القصيدة الوضاحية في مدح السيدة عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها

ابن بهيج

بينما كان هذا المجلد من لقاء العشر الأواخر يُطبع نزل أمر الله وقضاؤه بوفاة صاحب الدار الناشرة له الشيخ الفاضل رمزي بن سعد الدِّين دمشقية رحمة الله تعالى عليه وقد توفي عصر يوم الثلاثاء 23 شعبان 1423 هـ وصُلِّي عليه يوم الأربعاء بعد صلاة العصر، ودفن في مقبرة الشهداء ببيروت وكم كنا نتمنّى إخرج هذا المجلد قبل وفاته رحمه الله تعالى؛ لما علمنا من حرصه الشديد على رؤيته مطبوعًا؛ فقد كان ركن هذا اللقاء الطيِّب، ولكن قضاء الله نافذ، ولا راد لما كتب، وإنا على فقده لمحزونون، وإنا لله وإنا إليه راجعون. اللَّهُمَّ أسبغ عليه الرحمات، واجعل مقامه في الجنات، آمين. أُسرة دار البشائر الإسلامية * * * جميع الحقوق محفوظة الطبْعَةُ الأولى 1423 هـ - 2002 م دار البشائر الإسلامية للطباعة والنشر والتوزيع هاتف: 702857 - فاكس: 704963/ 009611 بيروت - لبنان - ص ب:5955/ 14 e-mail: [email protected]

تصدير المجموعة الرابعة

تصدير المجموعة الرابعة بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الحمدُ لله الذي جعل لعباده مِنْ دهرِهِ نَفَحَاتٍ لِيَتَعَرَّضُوا فِيها إلى فُيُوض رَحْمَتِهِ، وجَعَلَ العشرَ الأواخرَ من رمضانَ مِنْ أَجَل هذه المواسمِ قَدْرًا، وأَعْظَمِها مَظِنَّةً لِمَغْفِرَتِهِ، علا ربُّنا فكانَ فوقَ سماواتِه عاليًا، ثُمَّ على عَرْشِه اسْتوى، يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفى، ويَسْمَعُ الكلامَ والنَّجوى، لا تَخْفى عليه خافيةٌ في الأرضِ ولا في السَّماءِ، ولا في لُججِ البِحارِ ولا في الهواء. وأشهدُ أَنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ إلهًا واحدًا، فَرْدًا صَمَدًا، قاهرًا قادرًا، رؤوفًا رحيمًا، لم يتَّخِذْ صاحبةً ولا ولدًا، ولا شريكًا له في مُلْكه، امتنَّ على المُؤْمنين بفضله، فَبَذَلَ لَهُمُ الإحسانَ، وزَيَّن في قلوبهمُ الأيمان، وكرَّه إليهمُ الكفرَ والفسوقَ والعصيان. وأشهدُ أنَّ نبيَّنا وسَيّدَنا محمَّدًا عبدُهُ ورسولُهُ، وصَفِيُّهُ مِن خَلْقِهِ، وحبيبهُ وخليلُه، الرَّحمةُ المهداةُ، والنعمةُ المُسْداةُ، السِّراجُ المنيرُ، والبشيرُ النَّذيرُ، صلَّى اللهُ تعالى عليه وعلى آلِهِ وأَزْواجِه وذُرِّيَّتِهِ، وأَنْصَارِهِ وَأَتْبَاعِهِ

