد اتخذت هذه العناية أشكالاً مختلفة فتارة: ترجع إلى لفظه وأدائه، وأخرى: إلى أسلوبه وإعجازه، وثالثةً: إلى كتابته ورسمه، ورابعةً: إلى تفسيره وشرحه إلى غير ذلك. في هذه الحلقة سيكون لنا بإذن الله عز وجل مزيد عناية بأمر له في القلوب أحسن موقع وأعذب مذاق، سأتحدث مع ضيفنا الكريم عن (التقديم والتأخير في كلام العلي الكبير). وأستهل لقاءنا بهذا المحور، وهو إطلالة سريعة عن موضوع التقديم والتأخير في كلام الله عز وجل. الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الإِنسَانِ مِنْ طِينٍ، والصلاة والسلام على إمام المتقين وقائد الغر المحجلين، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، وعلى سائر من اقتفى أثره واتبع منهجه بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: أولاً: أهنئ من يسمعنا ويشاهدنا بعيد الفطر المبارك، سائلين الله جل وعلا أن يجعله علينا أهل الإسلام عيد خير وبركة. ثم إننا نقول: إنه كلما كان الإنسان قريباً دانياً من كلام الله جل وعلا فهذا شرف عظيم، وموئل كريم لا يعطى لكل أحد. ولعل من الفأل الحسن أن البرنامج غير موعده إلى ثاني اثنين من كل شهر، فيكون قريباً من قول الله جل وعلا: {ثَانِيَ اثْنَيْنِ} [التوبة:40] وإن كان هناك في الذوات وهنا في الأيام، لكن أي قرب من القرآن أمر محمود. ثم أقول: هذا القرآن هو معجزة نبينا الخالدة صلوات الله وسلامه عليه: جاء النبيون بالآيات فانصرمت وجئتنا بحكيم غير منصرم آياته كلما طال المدى جدد يزينهن جلال العتق والقدم والتقديم والتأخير يأخذ طرائق متعددة في كلام الله جل وعلا، لكنني سأشرع في بيان مجملها: أحياناً يكون التقديم فيه نوع من التسلية للنبي صلى الله عليه وسلم، وهذا يكون في تقديم الخطاب. الله جل وعلا وحده يعلم الغيب، فأذن لنبيه أن يتوجه إلى بيت المقدس عندما كان في مكة، فلما هاجر إلى المدينة مكث فيها ستة عشر شهراً يصلي إلى بيت المقدس، ثم نسخ ذلك وقد نزل قبل آية النسخ قول الله جل وعلا: {سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [البقرة:142]. فهذا تقديم، بمعنى: أنه توطئة لأمر وردة فعل ستقع من الناس، ففي هذا تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم. ثم قال الله بعدها بآية: {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [البقرة:144]. فقول الله: (فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ) ناسخ لتولية المسلمين وجوههم نحو بيت المقدس، فالتقديم هنا للتسلية. ومثال التأخير: كانت بدر أول معركة خاضها المسلمون، ولم يكن لهم عهد بتقسيم الغنائم فلما حازوا الغنائم حصل شيء من النزاع فأخذوا يتساءلون، فذهبوا للنبي صلى الله عليه وسلم وسألوه، قال الله جل وعلا: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنْفَالِ} [الأنفال:1] لكن الجواب عن سؤالهم تأخر، وقدم ما لم يعن المسلمون به آنذاك وهي قضية إصلاح ذات البين، فأنزل الله: {فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ} [الأنفال:1]. ثم بعد ذلك قال الله: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} [الأنفال:41] فبين كيفية تصريف الأنفال، فهذا نوع من التقديم والتأخير. أحياناً يكون التقديم والتأخير في العامل والمعمول، ذكر الله جل وعلا على لسان آسية بنت مزاحم امرأة فرعون أنها قالت: {رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ} [التحريم:11] فقدم الجار والمجرور على المفعول به على خلاف الترتيب لغرض، وهو أنها اختارت جوار الله قبل أن تختار الدار، وقد بين في أكثر من موضع أن هذا من دلالة شوقها إلى ربها جل وعلا وأدبها في مخاطبة الرب تبارك وتعالى. أحياناً يأتي الترتيب ظاهراً بيناً، يقول الله جل وعلا: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} [النساء:13] فتقديم الله على رسوله أمر واضح. وأحياناً يكون لأجل التشريع، يقول الله جل وعلا: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} [البقرة:158] فالنبي عليه الصلاة والسلام رقا الصفا وقال: (أبدأ بما بدأ الله به وتلا: (إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ)). من هنا نفهم أن التقديم في كلام الله جل وعلا لا بد له من حكمة قد نفقهها وقد لا نفقهها وهذا مضمار تجري فيه أقدام العلماء ما بين مكثر من الصواب ومقل، وهذا هو العلم الحق. هذا نوع من التمهيد والتوطئة لحلقة هذا اليوم: (التقديم والتأخير في كلام العلي الكبير جل جلاله).

التقديم والتأخير بين الجن والإنس

التقديم والتأخير بين الجن والإنس

أبيات شعرية تدل على فصاحة العرب

أبيات شعرية تدل على فصاحة العرب المقدم: عندما رجحت تقديم الإنس على الجن في بعض الآيات أشرت إلى أن الإنس ولا سيما العرب هم أهل الفصاحة وأهل البيان، فلعلنا نلطف اللقاء بشيء من الأبيات الشعرية أو بشيء من المقطوعات الأدبية؟ الشيخ: العرب أمة ذات بيان، ومن قرأ تاريخهم وأدبهم وشعرهم الذي وصل إلينا عرف ذلك وتبين له علو كعبهم في الفصاحة والبلاغة. ولذلك تعجب ممن يطلب علماً ولا يكون له حظ من الاطلاع على ما ذكره العرب السابقون من شعر ونثر؛ لأن ذلك معين على الوصول إلى الحقائق، وبما أن القرآن والسنة عربيان والنبي عليه الصلاة والسلام أفصح من نطق بالضاد، والقرآن أنزل بلسان عربي مبين؛ فإن الإنسان إذا كان له حظ من المعرفة بلغة العرب كانت له قدرة على الوصول إليها، مثلاً يقول لبيد في معلقته التي مطلعها: عفت الديار محلها فمقامها بمنى تأبد غولها فرجامها وهي من أمتع المعلقات وأعظمها صعوبةً، فهي تتميز بصعوبة الألفاظ وغرابتها؛ لكن فيها متعة في سلاسة الجرس الشعري: شاقتك ظعن الحي حين تحملوا فتكنسوا قطنا تصر خيامها زجلاً كأن نعاج توضح فوقها وظباء وجرة عطفاً آرامها حفزت وزاولها السراب كأنها أجزاع بيشة أثلها ورضامها بل ما تذكر من نوار وقد نأت وتقطعت أسبابها ورمامها مرية حلت بفيد وجاورت أهل الحجاز فأين منك مرامها كم معشر سنت لهم أقوامهم ولكل قوم سنة وإمامها وهم العشيرة أن يبطئ حاسد أو أن يميل مع العدو لئامها وقال عنترة: هل غادر الشعراء من متردم أم هل عرفت الدار بعد توهم تكلم فيها عن مناقبه وعن فروسيته محاولاً نيل قلب من يعشقها: ولقد ذكرتك والرماح نواهل مني وبيض الهند تقطر من دمي ووددت تقبيل السيوف لأنها لمعت كبارق ثغرك المتبسم (يدعون عنتر) عنتر بالفتح وتأتي بالضم. يدعون عنتر والرماح كأنها أشطان بئر في لبان الأدهم ولقد شفى نفسي وأبرأ سقمها قيل الفوارس ويك عنتر أقدم إلى أن قال يصور الذباب الذي له ذراعان يحك بعضهما ببعض، والعرب تقول: لم يصف أحد الذباب كما وصفه عنترة قال: هزجاً يحك ذارعه بذراعه قدح المكب على الزناد الأجذم غرداً: أي فرحاً بالجيف. وهذا البيت فرت منه العرب أن تقاربه، وهذا قول النقاد، وهذا كله يدل على أن العرب كانوا أهل فصاحة، فإذا كانوا أهل فصاحة وبلغوا فيها منزلاً عظيماً، ومع ذلك تحداهم الله أن يأتوا بآية من مثل كتابه فعجزوا، فهذه قرينة لا تقبل المزايدة على أن القرآن من عند الله وليس من عند محمد صلى الله عليه وسلم كما كانوا يزعمون: {وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا * قُلْ أَنزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا} [الفرقان:5 - 6].

فائدة في الترخيم

فائدة في الترخيم المقدم: لقد أشرت في البيت: (يدعون عنتر) إلى أنه يجوز الرفع والنصب في كلمة (عنتر) فنريد أن نحررها نحوياً! الشيخ: تحريرها نحوياً: (يدعون عنتر) أصلها: يدعون يا عنتر، واسمه الحقيقي (عنترة) والعرب قد تلحق بالاسم المذكر تاء التأنيث مثل: طلحة معاوية حمزة عنترة. وهناك عند العرب أسلوب يسمى: الترخيم، وحذف آخر الاسم عند النداء: يا فاطم يا عائش. والمنادى العلم المفرد يبنى على الضم في محل نصب، فأصل العبارة: (يدعون يا عنترة) لكن حذفت التاء للترخيم، فإن قلنا: (يدعون عنترَ) فهو على اعتبار أن الضمة مقدرة على التاء المحذوفة، وهذه يسمونها: (لغة من ينتظر) يعني: هؤلاء على أمل أن تعود التاء بضمتها. اللغة الثانية يسمونها اصطلاحاً: (لغة من لا ينتظر) أي: من لا ينتظر عودة التاء، فمن لا ينتظر عودة التاء أخذ الضمة التي هي علامة البناء ووضعها على الراء، فأصبحت (يدعون عنترُ والرماح كأنها).

الحكمة من تقديم الجن على الإنس في بعض الآيات والعكس في بعضها

الحكمة من تقديم الجن على الإنس في بعض الآيات والعكس في بعضها المقدم: إدراك هذه الحكم التي ذكرتها قد لا تتسنى لكل أحد وإنما يختص بها العلماء، ولعلنا نؤخر السؤال عن هذا المحور لنبدأ ببعض الأمثلة الواردة في كتاب الله عز وجل، وإن كانت كثيرة جداً لكن نكتفي ببعضها. فأبدأ بمسألة الإنس والجن فأقول: إنها كثيراً ما تقترن في القرآن الكريم، والمتتبع لهذه الآيات يجد أن الباري عز وجل أحياناً يقدم الجن، مثل قوله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات:56] وفي آيات أخرى يقدم الإنس، ولا شك أن هذا التقديم والتأخير لم يكن عبثاً من الله عز وجل وإنما هو لحكمة معينة، لعلنا نستعرض هذه المواضع ونبين سبب التقديم والتأخير في كل آية؟ الشيخ: جعل الله جل وعلا الجن والإنس أمتين: {سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَا الثَّقَلانِ} [الرحمن:31] هاتان الأمتان ذكرتا في القرآن كثيراً، فقدمت إحداهما أحياناً والأخرى في الخطاب أحياناً، فلماذا قدم الجن حيناً وأخر الإنس، ولماذا قدم الإنس وأخر الجن؟ هذا ما سنعرض له. بداية نقول: إن الله خلق الجن قبل الإنس، قال الله: {وَالْجَانَّ خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نَارِ السَّمُومِ} [الحجر:27]. وعندما قال الله: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات:56] فتقديم الجن هنا ظاهر، لأن الله جل وعلا خلقهم قبل أن يخلق الإنس، فخاطبهم باعتبار ترتيب إيجادهم وخلقهم. وقال الله جل وعلا في سورة الرحمن: {يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ} [الرحمن:33] وقال في سورة النمل: {وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ وَالطَّيْرِ} [النمل:17]. والمتتبع للقرآن والسنة يفقه أن الجن أكثر قوة من الإنس: {وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا} [الجن:6]. حتى ما تكتنفه الضمائر: أن الإنس يرون أن الجن أقوى منهم، فلذلك وجد في الإنس من يلجأ إلى الجن ولا يوجد العكس، فهنا قدم الله جل وعلا الجن؛ لأن القضية قضية مخاطبة بالقوة، فلما أراد الله أن يخاطب في قضية النفوذ من أقطار السماوات والأرض خاطب الجن ابتداءً؛ لأنهم أقوى فقال: {يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنسِ} [الرحمن:33]. ولما أراد الله أن يتكلم عن جند سليمان فهو يتكلم عن جيش، والجيش مداره الأول على القوة فقدم الجن وقال: {وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ} [النمل:17]. لكن الله لما تكلم عن البيان الذي تحدى به العرب الفصحاء وهم من الإنس، قال الله جل وعلا في الإسراء: {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا} [الإسراء:88] فقدم الله الإنس هنا؛ لأن الخطاب أحوج ما يكون إليهم؛ لأنهم مخاطبون به أصلاً فالإنس أكثر فصاحةً وبياناً فيما يظهر لنا من الجن، والمخاطب الأول في القرآن بالتحدي في هذه الآيات هم الإنس، فإن سورة الإسراء مكية وأهل مكة هم الذين كان لهم مجال واسع في الفصاحة والبلاغة كما هو معلوم. فنلاحظ أنه لم يقدم أحد، ولم يؤخر أحد إلا لحكمة ظاهرة بينة. أما آية في الإنعام: {يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ} [الأنعام:130] فهذه لم أجد فيها تعليلاً يروي الظمأ، وما دمت لم أجد فيها شيئاً يروي الظمأ فإني أتوقف عن الحديث فيها حتى يكتب الله جل وعلا أن نقف على كلام أحد قبلنا من العلماء الأفاضل، أو أن يفتح الله علينا بما شاء.

دخول مؤمني الجن الجنة

دخول مؤمني الجن الجنة المقدم: قبل أن نخرج من الكلام على الجن والحديث عنهم نذكر أن من المسائل التي تثار ما يتعلق بجزاء مؤمني الجن، وهل يدخلون الجنة أو لا؟ فنريد أن تؤصل لهذه المسألة ثم تبين القول الراجح فيها. الشيخ: الله تعالى خاطب الجن والإنس بالإيمان والتكليف والعبادة، وهذا أظهرته هذه الآية: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات:56] لكن العلماء عندما يناقشون آية الأحقاف: {وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ * قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ * يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} [الأحقاف:29 - 31]. الذين قالوا: إن مؤمني الجن ليس لهم مكافأة على إيمانهم إلا غفران الذنوب والإجارة من النار ولا يتجاوزونه إلى دخول الجنة، حجتهم هذه الآية، فلو سألناهم: أين الحجة في الآية؟ قالوا: إن الله ذكرهم وذكر عملهم وهو الإيمان، وذكر ما يترتب على إيمانهم: {أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ} [الأحقاف:31]، فقوله: (يَغْفِرْ لَكُمْ) جواب الأمر، فعلق على الإيمان مغفرة الذنوب والإجارة من النار دون دخول الجنة، فقالوا: لو كان الله قد كتب لمؤمني الجن أن يدخلوا الجنة لأوشك أن يذكروه، هذه عبارتهم. هذا قول وهو رأي مرجوح. هناك أقوال يقول عنها العلماء: إنها غريبة، لكن في منهجنا العلمي أننا نذكر كل شيء ولا يعني ذكرنا لقول أننا نرتضيه أو نقطع به أو نجزم بصحته، لكن من باب الأدب مع من يستقبل كلامنا أن يعرف كل شيء، وكذلك الأدب مع قائله. بعض العلماء يقول -وينسب هذا إلى عمر بن عبد العزيز - إنهم لا يدخلون بحبوحة الجنة، وإنما يكونون في أرجائها وأطرافها. وقال آخرون: يدخلون الجنة لكنهم لا يمكنون من النظر إلى بني آدم، فبنو آدم يرونهم وهم لا يروا بني آدم، على عكس ما كانوا عليه في الدنيا وقطع آخرون بعدم الدخول بحجة أن الجن من ذرية إبليس؛ قالوا: إن إبليس كان سبباً في خروج أبينا وأمنا من الجنة فلا تدخل ذرية إبليس الجنة. وقال بعضهم: يدخلونها لكنهم لا يطعمون منها، إنما يلهمون التسبيح. وقد قلت قبل أن أسرد هذه الأقوال: إنها أقوال غريبة لا يوجد ما يعضدها. والراجح: أن مؤمني الجن يدخلون الجنة، والأدلة على ذلك ساقها الحافظ ابن كثير رحمة الله تعالى عليه في تفسيره عند تفسير سورة الأحقاف، وقد أظهر قوله أموراً أهمها: سعة اطلاعه رحمه الله، وعلو كعبه في التفسير، وتجرده من الهوى، وهذه مطالب عالية تطلب في طالب العلم، فالإنسان إذا تصدر وكان يملك آلة وقدرة على البحث مع تجرد من الهوى قل أن يخذل، بل يكون إلى التوفيق أقرب، وإذا وفق نفع العباد. ونحن سنرد جملة من الأدلة التي ذكرها الحافظ ابن كثير بإيجاز، فمنها: عموم قول الله جل وعلا: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا} [الكهف:107] وأنت لبيب تعلم أن كلمة (الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ) يندرج فيها مؤمنو الإنس ومؤمنو الجن. وأظهر منها أن الله قال: {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ * فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} [الرحمن:46 - 47] والآية تخاطب مؤمني الجن ومؤمني الإنس، والله قد وعد فقال: {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ} [الرحمن:46] فوجه الدلالة: أنه لا يعقل أو لا يتصور أن يمن الله عليهم بفضل لن يحصلوا عليه، فإذا كان الله قد كتب أن مؤمني الجن لن يدخلوا الجنة، فأين المنة في الآية: {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ} [الرحمن:46]؟ هذا محرر. ومن ذلك: أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن الجنة يبقى فيها سعة فينشئ الله لها خلقاً، فمن باب أولى أن يدخلها مؤمنو الجن، لأنهم أولى ممن ينشئهم الله جل وعلا لها، وهذا لا يعني أن الله لم ينشئ لها أحداً. وكذلك: إذا ثبت لدينا قطعاً أن الله يعاقب كافري الجن بالنار وهو مقام عدل، فمن باب أولى أن يكافئ ويثيب مؤمني الجن بالجنة وهو مقام فضل. ثم إن قول الله جل وعلا: {يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} [الأحقاف:31] ليس فيه دلالة على أنهم يمنعون من دخول الجنة؛ لأن الله ذكر مثل هذا عن قوم نوح: {يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى} [نوح:4] ولم يذكر فيه الجنة، ومعلوم قطعاً أن المؤمنين من قوم نوح مآلهم إلى الجنة. هذا مجمل ما ذكره العلماء في قضية

الحقوق المتعلقة بتركة الميت

الحقوق المتعلقة بتركة الميت المقدم: ننتقل إلى موضوع آخر، وهو ما يتعلق بمسألة الوصية والدين: من المعروف فقهياً أن الدين يقدم على الوصية، والمتتبع لآيات المواريث يجد أن الباري سبحانه وتعالى ينص على تقديم الوصية: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ} [النساء:12]. قبل أن ندخل في بيان سبب هذا التقديم لعلكم تشيرون إشارة سريعة إلى أهم الحقوق المتعلقة بتركة الميت. الشيخ: أولاً: نسأل الله لنا ولمن يشاهد حسن الختام. ثانياً: المال أعطاه الله جل وعلا لابن آدم وموله إياه، أي: ملكه الله جل وعلا إياه، فعند موته يسلب ماله كله، ويوم القيامة يسأل العبد عن ماله كله، إلا أنه يمكن تقسيم ما يتعلق بماله حال الموت إلى أربعة أقسام: الأول: الإنسان في الدنيا يلبس شيئاً يستر عورته ويخفي سوءته فلا سبيل لأحد بأي سبب إلى الوصول إلى ما يرتديه المرء، ولو كان لنا عليه مئات الآلاف من الأموال فلا سبيل لنا إلى أن نبيع ثيابه، لحاجته إليها. هذه يوازيها كفن الميت وجهازه إلى قبره، فأول ما يصرف فيه مال الميت وتركته كفنه وجهازه، ولا يحق لأحد أن يطالب بشيء لا يكفي إلا للكفن وجهازه إلى قبره، فهذا يصبح مرادفاً أو موازناً للثياب في الحياة. الأمر الثاني: إذا كان عليه دين فإن الذمة لا تبرأ إلا بقضائه، فإن كان قد أوصى بعطايا أو بقربات، فلا شك أن هذه الوصايا والقربات يريد بها زيادة أجر، ولا ريب أن تبرئة الذمة مقدمة على زيادة الأجر فلذلك لا بد أن يقدم الدين بالاتفاق، حتى تبرأ ذمته، قال عليه الصلاة والسلام: (نفس المؤمن معلقة بدينه). والناس اليوم يتساهلون في كل شيء، ففي أقسام المرور هناك قسائم، وكذلك قروض البنك العقاري، أو فواتير الهاتف أو الكهرباء؛ هذه كلها ديون باقية في الذمة يجب سدادها من مال الميت قبل أن توزع تركته، أو قبل أن يقتسم الناس ماله، أو قبل أن يمضى في وصيته، هذه نقطة أساسية. الثالث: الوصية، لأنه إذا انتهينا من تبرئة الذمة ننتقل إلى درجة أعلى وهي القربات، فله ثلث المال، قال عليه الصلاة والسلام لـ سعد رضي الله عنه وأرضاه: (الثلث والثلث كثير) وأبو بكر رضي الله عنه اختار الخمس، قال: رضيت ما ارتضاه لنفسه {فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} [الأنفال:41] فأوصى بالخمس؛ لكن الثلث كحد أقصى. وهنا جعله الله جل وعلا له رحمة به حتى يكون سبباً في نجاته يوم القيامة، ويكون له بسببه لسان صدق، فإن الله جل وعلا ذكر أنبيائه وذكر أنهم يبحثون عن لسان صدق في الآخرين. ومن أسباب حصول الثناء الحسن والذكر العاطر بعد الوفاة أن يكون هناك مال ينفق على من بعدنا ينفق على قربات على الفقراء على المساكين وغيرها من مجالات الخير، وقد ظهرت في بلادنا ولله الحمد جمعيات تعنى بهذا الأمر، وكلها مجال خير يسهم فيه المرء. الرابع: وهي ما كتبه الله للوارثين، وقد قسمه الله جل وعلا في كتابه وتولى تقسيمه بنفسه.

التقديم بين الابن والأخ في المعارج وعبس

التقديم بين الابن والأخ في المعارج وعبس Q سائلة تسأل عن اختلاف الترتيب بين الأخ والابن في آية المعارج وفي آية عبس؟ A ينبغي التفريق بين الحالين، أن الله يتكلم عن يوم القيامة كزمن، أما كحدث فالأمر يختلف، فإن الله قال: {يَوْمَ يَفِرُّ} [عبس:34] وقال: {يَفْتَدِي} [المعارج:11] والافتداء غير الفرار. فأما الافتداء فإن الإنسان يرجو النجاة لنفسه، فبدأ بتقديم الابن لأنه جرت عادة الناس أن الإنسان يجد عوضاً عن ابنه ولا يجد عوضاً عن أخيه، وقد قيل لرجل غاب كثيراً عن ديار أهله: قد فقدت أباك، قال: ملكت أمري، قيل له: قد فقدت زوجتك، قال: تغير فراشي، قيل له: فد فقدت ابنك، قال: يعوضني الله خيراً منه، قيل له: قد فقدت أخاك، قال: انقصم ظهري. هذا الأول، أما الثاني: {يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ} [عبس:34 - 36] فيجب أن يتصور الإنسان أن يوم القيامة يوم أخذ وعطاء، فكل إنسان ينتصف من الآخر، والمقام مقام حسنات وسيئات وليس مقام درهم ودينار، وقد حرر كثيراً في دروسي أن الناس تشكو من الإنسان الذي تتعامل معه كثيراً، لأنك عرضة لأن تظلمه أكثر من غيره، أما الذي هو بعيد عنك فلا وجه لك لأن تظلمه لعدم الاتصال بينكما، فالإنسان عندما يظلم في الدنيا فإن ظلمه لأخيه أكثر من ظلمه لأمه وأبيه، وظلمه لأمه وأبيه أكثر من ظلمه لزوجته وأبنائه، وأن الإنسان يقدم في حياته الدنيا زوجته وأولاده، ثم إذا فاض شيء أعطاه لأمه وأبيه، ثم إذا فاض لأخيه، فإذا أراد التقصير قصر مع أخيه، فيحصل هذا التقصير الكائن منه مع أخيه وأبيه وأمه وزوجته وبنيه، فإذا جاء يوم القيامة وقد حصل منه تقصير فإنه لا يريد أن يراهم؛ لأنهم سيطالبونه عوض هذا التقصير حسنات، وهو يومئذ ظنين بحسناته لا يريد أن يعطيها أحداً، فقال الله: {يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ} [عبس:34 - 36].

السجع لا يكون سببا للتقديم والتأخير

السجع لا يكون سبباً للتقديم والتأخير Q هذا سؤال يقول: لا بد لنا أن ننتبه جميعاً إلى أمر غاية في الأهمية: وهو أن بعض أهل البلاغة يذكرون في بعض مواضع القرآن الكريم المتعلقة بالتقديم والتأخير سبباً لذلك ويسمونه: مراعاة اللفظ ومراعاة النظم أو السجع. يقول: والحق كما هو ظاهر أن مراعاة النظم والسجع لوحدها فقط يسوغ فيها التقديم والتأخير إذا كان في كلام البشر من الشعراء والخطباء، أما في كلام فاطر الأرض والسماء فلا ينفك البعد والجمال المعنوي عن الجمال اللفظي بحال من الأحوال، فما تعليقكم؟ A هذا كلام صحيح، وهذا الكلام حرره العلماء من قبل فهي مسألة شهيرة، ونأتي لها بمثال: من أدلتهم على هذا: أن الله قال: {وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ * قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ * رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ} [الأعراف:120 - 122] فالله قدم موسى، وقال في طه: {قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى} [طه:70] فقدم هارون. والسائل يقصد من قوله هذا العتب على بعض العلماء الذين قالوا: إن الله قدم هارون في آية طه للسجع وأخره في الشعراء للسجع، فهذا غير صحيح.

سبب تقديم الوصية على الدين في القرآن

سبب تقديم الوصية على الدين في القرآن المقدم: ما سبب تقديم القرآن الوصية على الدين؟ الشيخ: من المعلوم أن الوصية تكتب وقد لا يدري بها أحد إلا اثنان أو ثلاثة، أما الدين فله أصحاب، فعندما يسمع من أقرض مالاً بموت صاحبه أتى يطالب بحقه، فقدم الله الوصية؛ لأن الغالب أنه لا يوجد لها مطالب وأخر الله الدين رغم أنه أولى؛ لأن له مطالبين، فما دام له مطالبون أخره الله وقدم الله ما حقه الرعاية والاهتمام وهو الوصية. هذا السبب الذي ذكره العلماء رحمهم الله في تقديم الوصية على الدين في كلام الله، مع اتفاقهم على أنه حال الإنجاز يقدم سداد الدين على إنفاذ الوصية.

تثنية المشرق والمغرب في القرآن

تثنية المشرق والمغرب في القرآن Q ما وجه التثنية في قوله تعالى: {رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ} [الرحمن:17]. A الله جل وعلا رب كل شيء ومليكه، وقد ذكر الله جل وعلا في القرآن المشرق والمغرب على ثلاثة أوجه: مفردةً ومثناة وجمعاً، قال في الرحمن: {رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ} [الرحمن:17]، وقال جل وعلا في المعارج: {فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ إِنَّا لَقَادِرُونَ} [المعارج:40] وقال جل وعلا: {قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ} [البقرة:142] وقال كذلك: {رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا} [المزمل:9]. فأفردها جل وعلا حال ذكر التوحيد، وثناها لما خاطب الثقلين، وجمعها لما تكلم عن الناس مجتمعين: {فَمَالِ الَّذِينَ كَفَرُوا قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ * عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ عِزِينَ * أَيَطْمَعُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ * كَلَّا إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِمَّا يَعْلَمُونَ * فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ} [المعارج:36 - 40]. {رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ} [الرحمن:17] أظهر الأقوال أن لها مشرقاً -من حيث الجملة- في الصيف ومشرقاً في الشتاء، ومغرباً في الصيف ومغرباً في الشتاء، فذكر الله حال إشراقها وغروبها في فصلي الصيف والشتاء، والعلم عند الله.

معنى النظر إلى السماء كيف رفعت

معنى النظر إلى السماء كيف رفعت Q يقول الله: {أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ} [الغاشية:17] كيف ننظر في السماء ونحن لا نراها؛ لأن السماء سوداء وليست زرقاء؟ A هنا قضية مهمة، وأنا لا أريد أن أصطدم مع من يقولون بالإعجاز العلمي، فهم علماء أفذاذ لكن هناك نقطة أساسية: الله جل وعلا لا يحيل على مجهول في الغالب يعني: في الغالب لا بد أن تفهم الآية، مثلاً: الله يقول: {وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ} [الذاريات:21] أتى بعض الفضلاء وأخذ يتكلم عن بدن الإنسان، من عدد المفاصل عدد الأعضاء عدد كريات الدم، وهذا حق موجود لكن لا ينبغي توجيه الآية في أول الأمر إلى ذلك، بسبب أن العرب المخاطبين بهذا القرآن أولاً لم يكن لهم علم بهذا كله، بل إن الأمم كلها مكثت قروناً لا تدري بذلك. قد يأتي إنسان فيقول: القرآن مخاطب به كل شيء، فأقول: نعم، مخاطب به كل شيء، لكن المخاطب الأول هم الجيل الأول على حسب فهمهم وإلا لم تقم عليهم الحجة بقوله: {وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ} [الذاريات:21]. لكن قوله: {وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ} [الذاريات:21] المعنى الحقيقي للآية: أنه يعتري الإنسان نفسه كثير من التقلبات في الآراء والفرح والحزن والمسرة والصحة والمرض، مما يجعله يتفكر أن هناك رباً يدبر هذا كله. وقوله: {أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ} [الغاشية:17] العرب ليس لها إلا هذا الجرم الواقف أمامها، ولا تدري ما بداخل الإبل؛ لكن التفكر في أنها كيف خلقت؟ هنا الخلق التسخير، فيأتي الصبي الصغير يقود هذا المخلوق العظيم في هيئته حيث شاء. قوله: {وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ} [الغاشية:18] ذكر السائل ما يقوله العلماء؛ لكن لاشك أنه حتى الذين يقولون إنها سوداء فإن كل الناس تعلم أن هناك جرماً فوقنا، وأن هذا الجرم مغلق، يقول الله: {وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفًا مَحْفُوظًا} [الأنبياء:32] ولو لم يكن هناك جرم ثابت ينظر إليه لكان لا بد من النظر إلى ما بعده مثل العرش، وهذا لا سبيل له؛ لأن السماء لها أبواب ولها سقف. والقضية الأساسية في النظر إلى السماء ليست قضية ألوانها ولا غيرها، وإنما النظر إلى فعها من غير عمد.

أعظم الوصايا

أعظم الوصايا المقدم: المتأمل للتاريخ يجد كثيراً من الوصايا سواء كانت دينية أو أدبية فاذكر لنا بعضها؟ الشيخ: أعظم الوصايا تقوى الله، فوالله ما أوصى أحد أحداً ولا محب محباً بأعظم من تقوى الله: {وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ} [النساء:131] أعظم الوصايا التقوى والثبات على الملة. {وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ * أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} [البقرة:132 - 133]. فما أوصى أحد أحداً بأعظم من الثبات على الدين وعلى تقوى الله جل وعلا. فإذا انتقلنا إلى وصاياه صلى الله عليه وسلم فإن أبا هريرة رضي الله تعالى عنه أخبر أن النبي صلى الله عليه وسلم أوصاه بصيام ثلاثة أيام من كل شهر، وبركعتي الضحى، وأن يوتر قبل أن ينام. وركعتا الضحى اختلف العلماء فيها ما بين قائل بالمداومة عليها، وقائل بأن تفعل غباً. وأظهر الأقوال عندي ما اختاره ابن سعدي رحمة الله تعالى عليه ورجحه في بهجة قلوب الأبرار قال: إن الإنسان إذا كان له حظ كثير من صلاة الليل يفعل صلاة الضحى غباً، وإن لم يكن له حظ من قيام الليل كثير فليداوم عليها، وأقلها ركعتان، وأكثرها على ما رجحه الشيخ رحمه الله ثمان ركعات. أما الوتر فهو من السنة المؤكدة التي حافظ عليها النبي صلى الله عليه وسلم حضراً وسفراً، هذه وصايا دينية.

النسخ في القرآن

النسخ في القرآن المقدم: سائلة تسأل عن نسخ بعض الآيات من القرآن الكريم مع وجودها واستدلت بآية الخمر، فما تعليكم؟ الشيخ: يقول الله: {مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا} [البقرة:106] وقد أجاب الزركشي رحمه الله عن هذا التساؤل فقال: إن الذي ينسخ حكماً ويبقى تلاوةً، إنما أبقاه الله تلاوةً لأسباب، وذكر منها غفر الله له ورحمه: الأول: التعبد به؛ فإن القرآن سواءً كان منسوخاً حكماً أو غير منسوخ حكماً هو كلام الله، وكفى شرفاً بالمؤمن أن يقرأ كلام الله جل وعلا بصرف النظر عن كون هذا الحكم نسخ أو لم ينسخ، فهو يتعبد بتلاوته. هذا الوجه الأول وهو أقواها. والوجه الثاني: أنه يظهر المنة من الله جل وعلا على عباده؛ لأن النسخ إنما يكون في الغالب إلى الأفضل، فيظهر الفرق بين الحالين، بين كونهم يصلون وهم قريبو عهد بخمر وكونهم يصلون وهم لا يشربون الخمر أصلاً، فينظرون إلى فضل الله جل وعلا ورحمته.

توجيه لمن أراد قراءة تفسير (في ظلال القرآن) لسيد قطب

توجيه لمن أراد قراءة تفسير (في ظلال القرآن) لسيد قطب Q ما رأيكم في ظلال القرآن لـ سيد قطب؟ A سيد قطب رحمة الله تعالى عليه رجل يملك قلماً أدبياً قبل أن يملك علماً شرعياً، ولا يعني ذلك أنه ليس عنده علم شرعي، فبحسب الناظر في الكتاب، فإن كان أراد أن ينظر في الأسلوب ورقته وتفتق الكلمات فالحق أن الرجل أوتي حظاً عظيماً في هذا. أما قضية سيد رحمة الله تعالى عليه في كتابه جاهلية القرن العشرين، وهذه النظرية لا يوافق عليها، وتضرر الناس بسببها كثيراً، فإذا كان الإنسان طالب علم يميز هذا من ذاك فلا بأس أن يقرأ في ظلال القرآن لـ سيد غفر الله له ورحمه، ورحم أموات المسلمين جميعاً.

معنى تعليق الخلود بالمشيئة في سورة هود

معنى تعليق الخلود بالمشيئة في سورة هود Q سائل يسأل عن قول الله: {فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ * خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ * وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ} [هود:106 - 108]؟ A العلماء لهم في هذه المسألة ثمانية أقوال وأكثرها فيها ضعف، وأرجحها عندي والعلم عند الله أن قوله: (إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ) تعليق للأمر بالمشيئة، والمقصود منه بيان عظيم القدرة الإلهية، كما يقول الله: {وَهُوَ عَلَى جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاءُ قَدِيرٌ} [الشورى:29] ومعلوم أن الله جل وعلا قادر على جمعهم وقد حكم بجمعهم، فـ (إذا يشاء) إنما هي لبيان القدرة، وكذلك قوله: (إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ) لبيان أن الله جل وعلا هو المتصرف المالك العظيم، لا أن أهل النار يخرجون منها، ولا أن أهل الجنة يخرجون منها.

من الوصايا السياسية

من الوصايا السياسية المقدم: اذكر لنا شيئاً عن الوصايا السياسية والأدبية؟ الشيخ: من الوصايا السياسية قالوا: إن عبد الملك بن مروان لما أوصى ابنه الوليد قال: يا بني! من قال برأسه هكذا -يعني: قال لك: لا، في الحكم- فقل بسيفك هكذا. وهذا لأن المرحلة الزمنية للوليد كانت تستوجب هذا. يذكر أحد العرب أنه أتى برماح متفرقة وأعطاها بنيه قبل أن يموت وقال: فكونوا جميعاً يا بني إذا اعترى خطب ولا تتفرقوا آحادا تأبى الرماح إذا اجتمعن تكسراً وإذا افترقن تكسرت أفرادا

حكم إنظار المدين الذي لا يجد ما يسدد به دينه

حكم إنظار المدين الذي لا يجد ما يسدد به دينه المقدم: لقد ذكرت أن الدين قدم على الوصية فقهياً؛ لكن المدين قد لا يجد ما يسدد به الدين، فما حكم إنظاره؟ الشيخ: أبدأ بقصة تاريخية غريبة: كان محمد بن سيرين رحمة الله تعالى عليه أحد أعلام التابعين، وكان يعبر الرؤى، وذات يوم أتاه رجل فقال: رأيت رجلاً مكشوف الساق وقد نبت الشعر في ساقه، فما تأويلها؟ قال رحمه الله: هذا رجل يركبه دين فيسجن فيموت في سجنه. قال الرجل الذي يسأل: رأيتها فيك، فوقع ما عبره على نفسه، فركبه دين رحمه الله وسجن ومات في السجن، وفي فترة سجنه مات أنس بن مالك رضي الله عنه وأرضاه، فأوصى أن يغسله محمد بن سيرين، فأخرج من سجنه مؤقتاً للتغسيل والتكفين والصلاة على أنس، ثم عاد إلى سجنه، وتحقق تأويله فمات في سجنه. قد يقول إنسان: ما علاقة ساق مكشوفة بالدين؟ و A أن كشف الساق كناية عن الكرب في أحد أوجه التفسير في قوله: {يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ} [القلم:42]. ثم أقول: القرض يكون إلى مدة معينة، فكان العرب إذا جاء الأجل ولم يجد المقترض شيئاً يسد به، قال له المقرض: إما أن تقضي وإما أن تربي، أي: أؤخر في الأجل وأزيد في المال، وهذا عين الربا الذي حرمه الله بقوله: {لا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً} [آل عمران:130]، وأبدل الله جل وعلا المجتمع المسلم بقوله: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} [البقرة:280]، فيجب إنظار المعسر. ثم قال الله: {وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة:280] والتصدق: أن تتنازل بالكلية، وهو مندوب. وهذه إحدى حالتين في الشرع الندب أفضل فيها من الواجب، والحالة الثانية رد السلام، فإن الابتداء به مندوب إليه، والرد: واجب، لكن المبتدئ بالسلام أفضل من حيث الجملة. النبي صلى الله عليه وسلم بين فضيلة من يقرض الناس ثم يتنازل، أو بتعبير أصح: من أعفى معسراً، يقول عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت: خرجت أنا وأبي نطلب العلم في هذا الحي من الأنصار قبل أن يهلكوا، حتى أتينا أبا اليسر -وهو صحابي اسمه كعب بن عمرو - فمن جملة ما تذاكروه مسألة الدين، فقال أبو اليسر رضي الله عنه وأرضاه وقد أسن يومئذ قال: فإني أبصرت عيناي وأشار إلى عينيه، وسمعت أذناي وأشار إلى أذنيه، ووعى قلبي وأشار إلى مناط قلبه، النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول: (من أنظر معسراً أو وضع عنه أظله الله تحت ظله). هذا باب رحمة واسع جداً، فكثير من الناس قد لا يكون له حظ من العبادة من قيام ليل ومن صيام وحضور محاضرات، ويكون ذا مال، والإنسان الذي عنده مال يجلس الساعات حتى يحافظ عليه، فيدير تجارته ويقيم أموره، فتأتي هذه الأبواب رحمة من الله لهم في أن تقربهم من الله فيدركوا ما أدركه الذاكرون والقانتون والصائمون.

تقديم الإناث على الذكور في قوله الله: (يهب لمن يشاء إناثا)

تقديم الإناث على الذكور في قوله الله: (يهب لمن يشاء إناثاً)

سبب تقديم الإناث على الذكور

سبب تقديم الإناث على الذكور المقدم: أنتقل إلى نموذج آخر في كتاب الله عز وجل، يقول عز من قائل: {لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ} [الشورى:49] إلى آخر الآية، ما سبب تقديم الإناث على الذكور في هذه الآية، وقبل ذلك ما سبب تصدير الآية بقوله تعالى: (لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ)؟ الشيخ: أما التصدير فإن الله أراد قبل أن يبين لخلقه أنه يهب لمن يشاء إناثاً ويهب لمن يشاء الذكور: أن ملكه جل وعلا أعظم من ذلك، بل إن كل شيء تحت تصرفه وملكه تبارك وتعالى، وما إيتاء الإناث أو الذكور، أو تزويج الذكران والإناث أو جعل من يشاء عقيماً إلا واحدة من عظيم ملكه وجليل قدرته تبارك وتعالى، وتقديم الجار والمجرور فيه دلالة على الحصر: {لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ} [الشورى:49]. ثم قال: {يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ} [الشورى:49] ووالله إن الوصول إلى نيل رحمة الله إنما ينطلق أولاً من الإيمان بعظمة الله تبارك وتعالى. قال الله: {يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ} [الشورى:49] هذا موضع السؤال، نحن متفقون من حيث الجملة على أن الذكر أفضل من الأنثى، وأن لكل منهما خصائص: {وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنْثَى} [آل عمران:36] والله يقول: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ} [النساء:34] والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (كمل من الرجال كثير ولم يكمل من النساء إلا) وعد، لكن هذا لا يعني بخسهن حقوقهن، بل يوجد نساء أفضل من الرجال، كما قال المتنبي: ولو كان النساء كمن فقدنا لفضلت النساء على الرجال فما التأنيث لاسم الشمس عيب ولا التذكير فخر للهلال الذي يعنينا: أن قدم الله الإناث للوصية بهن، وللاستئناس بهن، ولإظهار التيمن بهن، قال بعض العلماء: إن المرأة إذا كان بكرها أنثى دل ذلك على يمنها، ولا يعني ذلك أنه إذا كان أول مولود لها ذكراً أنه يكون شؤماً؛ لأن إثبات اليمن لأحد لا يعني نفيه عن الآخرين. نأتي بمثال من الفقه: النبي عليه الصلاة والسلام قال: (اجعلوا آخر صلاتكم وتراً) ولم يقل: لا تصلوا بعد الوتر، فلو جاء إنسان وأراد أن يقوم الليل ولكنه خاف أن ينام فصلى وأوتر ثم نام، ثم قام من الليل وأراد أن يصلي فلا نقول له: لا تصلي؛ لكن نقول له: لا توتر، فهناك فرق بين قولنا: (اجعلوا آخر صلاتكم وتراً) وقولنا: لا تصلوا بعد الوتر. ومثله عندما نقول: إن المرأة يدل على يمنها أن يكون أول مولود لها أنثى، ولا يعني هذا أن من كان لها أول مولود ذكراً أنها شؤم؛ لكن الأول ثابت بظاهر القرآن. والإناث حجاب من النار، يقولون: رجل حملت امرأته ست مرات في كل حمل لها تضع أنثى، فلما حملت السابع هددها وتوعدها إن كان الحمل أنثى، أشرفت المرأة على أن تضع نام فرأى فيما يرى النائم أنه يساق إلى جهنم وجهنم لها سبعة أبواب، فلما ساقته الملائكة إلى الباب الأول وجد ابنته الأولى تصد الملائكة أن يدخلوه النار، وهكذا في الباب الثاني والثالث والرابع والخامس حتى أتي به إلى السادس فوجد ابنته تصد، فأتي به إلى الباب السابع فقام فزعاً وهو يقول: اللهم اجعله أنثى، اللهم اجعله أنثى! يقول الله: {وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} [هود:123] مناط الدين إذا فهم الإنسان أن الله له غيب السماوات والأرض، وإليه يرجع الأمر كله، فأقام التوحيد والفرائض على الوجه الأكمل، وأوكل أمره إلى الله، والإنسان لا يدري أين الخير: وما أدري إذا يممت أرضاً أريد الخير أيهما يليني أألخير الذي أنا أبتغيه أم الشر الذي هو يبتغيني إنما يميز بين من يعرف الله حقاً ومن لا يعرف الله حقاً عند حصول النعمة أو الابتلاء، فالأول إذا حصلت النعمة يتلقاها بقبول وهو يعلم أن هذه النعمة ليس له فيها حول ولا طول ولا قوة، وأنها رحمة من الله له فيسأل الله الشكر، {رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ} [النمل:19] وإذا حصل الابتلاء فيما تكرهه النفس فإنه يرضى ويعلم أن رحمة الله به أكبر، ويصبر ويحاول أن يرتقي إلى مسألة الرضا ويظهر لله جل وعلا ما يحب، ويعلم أن الخير كله بيد الله جل وعلا والشر ليس إليه.

الابتلاء بالعقم

الابتلاء بالعقم المقدم: الابتلاء قد يكون إكراماً للإنسان، والبعض قد يكرمه الله ويبتليه بمسألة العقم وعدم الإنجاب، لعلنا نتحدث عن هذه المسألة قليلاً؟ الشيخ: نعم، هي منطوية مندرجة تحت هذا، {وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ} [هود:123] الله أعلم بما يصلحك، والله أعلم بما ينفعك، والله أعلم بما تصل به إليه: فاستقدر الله خيراً وارضين به فبينما العسر إذ دارت مياسير هذا لا يعني أن لا يأخذ الإنسان بالأسباب، لكن هو يخطو إليها راضياً بقضاء الله وقدره مسلماً أمره إلى الله، عالماً أن ما عند الله جل وعلا من الخير أعظم مما يطلبه، وهو يجهل أين موطن الخير، وربما كان حتفه فيما تمناه، لكن الإنسان يسلم أمره إلى الله ويأخذ بالأسباب المشروعة، وكلما كان القلب راضياً عن الله كان أقرب إلى أن ينال رضوان الله. فالله جل وعلا ذكر أخباراً من الصالحين من أنبيائه ورسله أنهم كانوا راضين كل الرضا عن الله سواء الذين أعطوا والذين منعوا، والذين نجوا والذين ماتوا، فحياة السعادة في الرضا عن الله جل وعلا وعلى أمره وقدره.

إكرام المرأة في الإسلام

إكرام المرأة في الإسلام المقدم: قبل أن أخرج من هذا النموذج إلى نموذج آخر لعلنا نقف سريعاً مع ما يتعلق بإكرام القرآن والسنة للمرأة، من أجل إسكات الأصوات النشاز التي تنادي بما هو إذلال للمرأة وليس إكراماً لها؟ الشيخ: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يكرمهن إلا كريم، ولا يهينهن إلا لئيم) والرجل لا تظهر رجولته حقاً إلا إذا تعامل مع أنثى، فإذا تعامل مع أنثى في قضية أنها مخلوق ضعيف، فإذا كان ذئباً بشرياً يجعل من منصبه أو قدرته أو ماله سبيلاً للسيطرة عليها، أو استدراجها إلى ما حرم الله، أو حتى إذا كانت زوجة يضطهدها، أو كانت أختاً يمنعها حقها، أو أماً يعقها، فهذا يدل على نقص الرجولة كثيراً عنده؛ ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: (إنهن عوان عندكم) ووصى صلى الله عليه وسلم بهن فقال: (النساء وما ملكت أيمانكم)، فأوصى صلى الله عليه وسلم بالإحسان إليهن؛ لأن هذا الأمر يظهر رجولة الرجل. الرجل العظيم حقاً في نفسه لا يبحث عن عظمته عند الضعفاء، وإنما يحسن إليهم؛ لأن الإنسان إذا اضطهد من دونه كأنه يقول: أنا لا أجد أحداً أقدر عليه إلا هذا الضعيف، فهو يظهر نقصه وعجزه، والمرأة ضعيفة، فالإحسان إليها أمر محمود يدل على حسن المعدن وكرامة الأصل وسلامة المنبت. والإنسان يتقي فيها إن كانت زوجة أن يؤتيها حقوقها مع إكرامها، خاصة أمام بنيها وبناتها، وأن لا يهينها أمامهم، وإن كان ثمة شيء يكون بينه وبينها، ويكرمها أعظم إكرام إن كانت أماً، ولا يكرم أحداً من الخلق أعظم من أمه، إلا النبي صلى الله عليه وسلم، وهو غير حي حتى يكرم إكراماً حسياً. ثم إكرامها إن كانت خالة أو عمة، أو إحدى محارمه، بأن يتقي الله جل وعلا فيها ويبرها، ويكرمها إن كانت جارة، ويكرمها إن كانت مؤمنة فلا يرضى لها إلا ما يرضاه لنفسه الرضا الشرعي. وهذه منازل يتفاوت الناس فيها تفاوتاً عظيماً.

تقديم الضحك على البكاء في سورة النجم

تقديم الضحك على البكاء في سورة النجم المقدم: قال الله تعالى: {وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى * وَأَنَّهُ هُوَ أَمَاتَ وَأَحْيَا} [النجم:43 - 44] السؤال المتبادر: ما سبب تقديم الضحك على البكاء؟ الشيخ: الآية تدل على أن الله جل وعلا خالق الأفعال وأسبابها، وهي انتصار لمذهب أهل السنة في أن الله جل وعلا خالق الأفعال وأسبابها، وأنه لا يقع شيء إلا والله جل وعلا قد علمه وكتبه وأراده جل وعلا، فتجري عليه أحكام القدر الأربعة، هذا ما تدل عليه الآية عموماً، فهي مسوقة في الثناء والمدح للذات العلية تبارك وتعالى. وأما تقديم الضحك على البكاء، فذلك لأن الضحك سببه السرور والفرح، وهو مقدم هنا لأنه نوع من الاستئناس، والبكاء غالباً يكون موضع حزن. والموت ربما قدمه الله لإظهار القهر على بني آدم، كما قدمه في قوله: {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ} [الملك:2] هذا قول. وقول آخر: أن الأصل هو الموت، فالناس أصلاً لم يكونوا شيئاً، قال الله في أول الإنسان: {هَلْ أَتَى عَلَى الإِنسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا} [الإنسان:1].

الفرح الشرعي بالعيد

الفرح الشرعي بالعيد المقدم: نحن اليوم حديثو عهد بعيد، والفرحة ما زالت مستمرة أسأل الله عز وجل أن يجعل أيامك وأيام المشاهدين كلها أفراحاً وسعادة. وفرحة العيد بعض الناس قد يتجاوز فيها، فلعلنا نبين الضوابط الشرعية في ذلك؟ الشيخ: دين الله ما بين الجافي عنه والمغالي فيه، نظر صلى الله عليه وسلم وهو أعظم الناس تقوىً وورعاً إلى الحبشة وهم يلعبون بحرابهم في مسجده، فقال: (دونكم يا بني أرفدة! حتى تعلم يهود أن في ديننا فسحة، إنما بعثت بحنيفية سمحة) هذه أيام عيد يغض فيها ما لا يغض في غيرها، فيترك للناس فرحتهم من حيث الإجمال، لكن لا ينبغي للناس أن يفرحوا فرحاً غير شرعي يكون فيه الاختلاط المحرم، أو جني الآثام أو مطالب غير محمودة؛ هذا كله محرم. العيد ينبغي أن يظهر على الناس الفرحة، وأحياناً يقع من بعض الناس اجتهاد في أمور قد لا يحسن فعلها في أيام العيد، ولا حاجة للتنصيص، لكن ينبغي أن يعرف الإنسان أنه ما سمي عيداً إلا ليظهر الإنسان فيه فرحته وبهجته. ونذكر بعض المواطن التي فرح فيها الرسول صلى الله عليه وسلم؛ فإنه ما فرح أحد أعظم من نبينا صلى الله عليه وسلم، يقول الله: {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا} [يونس:58] سجل التاريخ مواطن فرح النبي صلى الله عليه وسلم منها: قدوم جعفر بن أبي طالب ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذي هاجر إلى الحبشة، وكان الرسول يحبه حباً جماً والتقى بالنبي صلى الله عليه وسلم أثناء عودته من الحبشة في خيبر، عندما فتح النبي صلى الله عليه وسلم خيبر. ذكر أصحاب السير أنه صلى الله عليه وسلم قال: (لا أدري بأيهما أنا أسر بقدوم جعفر أم بفتح خيبر) ثم قبله بين عينيه والتزمه صلوات الله وسلامه عليه. ومن فرحك الله به يحزنك به إذا أمد في العمر، فالنبي صلى الله عليه وسلم فرح بقدوم جعفر ثم لم يلبث أن حزن على وفاة جعفر، وعلى قدر فرحه بقدوم جعفر كان حزنه على وفاة جعفر، فقدوم جعفر كان فرحاً، والغائب إذا كان محبوباً تبقى له وحشة وفرحة للقاء لا تعدلها فرحة، يقول ابن زريق: أستودع الله في بغداد لي قمراً بالكرخ من فلك الأزغار مطلعه ودعته وبودي لو يودعني صفو الحياة وأني لا أودعه وكم تشبث بي يوم الوداع ضحى وأدمعي مستهلات وأدمعه المقصود: أن لقاء الغائب أمر محمود، فكان جعفر غائباً مدة طويلة عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو ابن عمه وقريبه، وأحد المؤمنين به من أنصاره، فلما رآه التزمه صلى الله عليه وسلم وأظهر فرحه. من مواطن فرح الإنسان أن الإنسان يشعر بنوع من التأييد، وهذا أمر يحتاجه كل أحد ولو كان نبياً، وقد أخبر عليه الصلاة والسلام أصحابه بخبر الدجال، ثم لم يلبث مدة حتى جاء تميم بن أوس الداري رضي الله عنه وأرضاه من أهل الشام وكان نصرانياً فلما قدم المدينة بايع وأسلم وقص على النبي صلى الله عليه وسلم ما رآه من خبر الدجال، ففرح النبي عليه الصلاة والسلام وهو في غنىً أن يشهد له أحد من الخلق. وكان هناك صلاة، فصلى الناس فارتقى صلى الله عليه وسلم على المنبر وقال: (ليلزمن كل أحد منكم مصلاه) ثم جلس على أعواد منبره وهو يضحك صلوات الله وسلامه عليه، ثم قال: (أيها الناس! ما جمعتكم لرهبة ولا لرغبة، ولكن تميماً كان نصرانياً فجاء وبايع وأسلم). ثم حدثهم حديث الدجال كما قصه عليه تميم، وهذا عند أهل الحديث من رواية الفاضل عن المفضول، فإن النبي صلى الله عليه وسلم أفضل من تميم قطعاً، وهو هنا يروي عن تميم، فأخبر عن تميم ثم قال صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق: (ألم أكن قد أخبرتكم بهذا؟ قالوا: بلى، قال: فأعجبني أن وافق حديثه حديثي). فالمقصود من هذا: أن الإنسان يشعر بالفرح إذا أيد، فلا نبخل على من حولنا بكلمة تشجيع، ولا بكلمة تأييد، ولا بكلمة نصرة، فنفرق ما بين الرياء وغير الرياء، أحياناً نصلي نحن وراء أئمة حسنة أصواتهم فنحاول قدر الإمكان أن نبعث لهم رسالة: أن الله جل وعلا من علينا بالخشوع وراءكم والإعجاب بأصواتكم، فهذه تبعث فيهم نوعاً من التأييد، وهذا فضل من الله جل وعلا ورحمة. القصة المشهورة أنه نظر إلى أصحابه وهم يصلون خلف أبي بكر فقرت عينه، واطمأنت نفسه، وتهلل وجهه، المؤمن الحق المنصف يحب اجتماع الكلمة يحب وحدة الصف ناصحاً لولاة أمره لا يريد أن يشق عصا طاعة عليهم، ويعلم أن الصلاة أعظم العبادات وأشرف الفرائض بعد التوحيد، فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم الأمة قد اجتمعت خلف رجل واحد تصلي بصلاته ويأتموا به قرت عينه واطمأنت نفسه، فهذا من مواطن فرحه صلوات الله وسلامه عليه.

آيات السؤال في القرآن الكريم

سلسلة القطوف الدانية - آيات السؤال في القرآن الكريم ورد في القرآن الكريم تعليمات عظيمة بعضها جاء على طريقة السؤال، ثم يبين الله تعالى الجواب المناسب له بصور بلاغية رائعة تجذب الوجدان وتشد الذهن

السؤال عن اليتامى

السؤال عن اليتامى

من هو اليتيم

من هو اليتيم المقدم: نبدأ بقوله تعالى: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَعْنَتَكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [البقرة:220]، فاليتم قصة طويلة، والبعض يعيش مآسي في هذه القصة، فنريد أن نخصص لها جزءاً من الحلقة ونبدأ بتحرير معنى (اليتيم) من الناحية اللغوية ومن ناحية الاصطلاح. الشيخ: اليتم من الناحية اللغوية معناه الانفراد. فيقال: بيت يتيم في القصيدة، أي: بيت لا مثيل له، فالشيء إذا كان منفرداً يسمى يتيماً، ولذلك يقال للدرة: يتيمة. وفي الاصطلاح: انفصال الشيء عمن يرعاه، يقول المعنيون باللغة: يتيم الإنسان من فقد أباه دون البلوغ، ويتيم الحيوان من فقد أمه، ويتيم الطير من فقد أبويه. وقلنا: (انفكاكه عمن يرعاه) لأن حاجة الإنسان إلى من يرعاه حاجة ملحة، ولهذا مر معنا أن الله لما أراد أن يطمئن موسى قال: {أَنَا رَبُّكَ} [طه:12]، ولذلك إذا خليت الدرة عن صدفها الذي يحويها سميت درة يتيمة، وإذا كانت في صدفها فلا تسمى درة يتيمة لعدم انفكاكها عما يرعاها.

التحذير من أكل أموال اليتامى ومتى تدفع إليهم

التحذير من أكل أموال اليتامى ومتى تدفع إليهم المقدم: لقد تكفل الله برعاية اليتيم، لكن أحيانا يتسلط بعض الأولياء على هذه الأموال، فما نصيحتكم لهؤلاء الأولياء على الأيتام؟ وما هو الوقت المناسب لدفع هذه الأموال إلى أصحابها؟ الشيخ: يقول الله: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ} [البقرة:220]، أي: جواباً لهم، {إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ} [البقرة:220]، وكلمة (إصلاح) يقصد بها ثلاثة شئون: إصلاح مالي، ونجعله في الأخير، وإصلاح اجتماعي، وإصلاح إنساني. الإصلاح الإنساني يكون بملاطفته ومراعاة شعوره؛ لأنه قد حرم من يرعاه أصلاً وهو أبوه، أما الإصلاح الاجتماعي فيكون بإيوائه، وأما الإصلاح المالي فاتقاء الله جل وعلا في ماله، والله جل وعلا حذر الأوصياء والأولياء المعنيين بأموال اليتامى من ذلك، فقال الله في سورة مكية -أي: من أوائل ما أنزل-: {وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ} [الأنعام:152]، وهذه الفقرة من الآية جاءت منصوصة في الأنعام والإسراء. وقال جل وعلا: {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعَيرًا} [النساء:10]، الدنيا تأسر صاحبها، فمن نظر إليها على أنها باقية ألهته عن الآخرة، وجعلته ينكب عليها وينسى أنه سيسأل، وقد مر معنا في اللقاء الماضي أن الإنسان إذا مات يخسر ماله كله، وفي نفس الوقت يسأل يوم القيامة عن ماله كله، وهو بمجرد مفارقة روحه لجسده يخسر المال، لكنه يوم القيامة يسأل عن ماله كله. أما متى يعطى اليتيم ماله فإن الله قال: {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى} [النساء:6]، أي: اختبروهم: {حتى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ} [النساء:6]، ويقصد به القوة البدنية: {فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا} [النساء:6]، أي: القوة العقلية، فالرشد حسن التصرف في المال، وخروج الإنسان عن أن يكون سفيهاً، فهذا مناط تحقيق إعطاء المال له. ثم قال الله بعدها: {فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} [النساء:6]، وأمر بعد بالشهادة وتقوى الله، وحذر من أن الله جل وعلا على كل شيء حسيب. المقصود من هذا أن كل من أوكل الله جل وعلا إليه حقاً لأحد يتيماً أو غير يتيم، فليتق الله في هذا المال، ولئن كنا نقدر أحياناً على أن نخدع من يراقبنا، أو أن نخدع القضاة، أو أن نخدع غيرهم ممن أعطي حكماً علينا، فإنه محال لنا ولغيرنا أن نخدع ربنا جل جلاله، والدنيا زهرة حائلة، ونعمة زائلة، ولا بد من الوقوف بين يدي الله جل وعلا، الذي لا تخفى عليه خافية، والسر عنده علانية. فتقوى الله في كل شيء أمر مطلوب، وتقوى الله في مال اليتامى أمر منصوص عليه شرعاً، أخبر الله جل وعلا عنه: {وَلا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَنْ يَكْبَرُوا} [النساء:6]، ثم قال: {إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا} [النساء:2].

التضحية من مال اليتيم

التضحية من مال اليتيم المقدم: لقد قرب موسم الأضحية، والسؤال الذي تبادر لدى الناس: هل يضحى من مال اليتيم، أو يضحى من مال وليه؟ الشيخ: نحن نعرف أن الأضحية عبادة محضة يتقرب بها إلى الله جل وعلا، وهناك خلاف في وجوبها، ولا خلاف أنها سنة من أعظم السنن، أما أن يضحي الإنسان من مال اليتيم فإنا نفصل ونقول: إذا ضحى الإنسان من ماله عن اليتيم فلا حرج، لكن إذا كان هناك وصي أو ولي على يتيم، ولديه أموال لهذا اليتيم -وهذا سؤالكم- فهل يضحى عن اليتيم أو لا يضحى؟ هي مسألة خلاف بين الفقهاء، لكنني أقول: ما ذكره بعض أهل العلم، ونص عليه ابن قدامة في المغني، وهو الأقرب للصواب إن شاء الله، أن يقال: ينظر في هذا اليتيم، هل ينكسر قلبه إن كان له مال ولم يضح عنه أو لا؟ فإن كان ينكر ضحي عنه. أما إذا كان دون الأربع أو الخمس فهو لا يفقه ما معنى (أضحية) فلا يضحى عنه، لأنه أصلاً لن يفرح بتلك الأضحية، ولن يراها مجدية، ولا يدري أن أحداً ضحى عنه؛ لأنه صبي صغير لا يميز. لكن إذا كان عمر اليتيم مثلاً عشر سنوات أو ثلاث عشرة سنة، وكان له أقران، فرأى أن آباءهم يضحون، وهو يحب أن يضحي من ماله مثلهم فللوصي أن يضحي عن اليتيم من ماله حتى ينجبر قلبه، ويفرح بين أقرانه، ويجد شعوراً حسناً في النفس، وهذا أمر مقصود شرعاً، داخل في قول الله جل وعلا: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ} [البقرة:220]. لكن لا نتصدق باللحم عنه؛ لأن مال اليتيم لا يتصدق به تطوعاً، وإنما يأكل منها هو ومن جرت العادة أن يأكل معه، كأقرانه أو أمه، أو جده، أو وصيه، أو ما أشبه ذلك، المهم أنه لا يتصدق منها؛ لأنه لا تجوز الصدقة من مال اليتيم، وغالب الظن أن هذا أرجح أقوال العلماء في المسألة.

مكافأة اليتيم لمن أحسن الولاية عليه

مكافأة اليتيم لمن أحسن الولاية عليه المقدم: هناك من يتولى على اليتامى فيحسن الولاية، فكيف يرد إليه اليتيم هذا الجميل. الشيخ: اليتامى كفاهم شرفاً أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتيماً، يقول شوقي: ذكرت باليتم في القرآن تكرمة وقيمة اللؤلؤ المكنون في اليتم وهذا أمر يحصل قدراً، وليس لأحد قدرة في دفعه أو جلبه. هؤلاء اليتامى من نشأ يتيماً وقد أحسن إليه وليه أو وصيه أو أحد غيرهما، فإن من أعظم المكافأة الدعاء، ثم إذا كبر اليتيم بعد أن خرج من رتبة اليتم وأصبح ذا شأن فإن من حقه أن يكافئهم بالهدايا وبالإحسان إليهم، وتفقد أبنائهم، ورد البر لهم معنوياً أو مادياً.

السؤال عن اليتامى

السؤال عن اليتامى

من هو اليتيم

من هو اليتيم المقدم: نبدأ بقوله تعالى: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَعْنَتَكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [البقرة:220]، فاليتم قصة طويلة، والبعض يعيش مآسي في هذه القصة، فنريد أن نخصص لها جزءاً من الحلقة ونبدأ بتحرير معنى (اليتيم) من الناحية اللغوية ومن ناحية الاصطلاح. الشيخ: اليتم من الناحية اللغوية معناه الانفراد. فيقال: بيت يتيم في القصيدة، أي: بيت لا مثيل له، فالشيء إذا كان منفرداً يسمى يتيماً، ولذلك يقال للدرة: يتيمة. وفي الاصطلاح: انفصال الشيء عمن يرعاه، يقول المعنيون باللغة: يتيم الإنسان من فقد أباه دون البلوغ، ويتيم الحيوان من فقد أمه، ويتيم الطير من فقد أبويه. وقلنا: (انفكاكه عمن يرعاه) لأن حاجة الإنسان إلى من يرعاه حاجة ملحة، ولهذا مر معنا أن الله لما أراد أن يطمئن موسى قال: {أَنَا رَبُّكَ} [طه:12]، ولذلك إذا خليت الدرة عن صدفها الذي يحويها سميت درة يتيمة، وإذا كانت في صدفها فلا تسمى درة يتيمة لعدم انفكاكها عما يرعاها.

التحذير من أكل أموال اليتامى ومتى تدفع إليهم

التحذير من أكل أموال اليتامى ومتى تدفع إليهم المقدم: لقد تكفل الله برعاية اليتيم، لكن أحيانا يتسلط بعض الأولياء على هذه الأموال، فما نصيحتكم لهؤلاء الأولياء على الأيتام؟ وما هو الوقت المناسب لدفع هذه الأموال إلى أصحابها؟ الشيخ: يقول الله: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ} [البقرة:220]، أي: جواباً لهم، {إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ} [البقرة:220]، وكلمة (إصلاح) يقصد بها ثلاثة شئون: إصلاح مالي، ونجعله في الأخير، وإصلاح اجتماعي، وإصلاح إنساني. الإصلاح الإنساني يكون بملاطفته ومراعاة شعوره؛ لأنه قد حرم من يرعاه أصلاً وهو أبوه، أما الإصلاح الاجتماعي فيكون بإيوائه، وأما الإصلاح المالي فاتقاء الله جل وعلا في ماله، والله جل وعلا حذر الأوصياء والأولياء المعنيين بأموال اليتامى من ذلك، فقال الله في سورة مكية -أي: من أوائل ما أنزل-: {وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ} [الأنعام:152]، وهذه الفقرة من الآية جاءت منصوصة في الأنعام والإسراء. وقال جل وعلا: {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعَيرًا} [النساء:10]، الدنيا تأسر صاحبها، فمن نظر إليها على أنها باقية ألهته عن الآخرة، وجعلته ينكب عليها وينسى أنه سيسأل، وقد مر معنا في اللقاء الماضي أن الإنسان إذا مات يخسر ماله كله، وفي نفس الوقت يسأل يوم القيامة عن ماله كله، وهو بمجرد مفارقة روحه لجسده يخسر المال، لكنه يوم القيامة يسأل عن ماله كله. أما متى يعطى اليتيم ماله فإن الله قال: {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى} [النساء:6]، أي: اختبروهم: {حتى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ} [النساء:6]، ويقصد به القوة البدنية: {فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا} [النساء:6]، أي: القوة العقلية، فالرشد حسن التصرف في المال، وخروج الإنسان عن أن يكون سفيهاً، فهذا مناط تحقيق إعطاء المال له. ثم قال الله بعدها: {فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} [النساء:6]، وأمر بعد بالشهادة وتقوى الله، وحذر من أن الله جل وعلا على كل شيء حسيب. المقصود من هذا أن كل من أوكل الله جل وعلا إليه حقاً لأحد يتيماً أو غير يتيم، فليتق الله في هذا المال، ولئن كنا نقدر أحياناً على أن نخدع من يراقبنا، أو أن نخدع القضاة، أو أن نخدع غيرهم ممن أعطي حكماً علينا، فإنه محال لنا ولغيرنا أن نخدع ربنا جل جلاله، والدنيا زهرة حائلة، ونعمة زائلة، ولا بد من الوقوف بين يدي الله جل وعلا، الذي لا تخفى عليه خافية، والسر عنده علانية. فتقوى الله في كل شيء أمر مطلوب، وتقوى الله في مال اليتامى أمر منصوص عليه شرعاً، أخبر الله جل وعلا عنه: {وَلا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَنْ يَكْبَرُوا} [النساء:6]، ثم قال: {إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا} [النساء:2].