إلى يَوْمِ بَعْثِ بَرِيَّتِهِ، آمين. وبعدُ: فَبِفَضْلِ الله تعالى ومِنَّتهِ، ومَحْضِ كَرَمِهِ وجُوده ورَحْمَتِهِ، يسَّر لنَا تَجَدُّدَ لِقاءِ مجالسِ العَشْرِ الأَواخرِ التي نَعْقِدُها بِصَحْنِ المسجدِ الحرامِ تُجاهَ الكعبةِ المشرَّفة -زادها الله عِزًّا وشرفًا ومَن شَرَّفَها وعَظَّمَها- في موسم هذا العام -1422 هـ-، بَعْدَ أَنْ حَظِي إنْتاجُ العام الماضي 1421 هـ وما قَبْلَهُ بِقَبولِ العُلماءِ والفُضلاءِ، وطلبةِ العلمِ والنُّبلاءِ، في الحرمين الشريفين وغيرها من بلاد الإِسلام، فالحمدُ لله الذي بنعمته تَتِمُّ الصَّالحاتِ، ونَسْأله المزيدَ مِن فضله وتوفيقه، إنَّه سميع مجيب. وكان من جُملة من سُرَّ بهذه المجالس وشَجَّعَنَا إلى المزيد من البحث والتحقيق وإخراج كنوز السلف وإحياء سُنَّة السماع والقراءة والمقابلة والعرض، شيخُ الحنابلة في عصرنا العلَّامةُ الفقيهُ شيخُنا الشيخُ عبدُ الله بْنُ عبد العزيز العقيلُ حفظه الله تعالى. وقد شَرُفَ لقاؤنا هذا العام -1422 هـ- بمساهمة جليلة لفضيلته -حفظه الله تعالى ومتَّع به- وذلك بسماع القصيدة الوضاحية، حيث تشرَّفتُ بقراءتها عليه بحضور أخي وقرَّة عيني الشيخ محمَّد بن ناصر العجمي وحفيد الشيخ أنس بن عبد الرحمن ابن الشيخ عبد الله العقيل، فقام بتصحيح بعض ألفاظها وضبطها وكتب السماع بخطِّه الشريف المثبت في أول هذه المجموعة، فجزاه الله عنَّا خير الجزاء وجعل ذلك في ميزان حسناته. وقد تمَّ في هذا الموسم -1422 هـ- قراءة وإعداد الرسائل الآتية:

1 - القصيدة الوضَّاحية في مدح السيِّدة عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها، لأبي عمران موسى بن بهيج الأندلسي، بعناية كاتب هذه السطور. 2 - صفة المؤمن والمؤمنة، للعالم الزاهد ذي النون المصري، بعناية فضيلة الشيخ رمزي سعد الدين دمشقية. 3 - تفريج الكروب في تعزيل الدروب، للإِمام العلَّامة تقي الدين أبي بكر بن داود الحنبلي، بتحقيق تفاحة الكويت الأخ الشيخ محمَّد بن ناصر العجمي. 4 - مجلس في فضل صوم يوم عاشوراء، للحافظ زكي الدين المنذري، بتحقيق الباحث الشيخ عبد اللطيف بن محمَّد الجيلاني. 5 - بذل المرام في فضل الجماعة وأحكام المأموم والإمام، للشيخ حسن بن إبراهيم البيطار، بتحقيق الشيخ الدكتور عبد الرؤوف بن محمَّد الكمالي. 6 - جزء في زواج أبي العاص بن الربيع بزينب بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، للشيخ عبد الغني المقدسي، بتحقيق الشيخ مساعد العبد الجادر. 7 - مدخل أهل الفقه واللسان إلى ميدان المحبة والعرفان، لابن شيخ الحزاميين، بتحقيق الأخ الشيخ وليد بن محمَّد العلي. 8 - الكفاءة في النكاح، للإِمام الفقيه ابن قطلوبغا، بتحقيق الدكتور عبد الستار أبو غدة. 9 - استيفاء الاستدلال في تحريم الإِسبال على الرجال، للأمير محمَّد بن إسماعيل الصنعاني، بتحقيق الدكتور عبد الرؤوف بن محمَّد الكمالي. 10 - قصيدة في مدح السُّنَّة، للحافظ أبي طاهر السِّلَفي، ويليه:

11 - رسالة في برِّ الوالدين، للإمام تقى الذين السبكي، كلاهما بعناية راقم هذه السطور. 12 - جزء في عدم صحة ما نقل عن بلال بن رباح رضي الله عنه من إبداله الشين في الأذان سينًا، لأبي الخير محمَّد الخيضري، ويليه: 13 - وصية ناصر الدين بن المَيْلَق، كلاهما بعناية الأخ الشيخ جمال عَزُّون. 14 - ختم جامع الإِمام الترمذي، للمحدِّث الشيخ عبد الله بن سالم البصري، بعناية العربي الدائز الفرياطي المغربي. هذا ونرجو من أساتذتنا ومشايخنا الأجلَّاء، وإخواننا طلبة العلم الفضلاء -في مشارق الأرض ومغاربها- أن لا يبخلوا علينا بنصائحهم وتوجيهاتهم، وتصويباتهم وتسديداتهم ومشاركاتهم، فنحن بأمسَّ الحاجة إليها، ويمكنهم إرسالها على عنوان الناشر، دار البشائر الإِسلامية - بيروت. ولا يفوتنا أن ننبِّه هنا أنَّ كل محقق وباحث مسؤول عن عمله وجهده وما قد يعتريه من نقص أو خلل أو خطأ، وليس لنا إلَّا التنسيق بين البحوث ومتابعة وصولها لذا لزم التنبيه. وصلَّى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلَّم. كتبه الفقير إلى الله نظام محمد صالح يعقوبي ليلة 27 رمضان المبارك 1422 هـ

مقدمة التحقيق

مُقدمة المعتَني بها بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الحمد لله والصلاة والسلام على سيّدنا رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد: فقد كنت في زيارة لبريطانيا صحبة الوالدة الكريمة حفظها الله تعالى لمراجعة بعض الأطباء، وكعادتي قصدت المكتبة البريطانية في لندن للاطِّلاع على نفائسها، فكان من جملة ما اطلعت عليه هذه القصيدة الجليلة. ثم بعد أيام قمت بزيارة مكتبة جامعة أكسفورد للاطلاع على بعض مخطوطاتها فوجدت النسخة الثانية المسندة لهذه القصيدة، فكأنها تنادي علي: أخرجني أخرجني!! ولم يسبق لي قبل ذلك الاطِّلاع عليها لقلة بضاعتي وقصوري، مع أنه تبيَّن لي بعد ذلك أنه قد سبق طبعها مرارًا مشرقًا ومغربًا كما في مقدمة أخي الشيخ العجمي حفظه الله في ترجمة صاحب القصيدة وتوثيقها وتخميسها، ولكن يبقى لنا فضل نشرها للمرة الأولى منسوبة إلى مؤلفها الأصلي رحمه الله، اعتمادًا على هاتين النسختين المخطوطتين اللتين لم يسبق اطِّلاع أحد ممَّن سبق إلى نشرها عليهما، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم. * * *

ترجمة صاحب القصيدة وتوثيقها وتخميسها

ترجمة صاحب القصيدة وتوثيقها وتخميسها (¬1) أولًا: ترجمة الناظم ذكره ابن الأبار في "التكملة لكتاب الصلة" (¬2) حيث قال: موسى بن بهيج، المغربي الواعظ، أندلسي من أهل المرية، نزل مصر، يكنى أبا عمران. كان من أهل العلم والأدب، وله في الزهد وغيره أشعار حملت عنه، ذكره ابن خير وحدَّث عن أبي جعفر بن زيدون عن أبي عبد الله محمَّد بن أحمد بن عباس المرشاني عنه بمخمَّسته في الحج وأعماله كلها، لقيه بمصر وقرأها عليه في سنة ست وتسعين وأربعمائة، وكان أبو عمر المعروف بابن يَمْنَالَش الزاهد ينشد لابن بهيج هذا: إنما دنياك ساعة ... فاجعل الساعة طاعهْ ¬

_ (¬1) تفضل أخي وقرة عيني تفاحة الكويت الشيخ محمَّد بن ناصر العجمي حفظه الله بكتابة هذه الترجمة، مع توثيق القصيدة وتخميسها، وقال في مقدمتها: "بقلم: الفقير إلى عفو ربه محمَّد بن ناصر العجمي، مهداة لأخيه عالم البحرين وجوهرتها المكنونة نظام محمَّد صالح يعقوبي غفر الله ذنوبه وذنوبي". فجزاه الله عني كل خير. (¬2) (2/ 174، 175) بتحقيق الدكتور عبد السلام الهراس، ط دار المعرفة بالدار البيضاء في المغرب.