التضحية من مال اليتيم

التضحية من مال اليتيم المقدم: لقد قرب موسم الأضحية، والسؤال الذي تبادر لدى الناس: هل يضحى من مال اليتيم، أو يضحى من مال وليه؟ الشيخ: نحن نعرف أن الأضحية عبادة محضة يتقرب بها إلى الله جل وعلا، وهناك خلاف في وجوبها، ولا خلاف أنها سنة من أعظم السنن، أما أن يضحي الإنسان من مال اليتيم فإنا نفصل ونقول: إذا ضحى الإنسان من ماله عن اليتيم فلا حرج، لكن إذا كان هناك وصي أو ولي على يتيم، ولديه أموال لهذا اليتيم -وهذا سؤالكم- فهل يضحى عن اليتيم أو لا يضحى؟ هي مسألة خلاف بين الفقهاء، لكنني أقول: ما ذكره بعض أهل العلم، ونص عليه ابن قدامة في المغني، وهو الأقرب للصواب إن شاء الله، أن يقال: ينظر في هذا اليتيم، هل ينكسر قلبه إن كان له مال ولم يضح عنه أو لا؟ فإن كان ينكر ضحي عنه. أما إذا كان دون الأربع أو الخمس فهو لا يفقه ما معنى (أضحية) فلا يضحى عنه، لأنه أصلاً لن يفرح بتلك الأضحية، ولن يراها مجدية، ولا يدري أن أحداً ضحى عنه؛ لأنه صبي صغير لا يميز. لكن إذا كان عمر اليتيم مثلاً عشر سنوات أو ثلاث عشرة سنة، وكان له أقران، فرأى أن آباءهم يضحون، وهو يحب أن يضحي من ماله مثلهم فللوصي أن يضحي عن اليتيم من ماله حتى ينجبر قلبه، ويفرح بين أقرانه، ويجد شعوراً حسناً في النفس، وهذا أمر مقصود شرعاً، داخل في قول الله جل وعلا: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ} [البقرة:220]. لكن لا نتصدق باللحم عنه؛ لأن مال اليتيم لا يتصدق به تطوعاً، وإنما يأكل منها هو ومن جرت العادة أن يأكل معه، كأقرانه أو أمه، أو جده، أو وصيه، أو ما أشبه ذلك، المهم أنه لا يتصدق منها؛ لأنه لا تجوز الصدقة من مال اليتيم، وغالب الظن أن هذا أرجح أقوال العلماء في المسألة.

مكافأة اليتيم لمن أحسن الولاية عليه

مكافأة اليتيم لمن أحسن الولاية عليه المقدم: هناك من يتولى على اليتامى فيحسن الولاية، فكيف يرد إليه اليتيم هذا الجميل. الشيخ: اليتامى كفاهم شرفاً أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتيماً، يقول شوقي: ذكرت باليتم في القرآن تكرمة وقيمة اللؤلؤ المكنون في اليتم وهذا أمر يحصل قدراً، وليس لأحد قدرة في دفعه أو جلبه. هؤلاء اليتامى من نشأ يتيماً وقد أحسن إليه وليه أو وصيه أو أحد غيرهما، فإن من أعظم المكافأة الدعاء، ثم إذا كبر اليتيم بعد أن خرج من رتبة اليتم وأصبح ذا شأن فإن من حقه أن يكافئهم بالهدايا وبالإحسان إليهم، وتفقد أبنائهم، ورد البر لهم معنوياً أو مادياً.

تحليل الطيبات وما صادته الجوارح المعلمة

تحليل الطيبات وما صادته الجوارح المعلمة

معنى الجوارح المعلمة

معنى الجوارح المعلمة المقدم: ننتقل إلى آية المائدة وهي قوله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ} [المائدة:4]، ما معنى هذا المصطلح: {وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ} [المائدة:4]؟ الشيخ: آية المائدة مدنية، فالمسلمون يسألون نبيهم: {مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ} [المائدة:4]، فيخبر الله أن كل ما أباحه الله فهو طيب، ثم أخبر الله جل وعلا: {وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ} [المائدة:4]. الذي يعنينا أن هناك سباعاً طوعها الله لبني آدم لتصطاد لهم، وهي في ذاتها لا تؤكل، لكن ما تصيده هو الذي يؤكل؛ لأنها لو كانت غير ذات ناب أو غير ذات مخلب لأكلت، لكن هذا المعلم يصيد، وهو يصيد إما بنابه كالكلاب أو بمخلبه كالطير. فالناب والمخلب عند الجمهور يمنعان من أن يؤكل الحيوان، لكن يؤكل صيدها. والتعليم له ضوابطه المعروفة. وقوله: {مُكَلِّبِينَ} [المائدة:4]، اختلف في معناها، لكن المعنى الصحيح أنها كواسب تكسب لصاحبها.

حكم أكل الضبع

حكم أكل الضبع المقدم: هل الضبع من السباع المحرمة؟ الشيخ: الضبع في اللغة تطلق على الأنثى، أما الذكر فيقال له ضبعان. والمعنيون بعلم الحيوان يقولون إنه يتبدل، أي: يكون سنة ذكراً فيلقح، وسنة أنثى فيحمل ويلد. وهو مغرم بنهش القبور فعنده شهوة للحوم بني آدم، وأكثر الحيوانات رغبة في لحوم بني آدم الضباع. هذا الضبع اختلف فيه، ولكن الراجح والعلم عند الله جواز أكله، ففي الحديث الصحيح أن عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي عمارة سأل جابراً رضي الله تعالى عنه عن الضبع أصيد هو؟ قال: نعم، قال: أقاله رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم، وقد قال الشافعي رحمة الله تعالى عليه: وما زال الناس يأكلونه ويبيعونه بين الصفا والمروة من غير نكير. قد يتبادر الآن Q كيف كان الناس يبيعونه في الصفا والمروة؟ و A أن الصفا والمروة كانت خارج الحرم، وما أدخلت إلا في العهد السعودي المبارك، أما قديماً فقد كانت خارج الحرم.

شروط إباحة الصيد

شروط إباحة الصيد والفقهاء يقسمون الحيوان المباح إلى حيوان مقدور عليه وحيوان غير مقدور عليه، فيقولون في الحيوان المقدور عليه: إنه لا يحل إلا بتذكيته، فيشترطون التذكية للحيوان المقدور عليه مثل الإبل والبقر والغنم، أما الصيد فهو داخل في الحيوان غير المقدور عليه، والأصل في الصيد الإباحة، إلا إذا كان الإنسان في الحرم أو متلبساً بالإحرام، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال في الحرم: (ولا ينفر صيده)، ما دام لا يجوز تنفير صيده فمن باب أولى ألا يجوز قتله، نعم، وأما إذا كان متلبساً بالإحرام، فالله يقول: {لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} [المائدة:95]. وقال: {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا} [المائدة:96])) [المائدة:96]، الذي يعنينا هنا أن الاصطياد يقوم مقام الذكاة. ثم إنه إذا تم الصيد -سواء كان بآلة أو بسبع معلم أو طير- فإن هذا الحيوان المصاد لا يخلو من أحد أمرين: إما أن ندركه حياً حياة مستقرة أو لا. فإذا أدركناه حياً حياة مستقرة، وكان هناك وقت لأن نذكيه فإننا نذكيه جبراً، ولا خيار لنا فيه؛ لأنه لم يمت بعد، فيعامل معاملة الحيوان المقدور عليه. أما إذا أدركناه ميتاً انتهينا. لكن إذا أدركناه وهو حي حياة غير مستقرة أو حياة مستقرة لكن لم يبق زمن لأن نجلب السكين ونذكي فإن صيده يقوم مقام تذكيته. واشترطوا عندما نبعث الحيوان أن يكون الصائد من أهل الصيد عقلاً وديناً. وقصدوا بالعقل التمييز، أي ألا يكون صغيراً، ولا يكون مجنوناً، ولا سكران. وقصدوا بالدين أن يكون مسلماً أو من أهل كتاب، لأن أهل الكتاب تجوز أضحياتهم، وما دام تجوز أضحياتهم ينبغي أن يجوز صيدهم. وهذا هو الشرط الأول. الشرط الثاني: أن تكون آلة الاصطياد مما يجوز الصيد بها شرعاً. الشرط الثالث: ألا يأكل المعلم من الصيد، مثل رجل عنده كلب فبعثه، ثم إن الكلب صاد لكنه أكل من الصيد، فهنا خلاف بين العلماء والراجح أنه لا يجوز الأكل منه، لأن النبي صلى الله عليه وسلم كما في الصحيح من حديث عدي بن حاتم أنه قال له: (إذا أرسلت كلبك المعلم فأمسك فكل، إلا أن يكون الكلب أكل منه؛ فإنك لا تدري أمسكه على نفسه أو أمسكه لك).

الصيد لهو الكبار

الصيد لهو الكبار المقدم: ننتقل من هذه المباحث الفقهية إلى ما يتعلق بالأدب، والصيد لا شك أنه ورد في أكثر من موضع، فلو ذكرتم شيئاً من ذلك؟ الشيخ: يقولون إن الصيد من شأن الملوك، ونقل عن الملوك والأمراء محبة الصيد، وكان هذا شائعاً في الجاهلية وطرفة بن عبد لما ذكر قضية لهو الفتيان آنذاك ذكر أنه الصيد، كذلك كان امرؤ القيس يبدع في هذا الباب. الذي يعنينا أنه يمكن أن يقال: إن في حديث: (من اتبع الصيد غفل)، يدل على أن الإنسان يأخذ منه بقدر، والمباحات لا ينبغي المبالغات فيها؛ لكن من الأبيات الشهيرة هنا قول المتنبئ في دالية شهيرة: لكل امرئ من دهره ما تعودا وعادة سيف الدولة الطعن في العدا هو الجد حتى تفضل العين أختها وحتى يكون اليوم لليوم سيداً إلى أن قال: ومن يجعل الضرغام بازاً لصيده تصيده الضرغام فيما تصيدا هذا فقه اجتماعي، أو فقه إداري، ومعناه أن الإنسان لا يجعل من تحته ما هو أقوى منه، المتنبئ أراد أن يقول: أن الإنسان إذا أخذ صقراً فسيصيد الصقر له، وإن أخذ كلباً فإن الكلب سيصيد له؛ لكن لو جاء جاهل وأخذ أسداً يريد أن يصيد له فإن الأسد سيصيده قبل أن يصيد له والعاقل في إدارته وفي حياته كلها يمشي خطوات متوازنة في علاقاته مع الآخرين، وهذا فقه إداري كما قلت ولا أحب الاسترسال فيه حتى لا نفهمه خطأ، لكن أعني أن البيت مليء بالحكمة، ومن القصيدة قوله: ووضع الندى في موضع السيف بالعلا مضر كوضع السيف في موضع الندى وما قتل الأحرار كالعفو عنهم ومن لك بالحر الذي يحفظ اليدا إذا أنت أكرمت الكريم ملكته وإن أنت أكرمت اللئيم تمردا فالصيد كان علماً واسعاً، وهو إلى اليوم مظنة لهو للكبار.

الطريقة المثلى لقراءة التفسير

الطريقة المثلى لقراءة التفسير المقدم: سائل يسأل عن الطريقة المثلى لقراءة كتب التفسير مثل تفسير ابن كثير؟ الشيخ: علم التفسير علم عظيم، والعلماء رحمة الله تعالى عليهم بذلوا فيه جهداً واسعاً نسأل الله مثوبتهم، والناس تختلف قدراتهم، والملكات هي من فضل الله جل وعلا، لكن حبذا أن تقرأ بطريقتين: قراءة عامة بمعنى: أن تأخذ كتاباً مثل تفسير ابن كثير أو مختصراً من مختصرات تفسير ابن كثير فتقرأ فيه قراءة سردية متسلسلاً. وهناك طريقة أخرى: أن تختار آيات، وهذه لا تكون آيات أحكام؛ لأن الفقه يحتاج إلى نوع من الدراسة حتى يقوى الإنسان فيه. فيأخذ هذه الآيات ويقرؤها مبدئياً، ثم يقرأ في عدة تفاسير، فما لم يتوسع زيد أفاض فيه عمرو، فيقرأ بهذه الطريقة، وإذا حصل على لب المعلومة يقولها لغيره حتى تثبت في صدره. فهذا ينفع كثيراً في علم التفسير لكن يحتاج إلى طول زمان، ونحن نتكلم عن مائة وأربع عشرة سورة لا يمكن الإلمام بها بين عشية وضحاها، فهذه مسألة تفنى فيها أعمار، ولهذا قالوا: إن ابن جرير الطبري لما أراد أن يؤلف تفسيره هذا دعا الطلاب، فقالوا: في كم ورقة؟ قال: في ثلاثين ألف ورقة، قالوا: تفنى في هذا الأعمار، فقال رحمة الله تعالى عليه: الله المستعان! ذهبت الهمم، ثم جعله في ثلاثة آلاف ورقة، وهو الذي بين أيدينا، وهو الآن ينظر إليه أنه من المطولات، فهذه بعض الطرائق، ونسأل الله أن يوفق.

الطريقة المثلى لحفظ القرآن

الطريقة المثلى لحفظ القرآن المقدم: ما هي الطريقة المثلى لحفظ القرآن الكريم؟ الشيخ: هناك جواب يقوله الأكابر، وهو: قم به في الليل تحفظه في النهار. والأمر الثاني: المراجعات مع الأقران ومع أمثالهم، فهذه تثبت القرآن في قلبك.

إدخال التلفاز إلى البيوت من أجل قناة المجد

إدخال التلفاز إلى البيوت من أجل قناة المجد المقدم: سائل يسأل عن إدخال قناة المجد. الشيخ: يظهر أن السائل يسأل عن إدخال شيء في البيت، أنا أقول: هذا فيه تفصيل، فإذا كان أهل البيت لا يوجد عندهم صبية ولا صغار، ويرون اكتفاء ذاتياً في أنفسهم بحيث لا حاجة إلى تلفاز، فيقبل أنهم لا يدخلون على أنفسهم شيئاً، أما إذا كان في البيت صبية ولا بد من تفقيههم وتعليمهم فنحن لا نزكي على الله أحداً، ولكن هذه القناة قناة مباركة، وقد نفع الله بها خلقاً كثيراً، ونحن تكلمنا عن اليتيم وهي قناة يتيمة في القنوات مع إجلالنا لبعض غيرها من القنوات.

السؤال عن الجبال

السؤال عن الجبال

الأحداث السابقة لنسف الجبال يوم القيامة

الأحداث السابقة لنسف الجبال يوم القيامة المقدم: يقول عز من قائل: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا} [طه:105]، وقال بعد ذلك: {فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا} [طه:106]، ظاهر الآية يدل على أنها في المراحل الأخيرة هل ذكرت المراحل التي قبل هذا في القرآن الكريم؟ الشيخ: آية طه: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا} [طه:105]، مر معنا الكلام على الفاء، وقلنا إن الإمام الشنقيطي رحمة الله تعالى عليه قال إنها للتعقيب؛ لأن هذا يكون يوم القيامة، واستنباطكم صحيح؛ لأن الله قال: {قَاعًا صَفْصَفًا} [طه:106]، فلا بد من مراحل، والله لا يحيل إلى مجهول يقول الله: {يَوْمَ تَرْجُفُ الأَرْضُ وَالْجِبَالُ} [المزمل:14]. فإذاًَ أول التسيير على القول بأن التسيير يكون يوم القيامة: {وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ} [التكوير:3]، ثم الرجفة، ثم فيما يبدو -والعلم عند الله- أنها تحمل: {وَحُمِلَتِ الأَرْضُ وَالْجِبَالُ} [الحاقة:14]، ثم الدك: {فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً} [الحاقة:14]، ثم تكون كالعهن المنفوش، هكذا كلها مراحل، حتى تصل إلى قول الله جل وعلا: {فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا * فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا * لا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلا أَمْتًا} [طه:105 - 107].

التورع في الفتوى

التورع في الفتوى المقدم: سائل يسأل عن الفتوى والكلام في الدين، ما أهميته، وماذا يجب على من يتعاطى ذلك؟ الشيخ: هذه مسألة حسنة، وهي قضية أن الفتوى توقيع عن رب العالمين، والإنسان إذا خشي من كلمة: لا أدري أصيبت مقاتله كما قال العلماء، وكان الشيخ الأمين الشنقيطي رحمة الله تعالى عليه كثيراً ما يتحرز من الجواب وكان بعض السلف يتعجب ممن يجيب على كل سؤال. وكان نبي الأمة يُسأل عن أبغض الأماكن إلى الله، فيقول: {دعوني أسأل جبريل) فيسأل جبريل فيخبره أنها الأسواق، والتوقف عن الكلام فيما لا علم فيه منهج رباني نبوي. وأي إنسان مهما بلغ علمه فعلمه قليل، وكان موسى عليه السلام وهو مكلم وصفي قد ادعى العلم فذكر الله: {عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا} [الكهف:65]، فلما ركبا في السفينة جاء عصفور فنقر من البحر نقرتين، فقال الخضر لموسى: ما بلغ علمي وعلمك من علم الله إلا كما أخذ هذا العصفور من البحر. فإذا كان هذا علم الصفي الكليم موسى وعلم الخضر فما علم غيرهما؟ والمقصود من هذا أن السير في العلم يكون بتؤدة، والناس لا تقتل ولا تهلك إلا إذا سارعت إلى الفتوى، وأحب الإنسان التصدر دون أن يملك آلته، فهذا -نسأل الله العافية- من مواطن الهلاك.

تاريخ جبل الجودي

تاريخ جبل الجودي المقدم: تحدثنا في الأشياء الفقهية الأدبية، ونريد أن نتكلم قليلاً عن الأشياء التاريخية في الجبال سواء في جزيرة العرب أو في غيرها، فنتكلم عن جبل الجودي وأهم الأحداث التي مرت به. الشيخ: الجودي ورد ذكره في القرآن مرة واحدة في هود، قال الله جل وعلا: {وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاءُ وَقُضِيَ الأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [هود:44]، والأظهر أنه جبل في العراق على الجنوب الشرقي من دجلة. وقيل في تركيا. لكن الأظهر أنه في العراق. وبعض العلماء أخذ يتكلم عن أصل الكلمة، فقال: إنه مشتق من الجود كما حرره الراغب الأصفهاني في المفردات، وتبعه عليه السمين الحلبي رحمة الله تعالى عليهما في عمدة الحفاظ. وهذا خطأ ظاهر؛ لأن الله تكلم عن جبل رست عليه سفينة نوح، وأيام نوح عليه السلام لم يكن أحد يتكلم العربية، فأول من نطق العربية إنما جاء بعد إبراهيم أو قريباً من زمن إبراهيم، أي: بعد زمن إبراهيم بقليل، فلم يكن هناك عربية أصلاً حتى يقال: إن الجودي مشتق من الجود. الآن المنطقة الكردية من العراق هي التي فيها جبل الجودي؛ لكن غير اسمه فلا يقال له جبل الجودي، وإنما يقال: جبال آراط أو آرات، وهو مطل على جزيرة اسمها جزيرة ابن عمر حالياً، والذي يعنينا أن هذا الجبل رست عليه سفينة نوح عليه الصلاة والسلام.

تاريخ جبل أحد

تاريخ جبل أحد المقدم: نرجو منكم لمحة تاريخية عن جبل أحد؟ الشيخ: هو جبل يقع في شمال المدينة، وقعت عنده معركة أحد التي تبين لنا المنهج النبوي في تربية الناس. حصل عنده معركة، نتيجتها قرح، وأسى، وشهداء، وموتى، يقول الله: {إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ} [آل عمران:140]، قتل سبعون صحابياً رضي الله عنهم وأرضاهم، فأراد أهلهم أن يحملوهم إلى المدينة لدفنهم، فنهاهم النبي صلى الله عليه وسلم وقال: ادفنوهم في مصرعهم، ثم قال صلى الله عليه وسلم وهو واقف عليهم: (أنا شهيد على هؤلاء). الآن بعض الناس يأمر ويريد تنفيذ كل أمر؛ مع أن الإنسان عندما يسوس من دونه لا بد أن يراعي حوائجهم، فالنبي عليه الصلاة والسلام أمرهم ألا ينقلوا قتلاهم، إذاً: أين سيدفنون؟ سيدفنون عند الجبل. القتلى سبعون، والناس في أسى وحزن وقرح لا يستطيعون حفر سبعين قبراً، ولا يوجد دافع نفسي معنوي، فقد صلوا خلف نبيهم الذي صلى الظهر قاعداً وصلوا خلفه قعوداً من الأسى والحزن، هنا قال: (احفروا وأعمقوا) وذلك حتى يحتمل القبر أكثر من شخص، فيقل الجهد البدني المبذول في الحفر، وهذا كله مراعاة لهم منه صلى الله عليه وسلم. وتمر الأيام، وتطوى الليالي، فيمر صلى الله عليه وسلم على أحد فيقول: (هذا أحد) وهو لا يشير إلى مجهول فكل الصحابة يعرفون أنه أحد، فماذا كان يتوقع الإنسان أن يقول النبي صلى الله عليه وسلم بعد قوله: (هذا أحد)؟ A يتذكر الأسى، لكنه قال: (جبل يحبنا ونحبه)، وذلك لأمور: أولها: تأسيس العقيدة أو تركيز العقيدة، والمعنى: أن الأماكن لا تقدم ولا تؤخر، ولا تنفع ولا تضر، فإن أصابكم الأسى والحزن تحت سفح أحد لكن ذلك لا يعني التطير منه أو التشاؤم به، أو ما إلى ذلك. بل هذا الجبل الذي قتلتم عنده يحبنا ونحبه. فائدة أخرى: وهو أنه ينقلب الحال بعد ذلك، فإذا كان يحبنا ونحبه فإننا نتذكر عنده شهداءنا رضي الله عنهم وأرضاهم، وهذه دلالة عظيمة على كرامة الشهيد عند الرب تبارك وتعالى.

تاريخ جبل طي

تاريخ جبل طي المقدم: ومن الجبال التي لا يمكن أن تخفى في مثل هذه الحلقة جبل طي فنتحدث عن قصته؟ الشيخ: جبل طي -أجا سلمى- يقعان في حائل، وهناك نشأ حاتم الذي تضرب به العرب المثل في الجود، والحق أن السر ليس في حاتم نفسه، بل في المنطقة كلها، فما زال أهل حائل -أدام الله فضلهم- في كرم وجود. وورد في حديث عروة بن مضرس قال: (يا رسول الله! أتيتك من جبلي طي، فأجهدت نفسي وأكللت راحلتي، ما تركت جبلاً -يعني: من عرفات وغيره- إلا وقفت عليه)، ولما مات حاتم جاء ابنه عدي، وفي تلك المنطقة التاريخية وقعت أحداث عظام جليلة من أشهرها ما كان حاتم يصنعه: أماوي إن المال غاد ورائح ويبقى من المال الأحاديث والذكر أماوي إني لا أقول لسائل إذا جاء يوماً الحل في مالنا نزر إلى غير ذلك مما يبين الكرم الحاتمي الذي كان موجوداً عند جبلي طي، أي: جبلي حائل.

جبل عير

جبل عير المقدم: ننتقل أيضاً إلى ما يتعلق بجبل عير، فنريد أن تتكلموا عليه؟ الشيخ: جبل عير في مدينة النبي صلى الله عليه وسلم من جهة الجنوب، وهو حد الحرم الجنوبي. وقيل: إنه سمي عيراً -وأنا أعرفه جيداً- لأن قمته مستوية، فشبه بظهر الحمار. وقد ورد في الحديث: (المدينة حرم من عير إلى ثور) ووقع الخلاف في أين يقع ثور على ثلاثة أقوال، وليس هذا موضع تفصيله، لكن وردت أحاديث تذكر أنه جبل من جبال النار؛ لكن لم يثبت عندي في صحتها شيء.

جبل الطور

جبل الطور المقدم: ننتقل إلى جبل الطور قصته مع موسى عليه السلام. الشيخ: جبل الطور بعض العلماء مثل صاحب التحرير والتنوير رحمة الله عليه يقول إنه اسم بالسريانية، وأظنه بعيداً. والذي أفقهه أنا من العربية -والعلم عند الله- أن الطور يطلق على الجبل الذي فيه شجر، فكل جبل نبت فيه شجر فهو طور، لكن ينبغي تحرير المسألة. الله جل وعلا كلم موسى مرتين: مرة عند قدومه من أرض مدين، ومرة عندما ترك قومه في أرض التيه وذهب لميعاد ربه. ويوجد شبه جزيرة سيناء: {وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْنَاءَ تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ} [المؤمنون:20]، ويوجد واد، ويوجد جبل، فالجزيرة اسمها سيناء، والوادي اسمه طوى، والجبل اسمه الطور، فالله جل وعلا كلم موسى عند الجانب الأيمن من جبل الطور الذي في وادي طوى المبارك، الوادي الذي في شبه جزيرة سيناء. وهذا جمع بين الآيات، كما نقول: إن مثلاً النبي صلى الله عليه وسلم صلى ركعتين عند مسجد الشجرة، أي: في قضية الميقات في ذي الحليفة. فنقول: إن النبي صلى الله عليه وسلم صلى عند الشجرة في الوادي المبارك الذي هو وادي العقيق في المدينة المنورة.

جبل رضوى

جبل رضوى المقدم: نختم الكلام عن الجبال بما يتعلق بجبل رضوى. الشيخ: جبل رضوى يقع الآن تقريباً في ينبع النخل في الجهة الغربية الساحلية من بلادنا، وأنت ذاهب إلى العيص، وأنا كنت مرة مع أحد الفضلاء ممن تخصصوا في العربية وهو الأستاذ عواد السناني فكنا ماضين وأنا لم أر رضوى من قبل، وكنت ذاهباً إلى محافظة العيص المباركة، فلما مررنا قال: انظر، فنظرت، فتذكرت بيت حسان: شماريخ رضوى عزة وتكرما فكان إسناد المجد إلى شماريخ رضوى الذي صنعه حسان أمراً يصور الواقع تماماً، (وما راء كمن سمعا) فلو رأيت علمت يقيناً ما قاله حسان. وعلى العموم فإن العرب تجعل الجبل مثالاً للعلو، وللمجد، وللكبرياء، وللأنفة، ولمعالي الأمور، يقول الفرزدق في هجائه لـ جرير: فادفع بكفك إن أردت بناءنا ثهلان ذا الهضبات هل يتحلحل يحيله إلى جبل مشهور عندهم، فبين أن مجد بني تميم الذين منهم الفرزدق -وكلهم من تميم لكن يختلفون في البيوت- لا يمكن أن يقارن ببيتك، وإنك عندما تريد أن تهدم بنياننا بقصائدك كمن يريد أن يزحزح ذلك الجبل العظيم ثهلان من مكانه.

السؤال عن الروح

السؤال عن الروح

معنى الروح وذكر مستقر الأرواح

معنى الروح وذكر مستقر الأرواح المقدم: يقول عز من قائل: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي} [الإسراء:85]، والمعروف أن سورة الإسراء مكية وهذا التساؤل كان في المدينة، فكيف تكون آية مدنية في سورة مكية؟ وما هي الروح؟ وأين مستقر الأرواح؟ الشيخ: نعم، جاء في البخاري عن ابن مسعود أن السؤال كان في المدينة. لكن يجاب عنه بأن سورة الإسراء أكثرها مكي إلا هذه الآية لدلالة حديث البخاري أنها نزلت في المدينة، ومعلوم أن السور لم تكن تنزل جملة واحدة، إلا ما ذكر عن سورة الأنعام أنها نزلت جملة واحدة. أما الروح فاختلف فيها. اختلف أولاً في المقصود بالروح، فقيل إنه عيسى، وحجة من قال بهذا القول كلمة (وروح منه). وقيل: إنه الوحي، كما في قوله: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا} [الشورى:52]. وقيل: إنه جبريل: {تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا} [القدر:4]. لكن هذه الأقوال كلها بعيدة، والأصل صرفها إلى الروح المعروفة. وقوله: {قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي} [الإسراء:85]، هذه من علم الغيب الذي استأثر الله جل وعلا به ولم يطلع عليه أحداً من الخلق. أما مستقرها من حيث الجملة، فأرواح المؤمنين في عليين: {كَلا إِنَّ كِتَابَ الأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ} [المطففين:18]، وأرواح الفجار في سجين: {كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ} [المطففين:7]، وجاءت آثار صحيحة أن روح الشهيد في حواصل طير خضر تأوي إلى قناديل معلقة في ظل العرش في الجنة.

الثبات والجزع عند فراق الروح

الثبات والجزع عند فراق الروح المقدم: معلوم أن الموت انفصال الروح عن الجسد، وبما أن الحديث عن الروح فقد وردت في التاريخ بعض القصص الأدبية عن أناس ثبتوا عند الموت، وأناس جزعوا، فلو ذكرت طرفاً من ذلك. الشيخ: الموت مخيف وقد سماه الله مصيبة، ولا يوجد أحد يحب الموت كما قالت عائشة للنبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن التعلق بالحياة شيء فطري لكن هناك أناس ثبتوا وأناس جزعوا، ومما ذكر أن أحد الرجال الذين حكم عليهم بالقتل كان فصيحاً قبل أن يقتل، فالحاكم الذي أراد أن يقتله أخرج له كفناً منشوراً، وأمر الجلاد أن يسل السيف وحفر قبره، فقيل له: ألا تتكلم؟ قال: من أين أتكلم؟ قبر محفور، وسيف مشهور، وكفن منشور. ومر معنا مراراً أن تميم بن جميل أحد الذين خرجوا على المعتصم كان وسيماً، وفي نفس الوقت كان فصيحاً، فأراد المعتصم أن يعرف موقع لسانه من جنانه، فقدمه وقد سل السيف وجيء بالنطع والجلاد، فقال: أرى الموت بين السيف والنطع كامناً يلاحظني من حيث ما أتلفت وأكبر ظني أنك اليوم قاتلي وأي امرئ مما قضى الله يفلت يعز على الأوس بن تغلب موقف يسل علي السيف فيه وأسكت وما جزعي من أن أموت وإنني لأعلم أن الموت شيء مؤقت ولكن خلفي صبية قد تركتهم وأكبادهم من حسرة تتفتت كأني أراهم حين أنعى إليهم وقد خمشوا تلك الوجوه وصوتوا فإن عشت عاشوا سالمين بغبطة أذود الردى عنهم وإن مت موتوا وقتل رجل رجلاً قبل عهد معاوية، وفي عهد معاوية حكم عليه بالقصاص لما كبر القصار، فجيء به في ساحة القصاص ليقتل فتبعته امرأته، تخبره بوفائها وحبها له، فنظر إليها وقال: هذا صنع من تريد الحياة، فجدعت أنفها، فلما جاء أمير البلدة ليحضر قتله، وحركت الأبواب ولها صرير، وجاء الحرس فقال: أذا العرش إني عائذ بك مؤمن مقر بزلاتي إليك فقير وإني وإن قالوا أمير مسلط وحجاب أبواب لهن صرير لأعلم أن الأمر أمرك إن تدن فرب وإن ترحم فأنت غفور

السؤال عن الساعة وخروج الدجال

السؤال عن الساعة وخروج الدجال المقدم: نختم بقوله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ} [النازعات:42]، وقد تكرر كثيراً في القرآن الكريم، والحديث عنه قد يطول، لكن نقف وقفة سريعة مع الدجال، لا سيما منعه من دخول المدينة. وقبل هذا فقوله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا} [النازعات:42]، ولم تعقب بجواب، فما الحكمة في ذلك؟ الشيخ: قال تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا * فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا} [النازعات:42 - 43]. كان الجواب بلاغي في بيان أن هذا النبي لا يملك الإجابة، وهذا نوع من الجواب، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم في حديث جبريل: (ما المسئول عنها بأعلم من السائل). أما الدجال، فالمسيح مسيحان: مسيح ضلالة وهو الدجال، ومسيح هداية وهو عيسى بن مريم، والأصل أن كلاً منهما يسمى المسيح؛ لأنهما يطوفان الأرض، هذا الغالب، لكن سنقف عند وقوف الدجال في المدينة. في الجهة الشمالية الغربية من المدينة موقع يقال له الجرف، وأول من سماه بكلمة الجرف تبع اليماني، وهو أول قرية معمورة وأول ما سكن من المدينة، هذا الجرف ينيخ الدجال عسكره عنده، تمنعه الملائكة من دخول المدينة. والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (إن الإيمان ليأرز إلى المدينة)، هذه المدينة موئل عظيم للعلم والإيمان. جاء في حديث أبي سعيد الخدري أنه يخرج إليه شاب من خير أهل الأرض يومئذ، وجاء في رواية: (بل هو خير أهل الأرض يومئذ). اجتمع في هذا الرجل الشاب الذي خرج صفتان: بهاتين الصفتين يسود الناس، وهما العلم والإيمان، فهو على إيمان واثق يرد به الشهوات، وعلى علم يرد به الشبهات. والأصل عدم الخروج للدجال، لكن هذا الرجل متمكن علمياً وإيمانياً، ونحن نطالب كل من يتصدر، ونطالب الشباب بالحذر من أن يلقوا أنفسهم في قضايا مهلكة بدون علم وأحياناً بدون إيمان. المقصود أن هذا الرجل يخرج للدجال فيريد أن يقتله من دون الدجال من الخدم والحاشية والحرس، فيقولون: إن ربكم قد أمركم ألا تقتلوا أحداً دونه، فيأتون به بين يدي الدجال فيسأله الدجال، فيقول عندما يراه: ما ازددت إلا إيماناً أنك كاذب، أي: كفراً بك، فيقطعه الدجال قطعتين، ثم يمشي بينهما ثم يعيده، فيقول: ما ازددت إلا كفراً بك. لأن الرجل يحمل العلم مع الإيمان، فالإيمان منعه من أن يأخذ إغراءات الدجال من الجنة والنار التي معه. والعلم عصمه من أن يسمع كلام الدجال ويغتر بفتنته. هذا الرجل الشاب أنموذج للقدوة في قضايا العلم والإيمان. ثم إن الدجال تنهره الملائكة جهة الشام فيتوجه إلى الشام فيقتل على يد عيسى بن مريم.

السبب في أن أبا اليسر عمر طويلا

السبب في أن أبا اليسر عمر طويلاً Q ما السبب في أن أبا اليسر رضي الله عنه وأرضاه عمر طويلاً وأدرك أحفاد الصحابة؟ الشيخ: السبب أنه كان مع النبي صلى الله عليه وسلم في خيبر فدعا له النبي عليه الصلاة والسلام وقال: (اللهم متعنا به)، قال رضي الله عنه: والله لقد متعوا بي، أي: عمر ومتع الناس به حتى أدرك أحفاد الصحابة، وكان السبب هو دعاء النبي صلى الله عليه وسلم له.

الأسئلة

الأسئلة

القرآن وأثره في الخشية

القرآن وأثره في الخشية السؤال الأول: سائل يسأل عن قوله تعالى: {لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ} [الحشر:21]، فما تعليقكم على هذه الآية؟ الشيخ: هذه من أعظم آيات القرآن تأثيراً في النفوس، وقد لا يكون المقام مناسباً للكلام عنها؛ وقد قلنا: إن الله جل وعلا ذكر الحديد وألانه لداود، وذكر الحجارة ولم يخبر أنه ألانها لأحد، لكنه ذكر جل وعلا أن قسوة القلب تجعل من القلب أعظم من الحجارة: {ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً} [البقرة:74]، ثم ذكر جل وعلا أن هذا القرآن لو أنزل على حجارة سوداء وصخور صماء لتزلزلت: {لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ} [الحشر:21]. وقال جل وعلا: {وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى} [الرعد:31]، إلى غير ذلك من الآيات التي يخبر الله جل وعلا فيها أن هذا القرآن كلامه جل وعلا نزل به جبريل على قلب محمد صلى الله عليه وسلم، وهو معجزة نبينا الخالدة.

كتب التفسير التي تهتم بالعقيدة

كتب التفسير التي تهتم بالعقيدة المقدم: ما هي كتب التفسير التي اهتمت بآيات العقيدة؟ الشيخ: هذا يرجع لشأن المفسر نفسه، مثلاً: الإمام الشنقيطي رحمة الله عليه له عناية، الحافظ ابن كثير وابن سعدي يهتمان بذلك. وأحياناً تكون هناك رسائل مستقلة يأخذها العلماء المعاصرون كدراسات عليا فمثلاً هناك كتاب اسمه: (مسائل العقيدة في سورة الزمر) وهو رسالة ماجستير، وإن كنت لا أحفظ من صاحبه.

علم المناسبات بين السور

علم المناسبات بين السور المقدم: سائلة تسأل عن علم المناسبات بين الآيات والسور؟ الشيخ: هذا صنف فيه، لكن بعضه تكلف واضح جداً وبعضه غير مقبول. يقول الله جل وعلا في خاتمه سورة طه: {فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحَابُ الصِّرَاطِ السَّوِيِّ وَمَنِ اهْتَدَى} [طه:135]، فقد يقال: متى؟ فقال بعدها في أول سورة الأنبياء: {اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ} [الأنبياء:1]. فهذه مقبول جداً، لكن بعض العلماء أفرط فيه إفراطاً غير مقبول.

الشعور بالغربة في المدينة النبوية

الشعور بالغربة في المدينة النبوية المقدم: سائلة ذكرت أنها زارت المدينة لكنها تشعر بغربة؟ الشيخ: قالت إنها تشعر بالغربة فهل تأثم أو لا؟ لا تأثم؛ لأن هذه غربة لعدم وجود أهل وهذا شيء جبلي، نسأل الله أن يكتب لها الأنس في مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

حكم قاتل علي رضي الله عنه

حكم قاتل علي رضي الله عنه المقدم: سائل يقول: إن قاتل علي رضي الله عنه كان معلماً للقرآن؟ الشيخ: قاتل علي هو عبد الرحمن بن ملجم المرادي، وكان في ظاهره كثير الصلاة، وهو لم يؤت من كثرة عبادته، بل من قلة علمه، واعتقاده الباطل، وقد كنا ننبه عليه كثيراً أن الإنسان لا ينظر إلى عبادة المرء فقط بل ينظر إلى علمه، وهذا الرجل أدخل نفسه فيما لا قدرة له عليه، فلم تنفعه كثرة عبادته لما كانت مبنية على ضلال، وهو أحد زعماء الخوارج الأولين، أسأل الله العافية.

المراد بالسائل في سورة الضحى

المراد بالسائل في سورة الضحى المقدم: سائل يسأل عن قوله تعالى: {وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ} [الضحى:10]، ما المراد بالسائل هنا؟ الشيخ: قوله: {وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ} [الضحى:10]، الصواب عندنا أنه ينصرف أول ما ينصرف إلى المسترشد، لا الذي يطلب مالاً وطعاماً، لكنه يندرج ضمناً.

كيف أنزل الله التوراة والإنجيل

كيف أنزل الله التوراة والإنجيل المقدم: التوراة والإنجيل هل أنزلتا بوحي كالقرآن؟ الشيخ: التوراة نزلت مكتوبة، قال الله جل وعلا: {وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الأَلْوَاحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ} [الأعراف:145]. وأما الإنجيل فالأصل أنه أنزل عن طريق جبريل.

معنى قوله تعالى: (وهزي إليك بجذع النخلة)

معنى قوله تعالى: (وهزي إليك بجذع النخلة) المقدم: قال تعالى: {وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ} [مريم:25]، Q كيف تهز وهي في حال ضعف؟ وهل هذه النخلة كان لها رطب موجود؟ الشيخ: النخلة كانت يابسة، هذا المشهور عند العلماء، وأراد الله جل وعلا أن يبين لها كرامتها عنده، لكن أراد أن يبين لها أن كل شيء ربطه الله بالأسباب، فأمرها الله أن تهز الشجرة وهو قادر على أن يطعمها من غير هز حتى تسعى سعياً حثيثاً في طلب ما كتب لها. فلما هزت على ضعفها أثمرت الشجرة وأسقطت ما فيها من تمر: {تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا} [مريم:25]، الشاهد أنها عملت على ضعف، لكن لما كانت المسألة معجزة نفع ذلك الضعف، وإلا فإنه في مقاييس البشر لا يمكن أن ينفع: ألم تر أن الله قال لمريم وهزي إليك الجذع يساقط الرطب ولو شاء أن تجنيه من غير هزة جنته ولكن كل شيء له سبب

موت سليمان عليه السلام

موت سليمان عليه السلام المقدم: سائلة تسأل عن قصة موت سليمان عليه السلام على عصا، وكيف يتفق مع تخييره بين الحياة والموت؟ الشيخ: سليمان لم يمت على كرسيه، بل مات متكئاً على عصا، قال الله جل وعلا: {فَلمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ} [سبأ:14]، وهو لا يتعارض مع أنه عليه السلام خير ما بين الحياة والموت واختار الموت، ثم قبضت روحه وهو متكئ على منسأته أي: على عصا. ثم أراد الله أن يحفظه جسداً، وحفظ الله للأنبياء أجساداً واقع، سواء فوق الأرض أو تحتها، فهم في القبور محفوظون، فأراد الله أن يتكئ على منسأته فتراه الجن فتهابه، فلا تزال تعتقد أنه حي حتى يظهر للناس جهلها، قال الله جل وعلا: {فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الأَرْضِ تَأْكُلُ مِنسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ} [سبأ:14].

الحكمة

سلسلة القطوف الدانية - الحكمة إن الحكمة كنز عظيم، من حازه فقد حاز خيراً كثيراً، ومن افتقده فقد خسر كثيراً، وقد كان أنبياء الله ورسله حكماء في دعوتهم للناس ومعاملتهم معهم. وكذلك عبر التاريخ وجد أناس حكماء كان لهم أثر كبير في قول الحكمة ونشرها وتطبيقها. وفي المقابل هناك من كان يقول الحكم الجليلة ومع ذلك لم يتمثل ذلك في حياته، بل كانت حياته خبط عشواء لا تظهر فيها الحكمة.

المراد بالحكمة

المراد بالحكمة الملقي: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وأهلاً ومرحباً بكم في حلقه جديدة من برنامجكم: القطوف الدانية، والذي يأتيكم ثاني إثنين من كل شهر، وفي مستهل هذا اللقاء أسأل الله أن يتقبل منا ومنكم صيام يوم عاشوراء أيها الأحبة! نتحدث في هذه الحلقة عن صفة لها مكانة عظيمة في دين الله، وفي نفوس العقلاء من البشر، متى اتصفت بها الأقوال والأفعال صار لها قدر وقيمة, هذه الصفة ليست مجرد معلومات يختزنها الإنسان في فكره كأي شيء مما يبني الفكر أو يثيره، وليست أسلوباً مميزاً في الممارسة العملية للأشياء في المجالات الخاصة والعامة, وهي أيضاً لا تعد حالة داخلية تطبع شخصية الإنسان فتجعل منه عنصراً فاعلاً في تدبر الحياة وتنميتها على أساس متين, بل هي مجموعة من كل هذه العناصر اتصف بها الرب، ووصف بها الوحي المنزل منه، وأكرم بها بعض خلقه، محاسنها كثيرة، يبينها مثل قوله تعالى: {وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا} [البقرة:269]. فالحكمة هي موضوع حوارنا في هذه الحلقة مع ضيفنا فضيلة الشيخ صالح بن عواد المغامسي خطيب مسجد قباء بالمدينة المنورة على صاحبها أفضل الصلاة وأتم التسليم. وفي مستهل هذه الحلقة يشرفني باسمكم جميعاً أن أرحب بضيفنا. وأرحب بكم مشاهدي الكرام، وأرحب بمشاركاتكم معنا في هذا البرنامج من خلال متابعاتكم لهذه الحلقة، وأيضاً من خلال مشاركاتكم على موقع الأكاديمية الإسلامية المفتوحة، ونسعد كثيراً بتواصلكم مع المنتدى المخصص لهذا البرنامج، وأيضاً نسعد بأن تصل إلينا مقترحاتكم ومشاركاتكم عن طريق رقم الجوال الذي خصص لهذا البرنامج. حديثنا كما ذكرت آنفاً سيكون عن الحكمة، وقبل أن أبدأ في محاوري يسرني أن أرحب بالإخوة والأخوات الذين يتابعونا على موقع الإنترنت، وأخص بذلك موقع البث الإسلامي، وموقع المسك، وأشكر أيضاً الإخوة القائمين على موقع صيد الفوائد والذين قاموا مشكورين بالإعلان عن هذه الحلقة. فالحكمة أسأل الله عز وجل أن تكون صفة لنا جميعاً، وأن ييسر لنا عرضها عرضاً مفيداً ومثمراً. شيخ صالح قبل أن أبدأ في المحاور التفصيلية لهذا الموضوع لا شك أن هذا الموضوع موضوع مهم، وقبل أن نتكلم فيه كلاماً بشرياً لعلنا نؤصله تأصيلاً شرعياً فالآيات والأحاديث التي نصت على هذه الصفة وبينتها وشرحتها كثيرة، فإذا أذنتم لي أن أستعرض أهم هذه الآيات وأهم الأحاديث، ثم نبين المراد منها. الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شعار ودثار ولواء أهل التقوى, وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، بلغ عن الله رسالاته، ونصح له في برياته, فجزاه الله بأفضل ما جزا به نبياً عن أمته. أما بعد: أولاً: نكرر الترحيب بالإخوة المشاهدين، ونسال الله أن يوفقنا فيما نقول في هذا اليوم الذي سماه النبي صلى الله عليه وسلم يوماً صالحاً، فقد نجى الله فيه عبداً صالحاً وهو: موسى بن عمران ومن معه من المؤمنين.

تعريف الحكمة

تعريف الحكمة والحكمة: كل عمل ينجم من ورائه فائدة، وليس عبثاً في ذاته، فهو يدل على حكمة فاعله. ومن أظهر الأدلة على هذا أن الله جل وعلا أخبر أنه خلق الثقلين لحكمة عظيمة، قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات:56]، وقال في سورة أخرى: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا} [المؤمنون:115]، فلما نزه الله جل وعلا خلقه وصنيعه عن العبث دل على أنه صنعه لحكمة، ويظهر من هذا أن الحكمة هي: أي عمل أو قول يوضع في وضعه الصحيح، فينجم عنه ثمرة عاجلة أو آجلة، دنيويه أو أخروية، وهذا شيء نسبي فكلما كانت فعال الإنسان أقرب إلى الثمرة في العاجل والآجل دلت على حكمته، وكلما كانت فعال الإنسان لا ثمرة لها عاجلاً أو آجلاً دلت على عبثه وخلوه من الحكمة.

إطلاقات الحكمة

إطلاقات الحكمة هذا من حيث المدخل للموضوع، على أن الحكمة تطلق بها ويراد بها غير الذي ذكرناه. يقول الله جل وعلا: {وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ} [الأحزاب:34] والمقصود بالحكمة هنا السنة، أي: ليس لهذا المصطلح علاقة بالمصطلح الذي ذكرناه، وإن كانت معرفة السنة من الحكمة، لكن الله جل وعلا يقول: {وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا} [البقرة:269]، وهذا إخبار من الخالق جل جلاله على أن الإنسان إذا وفقه الله جل وعلا للحكمة في قوله وفعله فقد منَّ الله عليه بالخير الوفير، وما أجمله القران تبينه السنة، فالنبي صلى الله عليه وسلم أسري به ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، لكن ذلك الإسراء مر بخطوات قبل أن يركب عليه الصلاة والسلام البراق، وقد دل عليها ما ثبت في الأحاديث الصحيحة: فمنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم شق صدره، وأخرج قلبه، وملئ إيماناً وحكمة. قال العلماء ممن شرح هذا الحديث من أئمة الدين: دل ذلك على أن الحكمة أفضل ما يعطاه الإنسان بعد الإيمان؛ لأن قلب النبي صلى الله عليه وسلم ما ملئ في تلك اللحظة التي هيئ فيها لأمر زائد في الرسالة ولرحلة عظيمة للملكوت الأعلى والمحل الأسمى إنما ملئ قلبه إيماناً وحكمة, فقالوا -أي أهل العلم-: إنه لو وجد شيء أعظم من الحكمة لملئ مع الإيمان، لكن لما قرن الله مابين الإيمان والحكمة في قلب نبيه صلى الله عليه وسلم بواسطة الملائكة دل ذلك على أن الحكمة لها منزلتها العظيمة عند الله جل وعلا، وهي من الخير العظيم الذي يؤتيه الله جل وعلا من يشاء من عباده، وهي متلبسة في أفعال الصالحين وأخبار المتقين. هذا مجمل ما يمكن أن يقال في منطلق الأمر عن حاجة الناس لمعرفة الحكمة.

النسبية في الحكمة

النسبية في الحكمة الملقي: أشرت قبل قليل في أثناء حديثك إلى مسألة النسبية في الحكمة، فهل هذه النسبية ترجع إلى الأفعال، بمعنى أن هذا الفعل قد يكون حكمة، أو ترجع إلى ذوات الأشخاص؟ الشيخ: إن العمل نفسه تتخلله نسبية الحكمة، فالشخص يوصف بأنه حكيم إذا كان أكثر فعله موافقاً للصواب، وينجم عنه ثمرة ويتقي به مفسدة، ولذلك مع التجارب -كما سيأتي- تنطلق الحكمة في كلماته، فقد يقول الإنسان قولاً ينتفع به الناس ولا ينتفع به هو، فهو حكيم في قوله غير حكيم في فعله، لكن المهم أن يكون للعمل ثمرة، فهذا الذي يدل على الحكمة إما يتقى بها شر وإما يجلب بها خير. وهناك نقطة أساسية أننا لم نأت لنقول للناس: إن الحكمة واحد + اثنين =ثلاثة، ويشربونها كالماء، فإن هذا محال أن ينقلب الناس حكماء من لقاء تلفازي، لكننا نتكلم عن كيفية بناء العقل البشري ثقافياً مع الأيام ومع ما ذكرناه، ومع طرائق أخر يجمعها الإنسان لنفسه؛ ليصل بعد ذلك قدر الإمكان إلى منزلة الحكماء. الملقي: فيما يتعلق بالتأصيل، فإن الآيات كثيرة التي ذكرت الحكمة في كتاب الله عز وجل، ومن معانيها التي فسرها المفسرون على أنها السنة النبوية، فهل يفهم من ذلك أن الارتباط وثيق بين هذين المصدرين من مصادر الإسلام؟ الشيخ: نعم، الكتاب والسنة مهيمنان على كل شيء، قال عليه الصلاة والسلام: (تركت فيكم ما أن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبداً) فكتاب الله وسنه النبي صلى الله عليه وسلم من أعظم المصادر، وهناك قضية أساسية فسرت بها الحكمة وهي قضية التوحيد؛ لأن الله جل وعلا قال: {ذَلِكَ مِمَّا أَوْحَى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ} [الإسراء:39]، قال المراغي رحمة الله عليه في تفسيره -وهو شيخ الأزهر السابق-: فهذا دليل على أن التوحيد رأس الدين كله، والحكمة رأسها توحيد الله جل وعلا، ولعل في ثنايا الحديث ما يأتي فيه التفصيل.

أركان الحكمة

أركان الحكمة الملقي: نعود إلى الاستنباط من هذه الأدلة، وكما قلت: إننا لا يمكن أن نصنع الحكمة في هذا اللقاء؛ لكن هل يمكن لنا أن نضع أركان عامة يمكن من خلالها أن تتحقق هذه الصفة؟ الشيخ: يقولون إن الحكمة لها ثلاثة أركان: العلم، والحلم، والأناة.

الركن الثالث الأناة

الركن الثالث الأناة ثالثها: الأناة، وكل واحد له ارتباط مع بقية الثلاثة، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لـ أشج عبد القيس: (إن فيك خصلتين يحبهما الله: الحلم والأناة) والمقصود بالأناة: التريث، والأمور إذا كانت في العبادة التي فرضها الله فلا حاجة للتريث فيها، يقول الله جل وعلا على لسان الكليم موسى: {وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى} [طه:84]، لكن في مجمل الأمور وفي عمومها يحتاج الإنسان إلى أناة وتريث؛ حتى يكون قراره صحيحاً قريباً من جادة الصواب. فهذه الأمور إذا اجتمعت في رجل فإنه يعلم في أي سياق هو، ولا يستطيع أحد أن يستفزه، فإذا وجدت هذه الثلاثة في شخصية رجل أو امرأة سواءً كان عالماً أو سياسياً أو تاجراً أو طالباً فإنه بهذه الطرائق الثلاثة يصل إلى الحكمة. فـ مالك مثلاً أدرك نافعاً مولى ابن عمر، وكان في نافع رحمه الله حدة، وقد أخذ بسبب مجاورته وخدمته لـ ابن عمر علماً جماً؛ لأن ابن عمر أخذ العلم الجم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فحاجة الناس إلى المقاربة من نافع كانت قوية لكن ليس كل أحد أعطي حكمة في قضية استخراج علم نافع المكنون؛ لأن نافعاً كانت به حدة، فـ مالك رحمة الله تعالى عليه أعطي حكمة في استخراج علم نافع، فكان يسوس نافعاً باللين ويتحمله ويستمع لقوله، وإذا أغلظ عليه نافع تقبلها مالك، حتى استطاع مالك أن يجمع علماً جماً عن نافع، وتصدر وجلس في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدث ويقول: حدثني نافع عن ابن عمر فنقل بذلك علماً جماً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان علم مالك بهذه الطريقة وبهذه السلسلة الذهبية كما يسميها بعض المحدثين، وذلك أن مالكاً عرف بعلمه وحلمه وأناته كيف يصل إلى ذلك المكنون من العلم الذي كان في جعبة نافع رحمة الله تعالى عليه، وهذا من طرائق الحكمة. الملقي: قبل أن نخرج من هذه الأركان، نستقبل بعض الاتصالات.

الركن الثاني الحلم

الركن الثاني الحلم أما الحلم -وهو الركن الثاني- فضده الجهل الذي بمعنى الغضب وسرعة الانفعال. يقول عمرو بن كلثوم: ألا لا يجهلن أحد علينا فنجهل فوق جهل الجاهلينا ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم في وصاياه لبعض أصحابه: (لا تغضب)؛ لأن الانفعال والحماس الزائد نوع من الجهل، وهذا الجهل لا يمكن أن يوصف صاحبه بأنه حكيم؛ لأن الجهل والغضب ينجم عنهما سرعة التصرف، وسرعة التصرف غالباً لا تكون قد حسبت لكل شيء حسابه، ولم يفكر الإنسان في الثمرة عاجلاً أو آجلاً، فينجم عن ذلك التهور في القرار، وهذا ضد ما يسمى بالحكمة.

الركن الأول العلم

الركن الأول العلم فالعلم ضده الجهل الذي يعني عدم العلم؛ لأن الحلم كذلك ضده الجهل كما سيأتي. والعلم بالشيء يساعد على حسن التصرف فيه، فإذا أحسنا التصرف في الأمر دل ذلك على الحكمة، فمثلاً أهل الدعوة يحتاجون للعلم الشرعي حتى يدعون إلى الله بالحكمة، ولهذا قرن الله جل وعلا بينهما فقال: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ} [يوسف:108]، وقال في آية أخرى -والقرآن يؤيد بعضه بعضا-: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ} [النحل:125] أهل السياسة مثلاً من لم يكن له منهم باع علمي ومعرفة بالأحوال السياسية فإنه لا يمكن أن يتصرف تصرفاً صحيحاً، فلا بد من العلم حتى يكون الإنسان سياسياً موفقاً، والتاجر حتى يكون تاجراً حكيماً يستطيع أن يجلب الدينار والدرهم لنفسه لابد أن يكون على علم وبصيرة بوضع السوق، فالعلم مفتاح لكل ما نقصده، لكن كلما كان علم الإنسان شمولياً كان أقرب إلى الحكمة في تعامله مع الناس، وفي تجارته، وفي سياسته بحسب الموضع الذي هو فيه, فالحكمة ليست شيئاً أو صفة تحتاجها طائفة واحدة من الناس، فإن الزوج في تعامله مع زوجته يحتاج إلى الحكمة, ورب الأسرة في سياسته لأبنائه يحتاج إلى الحكمة، والداعية والخطيب في منبره ومحرابه، والسياسي في مكتبه، والتاجر في محله, كل أحد يحتاج إلى الحكمة؛ حتى لا يحكم على نفسه بالهلاك، وحتى يجني الثمار التي يريدها، والمؤمن في مسيرته إلى الله يحتاج إلى الحكمة، وأنا لا أحاول أن أستبق؛ لأن من الحكمة ألا ألقي بالأمور في أول اللقاء. فكلنا نحتاج إلى الحكمة، فمادام الجميع يحتاج إلى الحكمة فنبدأ بالعلم الخاص في القضية نفسها، والعلم الشمولي العام أوسع من ذلك، ولا شك أنه إذا وجد العلم الشمولي مع العلم بجهة الاختصاص فإننا نصل جميعاً إلى ما نريد، وهذا معنى قولهم: إن العلم أول أركان الحكمة. الملقي: كونه يا شيخ أول أركانها، هل يعني ذلك أنه لابد أن يكون العالم حكيماً؟ الشيخ: نعم لابد أن يكون العالم حكيماً، لكن ليس كل عالم حكيماً، فكم من الناس من حملوا في صدورهم العلم وحفظ المتون ولكنهم لم يرزقوا حكمة، فيشترط حتى يسمى عالماً بالكلمة الشاملة لابد أن يكون فيه حكمة، يقول الله: {وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ} [العنكبوت:43].

بعض مواقف الرسول التي تتجلى فيها حكمته صلى الله عليه وسلم

بعض مواقف الرسول التي تتجلى فيها حكمته صلى الله عليه وسلم الملقي: طلب المتصل الأول من فضيلتكم ذكر بعض المواقف للنبي صلى الله عليه وسلم التي تدل على حكمته وإن كانت كل مواقفه تدل على ذلك. الشيخ: أشكر المتصل على مداخلته القيمة، وعلى سؤاله الذي أراد به نفعاً لمن يشاهد ويسمع. أما ما ذكره من الطلب فإن النبي صلى الله عليه وسلم سيد الحكماء بلا شك، وقد قلنا: إن الله جل وعلا بواسطة الملك جعل في قلبه الإيمان والحكمة، وكل أحواله صلى الله عليه وسلم كانت تتصف بالحكمة، وهو قصد قضية الثمار الآجلة التي لا تظهر في العمل، وهذه حدثت من أوائل الدعوة، فالله جل وعلا يقول: {وَمَا نُرْسِلُ بِالآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا} [الإسراء:59]، فطلب منه القرشيون أن يجعل لهم الصفا ذهباً، فجاءه جبريل وقال له: إن شئت جعلت الصفا ذهباً على أنهم إن لم يؤمنوا أهلكهم الله، أو تنتظر حتى يخرج الله من أصلابهم وأرحامهم من يعبد الله، فقبل صلى الله عليه وسلم أن يتهموه بالعجز بأنه ما أخرج لهم الصفا ذهباً على أن يكون من وراء ذلك أمم بعد ذلك تحمل الراية؛ حتى إن أبا سفيان الذي حمل الراية مراراً عداوة للنبي صلى الله عليه وسلم حملها بعد ذلك رفعة للدين، وهذا من حكمته صلى الله عليه وسلم. وأما قضية الحديبية فقد كان ظاهرها كما فهم عمر في بادي الرأي أنها وبال أو ذلة على المؤمنين، ثم نجم منها أن دخل الناس في دين الله أفواجاً في أيام الصلح، وهذا كله يدل على حكمته صلى الله عليه وسلم، وذكرنا مراراً أنه في دخوله المدينة عليه الصلاة والسلام لم يقبل دعوة الأوس ولا الخزرج أن يفيء إلى إحدى القبيلتين، وإنما كان يقول: (خلوا سبيلها؛ فإنها مأمورة) حتى لا يقولن أحد أنه بايع الآخر من أول يوم، هذا كله من دلائل حكمته صلوات الله وسلامه عليه الله وسلامه عليه، والسيرة حافلة بذلك، ولا أريد أن أكرر ما هو ذائع مشتهر.

بيان أن انسياق الشباب وراء الوسائل الهدامة ليس من الحكمة في شيء

بيان أن انسياق الشباب وراء الوسائل الهدامة ليس من الحكمة في شيء الملقي: ويشير المتصل أيضاً إلى مسألة ليست من الحكمة وهي: انسياق شبابنا وبناتنا وفتياتنا إلى بعض وسائل الإعلام الهدامة. الشيخ: هذا أمر يدمي القلب، وما ذكره المتصل من قضية ترجل النساء وتأنث الرجال، هذا واقع، وهذا كله ناجم من الخواء الروحي، ولعدم معرفة الطريق، ولقلة الصلة بالله جل وعلا، ولعدم معرفة الله حق المعرفة، وإلا لو وجدت قلوب تعرف الله لنجم عن ذلك أعمال تجل الله جل وعلا وتعظمه، وتعظم نهيه تبارك وتعالى، نسأل الله أن يهدي ضال المؤمنين.

هل يوصف الكافر بالحكمة

هل يوصف الكافر بالحكمة الملقي: هناك من يسأل هل الحكمة خاصة بالمؤمنين أم ممكن أن يؤتاها الكافر؟ الشيخ: من حيث العموم فإنه قد يؤتى الكافر الحكمة، لكن لا يؤتاها بمفهومها الكامل، وإنما يؤتى حكمة في بعض أفعاله، فيصيب في بعض أفعاله والواقع أعظم الشهود على ذلك، فليست مقتصرة على الإسلام، والكافر قد يؤتاها لكن لا يقال: إنه حكيم؛ لأن من جهل الله لا يمكن أن يوصف بأنه حكيم، لكن يوصف فعله وتصرفه في ذلك الأمر بأنه حكيم، فهذا لا بأس به.

الاقتداء بالرسول في أخلاقه ومعاملته الحسنة مع الناس

الاقتداء بالرسول في أخلاقه ومعاملته الحسنة مع الناس الملقي: سأل الأخ سلطان عن أخلاق النبي وصفاته في معاملة الناس، فما تعليكم يا شيخ؟ الشيخ: هذا كلام مهم يوجه للدعاة، نحن نقرأ في السيرة أن أبا بكر رضي الله تعالى عنه فرح ودمعت عيناه في يوم الهجرة لما علم أن النبي صلى الله عليه وسلم وافق على أن يصحبه معه. تقول عائشة رضي الله عنها وأرضاها: ما كنت أشعر أن أحداً يبكي من الفرح. فهي تتكلم حسب علمها وإلا فكل الناس تبكي من الفرح، لكنها لما قالت ذلك كانت صغيرة لم تعلم موضع الشاهد. فنحن الآن أمام الصديق وقبله النبي صلى الله عليه وسلم، فنتأسى بـ الصديق في محبته للنبي صلى الله عليه وسلم، فقدوتنا في محبة الرسول هو أبو بكر؛ لأن أبا بكر أعظم الناس حباً لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ونقتدي بالرسول صلى الله عليه وسلم في صفاته التي من أجلها أحبه أبو بكر وأحبه المؤمنون، فـ أبو بكر رضي الله تعالى عنه لم يحب النبي صلى الله عليه وسلم إلا لما وجد فيه خصالاً يستحق أن يحب وأن يفديه عليها، وأول شيء كونه نبي، وما فرض الله عليه من الأمر بمحبة النبي صلى الله عليه وسلم، لكن لا شك أنها كانت فيه صلى الله عليه وسلم صفات كمال وجلال بشري أعطاه الله إياه أمرنا بأن نتأسى به فيها رغم علم الله أننا لن نصل إلى درجة نبينا صلى الله عليه وسلم، ولكن من باب التأسي بالصالحين والإقتداء بالمتقين، بل سيدهم صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، فيكون إقتداؤنا بـ أبي بكر في محبته أو بالنبي صلى الله عليه وسلم في تلك الصفات من أعظم الصفات، هذا هو موضع الربط بين سؤال الشيخ سلطان وبين القصة. ومن أعظم الصفات التي جعلت أبا بكر يحب النبي صلى الله عليه وسلم حب النبي صلى الله عليه وسلم للناس، وهو ما أكد عليه الشيخ سلطان، وذلك بسبب البشاشة والمودة والمحبة، فمال الناس بقلوبهم إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام لما رأوا أن هذا النبي يسهر ليناموا، ويعمل ليستريحوا، ويفديهم بروحه وماله، وبين لهم أعظم الطرائق ألا وهو الطريق الموصل إلى الله، فمن اقتدى به فاز، يقول أحد الشعراء الليبيين: وإذا أحب الله باطن عبده ظهرت عليه مواهب الفتاح وإذا صفت لله نية مصلح مال العباد إليه بالأرواح فمن رزق الاقتداء مع صلاح النية أحبه الناس.

هل الإنسان مسير أو مخير

هل الإنسان مسير أو مخير المقدم: الأخ سلطان سأل عن مسألة ولعلها طويلة وهي مسألة: هل الإنسان مسير أو مخير؟ الشيخ: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أعزم عليكم ألا تتكلموا في القدر)، فلا يقع شيء إلا إذا أراده الله جل وعلا، فالله جل وعلا جعل للقدر أركاناً: علمه جل وعلا بحصول الشيء، وكتابته له، وخلقه إياه، وإرادته ومشيئته له. هذه الأربعة هي أركان القدر، والإنسان ثمة أمور لا دخل له فيها كالمصائب، وأما ما يثيب الله جل وعلا عليه ويعاقب فإن الله قال: {إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا} [الإنسان:3]، ومع ذلك لن يخرج العبد في ذلك عن مشيئة الله، أسأل الله أن يثبتنا وإياكم على الدين.

معنى قوله تعالى: (إنما يخشى الله من عباده العلماء)

معنى قوله تعالى: (إنما يخشى الله من عباده العلماء) المقدم: سائل من الكويت يسأل عن قوله تعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر:28] الشيخ: كل من عصى الله فهو جاهل، وكل من خشي الله جل وعلا فهو عالم، فبمقدار ما عصى العبد ربه يسمى جاهلاً، وبمقدار ما اتقى الله جل وعلا يسمى عالماً، قال الحسن رحمه الله: إنما العلم الخشية، وأعظم الأدلة على العلم بالله جل وعلا الخشية منه تبارك وتعالى سبحانه، ولهذا قال جل ذكره: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر:28]. وإعراب الآية: إنما: أداه حصر. ويخشى: فعل مضارع مرفوع وعلامة رفعه ضمة مقدرة منع من ظهورها التعذر. ولفظ الجلالة: مفعوله به مقدم للحصر. ومن جارة. وعباد: اسم مجرور وهي مضاف، والهاء مضاف إليه. والعلماء فاعل مؤخر. ويصبح المعنى: كل من خشي الله جل وعلا فهو عالم بمقدار خشيته، وينجم عن هذا أن كل من عصا الله جل وعلا فهو جاهل بمقدار تلك المعصية، والعلم في ذاته ليس فيه شرف، وإنما الشرف فيما ينجم عن العلم من تقوى الله جل وعلا وخشيته: لو كان في العلم غير التقى شرفاً لكان أشرف خلق الله إبليس والله جل وعلا قد ذكر مثلاً لعالم السوء الذي لا يعمل بما يعلم، وهذا بينه الله جل وعلا كما هو معلوم في سورة المائدة وقال: {فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ} [الأعراف:176]، فالمقصود أن خشية الله جل وعلا من أجل القرائن والدلائل على العلم بالله تبارك وتعالى.

الأمور التي يحتاج إليها الإنسان حتى يكون حكيما

الأمور التي يحتاج إليها الإنسان حتى يكون حكيماً أشرت قبل إلى الأركان التي تقوم عليها الحكمة وهي: العلم والحلم والأناة، لكن ألاحظ يا شيخ بعض العموم في هذه الأركان، دعنا نخصص الحديث نوعاً ما فنتحدث عن المدركات التي يحتاج إليها المرء لكي يتحلى بهذه الصفات.