واحذر التقصير فيها ... واجتهد ما قدر ساعهْ وإذ أحببت عزًّا ... فالتمس عزّ القناعهْ وترجم له أحمد بن محمَّد المقري في "نفح الطيب من غُصن الأندلس الرطيب" (¬1) في ذكره لمن رحل إلى المشرق فقال: موسى بن بهيج المغربي الأندلسي، الواعظ، الفقيه، العالم، من أهل المرية، نزل مصر ... ثُمَّ ذكر نحو كلام ابن الأبار السابق. وذكر له ابن خير الأندلسي في "فهرسة ما رواه عن شيوخه" (¬2): مخمسة الشيخ الواعظ المقري أبي عمران بن بهيج الأندلسي، في صفة الحج وأعماله كلها؛ وقطعة شعر لامية أيضًا في الزهد، أولها: كم تحسنت أو حسنت المعال وهي اثنا عشر بيتًا. حدثني بهما الشيخ الوزير أبو جعفر عبد الله بن محمَّد بن زيدون المخزومي رحمه الله، مناولة منه لي، قال: حدثني بهما الحاج الإِمام أبو عبد الله محمَّد بن أحمد بن عياش العبدري المرشاني رحمه الله، قراءةً عليه، عن قائلهما أبي عمران بن بهيج رحمه الله، قراءة عليه، لقيه بمصر في سنة 496. كما أن الحافظ أبو طاهر السِّلَفِي روى له شعرًا في "معجم السَّفر" (¬3) إذ يقول: ¬

_ (¬1) (2/ 220، 221) بتحقيق إحسان عباس، ط دار صادر. (¬2) (ص 413، 414) ط دار الآفاق الجديدة. (¬3) (ص 144) ط المكتبة التجارية بمكة المكرمة.

ثانيا: توثيق القصيدة وصحة نسبتها لأبي عمران موسى بن بهيج الأندلسي

حدَّثني أبو محمّد عبد الله بن محمد بن ملوك التنوخيّ الفليشيّ بالإسكندرية بعد رجوعه من مكَّة، وفليش قرية من قرى لُرْقَة بشرق الأندلس، قال: غاب أبو عمران الفليشيّ، موسى بن محمد بن بهيج الكفيف المَرِيِّي عن عشائره مدّة بالمشرق، فعمل بمصر موشّحًا أوَّله: يا مُنَجِّمِينَا ... هل لِلْغَرِيبِ سَبِيلْ نَحْوَ الظّاعِنِينَا ... فَالْقَلْبُ مِنْهُ عَلِيلْ لَا يُلْفِي مُعِينَا ... إلَّا دُمُوعًا تَسيلْ وَيُجْرِيهَا هَتُونا ... مِنْ جَفْنِهِ وَيُدِيلْ ومنه: حَكَى نَوْحَ المُسْتَهَامِ ... مِمَّا بِهِ مِنْ غَرَامْ نَوْحًا كَنَوْحِ الحَمَامِ ... عَلى ذُرَى الآكَامِ غَدَا يُجْرِي بِانْسِجَامِ ... دمْعًا كَصَوْبِ الغَمَامِ يَشْكُو لِكُلِّ الأَنَامِ ... مَا بِالْحَشَا مِنْ كَلاَمِ ولم يذكر ابن الأبار ولا المقري سنة وفاته، ولكنه كان حيًّا سنة (496 هـ) إذْ كان في مصر. ثانيًا: توثيق القصيدة وصحة نسبتها لأبي عمران موسى بن بهيج الأندلسي قال الحافظ أبو طاهر السِّلَفِي في "معجم السَّفر" (¬1): أنشدني أبو الطاهر عبد المنعم بن موهوب بن أحمد القارئ بمصر، ¬

_ (¬1) (ص 204).

قال: أنشدنا أبو عمران موسى بن محمد بن عبد الله بن بهيج الأندلسي لنفسه من قصيدته المشهورة في ذكر عائشة الصدّيقة ومنها: أَكرِمْ بِأرْبَعَةٍ أئِمَّةِ شَرْعِنَا ... فَهُمُ لِبَيْتِ الدِّينِ كَالأرْكَانِ بينَ الصَّحَابَةِ والقَرَابَةِ أُلفَةٌ ... لَا تَسْتَحِيلُ بِنَزْغَةِ الشيْطَانِ نُسِجَتْ مَودَّتَهُمْ سَدًى في لُحْمَةٍ ... فَبِنَاؤهَا مِنْ أثبَتِ البُنْيَانِ {رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} صَفَتْ أَخْلاَقُهُم ... وَخَلَتْ قُلُوبُهُمُ مِنَ الشنْآنِ هُمْ كَالأَصَابِعِ في اليَدَيْنِ تَوَاصُلًا ... هَلْ يَسْتَوِي كَفٌّ بِغَيْرِ بَنَانِ اللهُ ألَّف بينَ وُدِّ قُلُوبِهِمْ ... لِيَغِيظَ كُل مُنَافِقٍ طَعَّانِ فَدُخُولُهُمْ بينَ الأحِبَّةِ كُلْفَةٌ ... وَسِبَابُهُمُ سَببٌ إلَى الحِرْمَانِ وذكرها الحافظ ابن حجر في "المجمع المؤسس للمعجم المفهرس" (¬1) فيما يرويه عن شيخه عبد الرحمن بن أحمد، المعروف بابن الشيْخَة، حيث قال: "قصيدة في مدح أم المؤمنين عائشة" أولها: مَا شَانُ أُمِّ المُؤمِنينَ وَشَاني وهي من نظم أبي عمران موسى بن محمَّد بن عبيد الله الأندلسي الواعظ، بسماعه لها على أبي الحسن بن قُرَيْش، بسماعه من الحافظ رَشِيد الدين يحيى بن علي بن عبد الله العَطَّار، قال: أخبرنا أبي، قال: أخبرنا أبو طاهر عبد المنعم بن موهوب إجازة، قال: أنشدنا أبو عمران. كما ذكرها في "المجمع" (¬2) أيضًا، فيما يرويه عن شيخه محمَّد بن محمَّد بن أبي بكر، خطيب الصَّالحية، إذ يقول: ¬

_ (¬1) (2/ 130) بتحقيق يوسف المرعشلي، ط دار المعرفة في بيروت. (¬2) (2/ 486).

وسمعت من لفظه "أحاديث وأناشيد، فيها القصيدة التي في مدح أم المؤمنين عائشة"، أولها: ما شان أُمِّ المؤمنين وشاني وهي من نظم أبي عمران موسى بن عبيد الله الأندلسي الواعظ، بسماعه من عز الدين ابن جماعة قال: أخبرنا محمَّد بن أبي الحَرَم، قال: أخبرنا الرشيد العَطَّار، قال: أخبرنا أبي، قال: أخبرنا أبو طاهر عبد المنعم بن موهوب إجازة عنه. كما أن أبو الفتح إبراهيم بن علي القرشي القلقشندي قد رواها من طريق الحافظ ابن حجر، إذ يقول كاتب "ثبته" (¬1) محمَّد بن يشبك اليوسفي: وسمِعَ على سيِّدنا ومولانا وشيخنا شيخ مشايخ الإِسلام والحفاظ جمال الدين أبي الفتح إبراهيم بن شيخ الإِسلام علاء الدِّين أبي الفتوح علي بن القاضي قطب الدِّين أحمد القُرَشي القلقشنديّ الشافعي جميع القصيدة الوضَّاحيَّة في مدح أُمِّ المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها، التي أوَّلها: ما شان أُمِّ المؤمنين وشاني بقراءة الشَّيخ شهاب الدِّين أحمد بن علي القدسي الحنبليّ، كاتبه (¬2) محمَّد بن يشبك اليوسفيّ، وولده أحمد، والشَّيخ شرف الدِّين يونس بن ملاج الحسنيّ الحنفيّ، قال مولانا المُسَمِّع: أخبرنا بها جمع من الشيوخ سماعًا ¬

_ (¬1) "ثبت القلقشندي" (17 / ب قطعة منه، نسخة مكتبة المدينة المنورة العامَّة برقم 365). (¬2) قلت: وهذا عين إسناد نسخة أكسفورد التي اعتمدنا عليها. (كتبه نظام).