معرفة الأشباه والنظائر

معرفة الأشباه والنظائر الشيخ: هذا سؤال جزاكم الله خيراً في موضعه، فلعل من أعظم المدركات التي من خلالها يصل الإنسان إلى أن يكون حكيماً ولو قليلاً معرفة الأشباه والنظائر، فالإنسان العاقل لا يفرق بين متماثلين، ولا يجمع بين متناقصين، ولهذا فالشرع لا يوجد فيه جمع مابين منتاقضين ولا تفريق مابين متماثلين، فالأشباه والنظائر يساق بعضها إلى بعض، فعلى الإنسان أن يطلع على أحوال العباد، ويقرأ في تاريخ من سبق، فإذا أدلهم به الأمر، ونزلت به نازلة تحتاج إلى تصرف حكيم جمع الأشباه والنظائر فقاس النظير على النظير. وقد يقول إنسان: أين الدليل من السنة على هذا؟ فسنذكر حديثاً قد لا يكون مشهوراً، فقد أخرج الإمام النسائي في السنن أظنه في كتاب الجهاد حديثاً صححه الألباني رحمة الله تعالى عليه: أنه يختصم عند الله جل وعلا طائفتان: الشهداء المقتولون في المعركة يختصمون مع المتوفين من المؤمنين على فرشهم فيمن مات بالطاعون. فالقتلى الذين في المعركة يقولون: هؤلاء إخواننا وأجرهم أجرنا؛ لأن جراحهم تشبه جراحنا، فهم لهم جراح، والذين توفوا على فراشهم يقولون: هؤلاء تبع لنا؛ لأنهم مثلنا ماتوا على الفراش ولم يدخلوا المعركة. فيقول الله جل وعلا لملائكته: انظروا إلى جراحهم. فينظرون إلى جراح موتى الطاعون فتجد الملائكة أن جراح من يموت بالطاعون كجراح من يموت في المعركة، فيلحقون بالقتلى. فهذا شاهد على أن النظير يأخذ حكم نظيره، فالذين يتوفون على فرشهم نظروا إلى الظاهر وهو الموت على الفراش، والشهداء الذين ماتوا في المعركة نظروا إلى الباطن، فلما حكم الرب جل وعلا -وهو أصدق الحاكمين- بينهم أمر ملائكته أن ينظروا في الجراح وهي غائرة ليست شيئاً ظاهراً، فوجدوها أقرب إلى القتلى، فألحقوا بهؤلاء، فهذا دليلنا على أن الإنسان حتى يكون حكيماً في تصرفه وقوله وفعله وحكمه، وحتى يكون موافقاً للصواب لابد أن يكون هناك أشباه ونظائر. ومنها نفهم لماذا الله جل وعلا قص علينا أخبار الأمم السابقة؛ حتى نكون حكماء فنعلم أن النظير يأخذ حكم نظيره، فإذا كانت الأمم التي سلفت قد أهلكت بذنوبها فقطعاً نحن إذا أذنبنا فسنهلك بذنوبنا، وإلا كان لا معنى لوجود ذلك الأصل القرآني، فالله جل وعلا ذكر قصصهم ثم قال: {فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ} [العنكبوت:40] وذكر السبب، ولهذا أمر الله جل وعلا بالسير في الأرض والنظر في الديار والتأمل في الآثار؛ حتى نأخذ منها العظة، وقد قلنا قبل قليل: إنهم طلبوا من النبي صلى الله عليه وسلم أن يعرض عليهم الصفا ذهباً، فالله جل وعلا قال لنبيه جل وعلا: {وَمَا مَنَعَنَا أَنْ نُرْسِلَ بِالآيَاتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الأَوَّلُونَ وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِهَا وَمَا نُرْسِلُ بِالآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا} [الإسراء:59] أي: أن النظير سيأخذ حكم نظيره، فلو جعلنا الصفا ذهباً وكذب بها قومك فالسنة تقضي بأننا سنهلكهم. إذاً: فهذا هو معنى أن النظير يأخذ حكم نظيره، والإنسان يتأمل، ولذلك حتى في حياتنا اليومية فأحياناً الإنسان في شيء له يطالب به، وقد يقع عليه مثل ذلك الشيء الذي طلبه فيقع عليه واجباً فلا يعطيه، فما دمت قد طلبته لنفسك فمن حق الناس أن تعطيهم حقهم، فهذه سنة لله جل وعلا في خلقه، وصانعوها ومتأملوها ومتدبروها ومن جمعوا الأشباه والنظائر هم الحكماء حقاً بمقدار قربهم من الرب تبارك وتعالى, هذه أيها المبارك ربما تكون أول المدركات.

معرفة الاختلاف البشري

معرفة الاختلاف البشري الثاني: معرفة الاختلاف البشري، فنحن ندرك أن الناس لن يكونوا على سجية واحدة، ونحن لا نريد أن ننطلق من نظريات غربية أو أقوال أدباء أو مؤرخين أو غير ذلك، فنحن كما مثلنا في الأول بالسنة فنمثل هنا بالسنة، فنبينا صلى الله عليه وسلم كفانا مؤنة كل شيء بفضل الله. والنماذج البشرية تختلف، فقد كان هناك عبد اسمه مغيث متزوجاً جارية اسمها بريرة، فكان بمقدار ما يحب مغيثاً بريرة بمقدار ما بريرة تكرهه، فكاتبت سيدها فكاتبوها عملاً بالآية، فلما كاتبوها نالت حريتها، والمرأة إذا نالت حريتها حق لها إن كان زوجها رقيقاً عبداً أن تطلب منه الطلاق. والمكاتبة أن العبد أو الأمة يدفع مالاً على هيئة أقساط منجماً لسيده، فيتفقان مثلاً على عشرة آلاف ريال، فيدفع كل شهر ألفاً، فيتعب في الفترة هذه ويجمع المال إما من الناس، أو يأخذ من الصدقات، أو يعمل بزيادة، فخلال عشره أشهر مثلاً يبقى عبداً حتى يكمل تلك المكاتبة. فـ بريرة اتفقت معهم على مبلغ، واستعانت بـ عائشة فأعطتها المبلغ؛ حتى يكون الولاء لها، كما قال صلى الله عليه وسلم: (إنما الولاء لمن أعتق)، فنالت حريتها، ولما نالت حريتها حق لها شرعاً الانفصال فاختارت الانفصال، فأخذ مغيث يتبعها، يقول ابن عباس كما في البخاري: كأني أراه يطوف وراءها وهو يبكي ودموعه على لحيته وهي لا تريده. فقال النبي صلى الله عليه وسلم لعمه العباس، والنبي سيد الحكماء، ويعرف معنى اختلاف النماذج البشرية، فقال: يا عباس: (ألا تعجب من حب مغيث بريرة وبغض بريرة مغيثاً)، ثم قال صلى الله عليه وسلم: (ألا تراجعيه؟ قالت: يا رسول الله! هل هذا أمر؟ قال: إنما أنا شافع. قالت: لا حاجة لي به). والنموذج أنه يوجد رجال لو أن ابنهم أبغضهم تبرءوا منه، ويوجد أبناء لو أن أباهم أبغضهم تبرءوا من أبيهم، بل يوجد كما يقول أظنه أبو الإصبع العدواني: لو أن يمينه نازعته لقطعها، فهو لا يقبل أن أحداً يبغضه. فأنا أقصد أن هناك تفاوتاً بين الناس، فإذا كنت تعرف أن هناك اختلافاً بين البشر تقبلت ما يصنعه البشر، فالحكيم ينظر للناس كما هم عليه لا كما يريد، أو كشخصيته هو. والنبي صلى الله عليه وسلم يعرف ذلك ولهذا جعل ذلك عنواناً للعجب، وقال لعمه: ألا تعجب، فهذا أمر يدعو إلى العجب رجل يحب امرأة ويكاد يموت ولهاً بها وهي تبغضه، فسبحان الذي جعل في قلب مغيث تلك المحبة لـ بريرة، وجعل في قلب بريرة ذلك البغض لـ مغيث. لكنني كرجل ناظر للأحداث من حولي لابد أن أعرف أن الناس يختلفون، ثم إذا وجد هذا في مجتمع الصحابة فما بالك بالمجتمعات الأخرى. إذاً ينجم عن هذا كذلك زيادة فضل في العلم بالناس أنه توجد بعض المشاكل على الحكيم أن يفقه أنها ليس لها حل، فالناس عندما تغيب عنهم الحكمة يغرقون في الجزيئات، فأحياناً تأتينا اتصالات تنص عن شيء معين فأخبره بعجزي عن حل القضية، فيقول: لا، لا تقل: ليس لها حل، ويريدنا ليل نهار نمسي ونصبح في قضية جزئية، فثمة قضايا تتكفل بها الأيام ولا نستطيع أن نفعل لها شيئاً، بدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم حاول أن يتشفع فلم تقبل بريرة شفاعته، فما الحل إذاً؟ هل نجبرها على ذلك؟ لا، وإنما انفصال انفصال، وعلى مغيث أن يصبر، وهي بالنسبة له مشكلة فعليه أن يبحث لها عن حل، لكن منتهى الأمر أن يتشفع رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذاً فثمة أشياء نتركها للأيام وللسنون وللنسيان ولا نغرق فيها إغراقاً يشغلنا عن غيرها. ثم أحياناً أنت كحكيم قد تبتلى بأناس فيهم عيوب لا يمكن نزعها، فمن الخطأ جداً أن أشغل نفسي فيها، فقد يوجد بعض الدعاة يشغل نفسه بشاب في الحي ليس عنده قضية إلا أن يهتدي هذا الشاب، فالليل والنهار وهو يحاول معه ويقول: (لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً)، الله يقول: {فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى} [الأعلى:9]، فترى في الحي عشرات الشباب غيره، وفي الأمة قضايا كثيرة غير هذه القضية، فلا تجعل نفسك في قضية واحدة ليل ونهار وكأنها هي قضيتك. وأنا الآن سأخرج إلى باب الأدب، فقد ذكروا أن هارون الرشيد كان له عم كان أثير عنده واسمه العباس بن محمد، وكان يجله هارون، وهارون على اسمه رشيد، وكان هارون يغدق العطايا على العباس بن محمد الذي هو خاله، فسبب كونه يغدق عليه العطايا أصبح رجلاً ذا مال، فجاء أحد الشعراء واسمه ربيعة الرقي وهو من الرقة منطقة أظنها في العراق، فالشاهد أنه كتب فيه أبياتاً خالدة في المدح، قال في آخرها: كأن المكارم لم تزل معقولة حتى حللت براحتيك عقالها فالمقصود أن الأبيات في ذروة المدح، فبعث مع رسول في ذلك الزمن الذي تكثر فيه العطايا بعث بدينارين، فهذه قصيدة من درر القصائد في مدحه يكافئ عليها بدينارين! والآن يستحي الإنسان أن يعطي العامل دينارين، فأعطاه إياها. فلما جاء الرسول وهو يحمل دينارين للشاعر جُن، فهو يعرف قيمة الأدب وقيمة الشعر، فكتب عليها في الخلف أبياتاً يذم فيها العباس، ويتبرأ من ذلك المدح، ويقول: إنها كذب وافتراء، وأنه لا يستحق ذلك المدح، وأعطى الغلام الدينارين فأوصلهما إليه، فلما وصلت الأبيات التي هجا فيها ربيعة عم هارون الرشيد غضب واشتكاه إلى هارون. فـ هارون أتى بالشاعر وقال له: هذا عم وتعرف أنه أثير عندي ومنزلته عالية فلم تهجوه؟ قال: يا أمير المؤمنين لقد مدحته بأبيات ما مدح أحد بها، فأصر هارون على أن يسمعها فأسمعها هارون، فلما سمعها هارون تعجب مما فيها من علو كعب في المدح. فقال: سله يا أمير المؤمنين! كم كافئني عليها؟ فأخذ العباس يحاول أن يضيع القضية ولا يجيب. فاستحلفه هارون، فحلف بأنهما ديناران، فكاد هارون أن يجن، ثم قال لعمه: واحد من ثلاثة الذي جعلك تهدي على هذه القصيدة دينارين: إما أتيت من قبل مالك، وإما أتيت من قبل أصلك، وإما أتيت من قبل نفسك، فأما من قبل مالك فليس لك عذر؛ فعندك مال، فلست عاجزاً أن تعطيه، وأما من قبل أصلك فأنت من آل البيت، وأصلك لا يدانيه شيء، فما بقي إلا نفسك، فأنت نفسك وضيعة. فقال له: أما إذا كانت القضية من نفسك فهذه ما فيها حل، فتغير هارون عليه وأصبح لا يقربه، وأعطى الشاعر. موضوع الشاهد: أنك قد تبتلى أحياناً بأناس في هذا المجتمع فماذا تفعل بهم؟ لا يكون ذلك همك ليل نهار، فمن الحكمة أن تتجنبهم.

كثرت التجارب والخبرات

كثرت التجارب والخبرات الملقي: يا شيخ صالح أنت علقت بعض الحلول بمسألة مرور الأيام، فدعني أنظر لهذا الموضوع من زاوية أخرى وهي: كثرة التجارب والخبرات للإنسان، أليس ذلك من شأنه أن يولد عنده شيئاً من الحكمة؟ الشيخ: بلا شك، وهذه قد نجعلها ثالث المدركات. يقول المتنبي: من عرف الأيام معرفتي بها وبالناس روى رمحه غير راحم فكثرة التجارب تغير من الرأي، فهناك شيء اسمه بادي الرأي، أي: الرأي الأول، لكن التجارب تكون مع طول الأيام، ولذلك يقولون: الأمة تحتاج إلى حماس الشباب، وخبرة الكهول أو تجربة الكهول أو لحكمة الكهول، فكثرة التجارب تغير كثيراً من القناعات، وتبدد كثيراً من النظريات، والنبي صلى الله عليه وسلم لما ذم الخوارج قال: (حدثاء الأسنان) أي: قليلو التجارب، فإذا كانت هناك تجارب في الحياة فإنها تجعل الإنسان أكثر حكمة، وكلما كان الإنسان كثير الأسفار، غني التجارب، يخالط الناس بكثرة، كان أقرب إلى تاج الحكمة.

الاستعداد للأمر قبل وقوعه

الاستعداد للأمر قبل وقوعه بقي الاستعداد للأمر قبل وقوعه، وهذه قد تكون هي الحكمة في نفسها، فالاستعداد للأمر قبل وقوعه أمر يدل على أن الإنسان يسير في خطاه سيراً متأملاً سير حكيم، فيعرف الأمر حتى لا يقع في اللوم.

معرفة الرب تعالى والقيام بأمره ودينه

معرفة الرب تعالى والقيام بأمره ودينه وأعظم من ذلك ما يحتاجه الإنسان من حكمة في معرفة الرب تبارك وتعالى، فثمة عبادات شرعها الله جل وعلا لعباده، القائمون بها قبل أن ينتهي زمن التكليف يدل ذلك على علو كعبهم في باب الحكمة، وعدم قيامهم بها يدل على بعدهم عن الحكمة. يقول الله جل وعلا: {يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ * خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ} [القلم:42 - 43]. إذاً فالحكيم هو من إذا أمر بالسجود سجد، ومن إذا سمع حي على الصلاة حي على الفلاح بادر إلى السجود؛ لأنه سيأتي يوم يأمر الناس فيه بالسجود فمن سجد في الدنيا فإنه في هذا الموقف يستطيع أن يسجد إذا خلصت نيته في الآخرة، ومن لم يحسب هذا الموقف لا يستطيع أن يسجد في الآخرة. يقول سعيد بن جبير عن أهل القبور: إنهم إذا بعثوا يمسحون الموت عن أعينهم ويقولون: سبحانك اللهم وبحمدك وهم كفرة؛ لأنهم يقولونها يوم لا ينفعهم ذلك. فإذا أردنا أن نصف أحداً بأنه حكيم حقاً فلننظر كيف استعد للقاء الله، فمن استعد للقاء الله حقاً بالعمل الصالح التقي النقي دل ذلك على حكمته، ومن أوتي حظاً في حظ الدنيا فهذه حكمة الدنيا، لكن نقول: هذه حكمة نسبية كما أجبنا على إحدى الأخوات في الأول لما قالت: هل يؤتى الكافر الحكمة، والله المستعان.

الآثار الجانبية عندما يفتقد العلماء والدعاة الحكمة

الآثار الجانبية عندما يفتقد العلماء والدعاة الحكمة أحد المتصلين يقول: ما هي الآثار الجانبية التي تؤثر على عامة الناس عندما يفتقد العلماء والدعاة الحكمة؟ ولعلي أجمع بينه وبين سؤال بعض المتصلين كما ذكرت الآية: {وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران:159]. الشيخ: الإنسان بقدر تأثيره في الناس يكون لخطئه أثر فيهم بقدر ذلك، يعني: إذا كان الإنسان قدوة أو أسوة وهو متبع ووقع في خطأ فإن أثر ذلك الخطأ يكون على الناس بقدر اتباعهم له، ولهذا فعلى كل من له صوت مسموع إعلامياً أو وعظياً أو له محراب أو له منبر أن يتقي الله فيمن يسمعه، وألا يعتبر أنه يمشي وحده، وألا يجازف بالناس ويتكلم كلاماً غير مسئول، وأن ينظر في عواقب الأمور؛ فإن الأمة أحوج ما تكون إلى من يرأب صدعها، ويلم شعثها، وأن تعطى الصورة الحسنة المثلى عن الدين، فالدين أعظم أمانة نحملها في أعناقنا، والإنسان لا ينظر إلى مصلحته الشخصية بل يتأسى بالحكمة كما فعل الأنبياء، وليس المهم ما يقوله الغلمان والشبان والولدان والناس عنك بعد خروجهم، بل المهم ما الذي يكتبه الملكان، فالإنسان ينبغي عليه أن يكون حكيماً ينظر إلى مصلحة الدين قبل أن ينظر إلى نفسه. والآثار الجانبية التي ذكرها أبو عبير وفقه الله تبقى قاتلة إن كان الخطأ شائعاً ذائعاً استمع الناس له كثيراً، فتأسوا به واقتنعوا به، لعلو صوت أو غيره. والأخت أم محمد ذكرت قضية -الظاهر- علو الصوت، وعلو الصوت لا يقدم ولا يؤخر، نعم كان النبي صلى الله عليه وسلم كأنه منذر جيش، وبعض الوعاظ وفقنا لله وإياهم لكل خير وهدانا الله وإياهم سواء السبيل يصرخون صريخ، وهذا لا يقدم ولا يؤخر، ولهذا جاء في وصايا لقمان: {إِنَّ أَنكَرَ الأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ} [لقمان:19] يعني: لو كان لعلو الصوت دور لكان صوت الحمار أكمل، لكن القضية في المعنى، وأما ما جاء في الأحاديث: (كأنه منذر جيش) فهذا يمثل الهيئة، ثم إن بعض الألفاظ قد يحصل معها رفع الصوت، ثم إن ما يسمى بالمايكات الآن قد أغنت كثيراً عن رفع الصوت. فالمقصود من هذا أن الإنسان يعرض ما عنده بهدوء وبيقين وبخطى واثقة حتى يصل لمقصوده.

الكلام عن حياة البرزخ

الكلام عن حياة البرزخ أشرت يا شيخ أنت في المدركات إلى مسألة الاستعداد للأمر قبل وقوعه، فأحد المتصلين طلب منكم قبل ذلك كلاماً عن حياة البرزخ، لعل أيضاً هذا مما يتصل بالحكمة. الشيخ: حياة البرزخ حياة بين دارين، قال الله جل وعلا: {وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} [المؤمنون:100]، وقد أخبر الله جل وعلا ورسوله صلى الله عليه وسلم كثيراً عنها، وهي تحمل في طياتها الكثير مما لا نعلمه، {فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ} [ق:22]، فالقبور ظاهرها واحد وخفاياها الله أعلم بها، فثمة أناس ينعمون وثمة أناس يعذبون، والعذاب والنعيم يقع على الروح والجسد، ولا نعرف نحن كنهه ولا كيفيته على الوجه الأكمل؛ لأن الله غيبه عنا، لكن الله أطلعنا على أن هناك حياة برزخية ينعم فيها من ينعم؛ حتى يصبح مشتاقاً إلى نعيم الله، فيقول: رب أقم الساعة، ويعذب فيها من يعذب؛ حتى يخاف مما هو قادم، ويقول: رب لا تقم الساعة.

حكم صيام المرأة بغير إذن زوجها

حكم صيام المرأة بغير إذن زوجها المقدم: وسألت بعدها عن صيام المرأة بغير إذن زوجها. الشيخ: الصيام صحيح لكن كان الأفضل أن تستأذن، فلو أمرها بالإفطار أفطرت، لكن لو صامت دون نهي منه فصيامها صحيح. المقدم: هل لها أن تصوم مع غيابه غالب اليوم خارج المنزل؟ الشيخ: إيه لها أن تصوم، لكن تستأذنه أفضل.

انقطاع الوحي بعد وفاة رسول الله

انقطاع الوحي بعد وفاة رسول الله الملقي: هل نزل الوحي على أحد؟ انقطع الوحي بوفاة النبي صلى الله عليه وسلم إجماعاً.

تعدد معاني الحكمة في القرآن

تعدد معاني الحكمة في القرآن الملقي: بعضهم يسأل عن الحكمة هل تختلف معانيها في القرآن؟ الشيخ: هذا المصطلح يختلف، فتأتي أحياناً بمعنى ما ذكرناه، وأحياناً بمعنى السنة، وهذا بحسب القائل.

الفرق بين الفراسة والحكمة

الفرق بين الفراسة والحكمة الملقي: إحدى الأخوات تسأل عن الفرق بين الفراسة والحكمة؟ الشيخ: الفراسة هي أمر ظهرت له دلائل وقرائن فعرفها الرجل، لكن الحكمة أوسع من قضية الفراسة، فالفراسة أن يتفرس الإنسان في شخص لا يعرفه فيقع منه قول فيه، مثل تفرس عزيز مصر في يوسف عليه الصلاة السلام. وأما الحكمة فبابها أكمل وأكبر من قضية الفراسة.

ما ورد من أن من حافظ على تكبيرة الإحرام أربعين يوما أوتي الحكمة

ما ورد من أن من حافظ على تكبيرة الإحرام أربعين يوماً أوتي الحكمة الملقي: ما ورد في أن من حافظ على تكبيرة الإحرام أربعين يوماً أوتي الحكمة. الشيخ: لا أعلم أن هذا الحديث بهذا اللفظ صحيح، لكن المعنى صحيح أن إنساناً إذا عكسناه يعني تحافظ على تكبيرة الإحرام هذا حكيم؛ لأنه أستعد لآخرته، لكن لا أعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن من حافظ على تكبيرة الإحرام أربعين يوماً رزق الحكمة، لا أعلم حديثاً بهذا اللفظ.

معنى الخير الكثير في قوله تعالى: (فقد أوتي خيرا كثيرا)

معنى الخير الكثير في قوله تعالى: (فقد أوتي خيراً كثيراً) المقدم: إحدى الأخوات تسأل عن الخير الكثير في الآية: {وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا} [البقرة:269]. الشيخ: المقصود أن الحكمة من الخير الكثير، يعني: من أعطاه الله الحكمة فقد أعطاه خيراً كثيراً، وتعبير القرآن بأنه خير كثير بمعنى توفيق عظيم للصالحات من الأعمال، وبخيري الدنيا والآخرة.

أساليب اكتساب المرأة للحكمة

أساليب اكتساب المرأة للحكمة المقدم: ما هي أساليب اكتساب المرأة للحكمة؟ الشيخ: المرأة في هذا مثل الرجل، وهذا بيناه في الأول.

كيفية التعامل مع المصائب

كيفية التعامل مع المصائب المقدم: ثم سألت عن استقبال المصائب وكأنها هدية من الله. الشيخ: يتعامل الإنسان مع المصائب تعامل من يفتقر إلى الله، فلا يوجد أحد يفرح بالمصيبة، فالنبي صلى الله عليه وسلم أصيب بمقتل حمزة فحزن، وأصيب بموت إبراهيم فحزن، ودمعت عينه، وحزن قلبه، لكنه أسلم نفسه لله، وأما إنسان يضحك إن جاءته مصيبة فهذا لا يعقل، ولا يسمى هذا من الحكمة، وكونه هدية من الله قد يقولها قائل لأحد يسلي عنه، لكن الإنسان يتعامل مع ما يأتيه من المصائب باحتساب، وإذا كانت المصائب لا تحزن ولا تؤثر في القلب فعلى ماذا يؤجر؟! لكن لما كان لها أثر في القلب كان الثواب والأجر مع الصبر والاحتساب. ثم إن الإنسان رغم ذلك الحزن الذي يصيبه يصبر ويحتسب ويرضى بقضاء الله جل وعلا وقدره، والرضا منزلة عظيمة هنا، وبعد ذلك يؤجر عليها، وأما أن الإنسان يأخذها كنوع من العبث فهذا ليس من الحكمة ولا من العقل في شيء.

أهم الكتب التي ذكرت الحكمة

أهم الكتب التي ذكرت الحكمة المقدم: أخت تسأل عن أهم الكتب التي ذكرت فيها مشاهير أقوال الحكماء؟ الشيخ: القرآن والسنة ذكرت فيهما الحكمة، وأما من الكتب الأدبية فلو رجعت إلى الكامل للمبرد فإنك تجد فيه كثيراً من أقوال الحكماء.

العمر الذي تكتمل فيه الحكمة

العمر الذي تكتمل فيه الحكمة المقدم: يقول بعض الإخوة: إن الحكمة لا تأتي إلا بعد الأربعين. الشيخ: هي تكتمل في ذلك السن، ومن الصعب أن يكون الإنسان حكيماً وهو صغير، فقد يكون فيه شيء من الحكمة، لكن التجارب كما قلنا لها دور، والتجارب لابد لها من طول زمان، فإذا وجدت تجارب وخبرات، وكبرت سن المرء، وكان ذا وعي وإدراك رزق الحكمة بكمالها وتمامها، وقد قال الله: {حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً} [الأحقاف:15].

ذكر بعض الحكماء

ذكر بعض الحكماء الملقي: إن المتتبع للتاريخ يجد أسماء كبيرة جداً فيما يتعلق بالحكمة، ووصفت بهذه الحكمة، والنماذج كثيرة، ولعل الوقت يسمح بعرض أهمها. الشيخ: نبدأ بلقمان عليه السلام، قال الله عز وجل: {وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ} [لقمان:12]، وقد اختلف في نبوته، والأشهر أنه عبد صالح وليس من الأنبياء على الأظهر والأصح، والعلم عند الله. ولقمان ذكر لله جل علا نتفاً من وصاياه؛ حتى يبين لنا كيف حكم على لقمان بأنه حكيم، فترتيب الأولويات من دلائل الحكمة، وكيف يوصي الإنسان ابنه من دلائل الحكمة. فالله جل وعلا يقول: {وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان:13]، فبدأ بأعظم الوصايا وهي النهي عن الشرك، فلا يوجد مفسدة أعظم من الشرك، فنهى لقمان ابنه عن أعظم المفاسد وحذره منها وهي الشرك بالله، والله جل وعلا لما ذكر الحكمة في كتابه العظيم قرنها بالبعد عن الشرك، وقد قلنا: إن المراغي رحمه لله قال: إن التوحيد رأس الدين ورأس الحكمة. فالله جل وعلا أيها المبارك! في سورة الإسراء تمهيداً لهجرة نبيه حذرهم من الشرك، فقال في آيتين بينهما بعض الآيات، قال: {لا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُومًا مَخْذُولًا} [الإسراء:22]. فالقعود في لغة القرآن وصف للعجز، فالله يقول: {وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ} [النور:60]، عجز جمع عجوز إن صح الجمع، ويقول: {لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ} [النساء:95] لماذا قاعدون؟ لأن فيهم عجز عن الجهاد، فالله يقول لنبيه تحذيراً دنيوياً: {لا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُومًا مَخْذُولًا} [الإسراء:22]، ثم قال: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ} [الإسراء:23]، وأتى بعدة وصايا، ثم قال: {ذَلِكَ مِمَّا أَوْحَى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ} [الإسراء:39] أي: تلك الآداب التي علمناك إياها. ثم قال: {وَلا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتُلْقَى فِي جَهَنَّمَ مَلُومًا مَدْحُورًا} [الإسراء:39]، فالآن ذكر العقاب الأخروي، نذكر في الأول العقاب الدنيوي: (مذموماً مخذولاً) وفي الآخر ذكر العقاب الأخروي: (ملوماً مدحوراً)، وهذه الأربع كلها ناجمة عن الشرك بالله الذي جعله لقمان في مقدمة وصاياه يوم قال لابنه: {وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان:13]. ثم تدرج لقمان في وصاياه: فذكر الصلاة، وذكر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وذكر كوارث الدنيا فقال: {وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ} [لقمان:17]، ودعاه إلى التودد للناس والتحبب إليهم وعدم التعالي عليهم: {وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلا تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا} [لقمان:18]، فبين له كل هذه الطرائق، وتلاحظ عدم الإغراق في الجزئيات، وإنما بدأ بما يتعلق بالله، ثم انتهى إلى الأمور التي هي أقل شأناً وهي الحديث مع الناس وألا يكون فيه رفع صوت. فترتيب تلك الوصايا يدل على ما أوتيه لقمان عليه السلام من الحكمة. وقد ذكرنا عدد من الصفات: مذموماً، مخذولا، ملوماً، مدحوراً، وقد ذكرها الله في سورة الإسراء، فالتفريق بين هذه الصفات كالآتي: يقول الله: {لا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُومًا مَخْذُولًا} [الإسراء:22] فالمذموم هو من يقال له: ما فعلته قبيح، أي: يخبر بعد فعله أن ما فعلته قبيح، والمخذول هو الضعيف الذي لا ناصر له، وإذا تخلى الله عن أحد فهو مخذول, وأما الملوم: فهو الذي يقال له: لم فعلت كذا؟ وأما المدحور: فهو المطرود المبعد.

الحكماء في الأدب والشعر والسياسة

الحكماء في الأدب والشعر والسياسة الملقي: ننتقل يا شيخ إلى ما يتعلق بالشعر والأدب، فالتاريخ مليء بكثير من الحكماء منهم، حتى إن بعض الأبيات أصبحت حكماً مشهورة بين الناس، ومن هؤلاء المعري والمتنبي وأسماء أخرى لعلك ستذكرها. الشيخ: كما ذكرتم المعري والمتنبي قامتان أدبيتان رفيعتان أدبياً، وليسا قدوة، فالتجارب حنكتهما، فـ المعري سمي نفسه رهين المحبسين، ويقصد حبسه نفسه في بيته مع العمى، فقد أصيب بالجدري على ما يذكرون فعمي، ثم رحل إلى مواطن العلم آنذاك حتى وصل إليها، فجمع علماً ثم عاد إلى مقره في المعرة وإليها ينسب، وهناك أخذ يدرس ويملي، وله كتب شهيرة منها: سقط الزند، ومنها: معجز أحمد، هو شرح لديوان المتنبي. والمتنبي قبله زمناً، وقد كان طالب سياسة وطالب كرسي بتعبير أصح، ولم ينله، وقد خاض تجارب عدة صقلت حياته، لكنه رغم ما أعطاه الناس من أبيات حملت معنى الحكمة إلا أنه لو كان حكيماً موفقاً لنال مقصوده، لكنني أقول بوضوح: المتنبي على كثرة حب الناس له لم يعط الحكمة في نفسه وإن كان قد قالها، فنعم قد قال أبياتاً جرت مجرى المثل بين الناس، كقوله: أنا الغريق فما خوفي من البلل وله أبيات عديدة لا تحصى في قضية الحكمة، وكذلك المعري يقول: خفف الوطء ما أظن الـ أرض من هذه الأحساد سر إن اسطعت في الهواء رويداً لا اختيالاً على رفات العباد في قصيدة مشهورة أولها: غير مجد في ملتي واعتقادي نوح باك ولا ترنم شادي والعجز فيما يظهر لي في المشترك بينهما هو الذي أعطاهما الحكمة. فـ المتنبي لا يعقل إن أحداً يطلب ملكاً وأمارة وجاهاً وهو رافع الرأس؛ لأن الرأس إذا رفع قلم، فهو أراد أن ينافس سيف الدولة ولا ينشد عنده إلا وهو قاعد ولا يقوم كما يقوم الشعراء، ويقول بين يدي سيف الدولة: الخيل والليل والبيداء تعرفني والسيف والرمح والقرطاس والقلم وهو نفسه يقول لـ سيف الدولة ينصحه: ومن يجعل الضرغام بازاً لصيده تصيده الضرغام فيما تصيدا يعني: لا يوجد عاقل يستعمل رجلاً قوياً أقوى منه؛ لأنه سينقلب عليه، فالله عليك تسدي إليه نصيحة كهذه وتريد منه أن يعطيك أمارة! فهذا لا يعقل. ثم لما ذهب إلى كافور مدح كافوراً وأثنى عليه وأخذ يبجله، وكافور كان موفقاً يقولون: كان فيه كثير من الصلاح، فقال: هذا وهو شاعر فكيف لو أخذ إمارة!! فلم يكن المتنبي يعرف الطريقة المثلى ليحقق مقصودة. وأما المقصود الأخروي فما ذكروا عنه ديناً، وإنما ذكروا عنه ولعه بالدنيا، وها هو لم يستطع أن يحصل منه شيئاً، رغم أن الناس حصلوا من تجربة المتنبي التي ضمنها شعره على فوائد كثيرة. والمعري أضر به كونه كفيفاً، فانقلب حاله إلى نظرة تشاؤمية، وأبى أن يتزوج، وهذا ضعف، ويقولون: إنه أوصى أن يكتب على قبره: هذا جناه أبي علي وما جنيت على أحد ويقولون: إنه تجنب أن يأكل اللحوم وما أشبه ذلك، وهذا سبب نظراته التشاؤمية رغم أنه له أبيات شهيرة في الحكمة، وعلى العموم فالتاريخ أدبياً وسياسياً عرف أناساً حكماء. وقد قرأت مرة في سيرة السادات الرئيس المصري رحمة الله عليه، وهذا من دلائل الحكمة فمن ترجموا له وعاصروه يقولون: إنه كان إذا جاءه الريح أو الإعصار يطرق لها رأسه، وهذا من العقل؛ لأن الإنسان إذا واجه الإعصار كسر، وهلله الإعصار وانتهى، لكن إذا أطرق رأسه مر الإعصار، ثم يقوم الإنسان من جديد فيستمر، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (لأن تهدم الكعبة أهون عند الله من قتل مسلم) رغم أن الكعبة بيت الله؛ لأن الكعبة لو هدمت فإنها تبنى، لكن المسلم إذا قتل فلا سبيل إلى إعادة جسده، فعندما يكون الإعصار أو الشدائد قوية فلا بأس أن ننحني مادام أنه ليس انحناء عقدياً، حتى نقوم بعد ذلك ونكمل المسير، وهذا من الحكمة. الملقي: هذا الانحناء يا شيخ ليس على إطلاقه، وإنما يكون في بعض المواقف. الشيخ: هو أصلاً لا يسمى انحناء بالمعنى الحرفي، لكن الإنسان الحماسي يسميه انحناء ويقول: هذا خوف وهذا جبن، لا هذا ليس خوفاً ولا جبناً، وإنما هذا من الحكمة، ولذلك فالأمر كما قال المتنبي: الرأي قبل شجاعة الشجعان هو أول وهي المحل الثاني وسيد الخلق المعصوم من أذى الناس بنى خندقاً؛ حتى يتقي به شر الكفرة، فلا يأتينا أحد يجازف بالأمة في المهالك، ولبس درعين صلى الله عليه وسلم يوم أحد.

الحكمة ضالة المؤمن أينما وجدها فهو أحق بها

الحكمة ضالة المؤمن أينما وجدها فهو أحق بها الملقي: يا شيخ الحكمة ضالة المؤمن، فأنى وجدها فهو أحق بها، فبماذا تعلق على هذا؟ الشيخ: هذا الأثر من دلائل حكمة التشريع، فعلى الإنسان أن يربي في أتباعه الوصول إلى الكمال، ومن تربية الناس على الوصول إلى الكمال ألا يأنفوا أن يأخذوا الفائدة من أي أحد ما دام لا ينجم عن ذلك ضرر في عقيدته، ولهذا شرع الله لنا أن نقرأ وننظر في أخبار الغابرين وأوائل الناس رغم أنهم كفرة، وأن نستقي كل خبر طيب، والله جل وعلا أثبت هذا في كتابه، قال الله جل وعلا على لسان بلقيس: {إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً} [النمل:34] فصدقها الله بقوله: {وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ} [النمل:34]، وقال الله جل وعلا عن كفار قريش وهم عبده أصنام ويعكفون على الأوثان قال عنهم: {وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا} [الأعراف:28] فرد الله عليهم بقوله: {قُلْ إِنَّ اللَّهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ} [الأعراف:28]، فقبل الله منهم قولهم: وجدوا عليها آباءنا؛ لأنهم في قولهم ذلك كانوا صادقين، فقبل الله جل وعلا قولهم. والمقصود أن العاقل لا يجعل بينه وبين المعرفة حجاباً، ويبحث عنها أينما وجدها فهو أحق بها؛ لأنه أفضل وأقرب من الدنو إلى الكمال.

تفسير حديث: (الإيمان يمان والحكمة يمانية)

تفسير حديث: (الإيمان يمان والحكمة يمانية) أحد الإخوة أرسل قبل الحلقة ويتساءل عن تفسير حديث: (الإيمان يمان، والحكمة يمانية). الشيخ: إيه النبي صلى الله عليه وسلم أثنى على أهل اليمن وقال (الإيمان يمان والحكمة يمانية، أتاكم أهل اليمن أرق أفئدة وألين قلوباً)، (والحكمة يمانية) يقصد عليه الصلاة والسلام أن الحكمة فيهم ظاهرة، وأن ثمة أناساً منهم عرفوا بالحكمة وحسن التصرف، وهذه شهادة نبوية لا نستطيع أن ندفعها، بل ينبغي أن نقرها فهي من الإيمان بالله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وقد بالغ بعض العلماء في هذا مثل الشوكاني لكنه استدرك. فالذي يعنينا أن هذه البلاد بارك الله فيها، وسمي الركنان اليمانيان بهذا الاسم لتوجهما إلى اليمن، والنبي صلى الله عليه وسلم كان له أصحاب من اليمن أرق أفئدة، وألين قلوباً كـ أبي موسى الأشعري رضي الله عنه وأرضاه.

الحكمة التي تمثلها الشيخ المغامسي في حياته

الحكمة التي تمثلها الشيخ المغامسي في حياته الملقي: لعلي أختم يا شيخ بسؤال ورد إلى فريق العمل تقول السائلة: ما هي الحكمة التي تمثلها الشيخ صالح في حياته؟ الشيخ: كل خير لا يطلب إلا من الله، وكل نقمة لا تدفع إلا بالله، أسأل الله أن يحييني على هذا ويميتني عليه. لا يسعني في نهاية المطاف إلا أن أشكر الله عز وجل أن هيأ لنا هذا اللقاء، كما أسأله تعالى أن يرزقنا جميعاً الحكمة، ثم أشكر فضيلة الشيخ على مشاركته، وعلى تكبده عناء السفر فجزاكم الله خيراً شيخ صالح. والشكر موصول لكم أيها الأحبة: أولاً الإخوة الذين تابعونا على موقع البث الإسلامي، وموقع المسك. فأشكركم على طيب متابعتكم، وتحية طيبة من فريق العمل. وأيضاً أشكر الإخوة الذين أعلنوا في موقع صيد الفوائد عن هذه الحلقة. والشكر لجميع المشاهدين والمشاهدات الذين أكرمونا بهذه المتابعة الغالية من وقتهم، وأسأل الله عز وجل أن يحقق لنا جميعاً الفائدة والمتعة من هذا اللقاء.

ثنائيات ورد ذكرها في الكتاب والسنة

سلسلة القطوف الدانية - ثنائيات ورد ذكرها في الكتاب والسنة كان أول من شرع القتل وسنه قابيل ابن آدم عليه السلام، فقد دب الحسد في قلبه لأخيه هابيل فقتله، فبعث الله إليه غراباً من الفواسق؛ ليعلمه كيفية دفن أخيه، وليعلمه كذلك أنه دخل في مرتبة الفسق، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم: بأن كل نفس تقتل فعلى قابيل كفل منها، وقد تطرق الشيخ إلى مسائل الثنائيات القرآنية، وذكر بعض اللطائف الشائعة في القرآن الكريم.

جريمة القتل الأولى في تاريخ الأرض

جريمة القتل الأولى في تاريخ الأرض الحمد لله الذي أحسن كل شيء خلقه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ولا معبود سواه، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، وعلى سائر من اقتفى أثره، واتبع منهجه بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: فنستعين بالله جل وعلا وهو المستعان ونقول: إن الله جل وعلا قال لنبيه في سورة المائدة: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} [المائدة:27] إلى آخر الآيات. قوله: {نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ} [المائدة:27] كما أخبر الله جل وعلا في ظاهر القرآن الذي عليه جماهير أهل العلم: أنهما أبناء آدم لصلبه، وفي رواية عن الحسن: أنهما من بني إسرائيل وهذا بعيد؛ لأنه بعيد أن يكون الناس قد امتد بهم الدهر إلى بني إسرائيل، ولا يعرف أحدهم كيف يفعل بأخيه إذا قتله، أو أن يجهلوا أمر قبره. فعلى هذا الذي عليه الكافة: أنهما أبناء آدم من صلبه، والله جل وعلا أراد لأبينا آدم أن يكون أباً للبشر، وحتى يكون أباً للبشر لابد أن تتناسل الذرية، وحتى يكون هناك تناسل في الذرية لابد من التزاوج، فكانت حواء تحمل في كل بطن ذكراً وأنثى على ما قاله أهل التفسير، فكان يزوج الذكر من الأنثى من البطن الآخر، وهكذا. وظاهر الأمر: أن قابيل لم يرض بأن يتزوج هابيل من أخته التي معه في بطنه، ويتزوج هو أخت هابيل التي معه في نفس البطن وفي نفس الحمل، فكأن الأمر بينهما وصل إلى نزاع واختصام، فأشار عليهما أبوهما أن يقدم كل منهما قرباناً، ولعل هذا بأمر من الله، فكان أحدهما صاحب زرع وهو قابيل، فاختار أردى شيء من ذلك، وكان أحدهما صاحب غنم، فاختار كبشاً من أحسن كباشه، وهو هابيل، والخلاف في أيهما صاحب الزرع، وأيهما صاحب الضان لا يقدم ولا يؤخر في الكل، فالمهم هو النفس الطيبة عند تقديم القربان لله جل وعلا، وقد كانت الآية في قبول القربان: أن تأتي النار فتأكل القربان المتقبل، فجاءت النار فأكلت قربان هابيل علامة على قبوله، ولم تأكل قربان قابيل علامة على رده. وهنا: دب الحسد في قلب قابيل فجاء إلى أخيه وقال: لأقتلنك، فأجابه الأخ: {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} [المائدة:27] أي: أن معيار التقوى هو المعيار عند الله جل وعلا، فليس بين الله وبين أحد من خلقه واسطة، وليس المقام مقام تكذيب. ثم ما زال البغي والحسد في قلب قابيل حتى قال لأخيه: لأقتلنك، فقال له مجيباً: {إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ} [المائدة:29] وقال قبلها: {لَئِنْ بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ} [المائدة:28]. قال بعض العلماء: إن هابيل كان أشد قوة من قابيل، لكن خوفه من مقام الله منعه، ويؤيد ذلك قول الله: {إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ} [المائدة:28] على لسان هابيل. ثم كان من الأمر أن سولت تلك النفس لقابيل أن يقتل أخاه فقتله، فلما قتله وكان هذا أول قتل يكون في الأرض -قال صلى الله عليه وسلم: (لا تقتل نفس ظلماً إلا كان على ابن آدم الأول كفل منها) - لم يدر كيف يصنع به: {فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الأَرْضِ} [المائدة:31]، قيل: إن الغرابين اقتتلا أمامه، هذا الوارد، لكن القرآن لم ينص عليه، والمهم منه: أن الغراب قبر الغراب الآخر، فقال قابيل: {قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْأَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ} [المائدة:31]. هذا مجمل ما ذكره الله جل وعلا من خبر ابني آدم، وهو خبر بالحق كما قال إلهنا الحق جل جلاله.

خطر الحسد وآثاره الوخيمة

خطر الحسد وآثاره الوخيمة والخبر القرآني كما تعلمون ليس المقصود منه فقط: الإثراء المعرفي، وإنما المقصود منه: التماس العبر والعظات حتى يستنير الإنسان في طريقه إلى ربه جل وعلا، فالحسد أحد ثلاثة أمراض هن أصول الخطايا، وقد حررنا هذا من قبل في لقاءات عدة. قال العلماء: إن الكبر والحسد من أعظم أصول الخطايا، فالحسد شيء يدب في القلب، فيسود الإنسان نوع من التغير القلبي أولاً على نعمة يراها في غيره، وأعلى مراتب الحسد: ما يسمى عند بعض أهل العلم: بالحسد المقدر -وكل شيء بقدر الله - لكن يقصدون: أن بعض الناس يبلغ حسده أنه إذا رأى أحداً من الناس خاف أن تصل إليه النعمة قبل أن تصله فيحسده قبل أن تصل إليه النعمة وهذه -والعياذ بالله- منزلة مخيفة. وبعض الناس -وهذا أقل درجة- يحسد إذا وقعت النعمة لغيره، وهو الذي ذكره الله جل وعلا عن حسد قابيل لأخيه هابيل، وهذا موجود في الحياة العامة بعيداً عن الكلام الفلسفي والأمور التنظيرية: فبعض الناس يحسد غيره، ولو كان هذا أقل من قدرة ومالاً، لكنه يجد فيه نوعاً من القبول، أو أحياناً يكون له شهرة، والشهرة هي القبول، وهناك التفاف من الناس حوله، فهو يقول في نفسه: أنا أملك علماً إذا كان في العلم، أو مالاً إذا كان في المال، أو جاهاً إذا كان في الجاه، وهذا له صيت عند الناس، وليس لي صيت، وهذا قياس خاطئ؛ لأن الله تبارك وتعالى أعلم بابتلاء عباده، فقد يكون ذلك الغير ليس أقرب من الله منك، لكن الله يبتليك ويبتليه، فلا تقع في المزلق، ويقع منك حسد لأخيك، مثلاً: يدخل أحد الناس إلى تسجيلات إسلامية، فيسمع شريطاً لزيد أو عمرو من الدعاة، فيقول: أنا أفضل منه، أنا أعلم منه، فعلام يقبل الناس عليه؟ قد تكون أعلم منه وأتقى، لكن هذا ليس مبرراً أن تحسده على التفاف الناس حوله، وهذا المثال حاصل في مجتمع الدعاة، وهو حاصل أيضاً عند النساء، فهذا نوع من الحسد الذي يقع عند الناس، ولابد أن الإسلام وضع طرائق لمعالجة هذه الظاهرة: أولها: التحذير من الحسد، فقد جعله الله نعتاً للكفار: {وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنفُسِهِمْ} [البقرة:109]، فقال: {أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} [النساء:54]، وقال صلى الله عليه وسلم: (لا تحاسدوا)، وقال: (إياكم والحسد، فإن الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب)، إلى غير ذلك من الآثار الصحيحة من الكتاب والسنة في هذا الباب. كذلك الإسلام يربي في أصحابه أن يطلبوا الفضل من الله، فلا يكن همنا لماذا أنعم على زيد؟ فمن حق كل إنسان أن يعطى نعمة، وكون الإنسان يطلب النعمة هذا أمر محبوب، لكن ليس الطريق إلى نيل النعم بأن تطلب من الله جل وعلا أن يزيلها من غيرك، أو أن تسعى في ذلك، ثم إن الإنسان بعد ذلك إذا وقع في هذا الداء -عياذاً بالله- يبدأ الصراع النفسي داخله، ويحاول قدر الإمكان أن يقوض بنيان أخيه، والله يقول في كلمة فصل: {مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَهَا} [فاطر:2]. بل إن الإنسان إذا أكثر من الحديث عمن يحسده يكون ذلك سبباً في علو ذلك المحسود، وعلو مرتبته، وقد قيل: اصبر على مضض الحسود فإن صبرك قاتله فالنار تأكل بعضها إن لم تجد ما تأكله المقصود من هذا كله: أن الحسد قد يؤدي إلى مزالق أعظم كالقتل والبغي وغيره، وقد لا يصل في مجتمع الناس اليوم إلى القتل، لكن قد يقع الإنسان في مزالق لسانية تهوي به في النار سبعين خريفاً، فيشيع عبارات يعلم أنها غير صحيحة عن أخيه؛ تشيعها امرأة عن أختها، أو يلمز الرجل أخاه في مجلس، أو يحمل قولاً له على أسوأ محامله، وكل ذلك ربما يصنع أحياناً باسم الدين، وباسم إنكار المنكر، وهو في الحقيقة إنما يحقق رغبة نفسية مكنونة في قلبه ناجمة عن حسده لذلك الشخص عياذاً بالله من هذا كله.

ذكر بعض من اللطائف المستفادة من قصة ابني آدم

ذكر بعض من اللطائف المستفادة من قصة ابني آدم وفي قصة ابني آدم لطائف كثيرة لعلنا نذكر بعضاً منها: الله يقول: {فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْأَةَ أَخِيهِ} [المائدة:31]، الآن: لو أن شخصاً قتل فبهت قلبه بعد العملية، وعجز فيما يصنع بأخيه المقتول، فأراد الله أن يعينه فبعث غراباً إليه من الفواسق حتى يعلمه؛ لأن القاتل دخل في عالم الفسق، وقد قيل: إذا كان الغراب دليل قوم دلهم على جيف الكلاب فحفر ودفن، فنظر القاتل إلى الغراب فقال: {قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ} [المائدة:31]، فنزع عن نفسه ما أكرمه الله به من التقوى، وأصبح أسوأ وأشد فسقاً من الغراب، وذكر ذلك بلسانه: {يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْأَةَ أَخِي} [المائدة:31]، وكلنا يعلم أنه لا ملزم على الله، وقد كان بالإمكان أن يبعث الله مخلوقاً آخر ليعلمه، سواءً من الطير، أو من الحيوانات، لكن الله -ولا نقول هذا جزماً؛ لأن الله لم يصرح به- بعث غراباً ليبين له مقامه ومكانه بعد أن وصل إلى القتل. إذاً: ينجم عن هذا أن الإنسان -عياذاً بالله- إذا قتل واستحل دم أخيه وقتله، فإنه يصل إلى درجة الفسق؛ ولهذا جاءت النصوص بتحريم الدماء، والقرب منها أياً كان الأمر.

ذكر بعض من اللطائف المستفادة من سورة (عبس)

ذكر بعض من اللطائف المستفادة من سورة (عبس) وإذا طمعنا في اللطائف فقد لا تكون في نفس السورة؛ لأن القرآن مليء غني باللطائف، يقول الله جل وعلا: {عَبَسَ وَتَوَلَّى * أَنْ جَاءَهُ الأَعْمَى * وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى} [عبس:1 - 3]. الإنسان إذا قرأ هذه الآية يقع في نفسه شيء من الالتباس؛ لأن الله يقول: {وَلا تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ بِئْسَ} [الحجرات:11] فلماذا عبر القرآن عن عبد الله بن أم مكتوم بالأعمى؟ وكان بالإمكان أن يأتي قائل ويقول: لماذا لم يقل الله مثلاً: أن جاءه صاحبه، أن جاءه عبد الله بن مكتوم، أن جاءه السائل، لماذا قال الله: الأعمى، مع أن الكثير يتضجر إذا ناديناه بالأعمى؟ فلابد أن تكون هناك علة خفية، وهذه مهمة العلماء. العلة الخفية هنا: أن الله أراد أن يمدح عبد الله بن أم مكتوم بهذا الوصف، كيف يكون هذا مدحاً له؟ يكون إذا عرف القارئ أن هذا الذي اقتحم على النبي صلى الله عليه وسلم مجلسه وهو يحاول مع صناديد قريش كان كفيف البصر لا يرى فوجد له عذراً، فـ عبد الله بن أم مكتوم الذي جعله يدخل بين النبي صلى الله عليه وسلم، وبين صناديد قريش وهو يدعوهم إلى الإيمان كونه لم ير النبي عليه الصلاة والسلام، وهو منشغل بأولئك القوم، فكان كونه كفيف البصر عذراً له في أن يقتحم على النبي صلى الله عليه وسلم ويسأله ويطلب الإجابة بإلحاح؛ فلهذا عبر الله جل وعلا بقوله: {عَبَسَ وَتَوَلَّى * أَنْ جَاءَهُ الأَعْمَى} [عبس:1 - 2]؛ لأن الله قرر في كتابه: أنه ليس على الأعمى حرج، فيرتفع الحرج عن الأعمى، فتكون كلمة الأعمى هنا منقبة في ذكرها لـ عبد الله بن أم مكتوم رضي الله عنه وأرضاه.

بيان معاني ألقاب بعض الصحابة رضي الله عنهم

بيان معاني ألقاب بعض الصحابة رضي الله عنهم المقدم: نسأل فضيلة الشيخ عن معنى لقبي عثمان (ذي النورين) وعلي (أبي السبطين)؟ A كان هناك ود عظيم بين النبي صلى الله عليه وسلم وآله وأصحابه، ولا خلاف بين العلماء المعتبرين من أهل السنة: أن المجتمع المدني والمكي الأول من المسلمين المهاجرين والأنصار كان يمثل قمة التآخي ما بين النبي عليه الصلاة والسلام وآل بيته وأصحابه رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم أجمعين. فمن ذلك: أن النبي صلى الله عليه وسلم زوج رقية ابنته عثمان، فلما توفيت زوجه الأخرى وهي أم كلثوم، وكلاهما -أي: رقية وأم كلثوم - ماتا في حياته صلى الله عليه وسلم، رقية في أيام بدر، وأم كلثوم تقريباً في السنة السادسة، ولم تنجب رقية من عثمان، أما أم كلثوم فقد أنجبت عبد الله ثم مات وهو صغير، فلذلك لم يكن هناك نص للنبي صلى الله عليه وسلم من جهة هاتين الابنتين، فلما ظفر عثمان بالزواج من ابنتي نبي -وقد قال العلماء: إنه ليس محفوظاً أن أحداً من الأخيار تزوج ابنتي نبي إلا عثمان رضي الله عنه- عدت هذه منقبة كبيرة لـ عثمان فعرف (بذي النورين)؛ لأنه تزوج ابنتي رسول الله صلى الله عليه وسلم. أما علي رضي الله عنه تعالى وأرضاه فقد زوجه النبي صلى الله عليه وسلم ابنته فاطمة، فأنجب منها الحسن والحسين ومحسن وزينب. والحسن والحسين عاشا حتى كبرا ثم ماتا، أما محسن فمات وهو صغير، والثلاثة سماهم النبي صلى الله عليه وسلم، وزينب -إن لم تخني الذاكرة في اسمها- شقيقة الحسن والحسين أي: جدها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد زوجها علي من عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وكفى بهذا برهاناً ودليلاً على ذلك التآلف العظيم ما بين علي وعمر من وجه خاص، وما بين الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم، وآل رسول الله صلى الله عليه وسلم طبعاً صحابة، وهذا يدل على صدق ما كان عليه أولئك السادة الأخيار من آل البيت والصحابة في اقتفائهم لأمر الله وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم، فآل رسول الله صلى الله عليه وسلم كان الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم يعرفون لهم قدرهم.

قصة تبين مدى حب الصحابة لآل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم

قصة تبين مدى حب الصحابة لآل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد ورد فيما ذكره الذهبي في السير: أن عمر رضي الله تعالى عنه وأرضاه كان يصعد إليه الحسن أو الحسين -ومعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم توفي والحسين صغير، فكان يرى النبي عليه الصلاة والسلام على منبره، أي: أن الحسين يرى جده صلى الله عليه وسلم على منبره، ثم تولى أبو بكر، ولم يمكث أبو بكر إلا سنتين وبضعة أشهر، فجاء عمر - فكان الحسين أحياناً يصعد إلى المنبر وعليه عمر ويمزح بطفولته وبراءته ويقول: انزل عن منبر جدي، فيضع عمر رأسه على شعر الحسين ويقول: ما أنبت الشعر على رؤوسنا إلا أنتم -أي: أن الإسلام الذي جاء به النبي صلى الله عليه وسلم من بني هاشم الذين منهم الحسين هو سبب عز العرب، وعز أهل الإسلام كلهم- هذا مقصود عمر والمقصود: أن هذه الروايات الصحيحة الثابتة في ذلك المجتمع تبين ذلك الإخاء الذي كان بين آل رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين أصحابه رضوان الله تعالى عليهم.

ذكر بعض من أخبار أبي بكر وعمر والحسن والحسين

ذكر بعض من أخبار أبي بكر وعمر والحسن والحسين وأبو بكر وعمر شيخان اثنان بالاتفاق؛ يقول أبو هريرة كما في الصحيح: (إن النبي صلى الله عليه وسلم خرج وأبو بكر وعمر). وأكثر الروايات: (أنا وأبو بكر وعمر). وهذا أمر يدل على ذلك التقارب الذي آل به الأمر إلى أن يكونا رفيقي مرقده صلوات الله وسلامه عليه. أما أبو بكر فقد كان معروقاً الأصابع -يعني: ظاهرة جداً- خفيف العارضين، في ظهره انحناء، بخلاف عمر فقد كان جسيماً فيه رضي الله تعالى عنه وأرضاه قوياً، هذا وصف جسديهما تقريباً. أما أوصافهم الإيمانية: فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول في حق أبي بكر (لو وزن إيمانه بإيمان الأمة لرجح إيمانه). ويقول في عمر: (ما رآك الشيطان سالكاً فجاً، أو شعباً إلا سلك شعباً آخر). وقال: (اقتدوا باللذين من بعدي) رضوان الله تعالى عليهما، وقد أعز الله بهما دينه بعد وفاة نبيه، فبويع أبو بكر رضي الله تعالى عنه وأرضاه في يوم السقيفة، ووصى من بعده لـ عمر. أما الحسن والحسين فهما سبطا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإليهما ينتهي نسبه صلى الله عليه وسلم، فالناس ينتسبون إليهما، وبهذا نحفظ قول الفرزدق جميعاً في علي زين العابدين: هذا ابن فاطمة إن كنت تجهله بجده أنبياء الله قد ختموا ثم إلى ذروة العز التي قصرت عن ليلها عرب الإسلام والعجم هذا ما يمكن أن يقال عن هؤلاء الكرام من أصحاب رسول الله وآل بيته.

فضل قراءة البقرة وآل عمران

فضل قراءة البقرة وآل عمران المقدم: هل قراءة سورة البقرة في جلسة واحدة سبب في الشفاء؟ A لا يشترط أن تكون في جلسة واحدة، لكن لو فعل ذلك فليس محظوراً، والقرآن أصلاً قال الله فيه: {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ} [الإسراء:82]. وقد جاءت آثار من حيث الجملة تبين فضل سورة البقرة، وفضل الزهراوين.

علاقة ذي النون عليه السلام بقوله تعالى في سورة القلم: (ن والقلم)

علاقة ذي النون عليه السلام بقوله تعالى في سورة القلم: (ن والقلم) المقدم: هل لذي النون عليه الصلاة والسلام علاقة بقول الله في بداية سورة القلم: {ن} [القلم:1]؟ A ذو النون هو: يونس، وقد ورد ذكره في القرآن أربع مرات: قال الله تبارك وتعالى في الأنبياء: {وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا} [الأنبياء:87]. وقال في القلم: {وَلا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ} [القلم:48] وهو يونس. وقال في يونس: {فَلَوْلا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلَّا قَوْمَ يُونس} [يونس:98]. وذكر في سورة الأنعام كذلك يونس عليه الصلاة والسلام. فهو عليه الصلاة والسلام نبي خرج مغاضباً من قومه ثم تاب الله جل وعلا عليه كما هو محرر في موضعه، وقول الله: (ن) هو الحرف المعروف وليس يونس عليه السلام، لكن ورد ذكره في نفس سورة (نون)، وهو قول الله تعالى: {وَلا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ} [القلم:48]، لكن هذا النفي مقيد بقوله: {إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ} [القلم:48].

الكلام على معنى المذاهب الأربعة

الكلام على معنى المذاهب الأربعة المقدم: ما المراد بالمذاهب الأربعة أو كلمة: المذاهب؟ A المذهب لغة: مصدر من الذهاب. فهناك أصول في الاعتقاد، وهناك أحكام فقهية اجتهادية، والصحابة رضي الله عنهم وقع فيهم الاختلاف في المذاهب الفرعية في الأحكام الفقهية، لكنهم جميعاً كانوا على أصل اعتقادي واحد، والمذاهب الأربعة الفقهية المتبوعة من أهل السنة يجب أن يفهم فيها أمران: الأول: أن دين الله أجل من أن يحصر في أربعة مذاهب، فقد يكون هناك قول لبعض العلماء لم يقل به أحد من الأئمة الأربعة، لكنه باق إلى يومنا هذا، مثل: سفيان الثوري، والأوزاعي، والليث بن سعد، وابن تيمية في بعض أقواله، وابن جرير الطبري وغيرهم، وهذا أمر مهم جداً. الأمر الثاني: أن هذه المذاهب مذاهب في الفقه وليست في الاعتقاد، فمن انحرف عن اعتقاد أهل السنة والجماعة لا يقال في حقه مذهب، وإنما يقال فرق، هذا إذا انتسبت إلى الإسلام عموماً، فبعضها قد يخرج من الإسلام وبعضها لا يخرج من الإسلام، فبعضها قد تنتسب إلى الإسلام لكن هذه تسمى فرقاً، وأما المذاهب فإنها طريقة عامة في الاستنباط، لها أصول معينة صنعها إمام وتبعه على ذلك الصنيع آخرون، فسمي مذهباً. ومذهب أبي حنيفة رحمة الله تعالى عليه أول المذاهب المتبوعة الباقية اليوم ظهوراً، ونحن لا نملك الحكم على أي المذاهب أنه أفضل لا، هذا في كل مسألة بحسب ما ترجح، لكن أول المذاهب ظهوراً هو المذهب الحنفي؛ لأن أبا حنيفة كان أول من ظهر، ثم مالك، ثم الشافعي، ثم أحمد رحمة الله تعالى عليهم أجمعين.

شيء من سيرة الإمام أبي حنيفة وصاحبيه

شيء من سيرة الإمام أبي حنيفة وصاحبيه والإمام أبو حنيفة هو فارسي الأصل، واسمه النعمان بن ثابت، قال الشافعي رحمة الله تعالى عليه: الناس عيال في الفقه على أبي حنيفة. وهذه الشهادة لها اعتبار؛ لأن الشافعي ند لـ أبي حنيفة، وعندما تأتي الشهادة من ند ومن فارس في نفس المضمار فلها اعتبارها أكثر من أي شخص يكون تابعاً لـ أبي حنيفة في مذهبه. وقد قال الذهبي رحمة الله تعالى عليه: إن الإمامة في الفقه مسلمة لهذا الإمام بلا ريب ولاشك، هذا معنى كلامه في الأعلام. والمقصود من هذا أن أبا حنيفة رحمة الله تعالى عليه أول الأئمة ظهوراً، وأكثرهم علماً بدقائق الفقه، وإليه المنتهى في هذا الباب رحمة الله تعالى عليه، وله أصحاب منهم: اللذين ذكرتهما: محمد بن الحسن وأبو يوسف. وأبو يوسف هو: يعقوب بن إبراهيم، وهو أنصاري في أصله، لكنه نشأ في الكوفة وتعلم وعلم في الكوفة، وأصبح قاضي القضاة فيما بعد. ومحمد بن الحسن الشيباني من بني شيبان، وأظن بني شيبان لهم ذكر كثير في التاريخ كما في محمد بن حميد، يقول أبو سلمان: كأن بني شيبان يوم وفاتهم نجوم سماء خر من بينها البدر عليك سلام الله وقتاً فإنني رأيت كريم الحر ليس له عمر ومنهم: معن بن زائدة الشيباني الذي قيل فيه: معن بن زائدة الذي زيدت به شرفاً على شرف بنو شيبان فـ محمد بن الحسن من بني شيبان، وقد مات أبو حنيفة وقد بلغ محمد بن الحسن ثمانية عشر عاماً، وأكثر ما يسمى ظاهر الرواية في المذهب هو من كتب محمد بن حسن رحمة الله تعالى عليهما. ومن خلال دراستهما سيتضح أشياء كثيرة، لكن أبو يوسف لما تولى القضاء وأصبح قاضي القضاة كان الرشيد يجله ويكرمه، ومحمد بن الحسن في هيئته كان سميناً وذكياً، قال الشافعي رحمه الله: ما رأيت سميناً أذكى منه.

الفوائد المستنبطة من ذكر سير السلف الصالح

الفوائد المستنبطة من ذكر سير السلف الصالح المقدم: هذه الأخبار وهذه القصص ليست غاية في ذاتها، فما هي الفوائد والثمرة التي يمكن أن تجتنى من وراء هذه القصص؟ A العلم توفيق، لكن من طرائق جمعه والحصول على العلم: صحبة الأكابر، فـ أبو يوسف ومحمد بن الحسن وصلا إلى هذه المنزلة في العلم لصحبتهما لـ أبي حنيفة، ولهذا من الخطأ كما نراه اليوم صحبة الأصاغر، وأنا أتكلم عن الأكابر والأصاغر في العلم، فالأعمار بيد الله، لكن المتقدم في السن من العلماء، والذي تقدم في العلم حري بطالب العلم أن يلزمه، ويتضرر المرء إذا كانت صحبته لأنداده، أو لمن دونه في الزوايا والخفايا، فتلك الأماكن لا يصنع فيها علم، وإنما تصنع فكراً مريباً، لكن العلم إما في الجامعات والمدارس والحلقات المعروفة الظاهرة البينة المكشوفة، أو في المساجد كالحرمين في المقام الأول، ويكون على يدي الأكابر في المقام الأول، أي: الأكابر علمياً، فقد يكون المرء صغير السن، كبير العلم، واسع العقل، لكن مع ذلك أقل شيء أن يكون في سن الأربعين حتى يؤخذ عنه ويلازم؛ لأن التجارب لها دور في صقل المرء، فقد يظهر هو، وينفع دون الأربعين، لكن لزوم الطلاب له لابد أن يكون متأخراً؛ حتى يستفيدوا منه، فـ محمد بن الحسن وأبو يوسف رحمة الله تعالى عليهما حظيا بعلم جم عندما صحبا أبا حنيفة رحمة الله تعالى عليه، هذه الفائدة الأولى. الفائدة الثانية: أن المرء وهو يطلب العلم لابد أن يكون ذكياً، فالذكاء مطلب أساسي في تكويننا لجيل يحمل العلم، وقد نبهنا إلى هذا مراراً، ولهذا قال الشافعي رحمه الله في وصف محمد بن الحسن كما مر معنا: ما رأيت سميناً أذكى منه. وكان محمد بن الحسن يتوقد ذكاءً، والإنسان يمرر المسائل على عقله، ويجلس مع أقرانه ويطرح المسائل، ولا تكون كالمسائل التي تطرح اليوم حتى فيما يسمى بالألغاز الشعبية، فأكثرها يجنح إلى الوصف، والوصف يقيس مستواً واحداً في الذكاء ولا تقيس كل شيء، لكن طالب العلم الحق يقيس عدة مستويات في ذكائه، ويمرن نفسه على المسائل العلمية، ويمرن نفسه على مسائل الرياضيات وأشباهها؛ حتى يكون ذكياً، وقد مر معنا قضية علي رضي الله عنه وحكمه في الأرض وغير ذلك، فهذه كلها مطالب أساسية. الأمر الثالث: على الإنسان أن ينوع مناهله، فالإمام أحمد رحمة الله تعالى عليه كان يعرض أحياناً مسائل دقيقة، فقيل له: من أين لك هذه المسائل؟ قال: من كتب محمد بن الحسن، ثم برر وبين وفصل فقال: إن محمد بن الحسن أخذ علم أهل العراق، وأخذ علم أهل المدينة بتتلمذه ومراجعته على مالك؛ لأنه من أهل المدينة، مع تتلمذه كما ذكرت على يد أبي حنيفة، وأخذ فقه الشام عن الأوزاعي، ثم قال كلمة لابد منها: قال رحمه الله عن محمد بن الحسن قال: وصقله القضاء؛ فالإنسان إذا مارس عملاً: تدريساً أو قضاءً فهذا يصقله، ولهذا قلنا: إن التجارب وطي السنين لها دور كبير في ملكة الإنسان وتذكيتها وتربيتها. فالمقصود: أن تعدد المناهل يصنع منك أيها الأخ المبارك رجلاً عالماً فذاً، وأما كون الإنسان لا يقرأ إلا لشخص أو شخصين، ولا ينهل إلا من عالم أو عالمين، ويغرق نفسه في دائرة ضيقة، فهذا لا يمكن له أن يتوسع في القول، ولا يستطيع أن يجاري علماء عصره، ولا أن يصدر حتى ينفع الناس في كثير من أحوالهم وقضاياهم. فتعدد المناهل كان عليه السلف في قضية التعلم، والعاقل لا يجعل بينه وبين المعرفة حجاباً، وإنما يأخذ العلم الحق من أي أحد، لكنه في قضايا الاعتقاد -وهذه مسألة مهمة- لا يأخذها إلا ممن عرف عنه سلامة المعتقد. هذا الأمر الثاني. الأمر الثالث: أن التقليد شيء منفر منه، فـ أبو حنيفة رحمة الله تعالى عليه عرض عليه القضاء فأبى، في حين أن أبا يوسف عرض عليه القضاء فقبل، ولم يقل إن أبا حنيفة لم يقبله فلا أقبله، ولهذا فالمصالح تتفاوت، والرجال أنفسهم يتفاوتون، فقد يأتي إنسان معين حري به أن يكون مرافقاً للسلطان مثلاً ويستطيع أن يغير، ويستطيع أن يصنع شيئاً للناس، ويحسن التعامل إذا قرب من أميره وقرب من السلطان، أو قرب من ذوي الجاه، في حين أن غيره لا يحسن، فنقول للآخر: ابتعد، ونقول للأول: اقترب، والعبرة بالمصلحة العامة. فـ أبو حنيفة ربما رأى نفسه أنه ليس ممن يحسن مجارات نفع الناس من خلال مجارات السلطان، في حين أن أبا يوسف يستطيع أن يفعل ذلك، فكان الرشيد يجله، ولا نقدح في أبي يوسف ونجل أبي حنيفة على هذا الطريق، لكن نجل أبا حنيفة ونجل أبا يوسف، ونعتقد فيهما حسن الظن، ونعلم أن كل منهما نظر في مقوماته وقدراته فاستعملها في الحق، فوصل إلى مقصوده. والمناظرات أيها الأخ المبارك والمحاورات العلمية ينجم عنها علم جم، لأن الإنسان إذا اطلع على آراء الغير، وبسطت له المسألة بطريقة أكبر قل إنكاره وقل انفعاله، وقل تشدده، لكن نؤتى من الذي لا يعرف إلا شيئاً واحداً، لكن لما كانت هناك محاورات كان محمد بن الحسن يأتي المدينة يقابل مالكاً فيتناقشان في المسائل، فهذا يعرض قولاً، وهذا يعرض قولاً، ثم يسلم هذا لهذا في شيء، والآخر يسلم له في أشياء، وكذلك كان يحصل بين محمد بن الحسن والأوزاعي وغيرهما، فهذه المناظرات والحال الذي كانوا يعيشونه أدى إلى تلك الرفعة في الفقه الإسلامي على وجه العموم، وهذا نفتقده يسيراً في زماننا، وينبغي أن يعاد إلى ما كان عليه.

سبب التلازم في ذكر هارون وموسى في القرآن

سبب التلازم في ذكر هارون وموسى في القرآن المقدم: سائلة من الكويت تسأل عن علة التلازم في القرآن الكريم بين موسى وهارون عليهما السلام؟ A هذا للأخوة التي بينهما، ولكونهما بعثا في وقت واحد، وإلى ملأ واحد وهم فرعون وملائه، ولهذا جرى التلازم بينهما في القرآن.

كتب التفسير للمبتدئين

كتب التفسير للمبتدئين المقدم: وكذلك تسأل عن كتب تفسير لطلاب العلم المبتدئين. A كتاب التسهيل لـ ابن جزي الكلبي فهذا جيد للمبتدئين.

متى يكون دعاء الجماع عند التلقيح خارج رحم المرأة

متى يكون دعاء الجماع عند التلقيح خارج رحم المرأة المقدم: أخ يسأل كيف يدعو في مسألة أطفال الأنابيب الدعاء الذي قبل الجماع؟ A قبل العملية نفسها لا بأس، طيب.

عدم تنافي الدعوة إلى المسارعة إلى الخير والنهي عن الحسد وبيان الفرق بين الحسد والغبطة

عدم تنافي الدعوة إلى المسارعة إلى الخير والنهي عن الحسد وبيان الفرق بين الحسد والغبطة المقدم: سائل يسأل عن قوله تعالى: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ} [آل عمران:133]، و {فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ} [البقرة:148] كيف الجمع بين ذلك مع نزع لعملية الحسد. A هو طبعاً الحسد مركب في كل جسد يقيناً، لكن الله جل وعلا قيد قال: {وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ} [الفلق:5]، وأما إذا تغلب الإنسان على حسده بالتقوى فقد أصبح وكل اعتصم بالله وتوكل عليه، وعلم أن الفضل بيده نجاه الله جل وعلا من أن يتلبس بالحسد؟ ويسأل عن الفرق بين الغبطة والحسد؟ الجواب: الغبط والحسد تأتي على عدة معاني أو طرائق على النحو التالي: إذا تمنى الإنسان زوال النعمة أو تمناها لنفسه مع زوالها عن أخيه فهذا حسد، وإذا تمناها لنفسه مع عدم تمني أن تزال عن أخيه أو عن أخته فهذه غبطة، لكن هل تكون غبطة مذمومة، أو تكون غبطة محمودة، أو مندوبة، هذا يكون حسب الأمر المغبوط عليه، فمثلاً: هناك شخص ذو مال وثري، وآخر غير ثري، فهذه مسألة دنيوية، فكوني أتمنى لنفسي مالاً مثل الذي عندك هذا ما نقول إنه محمود، وإنما هو مباح. وإذا كنت على مستوىً عالٍ من الفضل والتقوى، فتمنيت أن أكون مثلك دون أن تنزع منك، فهذه غبطة محمودة مندوبة؛ لأنها داخلة في المسابقة للخيرات، والمنافسة في الطاعات، وأما الأولى فهي دنيوية محضة، فنقول عنها: إنها مباحة.

الوسطية في كل شيء محمودة

الوسطية في كل شيء محمودة المقدم: من الثنايا يا شيخ الإفراط والتفريط، فهناك سائل يسأل ويقول: كيف يكون الإنسان وسطياً وحددها بمسألة الشجاعة والكرم؟ A قال الشاعر: الرأي قبل شجاعة الشجعان هو أول وهي المحل الثاني كلا طرفي الأمور ذميم، فالإنسان إذا كان الصنيع الذي يصنعه يجتز الأمر من أصله، فهو مذموم لا يسمى شجاعة، ولا يسمى كرماً؛ لأنه لابد من عوده، وإذا كان لا يحقق المراد أبداً ويقصر عنه فهو مذموم، لكن الإنسان يحاول أن يحقق المراد دون أن يجتز الأصل. فلا يعقل أن تعطي ضيفك كل ما عندك؛ لأن الله يقول: {وَلا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ} [الإسراء:29]، ولا يعقل أن ترده؛ لأن الله قال: {وَأُحْضِرَتِ الأَنفُسُ الشُّحَّ} [النساء:128]، لكن إذا أرضيت ضيفك دون أن تضيع أهلك كان ذلك وسطاً، كما قال صلى الله عليه وسلم: (إياك والحلوب)، فهو إذن له أن يذبح دون أن يذبح شاة فيها نفع لأهله، فلا يجتز الأصل، وإنما يصل إلى النفع. وكذلك في الشجاعة ونحوها، فهذا النبي صلى الله عليه وسلم قاتل وتقدم الصفوف، لكنه كان يلبس في بعض حروبه درعين، ولهذا مر معنا أن الأعشى عندما مدح بعضهم فقال: كنت المقدم غير لابس لمة بالسيف تضرب معلماً أبطالها فلما قال مادحاً أنه غير لابس لمة ذمته العرب على هذا المدح؛ لأن كونه لا يلبس درعاً في الحرب هذا تهور، لكن الشجاع يتقدم الصفوف ويحتاط لنفسه.

من أخبار ثنائي النقائض جرير الفرزدق

من أخبار ثنائي النقائض جرير الفرزدق المقدم: ندخل أيضاً يا شيخ في عالم الأدب، ولعل مشاهدي الكريم وأيضاً الإخوة في الموقع بمجرد ما نقول ثنائيات في الأدب والشعر، فأول ما يرد إلى الذهن التلازم والواضح بين جرير والفرزدق، فلنعرض شيئاً من أخبارهم، وبعض الأشياء التي وردت في أشعارهم. الشيخ: الشعر صناعة دنيوية، وأعقب على رسالة وصلتني بالجوال بعد الحلقة الماضية، أحد الزملاء ذكر اسمه وهذا يدل على فضله، ولم أجد وقتاً حتى أجيبه، فقد ذكر عندما قلت: إن المتنبي لم يحقق الحكمة في نفسه، فلم يصل إلى مقصوده وإن قالها في شعره، فبعث أحد الفضلاء رسالة يعاتب ويقول: إن هذا غير صواب في معنى كلامه، وحجته: شهرة المتنبي، وقال: إن الله علم صدق نيته، وحصل له هذا القبول. وهذا خطأ في الفهم؛ لأن لا يقال في الصناعة الدنيوية: إن فيها صدق نية، وإنما هي أسباب، فالشعر صناعة دنيوية وليست صناعة أخروية حتى يقال فيها: صدق مع الله فصدقه الله، إنما هذا في العبادات وفي وسائل القرب، وأما الشعر في أصله فليس من وسائل القرب. فـ المتنبي عرف كشاعر مجيد، ولم يعرف كعدل رشيد، وهذه قضية مهمة جداً، فمثلاً المشاهير من اللاعبين الذين يلعبون الكرة والمغنيين، والمشاهير من الفنانين، الناس كلها تعرفهم، لكن لا يعني هذا أن هناك قبولاً لهم طرح في الأرض، أبداً، إنما هي صناعة دنيوية يفتن الله بها من يفتن، فأخذوا بأسبابها، فنالوا مرادها، {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ} [الإسراء:18]. لكن هذا لا يسمى قبولاً، وقلنا مراراً أنه لابد أن يفرق الناس بين القبول وبين الشهرة، فمثلاً: إستالين، أكثر الناس على الأقل في زمانه كانوا يعرفون إستالين، وهو مذموم عند الله؛ لصنيعه، فهو شيوعي ملحد قتل ملايين المسلمين وله جرائم هائلة، فهذا لا يسمى قبولاً، فلابد أن يفرق بين القبول وبين الشهرة. نعود إلى الفرزدق وجرير، فقد ظهرا في عصر بني أمية، وكلاهما من بني تميم، فـ جرير كان سلس العبارة، والفرزدق كان ثخن العبارة، ويقال في حقه: لولا الفرزدق لذهب ثلث لغة العرب، عرف بمجونه أكثر من جرير كان جرير فيه شيء من الورع حصل بنيهما سمي في الأدب العربي جملة بالنقائب كلاهما له أبيات فرادى، تغنى الناس بها، صارت بها الركبان، حفلت بها كتب الأدب، ومن ذلك قول جرير: بان الخليط ولو طوعت ما بانا وقطعوا من حبال الوصل أقرانا حيَّ المنازل إذ لا نبتغي بدلاً بالدار داراً ولا الجيران جيرانا يا أم عمرو جزاك الله مكرمة ردي علي فؤادي كالذي كانا لو تعلمين الذي نلقى أويتِ لنا أو تسمعين إلى ذي العرش شكوانا يا حبذا جبل الريان من جبل وحبذا ساكن الريان من كانا وحبذا نفحات من يمانية تأتيك من قبل الريان أحياناً إن العيون التي في طرفها حور قتلننا ثم لم يحيين قتلانا يصرعن ذا اللب حتى لا حراك به وهن أضعف خلق الله أركانا فنجد في قصيدته سلاسة العبارة، في حين أن الفرزدق إذا مدح وأراد أن يهب ممدوحه ترى جزالة اللفظ وقوته، فاضفى على تلك القصيدة قوة جعلها تبقى، حيث قال: هذا الذي تعرف البطحاء وطأته والبيت يعرفه والحل والحرمُ هذا ابن خير عباد الله كلهم هذا التقي النقي الطاهر العلم وليس قولك من هذا بضائره العرب تعرف من أنكرت والعجم كلتا يديه غياث عم نفعهما يستوكفان ولا يعروهما عدم سهل الخليقة لا تخشى بوادره يزينه اثنان حسن الخلق والشيم ما قال لا قط إلا في تشهده لولا التشهد كانت لاؤه نعم عم البرية بالإحسان فانقشعت عنها الغياهب والإملاق والعدم ينمى إلى ذروة العز التي قصرت عن ليلها عرب الإسلام والعجم هذا ابن فاطمة إن كنت تجهله بجده أنبياء الله قد ختموا ويذكرون من طرائف أخبارهما: أن جريراً كان له رواية يكتب شعره اسمه: مربع، فتشاجر ذات يوم مع والد الفرزدق، فأراد الفرزدق أن يدافع عن أبيه فدفعه مربع فسقط الوالد، فلما سقط والد الفرزدق هدد الفرزدق مربعاً بأنه سيقتله في حالة موت أبيه، وهذه معناها: عجز، فقال جرير متهكماً بـ الفرزدق البيت المشهور: زعم الفرزدق أن سيقتل مربعاً أبشر بطول سلامة يا مربع وأصبح الشطر الثاني من البيت يجري مجرى المثل والحكمة بين الناس. وعُمِّرا ما شاء الله لهما أن يعمرا ومات الفرزدق قبل جرير، وأخطأ جرير عندما قال: مات الفرزدق بعدما جدعته ليت الفرزدق كان عاش طويلاً ثم إنه ندم على بيته هذا وقال أبياتاً يرثي فيها الفرزدق. ودخل معهما الراعي النميري والأخطل، وكانا في صف الفرزدق فهذا ما دفع جريراً إلى أن يقول في لاميته: لما وضعت على الفرزدق ميسمي وضغا البعيث جدعت أنف الأخطل فأراد أن يجمعهما كليهما في سياق واحد. هذه أيها المبارك بعض أخبارهما ونتف من أشعارهما.

ذكر شيء من أخبار شوقي وحافظ

ذكر شيء من أخبار شوقي وحافظ المقدم: ننتقل يا فضيلة الشيخ إلى ما يتعلق بأميري الشعر شوقي وحافظ. الشيخ: شوقي وحافظ يقول الناس: إنني أكثر الكلام عنه، والحق أني واحد من المعجبين به، وقد يكون هذا صواباً، وقد يكون خطأً. وشوقي وحافظ من شعراء العصر الحديث، وقد مات حافظ قبل شوقي، فندم شوقي وتمنى لو أن حافظاً مات بعده؛ حتى يرثيه، والدنيا دول. قال حافظ مبايعاً شوقي: أمير القوافي قد أتيت مبايعاً وهذي وفود الشرق قد بايعت معي فرد عليه شوقي وحفظ له الود والكلمة الطيبة هذه بعد وفاته قال: يا حافظ الفصحى وحارس مجدها وإمام من نجبت من البلغاء ولكل منهما قصائد حافلة، لكن شوقي بلا شك أفضل من حافظ بكثير، ومن درر قول حافظ ما قاله في أمير المؤمنين عمر بن الخطاب في قصيدة عرفت بالعمرية، وقد ذكرناها كثيراً، ومنها قوله في أولها: حسب القوافي وحسبي حين ألقيها أني إلى ساحة الفاروق أهديها لا همّ هب لي بياناً أستعين به على قضاء حقوق نام قاضيها ثم قال يصور وفود وفادة رسول كسرى إلى عمر: وراع صاحب كسرى أن رأى عمراً بين الرعية عطلاً وهو راعيها فهان في عينه ما كان يكبره من الأكاسر والدنيا بأيديها وقال قولة حق أصبحت مثلاً وأصبح الجيل بعد الجيل يرويها أمنت لما أقمت العدل بينهم فنمت نوم قرير العين هانيها ومما يحفظ له: الأم مدرسة إذا أعددتها أعددت شعباً طيب الأعراق وفي قصيدة يتكلم فيها عن مصر: كم ذا يكابد عاشق ويلاقي في حب مصر كثيرة العشاق وأما شوقي فله درر أكثر، ومنها بيته المشهور: دقات قلب المرء قائلة له إن الحياة دقائق وثواني وله في مدح النبي صلى الله عليه وسلم أبياتاً لا حاجة لإعادتها؛ فقد أكثرنا من قولها، ومن جيد أبياته قوله على حال المرأة في جاهلية مصر، ففي العصور القديمة التي حكمت مصر أيام الفراعنة كانوا يؤهلون النيل، فيختارون امرأة من أجمل النساء، ويقدمونها إلى النهر قرباناً، والحمد لله على نعمة الإسلام، ثم إن هذه المرأة تتأنق تتزين وتفرح أنها ستزف إلى النيل، فتلبس جيد ثيابها وفاخر ملابسها، ويزفها أترابها وهم يحسدونها على هذا المقام، ثم تلقى في النيل لتموت، وتظن أنها قد أصبحت زوجة له، يقول شوقي: خلعت عليك حياءها وحياتها أأعز من هذين شيء ينفق؟! وهذا بيت من حيث السبك الشعري في القمة. وقد قلنا: إن لـ شوقي درراً أخرى من أبيات الشعر.

الزهروان من القرآن وسبب تسميتهما بذلك

الزهروان من القرآن وسبب تسميتهما بذلك المقدم: وردت بعض التساؤلات على الموقع عن الزهراوين، حبذا لو تحدثنا عنها قليلاً؟ الشيخ: الزهروان هما البقرة وآل عمران، وهما سورتان كريمتان من سور القرآن الكريم، والقرآن كله كريم؛ لأنه منزل من لدن حكيم عليم، قال صلى الله عليه وسلم: (اقرءوا الزهراوين: البقرة وآل عمران؛ فإنهما يأتيان يوم القيامة كأنهما غمامتان أو غيايتان فرقان من طير صواف، يحجان عن أصحابهما). فأما البقرة فهي سنام القرآن وفسطاطه، وقد ضمنها الله جل وعلا أخباراً ومواعظ وأحكاماً شتى، فهي من أوائل ما أنزل في المدينة، ولهذا نودي على الأنصار في يوم حنين يا أصحاب البقرة؛ لأنهم كانوا يفتخرون بها؛ لأنها من أول ما نزل في المدينة. وسورة آل عمران تحدث الله فيها عن بيوت صالحة، وهي بيوت آل عمران. قال الله: {إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ} [آل عمران:33]. وتضمنت سورة البقرة أعظم آية في كتاب الله: {اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} [البقرة:255] وهي آية الكرسي، وتضمنت خاتمتها آيتين عظيمتن نزلتا من تحت العرش، وهاتان الآيتان من قرأهما في ليلة كفتاه، كما قال صلى الله عليه وسلم: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ} [البقرة:285]. وفي سورة آل عمران تلك الآية العظيمة التي تنزل لها الجبال: {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [آل عمران:26 - 27]. وفي هذه السورة كما بينا ذكر الله جل وعلا أخباراً عن غزوة أحد، فذكر الله جل وعلا فيها ما أصاب المسلمين في يوم أحد من الكرب، ومن الغم، ومن الجوع، فهاتان السورتان عظيمتان. ولماذا سميتا بالزهراوين؟ للعلماء في ذلك ثلاثة أقوال: القول الأول: لما يزهر لصاحبهما، أي: لقارئهما جميعاً من المعاني العظيمة، ويضيء له في قلبه. وقيل: إنما سميت الزهراوين لأنهما تضمنتا اسم الله الأعظم كما وردت بذلك الآثار، فهذان قولان شهيران للعلماء في سبب تسمية سورة البقرة وسورة آل عمران بالزهراوين. هذا ما يمكن أن يقال عنهما، وفي قراءتهما نفع عظيم، وهناك خير وافر في كل القرآن فكيف بهاتين السورتين العظيمتين اللتين أثنى عليهما الله ورسوله صلوات الله وسلامه عليه.

الكلام عن فضل الصلاة والصبر

الكلام عن فضل الصلاة والصبر المقدم: أيضاً: يا شيخ! من الأسئلة التي وردت في القرآن الكريم الأسئلة عن تلازم الصلاة والزكاة، فنتجاوزهما إلى ما يتعلق بالصبر والصلاة؟ الشيخ: لا مطية في حال السراء إلا الشكر، ولا مطية في حال الضراء إلا الصبر، والإنسان ضعيف لابد له أن يستعين، ولا استعانة حقاً إلا بالله جل وعلا، والاستعانة الحق بالله جل وعلا أرشد الله إليها أن مفتاحها الأعظم هو الصلاة؛ لأن الصلاة تقرب العبد من ربه تبارك وتعالى، والله لما أعطى آل داود ما أعطى قال: {اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْرًا} [سبأ:13]، قال بعض العلماء: إنها لم تخلوا ساعة من نهار إلا وواحد من آل داود قائم يصلي، وهذه منقبة عظيمة، ويحسن بكل أهل بيت ألا يفتروا عن الصلاة والصيام، وأن يحاول الأبناء والبنات أن يعينوا آباءهم وأمهاتهم على الطاعة. والبيت إذا كان الناس يتداولون فيه الطاعة، فهذا صائم، وهذا قائم، وفي الليل يتناوب أهل البيت فهذا يصلي في أول الليل، وهذا يصلي في آخر الليل، واليوم الأم صائمة، وغداً الوالد صائم، إذا كان البيت على هذا المنوال دل ذلك على قربهم من ربهم تبارك وتعالى. وأما الصبر فلابد منه، لكن لابد أن يكون الصبر لله تبارك وتعالى؛ رجاء ما عنده، والإنسان ينبغي أن يعلم أنه مهما تعلق بأشياء حوله في الدنيا فالنسيان سهل مع مرور الأيام، يقول أحدهم وإن كان قد لا يحسن الاستشهاد به لكن يبين لك أن الدنيا سهلة، يقول: قد كنت أرحم نفسي من تذكرها واليوم أرحمها من فرط نسيانِ أرقام هاتفكم ما عدت أذكرها وضاع عنوانكم في ألف عنوان فإذا كان هذا في محفل صغير في علاقة ما بين رجل وامرأة، لكن في الحياة عموماً النسيان سهل إذا أردنا، لكننا لا نريد أن تكون مسألة عادة، مسألة تأسي بأقوال الشعراء، نريدها احتساب وطلب الأجر من الله جل وعلا؛ وأن قدر الله ماضٍ ماضٍ صبر الإنسان أم جزع، لكن المؤمن يصبر، وينتظر من الله الفرج، وينتظر من الله جل وعلا المثوبة والأجر، فالله جل وعلا يقول: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [الزمر:10]. فيجب أن يعلم أن الله جل وعلا لم يجعل الدنيا ثواباً للمؤمن، ولم يجعلها سجناً للكافر، وهذا يدل على حقارتها عند ربها تبارك وتعالى، والله يقول: {وَلَوْلا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِنْ فَضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ * وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَابًا وَسُرُرًا عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ * وَزُخْرُفًا وَإِنْ كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ} [الزخرف:33 - 35]. ويجب أن يعلم كل أحد أن الأمور ثلاثة: الأول: لا يقع، وهو ما لا يكون بالله، والمعنى: ما لا يكون بالله فلا يكون، فشيء لم يكتبه الله، ولم يقدره الله، ولم يعلمه الله فلا يمكن أن يقع. والأمر الثاني: شيء يكون بالله قدراً، ويكون لغير الله شرعاً، فهذا لا يثبت ولا يدوم، كمن يعمل عملاً لغير الله. والثالث: وهو الذي يجعله المؤمن بين عينه، فيكون بالله ولله، فهذا وإن ذهب في الدنيا عينه بقي في الآخرة أثره، {إِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاءً وَكَانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُورًا} [الإنسان:22].

تعزية لبعض المصابين

تعزية لبعض المصابين المقدم: يا شيخ صالح: قبل أن أخرج من موضوع الصبر تعلم ويعلم المشاهد الكريم ما قد آلمنا كثيراً والله، وهو نبأ الحادث الذي تعرض له الأستاذ ياسر شعبان، فنعزيه نيابة عن فريق العمل: أصالة عن نفسي؛ باعتبار أنني أحد التلاميذ الذين تتلمذوا عليه في مجال العالم، وأنقل لك أخي الكريم أيضاً: تعازي الإخوة والأخوات على منتدى القطوف الدانية، وأترك المجال لكم أيضاً يا شيخ صالح إن كنتم تريدون أن تقولوا شيئاً. الشيخ: للتعريف الأستاذ ياسر شعبان هو أحد المخرجين الفضلاء في هذه القناة المباركة، وقد عملت معه -وفقه الله وشافاه وعافاه- في برنامج مجمع البحرين وغيرها من البرامج، وقد ابتلي بفقد زوجته وابنته، وقد دفنتا عندنا في المدينة في بقيع الغرقد، ولعل هذا من رحمة الله جل وعلا بهما، ذلك أن الدفن في المدينة له منقبة؛ من وجه أن أهل بقيع الغرقد هم أول من تنشق عنهم القبور بعد نبينا صلى الله عليه وسلم وصاحبيه. والأستاذ ياسر الآن في المستشفى وفق ما علمت من الأستاذ وليد والإخوة الفضلاء الذين وقفوا معه وقفة مشرفة سواءً من زملائه في القناة هنا، أو من إدارة القناة عموماً. والذي يعنينا أن نقول لأخينا الكريم: نبلغك تعازينا وتعازي كل محب، ثم لا نستطيع أن نقول لك: إلا أن تصبر وتحتسب، والله جل وعلا إذا أراد بعبد خيراً أصاب منه، كما صح بذلك الخبر، وما عجل الله جل وعلا للصابرين لا يمكن أن يتصوره أحد، {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [الزمر:10]. وعند ملاقاته جل وعلا يجد الإنسان تلك العطايا الربانية، والمنح الإلهية، وأشد الناس بؤساً في الدنيا إذا غمس غمسة واحدة في الجنة يقول: لم أر بؤساً قط، فالحمد لله على ما مضى من عافية، والحمد لله على من استقبل من عطاء، والحمد لله على كل حال، ونعوذ بالله من حال أهل النار. ونحن إخوتك يا أستاذ ياسر وزملاؤك؛ إخوتك في الإسلام، وأخوتك في العمل ومحبوك، نسأل الله جل وعلا أن يعينك ويرزقك الصبر، ويمن عليك بالشفاء، ويغفر لزوجتك، وأن يجعل ابنتك فرطاً لك في الجنة؛ كونها ماتت صغيرة، والله خير من يعين على الصبر، ويثيب عليه. المقدم: وأيضاً: وصلت الآن وخلال بث الحلقة قصيدة من الأخ محمود الشنقيطي يهديها نيابة عن كل أعضاء الموقع، وعن مقدمي البرنامج وعن أسرة العمل كاملة، يقول في أبياتها: يا ياسراً لست الوحيد الحزن كدر صافيه لكنّ حولك إخوة تحت القطوف الدانية ذاقوا كما ذقت الأسى فسل الدموع الجارية فلك التعازي منهم ولك الرضاء والعافية والله نسأل رحمة بحبيبة لك غالية أما الصغار فإنهم طير الجنان العالية والله يعلم أننا من بعد وقع الداهية لعبت بنا الأحزان حتـ ـى لم تذر من باقية لكننا سنقول قولاً لذوي القلوب الراضية فجميعنا ملك الإله والفضل منه عارية فهو الحكيم إذا قضى تلك العقيدة كافية في كل ما هو كائن حكَم لربي خافية ثم الصلاة على الذي زكى النفوس الراضية والآل والأصحاب ما بدت النجوم الزاهية. إن لله وإنا إليه راجعون، اللهم أجرنا في مصيبتنا جميعاً، واخلف لنا خيراً منها.

حكم قراءة سورة الأنبياء لمعرفة العائن

حكم قراءة سورة الأنبياء لمعرفة العائن المقدم: أخ يسأل يا شيخ عن قراءة سورة الأنبياء؛ فالبعض يقول: قراءتها مثلاً: سبع ليالٍ أن من شأنها أن من لديه عين أنه يرى العائن في منامه؟ الشيخ: تفصيل هذا على النحو التالي: أما تعبداً فلم يرد في هذا فيما أعلم شيء، ولا يجوز اعتقاداً منه أن لها أجراً معيناً، وأما إذا ذكر أحد من الناس أنه قرأ سورة الأنبياء سبع مرات ثم ظهر له أحد، وثبت بعد ذلك حقاً أنه ممن أصابه بالعين، فانتقل الأمر الآن من كونه تعبدياً إلى كونه بالتجربة، والقرآن أخبر الله أنه شفاء، فما يشترط في العبادة لا يشترط في الطب؛ لأن الطب قائم على التجربة، فلو قرأها وحصل أن رأى العائن فلا نثرب عليه في هذا الباب، لكن لا ننسبه للنبي صلى الله عليه وسلم، ولا نقول بأن هذا من وسائل القرب.

الحسد بين طلبة العلم والفرق بينه وبين الغبطة

الحسد بين طلبة العلم والفرق بينه وبين الغبطة المقدم: بعضهم يسأل عن الحسد بين طلبة العلم يقول: لو تبين لنا بعضه، وآخر يقول: (لا حسد إلا في اثنتين)؟ الشيخ: قوله: (لا حسد) أي: لا غبطة، وقد بينا قبل قليل المباح منه والمحمود المندوب، فهذا مندرج في المحمود فالمندوب يكون عندما يحق للإنسان أن يحسد، فيحسد رجلاً يقرأ القرآن وينفع الناس، فهذا الذي تغبطه وتتمنى أن تكون مكانه، ورجل أعطاه الله علماً يعلمه الناس، فهذا من تغطبه وتتمنى أن تكون مثله. ورجل أعطاه مالاً ينفق منه أناء الليل وأطراف النهار، فهذا الذي تغبطه وتتمنى أن تكون مثله، فهذا فيه الحث على المنافسة في الخيرات.

المراد بالعمل الصالح في قوله تعالى: (من عمل صالحا من ذكر أو أنثى)

المراد بالعمل الصالح في قوله تعالى: (من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى) المقدم: يتساءل بعضهم عن العمل الصالح كقوله تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى} [النحل:97]؟ الشيخ: العمل الصالح هو كل ما أمر الله به إذا وافق ذلك شريعة نبينا صلى الله عليه وسلم، مع إخلاص العمل لله جل وعلا. وأما قول الله: {فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً} [النحل:97] فأفضل ما فسرت به أن الحياة الطيبة هي الرضا بالقدر.

أشرطة الشيخ المغامسي في التفسير

أشرطة الشيخ المغامسي في التفسير المقدم: سائل يسأل إذا كان لكم سلسلة في التفسير أشرطة وكتب؟ الشيخ: لنا تأملات قرآنية نزل منها ما يسمى ألبومان: ألبوم تأملات قرآنية واحد، وتأملات قرآنية اثنان.

منهج الشيخ المغامسي في سلاسله القرآنية

منهج الشيخ المغامسي في سلاسله القرآنية المقدم: هل عندكم منهج معين في هذه السلسلة يا شيخ؟ الشيخ: نختار من كل سورة بعض الآيات، وأما في محاسن التأويل فنأخذ السورة كاملة.

كيفية طلب العلم في المناطق النائية

كيفية طلب العلم في المناطق النائية المقدم: أحد الإخوة يسأل عن طلب العلم ولا سيما في المناطق النائية؟ الشيخ: الذين في المناطق النائية، يأخذون الأشرطة التي فيها شروح، كشروح الشيخ محمد بن عثيمين رحمة الله تعالى عليه، والشيخ ابن باز، والشيخ عبد الله الجبرين، والشيخ صالح الفوزان وأمثالهم من أقطاب العلماء، فيؤخذ أشرطتهم وتفرغ وتقرأ بعد تفريغها وينتفع الإنسان بها، ويستمع أيضاً لبعض طلبة العلم الآخرين. ولبرامج قناة المجد أو غيرها كقناة المجد العلمية دروس كثيرة فيستفاد منها، فالأكاديمية العلمية بقناة المجد فيها خير عظيم لا يمكن إنكاره، بل تزيد الإنسان علماً إلى علم.

هل نسيان السنة كنسيان القرآن

هل نسيان السنة كنسيان القرآن المقدم: أحدهم يسأل: هل نسيان السنة كنسيان القرآن؟ الشيخ: لا، هذا يحتاج إلى دليل، والدليل قد صرح بالقرآن، لكن لاشك أن تضييع السنة فيه تفريط، لكن لا يصل إلى حد نسيان القرآن. والنسيان أحياناً قد يكون بسبب عضوي، وأحياناً يكون بسبب المعاصي.

التلازم بين الحسنات والسيئات في الذكر في القرآن

التلازم بين الحسنات والسيئات في الذكر في القرآن المقدم: أختم يا شيخ بما يتعلق بالأشياء التي وردت في القرآن الكريم وترددت كثيراً، وهنا ما يتعلق بمسألة الحسنات والسيئات، فهي غالباً ما تقرن ببعضهما، فدعنا نتكلم يا شيخ عن أسباب حصول الحسنات والسيئات، ثم كيفية المحافظة على الحسنات، ومحاولة الزيادة منها. الشيخ: لقد خلق الله جل وعلا الثقلين لأمر عظيم: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات:56]. ثم كلف عباده بأعمال، فسمى جل وعلا صنيع ما نهى عنه سيئة، وسمى صنيع ما أمر به أو دعاء إليه حسنة، وسمى الأجر المترتب عليها حسنة، وسمى الأجر المترتب على السيئة سيئة، {جَزَاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا} [يونس:27]. فالحسنة تطلق على العمل، وتطلق على الجزاء، والسيئة تطلق على العمل، وتطلق على الجزاء، والحسنات والسيئات ضدان، ومن أعظم ما يتقرب إلى الله جل وعلا به: إتيان الحسنات وترك السيئات، ولا حسنة تعدل توحيد الله جل وعلا، وكل الحسنات مندرجة فيها، فهي الحسنة العظمى. ولا سيئة عياذاً بالله تعدل الشرك، فهي السيئة العظمى المحبطة لكل عمل، وجعل الله جل وعلا جزاء السيئة سيئة مثلها، وجعل جزاء الحسنات الحسنة بعشر أمثالها؛ كرماً منه، وتفضلاً على عباده، ثم يضاعف الله جل وعلا لمن يشاء. وإذا كان يوم القيامة وزنت حسنات المرء وسيئاته قال الله جل وعلا: {حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} [المؤمنون:99 - 100] إلى أن قال: {فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ} [الأعراف:8]، ثم قال بعدها: {وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ} [الأعراف:9]. وحتى يتحقق فعل الحسنة لابد من أمور: أولها: أن يقع في القلب تعظيم الرب تبارك وتعالى، ثم يزدلف الإنسان إلى ربه بتلك الحسنات التي أمر بها، وقد بينا أن من أعظم الحسنات، بل الحسنة التي لابد منها حتى يصح ما بعدها هي التوحيد، والسيئة التي لابد من تركها حتى لا تحبط الحسنات هي الشرك، ثم تأتي أعمال، والناس قدراتهم ومشاربهم ومواهبهم وظروفهم تختلف، لكن المهم أن يصنع الإنسان الحسنات التي شرعها الله جل وعلا، منها بر الوالدين، فبر الوالدين من أعظم ما يقرب إلى الله تبارك وتعالى، وإن القلوب لتدمع عندما يسمع الإنسان ويقرأ في الصحف أن أحداً من الناس قتل أحد أبويه، أو تجرأ عليهما، والله يقول: {وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا} [الإسراء:24]. وجاء في الأثر: أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم يشكو إليه كثرة ذنوبه، فقال له عليه الصلاة والسلام: (ألك والدة) يعني: موجودة حية، (قال: لا. قال: لك خالة؟ قال: نعم. قال: فبرها)، فجعل صلى الله عليه وسلم بر الخالة ممحاة للذنوب، فكيف إذاً ببر الوالدة! ومن وسائل القرب إلى جل وعلا: صلاة الليل، فإن الإنسان إذا كان يوجد لديه باعث أن يقوم من فراشه ويصلي فهو على خير عظيم، قال الله جل وعلا: {فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ * وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لا تُنصَرُونَ * وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفِيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ * وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ} [هود:112 - 115]. وهذا من نعم الله أن الله جعل للحسنات سلطاناً على السيئات، {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} [هود:114]. والمحافظة عليها لا يحمل الإنسان على كاهله هماً أعظم من هم: كيف يفد على الله جل وعلا، فحسن الوفادة على الله يلزم منه الاستمرار على العمل الصالح، والاستمرار على العمل الصالح لا يكون إلا بالله، وكما قلنا من قبل ما لا يكون بالله لا يمكن أن يكون، ومعنى ذلك: أنه ليس أمام الإنسان إلا أن يتضرع، ويتوسل إلى ربه في أن يرزقه عمل الحسنات، ويكفر عنه السيئات، ويعصمه، وأن يثبته على الهدى حتى الممات؛ حتى ينجو، هذا ما يمكن أن يقال جملة عن الحسنات والسيئات. المقدم: أحسن الله إليكم يا معالي الشيخ، وأتقدم نيابة عن كل المشاهدين بجزيل الشكر، شكر الله لكم يا شيخ صالح.

سؤال هذه الحلقة

سؤال هذه الحلقة المقدم: سؤال الحلقة يا شيخ؟ الشيخ: سؤال الحلقة: يقول صلى الله عليه وسلم: (شيبتني هود وأخواتها). السؤال ما هن أخوات سورة هود؟ المقدم: مشاهدي الكرام! أختم بهذا السؤال وتقبلوا تحية طيبة من فريق العمل من هؤلاء الرجال المخلصين الذين يقفون خلف شاشاتهم لينقلوا لكم هذا البرنامج بقيادة مخرجنا المتميز الأستاذ وليد الطيب. أسعد الله مساءكم ونلتقي بإذن الله عز وجل في الحلقة القادمة في الشهر القادم ثاني اثنين إلى ذلكم الحين، ابقوا في حفظ الله ورعايته، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الدين المعاملة

سلسلة القطوف الدانية _ الدين المعاملة لا يقتصر الدين على أمور العبادات، بل يشمل جوانب الحياة المختلفة، ومن ذلك معاملة الآخرين، فهي مجال مهم لمعرفة قوة الإيمان وضعفه.

رمضان والعيد

رمضان والعيد

حديث إيقاد النار ألف عام ثم ألف عام ثم ألف عام

حديث إيقاد النار ألف عام ثم ألف عام ثم ألف عام المقدم: هل يصح حديث إيقاد النار ألف سنة ثم ألف سنة ثم ألف سنة؟ الشيخ: حديث إيقاد النار حديث صحيح، وهو أنه: (أوقد عليها ألف عام حتى ابيضت، ثم ألف حتى احمرت، ثم ألف عام حتى اسودت فهي سواد كالجحيم)، والمقصود أن الله أرادها بهذه الكيفية حتى تكون عظيمة الأمر، وهذا لحكمة أرادها الله وهي تخويف العباد، والنبي صلى الله عليه وسلم نقل ما وقع، والله جل وعلا يقول: {لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ذَلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ يَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ} [الزمر:16]، وقد خلق الله جل وعلا السموات والأرض في ستة أيام مع أنه تبارك وتعالى قادر على أن يخلقها في أقل من ذلك؛ لكن قال العلماء: المراد تعليم عباده. ونحن نقول: سواء علمنا الحكمة أو جهلناها فليس لها علاقة بقدرة الله هنا، فالله جل وعلا لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء، وهذه من اليقينيات التي لا يختلف عليها اثنان من المسلمين.

معنى حديث (عينان لا تمسهما النار)

معنى حديث (عينان لا تمسهما النار) Q ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم: (عينان لا تمسهما النار، عين بكت من خشية الله، وعين باتت تحرس في سبيل الله)، فهل يطلق على كل من بكى من خشية الله أنه لا يدخل النار، وجزاك الله خيراً؟ A هذا الحديث صحيح: (عينان لا تمسهما النار، عين بكت من خشية الله، وعين باتت تحرس في سبيل الله)، والأصل إمرار الحديث على ظاهره، فمن وفقه الله جل وعلا فبكى من خشية الله وأراد بذلك وجه الله تبارك وتعالى فإن الله جل وعلا قد حرمه على النار.

مرافقة الرسول صلى الله عليه وسلم في الجنة

مرافقة الرسول صلى الله عليه وسلم في الجنة المقدم: سائل يسأل عن مرافقة النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة؟ الشيخ: مرافقة النبي صلى الله عليه وسلم من أسمى المطالب، ولهذا وعد النبي عليه الصلاة والسلام على بعض الأعمال الصالحة بجواره كما في قوله عليه الصلاة والسلام: (أنا وكافل اليتيم كهاتين في الجنة)، وقوله عليه الصلاة والسلام: (إن من أحبكم إلي وأقربكم مني مجلساً يوم القيامة أحاسنكم أخلاقًا). وربيعة بن كعب الأسلمي كما في الحديث الصحيح قال: (يا ربيعة سلني حاجتك؟ قال: يا رسول الله، أسألك مرافقتك في الجنة، قال: أو غير ذلك يا ربيعة؟ قال: هو ذاك يا رسول الله، قال: فأعني على نفسك بكثرة السجود). ونحن لم تكتحل أعيننا برؤيته صلوات الله وسلامه عليه؛ لكننا نرجو الله جل وعلا جواره عليه الصلاة والسلام، ولهذا ينبغي أن يكون هناك محبة له في أول الأمر، ثم يتبع ذلك اتباع لسنته، والتماس لهديه، واقتفاء لأثره عليه الصلاة والسلام. وهذا لا يزهد فيه مسلم، ولا يوجد عاقل يزهد في مرافقة النبي صلى الله عليه وسلم. ويوجد حديث في المسند تكلم بعض أهل العلم في سنده، ومعنى الحديث: أن النبي عليه الصلاة والسلام يأتي الجنة فيجد امرأة على بابها تزاحمه في دخولها فيقول لها: من أنت؟ فتقول: أنا امرأة مات زوجي عن أطفال لي فرعيتهم، فالحديث من جملة فضائل الأعمال فيستأنس به ويؤخذ به، نسأل الله جل وعلا العون لكل أرملة.

حقيقة العبارة (الدين المعاملة)

حقيقة العبارة (الدين المعاملة) الحمد لله الذي لا يبلغ مدحته قول قائل ولا يجزي بآلائه أحد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، لا رب غيره ولا إله سواه، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وعلى سائر من اقتفى أثره واتبع منهجه بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: فعنوان حلقة هذا اليوم (الدين المعاملة)، وهذا قول ذائع مشهور يحمل في طياته هذه الكثير من الصواب لكن نحذر أموراً يجب علينا أن نبينها للغير. أولها: أن هذا القول ليس حديثاً نبوياً عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال العلامة الأثري عبد العزيز بن عبد الله بن باز غفر الله له ورحمه: ليس لهذا اللفظ أصل في الحديث، أي: هذا الحديث ليس له أصل، فهي ليست حديثاً نبوياً، قال رحمة الله تعالى عليه: الأفضل أن يقال: الدين حسن المعاملة، أو يقال: حسن المعاملة من الدين. لكن الذي نستطيع أن نقوله: إن القرآن والسنة دلا على أن من أعظم ما دل الدين عليه حسن التعامل مع غيرنا من الناس، وهذا مما فرضه الله جل وعلا علينا وأمرنا به على طرائق عدة، قال ربنا: {وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا} [البقرة:83]، والأحاديث في هذا الباب كثيرة سيأتي تباعاً بيانها. إذاً: يتحرر أننا قصدنا من العنوان أن نغير مفهوماً خطأ عند الناس، ونحن نبقي على صحة المعنى إلى حد كبير، لكن لا يمكن نسبة هذا القول إلى النبي صلى الله عليه وسلم.

معنى مدارسة القرآن

معنى مدارسة القرآن Q سأقف وقفتين: الأولى: ستكون مع شهر رمضان، والثانية: ستكون مع العيد. بالنسبة يا شيخ لشهر رمضان دائماً نسمع في وسائل الإعلام من الوعاظ من الدعاة أن جبريل عليه السلام كان يدارس النبي صلى الله عليه وسلم القرآن في شهر رمضان، كثير من المشاهدين يتشوق إلى معرفة طبيعة هذه المدارسة وحقيقتها. A المدارسة ثابتة في الخبر الصحيح، أن جبريل كان يدارس النبي صلى الله عليه وسلم القرآن، وأن النبي صلى الله عليه وسلم إذا دارسه جبريل القرآن يكون أجود من الريح المرسلة، لكن السؤال كما قلتم: ما معنى المدارسة؟ ونقول: المدارسة لها طريقان الطريق الأول: أن يأتي اثنان أو أكثر فيقرأ أحدهما حزباً أو ربعاً من القرآن ثم الآخر يقرأ الحزب أو الربع الذي بعده. الطريق الثاني: أن يقرأ أحدهما حزباً أو ربعاً معيناً ثم يعيد الآخر قراءة ما قرأه الأول. قال المحققون من العلماء: وهذه -أي الثانية- هي مدارسة جبريل للنبي صلى الله عليه وسلم وهي أصح الوجهين. وقد فهم منها العلماء أن الإنسان إذا وجد من يعينه على الطاعة والخير استعان به، فقد كان جبريل عليه السلام يدارس النبي صلى الله عليه وسلم القرآن، فكان فيه إذكاء لهمة نبينا صلوات الله وسلامه عليه، وهذا الأمر شبه مفقود في زماننا هذا. نعم توجد حلقات التحفيظ، ولكنهم يقصدون بها التعلم فقط، يعني: لا ينوون بها المدارسة التي يقصد بها التعبد في رمضان، وإنما يصنعون في رمضان وفي غيره من باب الرد على المتعلم.

حكم اجتماع الجمعة والعيد في يوم

حكم اجتماع الجمعة والعيد في يوم Q اجتمع العيد والجمعة هذه السنة، وكثرت التساؤلات عمن صلى صلاة العيد هل يجب عليه أن يصلي صلاة الجمعة؟ A للعلماء ثلاثة أقوال: القول الأول: يقول بأنه إذا اجتمع عيد مع الجمعة في يوم واحد كما حصل في عامنا هذا فإنه يبقى العيد عيداً مفروضاً على القول بأنه فرض عين أو سنة مؤكدة، والجمعة تبقى كما هي واجبة، وهذا ينسب إلى جمهور العلماء وهو قول الشافعية والمالكية والأحناف. القول الثاني: أن من شهد صلاة العيد لم تجب عليه صلاة الجمعة، وهذا القول هو قول الحنابلة وبعض السلف. ودليلهم على هذا حديث إياس بن أبي رملة الشامي أنه قال: (شهدت معاوية رضي الله عنه وأرضاه في الشام يسأل زيد بن أرقم رضي الله عنه وأرضاه عن كيف صنع النبي صلى الله عليه وسلم إذا اجتمع عيدان -يقصد عيد الفطر أو الأضحى ويوم الجمعة- فأخبره زيد بن أرقم أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى العيد ورخص لمن شهد العيد في الجمعة). من هنا أخذ الفقهاء كما هو مذهب الإمام أحمد ومن تبعه ومن كان قبله أن الإنسان إذا شهد صلاة العيد لا تصبح الجمعة في حقه واجبة إلا الإمام؛ لأن الإمام إذا سقطت عنه لا يتأتى بعد ذلك لغيره أن يصليها. ولقوله صلى الله عليه وسلم كما في حديث ابن ماجة عن أبي هريرة أنه قال: (وإنا مجمعون)، أي: أنه صلى الله عليه وسلم صلاها. القول الثالث: وهو ما نقله أبو داود في سننه عن عبد الله بن الزبير رضي الله تعالى عنهما أنه جمع ما بين العيد والجمعة بكرة ركعتين، ثم لم يخرج للناس إلا مع صلاة العصر أي: أنه لم يصل الظهر. فروي أن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أخبر بفعل ابن الزبير هذا فقال رضي الله عنه وأرضاه: أصاب السنة، أي: أن ابن الزبير أصاب السنة، وهذا قول له وجهه وله قوته، لكن الإشكال وهو أنه لم يصل الظهر ولا الجمعة. هذا الإشكال وجهه الخطابي كما نقله ابن قدامة في المغني أنه محمول على من يرى أن الجمعة تؤدى قبل الزوال فيكون ابن الزبير لم يصل العيد وإنما قدم الجمعة فلما قدم الجمعة سقط الظهر، على خلاف قول الحنابلة الأول في أنه لابد أن يصلي الظهر، فكونه لا تجب الجمعة في حقه لا يعني ذلك سقوط صلاة الظهر عنه. وحل الإشكال من جانب الخطابي رحمة الله تعالى عليه بهذه الطريقة قوي جداً. هناك تعليق علمي رصين لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمة الله تعالى عليه، فإنه اختار ابن تيمية الرأي الثاني وهو أنه يرخص في ترك الجمعة لكن لا يترك الظهر، ثم عقب على ذلك بقوله: لأنهما عبادتان من جنس واحد اجتمعتا ودخلت إحداهما في الأخرى ثم قال: وإن إيجاب الجمعة على من صلى العيد فيه تضييق على الناس في يوم عيدهم؛ والأصل في العيد السعة والانبساط والسرور. السؤال: القول الثاني إذا كان له وجاهته على التوجيه الذي ذكرت، وهو أن من صلى الجمعة قبل الزوال تسقط عنه صلاة الظهر؛ لكن هذه الفتوى هل لها وجاهة في هذا الزمن؟ الجواب: هذا قول الخطابي؛ لكن بعض الفقهاء يقول: إنه إذا صلى العيد أغنت عن الجمعة وبما أنها أغنت عن الجمعة فلا حاجة إلى أن يصلي الظهر؛ باعتبار كأنه صلى الجمعة وإن أخذ به أفراد من العلماء؛ لكن القاعدة العامة أنه تحترم آراء الفقهاء والعلماء، وقد قال بهذا علماء أجلاء سبقونا إلى ربنا، ولكن لا حاجة للتسمية، وأقول دائماً كما قال الشاطبي: وواجب عند اختلاف الفهم إحساننا الظن بأهل العلم

حكم صلاة العيد

حكم صلاة العيد Q البعض يقول: بما أن صلاة العيد سنة مؤكدة وصلاة الجمعة واجبة، إذاً سأترك صلاة العيد وأحرص على أداء صلاة الجمعة؟ A هذا قول للفقهاء إنها سنة مؤكدة، وبعض أهل العلم كشيخ الإسلام ابن تيمية وشيخنا العلامة ابن عثيمين رحمة الله تعالى عليه كان يرى أنها فرض عين، أو على الأقل كان يميل كثيراً إلى أنها فرض عين، والنبي صلى الله عليه وسلم حافظ على صلاة العيد.

معنى حديث (أعددت لعبادي الصالحين)

معنى حديث (أعددت لعبادي الصالحين) المقدم: ورد في الحديث القدسي: (قال الله عز وجل: أعددت للمؤمنين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر)، فكيف يمكن أن نقرب المعنى الوارد في هذا الحديث؟ الشيخ: لقد ورد في القرآن قوله: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ * فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [السجدة:16 - 17]، وورد في الحديث ما ذكر في السؤال. ونحن نقول: الأعمال التي يصنعها العبد ثلاثة: الأول: عمل قلبي: فأنت أيها المؤمن تحب الله، هذا شيء في قلبك لا يعلمه الناس. الثاني: عمل يسمع: كما لو كنت عند شخص وأسمعه يقول: سبحان الله، الحمد لله، ولا إله إلا الله، أو يقرأ القرآن. الثالث: عمل مرئي: أي شيء تراه، فمثلاً: دخلت المسجد فوجدت أحد إخوانك المسلمين يصلي أو صائم رأيته يفطر أمامك، فهذا عبادة مرئية. فانظر إلى عظمة الرب جل جلاله، فأعمال القلوب يثيب عليها ما لا خطر على قلب بشر، والأعمال التي تسمع يثيب عليها ما لم تسمع أذن، والأعمال المرئية يثيب عليها ما لم تر عين. ولا يمكن أن تخرج الأعمال عن هذه الثلاث، وعلى هذا قال الله جل وعلا: (أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت)، مقابل أعمالهم المرئية، (ولا أذن سمعت)، مقابل أعمالهم المسموعة، (ولا خطر على قلب بشر)، مقابل أعمالهم القلبية. إذاً نحن معشر المسلمين ينبغي أن نعلم أننا أمام رب عظيم جليل كريم، فلا يقصر أحدنا في عمل خوفاً من بخل المعطي، هذا محال، فنحن نتعامل مع أكرم الأكرمين، وأرحم الراحمين، من لا تنفذ خزائنه، وليس كمثله شيء وهو السميع البصير.

رمضان والعيد

رمضان والعيد

حديث إيقاد النار ألف عام ثم ألف عام ثم ألف عام

حديث إيقاد النار ألف عام ثم ألف عام ثم ألف عام المقدم: هل يصح حديث إيقاد النار ألف سنة ثم ألف سنة ثم ألف سنة؟ الشيخ: حديث إيقاد النار حديث صحيح، وهو أنه: (أوقد عليها ألف عام حتى ابيضت، ثم ألف حتى احمرت، ثم ألف عام حتى اسودت فهي سواد كالجحيم)، والمقصود أن الله أرادها بهذه الكيفية حتى تكون عظيمة الأمر، وهذا لحكمة أرادها الله وهي تخويف العباد، والنبي صلى الله عليه وسلم نقل ما وقع، والله جل وعلا يقول: {لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ذَلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ يَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ} [الزمر:16]، وقد خلق الله جل وعلا السموات والأرض في ستة أيام مع أنه تبارك وتعالى قادر على أن يخلقها في أقل من ذلك؛ لكن قال العلماء: المراد تعليم عباده. ونحن نقول: سواء علمنا الحكمة أو جهلناها فليس لها علاقة بقدرة الله هنا، فالله جل وعلا لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء، وهذه من اليقينيات التي لا يختلف عليها اثنان من المسلمين.

معنى حديث (عينان لا تمسهما النار)

معنى حديث (عينان لا تمسهما النار) Q ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم: (عينان لا تمسهما النار، عين بكت من خشية الله، وعين باتت تحرس في سبيل الله)، فهل يطلق على كل من بكى من خشية الله أنه لا يدخل النار، وجزاك الله خيراً؟ A هذا الحديث صحيح: (عينان لا تمسهما النار، عين بكت من خشية الله، وعين باتت تحرس في سبيل الله)، والأصل إمرار الحديث على ظاهره، فمن وفقه الله جل وعلا فبكى من خشية الله وأراد بذلك وجه الله تبارك وتعالى فإن الله جل وعلا قد حرمه على النار.

مرافقة الرسول صلى الله عليه وسلم في الجنة

مرافقة الرسول صلى الله عليه وسلم في الجنة المقدم: سائل يسأل عن مرافقة النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة؟ الشيخ: مرافقة النبي صلى الله عليه وسلم من أسمى المطالب، ولهذا وعد النبي عليه الصلاة والسلام على بعض الأعمال الصالحة بجواره كما في قوله عليه الصلاة والسلام: (أنا وكافل اليتيم كهاتين في الجنة)، وقوله عليه الصلاة والسلام: (إن من أحبكم إلي وأقربكم مني مجلساً يوم القيامة أحاسنكم أخلاقًا). وربيعة بن كعب الأسلمي كما في الحديث الصحيح قال: (يا ربيعة سلني حاجتك؟ قال: يا رسول الله، أسألك مرافقتك في الجنة، قال: أو غير ذلك يا ربيعة؟ قال: هو ذاك يا رسول الله، قال: فأعني على نفسك بكثرة السجود). ونحن لم تكتحل أعيننا برؤيته صلوات الله وسلامه عليه؛ لكننا نرجو الله جل وعلا جواره عليه الصلاة والسلام، ولهذا ينبغي أن يكون هناك محبة له في أول الأمر، ثم يتبع ذلك اتباع لسنته، والتماس لهديه، واقتفاء لأثره عليه الصلاة والسلام. وهذا لا يزهد فيه مسلم، ولا يوجد عاقل يزهد في مرافقة النبي صلى الله عليه وسلم. ويوجد حديث في المسند تكلم بعض أهل العلم في سنده، ومعنى الحديث: أن النبي عليه الصلاة والسلام يأتي الجنة فيجد امرأة على بابها تزاحمه في دخولها فيقول لها: من أنت؟ فتقول: أنا امرأة مات زوجي عن أطفال لي فرعيتهم، فالحديث من جملة فضائل الأعمال فيستأنس به ويؤخذ به، نسأل الله جل وعلا العون لكل أرملة.

حقيقة العبارة (الدين المعاملة)

حقيقة العبارة (الدين المعاملة) الحمد لله الذي لا يبلغ مدحته قول قائل ولا يجزي بآلائه أحد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، لا رب غيره ولا إله سواه، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وعلى سائر من اقتفى أثره واتبع منهجه بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: فعنوان حلقة هذا اليوم (الدين المعاملة)، وهذا قول ذائع مشهور يحمل في طياته هذه الكثير من الصواب لكن نحذر أموراً يجب علينا أن نبينها للغير. أولها: أن هذا القول ليس حديثاً نبوياً عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال العلامة الأثري عبد العزيز بن عبد الله بن باز غفر الله له ورحمه: ليس لهذا اللفظ أصل في الحديث، أي: هذا الحديث ليس له أصل، فهي ليست حديثاً نبوياً، قال رحمة الله تعالى عليه: الأفضل أن يقال: الدين حسن المعاملة، أو يقال: حسن المعاملة من الدين. لكن الذي نستطيع أن نقوله: إن القرآن والسنة دلا على أن من أعظم ما دل الدين عليه حسن التعامل مع غيرنا من الناس، وهذا مما فرضه الله جل وعلا علينا وأمرنا به على طرائق عدة، قال ربنا: {وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا} [البقرة:83]، والأحاديث في هذا الباب كثيرة سيأتي تباعاً بيانها. إذاً: يتحرر أننا قصدنا من العنوان أن نغير مفهوماً خطأ عند الناس، ونحن نبقي على صحة المعنى إلى حد كبير، لكن لا يمكن نسبة هذا القول إلى النبي صلى الله عليه وسلم.

معنى مدارسة القرآن

معنى مدارسة القرآن Q سأقف وقفتين: الأولى: ستكون مع شهر رمضان، والثانية: ستكون مع العيد. بالنسبة يا شيخ لشهر رمضان دائماً نسمع في وسائل الإعلام من الوعاظ من الدعاة أن جبريل عليه السلام كان يدارس النبي صلى الله عليه وسلم القرآن في شهر رمضان، كثير من المشاهدين يتشوق إلى معرفة طبيعة هذه المدارسة وحقيقتها. A المدارسة ثابتة في الخبر الصحيح، أن جبريل كان يدارس النبي صلى الله عليه وسلم القرآن، وأن النبي صلى الله عليه وسلم إذا دارسه جبريل القرآن يكون أجود من الريح المرسلة، لكن السؤال كما قلتم: ما معنى المدارسة؟ ونقول: المدارسة لها طريقان الطريق الأول: أن يأتي اثنان أو أكثر فيقرأ أحدهما حزباً أو ربعاً من القرآن ثم الآخر يقرأ الحزب أو الربع الذي بعده. الطريق الثاني: أن يقرأ أحدهما حزباً أو ربعاً معيناً ثم يعيد الآخر قراءة ما قرأه الأول. قال المحققون من العلماء: وهذه -أي الثانية- هي مدارسة جبريل للنبي صلى الله عليه وسلم وهي أصح الوجهين. وقد فهم منها العلماء أن الإنسان إذا وجد من يعينه على الطاعة والخير استعان به، فقد كان جبريل عليه السلام يدارس النبي صلى الله عليه وسلم القرآن، فكان فيه إذكاء لهمة نبينا صلوات الله وسلامه عليه، وهذا الأمر شبه مفقود في زماننا هذا. نعم توجد حلقات التحفيظ، ولكنهم يقصدون بها التعلم فقط، يعني: لا ينوون بها المدارسة التي يقصد بها التعبد في رمضان، وإنما يصنعون في رمضان وفي غيره من باب الرد على المتعلم.

حكم اجتماع الجمعة والعيد في يوم

حكم اجتماع الجمعة والعيد في يوم Q اجتمع العيد والجمعة هذه السنة، وكثرت التساؤلات عمن صلى صلاة العيد هل يجب عليه أن يصلي صلاة الجمعة؟ A للعلماء ثلاثة أقوال: القول الأول: يقول بأنه إذا اجتمع عيد مع الجمعة في يوم واحد كما حصل في عامنا هذا فإنه يبقى العيد عيداً مفروضاً على القول بأنه فرض عين أو سنة مؤكدة، والجمعة تبقى كما هي واجبة، وهذا ينسب إلى جمهور العلماء وهو قول الشافعية والمالكية والأحناف. القول الثاني: أن من شهد صلاة العيد لم تجب عليه صلاة الجمعة، وهذا القول هو قول الحنابلة وبعض السلف. ودليلهم على هذا حديث إياس بن أبي رملة الشامي أنه قال: (شهدت معاوية رضي الله عنه وأرضاه في الشام يسأل زيد بن أرقم رضي الله عنه وأرضاه عن كيف صنع النبي صلى الله عليه وسلم إذا اجتمع عيدان -يقصد عيد الفطر أو الأضحى ويوم الجمعة- فأخبره زيد بن أرقم أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى العيد ورخص لمن شهد العيد في الجمعة). من هنا أخذ الفقهاء كما هو مذهب الإمام أحمد ومن تبعه ومن كان قبله أن الإنسان إذا شهد صلاة العيد لا تصبح الجمعة في حقه واجبة إلا الإمام؛ لأن الإمام إذا سقطت عنه لا يتأتى بعد ذلك لغيره أن يصليها. ولقوله صلى الله عليه وسلم كما في حديث ابن ماجة عن أبي هريرة أنه قال: (وإنا مجمعون)، أي: أنه صلى الله عليه وسلم صلاها. القول الثالث: وهو ما نقله أبو داود في سننه عن عبد الله بن الزبير رضي الله تعالى عنهما أنه جمع ما بين العيد والجمعة بكرة ركعتين، ثم لم يخرج للناس إلا مع صلاة العصر أي: أنه لم يصل الظهر. فروي أن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أخبر بفعل ابن الزبير هذا فقال رضي الله عنه وأرضاه: أصاب السنة، أي: أن ابن الزبير أصاب السنة، وهذا قول له وجهه وله قوته، لكن الإشكال وهو أنه لم يصل الظهر ولا الجمعة. هذا الإشكال وجهه الخطابي كما نقله ابن قدامة في المغني أنه محمول على من يرى أن الجمعة تؤدى قبل الزوال فيكون ابن الزبير لم يصل العيد وإنما قدم الجمعة فلما قدم الجمعة سقط الظهر، على خلاف قول الحنابلة الأول في أنه لابد أن يصلي الظهر، فكونه لا تجب الجمعة في حقه لا يعني ذلك سقوط صلاة الظهر عنه. وحل الإشكال من جانب الخطابي رحمة الله تعالى عليه بهذه الطريقة قوي جداً. هناك تعليق علمي رصين لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمة الله تعالى عليه، فإنه اختار ابن تيمية الرأي الثاني وهو أنه يرخص في ترك الجمعة لكن لا يترك الظهر، ثم عقب على ذلك بقوله: لأنهما عبادتان من جنس واحد اجتمعتا ودخلت إحداهما في الأخرى ثم قال: وإن إيجاب الجمعة على من صلى العيد فيه تضييق على الناس في يوم عيدهم؛ والأصل في العيد السعة والانبساط والسرور. السؤال: القول الثاني إذا كان له وجاهته على التوجيه الذي ذكرت، وهو أن من صلى الجمعة قبل الزوال تسقط عنه صلاة الظهر؛ لكن هذه الفتوى هل لها وجاهة في هذا الزمن؟ الجواب: هذا قول الخطابي؛ لكن بعض الفقهاء يقول: إنه إذا صلى العيد أغنت عن الجمعة وبما أنها أغنت عن الجمعة فلا حاجة إلى أن يصلي الظهر؛ باعتبار كأنه صلى الجمعة وإن أخذ به أفراد من العلماء؛ لكن القاعدة العامة أنه تحترم آراء الفقهاء والعلماء، وقد قال بهذا علماء أجلاء سبقونا إلى ربنا، ولكن لا حاجة للتسمية، وأقول دائماً كما قال الشاطبي: وواجب عند اختلاف الفهم إحساننا الظن بأهل العلم

حكم صلاة العيد

حكم صلاة العيد Q البعض يقول: بما أن صلاة العيد سنة مؤكدة وصلاة الجمعة واجبة، إذاً سأترك صلاة العيد وأحرص على أداء صلاة الجمعة؟ A هذا قول للفقهاء إنها سنة مؤكدة، وبعض أهل العلم كشيخ الإسلام ابن تيمية وشيخنا العلامة ابن عثيمين رحمة الله تعالى عليه كان يرى أنها فرض عين، أو على الأقل كان يميل كثيراً إلى أنها فرض عين، والنبي صلى الله عليه وسلم حافظ على صلاة العيد.

معنى حديث (أعددت لعبادي الصالحين)

معنى حديث (أعددت لعبادي الصالحين) المقدم: ورد في الحديث القدسي: (قال الله عز وجل: أعددت للمؤمنين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر)، فكيف يمكن أن نقرب المعنى الوارد في هذا الحديث؟ الشيخ: لقد ورد في القرآن قوله: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ * فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [السجدة:16 - 17]، وورد في الحديث ما ذكر في السؤال. ونحن نقول: الأعمال التي يصنعها العبد ثلاثة: الأول: عمل قلبي: فأنت أيها المؤمن تحب الله، هذا شيء في قلبك لا يعلمه الناس. الثاني: عمل يسمع: كما لو كنت عند شخص وأسمعه يقول: سبحان الله، الحمد لله، ولا إله إلا الله، أو يقرأ القرآن. الثالث: عمل مرئي: أي شيء تراه، فمثلاً: دخلت المسجد فوجدت أحد إخوانك المسلمين يصلي أو صائم رأيته يفطر أمامك، فهذا عبادة مرئية. فانظر إلى عظمة الرب جل جلاله، فأعمال القلوب يثيب عليها ما لا خطر على قلب بشر، والأعمال التي تسمع يثيب عليها ما لم تسمع أذن، والأعمال المرئية يثيب عليها ما لم تر عين. ولا يمكن أن تخرج الأعمال عن هذه الثلاث، وعلى هذا قال الله جل وعلا: (أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت)، مقابل أعمالهم المرئية، (ولا أذن سمعت)، مقابل أعمالهم المسموعة، (ولا خطر على قلب بشر)، مقابل أعمالهم القلبية. إذاً نحن معشر المسلمين ينبغي أن نعلم أننا أمام رب عظيم جليل كريم، فلا يقصر أحدنا في عمل خوفاً من بخل المعطي، هذا محال، فنحن نتعامل مع أكرم الأكرمين، وأرحم الراحمين، من لا تنفذ خزائنه، وليس كمثله شيء وهو السميع البصير.

التعامل مع الله تعالى

التعامل مع الله تعالى Q التعامل مع الله عز وجل له ضوابط كثيرة، فما أهمها؟ A التعامل مع الله جل وعلا هو التجارة التي لا تبور، قال الله جل وعلا في وصف عباده الأخيار: {يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ} [فاطر:29]. والتعامل مع الله يستصحب المرء فيه أصلين عظيمين: محبته وتعظيمه، ثم يزدلف بعد ذلك إلى بعض المعالم التي من أظهرها الصدق معه تبارك وتعالى. فالصدق مع الله جل وعلا أعظم ما يعين المرء على التعامل الحق مع ربه جل وعلا، ومن صدق إلى الله فراره صدق مع الله قراره، والله يقول وقوله الحق: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} [التوبة:119]، وفي خاتمة سورة المائدة قال الله: {قَالَ اللَّهُ هَذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا} [المائدة:119]. فأعظم ما ينبغي على المرء صنيعه في تعامله مع ربه أن يكون صادقاً في تعامله مع الله. الإنسان قد يقدر على أن يخدع ثلة من الناس، بل قد يصل الدهاة إلى خدعة الجماهير كلها، وبعض الناس قد يصل لمرض في نفسه إلى أن يخدع نفسه، لكن الشيء الذي لا يمكن لأحد أن يقدر عليه هو أن يحاول أن يخدع ربه. فالله جل وعلا لا يمكن أن يخدع، فإن كان محالاً أن يخدع الرب تبارك وتعالى أحد من خلقه: {أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الملك:14]، وجب بعد ذلك على المنصف العاقل الذي يعرف ما عند الله من الثواب ويعرف ما عند الله من العقاب أن يلجأ إلى الصدق مع الله جل وعلا، قال الله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} [التوبة:119]. المعلم الثاني: الأدب مع الرب تبارك وتعالى، والأدب مع الله جل وعلا حررناه سلفاً في لقاءات سابقة؛ لكن نقتبس ما ينفعنا في مقامنا هذا. من الأدب مع الله أن يعلم العبد أن أي مرغوب لا يتحقق إلا بإحسان من الله وفضل، وأي مرهوب لا يدفع إلا بحول الله جل وعلا وطوله، فبقوته وحوله تبارك وتعالى ندفع ما نخاف ونتقي ما نخشى، وبإحسانه جل وعلا وفضله يتحقق لنا ما نؤمل ويحصل لنا ما نريد فإذا صدق المرء بتوكله مع ربه وتأدب مع الله وعلم يقيناً أنه لا يمكن لأحد أن ينفعه إلا ربه ولا يمكن لأحد أن يضره إلا ربه صدق مع الله جل وعلا وتأدب معه في حياته كلها. ومن الأدب مع الله جل وعلا ألا يأخذ المرء شيئاً لا ينبغي صرفه لله فيعطيه لغير الله جل وعلا، فكما أن الله جل وعلا له ذات لا تشبه جميع الذوات {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى:11]، فكذلك فيما نصرفه نحن من أعمال، فمنها أمور تعبدية محضة صرفها إلى غير الله شرك، وبعضها قد لا يكون شركاً لكن يكون من الأدب مع ربنا تبارك وتعالى ألا نصرفه لغيره. دخل المهدي الخليفة العباسي مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم في إحدى رحلاته للحج فإذا فيه الفقيه المدني المعروف ابن أبي ذئب، فقال أحد حاشية أمير المؤمنين لـ ابن أبي ذئب: قم، هذا أمير المؤمنين! فقال ابن أبي ذئب رحمه الله: إنما يقوم الناس لرب العالمين. فأراد بعض الحاشية والحرس أن ينهره وكان منهم رجل يقال له زهير، فقال المهدي لـ زهير: اتركه فقد وقف والله شعر رأسي مما قال! ابن أبي ذئب وفق في هذا الصنيع في المسجد؛ لأنه بيت من بيوت الله؛ لكن لو كان هذا الأمر خارج المسجد كان ينبغي إجلال السلطان المسلم وسيأتي هذا، لكن الذي يعنينا أن هذا العبد الصالح فرق وهو في بيت من بيوت الله بين ما يمكن صرفه لله على الإطلاق، وما يمكن تقييد الأمر في فعله مع غيره تبارك وتعالى تأدباً مع الله. والإنسان إذا تأدب مع الله علم أن الأمور تلوح بين الحين والآخر فربما ركن لها قلبه من حيث لا يدري، لكن إذا أراد الله بعبد خيراً كان إقدامه أو إحجامه أو إصراره أو تراجعه لله وحده دون سواه، {قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الأنعام:162]. المعلم الثالث: الحياء مع الله تبارك وتعالى: ثمة أمور يستحيي العبد أن يراه الله جل وعلا يصنعها، وهي كل ما نهى جل وعلا عنه، لكن من أدمن النظر وتأمل في سير الأخيار من هذه الأمة وجد خصالاً وصفات عظيمة تحلى بها السابقون قبلنا؛ من ذلك أن أبا موسى الأشعري رضي الله تعالى عنه وأرضاه كان إذا اغتسل لا يقيم صلبه حتى يرتدي ملابسه. وأنت تعلم أن وسائل الاغتسال في ذلك العصر تعتمد على الاغتراف، فكان أبو موسى يغتسل في الغرفة المظلمة ثانياً جذعه حتى يستطيع أن يغرف، فإذا فرغ من الاغتسال لا يقيم صلبه حتى لا تنكشف عورته، وإنما يتناول ثيابه أولاً. قال أهل التراجم في وصفه: كان ستيراً حيياً من ربه تبارك وتعالى، وهذه منزلة عالية وإن كان الإنسان غير ملزم بها؛ لكن معلوم أن لله عباداً أصفياء اجتباهم ربهم تبارك وتعالى واصطفاهم فإن ساروا أو تحركوا أو قاموا أو قعدوا فعلوا ذلك كله لربهم جل وعلا، {أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ} [يونس:62 - 63]، وهذا من جنس ولايتهم لربهم تبارك وتعالى ومندرج فيه. هذه الثلاث إذا صاحبها بعد ذلك سريرة بأن يصنعها العبد بينه وبين ربه؛ ادخرها الله له إلى يوم لقائه جل وعلا. ومن صدقت نيته وصلحت سريرته وكان له عند الله عمل مقبول فلن يبلغ أحد سعادته إذا لقي الله. قال الله جل وعلا عن أهل طاعته إنهم يقولون: {هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ} [الحاقة:19]؛ لأنه فرح مسرور بما فيه فيحب أن يراه الناس، في حين أنه في الدنيا لا يحب أن يرى الناس منه تلك الطاعة؛ لأنه ادخرها ليوم يلقى الله جل وعلا فيه، أحسب فيما أعلم أن هذه الأربعة تحدد معالم التعامل مع رب العزة والجلال.

النصح بين النساء

النصح بين النساء Q سائلة تشير إلى قصة واقعة تقول: البنات كن ينصحنها عندما كانت بعيدة عن الالتزام ثم بعد ذلك انتكسن؟ A نحن أولاً نهنئها بأنها عرفت الطريق الحق، ونسأل الله جل وعلا لنا ولها الثبات على دينه تبارك وتعالى، لكنني أنصحها بأن الأخوات اللاتي كن معها يوماً من الدهر قبل أن يمن الله عليها بالهداية تتجنب نصحهن؛ لأن النفوس في مثل هذه الحالة قلما تقبل، وقد يسخر الله لأولئك الفتيات غير أختنا في نصحهن، فتقبل وتستمر في القراءة حتى تتقدم في السن قليلاً بإذن الله ورحمته، وبعد ذلك تنصرف إلى أخوات جديدات -إن صح التعبير- تعرج عليهن بالموعظة والنصيحة والتذكير، لكن ينبغي أن يكون ذلك بطرائق مقبولة قدر الإمكان، وباتخاذ وسائل معينة ثم تتدرج مع من تريد أن ترتقي بها، أو تخرجها مما هي فيه من الظلمة. التدرج في الموعظة أمر محمود؛ لأنه الشيء الذي حبك عقدة عقدة لا يمكن حله إلا عقدة عقدة كما قال عمر بن عبد العزيز لأحد أبنائه وهو ينصحه.

التعامل مع القصص الوعظية الضعيفة

التعامل مع القصص الوعظية الضعيفة

ظهور الملائكة للشخص في صورة بشر

ظهور الملائكة للشخص في صورة بشر Q هل يمكن للشخص سواء كان من الصالحين أو من غيرهم أن تظهر له الملائكة في صورة بشر؟ A هذا يمكن، للحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن الله أرصد في مدرجة -طريق- ذلك الرجل الذي زار من يحبه في الله ملكاً يسأله، وهذا أصل في إثبات القضية. لكن السائل إذا وقع له شيء من هذا أو لغيره فأرى ألا يحدث به أحداً، ولا يخبر به غيره، أحياناً يحصل للعقلاء مواقف هم على يقين أنها وقعت لكن لو قيلت للناس لشك الناس في عقولهم وذموا القائل، والعاقل ينأى بنفسه عن هذا. فإن أخبر خاصته فلا بأس؛ لكن الإشكال أنه قد ينقلب هذا الخاص يوماً عدواً.

حكم سماع الأغاني والدفوف

حكم سماع الأغاني والدفوف

متى يرخص بالدف وحكم الفيديو كليب الإسلامي

متى يرخص بالدف وحكم الفيديو كليب الإسلامي Q قبل أن نخرج من هذه النقطة بما أنك أضفتها، سأسألك عن أمرين: الأمر الأول: هل هذا الترخص خاص بأيام العيد أم يمكن أن ينسحب على كل المناسبات؟ الأمر الثاني: أنت ذكرت الفيديو كليب، وهناك بعض الأناشيد تكون على الدف، فهل يأخذ نفس الحكم؟ A ينسحب على بعض مناسبات الفرح عند بعضهم مثل العقيقة. أما مناسبة النجاح فهذا لا يتوسع فيه كثيراً. أما ما يسمى بـ (فيديو كليب إسلامي)، فأنا لا أومن بقضية شيء إسلامي وشيء غير إسلامي، وهذا رأي شخصي في الفيديو كليب، وأعتذر لكل مؤمن ومؤمنة يرى صحة هذا، لكن أنا أقول نشيد مباح ونشيد محرم. مثلاً: إذا جاء مجموعة من الشباب في يوم عيد وضربوا بالدف فأنا أقول: هذا النشيد مباح لحديث عائشة، لكن لا أسميه إسلامياً؛ لأن كلمة (إسلامي) توهم أن الإسلام أمر به، والنبي صلى الله عليه وسلم أعطى الجاريتين ظهره، فهناك فرق بين الموافقة والأمر. فنحن نقول: مباح، ونقول في غيره: إنه محرم، ثم هذا المحرم يرتقي بعضه إلى كبائر الذنوب كما يحدث في بعض القنوات.

معنى المزمار عند العرب

معنى المزمار عند العرب Q جاء عن أبي موسى الأشعري أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال له: (لقد أوتيت مزماراً من مزامير آل داود). وجاء عن أبي بكر رضي الله عنه أنه قال لـ عائشة: (أمزمار الشيطان في بيت رسول الله؟)، فوردت لفظة المزمار في حديثين مرة بالمدح ومرة بالذم، فما تقولون في ذلك؟ A كلمة المزمار في اللغة تأتي على معنيين، تأتي بمعنى آلة اللهو أو الغناء نفسه، وهذا هو معنى قول الصديق رضي الله عنه وأرضاه لما دخل على ابنته عائشة وعندها جاريتان تغنيان بيوم بعاث: (أمزمار الشيظان؟)، فأضافه للشيطان؛ لأن فيه ما يشغل القلب عن ذكر الله. فالعرب تطلق كلمة مزمار على الغناء وعلى آلة اللهو، والتي هي الدف هنا، وتطلقها كذلك على الصوت الحسن، فإطلاقها على الصوت الحسن هو مراد النبي صلى الله عليه وسلم من قوله لـ أبي موسى: (لقد أوتيت مزماراً من مزامير آل داود)، أي: لقد أعطيت صوتاً حسناً تتلو به القرآن كما أوتي داود صوتاً حسناً يتلو به الزبور: {يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ} [سبأ:10]، {إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالإِشْرَاقِ} [ص:18]، كما هو معروف في القرآن والسنة.

ما يرخص فيه من الدفوف

ما يرخص فيه من الدفوف الذي يعنينا كلمة (مزمار)، لكن إذا استطردنا قليلاً قلنا: إن الناس يجب أن يفقهوا أن الذي كان مرخصاً -فيما نعلم- هو الدف في أيام العيد، فـ أبو بكر رضي الله تعالى عنه وأرضاه استصحب أصلاً وهو أن الغناء محرم، فلما أنكر أبو بكر على ابنته عائشة كان إنكاره وقتذاك في موضعه؛ لأنه بناء على علمه بأن الغناء محرم، فأخبره النبي صلى الله عليه سلم وأنبأه أن هذا يرخص به في يوم العيد فقال: (يا أبا بكر، إن لكل قوم عيداً وهذا عيدنا)، وهذا ترخيص منه صلى الله عليه وسلم وهو المبلغ عن ربه والمشرع للأمة. وهذا عام، ولا يوجد دليل على أنه خاص بالنساء، لأنه صلى الله عليه وسلم سمعه وكان حاضراً، لكن هذا الحديث أو هذا الخبر لا يجوز أن تتمسك به بعض القنوات من أنهم يأتون بما يسمى بالفيديو كليب أو غيره ليل نهار بحجة أن الغناء مرخص به، لأننا نقول: الدف مرخص به في أيام العيد. ونقول: ليست القضية هنا قضية غناء، لكنهم يأتون في (فيديو كليب) بنساء يرقصن وامرأة أو رجل وسطهن يغني، فهذا لا يقال له غناء، بل يقال: هذا فجور، وخنا لا يدخل فيما يسمى بالغناء، فهو كبيرة من الكبائر لا يمكن أن يدخله الترخيص، لأن الترخيص لا يدخل في باب الكبائر لا في عيد ولا في غيره؛ فهم آثمون على كل حال. أما الترخص في ضرب الدف لمجمع نسائي أو مجمع رجالي -وإن كان ينبغي لأهل الفضل أن يزهدوا فيه كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم- فإن هذا لا يمكن لأحد أن يتقدم بين يدي الله ورسوله، فإن النبي صلى الله عليه وسلم سمعه في يوم عيد أو أقر سماعه وقال لـ أبي بكر: (دعهما يا أبا بكر)، فلا يمكن لأحد الاعتراض بعد أن يظهر على فتوى النبي صلى الله عليه وسلم، ونحن عبيد نمتثل ونأتمر لما قاله النبي صلى الله عليه وسلم.

من سيرة الخليفة العباسي المهدي

من سيرة الخليفة العباسي المهدي Q يرغب بعض أعضاء القطوف في أمر، وهو أننا إذا ذكرنا سيرة عالم أو خليفة أو شاعر أن نذكر شيئاً من أخباره ولطائفه، وقد ذكرتم قبل قليل خبر ابن أبي ذئب مع المهدي؟ الشيخ: نعرج على سيرة المهدي ونذكر أهمها، فنقول: المهدي خليفة عباسي اشتهر بكثرة توليته، أي: وما دام يكثر من التولية فهو يكثر من العزل؛ لأنه لا يكون تولية إلا بعد عزل، وهذا يدل على قوة الشخصية. وكان موسوماً بالشجاعة وقيل له: يتعجب الناس من شجاعتك! فقال: لم لا أكون شجاعاً وأنا لا أخاف إلا الله! وهذا يدل على أن الإنسان يجتمع فيه خير وشر. وكان المهدي غارقاً بعض الشيء في اللذات والصيد واللهو بحكم أنه ملك، لكنه كان قصاباً على الزنادقة -أي: يقطع لحمهم- يقول الذهبي في ترجمته: إنه كان محبباً إلى الرعية قصاباً على الزنادقة. وهذا ظاهر في سيرته، فكثير من الزنادقة أهلكهم الله على يديه. كذلك جاء عنه أنه في أحد أيام خلافته هبت ريح شديدة عاصفة سوداء حتى ظن بعض الناس أن القيامة قد قامت، فـ سلم -أحد حاشيته وحرسه- ذهب يبحث عن أمير المؤمنين، فذهب إلى الإيوان -يعني: إلى ردهات القصر- فلم يجده، فوجده في أحد بيوت القصر وهو ساجد على التراب رحمة الله تعالى عليه وهو خليفة، لكنه يناجي ربه ويقول: اللهم لا تشمت بنا أعداءنا من الأمم، ولا تفجع بنا نبينا، اللهم إن كان هلاك الناس بسبب ذنب فعلته فهذه ناصيتي بين يديك. وهذا تسليم عظيم ودلالة على وجود حس إسلامي في قلب هذا الخليفة رحمة الله تعالى عليه، وكذلك قوله لـ زهير حارسه عندما دخل المدينة وقال ابن أبي ذئب: إنما يقوم الناس لرب العالمين، فلو كان الخليفة لا يملك حساً إسلامياً لقال: اضرب عنقه، لكنه قال: لقد قف شعر رأسي مما قال أي: أن كلمة ابن أبي ذئب وقعت منه موقعاً. وأنا أحسب والعلم عند الله أن ابن أبي ذئب قالها من قلبه صادقاً ولم يقلها متاجراً؛ فإن كثيراً من الناس يلمز السلاطين والأمراء لأغراض أخرى، يعني: يريد أن يؤلب العامة، وأن يحرك أشياء مكنونة، ويريد أن يصفي حسابات؛ هذا والعياذ بالله ليس له في الآخرة إلا النار، وهذا لا يقدم عليه إلا إنسان لا يعرف من هو الله، لكن الله جل وعلا أجل وأعظم من أن يتاجر بدينه. وإذا كان الإنسان يقول القول يتاجر به حتى يرفع مقامه أو حتى يقال ويقال، ثم هو بعد ذلك لا يريد إلا هذا القول من الناس، فإنما يؤجر في الدنيا وليس له في الآخرة شيء، قال الله جل وعلا: {لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ} [هود:16]، وليس بعد تقديم الروح والنفس شيء، ومع ذلك فإن رسول الله لما قيل له إن الرجل يقاتل كذا يقاتل كذا يقاتل كذا، أخبر أن العبرة بمن قاتل لتكون كلمة الله هي العليا.

التعامل مع الخلق

التعامل مع الخلق

التعامل مع من لهم حق علينا

التعامل مع من لهم حق علينا Q بما أن حديثنا عن (الدين المعاملة) ننتقل إلى التعامل بين الخلق. والمتتبع لما كتب في هذا الموضوع أو عرض عبر وسائل الإعلام يجد أنه يصنف حسب الذوات، مثلاً: حقوق الوالدين، حقوق الجار، حقوق الأبناء، ونحن نريد أن نطرحها بطريقة أخرى وأن نصنفهم حسب الحقوق؟ A يظهر لي أن الناس الذين تتعامل معهم يمكن تقسيمهم إلى أقسام: قوم لهم حقوق عليك. وقوم عليهم حق لك. وقوم مكافئون فلا حق لك عليهم ولا حق لهم عليك، أي أن التعامل معهم تعامل منفعي كالتجارة والوظيفة. وقوم أعطاهم الله جل وعلا فضلاً بطريقة شرعية. فيمكن تقسيم الناس غالباً إلى خمسة أقسام وقد تزيد، وأنا لا أقصد الحصر. فلنبدأ بالقسم الأول: وهو من لهم حق عليك، بحيث يجب إعطاؤهم حقهم ولو لم يعطوك حقك. فحق الوالدين -مثلاً- حق عظيم أقره الله جل وعلا في كتابه، فسواء كان هذان الوالدان على بر أو على فجور، قاما بحقك أو لم يقوما بحقك، فإنه يجب إعطاؤهما حقهما. وكذلك حق الإنفاق على الزوجة، هذا حق لها لا يلغى إلا إذا نشزت وخرجت من الدار وفق تفصيل الفقهاء. فمن كان له حق يجب أن نستشعر أن الله جل وعلا أوجب علينا هذا الحق، فنحن نؤديه بصرف النظر عن تلقيه هو لهذا الحق، أي سواء أنكره أم جحده، مدحنا أم ذمنا، وذلك لأن الله جل وعلا أمرني أن أعطيه هذا الحق. وما دام أن الله أمر بأداء الحق على ما ذكرتم، فهناك سؤال يتعلق بالموضوع، وهو: من كانت عادته حسن الخلق وأداء الحقوق، هل يؤجر عليها أم لابد أن يستحضر النية؟ والجواب: إذا كانت هذه العادة جاءت مع الأيام منبثقة عن أصل شرعي فإنه يؤجر عليها، لكن ينقلون عن المأمون أنه كان يقول: أخاف ألا أؤجر على العفو؛ لأنه كان يحب العفو، هذا من له حق.

التعامل مع من لنا حق عليهم

التعامل مع من لنا حق عليهم القسم الثاني: من لنا عليه حق: فهذا يجب أن نقبل تقصيره، بمعنى أن نعطيه حقه وأن نرفق به، وهنا تأتي قضية الخدم، فالخدم في الغالب لنا حق عليهم؛ لأننا نعطيهم أجرهم فهم أجراء. لكن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إخوانكم خولكم)، وأمرنا ألا نكلفهم ما لا يطيقون، وبعض الناس عياذاً بالله يتصرف وكأنه لن يلقى الله جل وعلا، فعنده كثير من الظلم للأجراء سواء كانوا موظفين تحت يديه أو عمالاً في مكتبه، أو خادمة أو سائقاً أو عامل نظافة أو غير ذلك؛ فهو يجد في نفسه قوة سلطان وجبروت ملكه الله جل وعلا إياه، فيريد أن يستخدم ذلك السلطان والجبروت والقوة والحق في تكليفهم ما لا يطيقون. مثلاً: ترى في بعض المطارات أن العائلة معها أبناؤها يطلبون من الخادمة -وهي امرأة عورة- أن تأخذ الحقائب من السير الذي يمر، فترى هذه الخادمة تتثنى فينظر إليها الرجال، وليس في العقد بينهم وبينها إلا أن تخدمهم في البيت، وليس للخادمة علاقة بأن تحمل حقائبكم وتضعها، ولو دفعوا مبلغاً زهيداً لذلك العامل المخصص لكان خيراً لهم من أن يلقوا الله جل وعلا وقد أذلوا امرأة بين الناس. فالخادم والخادمة لا يغرنك منها أنها تعجز عن المطالبة بحقها، فبعضهن تستطيع أن تأخذ حقها بطريقة أو بأخرى لا تخفى على ذوي الألباب، لكن نحن لا نرقب ردة فعلها، فهذا لا ينبغي أن يكون هو الباعث على رفقنا بها، بل نفعل ذلك خوفاً من الله جل وعلا، أي لأن الله جل وعلا سيسألنا عنها. (جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأخبر أن لديه عمالاً يصنعون له أعمالاً كثيرة، وأنهم أحياناً يبخسونه وهو يرد عليهم، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: إنه سيأتي الله بك وبهم يوم القيامة، فإذا كان ما أخذته منهم بمقدار ما أخذوه منك، وإلا اقتص لك منهم أو اقتص لهم منك، فبكى الرجل، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: سبحان الله، ألم تقرأ قول الله جل وعلا: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ} [الأنبياء:47])؟ كل من استظهر في قلبه وتيقن أنه سيلقى الله تردد كثيراً قبل أن يظلم أحداً دونه، ومن لم يرقب يوماً يلقى الله فيه فهو الذي يسرف في الظلم. فرعون كان جبروته منطلقاً من أنه لم يرقب يوماً لقاء الله، لكن الصالحين من العباد المتقين من أهل الفضل هم الذين يرقبون لقاء الله قبل أن يقدموا على العمل. وهنا يأتي ما قاله أحد الفضلاء من أن المدرسين مؤتمنون على الطلاب، فلا يجوز التقصير. فالتقصير الذي يأتي عرضاً لسفر طارئ أو مرض مقعد أو ما أشبه هذا يعذر فيه المرء، لكن عندما يكون ديدن المعلم أن يدخل قاعة الدراسة وهو لا يعبأ بتعليمهم، ثم يعاقبهم على أدنى خطأ دون أن يحاول يوماً إصلاحهم، ويتشفى منهم إذا وضع الأسئلة، أو يريد أن ينتقصهم أو يجعل المسألة تصفية حسابات مع عائلتهم أو أسرتهم. فنقول له: هذا كله من غياب الخوف من أن تلقى الله جل وعلا، وقد قلت: إنه لابد أن يكون الباعث في كل عمل نأتيه خوفك من لقاء الله، فإن الله جل وعلا أخبر أن يوم لقائه يوم عظيم وقد قال عمر رضي الله تعالى عنه لـ ابن عباس لما أثنى عليه: وإنني مع ما قلت لو كان لي ملء الأرض ذهباً لافتديت به من هوا المطلع. فليس لقاء الله بالأمر الهين، والإنسان إذا أخبر أن وزيراً سيزور تلك الدائرة أو مديراً عاماً سيأتيها، وبينها وبين زيارة الوزير أو المدير ساعات أو أيام، يتغير حاله يتغير وضعه يتغير تعامله مع من حوله خوفاً من أن يبلغ ذلك المسئول، فكيف بلقاء الله. ثم إن الله جل وعلا لا يحتاج أن يبلغه أحد، فالله جل وعلا أقرب شهيد وأدنى حفيظ. استحضار هذا هو الذي يعين على أن يقوم الإنسان بالواجب الأكمل، فإذا غاب فمن باب أولى أن ترى الجبروت في القلوب والقسوة فيها.

دليل قبول التوبة في رمضان

دليل قبول التوبة في رمضان Q من تابع الأعمال الصالحة بعد رمضان هل يكون دليل قبول أعماله وتوبته السابقة؟ A هذا إن شاء الله تعالى من أمارات وعلامات القبول ولا نجزم به، لكن الحسنة تقول أختي أختي، فإذا أتبع الإنسان الحسنة بالحسنة دل ذلك -إن شاء الله- على قبول عمله عند الرب تبارك وتعالى، وأنا أسأل الله لأخي التوفيق في الدنيا والآخرة، ونحن في المقام الأول نريد من الإنسان أن يزداد من فعل الخيرات بعد رمضان؛ لأن رمضان أشبه بالنور الذي يبث في القلب، فكلما كان العمل الصالح في رمضان كثيراً كان بقاء ذلك النور إلى العام القادم أكثر.

طلب الدعاء من الغير

طلب الدعاء من الغير Q هل يجوز للإنسان أن يطلب الدعاء من غيره؟ A الأفضل أن يدعو الإنسان لنفسه، وجاء في الشرع ما يدل على أن الإنسان يطلب الدعاء من غيره، لكن إذا خشي الفتنة فلا، والفتنة لا يأمن منها أحد.

التوسع في ضرب الدف في النكاح

التوسع في ضرب الدف في النكاح Q سائلة تقول: بعضهم يجيز الدف والزير والمرواس في الزواجات، وأحياناً تكون أشرطة، فما الحكم؟ A الأصل ضرب الدف في النكاح، وفصل ما بين الحلال والحرام ضرب الدف في النكاح، وهذا يدل على أن الأصل تحريمه فنحن نقول لأخواتنا المؤمنات: من تأتي بأشرطة ليس فيهن إلا الدف، فهذا فعل محمود جيد حسن، أما توسع من يصنع هذا الصنيع في غير الدف فلا أحبذه ولا أراه وهو إلى الحرمة أقرب بل بعض أهل العلم نص على تحريمه. فالمقصود من ضرب الدف هو إعلان النكاح، والخروج به عما كانت عليه العرب في جاهليتها من السفاح، فيضرب الدف برهة من الليل لا تكون طويلة يعلن فيها النكاح وينشد فيها أناشيد تلائم ذلك الوضع ويظهر فيها الفرح، هذا مما أباحه الله جل وعلا لعباده، قال صلى الله عليه وسلم: (هل كان معكم من لهو؛ فإن الأنصار يعجبهم اللهو)، لكن لا ينبغي بعد ذلك أن يزيد على الشرع ما ليس فيه.

التعامل مع من المكافئين في الحقوق

التعامل مع من المكافئين في الحقوق

حقوق المكافئين

حقوق المكافئين Q الدين المعاملة، وقد تكلمت عن من لهم علينا حقوق ومن لنا عليهم حقوق، فنرجو أن نتكلم عن التعامل مع المكافئين؟ A يوجد في الناس من هو مكافئ، بمعنى أنه لا يوجد حق له عليك ولا حق لك عليه؛ لكن هنا يأتي الأدب في أن الإنسان يكون متأدباً مع من يسمعه، يقولون عن الخليل بن أحمد رحمة الله تعالى عليه: إنه كان إذا أفاد أحداً شيئاً لم ير أنه أفاده، وإذا استفاد من أحد شيئاً أراه أنه استفاد منه، وهذا أنموذج عال على نهج سلف الأمة والنبي صلى الله عليه وسلم في التعامل مع المكافئ. الإنسان إذا كان سليم الصدر لين الطبع يقول صلى الله عليه وسلم: (المؤمن ينقاد)، يعني: يقبل الأخذ والعطاء، ويألف ويؤلف. فهذا في التعامل مع المكافئين لا يرى الإنسان في نفسه علواً ولا ظهوراً على الغير، ويقول الله: {تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأَرْضِ وَلا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} [القصص:83]. فالتعامل مع المكافئ يمكن أن يكون منضبطاً بطرائق محمودة جداً، في أن يكون الإنسان ذا قلب سليم يعرف قدر أخيه ولا يحاول أن يستنقصه كما سيأتي بيانه.

قبول النصح من المكافئ

قبول النصح من المكافئ Q قبل أن نخرج من مسألة التعامل مع المكافئين أذكر أن أختاً أرسلت على الموقع تقول إنها أقامت النصيحة لبعض قريباتها من باب الحرص عليها في الله عز وجل، لكن صار هناك ردة فعل وعدم قبول وقطيعة، تقول: ترجو أن تطرح نصيحة في الموضوع؟ A أياً كان الأمر فإنه ينبغي على من يتلقى النصيحة أن يتقبلها بقبول حسن، وأن يعلم أن الباعث من أخيه أو من أخته على النصح هو إرادة الخير له، ولا يكون فينا سوء ظن ببعضنا؛ لأنه لا يأنف من النصح أحد، كلنا ننصح وكلنا ينصح بحسب ما أفاء الله جل وعلا عليه من العلم، وقد وقف هدهد بين يدي سليمان {فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ} [النمل:22]. فليس معنى نصيحتي أنني خير منك، ولو غلب على ظنك أنك خير من فلان فلا يعني ذلك أنك لا تقبل منه شيئاً، فإن المؤمن مرآة أخيه، والمؤمن الحق بإخوانه، وهذا من الولاية التي قال الله جل وعلا: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [التوبة:71].

التعامل مع ذوي الفضل

التعامل مع ذوي الفضل أما التعامل مع ذوي الفضل، فيقول صلى الله عليه وسلم فيما رواه أبو داود بإسناد حسن من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله تعالى عنه وأرضاه: (إن من إجلال الله إكرام ذي الشيبة المسلم). فمن بلغوا في السن مبلغاً وشابوا لهم حق يعرفه من يعرف الفضل، والنبي عليه الصلاة والسلام: (إنما يعرف الفضل لأولي الفضل أولو الفضل). وقال صلى الله عليه وسلم في الإكرام: (من إجلال الله إكرام حامل القرآن غير الغالي فيه والجافي عنه، وإكرام ذي السلطان المقسط)، فولاة أمر المسلمين لهم حق، فإكرامهم من إجلال الله جل وعلا، ومن من الله جل وعلا عليهم بالقرآن كأئمتنا في الحرمين وأمثالهم ممن حفظوا القرآن ونفع الله بهم البلاد والعباد فإكرامهم من إجلال الله، والرجل الكبير كما قلت ينبغي إكرامه. كما أن الضعفاء لهم حق الإكرام، وأعود لبيئة المطارات، فأقول: أحياناً في الباصات التي تنقل الناس من الصالات إلى المطارات. يوجد نساء كبيرات في السن أو شابات صغيرات في الباص، فبعض الرجال عفا الله عنا وعنهم يزاحمون في المقاعد وهي محدودة؛ والأصل في مثل تلك الباصات الوقوف، لكنهم يأتون ويجلسون مع أن الشركات المتبنية لهذه الباصات اكتتبت ألواحاً مكتوباً عليها: (هذا خاص بالنساء وخاص بكبار السن) لكن البعض يغلب عليه حب الذات من غير أن يشعر، فعندما يأتي إلى هذه الأماكن لا يفكر بشيء إلا في نفسه، فيأتي ليجلس وهو يرى المرأة واقفة رافعة يديها تخاف أن تسقط. وهذا لا ينبغي لرجل شهم أن يفعله؛ لكن عندما تغيب بعض آداب الدين ويغلب على الإنسان النظرة الذاتية لمن حوله، يحدث هذا النوع من التعامل؛ نسأل الله العافية.

التعامل مع العلماء والمعلمين

التعامل مع العلماء والمعلمين أما التعامل مع العلماء والمشايخ والمعلمين فإجلالهم حق لكن لا يبالغ في إجلالهم. والإنسان إذا اتخذ طريق الوسطية سلم؛ ونقول: إن من أعظم أودية الباطل الغلو في الأفاضل.

التعامل المنفعي

التعامل المنفعي Q ما المقصود بالتعامل المنفعي والموقف منه؟ A يقول الله تعالى: {وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ * الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ * وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ} [المطففين:1 - 3]. ولذلك فالمنفعيون لو سألتهم: ما رأيك في سيارة كابرس موديل 2000، كم قيمتها؟ إذا كان ذكياً يقول: أنت بائع أو مشتر؛ لأنه إذا كنت تريد أن تشتريها فلا تدفع أكثر من كذا، وإذا كنت تريد أن تبيعها فيكون جوابه جواباً منفعياً. المؤمن الحق الذي يرقب الله جل وعلا يضع نفسه في تعامله محل الطرف الآخر، فإذا وضع نفسه محل الطرف الآخر صدق عليه قول النبي صلى الله عليه وسلم: (يحب لأخيه ما يحب لنفسه). وهذا هو النموذج الأمثل في التعامل مع الناس، أي أن يحب المرء لأخيه ما يحبه لنفسه، لكن يحصل في أسواقنا في طرائق التعامل ما يظهر الغش والخداع لغياب مراقبة الله جل وعلا. في التعامل المنفعي كل يريد أن يفوز، وبعض من الناس والعياذ بالله لا يفكر إلا في البيئة التي يعيش فيها، يعني: من كثرة شعوره بالنقص يحب أن يسمع كلمة مدح. فالمقصود أن الإنسان ينبغي أن يحمل في معاملته مع الناس آداباً إسلامية مستقاة من كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم. والأخطاء قد تحدث من الجميع؛ لكن يلاحظ أن من عليهم سيما الصلاح والتقى يحملون أكثر من ذلك، بحيث تنسب أخطاؤهم إلى الدين مباشرة، ونسبتها إلى الدين خطأ، فكل إنسان مسئول عن نفسه، لكن ينبغي للإنسان أن يقدم السورة المثلى لأهل الإسلام، والله تعالى يقول: {وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ * الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ * وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ} [المطففين:1 - 3]، والعاقل الذي يعرف الله حقاً يكيل للناس بما يكيل به لنفسه. السؤال: هناك أمور يجب على المرء أن يراعيها مهما حاول أن يكون حسن الخلق مع الغير، سواء في حديثه أو تعامله، إلا أن هناك ضوابط ينبغي أن يستحضرها دائماً، فنرجو أن تذكرها؟ الجواب: أهمها العلم أن الله ذو حكمة بالغة: إذا علم العبد أن الله ذو حكمة بالغة ارعوى، وساقه هذا العلم إلى أن يتأمل في التعامل مع الناس، فكل قوة إلى ضعف، وحتى الغنى لا يلزم أن يئول إلى فقر، لكن يئول إلى أن تموت وتترك مالك، وبعد لحظة من وفاتك يصير ملكاً شرعياً لغيرك، فاستصحاب. قبل أيام نشرت الصحف أن بوب دنر هذا مرتزق فرنسي كانت تستخدمه الحكومات الفرنسية السابقة في انقلابات دول وتغيير حكومات وتنقل في كثيراً في دول إفريقيا وبعض الدول الآسيوية، وكان له دور كبير في كثير من الانقلابات التي حصلت، فهو مرتزق مشهور عالمياً وقد توفي مؤخراً. هذا الرجل استخدمته الحكومات الفرنسية في تغيير عروش وإزالتها مع ذلك أصابه الله جل وعلا قبل أن يموت بمرض الزهايمر الذي يفقد الذاكرة، فصار الناس يحدثونه أنه غير حكومة، فيضحك غير مصدق أنه يسمع هذه المعلومة. فانظر إلى صنيع الله جل وعلا في خلقه، فهذا كافر لا يفقه ومن حوله عائلة كافرة قد لا تفقه؛ لكن أنت كمسلم عندما تقرأ هذا الخبر في صحيفة ما فاتك تقرؤه بطريقة أخرى ليس كما يقرؤه من لا يرقب لقاء الله. كل شيء مصيره للزوال غير ربي وصالح الأعمال فإذا علم الإنسان أن الله ذو حكمة بالغة يرعى الله، يقول الله: {وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا} [النساء:9]. أحياناً يكون المرء عند رجل يعاين الموت وعنده أطفال فيأتيه إنسان أحياناً يقول له: لو وصيت لفلان، لو وصيت لفلان، يريد أن يذهب ماله، فالله جل وعلا يقول له: قبل أن تتلفظ بالمشورة، لهذا الرجل تذكر أبناءك لو تركتهم وهم ذرية ضعفاء كيف سيصبح حالك؟ الأمر الثاني: حفظ اللسان لأن الإنسان العاقل يرى وصف النبي صلى الله عليه وسلم أو وصف القرآن من قبل لأهل الفسق والفجور فيحاول -بل يجب عليه- أن يسعى إلى البعد عنهم، فالنبي عليه الصلاة والسلام قال في المنافق: (وإذا خاصم فجر)، فالمسلم في تعامله يجب أن يحفظ لسانه قدر الإمكان. نعم، كلنا نغضب ويقع منا الخطأ ولسنا معصومين: فإنا لم نوق النقص حتى نطالب بالكمال الآخرينا لكن يبقي على الإنسان ألا يستمر في كلامه، فإذا غضب في مجلسه مع أصدقائه أو أقرانه أو أولاده أو بناته فليخرج حتى لا يتلفظ بكلمات يبقى لها أثر سيء في القلب، ويحاول قدر الإمكان أن يحفظ لسانه؛ لأن الكلمة إذا خرجت حاكمتك، أما إن لم تخرج كنت أنت الحاكم عليها. الأمر الثالث: ألا يحتقر أخاه المسلم: وهذا من الضوابط المهمة، قال صلى الله عليه وسلم: (بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم). من طرائق الاحتقار ألا يقول الإنسان لفلان أنت كذا، لكن يحاول أن يبين نقصه أمام الناس، وأسوأ ذلك أن يقع بين الزوجين، فالزوج الذي يحاول أن يعيب امرأته أمام أبنائها وبناتها ليس رجلاً شهماً، وليست امرأة تصلح لأن تكون زوجة تلك التي تحاول أن تنتقص زوجها أمام أبنائه وبناته، فإذا رأت أن الأبناء والبنات يجلون أباهم تحاول أن تنتقصه أمامهم، وقد يكون هناك زوج إذا رأى أن الأبناء والبنات يحبون أمهم ويتعلقون بها يريد أن ينتقصها أمامهم، أو يحصل هذا مع بعض القرابة ومع بعض المعارف، هذا كله قال عنه صلى الله عليه وسلم في كلمة جامعة مانعة: (بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم).

الراسخون في العلم

سلسلة القطوف الدانية _ الراسخون في العلم لقد عظم الله العلم ورفع شأن الراسخين فيه ومدحهم في أوائل سورة آل عمران، ولا يتحقق أن يكون المؤمن من الراسخين في العلم حتى يتصف بصفاتهم ويتخلق بالأخلاق الفاضلة.

الكلام عن نشر الرسوم المسيئة للرسول صلى الله عليه وسلم

الكلام عن نشر الرسوم المسيئة للرسول صلى الله عليه وسلم الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الذي أحسن كل شيء خلقه وبدأ خلق الإنسان من طين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إله الأولين وإله الآخرين، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وعلى سائر من اقتفى أثره، واتبع منهجه بإحسان إلى يوم الدين. نبدأ اللقاء بالحديث عن تجدد نشر الرسوم المسيئة لرسولنا صلى الله عليه وسلم، وقبل أن نذكرها نبين أصلاً عظيماً، وهو الله تبارك وتعالى وهو أصدق القائلين زكى نبيه صلى الله عليه وسلم وعصمه وأكرم مثواه وسيحسن برحمة الله منقلبه، وسيكون صلى الله عليه وسلم يوم القيامة صاحب المقام المحمود، وصاحب الوسيلة، وهي درجة في الجنة لا يجتمع عليها اثنان، قال صلى الله عليه وسلم: (لا ينبغي أن تكون إلا لعبد وأرجو أن أكون أنا هو). فنحن عندما نتحدث عن تجدد نشر الصور المسيئة له صلى الله عليه وسلم نتحدث لنتقرب إلى الله جل وعلا بالحديث عن نبينا صلى الله عليه وسلم حديثاً حسناً، ولنبين عوار أولئك القوم، أما هو صلى الله عليه وسلم فمحفوظ بحفظ الله تبارك وتعالى له حياً وميتاً صلوات الله وسلامه عليه: والله لن يصلوا إليك ولا إلى ذرات رمل من تراب خطاك هم كالخشاش على الثرى ومقامكم مثل السماء فمن يطول سماكا صلوات الله وسلامه عليه. هذا التجديد يفرز أموراً كثيرة من أهمها أن طريق معالجتنا الأولى لم تكن في الغالب صائبة؛ لأن هذا الحدث تجديد، وقد كان من قبل على هيئة مقتصرة في صحيفتين أو ثلاث، والآن وصل العدد إلى سبع عشرة صحيفة، منها صحف مدعومة من الدولة، ففيها أن التأييد الحكومي الدنمركي في التجديد أكثر منه في الأول، كانوا في الأول يلتزمون الصمت لكن الآن بعض الصحف تحظى بتأييد من الحكومة، والكنيسة الكاثوليكية صمتت إلى الآن عما حصل. إذاً: هناك ثلاثة أمور: تجدد عدد الصحف وكثرتها، التأييد الحكومي والدعم الرسمي، الصمت الكنسي. نحن لا نريد أن نقدح في أحد، لكن بعض الفضلاء اجتهد، وقد لا يكون موفقاً في قضية اللين، وبعض الفضلاء اجتهد ولم يكن له أن يجتهد؛ لأن التحدث باسم الأمة والدفاع عن نبيها يحتاج أولاً إلى ما يشبه التوكيل والتفويض من الأمة، فليست القضية أن فرداً واحداً يسعى إلى حل المعضلة بيننا وبينهم، يعني: ليست مناط اجتهاد فردي، وأن الإنسان يأتي بمفرده يتحدث باسم المسلمين، فهذا غير مقبول، لابد أن يكون التفويض ناجماً عن جهة لها حق التخويل رسمياً أو شعبياً من رابطة العالم الإسلامي، أو منظمة المؤتمر الإسلامي. فمنظمة المؤتمر الإسلامي تمثل الحكومات ورابطة العالم الإسلامي تمثل الشعوب، وينبغي على منظمة المؤتمر الإسلامي ورابطة العالم الإسلامي الاثنتين أن يتخذا موقفاً موحداً وهما يتخذان القرار المناسب في مثل هذه الحالة. قضية سب النبي صلى الله عليه وسلم جريمة عظمى تخول الحرب؛ لكن الأمة ليست بمقدورها الحرب وهذا لا يختلف عليه اثنان، لكن هناك طرائق خفية لذا أقول: بعض أهل الصناعة القانونية من المعاصرين كتب في هذا المجال، آخرهم أني اليوم قرأت في جريدة الحياة لأستاذ اسمه محمود المبارك ذكر طرائق قانونية، ونبه على أن الميثاق الأوروبي ينص في المادة (29) على أن حرية التعبير عن الأديان مقيدة بألا تضر حرية الآخرين، وهذا في دول تحكم القانون في الغرب، فينبغي الاتكاء على مثل هذه في محاكمتهم، لا أعني محاكمة الفرد لكن قضية الضغط على الحكومات من باب القوانين التي يؤمنون بها ويبثونها في الناس. هذا من جهة العمل الرسمي، وللأسف أن الموقف الرسمي من دول العالم الإسلامي لا يرقى إلى أدنى ما هو مطلوب تجاه تجدد نشر الصور. أما ما يتعلق بعامة المسلمين فيظهر أن الدعوة إلى المقاطعة الاقتصادية على الأقل وإن لم تكسر لهم شوكة في الغالب، فإنها تشفي بعض العلة، فالتجديد لها أمر محمود مطلوب في ظني؛ ولذا أنادي بالمقاطعة. والأمر الثاني: قضية عملية، وهو أننا نعمل جاهدين على نصرته صلى الله عليه وسلم بنشر هديه وبعث سنته في الناس وفي الغرب، ونبدأ بالعمل الفردي والجماعي في نشر سننه صلى الله عليه وسلم وهديه والدين الذي جاء به. وهنا كلمة قالها العلامة الشيخ: عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين وفقه الله وحفظه عندما حصل الحادث الأول قال: إن الدنماركيين أساءوا إلى نبيهم؛ لأن نبينا صلى الله عليه وسلم نبي لنا ونبي لهم؛ لأن كل من جاء بعده فهم من أمة الدعوة، فالدنماركيون ليس لهم نبي إلا نبينا صلى الله عليه وسلم، وهم مأمورون شرعاً بالإيمان به واتباعه صلوات الله وسلامه عليه، فهم أساءوا إلى نبيهم ونبينا في آن واحد، لكن الفرق بيننا وبينهم أننا من أمة الإجابة ولله الحمد وهم من أمة الدعوة. وهذا أمر يجب أن ينشر في أبنائنا وبناتنا على مستوى المؤسسات وغيرها، وقلت: لابد أن يرتقي الموقف الرسمي إلى منظمة المؤتمر الإسلامي، والغريب أنهم يدعون أحياناً للقاءات أو لقمم في أمور هي أدنى من هذا بكثير.

الكلام عن نشر الرسوم المسيئة للرسول صلى الله عليه وسلم

الكلام عن نشر الرسوم المسيئة للرسول صلى الله عليه وسلم الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الذي أحسن كل شيء خلقه وبدأ خلق الإنسان من طين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إله الأولين وإله الآخرين، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وعلى سائر من اقتفى أثره، واتبع منهجه بإحسان إلى يوم الدين. نبدأ اللقاء بالحديث عن تجدد نشر الرسوم المسيئة لرسولنا صلى الله عليه وسلم، وقبل أن نذكرها نبين أصلاً عظيماً، وهو الله تبارك وتعالى وهو أصدق القائلين زكى نبيه صلى الله عليه وسلم وعصمه وأكرم مثواه وسيحسن برحمة الله منقلبه، وسيكون صلى الله عليه وسلم يوم القيامة صاحب المقام المحمود، وصاحب الوسيلة، وهي درجة في الجنة لا يجتمع عليها اثنان، قال صلى الله عليه وسلم: (لا ينبغي أن تكون إلا لعبد وأرجو أن أكون أنا هو). فنحن عندما نتحدث عن تجدد نشر الصور المسيئة له صلى الله عليه وسلم نتحدث لنتقرب إلى الله جل وعلا بالحديث عن نبينا صلى الله عليه وسلم حديثاً حسناً، ولنبين عوار أولئك القوم، أما هو صلى الله عليه وسلم فمحفوظ بحفظ الله تبارك وتعالى له حياً وميتاً صلوات الله وسلامه عليه: والله لن يصلوا إليك ولا إلى ذرات رمل من تراب خطاك هم كالخشاش على الثرى ومقامكم مثل السماء فمن يطول سماكا صلوات الله وسلامه عليه. هذا التجديد يفرز أموراً كثيرة من أهمها أن طريق معالجتنا الأولى لم تكن في الغالب صائبة؛ لأن هذا الحدث تجديد، وقد كان من قبل على هيئة مقتصرة في صحيفتين أو ثلاث، والآن وصل العدد إلى سبع عشرة صحيفة، منها صحف مدعومة من الدولة، ففيها أن التأييد الحكومي الدنمركي في التجديد أكثر منه في الأول، كانوا في الأول يلتزمون الصمت لكن الآن بعض الصحف تحظى بتأييد من الحكومة، والكنيسة الكاثوليكية صمتت إلى الآن عما حصل. إذاً: هناك ثلاثة أمور: تجدد عدد الصحف وكثرتها، التأييد الحكومي والدعم الرسمي، الصمت الكنسي. نحن لا نريد أن نقدح في أحد، لكن بعض الفضلاء اجتهد، وقد لا يكون موفقاً في قضية اللين، وبعض الفضلاء اجتهد ولم يكن له أن يجتهد؛ لأن التحدث باسم الأمة والدفاع عن نبيها يحتاج أولاً إلى ما يشبه التوكيل والتفويض من الأمة، فليست القضية أن فرداً واحداً يسعى إلى حل المعضلة بيننا وبينهم، يعني: ليست مناط اجتهاد فردي، وأن الإنسان يأتي بمفرده يتحدث باسم المسلمين، فهذا غير مقبول، لابد أن يكون التفويض ناجماً عن جهة لها حق التخويل رسمياً أو شعبياً من رابطة العالم الإسلامي، أو منظمة المؤتمر الإسلامي. فمنظمة المؤتمر الإسلامي تمثل الحكومات ورابطة العالم الإسلامي تمثل الشعوب، وينبغي على منظمة المؤتمر الإسلامي ورابطة العالم الإسلامي الاثنتين أن يتخذا موقفاً موحداً وهما يتخذان القرار المناسب في مثل هذه الحالة. قضية سب النبي صلى الله عليه وسلم جريمة عظمى تخول الحرب؛ لكن الأمة ليست بمقدورها الحرب وهذا لا يختلف عليه اثنان، لكن هناك طرائق خفية لذا أقول: بعض أهل الصناعة القانونية من المعاصرين كتب في هذا المجال، آخرهم أني اليوم قرأت في جريدة الحياة لأستاذ اسمه محمود المبارك ذكر طرائق قانونية، ونبه على أن الميثاق الأوروبي ينص في المادة (29) على أن حرية التعبير عن الأديان مقيدة بألا تضر حرية الآخرين، وهذا في دول تحكم القانون في الغرب، فينبغي الاتكاء على مثل هذه في محاكمتهم، لا أعني محاكمة الفرد لكن قضية الضغط على الحكومات من باب القوانين التي يؤمنون بها ويبثونها في الناس. هذا من جهة العمل الرسمي، وللأسف أن الموقف الرسمي من دول العالم الإسلامي لا يرقى إلى أدنى ما هو مطلوب تجاه تجدد نشر الصور. أما ما يتعلق بعامة المسلمين فيظهر أن الدعوة إلى المقاطعة الاقتصادية على الأقل وإن لم تكسر لهم شوكة في الغالب، فإنها تشفي بعض العلة، فالتجديد لها أمر محمود مطلوب في ظني؛ ولذا أنادي بالمقاطعة. والأمر الثاني: قضية عملية، وهو أننا نعمل جاهدين على نصرته صلى الله عليه وسلم بنشر هديه وبعث سنته في الناس وفي الغرب، ونبدأ بالعمل الفردي والجماعي في نشر سننه صلى الله عليه وسلم وهديه والدين الذي جاء به. وهنا كلمة قالها العلامة الشيخ: عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين وفقه الله وحفظه عندما حصل الحادث الأول قال: إن الدنماركيين أساءوا إلى نبيهم؛ لأن نبينا صلى الله عليه وسلم نبي لنا ونبي لهم؛ لأن كل من جاء بعده فهم من أمة الدعوة، فالدنماركيون ليس لهم نبي إلا نبينا صلى الله عليه وسلم، وهم مأمورون شرعاً بالإيمان به واتباعه صلوات الله وسلامه عليه، فهم أساءوا إلى نبيهم ونبينا في آن واحد، لكن الفرق بيننا وبينهم أننا من أمة الإجابة ولله الحمد وهم من أمة الدعوة. وهذا أمر يجب أن ينشر في أبنائنا وبناتنا على مستوى المؤسسات وغيرها، وقلت: لابد أن يرتقي الموقف الرسمي إلى منظمة المؤتمر الإسلامي، والغريب أنهم يدعون أحياناً للقاءات أو لقمم في أمور هي أدنى من هذا بكثير.

العمل الفردي في نصرة النبي صلى الله عليه وسلم

العمل الفردي في نصرة النبي صلى الله عليه وسلم الملقي: أخشى أن يفهم من كلامك التقليل من الجهود الفردية، مع أنه عندما تتخلى الجهات الرسمية وعندما نفقد العمل المؤسسي لا يبقى أمامنا إلا العمل الفردي؟ الشيخ: الجهود الفردية تنقسم إلى قسمين مثل العمل التعبدي، فالشرع لا يأمرك أن تسأذن أحداً في نافلة أو تستأذن أحداً لصلاة التراويح، لكن إقامة جمعة أو عيد لابد فيه من إذن الإمام. وكذلك النصرة؛ عندما تقاطع لا يستلزم أن يوافق أحد فلا يلزم أن يوافقك الناس على أنك لا تشتري منتوجاً دنماركياً، وعندما تريد أن تحيي السنة فهذا واجب حتى لو لم يسيئوا للنبي صلى الله عليه وسلم؛ لكن عندما تريد أن تذهب إليهم لتتحدث باسم المسلمين وتناقشهم وتتفق معهم على خطوات، فهذا ليس من حقك. وهذا خطأ كبير وقع فيه كثير من المعاصرين في عدة جهات، منها جهة الإساءة للنبي صلى الله عليه وسلم، وأحياناً في تقرير القتال، وأمور كثيرة لا تخفى. إن القضية الأساسية أنه لا يحق لأحد أن يتصرف باسم الأمة في أمر يهم الأمة كلها، فإما أن يأخذ إذناً شعبياً أو إذناً رسمياً، بل لابد منهما معاً حتى يمكنه أن يتحدث أما أن يأتي فلان ويأخذ معه شخصين أو ثلاثة ويقال لهم: نحن نخاطبكم باسم المسلمين فماذا تريدون وماذا نريد، هذا ليس من حقي ولا من حقك! أسأل الله أن يخزيهم، وهؤلاء يظهر أنهم أشباه عجول ليس لهم عقول، حتى دنيوياً وسياسياً ليس هذا تصرفاً محموداً بصرف النظر عنه دينياً.

العمل الفردي في نصرة النبي صلى الله عليه وسلم

العمل الفردي في نصرة النبي صلى الله عليه وسلم الملقي: أخشى أن يفهم من كلامك التقليل من الجهود الفردية، مع أنه عندما تتخلى الجهات الرسمية وعندما نفقد العمل المؤسسي لا يبقى أمامنا إلا العمل الفردي؟ الشيخ: الجهود الفردية تنقسم إلى قسمين مثل العمل التعبدي، فالشرع لا يأمرك أن تسأذن أحداً في نافلة أو تستأذن أحداً لصلاة التراويح، لكن إقامة جمعة أو عيد لابد فيه من إذن الإمام. وكذلك النصرة؛ عندما تقاطع لا يستلزم أن يوافق أحد فلا يلزم أن يوافقك الناس على أنك لا تشتري منتوجاً دنماركياً، وعندما تريد أن تحيي السنة فهذا واجب حتى لو لم يسيئوا للنبي صلى الله عليه وسلم؛ لكن عندما تريد أن تذهب إليهم لتتحدث باسم المسلمين وتناقشهم وتتفق معهم على خطوات، فهذا ليس من حقك. وهذا خطأ كبير وقع فيه كثير من المعاصرين في عدة جهات، منها جهة الإساءة للنبي صلى الله عليه وسلم، وأحياناً في تقرير القتال، وأمور كثيرة لا تخفى. إن القضية الأساسية أنه لا يحق لأحد أن يتصرف باسم الأمة في أمر يهم الأمة كلها، فإما أن يأخذ إذناً شعبياً أو إذناً رسمياً، بل لابد منهما معاً حتى يمكنه أن يتحدث أما أن يأتي فلان ويأخذ معه شخصين أو ثلاثة ويقال لهم: نحن نخاطبكم باسم المسلمين فماذا تريدون وماذا نريد، هذا ليس من حقي ولا من حقك! أسأل الله أن يخزيهم، وهؤلاء يظهر أنهم أشباه عجول ليس لهم عقول، حتى دنيوياً وسياسياً ليس هذا تصرفاً محموداً بصرف النظر عنه دينياً.

معنى آية الراسخين في العلم

معنى آية الراسخين في العلم المقدم: إن الله عز وجل قبل أن يثني على الراسخين في العلم ابتدأ بالثناء على نفسه ثم تطرق إلى الثناء على الراسخين في العلم، نريد معنى الآية إجمالاً! الشيخ: قال الله جل وعلا: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُوْلُوا الأَلْبَابِ} [آل عمران:7]. إنزال الكتاب من أعظم ما تمجد الله به وامتن به على خلقه، فالكتاب هنا القرآن: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ} [آل عمران:7]، هذا الكتاب منه آيات محكمات وأخر -أي: غير المحكمات- متشابهات. إذاً: في القرآن محكم ومتشابه، فالمحكم ما لا يمكن صرفه إلى غيره، فهو واضح الدلالة، مع خلاف العلماء في معنى المحكم لكن يفيء كله إلى هذا. والمتشابه هو ما لفظه أو تركيبه يحتمل معنى يوافق المحكم ويحتمل معنى لا يوافق المحكم؛ لكن هذا الاحتمال ناجم من اللفظ والتركيب لا من المراد، وهذا القيد مهم جداً في فهم القضية، أعني أن لفظ المتشابه وتركيبه يختلف عن المحكم؛ فلا يظهر المراد لك جلياً كما يظهر في المحكم. إذاً: المراد من المحكم ومن المتشابه واحد لكن لفظ المتشابه يختلف عن لفظ المحكم، فلفظ المتشابه يحتمل معاني أخر، لكنها غير مرادة، وهذا مهم جداً، ويتضح ذلك بمثال: قال الله تبارك وتعالى عن عيسى: {وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ} [النساء:171] فجاء النصارى وقالوا: يقول الله: إن عيسى روح من الله فلم تعارضون أن عيسى ابن الله والله يقول: (وكلمة منه)؟ هذا المتشابه المراد منه واحد، وهو إثبات شرف عيسى، وهو المقصود من المحكم، فالذي فهموه غير مراد أبداً لكن اللفظ يساعد على فهمه لكن أتوا من أنهم لم يردوا المتشابه إلى المحكم، لهذا قال الله: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ} [آل عمران:7]. ومعنى: ((هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ)) أي: أصل الكتاب، أي: أصل يرجع إليه. وعندما نأتي لهؤلاء النصارى نقول: هذا المتشابه ردوه إلى المحكم، لأنا إذا رددناه إلى المحكم تتضح الصورة، والله يقول عن عيسى: {إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ} [الزخرف:59]، فهذه آية محكمة تبين أن عيسى عبد، وقال تعالى: {مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلانِ الطَّعَامَ} [المائدة:75]، فهذه كلها آيات محكمات تدل على أن عيسى بن مريم عبد ورسول وبشر وابن لآدم، فنرد إليها المتشابه. لهذا قال الله: {فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ} [آل عمران:7]، وقبل أن نتجاوز هذه النقطة نذكر أن البعض يسمع محاضرات بعض العلماء والدعاة فيأخذ المتشابه منها ويجعلها أصلاً وينسى أن للشيخ كلاماً محكماً لو التبس عليه بعض كلامه لوجب أن يرده إليه. لأن المحاضر والمدرس عرضة لأن يخطئ عرضة لأنه لا يحسن التركيب وإن كان مراده صحيحاً، وسأقول لك قصة حصلت لي شخصياً: أنا كنت أتكلم في مسجد عن آية: {إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ} [يوسف:28]، وأنها وردت في القرآن حكاية عن عزيز مصر ولم ترد في القرآن مسندة إلى الله، وهي من كلام الله. فأنا أشرح الآية ولا أتكلم عن أسماء الله ولا عن صفاته، فما أحسنت اللفظ والتركيب فقلت: هذه جاءت على لسان العزيز وليست على لسان الله. في اللفظ عندما قلت: (على لسان الله)، لكن ليس المراد من كلامي أن أثبت أن لله لساناً؛ لأن الله لا يوصف إلا بما وصف به نفسه أو وصفه به رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيأتي إنسان في قلبه مرض ويقول: هذا لا عقيدة له.

الرسائل النصية بالأذكار المجربة

الرسائل النصية بالأذكار المجربة Q في الآونة الأخيرة انتشر استخدام الرسائل النصية بالأذكار وبطريقة مجربة ونحو ذلك؟ A توسع الناس في هذا وبعضه لا أصل له، وقد يقول قائل: أنت ذكرت في هذا البرنامج قضية {رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ} [الأنبياء:89]، فأقول: لكن قلنا: إن {رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ} [الأنبياء:89] قلناها لأنها مبنية على نفس المسألة، أعني: أن زكريا عليه السلام ابتلي بأنه لا ينجب. فنحن لم نأت بشيء من عندنا فإن الله قال: {هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ} [آل عمران:38]، ذكرت في آل عمران وذكرت في الأنبياء. المقصود أن الآية بنفس السياق، لكن هناك توسع عددي وتوسع رقمي ما أنزل الله به من سلطان بدأ ينتشر. أما التحديد بأربعين فقد نازعني فيها كثير من الفضلاء، وحق لهم ذلك وقولهم قوي، لكن يقول الله: {حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً} [الأحقاف:15]، والأنبياء بعثوا على رأس الأربعين والله جل وعلا واعد موسى أربعين، ثم التجربة التي حصلت أولاً كانت أربعين، ومع ذلك أقول: أنا لا ألزم التقيد بالأربعين، قد تأتي أكثر، قد تأتي أقل، وقد تكون مرة واحدة، يعني: ليس نفعها ملتصقاً بعدد أربعين. فيدعو الإنسان ولا يحدد، لكن لو حدد بأربعين لا أجد فيها حرجاً؛ لأن هذا مبني على التجربة. أما أن يقاس عليها مسائل أخرى في كل موضوع فأقول: لابد أن يفرق بين المسألة التعبدية والمسألة الطبية، فهناك فرق كبير بين القضيتين.

التعامل مع الذين أعادوا نشر الرسوم المسيئة لرسول الله صلى الله عليه وسلم

التعامل مع الذين أعادوا نشر الرسوم المسيئة لرسول الله صلى الله عليه وسلم

حكم الرد على الدنمارك برسوم تسيء إليهم

حكم الرد على الدنمارك برسوم تسيء إليهم Q سائلة تقول: هل يمكن ممارسة نفس الأسلوب يعني: أن نعيد لهم الرسوم؟ A هذا طرحه بعض الكتاب المعاصرين الأقوياء، وأظنه جيداً لكن السؤال: ماذا ينشر؟ لأنه لا يمكن أن ينشر صورة عيسى؛ فإنه كفر.

إعادة الرسوم المسيئة بقصد توعية المسلمين بما حدث

إعادة الرسوم المسيئة بقصد توعية المسلمين بما حدث الملقي: بعض الغيورين عندما أراد أن يهاجم الدنمارك ويرد عليهم حاول أن ينشر هذه المسألة بين المسلمين بأن يوعي المسلمين بأن هناك إساءة في الدنمارك؛ لكن هذه التوعية كانت مصحوبة بإعادة الرسوم مرة أخرى، فما رأيكم؟ الشيخ: لا يعيد أبداً، والمسلم يكفيه مجرد إخباره أن النبي صلى الله عليه وسلم تعرض للإساءة.

المقاطعة الأبدية لبضائع الدنمارك

المقاطعة الأبدية لبضائع الدنمارك Q هل المقاطعة للدنمارك تكون مؤقتة، أي: كلما جددوا الإساءة جددنا المقاطعة أو تكون أبدية؟ A أنا أرى أنها تبقى إلى الأبد، مثل هؤلاء لا يتركون فتطلب مقاطعتهم حتى يعتذروا جميعاً وهم صاغرون.

الكلام على آية الراسخين في العلم

الكلام على آية الراسخين في العلم

موضع الوقف في الآية

موضع الوقف في الآية الملقي: هل نقف على قوله تعالى: {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ} [آل عمران:7]، أو نصل فنقول: {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ} [آل عمران:7]؟ الشيخ: هذه مسألة اختلف فيها أهل العلم والأئمة رحمة الله تعالى عليهم أحياء وأمواتاً من قبل، يقول الله جل وعلا: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ} [آل عمران:7]. أنا أقول: إنه يجب أن نحرر معنى كلمة (تأويل)، لأنه لا سبيل إلى معرفة مكان الوقف في الآية حتى نعرف معنى كلمة (تأويل)، وأنا سأسرد أقوال العلماء: قال بعض العلماء وهو قول ينسب إلى الجمهور: إن الوقوف على لفظ الجلالة: {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ} [آل عمران:7]، والواو بعد ذلك استئنافية، أي: {وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ} [آل عمران:7]. وقال مجاهد وبعض أئمة التفسير: إن الواو عاطفة فيقرأ: {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ} [آل عمران:7]، فيكون قوله: {يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ} [آل عمران:7]، جملة حالية من الراسخين. والصواب عندي والعلم عند الله أن الحق يعرف بعد معرفة معنى كلمة تأويل، وكلمة (تأويل) في القرآن وردت بمعنيين: وردت بمعنى تفسير، ووردت بمعنى حقيقة الشيء وكنهه ومآله. فإذا عبرناها بأنها حقيقة الشيء وكنهه ومآله وجب الوقف على لفظ الجلالة؛ لأن هذا لا يمكن أن يعلمه إلا الله، ومنه قول الله جل وعلا: {وَلَقَدْ جِئْنَاهُمْ بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ * هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ} [الأعراف:52 - 53]، أي: يأتي مآله، فهذا لا يمكن أن يعلمه إلا الله. أما إذا قلنا: (تأويل) هنا بمعنى التفسير وبيانه للناس بياناً لا يصل إلى معرفة حقيقته وكنهه، فهنا الصواب عندي أن يوقف على قوله: {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ} [آل عمران:7]، يصبح الراسخون في العلم يعلمون تفسيره للناس، الفخر الرازي رحمه الله وعفا عنه لا يرى الوقف على الراسخون في العلم ويرى الوقف على لفظ الجلالة، فيقول: لو كان الراسخون في العلم يعلمون تأويله لما بقيت لهم مزية؛ لأن المحكم والمتشابه صار عندهم شيئاً واحداً، فانتفى الأمر القلبي؛ لأنهم أصلاً عرفوا تأويلها بالعلم، هذا رأيه، وعندي أن هذا القول حجة عليه لا حجة له؛ لأن الله لو أراد القضية القلبية لقال: والراسخون في الدين، في الإيمان، في اليقين يقولون آمنا به، لكن الله قال: {وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ} [آل عمران:7]. أعني لأن الثناء بالإيمان القلبي يأتي في الأمور التي يسلم الإنسان فيها، ولا يعرف حكمتها، أما الإيمان العلمي فيأتي في الأشياء التي يعرف الإنسان حقيقتها ويعرف المراد منها. فأقول: إذا كان المقصود بالتأويل هو إدراك حقيقة الشيء وكنهه فهذا لا يعلمه إلا الله، ونقف على لفظ الجلالة، وإذا كان التأويل تفسيره وبيانه للناس فهذا يوقف على {وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ} [آل عمران:7]، وأظن أن الآية إلى الثاني أقرب، والعلم عند الله. الملقي: لكن بالنسبة للقارئ هل يختار أن يحمل المعنى على ما يريد ويقف في الموقف الذي يراه؟ الشيخ: بالنسبة للقارئ فإنه يقف حسب ما يعتقده؛ لكن كما قلت إنه ممكن أن يقف على قوله: {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ} [آل عمران:7]، ثم يقول: {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ} [آل عمران:7] يصير كأنه جمع بين القولين.

الحكمة من ورود المتشابه في القرآن

الحكمة من ورود المتشابه في القرآن الملقي: ما الحكمة من ورود الآيات المتشابهات، وكيفية التعامل مع هذه الآيات؟ الشيخ: الحكمة منها أولاً: لو كان القرآن كله محكماً لصار حال الناس في التسليم واحداً؛ لكن المتشابه يقصد منه في المقام الأول أن المؤمن يؤمن به فيعلن بذلك استسلامه لربه تبارك وتعالى وخضوع قلبه لخالقه، قال الله: {وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا} [آل عمران:7]، أي: المحكم والمتشابه، فأول حكمة من إيجاد المتشابه أن تخضع القلوب لعلام الغيوب جل جلاله. الأمر الثاني: الله جل وعلا كرم الإنسان بالعقل، والعقل إذا لم يعمل مات، فعندما يكون في القرآن متشابه يكون مضماراً تجري في أقدام العلماء فيبحثون في القرآن، والعلماء لا يزالون يستنبطون منه ويأخذون ويقتبسون من سناه، فدراسة المتشابه وكيفية رده للمحكم مجال عظيم لأهل العلم، وهذا المجال العظيم فيه إذكاء لعقولهم، فعندما يكون إذكاء لعقولهم يكون معناه أن الرب جل وعلا كرَّم عقل المؤمن بهذا. الأمر الثالث: أن القرآن عربي، كلام العرب جاء على ضربين: كلام موجز يفهمه كل أحد، وكلام يحمل كنايات وإشارات وتلويحات لا تدل على المعنى المراد مباشرة، فالقرآن جاء بطريقتهم وأسلوبهم، فجاء بالمحكم وجاء بالمتشابه، فالمحكم يوافق كلامهم الموجز الذي لا يختلف عليه اثنان، والمتشابه يوافق كلامهم الذي يحمل عدة معان؛ فكأن الله جل وعلا يتحداهم بجنس كلامهم، أي أن الله يقول لهم: جئتكم بقرآن يحمل الضربين اللذين تتفوقون فيهما، أي: فأنتم لا تقدرون على مجاراة محكمه ولا على مجاراة متشابهه. فهو إمعان في التحدي وإمعان في الإعجاز اللغوي.

الأذكار التي تقال في الركوع والسجود

الأذكار التي تقال في الركوع والسجود Q سائل يسأل عن صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم سواء في الركوع والسجود هل يجب على الإمام أن يلتزم بجميع الأذكار الواردة؟ A النبي صلى الله عليه وسلم خير من صلى وصام وأفطر، شافع مشفع في عرصات يوم المحشر، وقد نقلت عنه صلى الله عليه وسلم أذكار، هذه الأذكار تنقسم إلى قسمين في الركوع والسجود: فأذكار لابد من الإتيان بها، وهي قول: سبحان ربي العظيم في الركوع، وسبحان ربي الأعلى في السجود. فما زاد على ذلك كقوله صلى الله عليه وسلم في الركوع: (خشع سمعي وبصري وعظمي وما استقلت به قدمي لله رب العالمين، سبحانك اللهم وبحمدك أستغفرك وأتوب إليك، لا يغفر الذنوب إلا أنت)، وأضرابها فهذا يقال حيناً ويترك أحياناً، ويفرق الإنسان ما بين حاله وهو إمام وما بين حاله وهو منفرد. فإن كان مأموماً فلا شك أنه تبع لإمامه، لكنه إن كان إماماً يتحرى عدم الإطالة، وكذلك لا يتوخى التقصير المخل، وإنما لابد أن يكون هناك طمأنينة في الركوع والسجود ولا تكون هناك إطالة تجعل الناس ينفردون. ومعلوم حديث معاذ في القضية، إلا أنني أود أن أعطي فائدة، وهي أن معاذاً كان يصلي بقومه فكان يصلي وراءه شاب فالشاب عندما كان معاذ يطيل ترك الصلاة وانصرف، فغضب معاذ وتفرس فيه أنه منافق فذهبا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فكلاهما قال ما عنده، هذا يشتكي معاذاً أنه يطيل ومعاذ يشتكي أن هذا يترك الصلاة ويخرج، فقال صلى الله عليه وسلم: (أفتان أنت يا معاذ؟)، قال هذا الشاب: وسيعلم معاذ إذا قيل أقبل العدو من الذي يثبت؟ فحدثت غزوة بعدها فتقدم الشاب الصفوف ومات شهيداً، فقابل النبي صلى الله عليه وسلم معاذاً ومعاذ رضي الله عنه وأرضاه من أجلاء الصحابة فقال له صلى الله عليه وسلم: (ما فعل صاحبك أو ما فعل خصمك؟ قال: يا رسول الله! صدق الله وكذبت!)، معاذ يقول: (كذبت) بمعنى أخطأت، وليست كذبت بمعنى أني قلت خلاف ما أعتقد، وهذا وارد من كلام السلف. وأيضاً: الرجل صدق الله في نيته فصدقه الله، فعندما كان يقول: سيعلم معاذ إذا أقبل العدو من الذي يثبت؟ كان صادقاً في دعواه، فهنا انظر إلى فقه رجل لم يتحمل الإطالة ومع ذلك ثبت في مواطن عظيمة جليلة.

تعليق على قوله: (فما ظنكم برب العالمين)

تعليق على قوله: (فما ظنكم برب العالمين) Q سائل يطلب تعليقاً منك على قوله تعالى: {فَمَا ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [الصافات:87]؟ A هذا من محاورة نبي الله لقومه، والمقصود من كلام الله هنا جملة تسفيه آراء القوم كيف أنهم يعظمون أصناماً ويعبدون أوثاناً ثم يغفلون عن تعظيم رب العالمين جل جلاله.

الصفات السلوكية للراسخين في العلم

الصفات السلوكية للراسخين في العلم الملقي: ما هي الصفات التي لابد أن تتحقق في الراسخين في العلم، فإن طلبة العلم والعلماء كثر لكن من هو الذي نقول: هذا راسخ في العلم؟ الشيخ: يقولون عن مالك رحمه الله: كان إذا حدث بالحديث يتوضأ ويعتدل في جلسته، وإذا تكلم في الفقه رحمه الله قعد كيفما اتفق. الكلام في الراسخين في العلم كلام مهيب مخيف وأرجو أن أكون أهلاً لأن أتكلم فيه وأنقله للناس، فيعرف الراسخ في العلم بأربعة أشياء سلوكية: التقوى بينه وبين الله، والتواضع بينه وبين الناس، والزهد في الدنيا، والمجاهدة بينه وبين نفسه. وتحرير ذلك: أنه لا يمكن أن نصف أحداً بأنه عالم راسخ في العلم وقلبه خال من التقوى لا في السر ولا في العلانية، ولا يمكن أن يوصف هذا بأنه عالم أصلاً؛ لكن التقوى درجات، فينبغي أن يكون الراسخ في العلم في أعلى درجات التقوى بامتثال أوامر الله واجتناب نواهيه، أن ينظر الناس إليه كقدوة فلا يجدون فيه إلا تقوى الله، وليس الأمر بالتمني والتحلي ولكنه تطبيق عملي، وهذا مضمار أو شرف كل يدعيه والناجون فيه قليل، والحاصلون عليه أقل. فينبغي للعالم الحق الراسخ في العلم أن يكون تقياً، وهذا أشرف المواطن وما بعده مندرج فيه. فإذا قلنا التواضع بينه وبين الناس فمن أخطائنا أن الشيطان يغلبنا أحياناً فيجعل تلقينا للعلم لينظر إلينا الناس، لنتصدر في المجالس، وهذه أمور تبقى في النفس سيأتي الحديث عنها، وعندما يشاهده الناس عالماً مبجلاً، إذا وجد هذا التبجيل تبعاً فلا يمكن للإنسان أن يمنع الناس منه إلا إذا رآهم يغالون، ولا يضره عندما لا يكون مطلوباً له، وكيف يعرف أنه غير مطلوب له؟ يعرفه حين لا يبقى في قلبه شيء على من لم يبجله، ولا يسعى لمكان يرى أنه يبجل فيه ويترك مكاناً لا يبجل فيه، اللهم إلا مكاناً لا يريد منه الناس أن يتكلم فيه، فهذه مسألة أخرى. فهذا الأمر الفاصل في قضية أن الإنسان يكون فيه تواضع مع المسلمين، والنبي صلى الله عليه وسلم سيد العلماء كما هو سيد الأنبياء، والقدوة في تواضعه. أما إذا كان العالم يترفع على الناس بعلمه ويطلب من الناس ثمن علمه اجتماعياً بأن يتكبر عليهم ويرى أن له الحق عليهم والتقدير والتبجيل فهذا قد يقال إنه أخذ حقه في الدنيا، فلا يأتي يوم القيامة وهو يؤمل أن يجد شيئاً عند الله، والله جل وعلا كلما عظمت محبته لعبد عظم ما ادخره له. ولهذا أقول والعلم عند الله: لأمر ما قال الله عن خليله إبراهيم: {وَآتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنِ الصَّالِحِينَ} [العنكبوت:27]، وذلك حتى لا يفهم أحد أن إبراهيم عندما أخذ أجره في الدنيا ليس له شيء يوم القيامة، أعني: أن الأصل أن من أخذ أجره وافياً في الدنيا ليس له شيء يوم القيامة، فيقال: {أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا} [الأحقاف:20]، لكن لأن إبراهيم كان لا يريد بعلمه ودعوته إلا الله وفاه الله أجره في الدنيا وقال: {وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنِ الصَّالِحِينَ} [العنكبوت:27]. فالمقصود أن التواضع للناس هو السمة العظمى للعلماء. الصفة الثالثة: الزهد في الدنيا في تعامله، والدنيا لا يكون الزهد فيها في ملبس أو هيئة الإنسان، يعني: لو أني أتيت إلى هذا البرنامج بشماغ مخرق ولا ألبس عباءة سيقول الناس: ما شاء الله، هذا الشيخ زاهد متواضع، هذا الشيخ لا يملك شماغاً، فكأني حصلت على الدنيا من وجه آخر، فثناء الناس من متاع الدنيا، ولو أتيت أرفل في الحرير وفي أمور عظام لقالوا: هذا متكبر على الناس. لكن يكون الإنسان كما كان النبي صلى الله عليه وسلم لما رزق النبوة منع الحرير وقصر الإزار وبقي يلبس كما يلبس قومه فلم يأت بجديد، ولهذا جاء النهي عن لباس الشهرة. يعيش مع الناس كما يعيشون في حياتهم العادية، فعندما يأتي إنسان يركب سيارة كامبرس وراتبه 10000 أو 12000 مثلاً فهناك توافق بين مركوبه وراتبه، فهذا أمر يجري على الناس كلهم، فهذا نوع من الزهد في الدنيا، أحياناً يأتي أناس لا سبيل لهم إلى جمع المال فيظنون أن هذا زهد وهو متشوف في قلبه لأمور عظيمة يريد الوصول إلى تلك الأمور لكن أقعده أنه لا يستطيع الوصول إليها. إنما الشأن كل الشأن من يستطيع أن يصل إليها ثم لا يأخذ منها إلا الكفاف والقناعة، هذا هو الزاهد في الدنيا حقاً، وهو من كانت الدنيا في يده ولم تكن في قلبه، وهذا أمر يقع فيه خطر عظيم، فأول فتنة وقعت في الأمة فتنة المال وفتنة الدنيا، فالخوارج أول الفرق ظهوراً ورأسهم الذي خرج من ضئضئه الخوارج ذو الخويصرة، لما قسم النبي صلى الله عليه وسلم غنائم حنين قال: اعدل! فقال صلى الله عليه وسلم: (ويلك! إن لم أعدل فمن يعدل؟ ثم قال: سيخرج من ضئضئ هذا أقوام تحقرون صلاتكم إلى صلاتهم). ولهذا قال العلماء إن أول فتنة كانت بسبب الدنيا فالدنيا لما ذكر الله زينتها قسمها فقال: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ} [آل عمران:14]، فأعظم ما يمكن أن يبتلى به طالب العلم قضية النساء، فقد يسرف الإنسان في الدخول في أمور نسوية تقوده عياذاً بالله من حيث لا يشعر وسط فتنة النساء فلا يستطيع الانفكاك منها؛ لأن المرأة غاية مرغوبة وزينة. وهذا ليس فيه تنقص للنساء؛ لكن من حق الرجل أن يحافظ على دينه. بعد ذكر النساء الله قال: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ} [آل عمران:14]، الإنسان يحب أن يرى الناس أبناءه في أبهى حلة، فيبحث عن المال بأي طريقة ليظهر أبناءه منعمين، وهذا يخالف الرسوخ في العلم. بعد ذلك جمع المال، وقد جاء في زماننا هذا الانفتاح الإعلامي، والانفتاح الإعلامي الحق أنه شهرة؛ لأن الإنسان يمجد ويبجل ويوسع له الطريق، فلا يجوز لمؤمن ينتسب إلى العلم أن يشتري بعلمه ثمناً قليلاً من الدنيا، لكن ما جاء عرضاً يحاول رده قدر الإمكان، ويقبله إن لم يكن فيه كبر في نفسه ولا ضرر على غيره، أما غير ذلك فلا يجوز لعاقل أن يأخذ حقه قبل أن يلقى الله. الصفة الرابعة: بعد الزهد في الدنيا مجاهدة النفس: فنحن بشر ضعفاء مركب فينا النقص، مركب فينا الحسد، مركب فينا الحقد، مركب فينا حب المال، مركب فينا حب النساء، مركب فينا حب الظهور؛ هذه أمور لا يمكن أن نسلم منها فيسعى المؤمن الراسخ في العلم حقاً إلى مجاهدة نفسه فمرة يغلب ومرة يغلب، فإذا غلب استغفر الله وآب وتاب، وإذا غلب حمد الله جل وعلا وأثنى على ربه حتى تبقى النعمة. هذه الأربع صفات سلوكية عظيمة في كل من يدعي رسوخاً في العلم.

الداعيات إلى الله

الداعيات إلى الله

حياء المرأة في تبليغ الدعوة

حياء المرأة في تبليغ الدعوة الملقي: سائلة تقول: الشخص إذا كان لديه علم لكن لا يستطيع إخراجه إلا لبعض الإخوان إما لحياء أو تهيب من الجمهور، فهل يعتبر هذا من كتمان العلم؟ الشيخ: أرجو ألا يكون من كتمان العلم، لكن تحاول أن تعود نفسها على أن تذهب الهيبة من قلبها، والحياء أمر محمود في النساء خاصة، لكن تجتهد قدر الإمكان فيمن تستطيع أن توصل العلم إليه.

تعليم الكبار أمور العقيدة

تعليم الكبار أمور العقيدة الملقي: من له أبوان أميان هل يعلمهم أمور العقيدة؟ الشيخ: لا يدخل في التفاصيل المعروفة فهذه صعبة عليهما، أعني خلافات العلماء وما إلى ذلك وإنما يعلمها معرفة الله وتبجيله وإجلاله، وذكر بعض الأذكار التي تظهر فيها العقيدة الصحيحة بجلاء كالاستعانة بالله وقول: لا حول ولا قوة إلا بالله، وأذكار الصباح والمساء وأضراب ذلك.

هيئة المرأة الداعية

هيئة المرأة الداعية الملقي: الأخت سلمى تتكلم عن وضع دور تحفيظ القرآن تقول: بعض الداعيات تتهم بالمنظر سواء من الداعية أو من المتلقية، والبعض تهمل هذا الجانب؟ الشيخ: تلبس ما يلبسه النساء إذا كانت في الدور وجرت العادة فيها، العبرة فيما يقال للنساء ألا يحملن التشديد والغلظة في الإلقاء ولا يكون هناك نوع من التساهل، الدين مضمونه واحد، لكن كيف نبلغه؟ هذا الذي يختلف الناس فيه، فلابد أن نراعي حال من نخاطبه، فمن كان محسناً يحاول أن يزداد، ومن كان مسيئاً نحاول أن نترفق به ونصل به إلى درجة أعلى.

الصفات الأخرى التي يجب تحققها في الراسخين في العلم

الصفات الأخرى التي يجب تحققها في الراسخين في العلم الملقي: أعود إلى الأمور الأربعة التي ذكرت أنها يجب أن تتوافر فيمن يكون راسخاً في العلم، لعلك تلاحظ -يا شيخ- أنها كلها أمور سلوكية، فهل يضاف إليها غيرها؟ الشيخ: نعم، هي أمور سلوكية لكنها فيصل عظيم، صحيح لابد من أمور مصاحبة أخر لكن هذه الأربع هي التي تكون فيصلاً في معرفة العالم الحق. ومما يضاف إليها: أن يعلم أن العلم نور يقذفه الله في قلب من يشاء من عباده، فهو فضل وفهم يؤتيه الله من يشاء، قال مالك رحمه الله: ليس العلم بكثرة الرواية ولكنه فهم ونور يؤتيه الله من يشاء. هذا القول تلقاه أهل العلم بالقبول؛ لأن السنة دلت عليه، فقد دل عليه حديث علي رضي الله عنه كما في البخاري: (هل خصكم النبي صلى الله عليه وسلم بشيء؟ قال: لا والذي فلق الحبة وبرأ النسمة إلا فهماً يؤتيه الله من يشاء بكتابه). قال الحافظ ابن حجر رحمة الله عليه في الفتح معلقاً على هذا: وهذا القول يؤيد قول مالك رحمه الله أن العلم نور وفهم يؤتيه الله جل وعلا من يشاء، قال بعض المالكية يمدح مالكاً على قوله هذا: ومن قوله المفيد غاية ليس العلم بكثرة الرواية لكنه نور في القلوب يضعه رب السموات لمن يشاء ر فعه البيت قريب من هذا! المقصود أن العلم نور يقذفه الله جل وعلا في قلب من يشاء هذا أمر يجب أن يتنبه الناس إليه عندما يريدون أن يتعاملوا مع العلماء أو أن يسلكوا طلب العلم، وهذا أمر ملحوظ، فكم من إنسان ثنى ركباً وقرأ أوراقاً ولم يبلغ فيه مبلغاً، وكم من إنسان فتح الله عليه بسرعة، ولا يعني ذلك أنه لم يطلب؛ لأن الحقيقية الثانية هي: كثرة الطلب. فلابد من الطلب، لكن متى يكون الطلب؟ كان بعض العلماء يقول: الطلب دون الأربعين، وبعد الأربعين يتفرغ للعبادة، لكن رد هذا بأنه عرف في الأمة علماء طلبوا العلم بعد الأربعين مثل حسن بن زياد اللؤلؤي أحد علماء الحنفية طلب العلم السبعين وفاق فيه وأصبح مفتياً وهو لم يبدأ الطلب إلا بعد السبعين، وكان أول ذلك كله عابداً. فكثرة الطلب والعناية الهامة جداً بعلم الآلة؛ لأن الإنسان إذا فقد علم الآلة لا يمكن أن يصل. وقد يكون وقت البرنامج داهمنا، لكن حتى يستفيد الناس أنصح نصائح عامة من خلال التجربة فأقول: العلم نور يقذفه الله في قلب من يشاء، ولابد أن تستصحب ذلك، فتسأل الله من فضله، ولا تبدأ حياتك العلمية بنقد الكبار ولا بالرد على مسائل اختلفوا فيها؛ لأنك تكشف بذلك عورتك. لا تطير قبل أن تريش، فليكن قبل الأربعين جمع ثم بعد الأربعين غربلة لذلك الجمع، ولا تبدأ بنقاش الكبار حتى لو أخطئوا؛ لأنك لا تملك الآلة إلى مناقشتهم. وأيضاً: لابد من الصبر وتقصي الحق في المسائل العلمية. محمد الأمين الشنقيطي لما جاء يناقش هل الطلاق الثلاث في مجلس واحد يقع وذلك في تفسيره للقرآن ذكر بحثاً مجملاً، ثم قال حتى يبين أنه يلم بشتات القضية: والقضية من حيث المنهج العلمي يمكن مناقشتها من ثلاثة أوجه: النص الصريح القولي أو الفعلي من حيث صناعة الحديث والأصول من حيث أقوال العلماء ثم بعد هذا أخذ يبين رأيه وترجيحه. المقصود من هذا ليس رأيه وترجيحه، المقصود من هذا أن ننظر كيف جمع النظر في صناعة الحديث وعلم الأصول والنظر في النص الصريح والنص الفعلي والنظر في أقوال العلماء، وهذا كله مفقود. ويأتيك أحياناً من طلبة العلم من لا يعرف إلا النتيجة ويظن أن الوصول إلى النتيجة هو العلم، والنتيجة قد ينالها الإنسان من فتوى، ولو كان هذا المسلك صحيحاً لكان آباؤنا وأمهاتنا علماء؛ لأنهم يقابلون المذياع ويسمعون فتاوى العلماء لكنهم لا يعلمون على أي أساس ركبت تلك الفتوى، وهؤلاء لا يمكن أن يسموا علماء ولا يمكن أن يسموا مفتين. وأنت تريد أن تكون عالماً مفتياً، وهذا أمر جداتنا في البيوت يسمعن قول فلان من العلماء أن هذا حرام، فعلمها أنه حرام ينفعها في دينها لكن لا يدل على أنها عالمة؛ لأنها لا تعلم لم حرم ولا تدري الآلة التي توصل بها الشيخ إلى العلم، ولا الطريقة العلمية التي توصل بها الشيخ إلى أن الفتوى صحيحة أو غير صحيحة. وهنا بعض الناشئة يبدأ بأخذ فتاوى العلماء ثم يأتيك يناقشك بناء على النتيجة، وهو لا يدري كيف وصل الشيخ إلى هذه النتيجة، وهذا كله قصور في الفهم وقصور في الطلب، ولا يمكن أن يكون به إنسان راسخاً في العلم. ثم لابد أن يجمع الإنسان إلى هذا النصح لدين الله ولرسوله، فالنصح هو الذي من الله به على أنبيائه ورسله {وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ} [الأعراف:68] من أراد أن يطلب العلم ليظهر جماعة أو حزباً أو ينال مالاً أو يحيي أمراً شخصياً أو ما إلى ذلك فليترك العلم لأهله، وحتى لو وصل لا يمكنه أن يكون في دين الله ذا شأن، ولا يمكن أن يعطى إمامة دينية وفق المنظور الشرعي. المنظور الشرعي يعطي الإمامة في الدين لمن يستحقها، لمن لا يريد بتعليمه للناس إلا وجه الله، ولا يريد بعلمه ولا بفتواه أن ينتصر لقول زيد أو قول عمرو أو الحزب الفلاني أو الجماعة الفلانية أو السلطان أو العامة، فكل هؤلاء يتجرد منهم. ثم مما ابتلينا به في زماننا أنه يأتيك النشأ فيقول: أنا أدين الله بهذا. وهو صادق في كلمة (أنا أدين الله بهذا) لكن Q هل أنت تملك الأهلية لأن تصل إلى هذا الحكم قبل أن تدين الله فيه؟ فالآن لابد من آلية، ثم الوصول إلى الحكم، ثم الديانة بهذا الحكم تأتي في الأخير، فهو يقرأ كتباً فإذا وصل إلى قول عالم من العلماء قال: هذا ما أدين الله به. أو يأتي عالم نحرير فيقول بعد كلام طويل: هذا ما أدين الله به، فيأتي هذا الغر في مجلس تعجبه هذه الكلمة فيضع رجلاً على رجل ويقول في مسألة لا يعرف ما الأقوال فيها ولا يعرف الصناعة النحوية ولا الصناعة الحديثية ولا الصناعة الأصولية، ثم يقول لك: هذا ما أدين الله به! أنت صادق في قولك لكن ارفق بنفسك يا بني فليس هذا هو العلم، تعلم كيف وصل هؤلاء الأكابر حتى قالوا هذه الكلمة، ثم قالوا ديانة: هذا ما أدين الله به. هذا وإن كان في قولنا بعض القسوة؛ لكن فقسا ليزدجروا ومن يك حازماً فليقس أحياناً على من يرحم إننا لأن يبغضنا الناس خير لنا من أن يحبنا الناس ونحن ننشئ جيلاً غير صحيح، هذه أمة محمد صلى الله عليه وسلم والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (الدين النصيحة، قلنا: لمن؟ قال: لله ولرسوله ولكتابه ولأئمة المسلمين وعامتهم). فمن حق عامة المسلمين علينا أن يبين لهم الدين، ولذلك أنت ترى الآن القنوات أفرزت أقواماً تصدروا الفتوى وليسوا أهلاً للعلم. قد يقول إنسان: إن هذه غيبة. أقول: هذه ليست بغيبة؛ لأن الحفاظ على الدين أهم من الحفاظ على الأشخاص، وحرمة الدين أعظم من حرمة الأفراد، ثم إن القضية تتضح في أنه أحياناً يأتي شيخ يتكلم بالعامية، الكلام بالعامية لا نمنعه حسب حال المخاطب؛ لأن المقصود نشل الناس من الضياع، لكن هناك فرق كبير بين رجل ذي علم جم يدرك المسألة حقاً ثم يريد أن يقرب الأمر للعوام فينزل لهم بلغتهم، هذا لا ضير فيه؛ لكن يأتينا من لا يدرك المسألة ويقولها بالعامية ويظهر من كلامه أنه أصلاً لا يفقه المسألة، فهذه مصيبة على مصيبة، العامية ليست عيباً، لكن يظهر من كلامه أنه لا يفقه المسألة، فينجم عنه أن العوام يحبونه؛ لأن لغته قريبة من لغتهم، لكن حب العوام ليس شهادة على أنه عالم. وأنا كنت في القاهرة قبل أيام فوضع لي أحد الإخوة في السيارة شريطاً لعالم أعلمه يتكلم باللهجة المصرية؛ لكن الرجل من كلامه ومن محاضرته يظهر لك أنه متمكن علمياً إلى حد كبير، مع أنه كان وقتها يتكلم باللغة العامية، فهذا الرجل العالم هو أبو إسحاق الحويني وفقه الله، وهو محدث كلامه كلام علمي وإن كان يقوله باللهجة المصرية لينفع الناس؛ لكن الرجل يتكلم كلاماً علمياً؛ لكن قد يأتي إنسان من أي بلد كان -سواء من بلادنا أو من غيرها- فيتكلم بالعامية ويسمع فتوى ثم يردد هذه الفتوى متكئاً عليها؛ لأن هذه الفتوى قالها عالم مشهور، وهو ليس له مستند إلا هذه الفتوى. ثم يدخل مع هذه الفتوى أمور يريد أن يوصلها للناس، ولا يجوز شرعاً أن يتصدر مثل هؤلاء. وينبغي الاعتناء بحرمة الدين والعلم، وهذا ناجم عما قلنا في الأول إنه لا يوجد تقوى ويوجد حب للدنيا، وهذان كفى بهما هلاكاً. فحب الدنيا مهلكة، لكن الناس يفهمون أن حب الدنيا ألا تمشي مع السلطان، مع أنه قد يأتي إنسان يمشي مع الأمراء وليس في قلبه من دنياهم شيء إنما يريد النصح لله ورسوله، ويأتي إنسان يمشي مع الضعفاء والبسطاء وهو لا يريد إلا يسلط الأضواء عليه، ثم إذا سلط الأضواء عليها نال من وراء ذلك ما الله به عليم. فالله جل وعلا أجل من أن يخادع، ويجب الإبقاء على حرمة العلم وحرمة الدين، والنظر الحق في كتب الأئمة من قبل، وإلا فإذا كان العلم أن يأتي الإنسان إلى الشاشات أو ما يسمى بالشبكة العنكبوتية ثم يضع اسماً ثم يفرز الأوراق التي جاءت على هذا الاسم ثم يحفظها ثم يقولها للناس: هذا علم؛ فعلى هذا يكون الناس كلهم علماء. أنا أغلظت في هذا لكنها والله رحمة بنفسي وبمن يسمعني!

كلمة عن وفاة الشيخ بكر أبو زيد رحمه الله

كلمة عن وفاة الشيخ بكر أبو زيد رحمه الله الملقي: فقد العلماء الراسخين يعتبر ثلمة في الدين ومصيبة كبيرة، وفي الأيام الماضية فقدنا الشيخ الراسخ في العلم بكر أبو زيد، نختم لقاءنا بكلمة حول هذا. الشيخ: نسأل الله أولاً أن يغفر له ويرحمه وأن ينور له في قبره، ويكتب له الأجر والمثوبة، وسأقول خصيصتين في هذا الرجل العظيم: الأولى: البحوث العلمية الجادة التي لا يراد بها الدرجة العلمية. مشكلتنا أن جميع بحوثنا درجات علمية، فلذلك حتى صاحبها يفعلها ويريد أن يترقى بها من أستاذ مساعد إلى أستاذ مشارك، ثم تركها ورماها ولا يعنى بتخريجها؛ لأنه أصلاً حصل بها المقصود، ثم ينتقل إلى درجة أخرى، لكن هذا الرجل رحمة الله تعالى عليه -العلامة بكر أبو زيد - كان يخرج بحوثاً علمية جادة رصينة في فقه النوازل، وبعضها في الأجزاء الحديثية، فينتفع بها الناس وليس المقصود من ورائها الدنيا فلذلك انتشر علمه. والأمر الثاني: وهو أن الله جل وعلا كان قد آتاه تمكناً لغوياً، ولئن قال الناس عن الفرزدق: إنه لولا الفرزدق لذهب ثلث لغة العرب فإنني أقول: لولا الله ثم بكر أبو زيد في عصرنا لذهب ثلث لغة العلم. فلغة العلم القوية الرصينة المتينة حافظ عليها الشيخ بكر أبو زيد رحمه الله في بحوثه العلمية التي تدل على علو كعبه في شأن اللغة. هاتان خصيصتان عظيمتان كانتا فيه رحمه الله.

كلمة عن وفاة الشيخ بكر أبو زيد رحمه الله

كلمة عن وفاة الشيخ بكر أبو زيد رحمه الله الملقي: فقد العلماء الراسخين يعتبر ثلمة في الدين ومصيبة كبيرة، وفي الأيام الماضية فقدنا الشيخ الراسخ في العلم بكر أبو زيد، نختم لقاءنا بكلمة حول هذا. الشيخ: نسأل الله أولاً أن يغفر له ويرحمه وأن ينور له في قبره، ويكتب له الأجر والمثوبة، وسأقول خصيصتين في هذا الرجل العظيم: الأولى: البحوث العلمية الجادة التي لا يراد بها الدرجة العلمية. مشكلتنا أن جميع بحوثنا درجات علمية، فلذلك حتى صاحبها يفعلها ويريد أن يترقى بها من أستاذ مساعد إلى أستاذ مشارك، ثم تركها ورماها ولا يعنى بتخريجها؛ لأنه أصلاً حصل بها المقصود، ثم ينتقل إلى درجة أخرى، لكن هذا الرجل رحمة الله تعالى عليه -العلامة بكر أبو زيد - كان يخرج بحوثاً علمية جادة رصينة في فقه النوازل، وبعضها في الأجزاء الحديثية، فينتفع بها الناس وليس المقصود من ورائها الدنيا فلذلك انتشر علمه. والأمر الثاني: وهو أن الله جل وعلا كان قد آتاه تمكناً لغوياً، ولئن قال الناس عن الفرزدق: إنه لولا الفرزدق لذهب ثلث لغة العرب فإنني أقول: لولا الله ثم بكر أبو زيد في عصرنا لذهب ثلث لغة العلم. فلغة العلم القوية الرصينة المتينة حافظ عليها الشيخ بكر أبو زيد رحمه الله في بحوثه العلمية التي تدل على علو كعبه في شأن اللغة. هاتان خصيصتان عظيمتان كانتا فيه رحمه الله.

سلسلة القطوف الدانية _الوفاء

سلسلة القطوف الدانية _الوفاء الوفاء خلق جميل وأمر ممدوح يأمر به الدين وتدعو إليه الفطرة السليمة، ويتفاخر به الناس من مختلف الاتجاهات، والأدب العربي والواقع الإنساني مليء بالقصص المتعلقة بالوفاء.

معنى الوفاء وأمثلته

معنى الوفاء وأمثلته

تعريف الوفاء

تعريف الوفاء الملقي: بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين. مشاهدي الكرام! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أهلاً ومرحباً بكم إلى حلقة جديدة من برنامجكم الشهري القطوف الدانية. حديثنا في هذه الحلقة بإذن الله تعالى سيكون عن سمة من سمات الخلق الكريم وصفة من صفات النفوس الأبية، صفة اتصف بها الباري عز وجل، ومدح بها خليله إبراهيم وسائر أنبيائه عليهم السلام، كما مدح بها الصالحين من عباده، إذا انتشرت بين الناس ملأت حياتهم صفاء ونقاء وظللتهم بروح المودة والإخاء والمحبة والألفة. الوفاء كلمة نعد أحرفها وتمتد معانيها لتشمل كل العلاقات والمعاملات مهما تنوعت مشاربها أو اختلفت مآربها، كلمة لها دلالتها العميقة على كرم نفوس أصحابها ونبل مشاعرهم. فما المراد بالوفاء، ولمن يكون، وما أساليبه وطرقه، وهل يمكن أن يكتسب كغيره من الصفات الحميدة؟ تساؤلات كثيرة أطرحها بين يدي ضيفنا الكريم في هذه الحلقة الكريمة التي أسعد فيها باستضافة فضيلة الشيخ: صالح بن عواد المغامسي، باسمكم جميعاً أرحب بشيخنا، فحياكم اللهم شيخ صالح. هذه الحلقة سيكون لها طابع خاص بإذن الله عز وجل؛ نظراً لأن الوفاء قريب إلى النفس البشرية الأبية، والنفوس التي تنطوي على شيء من الشيم تحرص على أن تحقق هذه الصفة. وفي التمهيد لهذه الحلقة نتكلم عن خلق الوفاء! الشيخ: باسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وأصحابه ومن والاه. نسأل الله التوفيق والإعانة، ثم نقول ابتداء: اللقاء اليوم سيأخذ منحى غير الذي كنا قد تعودناه فيما سلف، وقد تكون المواضيع السابقة مصبوغة بالشرع أكثر؛ لكن الوفاء قضية إنسانية، فأحياناً لا تكون محكومة بالشرع، بمعنى أنها تقع بين المؤمن والكافر، والبر والفاجر، وتقع حتى ما بين الإنسان والحيوان؛ هذه يحسن التنبيه له في أول الأمر. أما ما ذكرتموه من تعريف الوفاء، فالوفاء خلق متشعب، بمعنى أن له علاقة بأكثر الصفات الحميدة في الإنسان، فيغلب على تعامل الإنسان مع والديه، تعامل الإنسان في بيعه وشرائه، تعامل الإنسان مع أصدقائه وقرناء عمله، تعامل الإنسان مع كل من حوله حتى مع الجبال الصماء والديار البكماء تتعلق بالوفاء، فالوفاء لا يمكن حصر أوديته، لكنه -كما قلتم في المقدمة- كلمة معدودة الحروف متشعبة المعاني تشعباً كبيراً. لذلك سنحاول في هذا اللقاء أن نؤصل، ثم نحاول أن نذكر مجالات الوفاء، ثم نحاول أن نذكر غير ذلك مما يغلب على الظن أننا نخدم به من يسمعنا ويشاهدنا، لكنه غني بالأدب أكثر مما هو غني بالنصوص الدينية، فنقول: الله جل وعلا جعل الأنفس مختلفة الطبائع مختلفة المشارب، كما أن القبضة التي قبضها الملك الذي رفع القبضة إلى السماء قبضها من الأرض كلها طيبها وخبيثها، كذلك جاء الناس مختلفي المشاعر مختلفي الطبائع، لما قرره الله جل وعلا قدراً وسبق في علمه أن يكون الناس كذلك.

الغدر خلق ذميم

الغدر خلق ذميم وضد الوفاء هو الغدر، فهناك نفوس شريفة عفيفة أبية تحب العطاء وتقابله بما هو أحسن، وهناك نفوس طبع عليها الغدر، ولهذا فمن طبع على الغدر وكانت سريرته خبيثة يصعب تغييره. ومما يستطرف في هذا الجانب ما تحكيه العرب على ألسنة بعضها: أن رجلاً وجد جرو ذئب صغير جداً ليس له إلا يوم أو يومان، فأخذه وألحقه بشياهه بمعزه بأنعامه، ثم إن هذا الذئب رضع من الشياه ونشأ بين الضأن ولم يبصر ذئاباً وهذا الرجل يتعاهده بالطعام كما يتعاهد شياهه. فلما كبر هذا الذئب بقر الشاة وأخذ يفني في الغنم فقال ذلك الرجل أبياتاً يصور هذه الحالة وكان آخرها: فمن أنبأك أن أباك ذئب هذا التساؤل كان ينبغي ألا يطرح، اللهم إلا إن كان من باب البلاغة الشعرية. والمقصود أن الذئب طبعه الغدر فلا يستغرب منه، فعلى هذا يقال: إن من كانت هذه سريرته لا يثمر معه معروف ولا يكون متحلياً بالوفاء. أما الضد للوفاء فالعرب تزعم أن الإنسان يفر قدر الإمكان عمن سجيته الغدر واللؤم، وكلنا يسمع بصدر البيت الشهير: وعند جهينة الخبر اليقين. يقولون: إن رجلاً يقال له: الأخنس من جهينة خرج ووجد رجلاً يقال له: الحصين كلاهما فار من قبيلته، وكان يعرف عند العرب قديماً من يسمى بفئة الصعاليك، هذه الفئة تخرج للفتك والانتقام للنفس وجمع المال بأي طريقة كانت. فتلاقيا وكلاهما فاتك غادر، فأخذ كل منهما يتوجس خيفة من أخيه، ثم اتفقا على أن يكون فتكهما سوياً، فمرا على رجل من لخم كان عائداً من عند أحد الملوك يملك غنيمة، فلما سلما عليه رحب بهما وأكرمهما. فلما أكرمهما ذهب الأخنس لبعض شأنه، فلما عاد وجد صاحبه الحصين قد قتل اللخمي وأخذ ماله، فتعجب وقال: رجل أكرمنا -وكان الأخنس فيه شيء من الوفاء- وأطعمنا وسقانا وتصنع به هذا! قال: اسكت، فإنما لهذا ومثله خرجنا فأخذا يتناولان الطعام سوياً وكل منهما يحذر صاحبه؛ لأن السريرة طبعت على الغدر. فبينما هما يأكلان أراد هذا الحصين أن يغدر بصاحبه؛ لكن الأخنس كأنه فطن لها فقال له الحصين في جملة حديثهما يريد أن يلهيه: هل أنت زاجر؟ وكلمة (زاجر) كانت العرب إذا رأت ذا ذنب مقطوع أو طائر يطير يمنة أو يسرة يتفاءلون أو يتشاءمون به، فقال الأخنس: وما ذاك؟ قال: هذا العقاب الكاسر قال: وأين هو؟ فرفع الحصين رقبته يريد أن يشير إلى علو العقاب فأخرج الأخنس خنجره ووضعه في نحر صاحبه فمات، فأخذ الغنائم كلها وقدم بهم على ديار جهينة، وفي الطريق مر على بطنين من قيس يقال لهما: مراح وأنمار وقابل امرأة تسأل عن الحصين فقال لها: وما قرابتك منه؟ فقالت: أنا أخته صخرة. قال: لقد قتلته؛ لكنها احتقرته وقالت: ما مثلك يقتل مثله، فتركها ومضى إلى دياره، ثم وزع الغنائم على قومه، ثم وقف يقول: كصخرة إذ تسائل في مراح وفي جرم وعلمهما ظنون تسائل عن حصين كل ركب وعند جهينة الخبر اليقين والمقصود من هذا أن الغدر لا يكون من طبع الأوفياء، وقد قرر أبو تمام رحمه الله هذا إذ قال: إذا جاريت في خلق دنيء فأنت ومن تجاريه سواء رأيت الحر يجتنب المخازي ويحميه عن الغدر الوفاء فجعل الغدر ضداً للوفاء وجعل الوفاء ضد للغدر.

أسباب إدراك الإنسان لصفة الوفاء

أسباب إدراك الإنسان لصفة الوفاء الملقي: هل الوفاء صفة جبلية تطبع عليها النفس البشرية، أم أنها صفة مكتسبة، إذا كانت صفة مكتسبة فما هي الأسباب التي تكتسب بها؟ الشيخ: يجتمع فيها الأمران: جبلية ومكتسبة فتكون نبتة ربانية مغروسة في الأسرة التي ينتمي إليها الرجل والديار التي ينشأ فيها، ثم تكتسب من خلال التربية ومن خلال التجارب والتعلم. أما الأسباب فقد نسميها أسباباً أو فلنقل: مدركات أو نقول: ثمة أشياء حول الإنسان لابد أن يحتاط لها، فإذا عرفها حقق خلق الوفاء. ينبغي أن يعلم أولاً أن الله جل وعلا يحب معالي الأمور، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق)، فلما قدم صلى الله عليه وسلم كان للعرب خلق كريم وخلق ذميم، فالخلق الكريم لم يزحه النبي عليه الصلاة والسلام. والله جل وعلا يقول في سورة النور: {وَلا يَأْتَلِ أُوْلُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ} [النور:22]، فعبارة (أولو الفضل) تبين أن هناك قوماً لهم مزايا وعطايا وقوماً ذوي خلق نبيل شريف وموقف كريم. هذه النصوص الشرعية تبين لنا بجلاء أن الله تبارك وتعالى يحب معالي الأمور ما الوفاء؟ أحد أعظم معالي الأمور، فإذا أدرك الإنسان هذا أصبح في طريقه لبناء نفسه لابد أن ينطلق من أصل شرعي، فالأفعال أو الصفات أو الخصائص أو النعوت التي يحبها الله جل وعلا ينبغي للمرء أن يتحلى بها. فإذا كان الإنسان رفيعاً شريفاً يحب تلك الأمور -وهي تحتاج بالطبع إلى تضحيات- يهون عليه الأمر أن الله جل وعلا يحبها، والرب يقول: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} [آل عمران:92]، والعلماء يقولون: من صبر على ما يكره وأنفق مما يحب نال البر، ولا ريب أن الوفاء من أعظم خصائص البر؛ هذه الأولى. الثانية: الإنسان ينبغي أن يعلم أن الأيام دول. قد يقال: ما علاقة الوفاء بأن الأيام دول؟ و A أن الإنسان قد يكون وفياً لمن تغير عليه الأمر. فقل للشامتين بنا أفيقوا سيلقى الشامتون كما لقينا فلو خلج الكرام إذاً خلجنا ولو بقي الملوك إذاً بقينا فالمقصود أن الإنسان يعلم أن الأيام دول، فمثلاً: الإمام عبد الرحمن الفيصل آل سعود رحمه الله نزح إلى الكويت بعد أن سلب الملك، والملك عبد العزيز رحمة الله تعالى عليه مؤسس هذه البلاد انطلق من الكويت، وأميرها آنذاك هو الذي آوى الأسرة، فانطلق منها الملك عبد العزيز وفتح الله على يديه مدائن ووحد الله على يديه بلاداً وجمع الله على يديه الشمل وأقام هذه البلاد المباركة المشهودة. ثم دارت الأيام فتعرضت الكويت لما تعرضت مما لا يمكن أن يغفل عنه أحد وهو غزو العراق. ثم قدر أن يقوم الملك فهد رحمة الله تعالى عليه رحمة واسعة برد الجميل لأهل الكويت فتؤوى الأسرة الحاكمة من الكويت في ديارنا، ويدخل أهلها شرفاء أحراراً إلى ديارنا، ثم عادوا ولله الحمد والمنة ومن الله عليهم بما من عليهم، والمقصود من هذا أن الأيام دول. ومن عرف أن الأيام دول يحاول أن يصطنع المعروف، ثم إنه يبعد تماماً عن الشماتة، لماذا؟ لأنها سنة الله في خلقه، فالدنيا ككرسي الحلاق هذا يصعد وهذا يهبط، وأنت ترى هذا عياناً في سوق الأسهم ففي أيام كان هناك ناس أمسوا ولم يصبحوا. ولا يخفى أمر البرامكة وما كان لهم من علو كعب في دولة بني العباس؛ لكن ينبغي أن يعلم أن الأيام دول وأن الله يحب معالي الأمور. الأمر الثالث: أن الحياة مراحل، وعلاقة (الحياة مراحل) بالوفاء أنه لا يوجد عالم شهير عرفه الناس بين عشية وضحاها، ولا يوجد ملك مشهور بالقوة السياسية والعقلية وصل إلى الملك بين عشية وضحاها، ولا يوجد غني أغناه الله بين عشية وضحاها، لكن القضية أن الإنسان يمر في حياته بمراحل، وخلال مراحل حياتنا يكون هناك أناس صفوة. الشيخ: إذا خذلنا الغير يكون لهم دعم؛ فالأم تعكف على ولدها وتربيه وتتعاهده وترفض أن تتزوج من أجله، وإخوة يساعدون أخاهم يظنون به القدرة على العلم، أصحاب يعينون صديقهم على نوائب الدهر حتى يصل، طلاب يعينون شيخهم حتى يبلغ. وهكذا في سائر مجالات الحياة، فالحياة مراحل، فإذا وصل الإنسان إلى الغاية يجب عليه أن يبر من سبقت له عليه النعمة واليد كما سيأتي تحريره. وبعد العلم بأن الحياة مراحل وطن النفس على قضية. كذلك ينبغي أن يعلم أن الإحسان مما يسترق به رقاب الأحرار، يقول المتنبي: ومن لك بالحر الذي يحفظ اليدا إذا أنت أكرمت الكريم ملكته وإن أنت أكرمت اللئيم تمردا وقد جاء في السيرة العطرة والأيام النضرة لنبينا صلى الله عليه وسلم أنه في صلح الحديبية كانت قريش تبعث الرجال ليتناوبوا في المباحثات مع النبي عليه الصلاة والسلام. أحد الرجال الذي قدموا كان بذيء اللسان، فلما وقف عند النبي عليه الصلاة والسلام كأنه أراد أن يقترب من النبي صلى الله عليه وسلم بيده، وكان المغيرة بن شعبة رضي الله عنه واقفاً بالسيف على رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم فنحى يد الرجل بكعب سيفه، فلما نحى الرجل سأل هذا الرجل وهو بذيء اللسان قال: من أنت؟ يقول للمغيرة، قال: أنا المغيرة، قال: لولا أن يداً لك عندي لأجبتك، فعبر باليد عن النعمة. ومن باب الفوائد أن العرب تعبر باللسان عن الثناء، ومنه قول الله جل وعلا: {وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الآخِرِينَ} [الشعراء:84]، وتعبر بالقدم عن السعي: {وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ} [يونس:2]، أي: سعياً وعملاً صالحاً، وتكني باليد عن النعمة: ومن لك بالحر الذي يحفظ اليدا. فالمقصود: كما قال الأول: أحسن إلى الناس تستعبد قلوبهم فطالما استعبد الإنسان إحسان الإنسان لا يسترق قلوب الأحرار بأعظم من اليد؛ لأن الحر يحفظ اليد، فحتى لو تبدلت الأيام وتغيرت السنون فأظهره الله أو غيره يستحي، ومن هذا جاء وفاء النبي صلى الله عليه وسلم لـ مطعم بن عدي، لأن النبي عليه الصلاة والسلام دخل مكة بجوار مطعم بن عدي بعد عودته من الطائف، وكان المطعم كافراً ومات على كفر. ففي غزوة بدر أظهر الله نبيه فنظر عليه الصلاة والسلام للأسرى والقتلى فقال عليه الصلاة والسلام وهو المشرع للأمة وهو القدوة: (لو أن المطعم بن عدي كان حياً فكلمني في هؤلاء النتنى لتركتهم له)، لماذا ذكر المطعم دون سائر قريش؟ لا لقرابة وإنما ليد كانت لـ مطعم عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فكانت وفاءً له، فهذا يدل على ما حررناه من قبل. والمقصود من هذا أن الإنسان إذا أحسن يستجلب رحمة الله، وفي نفس الوقت يسترق قلوب الأحرار، يقولون: إن رجلاً من الخوارج خرج على الحجاج بن يوسف لظلمه، فظفر به الحجاج وعرف فيه الشرف فأعتقه ولم يقتله، فلما تركه ومضت الأيام ذهب الخارجي إلى قومه، فقالوا: هلم بنا نحارب هذا الخبيث مرة أخرى، فقال: هيهات، هذا لا يمكن أن يقع، وكما قيل: أسر يداً معتقها، وملك رقبة مطلقها. المقصود: أنه لما من عليه الحجاج وأعتقه جعل مانعاً له في حرب الحجاج مرة أخرى. والأنفس الأبية تعرف معنى الإحسان، ولا يمكن أن يكون الوفاء إلا في أقوام شرفاء عظماء أجلاء، وإن كان ذلك أمراً نسبياً يتفاوت الناس فيه كسائر الأمور؛ لكن المقصود أن هذه الخمس هي أعظم المدركات الذي يحتاجها المرء في الوصول إلى الوفاء.

مجالات الوفاء

مجالات الوفاء

ذكر مجالات الوفاء الأربعة

ذكر مجالات الوفاء الأربعة الملقي: بعد التأصيل الذي أصلتموه نرجو منك أن تعدد لنا مجالات الوفاء؟ الشيخ: مجالاته واسعة لكن يمكن أن نحصرها في: الوفاء في التعامل، والوفاء للوطن والحنين إلى الديار، والوفاء لذوي الحقوق، وهذا يشمل الوالدين والزوجة وغيرهما، والوفاء لذوي الأيدي أي: الوفاء لأهل النعم.

الوفاء في التعامل

الوفاء في التعامل وبدأنا به لأنه هو الأصل في الوفاء بحسب القرآن، قال الله تعالى: {وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ} [النحل:91]. الإنسان يعيش وسط مجتمع، سواء في مجتمع كافر أو مسلم، وسواء في مجتمع مدني أو قروي، هذه الخلطة بين الناس تدعو إلى الحاجة لأن يتأصل فيهم الوفاء في التعامل. ألفاظ التعامل يأخذ جوانب متفرقة، ولا نستطيع أن نقول إن له تعريفاً واحداً كما يصنع الفقهاء، لكن نقول: من ذلك الوفاء لمن استودعك وديعة ثم جاء من هو أقدر منك يطلبها. والعرب تضرب المثل بـ السموءل، وذلك أن امرأ القيس بن حجر، كان شاعراً وكان أبوه ملكاً، وكانت الملوك ترى أن الشعر يخل بالملك فكان الملك ينفي ابنه فانتفى امرؤ القيس عن أبيه وبعد عنه لشاعريته، ثم قتل حجر والد امرئ القيس وجاء الخبر لـ امرئ القيس فقال: ضيعني صغيراً وحملني دمه كبيراً، اليوم خمر وغداً أمر، لا صحو اليوم ولا سكر غداً، وأخذ يصنع ما يصنع لاسترداد ملك أبيه حتى دل على قيصر، وكان قيصر في أنقرة في تركيا. فلما أراد التوجه إليها دل على السموءل الذي كان يملك قصراً في تيماء البلدة المعروفة المباركة في بلادنا، فأخذ أسلحته وأدرعه وسائر أمواله واستودعها السموءل. ومات امرؤ القيس في تركيا، فجاء ملوك كندة يطالبون بالأدرع والأسلحة التي وضعت عند السموءل، ولكن السموءل اشترط أن يستلمها ورثة امرئ القيس، فطوق القصر ولم يجدوا سبيلاً إلى الوصول للسموءل؛ لكنهم وجدوا ابن السموءل خارج القصر فأخذوه وأبوه ينظر إليه وهددوه بقتله إن لم يسلم لهم المال، فأبى ذلك ووافق على أن ينحر ابنه أمام عينيه فضلاً عن أن يسلم الأدرع والأسلحة، فضربت به العرب مثلاً في الوفاء أي السموءل بن عادياء. يقول الله: {وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا} [النحل:91]، وكان النبي عليه الصلاة والسلام مضرب المثل في الوفاء في بيعه وشرائه وتعامله مع من كان يقرضه مالاً. وقد احتاج عليه الصلاة والسلام فاقترض ثم وفى وزاد في القضاء، فكان إذا أخذ بعيراً أو جملاً وفى بأكرم منه وأفضل، وهذا لا يسمى رباً إذا لم يكن عن شرط، فلا يدخل في الأثر المشهور: كل قرض جر نفعاً فهو ربا. غاية الأمر أن التعامل بين الناس ضابط في قضايا الوفاء، لكنهم يقولون: ما استوفى قط كريم، بمعنى: أن الكريم لا يأخذ حقه كاملاً إذا استوفى من الغير. وينبغي أن تفرق بين الوفاء الذي تعطيه لغيرك والوفاء الذي تطلبه من غيرك، والله يقول: {وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ * الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ * وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ} [المطففين:1 - 3]، أي: أنهم في الشيء الذي لهم يستوفون، وفي الشيء الذي عليهم يخسرون، فهذا يندرج تحت مضمون الوفاء. الغاية من هذا أن التعامل يتجلى فيه خلق الوفاء، كصاحب عمارة عنده أجير، فمعنى الوفاء بينهما في التعامل أن هذا يؤدي الذي عليه وهذا يؤدي الذي عليه، فصاحب العمل يعطي الأجرة كاملة (أعطوا الأجير أجره قبل أن يجف عرقه) وعلى الأجير أن يعمل مخلصاً لصاحبه، ولا يدخل بنية أن يتجمل سنة ثم يضيع حقوقه، فهذا ليس من الوفاء. هذا عنوانه العام (الوفاء في التعامل) ولهذا يقول الله: {يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ} [عبس:34 - 36]. وقدم الأخ لأنك عندما تتعامل مع أخيك وأمك وأبيك وصاحبتك وبنيك جرت العادة أن الإنسان إذا أراد أن يظلم أحداً من هؤلاء فإنه يظلم الأخ قبل أن يظلم أمه وأباه، ثم يوفي مع أمه وأبيه أكثر من وفائه مع أخيه، ثم يوفي مع زوجته وأبنائه؛ لأنه يشعر بالانتماء إليهم أكثر. قدم الله الأخ وهو لا يتكلم عن نصرة، إنما يتكلم عن مطالبة، والمعنى: إن الإنسان لا يفر عن البعيد؛ لأنه ليس بينه وبينه تعامل، فمثلاً: نحن هنا في الرياض ولنا إخوة في مصر وفي السودان وفي الجزائر، فأنا لا أفر منهم يوم القيامة ولا يفرون مني؛ لأنه ليس بيننا علاقة حتى يطالبوني بحسنة وأطالبهم بحسنة، لكن أفر من أخي لأنني أحتك به، أفر من أمي وأبي؛ لأنني أحتك بهما، أفر من زوجتي وأولادي في المقام الأخير؛ لأن احتكاكي بهما وظلمي لهما وارد لكنه ليس كورود الظلم على الأخ. هذه قضية الوفاء في التعامل، وأرجو الله أن تكون الصورة قد اتضحت جلية.

الوفاء والحنين إلى الوطن

الوفاء والحنين إلى الوطن الملقي: ومن صور الوفاء أيضاً الوفاء للأهل، والوفاء للأوطان كما قيل لأحد الحكماء: كيف تعرف وفاء الرجل؟ قال: بحنينه لأهله. وإذا كنتم ستتحدثون عن الوفاء للأوطان والديار فأتمنى منكم أن تتعرضوا لما تعرضت له بلادنا وبعض البلدان العربية من الخيانة والغدر، وما لهذه البلاد المباركة التي مدت يد العون من فضل بعد الله عز وجل؟ الشيخ: أحياناً تنشأ ثقافات غير شرعية، ومن الثقافات غير الشرعية أن بعض الناس يعتقدون أن حب الوطن ليس من الإيمان، وإذا قلت له حب الوطن من الإيمان قال: حديث ضعيف لم يصح. نعم لم يصح لفظاً لكن له معنى صحيح، قال الله جل وعلا: {وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا} [البقرة:246]، فقدم الله الديار على الأبناء ثم قال الله جل وعلا: {وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ} [النساء:66]، فجعل الخروج من الديار كقتل النفس، على هذا يقال: ينبغي أن يؤصل أن حب الأوطان شيء مغروس في قلوب كل شريف. وحبب أوطان الرجال إليهم مآرب قضاها الشباب هنالكا إذا ذكروا أوطانهم ذكرتهم عهود الصبا فيها فحنوا لذلكا لكن Q متى يحن الإنسان لوطنه، ومتى يجب عليه الوفاء؟ يجب عليه الوفاء متى قدر، لكن الحنين إلى الوطن يكون إذا ابتعد الإنسان، فالحنين شيء والوفاء شيء آخر، فالوفاء أن يسعى الإنسان في إثراء بلده، وفي تعريف الناس ببلده وما إلى ذلك من أمور، ومع هذا فالوفاء لا يكون إلا إذا حن إليها، يقولون: إن الصمة القشيري أحد شعراء عصر بني أمية أراد أن يتزوج ابنة عمه فوقع ما بين خذلان أبيه وطمع عمه، فاضطر الشاعر أن يخرج من أرض نجد إلى ديار الشام، فحن إلى محبوبته ريا وحن إلى تلك الديار وتذكر أيام طفولته، وتذكر المصطفاف والمتربع فقال: حننت إلى ريا ونفسك باعدت مزارك من ريا وشعباكما معا تلفت نحو الحي حتى وجدتني تعبت من الإصغاء ليتاً وأخدعا بكت عيني اليمنى فلما زجرتها عن الجهل بعد الحلم أسبلتا معا قفا ودعا نجداً ومن حل بالحمى وقل لنجد عندنا أن يودعا فليست عشيات الحمى برواجع عليك ولكن خل عينيك تدمعا هذا ما ذكر في حب الأوطان ولنا فيه استفاضة ستأتي.

الوفاء للأم والأب

الوفاء للأم والأب الملقي: معلوم أن الوالدين هم أولى الناس، فلنبدأ بالكلام عن الوفاء للوالدة كيف يكون في حال حياتها وأيضاً بعد ذلك. الشيخ: يقول الله وهو أصدق القائلين: {وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} [الأنعام:151]، فقرن الله حقهما بحقه جل وعلا، وليس لأحد منة على أحد أكثر من منة الوالدة على ولدها، وقال صلى الله عليه وسلم: (أمك ثم أمك ثم أمك ثم أبوك). فمن ذكر تجربة شخصية جهد الوالدة معه فهذا أمر محمود يدل على وفائه لوالدته. الوالدان يملكان من الشفقة ومحبة الخير لأبنائهم ما لا يمكن أن يدركه الأبناء إلا إذا أصبحوا آباء، ولذلك فمن ورث العقوق لوالديه والله لا يمكن أن ينجم عنه خير لغيرهما أبداً ولهذا جعل الله جل وعلا على لسان نبيه أن العقوق مما تعجل به العقوبة في الدنيا. والتاريخ فيه شواهد على من وفى مع والديه فأكرمه الله، ومن عق فأهانه الله، والنبي عليه الصلاة والسلام يقول لـ عمر وللصحابة عن أويس القرني: (سلوه أن يدعو لكم)، وأويس لم يكن صحابياً ولم يشهد بدراً ولا الحديبية ولم يبايع تحت الشجرة؛ لكن أويساً كان باراً بوالدته، فبره بوالدته ووفاؤه معها جعله مستجاب الدعوة، حتى يتبعه رجل في مقام عمر يطلب منه أن يدعو له. والمقصود من هذا أن الوالدة أحق الناس بالوفاء، ثم الوالد؛ فلا شك أنه لا أحد يحب أن يكون أحد أحسن منه إلا الوالد، فإنه يجب أن يكون ولده أفضل منه. المقصود من هذا أن الوالدين لهما حقهما العظيم، ولا حاجة للإطناب؛ لأنه من جهل هذا الأمر فلا أظنه يعرف شيئاً، فحقوق الوالدين والوفاء معهما من أعظم خصال البر الدالة على كرم النفس، ومن رأى أحداً يحمل جفاء وعقوقاً لوالديه لا يأمنه على شيء.

الوفاء للمعلم

الوفاء للمعلم الملقي: أشرتم حفظكم الله إلى أن الحياة مراحل، هذه المراحل يمر على الإنسان فيها شخصيات كثيرة يكون لها تأثير كبير لاسيما في الناحية التعليمة، وكل منا قد مر بتجارب كثيرة مع معلميه، فهذا المعلم يستحق منا الوفاء بالدعاء له والتواصل معه وخدمته بشتى الطرق التي يمكن للإنسان أن يخدمه من خلالها، فما قولكم في ذلك؟ الشيخ: المعلم شخص مر علينا في أيام حياتنا فأعاننا على الوصول إلى ما قد وصلنا إليه، والسلف رحمة الله عليهم قدموا نماذج عظيمة في ذلك، يقول أبو حنيفة: ما مددت قدمي تجاه بيت حماد وإن بيني وبينه سبع سكك إجلالاً له. وقال: والله ما صليت صلاة منذ أن مات حماد إلا ودعوت له مع والدي؛ براً بشيخي! وكذلك الإمام أحمد مع الشافعي رحمه الله. فهذه طريقة وهي الدعاء للمعلم والشيخ. وهناك طرائق أخر منها طريقة ابتكرها سيبويه، صاحب الكتاب المشهور، وكان من أشد مشايخه وأعظمهم الخليل بن أحمد الفراهيدي، فكان سيبويه إذا قال: (قال وزعم) وجد بالاستقصاء أنه يقصد الخليل بن أحمد فكان لا يذكر اسمه إجلالاً له، فيقول مثلاً: زعم يونس، قال فلان، ويذكر مشايخه الذين أخذ عنهم؛ لكنه إذا ذكر القول دون أن يذكر القائل أو ذكر الزعم دون أن يذكر القائل فإنما يقصد شيخه الخليل بن أحمد، وهذا من وفائه لشيخه، وفي الكتب المعاصرة وجدتها عند الشيخ محمد المختار بن محمد الأمين الشنقيطي ابن صاحب أضواء البيان متع الله به، وهو شيخ فاضل في الجامعة الإسلامية في علم الأصول، ففي كتبه ورسالة الدكتوراه التي حققها في الأصول يتعرض لمذكرة أبيه الشيخ محمد الأمين، فالعلاقة بينهما علاقة والد وولد، ثم إن كلاً منهما مؤلف، فكان لا يقول: (قال محمد الأمين) ولا يقول: (قال المؤلف) بل يقول: قال الشيخ محمد الأمين. وهذه تجمع بين البر الشرعي الذي أمرنا به وبين الوفاء للوالد، وهذه طريقة مكافأة المعلم، وقد نقل عن الأمين والمأمون أنهما قالا: من علمني حرفاً صرت له عبداً، وكانا بارين بالمعلم. من صور الوفاء للمعلم ذكره وتمجيده في المحافل مواصلته وزيارته وتقبيل رأسه إذا رأيناه بين الناس حتى لو وصلنا إلى مستوى أعلى منه إما بدرجة أكاديمية أو بشهرة وأمثال ذلك، ومن لم يكن له خير مع معلميه فلا خير له مع غيرهما. على أنه يدخل الحسد في الناس، كإنسان يطلب علماً عند أحد ثم يتعلم فيصيبه حسد على من علمه؛ لكن هذا لؤم لا يقع فيه إلا القليل.

الوفاء للأصحاب

الوفاء للأصحاب الملقي: من صور الوفاء أيضاً الوفاء مع الأصحاب والإخوان. الشيخ: الذين نعاشرهم من الأصدقاء الأصحاب الزملاء وقرناء العمل والجيران كلهم يحتاجون إلى وفاء، خاصة من كان بيننا وبينهم حرمة يقولون: إن موسى عليه السلام لما التقط التمرة جاء جبريل وجعلها في الجمرة، فكأنه أصاب موسى تشويه جزئي، فصار فرعون لا يريد أن يأكل مع موسى فيقال: إن الله حفظ موسى عن أن يأكل مع فرعون حتى لا تبقى بين موسى وفرعون حرمة مؤاكلة فيكون زوال ملك فرعون على يد موسى أمر لا غرابة فيه شرعاً ولا يتنافى مع خلق الوفاء الذي جعله الله جل وعلا في أنبيائه. ولهذا لما أضاف إبراهيم الملائكة قال الله عنه: {فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً} [هود:70]؛ لأنه إذا لم تقع مؤاكلة فهذا يشبه الغدر. نقول: الأصدقاء والخلطاء والأصحاب والجيران لهم حق الوفاء؛ لكن وسائل البر تختلف، فمن بر ذوي العشرة والصحبة ذكر الحميد ومواصلتهم وإعانتهم أيام أفراحهم، ومواساتهم أيام حزنهم.

الوفاء لأصحاب الأيادي البيضاء

الوفاء لأصحاب الأيادي البيضاء الملقي: هنا محور يتعلق بالوفاء لذوي الأيادي البيضاء؟ الشيخ: هذا المحور قد يكون عنصر الوفاء الأول؛ لأن الوالد يكرمنا لأنه والدنا، والوالدة تكرمنا لأنها والدتنا، والزوجة تكرمنا لأنها زوجتنا، والصديق لأنه صديق؛ لكن إذا كانت اليد من شخص ليس بيننا وبينه قرابة، أو بتعبير أصح: ليس بيننا وبينه ما يدفعه لأن يكون له يد علينا؛ فإنه يتأكد الوفاء معه؛ لأنه صاحب يد أولى، ومن كان صاحب يد أولى يستحسن أن نكافئه؛ لأن الذي يضع القلادة العظيمة في عنقك ويسترقك هو من ليس لك عنده حق، ثم ابتدأ بهذا المعروف. شخص -مثلاً- سمع أن فلاناً انكسر في تجارته فأتاه وليس بينه وبينه صلة فأعطاه مالاً أو أقال عثرته هذا له حق. طالب علم جاء شيخ فتبنى أن يفقهه وهو ليس طالباً رسمياً في مدرسة أو في جامعة، فهذا يدل على فضله وعلى إحسانه، وهو يستحق المكافأة في المعروف، هؤلاء هم أصحاب الأيدي. كذلك على العاقل أن يعرف أين يضع معروفه، قال المتنبي: ووضع الندى في موضع السيف بالعلا مضر كوضع السيف في موضع الندى وما قتل الأحرار كالعفو عنهم ومن لك بالحر الذي يحفظ اليدا لكن ينبغي أن يفرق الإنسان بين الوفاء والمعروف، فالمعروف إذا أردت أن تفعله فافعله في أي أحد: لا يذهب العرف بين الله والناس، أما ما ترجو وفاءه وما تصطنعه لأيامك فلابد أن تختار أناساً أحراراً شرفاء قادرين على أن يعرفوا قدرك إذا مكن الله جل وعلا لهم، ولا يكونون كما قال الأول: أعلمه الرماية كل يوم فلما اشتد ساعده رماني

الوفاء مع الله عز وجل

الوفاء مع الله عز وجل الملقي: هناك عنصر مهم قصدنا أن يؤخر إلى آخر الحلقة، وهو الوفاء مع الله عز وجل، البعض قد يستغرب من المحور يقول: كيف أكون وفياً مع الله عز وجل؟ الشيخ: يقول الله جل وعلا وهو أصدق القائلين: {وَإِذَا مَسَّ الإِنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَسَّهُ} [يونس:12]. أعظم الأدب هو الأدب مع الله، وأعظم الوفاء ما كان مع الله، وقد جاء في الأثر أن الله جل وعلا قال في كتابه الكريم: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ * أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ} [الأعراف:172 - 173]. جاء في الآثار أن الله جل وعلا كتب هذا العهد وألقمه الحجر؛ فلهذا ورد في حديث عبد الله بن السائب -وإن كان الحديث في سنده ضعف لكن أهل العلم على العمل به كما حرره ابن قدامة في المغني وغيره- أن الإنسان إذا طاف بالبيت يقول: اللهم إيماناً بك وتصديقاً بكتابك ووفاء بعهدك. ويقول الله: {إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا} [الأحزاب:72]، لا يحمل الإنسان فوق ظهره ثقلاً أعظم من أنه أنيط به عبادة الله تبارك وتعالى، والله قال عن أهل الحسرة أنهم يقولون: {يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ} [الزمر:56]. فمن أدى الشرع على الوجه الأكمل والنحو الأتم كان قد عرف الوفاء مع ربه تبارك وتعالى الذي أوجده من العدم ورباه بالنعم وأكرمه بما أكرمه به، وتعبده بأن يعبده وحده دون سواه، قال الله جل وعلا مثنياً على خليله إبراهيم: {وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى} [النجم:37]، قال قبلها: {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ} [البقرة:124] أي: قام بهن على الوجه الأكمل والنحو الأتم. والإنسان قلب يعتقد وجوارح تعمل على ذلك الاعتقاد، فإذا خلي بين الإنسان وبين قبره جاء الذين أودعوه القبر فحلوا عنه أربطة الكفن، فإذا حلت أربطة الكفن ووضع التراب على ذلك القبر رأى الإنسان بعد أن يسأله الملكان عمله، فإن كان ذلك العمل عملاً صالحاً رآه في هيئة حسنة يبشره برحمة من الله ورضوان، وإن كان غير ذلك -عياذاً بالله- رآه في هيئة سيئة يبشره بعذاب من الله جل وعلا وخذلان. ثم إن تلك الجوارح تقوم بين يدي الله، فيقول أهل الإشراك يوم القيامة: {وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ} [الأنعام:23]، فيقسمون بالله في ذلك الموطن أنهم ما كانوا أهل إشراك، فيختم الله على ألسنتهم، لأنهم كما قال صلى الله عليه وسلم في صحيح مسلم: (إن الرجل منهم يقول: يا رب لا أقبل شاهداً على نفسي إلا من نفسي، فإذا قال ذلك ختم على لسانه). تلك الجوارح كانت تعينه في الدنيا على معصية الله، فإذا رأت جلال الموقف وهيبة الوقوف بين يدي رب العالمين جل جلاله، فهي أول من يتنكر له ويتخلى عنه، فتنطق جوارحه بما كانت تعمل، قال الله جل وعلا: {الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [يس:65]. وقد اختلف العلماء في السبب الذي من أجله ختم على تلك الأفواه فقيل: السبب أنهم يقولون: {وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ} [الأنعام:23]. وقيل: إن شهادة من لا ينطق أعظم شهادة ما ينطق وهو اللسان. وأياً كان تعليل العلماء فإن ذلك كله يدل على أن المرء لا ينبغي أن يحسن في الوفاء مع أحد كوفائه مع ربه تبارك وتعالى. الله خلق الخلق وهو غني عنهم، وفي الحديث القدسي: (يا عبادي! إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا. يا عبادي! كلكم ضال إلا من هديته فاستهدوني أهدكم. يا عبادي! كلكم عار إلا من كسوته فاستكسوني أكسكم. يا عبادي! كلكم جائع إلا من أطعمته فاستطعموني أطعمكم. يا عبادي! إنكم تخطئون بالليل والنهار وأنا أغفر الذنوب جميعاً فاستغفروني أغفر لكم. يا عبادي! لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئاً. يا عبادي! لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد منكم ما نقص ذلك من ملكي شيئاً). يتحرر من هذا الحديث القدسي أن الله غني عن طاعة الطائعين ولا تضره جل وعلا معصية العاصين، فأعظم ما يقوم به العبد الوفاء لربه. ويكون الوفاء بأن يمتلئ القلب محبة لله جل وعلا وإجلالاً وتعظيماً له وإذعاناً، {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ} [البقرة:165]. ثم الطمع في رحمته، وهذا من حسن الظن برب العالمين جل جلاله، ثم الخوف من عقابه تبارك وتعالى؛ قال الله عن الصالحين من عباده: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ} [السجدة:16]، ثم ذكر مآلهم: {فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [السجدة:17]. ثم محبة نبينا صلى الله عليه وسلم، والشهادة بأنه رسول حق أدى الأمانة وبلغ الرسالة ونصح الأمة، وقام بواجب الدين على أكمل وجه، وشهد له أصحابه، وستشهد أمته عليه الصلاة والسلام أنه أدى الأمر على أكمل وجه. ومن محبته التأسي بخلقه والاقتداء بسيرته والاستنارة بما كان عليه عليه الصلاة والسلام من خلق جم وهدي قويم. ثم بعد ذلك تأتي الأعمال لتترجم تلك المعتقدات، ومن صلح قلبه صلحت جوارحه واستقامت، فالغدو والرواح إلى المساجد وحضور الجمع والجماعات وفاء لأمر الله تبارك وتعالى وتلبية لندائه الذي شرعه لعباده. صيام الهواجر والتقرب إلى الله جل وعلا بذلك الصيام سواء في رمضان وهو فرض أو في غيره من النوافل. الحج والعمرة، وأداء زكاة المال، وبر الوالدين، والقيام بحقوق الجيران، وكثرة ذكره تبارك وتعالى والتسبيح بحمده، وغاية تلك الشريعة السمحاء وما أنزله الله على رسوله من كتاب أو ما جاءت به السنة الصريحة فالأداء لها من الوفاء لرب العالمين. والإنسان في سيره إلى الله يعلم أنه لابد في عمله من التقصير، وكلنا خطاء وذو تقصير، ونحن لا ندعي كمالاً بل نرجوه، ونقول كما قال الصلحاء من قبلنا: اللهم لسنا برآء فنعتذر ولا أقوياء فننتصر، ولكن لا حول ولا قوة إلا بالله! نسأل الله أن يعيننا على أنفسنا حتى نقوم بحقه على الوجه الأكمل والنحو الأتم. سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.

الأسئلة

الأسئلة

من الوفاء للرسول صلى الله عليه وسلم نصرته واحترام أهل بيته

من الوفاء للرسول صلى الله عليه وسلم نصرته واحترام أهل بيته Q اذكر بعض الجوانب في الوفاء للرسول صلى الله عليه وسلم وآل بيته؟ A الوفاء للنبي صلى الله عليه وسلم تجسد في قضية المقاطعة، لكن نبه السائل إلى مسألة، وهي آل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونحن نمثل بأمر بسيط: فلو أن إنساناً موظف في دائرة حكومية ثم جاءه رجل يحمل ورقة فيها وصية لحامل الورقة. هذه الوصية نفرض أنها من أبيه أو من أمير البلدة أو من أستاذه أو ممن له حق عليه، فعلى قدر محبة هذا الإداري لكاتب الوصية يكون الإكرام لحاملها. فإذا لامه زملاؤه في العمل قال: هذا أوصاني به أبي، أو قال: هذا مبتعث من الأمير. وهذا حق لا ارتياب فيه، فكيف إذا كان الموصى عليهم قد أوصى بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم! فآل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم لهم حق عظيم لا ينبغي لأحد أن يجحده ولا ينكره، قال عليه الصلاة والسلام: (والله لن يؤمنوا حتى يحبوكم لإيمانكم وقرابتكم مني)، قال ذلك للعباس عندما شكا إليه جفاء قريش لنبي هاشم.

بر الأم بعد موتها

بر الأم بعد موتها Q ماذا يجب علي تجاه والدتي وقد ماتت، وكذلك أخي الذي كان لا يبرها في حياتها والآن يريد أن يتوب؟ A أما ما يجب عليك فقد حصره النبي صلى الله عليه وسلم في أمور: أولها: الاستغفار: فأعظم شيء أن تقول: اللهم اغفر لها وارحمها وتدعو لها بما يناسب حالها في قبرها. الأمر الثاني: الحج أو الاعتمار عنها، وهذا يصل أجره إليها بالإجماع. والأمر الثالث: أن تكثر من الصدقة عنها. فهذه من وسائل برها، كذلك تنظر في صواحباتها فتبرهن وتقوم بالسؤال عنهن كما كانت تفعل، وأي أمر غلب على ظنك أن والدتك ستفرح به لو كانت حية فاصنعه بعد وفاتها ما لم يتعارض مع كونها ميتة. أما بالنسبة لأخيك فالله جل وعلا يقول: {وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى} [طه:82]، فالتوبة بابها مفتوح، وقد فعل خطأ عظيماً فيما سلف؛ لكن باب التوبة مفتوح، ومن وسائل التكفير أن يفعل ما أرشدناك إلى فعله لكن الحق الذي عليه أكثر لما كان منه من تفريط أيام حياتها، والله الموفق والمسدد لكل خير.

نور القرآن

سلسلة القطوف الدانية _ نور القرآن القرآن الكريم حبل الله المتين ونوره الذي يستضيء به المؤمنون، والذي يقرؤه بتدبر وتفكر يعظم انتفاعه به، والتدبر له وسائل لابد من تحقيقها وتعلمها والعمل بها.

تاريخ مسجد قباء

تاريخ مسجد قباء

اسم المسجد وموقعه

اسم المسجد وموقعه بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الذي أحسن كل شيء خلقه، وبدأ خلق الإنسان من طين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء وسيد المرسلين صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، وعلى سائر من اقتفى أثره واتبع منهجه بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: فأولاً: من نعم الله علينا جميعاً أن وفقنا لأن نتدبر بعض آيات كتابه، فهذا مطلب عظيم، وموئل كريم، ومنزلة جليلة، فإذا كان هذا التدبر والتدارس يتم في مسجد مبارك -كمسجد قباء- فهذا أعظم منزلة وأرفع درجة، نسأل الله أن يخلص النيات. أما هذا المسجد فهو مسجد قباء، وقباء في الأصل مكان عرف بهذا الاسم (قباء) لأنها كانت بئراً، ثم عرفت المنطقة باسم البئر فسميت بقُباء، وهذا هو النطق الصحيح لها (بضم القاف). يقال فيه مسجد قباء، وهي تسمية قرآنية: {لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى} [التوبة:108] أي: مسجد قباء، وقال: مسجد بني زريق، كما ورد في الأحاديث. نقول: جرت عادة الناس أنهم يتبعون أوائلهم، والنبي صلى الله عليه وسلم أذن لأصحابه بالهجرة، فالمهاجرون الأولون قدر لهم أن ينزلوا ابتداء في هذه المنطقة المعروفة قديماً بقباء. كانت هناك داران في قبلة المسجد الآن -وقبلة المسجد جنوبية- دار كلثوم بن الهدم رضي الله عنه، ودار سعد بن خيثمة، وكان سعد أعزباً. وهذه الديار كانت لبني عمرو بن عوف، وجهة الشمال -جهة مسجد الجمعة- كانت ديار بني سالم بن عوف، فمن هاجر من أوائل الصحابة نزل هنا، فكان بدهياً عندما يأتي صلى الله عليه وسلم أن ينزل في نفس المكان الذي نزل قبله به أصحابه رضوان الله تعالى عليهم. والنبي صلى الله عليه وسلم على المشهور دخل قباء لثمان خلون من شهر ربيع الأول على غير رواية ابن إسحاق، والأظهر عندنا والعلم عند الله أنه صلى الله عليه وسلم ولد لتسع خلون من ربيع الأول، فيكون دخوله قد تم في يوم الإثنين الثامن من ربيع الأول للسنة الأولى من الهجرة، فهو ابن ثلاثة وخمسين عاماً بالتمام، فالقول الراجح عندنا أنه ولد في التاسع من ربيع الأول، ودخل المدينة في الثامن من ربيع الأول. لما نزل صلى الله عليه وسلم كان معه أبو بكر الصديق رضي الله عنه وأرضاه، فاستضافه كلثوم بن الهدم، ثم كان صلى الله عليه وسلم يستقبل الناس في دار سعد بن خيثمة، من هنا جاء الاضطراب في الروايات التاريخية هل نزل في دار كلثوم أو في دار سعد بن خيثمة. ثم أسس صلى الله عليه وسلم هذا المسجد المبارك لبني عمرو بن عوف. والصحابة لما هاجروا لم يؤسسوا مسجداً؛ لأنهم ما أرادوا أن يتقدموا بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فمثل هذه الأمور تسند للإمام الأعظم. ومن هذه السجادة تقريباً إلى محراب المسجد من توسعة عثمان رضي الله عنه وأرضاه، فإن عثمان رضي الله تعالى عنه وسع في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم توسعة جنوبية، قال بعض أهل التاريخ والسير: إنه كذلك وسع في مسجد قباء توسعة جنوبية، أي: إلى جهة القبلة، فالمسجد النبوي المؤسس أنا لا أستطيع أن أحدده، فلنقل: إنه إلى هذا العمود أو الخط. وكانت قبلته جهة الشام؛ لأن القبلة لم تكن قد حولت بعد، فكانت القبلة جهة الشام أي: جهة بيت المقدس، ثم لما نزل قول الله: {فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [البقرة:144] جاء التحويل إلى القبلة الجنوبية. وقلنا: هذه ديار بني عمرو بن عوف، وديار بني سالم بني عوف كانت في جهة الشمال، فلما خرج النبي صلى الله عليه وسلم من هاهنا ومضى أدركته الجمعة في مسجد الجمعة الآن، فصلى بها الجمعة كأول جمعة تقام في الإسلام، وذلك بعد ما أسس المسجد، وقد مكث في المسجد الإثنين والثلاثاء والأربعاء، ووضع أول لبنة، بدأ، فتبعه أبو بكر ثم تبعه عمر، ثم سائر الناس حتى بني المسجد، وكانوا ربما أنشدوا. قد أفلح من يعالج المساجدا ويذكر القرآن قائماً وقاعداً إلى غيره، وينسب هذا إلى علي رضي الله عنه، وينسب إلى عبد الله بن رواحة، وينسب إلى غيرهما، ويقال: هو من حفظهما، وهذا كله أمر واسع، ولا تثريب فيه. ذكرنا أن هذا المسجد أسسه النبي صلى الله عليه وسلم من أول يوم، والآية جاءت منقطعة الإضافة، فالله يقول: {لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ} [التوبة:108]، فجاء القرآن بكلمة (يوم) منونة، والتنوين هنا لا خلاف أنه تنوين عوضي، لكن ما اللفظة المحذوفة؟ هذا مختلف فيه، فإذا قلنا: التقدير: (من أول يوم نزلت فيه) مسجد قباء بالاتفاق. وقيل إن التقدير: (من أول يوم أظهر الله فيه دينه)، وهذا قال به بعض العلماء، وهو الذي اختاره السهيلي في الروض الأنف، وعليه يفهم إنه عندما أسس مسجد قباء أمن الناس، وأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يقدر على أن يؤسس مسجداً في مكة، لكن لما عزم صلى الله عليه وسلم على أن يؤسس مسجداً في المدينة دل ذلك على أن الله أعز الإسلام وأمن الناس، فهذا أول يوم أعز الله فيه الدين إعزازاً ظاهراً. ومن هنا يعلم القارئ للتاريخ فقه الصحابة رضي الله عنهم في أنهم جعلوا التاريخ يبدأ بالهجرة، لعلمهم رضي الله عنهم وأرضاهم أن الهجرة كانت فارقاً عظيماً، وبها ظهر إعزاز الدين وانتصاره، وكان ما كان من علو شأن الإسلام.

إتيان النبي صلى الله عليه وسلم مسجد قباء

إتيان النبي صلى الله عليه وسلم مسجد قباء المقدم: ما هو هدي الرسول صلى الله عليه وسلم في إتيان مسجد قباء ماشياً وراكباً؟ الشيخ: أتى النبي صلى الله عليه وسلم المدينة وأسس المسجد، ولم تكن تقام الجمعة إلا في المسجد النبوي، وكان بنو عمرو بن عوف منهم من يأتي مع النبي صلى الله عليه وسلم يصلي الجمعة، ومنهم من لا يقدر، ولما كان النبي صلى الله عليه وسلم شفيقاً رءوفاً بأصحابه كان يأتي قباء، فهو يأتي قباء لفضل المسجد، لكن الذي يظهر -والعلم عند الله ولا نجزم به- أنه توخى يوم السبت حتى يتفقد من لم يحضر الجمعة من بني عمرو بن عوف، فيأتي عليه الصلاة والسلام يوم السبت يتفقدهم ويسأل عنهم ويرى أحوالهم، مع فضيلة المسجد. وقد قال عليه الصلاة والسلام: (من تطهر في بيته، ثم أتى مسجد قباء فصلى فيه ركعتين) وليس المقصود الحصر، وإنما المقصود أن الركعتين هما أقل ما يمكن أن يصليهما المصلي، فهو مجرد ضرب المثل، يعني: أن الصلاة لا تقصد لذاتها، فمن أدرك فريضة، أو لم تبق له إلا ركعة واحدة من الوتر فصلاها هنا دخل في عموم الحديث، أو صلى تحية المسجد، أو صلى العشاء في بيته ثم تطهر وصلى هنا نافلة العشاء، أو المغرب، كل ذلك صحيح إذا أتى المسجد وصلى. وأما الفضل فما ورد في الصحيح أنه كان يأتي يوم الاثنين، وكان يأتي أحياناً يمشي، ومن يأتيه كذلك يحصل على أجر عمرة بنص كلامه صلى الله عليه وسلم، لكنها لا تغني عن عمرة الإسلام، وقد كان الناس وما زالوا يأتون من بيوتهم إلى مسجد قباء، حتى نساء أهل المدينة قديماً كن يأتين من بيوتهن التي تبنى حول المسجد النبوي، وهناك شعر عن هذا، لكن قدسية المكان لا تسمح لإلقائه. ومن أتى هذا المسجد خمس مرات وصلى خمس صلوات كتب له لكل صلاة أجر عمرة، وفضل الله أكبر وأوسع.

توسعة مسجد قباء حديثا

توسعة مسجد قباء حديثاً وأريد أن أذكر أن البناء لم يكن بهذه الصورة، إنما كان كما تيسر في تلك العصر، ثم ما زال ملوك الإسلام وخلفاؤه يعتنون بهذا المسجد، حتى وسع عام (1388هـ) في عهد الملك فيصل رحمة الله عليه، ثم في عام (1405هـ) تقريباً في عهد الملك فهد رحمه الله وسع هذه التوسعة التي ترى، وتشرف عليه وزارة الشئون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد، وأنا من هذا المنبر المبارك ومن هذا المسجد أشكرهم شكراً جزيلاً على موافقة الوزارة على أن تبث هذه الحلقة من هذا المسجد، وهذا معدود من رعاية الوزارة وفقها الله للدعاة والعلماء، ونشر الذكر ونشر الخير. وأخص بالذكر مقام معالي الوزير الشيخ صالح، وسعادة الأستاذ الدكتور توفيق السديري وكيل الوزارة لشئون المساجد، كما لا أنسى شكر سعادة مدير عام فرع الوزارة بالمدينة الدكتور محمد الأمين الخطري وفقه الله تعالى. فهؤلاء الصفوة المباركة وأمثالهم من الإداريين من نعرف منهم ومن لم نعرف نشكرهم على الإذن وعلى الرعاية لإقامة هذا اللقاء في هذا المسجد المبارك. وفي هذا السياق ننوه ونشكر كذلك موقع البث الإسلامي الذي يبث هذه الحلقة صوتاً، وكذلك موقع المسك الذي يبثها صوتاً وصورة، فجزاهم الله خيراً على هذا التعاون.

الحكمة من إتيان مسجد قباء راكبا وماشيا

الحكمة من إتيان مسجد قباء راكباً وماشياً المقدم: الرسول صلى الله عليه وسلم كان يأتي راكباً وماشياً، فهل هناك حكمة من ذلك؟ الشيخ: التنوع في أداء العبادة أمر مطلوب، يبعد السأم، ولو أدام صلى الله عليه وسلم القدوم مشياً لظن الناس واجباً، ولو أدام الإتيان راكباً لظن الناس أنه واجب، فتنويع النبي صلى الله عليه وسلم فيه طرد للسآمة والملل، وفيه كذلك الرفق بالناس، لأنه ليس كل الناس يستطيعون أن يأتوا راكبين، وليس كل الناس يستطيعون أن يأتوا ماشين، فكل أحد يأتي بما يقدر عليه، وهذه سنة النبي صلى الله عليه وسلم.

تناسب أجزاء آية تأسيس مسجد قباء

تناسب أجزاء آية تأسيس مسجد قباء المقدم: قال تعالى: {لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ} [التوبة:108] وفي نهايتها: {فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ} [التوبة:108] هل هناك مناسبة بين أول الآية وآخرها؟ الشيخ: هذا نزل في وصف أهل قباء من الأنصار رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم، لأن بني عمرو بن عوف من الأنصار، وكان ثمة منافقون صنعوا مسجداً آخر غير بعيد عن هذا، وهو مسجد الضرار، فأظهروا شيئاً وأردوا شيئاً آخر، لكن ما أضمروه لا يخفى على علام الغيوب، إذ قال الله: {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا الْحُسْنَى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ * لا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا} [التوبة:107 - 108] أي: مسجد الضرار، ثم قال: {لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى} [التوبة:108] والأشهر هذا، {مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ} [التوبة:108]، ثم ذكر قرينة على أن الإنسان يتوخى المساجد المعمورة بالعباد الصالحين، المعمورة بالركع السجود، خاصة إذا كانت قديمة، وهذا ذكره الحافظ ابن كثير رحمة الله عليه في تفسيره. قالوا: والقرينة قول الله جل وعلا: {فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ} [التوبة:108]، كان حب الطهارة فيهم جبلة، فكانوا يقضون حوائجهم ثم يغسلون بالماء ويستجمرون بالحجارة، فكان الأمر فيهم جبلة، والطهور شطر الإيمان كما قال صلوات الله وسلامه عليه.

الحكمة من ابتداء النبي بتأسيس المسجد في المدينة دون غيره

الحكمة من ابتداء النبي بتأسيس المسجد في المدينة دون غيره المقدم: نريد أن نختم الكلام على المسجد بذكر فائدة أن النبي صلى الله عليه وسلم حينما قدم المدينة بدأ بتأسيس المسجد، ولم يبدأ بتأسيس شيء آخر في الدولة الإسلامية، فهل هناك حكمة من ذلك؟ الشيخ: لا حياة للناس إلا بصلتهم بربهم، والرمز الأعظم لأن يصل الناس حالهم بربهم الصلاة، والرمز الأكبر الذي تؤدى فيه الصلاة المساجد، {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ * رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ} [النور:36 - 37].

تدبر القرآن

تدبر القرآن

الوسائل المعينة على فهم القرآن

الوسائل المعينة على فهم القرآن المقدم: الجميع يرغب أن يتدبر معاني القرآن، وقد انتشرت في الفضائيات العربية ظاهرة تفسير القرآن والتدبر، وأن الناس في ذلك ما بين مجتهد مصيب ومخطئ إلى آخره، لكن كيف نستطيع أن نمتلك آليات وأدوات فهم القرآن والتدبر، وتطبيقه في حياتنا، نأخذ منك تأصيلاً علمياً في فهم وتدبر الآيات! الشيخ: فهم القرآن العظيم وتدبر آياته، والاستضاءة بنوره مقصد شرعي عظيم، تطمح إليه كل نفس مؤمنة، وفضل الله واسع، لكن لما كان القرآن بهذه العظمة كان لابد أن يكون هناك مرحلة كبرى جداً للوصول إلى تدبر القرآن، وتدبر القرآن مقصود: {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ} [النساء:82]. وأعظم تلك المفاتيح يمكن إجمالها في أربع طرائق تعين على تدبر القرآن، أذكرها إجمالاً ثم أفصل: الأول: الابتعاد عن حطام الدنيا. الثاني: العلم بلغة العرب. الثالث: التتبع والسير على منهج سلف الأمة. الرابع: فهم مقاصد القرآن. هذا من حيث الإجمال. أما من حيث التفصيل فنقول: الأول: قال سفيان الثوري رحمة الله عليه: لا يجتمع فهم القرآن في قلب اشتغل بحطام الدنيا أبداً. فلا يمكن أن يجتمع حطام الدنيا مع فهم القرآن، هذا محال، فالاشتغال بحطام الدنيا أمر مهما قال الإنسان فيه إلا أنه ينجم عنه بعد عن تدبر نور القرآن. نحن لا نقول: إن كل من اشتغل بحطام الدنيا يحرم من فهم القرآن بالكلية، لأن هذا كلام عائم يؤخذ منه ويرد، لكن من تدبر حال الناس وجد أنه كلما كان الإنسان مشتغلاً بحطام الدنيا أكثر كان أشد انصرافاً عن فهم كلام الله جل وعلا. والله جل وعلا قال لنبيه: {وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ * لا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ} [الحجر:87 - 88] فبين الله جل وعلا أن حظك من القرآن أيها النبي الكريم يغنيك عن النظر إلى متاع الدنيا. وهذا هو الحق الذي لا مرية فيه، فعلى هذا فإن تدبر القرآن يوفق له عبد أحجم بنفسه عن جمع حطام الدنيا، ونحن نرى هذا في أنفسنا، كلما شغلنا بشيء من حطام الدنيا نجمعه قل تدبرنا وفهمنا للآيات. أما الجمع على سبيل جمع المعيشة ولأجل أن يعف نفسه فلا يقال له حطام الدنيا، لأن هذا من المطالب الرئيسة التي لابد منها لإطعام النفس والولد ومن يعول، وهذا لابد منه، لكن المقصود الانغماس فيها والانشغال القلبي، بحيث إن الإنسان يبيت ويصبح ويمسي وهو يحسبها بالدينار والدرهم، والله جل وعلا قال لنبيه في سورة طه: {نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى} [طه:132] بعد أن أمره بالصلاة، قال: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى} [طه:132]. والله جل وعلا تكفل لعباده بالرزق، وأمرهم بالعبادة له، فمن الخطأ العظيم أن ينشغل الإنسان بالرزق ويترك العبادة، فينشغل عما أمر به بشيء تكفل الله به، والله يقول: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا} [هود:6]، وقال جل وعلا: {وَكَأَيِّن مِنْ دَابَّةٍ لا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ} [العنكبوت:60]، فهذا يراه الإنسان في نفسه، وليس هناك أحد معصوم، لكن الانشغال بها يحجبك عن الفهم. لكن لا يفهم منه أن هذا الشرط يؤخذ بمعزل، فيأتي إنسان بكل أحد زاهد ويقول: هذا متدبر للقرآن، فهذا من جملة شروط لا تتوافر فيها جميعاً. الأمر الثاني: العلم بلغة العرب. قال مجاهد بن جبر المكي: لا يحل لأحد يؤمن بالله واليوم الآخر أن يقول في كلام الله حرفاً إلا أن يكون عالماً بلغة العرب. وقال مالك رحمه الله: لا أوتى بأحد يقول في القرآن وهو غير عالم بلغة العرب إلا جعلته نكالاً. وهذا أصل دل عليه القرآن؛ لأن الله قال: {بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ} [الشعراء:195]، فمن لم يفقه لغة العرب لا يحل له أن يقدم على أن يقول في القرآن، لأنه يفقد آلة عظيمة في فهم القرآن، وهي العلم بلغة العرب. من الأمثلة الواقعية على هذا ما ذكره الأئمة الكبار من قبل أن الله قال لنبيه نوح في القرآن: {حَتَّى إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ} [هود:40]، فاختلفوا في معنى (التنور)، فمن العلماء من قال: إن التنور من تنور الصبح إذا أضاء، ومنهم من قال: إن التنور إذا انبجس الماء، ومنهم من قال: إن التنور أشرف الأرض وأعلاها، ومنهم من قال: إن التنور المخبز المعروف، ومعلوم في لغة العرب أنه إذا قيل (التنور) إنما ينصرف إلى الموقد الذي يتخبز فيه. فعلى هذا قال الطبري رحمه الله وهو إمام المفسرين المشهور: فيجب هنا صرف كلام الله إلى المشهور من لغة العرب، ولا يوجه الكلام إلا للأشهر والمتعارف عليه من لغة العرب؛ لأن الله قال: {بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ} [الشعراء:195]. إذاً: هذا ثاني الشرائط، وهو العلم بلغة العرب. وقبل أن ندخل في الشرط الثالث نتساءل: ما هي حدود امتلاك الإنسان لفهم اللغة العربية، هل هناك خطوط عامة بحيث إذا استطاع أن يسيطر عليها فهم الكلام العربي؟ يفهم من النحو قواعده الإجمالية، صحيح أن هناك مسائل اختلف فيها الأئمة الكبار كنحاة البصرة ونحاة الكوفة، لكنها ليست مطلوبة، لكن الإجمال والإحاطة العامة ومعرفة مظان الاختلاف أمر مطلوب. العلم بلغة العرب وبأساليب العرب في كلامهم، لا يتأتى إلا إذا كان الإنسان قد اطلع على شعر العرب، قال عمر رضي الله عنه: الشعر ديوان العرب، فالاطلاع على المعلقات والشعر في صدر الإسلام وفي زمن الاحتجاج خاصة أمر مطلوب، حتى يعرف الإنسان طرائق العرب في كلامها، فعلى ذلك يفسر القرآن، ولذلك كان ابن عباس إذا قال في المسألة قولاً يسأله الناس: أوتعرف العرب هذا؟ فيقول: نعم، ثم يأتي بشاهد يدل على أن العرب تعرف هذا المقصد في كلامها. وزمن الاحتجاج استمر إلى عام (120هـ) تقريباً، قبل نهاية الدولة الأموية بعشر سنين تقريباً. الأمر الثالث: الاهتداء بمذهب السلف الصالح، والسؤال الأول: من هم السلف الصالح؟ السلف الصالح صحابة النبي صلى الله عليه وسلم رضوان الله تعالى عليهم أجمعين، وأعيان التابعين لهم بإحسان، والأئمة العدول ممن ساروا على منهجهم إلى يومنا هذا وإلى أن تقوم الساعة، وبالنسبة لكل أحد فإن من مضى قبله من الأئمة العدول سلف له، لكن ينطبق على أهل القرون المفضلة في المقام الأول، فمنهج الصحابة وأعيان التابعين لهم بإحسان هو الذي ينصرف إليه قولنا وقول الأئمة: السلف الصالح ومن تبعهم بإحسان. هؤلاء الأئمة رضوان الله تعالى عليهم لابد للإنسان أن يسير على منهجهم حتى يتدبر القرآن. ومن سمات منهج السلف الصالح: الأول منها: أنهم يقدمون النقل على العقل في تفسير القرآن عامة، وفي نصوص الأسماء والصفات خاصة. الأمر الثاني من سمات منهجهم رحمة الله تعالى عليهم: أنهم يجمعون بين القرآن والسنة. الثالث: من سمات منهج السلف الصالح: رفض ما دونه الفلاسفة والمتكلمون في الأسماء والصفات خاصة. الرابع: أنهم ينبذون التقليد الأعمى، ولا يتعصبون لمذهب بعينه، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمة الله تعالى عليه وهو يصف بعض سماتهم: وليس لهم متبوع إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهم -أي الصحابة- أعلم الناس بأحواله وأقواله وأعرف الناس بأحاديثه صحيحها وسقيمها رضوان الله تعالى عليهم أجمعين. فالسير على منهجهم وفق هذه الخطوط وغيرها من طرائق معرفة النصوص تعين على فهم القرآن.

التعامل مع الإسرائيليات في التفسير

التعامل مع الإسرائيليات في التفسير المقدم: ما يتعلق بالإسرائيليات والقصص وبعض الروايات المأثورة إذا كانت غير صحيحة أو يشك في صحتها، كيف نتعامل معها؟ الشيخ: ما ينقل عن بني إسرائيل أو ما يعرف بالإسرائيليات ثلاثة أضرب: الضرب الأول: أن يشهد له القرآن أو السنة فنقبله. الضرب الثاني: أن يشهد القرآن والسنة بمخالفته وبأنه غير صحيح، فنرده. الضرب الثالث: أن لا يشهد له القرآن ولا السنة بصحة ولا بخطأ، لا بصدق ولا بكذب، فيؤخذ منه ما يغلب على الظن أنه راجح أو أنه مكذوب، أو يستأنس به، لكن لا يجعل أصلاً يعتمد عليه أبداً. بعد ذلك هناك أمور تحفها قرائن يقال: من باب الاستئناس وأمثال ذلك، هذا كله لا بأس به، لكن القضية التي حاد الناس فيها مسألة الخوض في الأسماء والصفات، يعني: الخطأ جاء من المتأخرين في أنهم لم يطبقوا منهج السلف الصالح في الأسماء والصفات، مع أن منهج السلف الصالح في الأسماء والصفات ظاهر بين له أسس يقوم عليها.

معنى مقاصد القرآن

معنى مقاصد القرآن المقدم: الأمر الرابع في فهم القرآن: إدراك مقاصد القرآن، ونحن نقول: ما معنى مقاصد القرآن؟ ثم بعد ذلك ندرك هذه المقاصد. الشيخ: مقاصد القرآن، القرآن له مقاصد أرادها دل عليها القرآن {كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ} [إبراهيم:1] إذاً: دلت الآية صراحة على أن إخراج الناس من الظلمات إلى النور أعظم مقاصد الشرع، وأعظم المطالب إيجاد مجتمع مسلم له قيمه العظيمة التي يقوم بها ويؤمن بها ويعتمد عليها، ويشيعها في الناس، قال الله تبارك وتعالى: {رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [البقرة:129]، فتزكية الناس وتعليمهم مقصد شرعي عظيم للقرآن. نبذ الشرك ورد المظالم والبعد عن تعظيم أحد تعظيماً يخرجه عن الحد الشرعي، كل ذلك جاء الشرع به، في المساجد يقول الله: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا} [الجن:18]، وفي آية أجمع يقول الله: {فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ} [البقرة:256]. وفي قضايا العقائد يقول: {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ} [الأحقاف:5]. ومن عظيم مقاصد القرآن كذلك تأسيس مجتمع يكون له ولي أمر مسلم له بيعة في الأعناق، وله طاعة وله سمع، {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء:59]، {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا} [آل عمران:103]، {وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ} [النساء:83].

مصادر الخلل في فهم مقاصد القرآن

مصادر الخلل في فهم مقاصد القرآن فهذه أمور حفظها القرآن وجاء بها. جاء الخلل في الناس على أمرين: الأمر الأول: خلل في قضية المنهج في باب الأسماء والصفات، ولابد أن يعرف أن هناك أسساً ثلاثة قام عليها منهج السلف الصالح في فهم نصوص الأسماء والصفات، وهذه أجملها الأمين الشنقيطي رحمة الله تعالى عليه في أضواء البيان فقال: الأساس الأول: أن يعلم أنه يجب أن تنزه صفات الله جل وعلا على أن تشابه شيئاً من صفات المخلوقين، ودليل هذا من القرآن: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [الشورى:11]، وقول الله جل وعلا: {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} [الإخلاص:4]. الأساس الثاني الذي قام عليه منهج السلف في فهم الأسماء والصفات: أن نؤمن بما وصف الله به نفسه بأنه لا أحد أعلم بالله من الله، قال الله جل وعلا: {أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ} [البقرة:140]. ويندرج في الثاني: الإيمان بما وصف به النبي صلى الله عليه وسلم ربه جل وعلا، بأنه لا أحد من الخلق أعلم بصفات الله وأسمائه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ودليله من القرآن: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم:3 - 4]. الأساس الثالث: قطع الطمع عن إدراك الكيفية، فلا يبقى في النفس أي طمع في أن يصل إلى كيفية صفة الله. هذا محال، وقطع الطمع مبني على قول الله جل وعلا في حق ذاته العلية: {وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا} [طه:110]، فالإنسان إذا قطع الطمع عن إدراك الكيفية وآمن بما وصف الله به نفسه وبما وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم، ونزه صفات ربه جل وعلا أن تشابه صفة أحد من الخلق، إذا تحققت هذه الثلاث التي دل عليها القرآن العظيم عرف كيف ينجو في باب الأسماء والصفات. الأمر الثاني الذي جاء منه الخلل: النظرة السطحية للقرآن: فالنظرة السطحية ينجم عنها أن الإنسان يأتي للألفاظ وحرفيتها ويعتقد أنها هي المراد والمقصد، وهو لا يفقه مقصد القرآن، لأنه لا يملك آلة يراد بها فهم القرآن. هذان المنزعان للخلل المنزع الأول وقع فيه فرق مثل المعتزلة وغيرها، وهو أنهم لم يأخذوا منهج السلف الصالح في الأسماء والصفات. وأما عدم فهم مقاصد القرآن فقد وقع فيه الخوارج، فالخوارج يأخذون ظاهر القرآن ويقفون عنده، ولا يدركون ما وراءه، ويستدلون بما هو بمعزل تام عن القضية، فالخوارج الأولون كفروا علياً لأنه قبل التحكيم، وأين فهم الخوارج من فهم علي؟ ومع ذلك احتجوا عليه بآية لا علاقة لها بالقضية، وهي قول الله تعالى: {إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ} [يوسف:40]. فقالوا: أنت حكمت الرجال في دين الله، وفي إمارة المؤمنين، فتحكيمك الرجال في دين الله مناف لقول الله جل وعلا: {إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ} [يوسف:40]، فقال لهم ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: إن الله جل وعلا قال في الأرنب: {يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ} [المائدة:95]، فقال: إذا حكم الله جل وعلا الرجال في الصيد، فكيف بأمارة المؤمنين؟! إنه أوجب وأفضل، لكنهم وقفوا عند الحرفية. والخوارج المعاصرون ليس منزعهم واحداً، فبعضهم دفعه الحقد، وبعضهم دفعه الحسد، وبعضهم دفعه التغرير، وبعضهم دفعه الهوى، لكن بعضهم أفعاله الإجرامية التي تحصل والتي يخططون لها إنما تنجم عن الفهم القاصر في كلام الله تبارك وتعالى، وإتيانهم بنصوص يريدون تطبيقها وهي بعيدة جداً عن مرادها، لكنهم لقلة العلم والبصيرة مع الحقد أو الحسد أو صغر السن وقلة التجربة، أو التغرير أو استخدام من يستخدمهم لأغراضهم؛ نجم عنه ذلك الأمر. أما اجتزاء جزء من الآية وإخراجها عن السياق العام، فهو مصنف ضمن عدم فهم مقاصد القرآن، وليس الطبيب الحاذق من يهدم مصراً كاملاً ليبني قصراً، هذا ليس من دين الله في شيء، ودفع أعظم الشرين وتقديم خير الخيرين من أعظم مقاصد الشرع. قد يقال: هذه الأربعة شروط هل يمكن لأي إنسان لم يؤت نصيباً من العلم والفقه أن يتحصل عليها، أم أنها خاصة بالعلماء والراسخين في العلم؟ فنقول: إنها إذا وجدت يوصف صاحبها بأنه راسخ، فمن أدرك لغة العرب وتفرغ للعلم، وأدمن النظر في القرآن، وعرف مقاصده، وقرأ ما دونه الأكابر على منهج السلف ونظر فيما سطره الصالحون الأولون أصبح عالماً حقاً. وقبل ذلك لابد -أنا أتكلم عن المفاتيح الإجمالية العامة- من أشياء شخصية، كأن يكون الإنسان ذكياً فطناً ذا بداهة، جعل الله جل وعلا فيه أصل القدرة، ثم أخذ ينمي نفسه وقدراته بطلب العلم. يعني: هناك أصول حررها ابن عبد البر عندما تكلم في هذه المسألة، فهناك أصول عظيمة للدين يقرؤها الإنسان ويطلع عليها، ثم ينظر في كل فن ما دونه أهله، ما قاله كباره، ما سطره أئمته، فيستأنس بتلك الأفهام في فهم كلام الله جل وعلا.

كيف يبدع الإنسان في فهم القرآن

كيف يبدع الإنسان في فهم القرآن المقدم: شيخنا الفاضل توقفنا عند فهم مقاصد القرآن، وذكرتم الشروط الأربعة لفهم مقاصد القرآن، البعض يقول: حينما يستمع إلى تفسير معين يجد أنه ليس هناك شيئاً جديداً، فكيف يكون الوصول إلى استنباطات معينة في التفسير تنفع الناس في واقعهم؟ الشيخ: أصل المسألة أن فضل الله يؤتيه من يشاء، وقضية الدربة واعتماد الصناعة أمر بيد الله، ولكل ميدان فرسانه. وأحياناً يأتي لهذا الميدان شخص ليس من أهله، فلا يصل إلى المرتقى الصعب فيه، لكن على العموم لا نستطيع أن نقول: فلان من أهله وفلان ليس من أهله، هذا ليس لنا وغير لائق، لكن نقول: على المؤمن أن يتقي الله، وأن يعلم أن فهم كلام الله جل وعلا مطلب عظيم، لكن لا يجوز التقدم بين يدي الله ورسوله، والبحث بطرائق يتفق الناس على أنها غير موصلة إليه، فإكمال علم الآلة، وإدراك الإنسان هذا من نفسه وأن له الحق في أن يبحث في علم التفسير، يجعل له ذلك، أما أن يأتيه تطفلاً أو منازعة أو تشبهاً فهذا قد ينجم عنه -عياذاً بالله- ضرر كبير على النفس في الآخرة قبل الأولى.

تطبيق معايير فهم القرآن على آية: (وإذ قال إبراهيم رب أرني)

تطبيق معايير فهم القرآن على آية: (وإذ قال إبراهيم رب أرني) المقدم: قال تعالى: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي} [البقرة:260]، كيف نستطيع أن نطبق المعايير التي ذكرتموها في فهم وتدبر القرآن على هذه الآية؟ الشيخ: إبراهيم عليه السلام خليل الله وأعظم الأنبياء قدراً بعد نبينا صلى الله عليه وسلم، فيستصحب المفسر هذا الأصل قبل أن يقدم على الآية. فالآية لا تتحدث عن رجل يشك في إسلامه، ولا عن رجل ضعيف إيمان، بل تتحدث عن إمام الحنفاء الذي نسب الله الملة إليه، فإذا قال الله عن خليله عليه السلام: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى} [البقرة:260] انقطع إثبات الشك لإبراهيم، فمحال أن ينسب الشك إلى خليل الله عليه السلام. سلف الأمة الصالح أدركوا هذا، فلم يقل أحد إن إبراهيم شك في مسألة إحياء الموتى، فنفي الشك عن إبراهيم أول مقصود؛ لأنه إذا نسبنا الشك لإبراهيم فماذا سنقول في آحاد الناس اليوم! لكن إبراهيم عليه السلام أعظم الناس قدراً عند ربه بعد نبينا. أما معنى الآية فإن إحياء الموتى من أعظم ما تمدح الله به، {أَوَلَمْ يَرَ الإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ * وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ * قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ * الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الأَخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ * أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ} [يس:77 - 81]. وقال جل وعلا: {قُلْ سِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنشِئُ النَّشْأَةَ الآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَيَرْحَمُ مَنْ يَشَاءُ وَإِلَيْهِ تُقْلَبُونَ} [العنكبوت:20 - 21]. وقال جل وعلا: {فَانظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَةِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا} [الروم:50]، ثم قال: {إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِ الْمَوْتَى} [الروم:50]. فمن أعظم ما تمدح الله به هذا الوصف العظيم، فأراد إبراهيم أن يصل إلى عين اليقين في هذه المسألة، وهو شيء يراه بعد أن وصل إلى مرحلة حق اليقين، فهي استزادة إيمانية، ليست نابعة من شك، {قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي} [البقرة:260] أي: لأرتقي إلى مرحلة عين القين. فأجابه الله؛ والله لا يجيب شاكاً، إنما إجابة الله لإبراهيم قرينة على أن الله علم من إبراهيم صدق يقينه، وعظيم إيمانه، فرفع منزلته، بأن أطلعه على آية من آياته: {قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ} [البقرة:260]، (صرهن إليك) تتضمن جمعهن وذبحهن وتمزيقهن، {ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا} [البقرة:260]، وهذا شيء محسوس يراه الناس. {وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [البقرة:260]. هنا نأتي إلى مقاصد القرآن، فالقرآن أن يقول: إن إدراك المحسوسات أعظم تأثيراً في النفس من إدراك المعقولات، فالبراهين غير المحسوسة لا تؤثر في النفس كما يؤثر الشيء المحسوس، بدليل أن هذا المثل ضرب وقدم بخليل الله إبراهيم، فإذا كان قد أثر في إبراهيم فكيف بغير إبراهيم، يعني: إبراهيم وصل إلى منزلة عظيمة هي حق اليقين، فرفعه الله بأن أراه آية من آيات الله حتى وصل إلى منزلة عين اليقين. بعض أهل العلم -هنا يأتي الاستنباط- فهموا من الآية أن هذا من دلائل علو درجة نبينا صلى الله عليه وسلم، وهم متفقون على علو درجة النبي صلى الله عليه وسلم، لكن كيف يفهم هذا من الآية؟ قالوا: إن إبراهيم طلب أن يرى الآيات، {أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى} [البقرة:260]، أما محمد صلى الله عليه وسلم فإن الله أراه الآيات من غير طلب، {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا} [الإسراء:1]، فتوقيراً وتعظيماً له صلوات لله وسلامه عليه لم يطلب منه أن يسأل رؤية الآيات، وإنما أعطيت له هذه الآيات ليراها فيصل إلى درجة عين اليقين. لكن يستدرك على هذا الرأي أن الله قال في سورة الأنعام: {وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ} [الأنعام:75]. والذي يتحرر عندي -والعلم عند الله- أن إبراهيم أعطي أشياء من غير طلب، وعليها تحمل آية الأنعام، وأمور طلبها وعليها تحمل آية البقرة، أما النبي صلى الله عليه وسلم فلم يطلب شيئاً، بل أعطيها كلها، وهذا حتى لا يصبح هناك فرق عظيم بين خليل الله إبراهيم وخليله محمد صلى الله عليه وسلم، ومحمد عليه الصلاة والسلام ابن لإبراهيم، فكان يوقر أباه، ولما دخل الكعبة قال: (قاتلهم الله ما لشيخنا وللأزلام)، فسمى النبي صلى الله عليه وسلم سمى خليل الله إبراهيم شيخه، ولا أعلم في السنة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال عن أحد من الأنبياء إنه شيخه إلا خليل الله إبراهيم عليه السلام. المقدم: هل نستفيد من هذا الاستنباط أنه يستخدم الاستدلال بالمحسوسات فيما يتعلق بالعلم التجريبي الآن في الدعوة إلى الله، وفيما يتعلق بالإعجاز العلمي، وأن هذا يعتبر أحد الأسس التي يقوم الإنسان بإيصال الفكرة والرأي إلى الآخرين عن طريق طريقها؟ الشيخ: الأشياء المحسوسة أمرها محمود، تؤثر في النفوس كثيراً ولا خلاف في هذا ولا نزاع، لكن لا يسند إلى الله شيء إلا على بينة من الأمر، وعلى علم بلغة العرب، لكنكم ذكرتم قضية التجريب. التجريب في القرآن يأتي في قضايا الطب، فالطب علم تجريبي، ففرق ما بين التعبد المحض وما بين الطب، فمثلاً ذلك الصحابي الذي قرأ الفاتحة سبع مرات على سيد أولئك القوم فبرئ، لا يوجد آية تقول: من قرأ الفاتحة سبع مرات على ملدوغ فإنه يبرأ من السم، فهذا شيء تجريبي، وأقرته السنة، فقال صلى الله عليه وسلم له: (وما يدريك أنها رقية؟) تعجباً، فثمة آيات جربها العلماء إذا قرئت على مرض معين تبرئ، لكن لا نقول: إن الله قال إن قراءتها تبرئ، ولا نقول: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن من قرأها برئ، ولا يشترط الإيمان بها، لأن هذه التجربة قد تصح عند تركي ولا تصح عند صالح، وقد تقتنع أنت بها ولا أقتنع أنا بها، فهي تجربة، ثم قد تكون في شخص ولا تكون في شخصين، وقد تكون في ثلاثة ولا تكون في أربعة. ولو قرنت التجربة بعدد فلا مانع، لأنه إذا دلت التجربة على أن العدد مقرون فلا يمنع من قبولها، لكن لا تنسب إلى أنها دين، مثلاً الذين يبتلون بالعقم من الرجال، يقولون له: اقرأ قول الله: {رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ} [الأنبياء:89] فمن قالها أربعين مرة بقصد الدعاء في إحدى سجداته رزق الولد. فإن قال قائل: من أين أتيتم بالأربعين؟ قلنا: الأربعون مذكورة في القرآن، قال الله تعالى: {وَاعَدْنَا مُوسَى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً} [البقرة:51]، هذا واحد. ثم إن التجربة دلت عليها، فهناك من جرب هذا وقالها أربعين مرة فرزق بإذن الله، وأنا شخصياً ذكرت هذا لاثنين ممن أعرف بطريقة خاصة، ثم اتصل بي كل منهما وبشرني أنه رزق. فالمقصود هنا التجربة، ومع ذلك قد يقولها آخر ولا يرزق، يعني: أنا لم أنسبها إلى الله ولم أنسبها إلى رسوله، ولا يأتي أحد يقول: هذه بدعة، لأن البدعة في العبادات، وأنا لا أتكلم عن عبادة، ولا أتكلم أن هذه قربة إلا بمجملها وكونها دعاء، لكن ما هو الطب؟ الأطباء يأتون بأمصال ويجربونها المرة بعد المرة على حيوان فيحصلون على نتائج مختلفة حتى ينجحون، ثم إذا ثبت النجاح عندهم أثبتوها، قالوا: هذا ينفع في كذا وكذا، من خلال اجتماع قرائن معينة. وقد دلت السنة على علم التجريبي، وهذا استنبطه العلماء من قبل، كما في حديث الإسراء والمعراج، فإن موسى عليه السلام قال لنبينا صلى الله عليه وسلم: (ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف، فإني بلوت الناس قبلك) وهذا يعني أن موسى جرب خبر الناس، فعرف أنهم لا يمكن أن يطيقوا خمسين صلاة في اليوم والليلة، فرجع النبي صلى الله عليه وسلم مستفيداً من علم موسى التجريبي الذي نصحه به. فقضية التعبد شيء والعبادات شيء، لو جاء إنسان وقال: من سجد وقال في سجوده كذا فله كذا نقول: هذا باطل وليس لك أن تقوله، {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ} [الشورى:21]، فلابد أن يفرق ما بين الأمر التعبدي والأمر التجريبي. مثلاً: قال بعض العلماء: إن قراءة: {وَلَهُ مَا سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [الأنعام:13] على ألم الضرس خاصة يخففه، وهذا قد ينفع مع هذا ولا ينفع مع هذا، قد يكون اعتقاد هذا أقوى من اعتقاد هذا، وقد يخفف عن إنسان بدعاء من غير الآية، فالقضية تكمن في كيفية التعامل مع كلام الله جل وعلا، والعلم عند الله.

تطبيق معايير فهم القرآن على آية: (اليوم أحل لكم الطيبات)

تطبيق معايير فهم القرآن على آية: (اليوم أحل لكم الطيبات)

المعنى العام للآية

المعنى العام للآية المقدم: ننتقل الآن إلى الآية الثانية، قوله تعالى: {الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ} [المائدة:5] ونحن سنأخذ الآية على شكل أقسام، بدايةً نريد المعنى العام للآية؟ الشيخ: أكمل الله للمسلمين الدين، فقال قبلها بآيات: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} [المائدة:3]. كانوا قد سألوا عن الطيبات: {يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ} [المائدة:4] إلخ الآيات، ثم بين هنا أن هذا اليوم يوم اكتمال الدين، ويوم لن يكون في غالب الظن بعده نسخ وإن كان الأمر لله: {الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ} [المائدة:5]. يبين الله جل وعلا إكرامه لأهل طاعته، وما أفاءه الله على عباده، فالله يقول والقرآن يؤخذ هكذا جملة: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا} [الأعراف:31]، وقال عن أنبيائه ورسله: {إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الأَسْوَاقِ} [الفرقان:20]. فلا يأتي أحد ويقول: إن الجوع مقصود شرعي، وعدم الأكل مقصود شرعي، وعدم النكاح مقصود شرعي: (النكاح سنتي فمن رغب عن سنتي فليس مني).

هدي النبي في الذكر بعد أكل الدباء واللحم واللبن

هدي النبي في الذكر بعد أكل الدباء واللحم واللبن المقدم: الطيبات أحلت لأشرف الخلق صلى الله عليه وسلم، فكيف كان تعامل النبي صلى الله عليه وسلم مع الطيبات، فنحن نقرأ في السيرة أنه عليه الصلاة والسلام أكل من الدباء، وأيضاً هناك دعاء خاص فيما يتعلق باللبن، وأيضاً هناك دعاء خاص فيما يتعلق باللحم، فما هو هديه صلى الله عليه وسلم في التعامل مع هذه الطيبات؟ الشيخ: الأصل أنه عليه الصلاة والسلام لا يتكلف مفقوداً، ولا يرد موجوداً، ولا يعيب طعاماً قط، فإذا لم يعجبه لم يأكله، لكنه لا يعيبه، هذا الأصل. أما الدباء فقد ذكر الإمام البخاري رحمة الله عليه في صحيحه من حديث أنس رضي الله عنه أن خياطاً صاحب حرفة دعا النبي صلى الله عليه وسلم إلى طعام، قال أنس: فذهبت معه -بوصفه خادم النبي صلى الله عليه وسلم- فقال رضي الله عنه وأرضاه: (فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم يتتبع الدباء في القصعة، فما زلت أحب الدباء من يومه)، بل جاءت روايات أنه كان يأمر أهله كلما صنعوا له طعاماً أن يجعلوا فيه دباء اقتداء. والدباء هو القرع المعروف عند الناس ويطبخ طبخاً، حتى يكون هناك شيء يفيد الإنسان. أما اللبن فقد جاء في حديث ابن عباس في سنن أبي داود أنه صلى الله عليه وسلم سقي لبناً، فكان يقول صلى الله عليه وسلم: (إذا أتي أحدكم بطعام فليقل: اللهم بارك لنا فيه، وأعطنا خيراً منه، وإذا سقي أحدكم لبناً فليقل: اللهم بارك لنا فيه وزدنا منه). هذا يحدث سؤالاً: لماذا اللبن دون غيره؟ فقال صلى الله عليه وسلم في الحديث نفسه: (فإنه ليس شيء يغني عن الطعام والشراب إلا اللبن). والله يقول: {وَإِنَّ لَكُمْ فِي الأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَنًا خَالِصًا سَائِغًا لِلشَّارِبِينَ} [النحل:66]، قال بعض العلماء: إنه ما غص أحد باللبن قط؛ لأن الله قال: {سَائِغًا لِلشَّارِبِينَ} [النحل:66]. وأما اللحم فقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه أكل لحم الدجاج، كما في حديث أبي موسى عند البخاري في الصحيح، قال: (رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يأكل دجاجاً). وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه أكل لحم الأرنب. وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه أكل لحم الإبل. وضحى صلى الله عليه وسلم عن نسائه بالبقرة، أي: في الحج. وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه أكل لحم الشاة، وكان الذراع والكتف أحب إليه مما سواه من اللحم، ولهذا فاليهود لما أهدوا له شاة تعمدوا أن يجعلوا السم في الكتف والذراع، فأخبرته الذراع أنها مسمومة صلوات الله وسلامه عليه، والله يقول: {وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} [المائدة:67]. فهذا مجمل ما جاء في سيرة نبينا صلى الله عليه وسلم. وقد يقول قائل الآن: إنني أعتب على تركي وصالح أنهم أدرجوا السنة ونحن نتكلم عن القرآن؟ و A نحن قلنا في القواعد -كما مر معنا- أن السلف لم يكونوا يفرقون بين القرآن والسنة، ولا يمكن فهم القرآن من غير السنة، فمن لم يفقه السيرة، ولم يطلع على هديه وأيامه صلى الله عليه وسلم فمحال أن يفقه القرآن، ومما نقل عن الخوارج أنهم يريدون أن يفهموا القرآن بمعزل عن السنة، ولا يمكن أن يفهم القرآن بمعزل عن السنة.

الوقوع في أكل المحرمات مجانبة للفطرة

الوقوع في أكل المحرمات مجانبة للفطرة المقدم: قول الله: {الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ} [المائدة:5]، فإن الله سبحانه وتعالى أباح للإنسان الطيبات، فدائرة الطيبات دائرة واسعة، فلماذا يتعمد كثير من الناس الدخول في دائرة المحرمات والخبائث من الأطعمة ومن غيرها، مع أن الله سبحانه وتعالى أباح لهم هذه الطيبات؟ الشيخ: هذه حيدة عن الفطرة موجودة في النفس بسبب تراكم الذنوب، والبعد عن الله، وغلبة الهوى، وإلا فالمحرمات معدودة، يقول الله: {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ} [الأنعام:119]، أما الطيبات فلم يعددها الله، لأنها لا تعد من قبل البشر، أعلم بها، واستقصاؤها صعب.

حكم الزواج إذا أسلم أحد الزوجين الكافرين

حكم الزواج إذا أسلم أحد الزوجين الكافرين المقدم: يقول الله في بقية الآية: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ} [المائدة:5]، بانتشار الإسلام والدعوة في الأمصار والأقطار دخل كثير من الناس في دين الله أفواجاً، يحصل هناك إشكالية فيما يتعلق بزوجة الذي أسلم، أو بالعكس، أي: إذا هي أسلمت بزوجها، فكيف يكون التعامل فيما بينهم في الأسرة، وإذا كان بينهما أبناء كيف يكون التعاون في مثل هذه القضايا؟ الشيخ: قال الله تعالى: {الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ} [المائدة:5]، المحصنات هنا بمعنى العفيفات، فلا يجوز الزواج من البغي الزانية لا مسلمة ولا كتابية، إلا المسلمة إذا تابت. نأتي للمحصنات من الذين أوتوا الكتاب، وهم اليهود والنصارى، ونبين حكمهم وحكم غيرهم. نأتي إلى أقرب مثال في مستشفى الحرس الوطني وهو قضية فصل التوأمين، كان الرجل كامروني الأصل نصرانياً، ثم أسلم لما رأى حسن المعاملة، فلما أسلم ذهب إلى قومه، وكانت زوجته معه، فرأى ما من الله على ابنيه المتصلين كيف فصلا في دولة مسلمة، وكيف أن ولي أمر المسلمين خادم الحرمين وفقه الله تبنى الأمر، ووجد رعاية أثرت فيه فأسلم. زوجته لم تسلم في الأول، لكن بلغني أنها أسلمت بعد ذلك، يأتي إشكال الآن ولابد لطالب العلم أن يفقه المسألة: الحالة الأولى: إذا أسلم كافران في لحظة واحدة، يبقى زواجهما على حاله، هذه الحالة الأولى. الحالة الثانية: إذا أسلم كافر كتابي أو غير كتابي، لكن التي تحته كتابية، مثل حالة هذا الكامروني، فهو أسلم وزوجته لم تسلم، فماذا نقول؟ نقول: يبقى الأمر على حاله، لأن المسلم الأصلي يجوز له أن يتزوج كتابية، فمن باب أولى أن يبقى من تزوج كتابية على حاله. يعني: لو أن صالحاً أو تركياً أي أحد منا أراد أن يتزوج كتابية فله ذلك بنص القرآن، فإذا جاز هذا للمسلم الأصلي فاستمرار زواج دخل في الإسلام وتحته كتابية من باب أولى، فلا حرج أن يستمر الزواج لأنه يجوز له أن يتزوج كتابية أصلاً، هذه الحالة الثانية. الحالة الثالثة: لو حصل العكس: فكانت الزوجة كتابية أو كافرة، والزوج كتابي أو كافر، لكن الإسلام جاء من قبل الزوجة، هنا يجب أن تنفصل عنه، وإذا انفصلت عنه تبقى في العدة، فإذا أسلم وهي في العدة فهل يستمر الزواج أو يحتاج إلى عقد جديد، أو تكون مخيرة فيحق لها ألا تقبله حتى لو أسلم؟ بكل قال العلماء، والأرجح عندي أنه إذا أسلم في العدة يبقى الزواج كما كان، لكن ينفسخ الزواج لقول الله تعالى: {لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ} [الممتحنة:10]. الحالة الرابعة: رجل كتابي أو كافر متزوج كافرة من غير أهل الكتاب، فأسلم هو ولم تسلم زوجته، فينفسخ العقد لقول الله تعالى: {وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ} [الممتحنة:10].

حكم نكاح الكتابيات بعد تحريف دينهم

حكم نكاح الكتابيات بعد تحريف دينهم المقدم: ما يتعلق بالنكاح من أهل الكتاب (النصارى واليهود)، بعضهم يقول: إنه قد حرفت ديانتهم فلا يجوز الزواج منهم، فهل يؤخذ بالحكم في وقتنا الحاضر؟ الشيخ: نزلت الآية وقد كان اليهود والنصارى محرفين لديانتهم، ولم يكونوا على الحق، يعني: اليهود والنصارى المعاصرون للنبي صلى الله عليه وسلم كانوا محرفين، لأن الدين الذي جاء به موسى حق، والدين الذي جاء به عيسى حق، لكنهم انحرفوا عن دين الله الذي جاء به موسى، وانحرفوا به عن دين النصارى الذي جاء به عيسى عليه السلام.

اشتراط العفة في نكاح الكتابية

اشتراط العفة في نكاح الكتابية المقدم: ذكرتم أن أحد الشروط في الزواج من الكتابية أن تكون عفيفة، وهذا ربما يتعلق بزماننا هذا، مع كثرة حصول العلاقات الغير الشرعية؟ الشيخ: إن علم أنها تشتغل بالبغي لا يجوز له أن يتزوجها؛ لأن هذه ستصبح أم ولده، قال تعالى: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ} [المائدة:5]. بعض العلماء يقول: لما نزلت هذه الآية قال بعض نساء أهل الكتاب: لو لم نكن على حق لما أذن الله لأهل الإسلام أن يتزوجوا منا، فأنزل الله: {وَمَنْ يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [المائدة:5] أي أن هذه القضية قضية متاع دنيوي، ولا علاقة له بالآخرة والعلم عند الله.

الكلام على آية: (لا خير في كثير من نجواهم) وأثرها في المجتمع

الكلام على آية: (لا خير في كثير من نجواهم) وأثرها في المجتمع المقدم: نأتي الآن إلى الآية الثالثة والنموذج الثالث، ولعلنا نأخذ آية قرآنية فيها قصة اجتماعية لها ارتباط بمسجد قباء؟ الشيخ: إذا قرناها بالسنة، فالسنة جاء فيها في البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم ذهب إلى بني عمرو بن عوف -الذين تكلمنا عنهم في الأول- ليصلح بينهم، وهي القصة التي حدث فيها أن أبا بكر رضي الله عنه صلى بالناس، لما جاء النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر يصلي بالناس فصلى بهم، وتأخر أبو بكر. أما الآية فالله يقول: {لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ} [النساء:114] (نجواهم) تعود إلى عموم الناس، أي: أن الأحاديث أكثرها أغاليط وخوض بمحرم لا ينبغي لأهل الإسلام أن يتلبسوا به، ثم استثنى ربنا، قال: {إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ} [النساء:114] والصدقة أول ما تنصرف إلى إعطاء المال لذوي الحاجات، وقال بعض العلماء: ربما يندرج فيها التسبيح والتهليل لقوله صلى الله عليه وسلم: (كل تسبيحة صدقة، وكل تهليلة صدقة). لكن الأولى صرفها إلى المعنى اللغوي والشرعي في الأظهر، وهو أنها تنصرف إلى الصدقة المعروفة بالمال على المساكين، وقد جاء في فضلها: (الصدقة تطفئ غضب الرب). ونحن مقبلون على فصل الشتاء في شدته، وذوو الحاجات من الفقراء والمساكين والأسر يحتاجون إلى أشياء كثر، فلو أن الأثرياء وأصحاب الأموال تصدقوا بدلاً من أن تنفق الأموال فيما لا يرضي الله جل وعلا، أو حتى في مباحات لا يجوز الإكثار منها. ويجب أن يكون رب الأسرة صاحب المال عاقلاً، فمال يذهب به إلى الفقراء بنفسه سراً، ومال يعطيه لأبنائه أو لبناته ينفقونه ويجعلهم واسطة بينه وبين الأسر الفقيرة، حتى يربي في أبنائه وبناته فضيلة الصدقة وحبها، فهذا مما ينبغي أن ينشأ عليه أبناء الأثرياء وأبناء الأغنياء. والله جل وعلا يبتلي بالفقر ويبتلي بالغنى، وسيسأل الله جل وعلا من ملكه الأموال ثم لم ينفقها، وسيسأل من أنفقها في معصية الله، أو فاخر بها فيما لا يرضي الله. البطانيات والسخانات من مطالب الشتاء في الغالب، والأسر لا يمكن أن تعطى هذا في مسجد، أو يعني السائل في مسجد، لكن هناك جمعيات تقوم بهذا، وليس الغرض الآن تزكيتها ولا غير ذلك، لكن أنا أرى أن يقوم الإنسان بالبحث عن هذه الأمور بنفسه ويسأل عنها. صحيح أن هناك في بلادنا ولله الحمد جمعيات ومؤسسات كثيرة ومؤتمنة، والتواصل معها تواصل محمود، وهم أهل ثقة لا نزكيهم على الله، وجزاهم الله عنا خير الجزاء، وقد حملوا عنا تبعة عظيمة، لكن أحب إلي أن يصنع الإنسان هذا بنفسه. والتطبيق العملي أن يتوخى ذوي قرابته في المقام الأول، هذا قول الله: {إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ} [النساء:114]. قوله: {أَوْ مَعْرُوفٍ} [النساء:114] كلمة عامة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كلمتان تجتمعان أحياناً، فإذا اقترن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يصبح الأمر بالمعروف الأمر بالخير، والنهي عن المنكر ترك الشر، أما إذا لم تقترنا وقيل (الأمر بالمعروف) كما في الآية هنا لوحده أصبح المعنى يحتمل الأمرين، فكل أمر بالمعروف هو ترك للمنكر. بقينا بالإصلاح، قلنا: إن النبي صلى الله عليه وسلم مضى لبني عمرو بن عوف، فالإصلاح بين الناس من أفضل الأعمال، كما أن السعي في الإفساد من أبغض الأعمال إلى الله، قال الله: {إِنَّ اللَّهَ لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ} [يونس:81]، وقال عن أهل معصيته: {وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسَادَ} [البقرة:205]. وقد ذكر العلماء بناء على أحاديث ثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم أن السعي في الإصلاح بين الناس من أعظم القربات إلى الله، سواء كان ذلك في الأعراض أو في الأموال أو في الدماء، فهذا كله ينبغي للإنسان أن يسعى فيه ويجاهد فيه، فهذا من أقرب ما يتقرب به إلى الله، وقد دل إذنه صلى الله عليه وسلم لمن يسعى بين الناس بالإصلاح أن يكذب على فضيلة هذا العمل. أما تعلقها بمسجد قباء فهو أن رسول الله خرج إلى بني عمرو بن عوف وكان بينهم شيء من النزاع، فأصلح صلى الله عليه وسلم بينهم، ووجه الدلالة هو أن إمام المسلمين عليه الصلاة والسلام يترك فريضة العصر في مسجده ويأتي بني عمرو بن عوف ليباشر هذا العمل بنفسه، وهذا فيه دلالة ظاهرة على أنه عمل عظيم، وإلا كان بإمكانه عليه الصلاة والسلام وهو المسموع المطاع أن يبعث أحداً يقوم بهذا الصلح، لكنه قام به بنفسه وأتى بني عمرو بن عوف وأصلح بينهم، ولم يعد إلا وصلاة العصر قد أقيمت. ونحن نقطع أن الصحابة رضي الله عنهم أخروها ينتظرون النبي صلى الله عليه وسلم، فلما غلب على ظنهم تأخره قال بلال لـ أبي بكر: أقيم وتصلي؟ قال: نعم، فصلى أبو بكر إماماً، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة وهم في الركعة الأولى، فلما نبه الناس أبا بكر أن النبي صلى الله عليه وسلم قد قدم تأخر أبو بكر وتقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم.

كيف نستفيد من قراءة القرآن

كيف نستفيد من قراءة القرآن المقدم: شيخنا الفاضل! لقد أكلمنا الحديث عن فهم وتدبر معاني القرآن، وما يتعلق بالشروط الأربعة التي ذكرتموها في فهم مقاصد القرآن الكريم، وأخذنا ثلاثة نماذج تطبيقية في هذا السياق. يبقى القضية الأهم وهي: ماذا يكون بعد ذلك، أي: ماذا يفعل المشاهد حينما يقرأ القرآن ويتدبر، هل الفائدة الآن أن يختم القرآن، أم يجعل له وقتاً للقراءة التدبرية، هل هناك أفكار معينة في هذا السياق؟ الشيخ: الأمر الأول: أن يكون هناك انصراف من القلب إلى محبة كلام الله، هذه البذرة الأولى، فإذا وجدت أخذ الإنسان بهذه القواعد، فنظر في لغة العرب، وسأل الله بإلحاح أن يرزقه تدبر القرآن، وقرأ في كتب التفسير التي تسير على منهج سلف الأمة الصالح، مثل: تفسير ابن كثير، تفسير ابن سعدى، معالم التنزيل للبغوي، وفي كل خير، حتى بعض الأخطاء تكون يسيرة عند بعض الأئمة كـ القرطبي رحمة الله عليه وغيره. يأخذ الإنسان كتب تفسير يضعها عنده، ويكثر من القراءة فيها حتى يفقه، ويحاول قدر الإمكان أن يخرج منها بنتيجة يقولها لمن حوله، يقرؤها الأب على أبنائه، الوالدة على بناتها، معلمة على طالباتها. لا يحاول أن يجعل من القرآن طريق خصومة، لأنك لم تبلغ من المنزلة أن ترد على غيرك، لكن قل ما تراه صواباً، قل ما يغلب على الظن أنه مقصود. العناية بالمسائل الإيمانية، وانتقاء الآيات التي تؤثر في النفوس، وتجعل القلوب مفضية إلى ربها، مقبلة على الله منيبة، هذا المقصود الأسمى من القرآن، هذا أمر يجب الانصراف إليه.

أحاديث نبوية

سلسلة القطوف الدانية _ أحاديث نبوية في هذه المادة تجد الكلام على فضله صلى الله عليه وسلم على سائر الأنبياء، فهو سيد ولد آدم ولا فخر، وهو الشافع والمشفع. وهناك شفاعات خاصة به صلى الله عليه وسلم لا يشاركه فيها غيره من الأنبياء والصالحين، كالشفاعة العظمى في الموقف، وشفاعته لعمه أبي طالب وغيرها. وإثبات الشفاعة هو مذهب أهل السنة والجماعة، وقد أنكر بعض أهل البدع كالخوارج والمعتزلة، وتعلقوا بما هو أوهى من بيوت العنكبوت.

التعليق على حديث: (أنا سيد ولد آدم)

التعليق على حديث: (أنا سيد ولد آدم) المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد: فقد تناولنا بعض الآيات القرآنية، وبينا ما فيها من الأحكام والآداب والمعاني السامية التي يكون فيها الصلاح في الدارين، وفي هذه المادة سنعرض شيئاً من أحاديث المصطفى صلى الله عليه وسلم، فكلامه جامع للخير فما من خير إلا وبين مناره وسبله، وما من شر إلا وأوصد أبوابه وسبله، وقد كان صلى الله عليه وسلم فصيح المنطق، سلسل الأسلوب، رائع الحكمة، قوي الحجة، بليغ التأثير في النفوس، يحس المرء لكلامه حلاوة، ويستشعر اللذة الفنية التي تهز النفوس، وتثير الأحاسيس، وتأخذ بمجامع القلوب. فإذا تكلم خشعت القلوب من جلال العظة، وإذا خطب انقطعت الشبه لبلاغة الحجة، وامتلأت النفوس اقتناعاً بحقيقة كلامه، ورضاً برأيه، وامتثالاً لأمره، ويكفينا في هذا قوله تعالى: {إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم:4]. صلى عليك الله يا علم الهدى واستبشرت بقدومك الأيام هتفت لك الأرواح من أشواقها وازينت بحديثك الأقلام وسنختار جملة من الأحاديث ويعلق عليها ضيفنا بأسلوبه الماتع، نسأل الله عز وجل أن يسدده. الشيخ: الحمد لله الذي أحسن كل شيء خلقه، وأحكم كل شيء صنعه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ولا إله غيره، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، بلغ عن الله رسالاته، ونصح له في برياته، فجزاه الله بأفضل ما جزى به نبياً عن أمته، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. ذكر فيما مضى أن هارون الرشيد صحب معه في إحدى رحلاته إلى بلاد فارس محمد بن الحسن الشيباني تلميذ أبي حنيفة، وصحب معه الكسائي رحمة الله تعالى عليهما، وقدر لهما أن يموتا في يوم واحد في رنبويه، فدفنهما الرشيد، ولما دفنهما قال: دفنت اليوم في رنبويه، ثم سكت ولم أكمل، وقلت: إنني سأقول ما بعد هذه العبارة في آخر المقام، ولا أدري هل قلت: إن شاء الله أم لم أقل، فإن كنت لم أتمكن من الإجابة وانشغلت بغيرها فأقول: قال هارون -رحمة الله تعالى عليه-: دفنت اليوم الفقه والنحو في رنبويه. يقصد: أن الفقه كله كتبه إمامه آنذاك محمد بن الحسن، ويقصد أن الكسائي -رحمة الله تعالى عليه- كان إمام النحاة في عصره. المقدم: نعود إلى موضوعنا الأصلي مبتدئين بقوله صلى الله عليه وسلم في حديث أبي هريرة رضي الله عنه: (أنا سيد ولد آدم يوم القيامة، وأول من ينشق عنه القبر، وأول شافع، وأول مشفع)، وهو في صحيح مسلم، وهذا الحديث معدود في مناقبه صلى الله عليه وسلم. نبدأ يا شيخ صالح مع أول عبارة وهي قوله صلى الله عليه وسلم: (أنا سيد ولد آدم يوم القيامة)، فنبين المراد في لغة العرب بكلمة السيد، وأيضاً الحكمة من إضافتها إلى يوم القيامة. الشيخ: لقد أعطي النبي صلى الله عليه وسلم من الله جل وعلا عطايا ومزايا في الدنيا والآخرة، فتارة يذكر ما من الله به عليه في الدنيا، وتارة ما من الله عليه به في الآخرة، وتارة يذكرهما سوياً، فهنا يتكلم صلى الله عليه وسلم عما أكرمه الله به في الآخرة، فقال عليه الصلاة والسلام: (أنا سيد ولد آدم). والسيد في اللغة: هو الذي يفزع إليه في الشدائد، وهو أمر تعرفه العرب، ذلك أن الناس لابد لهم من رءوس، فإذا اضطربت كلمتهم، واقتحمتهم لجج، وفجأتهم كوارث، وحلت بهم الدواهي لجأوا إلى سادتهم، وعرف عند العرب في الجاهلية وفي الإسلام وفي كل الأمم سادة، فمثلاً: في الإسلام كان الأحنف بن قيس سيد بني تميم، وعرف أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للأنصار: (قوموا لسيدكم) أي: لـ سعد بن معاذ، وسأل الأنصار يوماً: (من سيدكم؟ قالوا: جد بن قيس، على بخل فيه). وكلمة السيد تحكمها الأعراف والتقاليد، وحاجة الناس في كل عصر ومصر، فالسيد هو الذي يفزع إليه في الشدائد. وأما لماذا أضافها النبي صلى الله عليه وسلم وقيدها بقوله: يوم القيامة؛ لأن السيادة في الدنيا هناك من نازعه عليها صلى الله عليه وسلم ولو ادعاءً، كرؤساء أهل الإشراك وأئمة الكفر، وأهل الثراء في زمانه، فكلهم كان ينظر إليه أنه سيد، لكن يوم القيامة فهو عليه الصلاة والسلام أول من يؤذن له، وهو أول من يتكلم، ولواء الحمد في يده، فلهذا قال صلى الله عليه وسلم: (أنا سيد ولد آدم). وقوله عليه الصلاة والسلام: (أنا سيد ولد آدم) هذا تعميم؛ لأن الناس كلهم أولاد آدم، وكلمة: أولاد يدخل فيها الذكور ذكور والإناث، ويدخل فيها كل أحد، حتى آدم نفسه، ودخول آدم عليه السلام جاء في أحاديث أخر، وكذا دخول إبراهيم عليه السلام جاء في أحاديث أخر مفصلة، فهو صلى الله عليه وسلم سيد الناس في الدنيا والآخرة، لكنه قيد أنه سيد ولد آدم يوم القيامة، فيوم القيامة أفادت أن ذلك اليوم لا أحد ينازعه في السيادة صلوات الله وسلامه عليه.

معنى: (ولا فخر) في حديث: (أنا سيد ولد آدم) وسبب وروده

معنى: (ولا فخر) في حديث: (أنا سيد ولد آدم) وسبب وروده المقدم: في بعض الروايات: (أنا سيد ولد آدم ولا فخر)، والبعض قد يتساءل عن معنى العبارة الأخيرة: (ولا فخر). الشيخ: كلمة: (ولا فخر) من حيث المعنى معناها: ولا أقول ذلك مباهاة، ولا ادعاء؛ لأن الفخر يكون بالجاه، أو المال، أو بالأشياء المنفكة عن الإنسان، وهي من حيث الصناعة النحوية حال مؤكدة. وقوله عليه الصلاة والسلام: (ولا فخر) قد يظهر فيه عند البعض إشكال، وهو أن الناس يقولون: لا يحسن بالمرء أن يتحدث عن نفسه، فكيف يتحدث النبي صلى الله عليه وسلم عن نفسه؟ وأجاب العلماء -رحمهم الله- عن ذلك فقالوا: إنه حق له أن يقول: (أنا سيد ولد آدم ولا فخر) ويتحدث عن نفسه لسببين: السبب الأول: أن الله أمره أن يتحدث بنعمة الله عليه، فقوله عليه الصلاة والسلام: (ولا فخر) أي: أن هذه المزية والكرامة خصني الله بها، فأنا أحدثكم بها لأن الله أمرني -وأنا ممتثل لربي- أن أتحدث بنعم الله علي، فقال له ربه سبحانه: {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ} [الضحى:11]، وهو عليه الصلاة والسلام يمتثل أمر الله، ويخبر عن نعمة عظيمة أخبره الله بها، وفضله بها على غيره، وهو أنه سيد ولد آدم يوم القيامة. وأما السبب الثاني: فإن النبي صلى الله عليه وسلم يخبر أمته بهذا حتى تتعبد الأمة ربه بتوقيره صلى الله عليه وسلم، وتعرف مقامه عند ربه، فتعلم هذا وتؤمن به، وتحفظ له مقامه ومكانته صلوات الله وسلامه عليه. فهذان السببان هما اللذان قال العلماء: إنه من أجلهما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بأنه سيد ولد آدم. وأما ما بعدها فهو تبيين له.

الأسئلة

الأسئلة

أهمية التواضع لأهل العلم والفضل خصوصا

أهمية التواضع لأهل العلم والفضل خصوصاً Q حبذا لو أشرتم -حفظكم الله ورعاكم- إلى ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم من تواضع رغم ما آتاه الله جل جلاله من المكانة العليا التي لا ينالها أحد من خلق الله، ثم هو مع ذلك كان على قدر عال جداً من التواضع، وعدم الترفع على الناس، وخفض الجناح لعامة المسلمين، ولضعفائهم وأيتامهم وأطفالهم، مع أنه أعلى الناس ذكراً، وأجلهم قدراً صلوات الله وسلامه عليه، سيما ونحن نعاني في أزمنتنا هذه من أقوام -وهم قلة بحمد الله- ما إن يتبوأ أحدهم مكاناً شرعياً بين الناس حتى يحيط به الحجاب ويصعب على الناس لقاؤه، وكأن الله عز وجل قد وكل به صلاح الناس وهدايتهم. A نريد أن نوجه رسالة إلى الناس سيما لمن تصدر في المقام الأول بعلم أو جاه أو مال، أو أنه أعطي من عند الله قبولاً: أن الله جل وعلا يبتلي عباده الذين يعطيهم عطاياه كيف يتعاملون معها، فإذا كانوا ينظرون إلى أن النعمة بسببهم وبجهدهم؛ فترفعوا عن عباد الله، فهؤلاء يضعهم الله، وقد يسلبهم النعمة، وأما إذا تيقنوا أن النعمة من عند الله، فلم يرتفعوا على عباده خوفاً من أن يسلبهم الله النعمة، فهؤلاء يرفعهم الله، ويديم عليهم نعمه. وكان النبي صلى الله عليه وسلم في الذروة من الكمال البشري، ومن كمال بشريته عليه الصلاة والسلام أنه يسهل الوصول إليه، وأنه عليه الصلاة والسلام قريب من الناس، متواضع لكل أحد، فيقول: (إنما عبد فقولوا: عبد الله ورسوله)، وكان متواضعاً حتى في جلسته عليه الصلاة والسلام في الطعام، فلما رآه الأعرابي تغير حاله من جلسة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكأنه عليه الصلاة والسلام يريد أن يشير أن هذا هو ما يقتضيه مقام العبودية لله جل وعلا. والإنسان إذا كانت تنبعث عظمته من نفسه فلا حاجة له في أن يترفع عن الناس؛ لأنه لا يحتاج إلى أن تلقى عليه الأضواء، ويجعل بينه وبين الناس حجاباً، إلا ما كان يخاف عليه أمنياً كما يحدث للأمراء والسلاطين والمسئولين، فهذه قضية حماية أمنية لا علاقة لها بالموضوع، لكن الذي يعنينا هم العلماء في المقام الأول، فيجب عليهم أن يخرجوا للعامة، وأن يقابلوا الناس ما استطاعوا. فبادره وخذ بالجد فيه فإن أعطاكه الله انتفعتا فإن أوتيت فيه طويل باع وقال الناس إنك قد رؤستا فلا تأمن سؤال الله عنه بتوبيخ علمت فهل عملتا؟ فالنبي صلى الله عليه وسلم كان قدوة حسنة لأمته في كل خير، ومن أعظم ذلك قربه صلى الله عليه وسلم من سائر الناس، ولاشك أنه يفترض على الناس شيء معين، لكن ينبغي لمن تصدر أن يتحمل، وأن يسعى قدر الإمكان إلى التواصل، وكلنا يقع منا التقصير، لكن هناك أمور التقصير فيها مقبول، وثمة أمور التقصير فيها من العالم غير مقبول.

معنى حديث: (خذوا القرآن عن أربعة)

معنى حديث: (خذوا القرآن عن أربعة) Q ماذا يفهم من قول النبي صلى الله عليه وسلم: (خذوا القرآن عن أربعة)؟ وكذلك قوله عليه الصلاة والسلام: (من كان قارئاً فليقرأ على قراءة ابن أم عبد)؟ A هذا لا يعني الحصر، لكن هؤلاء أئمة القراء، وهم سالم مولى أبي حذيفة ومعاذ بن جبل وعبد الله بن مسعود الذي هو ابن أم عبد وأبي بن كعب، رضي الله عنهم. فهؤلاء هم الذين حث النبي صلى الله عليه وسلم على الأخذ عنهم، فـ ابن مسعود وسالم مهاجران، وأبي ومعاذ أنصاريان، لكن لا يفهم منه الحصر. لكن من أعظمهم قراءة عبد الله بن مسعود؛ لأنه كان يأخذ القرآن رطباً من فيّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد قال: (أخذت ثلاثين سورة من في رسول الله صلى الله عليه وسلم)، وهو من السابقين الأولين من المهاجرين رضي الله عنه وأرضاه، وقد كان مع النبي صلى الله عليه وسلم في أول دعوته، ومنها أنه كان معه في غار في منى، فأخذ عنه في ذلك الغار سورة المرسلات، فقد نزلت هناك؛ لذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من كان قارئاً فليقرأ على ابن أم عبد)؛ لأنه لابد للناس من قدوة، لكن ليس ذلك محصوراً فيهم، وأبي بن كعب رضي الله عنه وأرضاه من أعلى الصحابة في مسألة القراءة.

حكم حكاية التأثر بوفاة الوالدة أكثر من الوالد ونحوه

حكم حكاية التأثر بوفاة الوالدة أكثر من الوالد ونحوه Q هل من العقوق أن يقول الإنسان: تأثرت بوفاة أمي أكثر من أبي؟ أو يقول: تأثرت بوفاة شيخي الأول أكثر من شيخي الثاني؟ وهل هذا من العقوق أم هو من التأثر الذي من الصعوبة أن يكتمه الإنسان؟ A أن هذا ليس فيه عقوق؛ لأنه إخبار بما وقع، لكن يتجنب أن يقولها عند قوم تجرحهم هذه الكلمة، فلا يقولها مثلاً عند أبناء شيخه الذي تأثر به أقل من الآخر، وأما الكلمة في عمومها فلا حرج فيها.

حكم الحديث عن النفس عند التقدم للتوظيف ونحوه

حكم الحديث عن النفس عند التقدم للتوظيف ونحوه Q في المقابلات الشخصية قد يتكلم الإنسان عن نفسه، فهل يعاب هذا أم لا؟ A ليس عليك حرج في ذلك؛ لأنه داخل في قول الله تعالى على لسان نبيه يوسف: {قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ} [يوسف:55]، ويؤيده من الآثار -إضافة إلى القرآن- أن عثمان رضي الله عنه لما أكثر عليه الخوارج قال: أشهدكم الله ألم تعلموا أنني حفرت بئر رومة، وأنني جهزت جيش العسرة؟ وأخذ يعدد مناقبه رضي الله عنه وأرضاه للحاجة، فالمقابلات الشخصية هي مجرد كشف اللثام وإماطته عن شخصيتك، فمن حقك أن تبين حالك؛ للمصلحة.

الاختلاف في السابعة من السور المئين

الاختلاف في السابعة من السور المئين Q سمعت في محاضرة لك أن سورة يونس اختلف المفسرون في إلحاقها بالسبع المثاني أو الطوال، وبينت السبب أن الأنفال والتوبة إذا جمعت فيونس لها موضع، وإذا فصلت فلها موضع، مع أن المائدة والتوبة أكثر من مائة، فكيف نوفق بهذا القول؟ A اتفق العلماء على أن هناك سوراً مئين، وهي السبع المئين، أو السبع الطوال، فاتفقوا على البقرة وآل عمران والنساء والمائدة والأنعام والأعراف، فهذه الست متفق عليها، واختلفوا في السابعة: فذهب فريق إلى أنها التوبة والأنفال مجتمعه، والسائل ذكر المائدة وهذا وهم منه؛ لأن المائدة متفق عليها، وأما السابعة فقال فريق: إنها التوبة مع الأنفال مجتمعة، وقال آخرون: إنها سورة يونس، وكل له أدلته للترجيح.

كيفية التشبع من علم التفسير

كيفية التشبع من علم التفسير Q كيف أشبع رغبتي من تفسير القرآن الكريم من حيث الكتب المراجع أو المصادر، علماً أني أحاول التشبع قدر المستطاع بالإنترنت وغيره، ولكن أحس أنه لا يشفي الغليل؟ A اقرأ في كتب التفسير نفسها كثيراً، فخذ أمهات كتب التفسير واقرأ فيها، فهذه طريقة، فاقرأ مثلاً: تفسير الحافظ ابن كثير، والجامع لأحكام القرآن للقرطبي، وتفسير الكريم المنان للسعدي، وهذه الثلاثة كمثال، ثم إذا كنت بلغت شأواً فارتق إلى تفسير التحرير والتنوير، وإن كان فيه شيء من الصعوبة، وهو لـ ابن عاشور رحمه الله، ويصاحب ذلك الاطلاع على طرائق المفسرين، يعني: يقرأ شيئاً في علوم القرآن، فينظر في كتاب التفسير والمفسرون للذهبي المعاصر رحمة الله عليه الذي قتله الخوارج في مصر مؤخراً، وكان وزير الأوقاف المصري، فكتاب التفسير والمفسرون كتاب فيه جلاء واضح، وفيه سيرة علم التفسير في تاريخ الأمة. ويقرأ الإنسان هذا الكتاب بعد أن يقرأ كثيراً من كتب التفسير التي تمارس التفسير العملي.

معنى حديث: (تموتون كما تنامون)

معنى حديث: (تموتون كما تنامون) Q ما صحة قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (تموتون كما تنامون، وتبعثون كما تستيقظون)؟ وهل هذا يتناقض مع كلام بعض الكتاب والمؤلفين أن الموت فيه صعوبة وشدة ونزع وضرب بالسيوف وما شابه ذلك؟ A لا أعلم الآن درجته، لكن المقصود به من جانب الله، يعني: أن الأمور بالنسبة لله جل وعلا أمرها يسير.

سبب عدم بدء سورة التوبة بالبسملة

سبب عدم بدء سورة التوبة بالبسملة Q لماذا لم تبدأ سورة التوبة بالبسملة؟ A اختلف العلماء فيها: فمنهم من قال: إنه كان ينظر إلى أن سورة التوبة وسورة الأنفال كالسورة الواحدة، وهذا قول طائفة من العلماء. ومنهم من قال: إنها بدأت بالسيف، وذكر السيف هنا لا يتناسب مع بسم الله الرحمن الرحيم؛ لأن صدرها: {بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} [التوبة:1]، وهذا أرجح الأقوال، وقد عدد الأقوال الشنقيطي رحمة الله عليه في تفسيره فليراجع، وهي أربعة أقوال، وكأنه مال إلى هذا الرأي، وهي أن سورة براءة مصدرة بالسيف؛ لذلك لم تصدر ببسم الله الرحمن الرحيم، والسيف رمز للشدة، بخلاف البسملة المتضمنة للرحمة، فلا يناسب الجمع بينهما.

بيان ما بعثت له الرسل

بيان ما بعثت له الرسل Q كيف الجمع بين حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق) وبين قول الله عز وجل: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [النحل:36]، وغيرها من الآيات التي تبين أن الأنبياء والرسل إنما أرسلوا للدعوة للتوحيد وليعبد الله وحده؟ A ليس هناك تعارض؛ لأن من أعظم مكارم الأخلاق توحيد الله، فما بعث به النبيون عليهم الصلاة والسلام إنما هو عبادة الله واجتناب الطاغوت، وهذا من أعظم ما يجعل الإنسان ذا خلق كريم؛ لأن المشرك لا يقال له: ذا خلق كريم إلا مخصوص، فيقال: كريم، ويقال: سخي، ونحو ذلك، لكن ما يقال: إنه ذو خلق كريم، لذلك قال الله جل وعلا في وصف نبيه: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم:4]، وأعظم خلق تحلى به النبي صلى الله عليه وسلم هو توحيده لربه. لكن عندما نقول: إن الله ذكر أنه بعث الأنبياء لاجتناب الطاغوت عبادته وحده، فهذا خاص، لكن حديث: (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق) عام، وأول ما يندرج فيه عبادة الله جل وعلا وحده.

معنى قوله صلى الله عليه وسلم: (وأول ما ينشق عنه القبر)

معنى قوله صلى الله عليه وسلم: (وأول ما ينشق عنه القبر) أما قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (وأول من ينشق عنه القبر) فسنقف معه لنبين وجه الأفضلية فيه، وحكم الأبنية التي على القبور في بعض البلدان؛ لذكر القبر في هذه العبارة، ولخطر هذه القضية. فنقول: بعث الناس من القبور أصلاً هو لذاته شيء عظيم، قال تعالى: {أَلا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ * لِيَوْمٍ عَظِيمٍ * يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [المطففين:4 - 6]، وقد قال الله: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُمْ مِنَ الأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنسِلُونَ * قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ} [يس:51 - 52]. وقال سعيد بن جبير رحمة الله عليه معلقاً: حتى أهل الكفر إذا بعثوا يقولون: سبحانك اللهم ربنا وبحمدك ولك الحمد. فيسبحون الله ويحمدونه في وقت لا ينفعهم ذلك، فهذا شأن عظيم، فيكون خصيصة ومنقبة لمن يكون أول من ينشق عنه القبر، فالنبي صلى الله عليه وسلم يكرمه الله بأن يكون أول من ينشق عنه القبر يوم القيامة. وأما قضية البناء على القبور الذي هو مشاهد في كثير من الدول عفا الله عن الجميع، فنقول: إن النبي صلى الله عليه وسلم -كما رواه مسلم في الصحيح من حديث جابر -: (نهى أن يبنى على القبر وأن يجصص، وأن يقعد عليه)، فهذا نهي منه صلى الله عليه وسلم، والأصل في القبور أنها مساكن الآخرة، والقاسم بن محمد بن أبي بكر -وعائشة خالته- قال لها يوماً يناديها -ليس بالخالة وإنما بالأم؛ لأنها أم المؤمنين-: يا أماه! أريني قبر النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبيه. وقبر النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبيه عندها في الحجرة. قال: فكشفت عائشة عن ثلاثة قبور ليست بمشرفة ولا لاطئة، ما معنى: لا مشرفة ولا لاطئة؟ معنى: (لا مشرفة) أي: غير مرتفعة، أو غير ظاهرة، ومعنى: (لا لا طئة) أي: غير مستوية بالأرض، فالقبر إما أن يسنم وإما أن يسطح، فكلاهما وارد، لكن يكون الارتفاع قيد شبر أو قريباً منه؛ ليعرف أنه قبر، وغير ذلك نهى الشرع عنه؛ لأن أهل القبور بحاجة إلى أن يدعا لهم. وأما إذا عظم القبر فقد خرج عن كونه مسكناً من مساكن الآخرة، فالإنسان إذا أتاه يذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم: (كنت قد نهيتكم عن زيارة القبور ألا فزوروها؛ فإنها تذكركم الآخرة)، ويتأمل كيف يأتي التذكير بالآخرة في مكان يأتي الإنسان فيه وعليه المصابيح، وهو مرتفع، وعليه أيضاً الأقمشة والستائر، والكتابات، وبعضها لها حجاب وهكذا، فيتنافي هذا تماماً مع كونه قبراً، بل تصيبك هيبة ورعب عند زيارته وكأنك داخل على رجل حي، أو كأنك داخل على مكتب رجل عظيم، فهذا ينتفي معه الوضع الشرعي. ولذلك ينبغي للإنسان أن يعلم أن أهل القبور يتفاوتون تفاوتاً عظيماً وهم في بطن الأرض، ويتفقون في ظاهرها، أي: أن ظاهر القبور واحد لكن داخلها الله أعلم به، والذين يريدون أن يكرموا أمراءهم أو رؤساءهم أو حكامهم أو علماءهم أو من يحبونهم إنما يكرمونهم حقاً إذا دفنوهم وفق مقتضى الشرع والسنة. فهذا بقيع الغرقد على عهد النبي صلى الله عليه وسلم دفن فيه خيار الناس، فكل قبورهم على هيئة واحدة، وقد حدث في أزمنة فشا فيها الجهل أن وضعت عليها قباب ومساجد ما أنزل الله بها من سلطان، ثم أزيلت -ولله الحمد- في عهد هذه الدولة المباركة. ونحن مثلاً نجد -وليس هذا تزكية لبلادنا- في مقبرة العود قبر الملك عبد العزيز رحمه الله، وقبر الملك فيصل، وقبر الملك سعود، وقبر الملك خالد، وقبر الملك فهد، وهي قبور مثلها مثل أي قبر آخر، وفي مقبرة العدل في مكة قبر الشيخين الجليلين ابن باز رحمة الله تعالى عليه، وابن عثيمين رحمة الله تعالى عليه، وقد كانا مالئي الدنيا علماً في زمانهما، وقبراهما اليوم كقبور سائر من دفن في مقبرة العدل، وهذا هو العدل والحق الذي جاء به الشرع. يقول الشيخ محمد عبد القادر الشنقيطي رحمة الله تعالى عليه، وهو نزيل المدينة المنورة، وقد توفي عام (1418هـ)، يقول: دخلت المقبرة -مقبرة العود- مع الشيخ ابن باز وهم يدفنون ميتاً الظاهر أنه من معاريف الشيخ أو من قرابته، يقول: ونحن عائدون مر الشيخ على قبر فوقف فأخذ يدعو ويستغفر كثيراً لصاحب القبر، يقول الشيخ محمد عبد القادر الشنقيطي رحمه الله: فسألت الشيخ ابن باز: قبر من هذا؟ قال: هذا قبر الملك سعود رحمة الله تعالى عليه، ومعلوم أن حكام هذه البلاد -ولله الحمد- من أعظم من يجل العلماء، لكن أنا أدركت كثيراً من المشايخ كانوا يثنون ثناءً عاطراً على الملك سعود رحمه الله، فقد كانت من أظهر مناقبه حبه للعلماء والعلم. فالشيخ عبد العزيز ما يبصر لكنه ذو بصيرة عظيمة، فهو يعرف القبر من باب أنه يسأل عنه، أو أن القائد الذي يسوقه يعرف رغبة الشيخ في أنه يعرف قبر الملك سعود، أو أنه في طريقه وقف عنده، لكن الشيخ محمد عبد القادر رحمه الله لم يعرف أن هذا قبر الملك سعود فليس عليه علامة ظاهرة، وليس عليه شيء يميزه عن قبر غيره، فلذلك سأل: قبر من هذا؟ وهذا هو الأصل في قبور المسلمين.

الجواب عن مسألة وجود قبر الرسول في المسجد النبوي

الجواب عن مسألة وجود قبر الرسول في المسجد النبوي المقدم: ما دام قد ورد ذكر المدينة فالبعض لا سيما من يأتي من خارج البلاد قد يشكل عليه وجود قبر الرسول صلى الله عليه وسلم في المسجد، فكيف نجيب على هذا؟ A أن النبي صلى الله عليه وسلم دفن في قبره ولم يدفن في المسجد، فالحجرة موجودة قبل أن يموت صلى الله عليه وسلم، فالصحابة امتثلوا أمره في قوله: (إن الأنبياء يقبرون حيث يموتون)، فقبر صلى الله عليه وسلم في بيته، فالجدار والحجرة مبنية قبل موته صلى الله عليه وسلم. فالقبر كان خارج المسجد، فـ الوليد بن عبد الملك عندما وسع التوسعة الشرقية أدخل الحجرة التي فيها قبر النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد، والآن -ولله الحمد- التوسعة الجديدة لم تتجاوز الحجرة إلى ما بعدها، أي: أن التوسعة جاءت من جهة الشرق من شال الحجرة فما فوق، ولم تأت من جهة الحجرة من جهة الشرق؛ لأنه لو توسعنا لوجدنا أن القبر سيصبح داخل المسجد، وقد احتاط ولاة أمر هذه البلاد في هذا الأمر ولله الحمد.

ذكر الشفاعات الخاصة به صلى الله عليه وسلم

ذكر الشفاعات الخاصة به صلى الله عليه وسلم المقدم: قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث: (وأنا أول شافع وأول مشفع) فالشفاعة تكون له صلى الله عليه وسلم وتكون لغيره من الأنبياء والصالحين، فما هي الشفاعات الخاصة بالنبي صلى الله عليه وسلم؟ A الشفاعات الخاصة بالنبي صلى الله عليه وسلم ثلاث: شفاعته صلى الله عليه وسلم في أهل الموقف في أن يفرج عنهم الكرب، وأن يقضى بينهم، وهذه الشفاعة هي التي يفر منها الأنبياء من قبل، فيأتون آدم ويأتون نوحاً ويأتون إبراهيم ويأتون موسى ويأتون عيسى حتى تصل إليه صلى الله عليه وسلم. والثانية: شفاعته صلى الله عليه وسلم في أهل الجنة أن يدخلوا الجنة، وهو استفتاح باب الجنة، فعندما يقولون لآدم: استفتح لنا الجنة، فيقول: وهل أخرجكم من الجنة إلا خطيئة أبيكم، اذهبوا، إلى أن يأتوا إليه صلى الله عليه وسلم فيقول: أنا لها. الثالثة: شفاعته صلى الله عليه وسلم في عمه أبي طالب أن يخفف عنه العذاب. وهذه الشفاعات الثلاث خاصة به عليه الصلاة والسلام.

ذكر بعض أخبار أبي طالب عم النبي

ذكر بعض أخبار أبي طالب عم النبي المقدم: شيخ صالح في اللقاء الماضي كنا قد تحدثنا عن بعض الشخصيات الأدبية، والإخوة على الموقع كان لهم رأي أيضاً أن تكون هذه الحلقة تشتمل على بعض الشخصيات، وبما أنك ذكرت أبا طالب فلنذكر شيئاً من شخصيته من النواحي التاريخية. الشيخ: أبو طالب أحد أعمام النبي صلى الله عليه وسلم، وقد ذكرنا مراراً أن النبي صلى الله عليه وسلم له عشرة أعمام، ستة منهم لم يدركوا بعثته، وأربعة أدركوا بعثته عليه الصلاة والسلام، فآمن منهم اثنان: العباس وحمزة، وكفر اثنان ولم يؤمنا: أبو لهب وأبو طالب. وأبو طالب ينفرد عن أبي لهب بأنه ناصر النبي صلى الله عليه وسلم نصرة عظيمة، وهو من حيث الشعر أول من مدح النبي عليه الصلاة والسلام، فقد مدحه قبل الصحابة فقال: وأبيض يستسقى الغمام بوجهه ثمال اليتامى عصمة للأرامل والنبي عليه الصلاة والسلام بعد أن هاجر إلى المدينة جاءها في عام جدب، فاستسقى فنزل المطر، فلما ذهب الناس إلى دورهم قال عليه الصلاة والسلام: (لو رأى أبو طالب هذا المنظر لأسره)، ففقه أحد الصحابة مراده فقال: يا رسول الله! كأنك تشير إلى قوله: وأبيض يستسقى الغمام بوجهه ثمال اليتامى عصمة للأرامل يلوذ به الهلاك من آل هاشم فهم عنده في نعمة وفواضل قال صلى الله عليه وسلم: نعم. وأبو طالب له أربعة أبناء: طالب وبه يكنى، وهذا مات كافراً، وله عقيل وجعفر وعلي، وكلهم آمنوا، وعقيل كان على خلاف يسير مع علي فلم يقاتل معه، وعلي معروف أنه أمير المؤمنين، وجعفر بن أبي طالب هو الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم: (أشبهت خلقي وخلقي)، وهو أحد خمسة يشبهون النبي صلى الله عليه وسلم، وهم: جعفر وقثم والفضل وأبو سفيان بن الحارث والحسن بن علي رضي الله تعالى عنهم أجمعين. فـ أبو طالب كان عظيم النصرة للنبي صلى الله عليه وسلم، لكنه مع ذلك أبى إلا أن يموت على دين قومه، فكان يقول: لولا الملامة أو حذار مسبة لوجدتني سمحاً بذاك مبينا ويذهب الشيعة الإمامية وبعض المعتزلة إلى أنه مات على الإسلام، لكن الشواهد التي عندنا تدل على أنه مات كافراً، وهو أهون أهل النار عذاباً. فإن قال قائل: ما وجه خصوصية أن النبي صلى الله عليه وسلم يشفع له، فالأصل في الكفار ألا يشفع لهم، قال الله: {فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ} [المدثر:48]؟ فنقول: إنه لمقامه ونصرته للنبي صلى الله عليه وسلم استأذن النبي عليه الصلاة والسلام ربه أن يشفع له فشفعه، فهو أهون أهل النار عذاباً؛ لشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم له. يقول المتصل الشيخ حسين الثقفي: أقول للشيخ صالح: مرض الحبيب فزرته فمرضت من خوفي عليه وأتى الحبيب يزورني فشفيت من نظري إليه أيها الأحبة! الحديث وشرحكم للحديث الذي يتلألأ، فهو بدر ينير، وسراج يزهو، وهو عبق يفوح، وعلم يتفجر، وكنوز تنتثر، وصفحات تنتشر، السنة أيها الأحبة هي مرآة النبي، وروعة الرسالة، وهي جمال المنهج، وصفاء المبدأ. وسأعرض عرضاً سريعاً ولن أطيل عليكم، ولعل الشيخ أن يتوسع فيه. أيها الأحبة! لضيق الوقت ومراعاة المقام أقول: إن الذي يتمعن في الحديث يجد فيه أساليب كثيرة، ومنها التشبيه، وكذلك التمثيل، والاستفهام للمسائل، وكذلك أيها الأحبة إجابة السائل على عكس سؤاله، ومن أساليبه كذلك اغتنام الفرصة، ومن أساليبه الوسيلة التعليمية، وهذا خاصة ونحن في بداية العام الدراسي الذي سوف يأتي بمشيئة الله نقول لأصحاب التربية وأرباب التعليم الذين يؤمنون بأهمية الوسيلة التعليمية لتثبيت الدرس وتأكيد المعلومة: صحيح أنه صلى الله عليه وسلم لم يكن يمتلك الفلين، ولا الألوان السحرية ولا المائية ولا الخشبية، ولكنه كان يمتلك إصبعاً سحرية يخط به على الثرى، فيرسم بها لوحة ترتسم في القلوب، فلا يخرج منها أبداً عليه الصلاة والسلام. ومن أساليبه التعليم بالقصة عليه الصلاة والسلام، ولعل الشيخ يعلق على هذه الأساليب، وأشكركم جميعاً، وأسأل الله أن يثيبكم على هذا البرنامج، وأسأل الله بمنه وكرمه أن يجمعنا بالشيخ إنه على ذلك قدير، وبالإجابة جدير، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

حكم صيام ما بعد النصف من شعبان وحكم إحياء ليلة النصف من شعبان بالعبادة

حكم صيام ما بعد النصف من شعبان وحكم إحياء ليلة النصف من شعبان بالعبادة أخت سألت عن حديث: (إذا انتصف شعبان) بالنسبة للصيام، وهذا أمر مهم جداً، فالبعض يعتقد في هذه الليلة أن لها أفضلية، وأيضاً: مسألة الصيام بعد انتصاف شعبان، لعلك تحرر هذه المسألة؟ نحن الليلة في ليلة النصف من شعبان، فأما عن فضل قيامها فلا أعلم فيه شيئاً يثبت، وأما ما جاء من أن الله يطلع على أهل الدنيا فيغفر، فهذا ثابت عنه صلى الله عليه وسلم، وقد صححه الألباني كما في الجامع الصحيح، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا كانت ليلة النصف من شعبان اطلع الله على أهل الأرض، فيغفر لكل أحد إلا مشرك أو مشاحن)، وفي هذا دلالة على تهذيب النفوس، وأن الإنسان يبتعد عن الغل والحقد والحسد، فهي مظنة لغفران الذنوب. فهذه الليلة لا تحيا بأي نوع من أنواع العبادة، فالإنسان يقومها كما جرت عادته في الليل، والنبي صلى الله عليه وسلم لم يتكلم عن قيامها، ولم يقل مثلاً كما قال في ليلة القدر: (من قام ليلة القدر) أو قال: أحيوها، وإنما انتهى كلامه صلى الله عليه وسلم إلى أنها ليلة يطلع الله فيها على عباده فيغفر لهم، فهي مظنة قبول توبة ومظنة غفران، هذا الذي يمكن أن نستنبطه من الحديث. وأما الصيام فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال فيما رواه أصحاب السنن: (إذا انتصف شعبان فلا تصوموا)، واختلف العلماء أولاً في تصحيح الحديث، ثم في فقه الحديث، فالحديث صححه ابن حبان رحمة الله عليه، واستنكره الإمام أحمد، وقد قال بعض الشراح: إن الإمام أحمد استنكره لأن فيه العلاء بن عبد الرحمن، والعلاء بن عبد الرحمن من رجال مسلم، لكن قال فيه بعض العلماء: إنه صدوق يهم أحياناً. والذي يعنينا أن من رأى صحة الحديث يرى كراهة صيام ما بعد النصف من شعبان، وهذا مذهب الشافعي رحمه الله. وهذا إذا لم يكن له عادة قبله، فإذا قرب رمضان بيوم أو يومين يرى الشافعي رحمه الله حرمة الصيام، وهذا عندي أقرب الأقوال للجمع بين الأدلة والأحاديث الواردة في الباب. وبعض العلماء -كما ذكرنا عن الإمام أحمد - استنكر هذا الحديث؛ عملاً بعموم ما ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم ما رؤي في شهر أكثر منه صياماً من شعبان. لكن النبي صلى الله عليه وسلم هديه صيام الإثنين والخميس، وصيام ثلاثة أيام من كل شهر، فقول الشافعي فيما يبدو لي أقرب الأقوال إلى الجمع بين الأحاديث؛ لأن شهر رمضان الأصل فيه التعبد بالصيام، فالذي يظهر من مجموع الأحاديث أنه لا يستقبل بصيام؛ حتى يصبح للشهر خصيصته، وينتهي الصيام إلى النصف منه، عملاً بالحديث الذي صححه ابن حبان: (إذا انتصف شعبان فلا تصوموا)، لكن هذا الرأي كما قلت ليس أوحد، وقد قال بعض العلماء بخلافه ولهم أدلتهم، والإنسان من عامة المسلمين المستفتي على دين مفتيه، فلا ينكر على من صام أكثر من النصف، لأن الذي قال بهذا هم علماء أجلاء، ومن احتاط ورأى أنه لا يصوم عملاً بأنه حديث صحيح فهذا فعل خيراً. والبعض يعلل الكثرة من صيام شعبان أنه استقبال لهذه العبادة، فصلاة الظهر مثلاً تستقبل بنافلة، ونقول: العبرة بفعل النبي صلى الله عليه وسلم، وحديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكثر من صيام شعبان ويقول: (إنه شهر يغفل الناس عنه) فهذا حق، لكن يمكن الجواب عنه بأن هذا في الخمسة عشر يوماً الأولى منه؛ عملاً بحديث: (إذا انتصف شعبان فلا تصوموا)، لكن قلت: إن الشافعية حملوا هذا الحديث على الكراهة، وإنما جعلوا التحريم قبل صوم رمضان، لكن قال بعض العلماء: من كان له صيام اعتاده كصيام الإثنين والخميس فلا يدخل في هذا النهي، والأمر واسع إن شاء الله.

أساليب النبي في التعليم والتربية

أساليب النبي في التعليم والتربية المقدم: الشيخ حسين الثقفي جزاه الله خيراً قد تكلم عن أساليب النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث، وقال: إنها تشتمل على كثير من الأساليب اللغوية والبلاغية ونحوها. الشيخ: النبي صلى الله عليه وسلم أوتي جوامع الكلم: يا أفصح الناطقين الضاد قاطبة حديثك الشهد عند الذائق الفهم فهو عليه الصلاة والسلام يقرب المعنى بالإشارة أحياناً، وبالحركة أحياناً، قال: (أنا وكافل اليتيم كهاتين)، وقال: (التقوى هاهنا وأشار إلى صدره)، وقال عليه الصلاة والسلام: (اللهم فاشهد ونكتها إلى الأرض)، فهذه كلها وسائل، وقال: (الشهر هكذا وأشار بيديه)، فهذا كله دلالة على حرصه عليه الصلاة والسلام وشفقته على أمته أن يصل الأمر إليها. ونشكر الشيخ حسين الثقفي جزاه الله خيراً على مشاركاته، وعلى طرحه الجيد عبر الحلقات.

المراد بالبرهان في قوله تعالى: (لولا أن رأى برهان ربه)

المراد بالبرهان في قوله تعالى: (لولا أن رأى برهان ربه) المقدم: قوله تعالى: {وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ} [يوسف:24] ما المقصود بالبرهان هنا؟ الشيخ: من قواعد التفسير أن الأمور الغيبية لا يتكلم فيها؛ لأن الغيب لا يعرف لا بتجربة ولا بعقل ولا بجهد، فالله جل وعلا يقول: {لَوْلا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ} [يوسف:24]، ثم لم يخبرنا الله ما هو البرهان، فعلى هذا اتفق أئمة التفسير الذين لا يتكلفون على أنه لا يدرى ما هو البرهان الذي أظهره الله ليوسف، وأما من جاء من أهل التفسير الذين يتكلفون فقالوا: رأى أباه يعقوب عاضاً على إصبعه، وقالوا كلام لا يعقل ولا ينسب إلى أنبياء الله، وكلها إسرائليات لا تقوم عليها حجة، والأصل في الغيب أن يبقى غيباً لا يعرف إلا بنص وخبر صحيحين عن الله أو عن رسوله صلى الله عليه وسلم.

الكلام عن الأولية

الكلام عن الأولية المقدم: قوله صلى الله عليه وسلم: (أنا أول من ينشق عنه القبر) كلمة: أول، الملاحظ لمن يطلع في كتب التاريخ والسيرة أنها تتكرر كثيراً: أول من فعل كذا، وأول من عمل كذا، فما تعليقكم على ذلك؟ الشيخ: الأولية تنقسم إلى ثلاثة أقسام: منها ما ثبت شرعاً بخبر صحيح، فالله جل وعلا يقول مثلاً في قضية يحيى عليه الصلاة والسلام: {لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا} [مريم:7]، فلو جاء إنسان وقال: إن يحيى هو أول من سمي بهذا الاسم لقلنا: صواب؛ لأن الله قال هذا في كتابه، ولو جاء إنسان وقال: إن هاجر أم إسماعيل هي أول من اتخذ المنطق الذي يضعه النساء في الوسط، فهذا ثابت في حديث عند البخاري. فهناك أمور ليست قابلة للرد شاعت وذاعت ولا يمكن ردها، فنقبلها في الأولية. وهناك أمور لا زالت محل خلاف بين الناس، مثلاً: من أول من يأخذ كتابه بيمينه؟ وأول من يأخذ كتابه بشماله؟ فهذه فيه خلاف طويل، فمما هو شائع عند أهل السير أن أول من يأخذ كتابه من هذه الأمة بيمينه هو أبو سلمة بن عبد الأسد رضي الله عنه وأرضاه، وهو أول من هاجر واستوطن قباء، فهذا قيل: إنه أول من يأخذ كتابه بيمينه، وعلى النقيض منه أخوه الأسود بن عبد الأسد فقيل: إنه أول من يأخذ كتابه بشماله، والأسود هذا يمر مع طالب العلم في السيرة، فلما يقرأ غزوة بدر يرى أن الأسود هذا أقسم على أن يصل إلى الآبار التي على المسلمين ويشرب منها، فقطعت رجله دون أن يصل إلى البئر، قطعها حمزة أو أحد المسلمين، مع أنهما أخوان، واحد أول من يأخذ بيمينه، والآخر أول من يأخذ بشماله، ولهذا قال الله جل وعلا: {إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى} [الليل:4].

التعليق على حديث علي في قصة الشارفين

التعليق على حديث علي في قصة الشارفين المقدم: شيخ صالح أنتقل إلى الحديث الثاني وأستأذنك وأستأذن المشاهد الكريم فالحديث طويل، والمتأمل أنه لا يحسن أن يتشقق في محاور، ولذلك سأقرؤه كاملاً ثم أترك لك التعليق عليه يا شيخ. عن علي بن الحسين أن حسين بن علي أخبره أن علياً قال: (كانت لي شارف من نصيب من المغنم يوم بدر، وكان النبي صلى الله عليه وسلم أعطاني مما أفاء الله عليه من الخمس يومئذٍ، فلما أردت أن أبتني بـ فاطمة بنت النبي صلى الله عليه وسلم واعدت رجلاً صواغاً في بني قينقاع أن يرتحل معي فنأتي بإذخر، فأردت أن أبيعه من الصواغين فنستعين به في وليمة عرسي، فبينا أنا أجمع لشارفي من الأقتاب والغرائر والحبال، وشارفاي مناخان إلى جنب حجرة رجل من الأنصار، حتى جمعت ما جمعت فإذا أنا بشارفاي قد أجبت أسنمتهما، وبقرت خواصرهما، وأخذ من أكبادهما، فلم أملك عيني حين رأيت المنظر، قلت: من فعل هذا؟ قالوا: فعله حمزة بن عبد المطلب، وهو في هذا البيت في شرب من الأنصار، وعنده قينة تغنيه وأصحابه، فقالت: في غنائها: ألا يا حمز للشرف النواء فوثبت حمزة إلى السيف فأجب أسنمتهما، وبقر خواصرهما، وأخذ من أكبادهما، قال علي: فانطلقت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وعنده زيد بن حارثة وعرف النبي صلى الله عليه وسلم الذي لقيت، فقال: ما لك؟ قلت: يا رسول الله! ما رأيت كاليوم قط؛ عدا حمزة على ناقتي فأجب أسنمتهما، وبقر خواصرهما، وها هو ذا في بيت معه شرب. فدعا النبي صلى الله عليه وسلم بردائه فارتدى، ثم انطلق يمشي واتبعته أنا وزيد بن حارثة حتى جاء البيت الذي فيه حمزة، فاستأذن عليه فأذن له، فطفق النبي عليه السلام يلوم حمزة فيما فعل، فإذا حمزة ثمل محمرة عيناه، فنظر حمزة إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ثم صعد النظر فنظر إلى ركبته، ثم صعد النظر فنظر إلى وجهه، ثم قال حمزة: وهل أنتم إلا عبيد لأبي! فعرف النبي صلى الله عليه وسلم أنه ثمل، فنكص رسول الله صلى الله عليه وسلم على عقبيه القهقرى فخرج وخرجنا معه)، متفق عليه]. الحديث كما هو واضح متفق عليه ووارد في الصحيحين، وقد يكون بعض المشاهدين لم يسمع به إلا هذه المرة.

الفوائد المستفادة من الحديث السابق

الفوائد المستفادة من الحديث السابق الشيخ: الحديث فيه وقفات كثيرة، وفيه أشياء تحتاج إلى بيان معانيها، فنبين للمشاهد الكريم المعنى الإجمالي لهذا الحديث فنقول: إن علياً رضي الله تعالى عنه وحمزة كليهما شهد بدراً، وكليهما من آل البيت، وعلي رضي الله عنه خطب فاطمة وأراد أن يعقد عليها وأن يدخل عليها بعد بدر، وكان في بدر قد أصاب هو نفسه من المغنم شارفاً، والشارف هي الناقة المسنة، والنبي صلى الله عليه وسلم لكون علي من آل البيت منحه شارفاً أخرى -يعني: أعطاه من الخمس- فأصبح لدى علي شارفان. فهاتان الشارفان -أي: الناقتان المسنتان والمتقدمتان في العمر- كانتا في ذلك الوقت تعتبران غنيمة كبيرة جداً، خاصة لفتى كـ علي لم يكن تاجراً، فعمد إلى أن يذهب بالشارفين إلى ديار فيها إذخر -وهو النبات المعروف-؛ حتى يأتي به إلى المدينة ويبيعه على الصاغة، والصاغة كانوا آنذاك يحتاجون الإذخر، فاتفق مع يهودي من بني قينقاع أن يذهبا سوياً؛ لأن هذا اليهودي له علم بما يحتاجه الصاغة من الإذخر. وفي تلك الفترة الناقة هذه تحتاج إلى أقتاب وغرائر وأشياء توضع عليها حتى يذهب في رحلته، فأناخ الناقتين بجوار دار لرجل أنصاري وعقلهما، ثم ذهب يبحث، فلما اكتملت فرحته ووجد ما أراد ويحتاجه من الأقتاب والغرائر والحبال وواعد الرجل اليهودي صاحبه ليذهبا سوياً، وجد الناقتين قد جب من سنامهما، يعني: الذي نحرهما لم ينحرهما ليأكلهما ذكاة شرعية، وإنما جب أسنمتهما من أعلى على عادة العرب في الجاهلية، ثم بقر الخواصر حتى يأخذ الأكباد، وترك باقي اللحم. فرجل فرح بالشارفين: أحدهما غنمه، والآخر جاءه من النبي صلى الله عليه وسلم، وهما يعتبران ثروة في ذلك الزمان، فيراهما لا ينتفع منهما بشيء، يقول: فدمعت عيناي، وسأل قبل ذلك وقال: من فعل هذا؟ قالوا: حمزة، وهو في شرب، والشرب مجموعة القوم إذا جلسوا على شراب، قال الأعشى: فقلت للشرب في درني وقد ثملوا شيموا وكيف يشيم الشارب الثمل قلت للشرب يعني: مجموعة أصحاب من الذين يشربون معاً. فذهب إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره الخبر، فالنبي عليه الصلاة والسلام أخذ رداءه وذهب ومعه علي وزيد، فاستأذن -وهو سيد الخلق- قبل أن يدخل، فدخل فعلم من مجمل القضية أن حمزة رضي الله عنه كان قد شرب، فإحدى القين التي تغني ذهبت إلى أبيات شعر قالها عبد الله بن أبي السائب كما حررها المرزباني في معدن الشعراء: ألا يا حمز للشرف النواء وهن معقلات بالفناء والنواء بمعنى السمينة، وقلنا: إن الشارف هي المسنة، وفرق بين المسنة والسمينة، لكنها مسنة وسمينة في وقت واحد، فلما أثير حمزة بقر الخواصر وفعل فيهن ما فعل، فالنبي صلى الله عليه وسلم أخذ يلوم حمزة، فـ حمزة رضي الله عنه وأرضاه كان قد بلغ به السكر مبلغه، فنظر في قدمي النبي صلى الله عليه وسلم في الأول، ثم صعد النظر إلى الركبتين، ثم صعد بنظره كأنه يريد أن يتعرف لكن السكر غلبه، حتى وصل إلى وجه النبي صلى الله عليه وسلم، ثم قال حمزة يخاطب النبي وعلياً وزيداً: وهل أنتم إلا عبيد لأبي! ففهم النبي صلى الله عليه وسلم أنه ثمل فرجع القهقرى، ومن هذا نأخذ أن الخمر كانت تضيع عقول أكمل الرجال، فـ حمزة رضي الله عنه من أكمل سادة أهل البيت، وقد شهد بدراً وأحداً، لكنها في ذلك الزمن كانت مباحة فلا تثريب شرعي عليه؛ لأن الله جل وعلا لم يكن بعد قد أنزل تحريمها، فلا يأتي إنسان ويقول: هذا من أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم ثم يسكر، فيقال: إن ذلك قبل أن تكون حراماً، وإلا فـ حمزة سيد الناس، قال عليه الصلاة والسلام: (سيد الشهداء حمزة). وهو أخو النبي صلى الله عليه وسلم من الرضاعة، والنبي عليه الصلاة والسلام أصابه كمد وحزن شديد على موت حمزة رضي الله عنه وأرضاه، وقد جاء في بعض الروايات أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى عليه، وإن كان المشهور أنه لم يصل عليه، لكن ورد أنه صلى عليه سبعين صلاة، فمقام حمزة مقام رفيع. وعلي رضي الله تعالى عنه -كما في هذا الأثر- يدل على أنه يعرف شيئاً اسمه المعايشة، فقد يكون الإنسان على غير ملتك وعلى غير دينك لكنك ابتليت به كجار أو كصاحب أو كمعرفة أو زملاء في العمل، فلا يعني هذا ظلمه واضطهاده، ولا عدم الاستفادة منه، فـ علي رضي الله عنه في ذلك الزمن في الجيل الأمثل والرعيل الأول يختار رجلاً يهودياً من قبيلة قينقاع ليذهب معه، ويتفقان، ومن هنا قال الله جل وعلا: {وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ} [آل عمران:75]، فالناس يختلفون، فإذا أمنت الرجل فمن الممكن أن تتعايش معه، وهذا لا يتنافى مع عقيدة الولاء والبراء. وهذا التعايش يكون في حدود محددة جاء الشرع بضوابطها، فلا يصح غلق الباب تماماً ولا يقبل؛ لأنه لابد للناس أن يتعايشوا.

قد يغلب الإنسان وإن كان شجاعا

قد يغلب الإنسان وإن كان شجاعاً الأمر الثاني: أنه قد يغلب الرجل الكامل الذي يقارع الأبطال مثل علي، ومن قرأ التاريخ يعرف شجاعة علي، ومع ذلك فالإنسان أحياناً يغلب، فهذا علي رابع الخلفاء، وحاتم الحنفاء رضي الله عنه وأرضاه يرى ناقتيه قد بقرتا، وجبت خواصرهما، ويقول لابنه راوي الحديث، والابن يقول لابنه -يعني: لحفيد علي - يقول: فلم أملك أن دمعت عيناي، فالإنسان الذي يريد أن يربي من تحته لا يأتي يمنع الناس من أشياء جبلية، فالآن بعض الرجال لو رأى ابنه بكى عيره وشتمه، ويقول: اغسل يدك منه، وهذا كله كلام متكلف، فلا يمكن لأحد أن يخرج عن بشريته، فـ علي رضي الله عنه تعالى وأرضاه فعل الأفاعيل في أهل الكفر، ومع ذلك لما رأى شيئاً عزيزاً عليه قد بقر غلبته عيناه، وقد قال بعض الشراح: إن الذي أضر به أن عمه هو الذي بقر الشارفين، لكن هذا غير صحيح؛ لأن علياً ذكر في الحديث أنه بكى ودمعت عيناه قبل أن يعرف، قال: فسألت: من فعل هذا؟ قالوا: حمزة، وهذا بعد أن ذكر أن عينيه قد دمعتا. ثم ذهب إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فالإنسان إذا عجز عن الشيء فإنه يذهب إلى من يقدر عليه، فـ علي رضي الله عنه لما علم أن الذي صنع هذا هو عمه حمزة -فـ حمزة أخو أبي طالب - توقف، لكنه سأل: أين هو؟ قالوا: في شرب له في دور الأنصار، فحرر المكان ثم ذهب إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأخبره. والنبي عليه الصلاة والسلام سيدخل على قوم سكارى، ومع ذلك أخذ رداءه، فالإنسان المنظور إليه يتجمل في اللباس، والمسجد هو أعظم مكان يمكن أن يدخله، قال الله: {يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} [الأعراف:31] أي: عند كل صلاة، فالإنسان لا يحسن به أن يذهب إلى الصلاة بلباس النوم، وإذا جئت تنصح بعض الناس قال: يا أخي احمد الله أني أصلي! الحمد لله على كل حال ونعوذ بالله من أهل النار، لكن هذا ليس حقاً، فينبغي للإنسان أن يأتي للصلاة في أجمل شيء، فإذا كان النبي عليه الصلاة والسلام أخذ رداءً وهو نبي الأمة وليس مظنة للتهمة، وذهب إلى قوم سكارى؛ ليلومهم وليثرب عليهم، ومع ذلك يتجمل عليه الصلاة والسلام، فلكل حال لبوس. يقول علي رضي الله عنه وأرضاه: فخرج فتبعته أنا وزيد، وزيد هو ابن حارثة، وهذا الكلام كله في أول الدعوة، أي: قبل أحد وبعد بدر مباشرة، أي: في أول السنة الثانية في شوال، فذهب صلى الله عليه وسلم فاستأذن فأذن له، فلما دخل على حمزة أخذ يعاتب حمزة ويلومه، وحمزة ثمل، أي: أن الخمر قد بلغت منه مبلغاً عظيماً، فأخذ ينظر في الأول في الأسفل، ثم صعد النظر حتى وصل إلى رؤية وجه النبي صلى الله عليه وسلم، فقال -وهذا مما يدلل على أن الخمر قد بلغت مبلغاً-: وهل أنتم -يخاطبهم الثلاثة- إلا عبيد لأبي! وهذه العبارة فهم منها النبي صلى الله عليه وسلم أن حمزة قد ثمل، فلما قالها أراد النبي أن يعلم الأمة هنا بالفعل لا بالقول، فرجع القهقرى، أي: رجع يمشي إلى وراءه وبصره باق في حمزة؛ لأنه يخشى لو أنه أعطى ظهره لـ حمزة أن يطمع فيه حمزة وهو ثمل فيضربه أو يطعنه أو يقع منه شيء، فالعاقل لا يمكن خصمه من نفسه، وهذا مع اختلاف الوضع؛ لأن حمزة ليس عدواً، لكنه وقتها لا يكاد يدري ما يفعل، فمسألة المغامرات هذه عندما تكون فرداً وأنت تحسبها حساباً دقيقاً، وأما أن يأتي إنسان يوكل إليه أمر جماعة أو أمر مدرسة أو أمر طلاب أو أمر دولة أو أمر إمرة ثم يأتي يمكن عدوة من نفسه، فهذا ليس من الحكمة، فالنبي صلى الله عليه وسلم محفوظ بحفظ الله له: {وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} [المائدة:67]، ومع ذلك رجع القهقرى؛ حتى لا يجعل لـ حمزة طريقاً إليه، ولو وقع من حمزة شيء وهو ثمل فإنه يستطيع صلى الله عليه وسلم أن يرده. وأحياناً لا يكون هناك نفع من الخطاب، فلما رأى النبي عليه الصلاة والسلام أن حمزة ثمل، فلا وقت للمعالجة، خرج هو وزيد وعلي رضي الله تعالى عليهما، والمقصود أن الإنسان كذلك يتوخى متى يعالج، وليس شرطاً أن تعالج المشكلة في وقتها، فالمهم أن تعالج المشكلة في وقت يغلب على الظن أنه ينفع، فكم من أمور إذا أرجئت يكون الحل في إرجائها.

مراعاة حق القرابة عند الخصام

مراعاة حق القرابة عند الخصام المقدم: يا شيخ صالح إذا أذنت لي أن أقف وقفتين ثم أنتقل إلى الحديث الثالث: تصرف الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه -وقد أشرت إلى شجاعته-، فعندما علم أن الخصم إنما هو أحد أعمامه تصرف بحكمة، ألا يفهم من هذا يا شيخ مراعاة الإنسان لصلة الأرحام أحياناً، فقد تكون هناك مشاكل بين الأسرة: بين الشخص وأعمامه وأخواله؟ الشيخ: لا شك أن القرابة لهم حق، والإنسان الذي يضيرك قدحه لا تقدح فيه، فأحياناً الإنسان قد يكون له حق عند أبيه أو أخيه أو ابنه فعلى الإنسان أن يغض الطرف عن هذا، لكن إذا بلغ الأمر مبلغاً وأصبح الظلم فيه ظاهراً، وسلب الحق فيه كاملاً، وأنك لو سكت ازداد في ظلمه لك فالحق أن تطالب بحقك ولو كان ذا قرابة، وقد نقل هذا عن صالح الأسلاف.

أفضلية فاطمة رضي الله عنها على النساء

أفضلية فاطمة رضي الله عنها على النساء المقدم: ورد ذكر السيدة فاطمة رضي الله عنها في الحديث فلعلنا نبين يا شيخ أفضليتها بين النساء. الشيخ: فاطمة هي ابنة النبي صلى الله عليه وسلم، وقد اختلف العلماء رحمهم الله في من هي سيدة نساء العالمين على عدة أقوال أشهرها أربعة، فقيل: إنها فاطمة، وقيل: إنها خديجة، وقيل: إنها عائشة، وقيل: بالتوقف في المسألة، فهذه أظهر الأقوال، والذي يترجح عندي والعلم عند الله أن فاطمة أفضل نساء العالمين قاطبة، والأدلة على هذا ثلاثة: الدليل الأول: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها: (أنت سيدة نساء أهل الجنة)، قال لها ذلك في مرض موته. والدليل الثاني: أن النبي صلى الله عليه وسلم توفي أبناؤه وبناته جميعاً وهو حي، والقاعدة تقول: إن الإنسان إذا فقد عزيزاً فهذا العزيز إذا صبرت على فقده فهو في ميزانك، وإذا صبر هو على فقدك فأنت في ميزانه، مثلاً هناك أب صالح وابن صالح، فإذا مات الأب قبل فالأب في ميزان الابن إذا صبر، والابن إذا مات قبل أبيه فالابن الصالح يكون في ميزان أبيه إذا صبر. فجميع أبناء وبنات النبي صلى الله عليه وسلم في ميزانه صلوات الله وسلامه عليه، وهو ميزانه ثقيل بهم وبغيرهم، لكن فاطمة هي الوحيدة من أبناء وبنات النبي صلى الله عليه وسلم التي النبي عليه الصلاة والسلام في ميزانها؛ لأن هؤلاء مات النبي صلى الله عليه وسلم بعدهم، وأما هي فقد رأت وفاته صلى الله عليه وسلم فصبرت، ولا ريب أن مجرد فقد أي فتاة لأبيها مثقل، فكيف لفقدها لأبيها وأبوها سيد الخلق صلى الله عليه وسلم! فالنبي عليه الصلاة والسلام في ميزان ابنته رضي الله عنها، ولا يحتاج هذا إلى تعليق بأنه ميزان ثقيل جداً. الدليل الثالث: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في حقها: (إنها بضعة مني)، ولهذا قال الذهبي رحمة الله عليه في الأعلام في ترجمتها: هي البضعة النبوية، والجهة المصطفوية. فهذه الثلاثة الأدلة تجعلني أرجح القول بأنها سيدة نساء العالمين، رضي الله عنها وعن أمها، وصلى الله على أبيها. ولا يفهم من كلامي هذا أن من أراد أن يبر بوالدته أو بوالده أنه يتمنى موته قبله، أو أن هذا أيضاً قد يسبب لهما بعض الحزن، فهذا أمر قدري لا يدخل فيه ولا يتمناه لا لنفسه ولا لأحد، وإنما يرضى بقضاء الله وقدره.

السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم القيامة

السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم القيامة المقدم: [الحديث الثالث قوله صلى الله عليه وسلم: (سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله). لعلكم يا شيخ تبينون هذه الأصناف السبعة بحديث إيماني نبين فيه أفضلية كل صنف من هذه الأصناف]. الشيخ: قال صلى الله عليه وسلم فيما رواه البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: (سبعة يظلهم الله تحت ظله يوم لا ظل إلا ظله: إمام عادل، وشاب نشأ في طاعة الله، ورجل قلبه معلق بالمساجد، ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال: إني أخاف الله، ورجل تصدق بصدقة فأخفاها؛ حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه). فكلما عظم الموئل والمنزل والدرجة والمكانة والعطية عظم الطريق إليها، والناس يخرجون يوم القيامة تدنو منهم الشمس، فهم أحوج ما يكونون إلى الظل، والظل هنا نسب إلى الله وأضيف إلى الله تشريفاً، وإلا فهو ظل العرش، كما يقال: بيت الله، فهو إضافة تشريف. (يوم لا ظل إلا ظله) يعني: يوم لا ظل هناك إلا ظل العرش، وقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم سبعة، ولما كان الإمام العادل عظيم النفع، جليل الأثر على الناس قدم على غيره، باعتبار أن نفعه متعد، فقدم النبي صلى الله عليه وسلم الإمام العادل وهو نادر قليل في الأمم، وألحق به العلماء كل من ولي ولاية خاصة كالقضاة والأمراء. ثم قال صلى الله عليه وسلم: (وشاب نشأ في طاعة الله)، وفي الحديث الآخر (يعجب ربك من الشاب ليست له صبوة)، فإذا وجد شاب في زمن غلبت فيه الفتن، وظهرت فيه المحن، وكثر فيه الطاعنون في الدين أو النازحون إلى الشهوات، ومع ذلك بقي معتصماً بالله متمسكاً بهدي كتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، فهذا إن خلصت نيته وصلحت سريرته من الذين يظلهم الله تحت ظل عرشه. إن المساجد بيوت الله، وقد أمر الله جل وعلا أن ترفع ويذكر فيها اسمه، فمن تعود وأحب الصلاة فيها، وسابق إليها بالصف الأول غدواً ورواحاً، وكان أول من يقدم وآخر من يخرج في الغالب، ويفرح لمقامه فيها فهذا من السبعة الذين يظلهم الله تحت ظل عرشه. والناس تجمعهم المصالح، فيختلفون عليها ويفترقون عليها، لكن لله جل وعلا عباداً يجتمعون على محبته، ويفترقون إذا افترقوا وقد أحب كل منهم الآخر في ربه، فهؤلاء من السبعة. والرجل إذا دعته امرأة ذات منصب وجمال، فهي بمنصبها تحميه، وبجمالها تغريه، لكن خوفه من الله منعه من أن يقع في هذه الفاحشة التي هي مما زين للناس. والسادس: رجل تصدق بصدقة فأخفاها، فلو قدر أن شماله إنسان حي يرى ويبصر لخفي عليه صنيعه ذلك؛ لأنه يتعامل مع ربه، ويعلم أن صنيعه يدونه الملكان، ويحصيه الرقيبان. ورجل خلا بنفسه فذكر عظمة الله جل جلاله، وما لله جل وعلا من صفات الجبروت، وما لله جل وعلا من عظمة الملكوت، وما لله جل وعلا من نعوت الجلال، وصفات الكمال، ففاضت عيناه شوقاً إلى الله على حال، أو فرقاً من الله على حال أخرى، أو بهما معاً. فهؤلاء السبعة حق لهم أن ينالوا المنصب العالي والعطاء الأعظم، قال صلى الله عليه وسلم: (سبعة يظلهم الله تحت ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله)، جعلني الله وإياك منهم.

الحديث عن رمضان

الحديث عن رمضان المقدم: كثير من الإخوة على الموقع طالبوا بالحديث عن رمضان، وأنا أحيلهم وأحيل المشاهد الكريم إلى حلقة كاملة على الموقع بعنوان: رمضان بين الفقه والإيمان، وقد كانت من حلقات هذا البرنامج. الشيخ: ولنا شريط سيخرج اسمه: دنت بشائره، وهو أول خطبتين خطبتهما في قباء العام الماضي عن رمضان. وسنختم الكلام بالحديث عن رمضان: فأقول: إن رمضان شهر ومطية لبلوغ مرضاة الله، ولن تستطيع أن تصوم رمضان على الوجه الأكمل والنحو الأتم إذا كنت تعتمد على قراءتك الفقهية، لكن ينبغي أن تعلم أن الله جل وعلا وحده هو الموفق، وأن تعظم الله تبارك وتعالى في قلبك، وأن تعلم أن الله -رحمة بك- أفاء عليك ببلوغ شهر كريم، فإذا بلغته فاقتصد في أوله، وزد في وسطه، ثم اجتهد كل الاجتهاد في آخره، فهذه سنة نبيك صلى الله عليه وسلم، فلا تبدأ بالاجتهاد الكامل في أوله ثم يصبك الفتور، فإن المنبت لا أرضاً قطع ولا ظهراً أبقى. تقول عائشة: (إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجتهد في العشر الوسطى ما لا يجتهد في العشر الأول، ويجتهد في العشر الأواخر مالا يجتهد في الشهر كله). والإنسان قبل رمضان إذا أظهر لله نية ورغبة وسريرة ترغب فيما عند الله، وهو على يقين أن الموفق والمسدد هو الله، والمعين والميسر هو الله، واستدر رحمة ربه في أن يوفقه، بلغ مقصوده، وأما من أوكل نفسه لنفسه، وظن أنه إذا قرأ المتون أو ما إلى ذلك بلغ مقصوده، فلن يبلغ أحد مقصوده إلا بعطاء الله، كما قال العز بن عبد السلام: والله لن يصلوا إلى غير الله إلا بالله، فكيف يصلون إلى الله إلا بالله!! المقدم: أحسن الله إليكم شيخ صالح، نختم بهذه العبارة الجميلة، جزاك الله خيراً، وكتب أجرك، حقيقة أفدتنا بهذه الحلقة. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

§1/1