منهم شيخ الإِسلام شهاب الدِّين أبو الفضل أحمد بن علي بن حجر الشافعي، والمسندة أُمِّ الفضل هاجر القدسيَّة، والمسندة ساره ابنة جماعة وغيرهم، سماعًا على الثانية، وإجازةً من الأول والأخيرة إن لم يكن سماعًا ولا قراءة. قال الأوَّلون: أنا أبو الفرج عبد الرحمن بن أحمد المبارك بن الشيخة الغزّي سماعًا لهاجر، وإجازة؛ إن لم يكن سماعًا ولا قراءة لشيخ الإِسلام ابن حجر، أنا أبو الحسن عليّ بن إسماعيل بن إبراهيم بن قُريش، وقالت ساره: أنا جدّي شيخ الإِسلام عزّ الدِّين أبو عمر عبد العزيز بن محمّد بن إبراهيم بن سعد الله بن جماعة الكنانيّ إجازة؛ إن لم يكن سماعًا، أنا أبو بكر محمد بن مكي بن جامع القرشيّ سماعًا. قال هو وابن قريش: أنا بها الرَّشيد أبو الحسين يحيى بن علي بن عبد الله القرشيّ العطار الحافظ، أنا بها أبو الطَّاهر عبد المنعم بن موهوب اليزني القارئ، أنشدنيها ناظمها أبو عمران موسى بن محمَّد بن عبد الله الأندلسي الواعظ، عُرِفَ بابن بهيج، فذكرها. وأجاز مولانا المُسَمِّع لكاتبه محمَّد بن يشبك اليوسفي وولده أحمد رواية ذلك وجميع ما يجوز له وعنه روايته، صحَّ ذلك وثبت بباب منزل مولانا المُسَمِّع بِحَارَة بهاء الدِّين قراقوش، في يوم الأحد المبارك السادس عشر من ذي القعدة الحرام، سنة ثمان وعشرة وتسعمائة". وقد كتب صحة هذا السماع بخطه العلَّامة أبو الفتح القلقشندي: "الحمد لله. صحيح ذلك، كتبه إبراهيم بن علاء القرشي القلقشندي الشَّافعي حامدًا مصليًا مسلمًا". وممن سَمِعَ هذه القصيدة ورواها: العلَّامة محمَّد المرتضى الزَّبيدي،

إذ جاء سماعه لها على نسخة من هذه القصيدة محفوظة بالخزانة العامة بتطوان في المغرب تحت رقم (60)، وإليك إياه (¬1): بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، حمدًا لمن نزَّل براءة الصدّيقية في كتابه، وصلاةً وسلامًا على سيدنا محمَّد وآله وصحبه، وبعد: فيقول أسير المساوي، عبد الوهاب بن محمَّد الطائي الحميدي الشافعي الشبراوي: قد أنشدنا شيخنا الإِمام الحَبْر الهُمام اللغوي الجهبذ الناثر الناظم الناقد المحدث المفسر الفقيه الحنفي السيد الشريف محمد بن محمد بن محمَّد الشهير بالمرتضى الزبيدي الحسيني نزيل مصر، بجامع المرحوم شيخو العمري الناصري بخط صليبة أحمد بن طولون، قال: أنشدنا إياها شيخنا الفقيه الصالح محمَّد بن مصطفى بن علي الأيسر الفُوّي الشافعي عن والده. قال شيخنا السيد المذكور: وأعلى من ذلك أني رويتها عن شيخي السيد محمد بن محمَّد حجاج الحسيني قال: أنشدنا أبو الفيض علي بن إبراهيم الزغلي البويتجي الشافعي نزيل فُوَّة. قال: أنشدنا إبراهيم بن محمَّد المأموني الشافعي، عن الشمس الرملي الأنصاري، عن شيخ الإِسلام زكرياء الأنصاري، عن الحافظ شهاب الدين أحمد بن علي بن حجر العسقلاني بقراءته على أبي الفرج عبد الرحمن بن أحمد بن المبارك، أنا أبو الحسن علي بن إسماعيل بن قريش المخزومي سماعًا سنة 739 بسماعه على الحافظ رشيد الدين أبي الحسين يحيى بن علي القريشي، قال: أخبرنا والدي أبو الحسن علي بن عبد الله القريشي بحق قراءتي عليه غير ما مرة، أخبرنا ¬

_ (¬1) انظر ما يأتي (ص 18).

أبو طاهر عبد المنعم بن موهوب اليَزَني الواعظ إجازةً، أنشدنا أبو عمران موسى بن محمَّد بن عبد الله الأندلسي لنفسه في عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها، وأجازه الأفضل وزير مصر السُّني عليها بمائة دينار لما بلغته، رضي الله عنها ورحم الله القائل. تمت بحمد الله وعونه وحسن توفيقه، والحمد لله أولًا وآخرًا وظاهرًا وباطنًا، ولا حول ولا قوة إلَّا بالله العلي العظيم. وعليها بخط السيد مرتضى ما نصه: الحمد لله، قد سمع مني هذه القصيدة بقراءتي: كاتبها وصاحبها الشيخ الفاضل المفيد أبو الفضل عبد الوهاب بن محمَّد بن علي الشبراوي الشافعي حفظه الله، وقد أجزت له ولمن سمع معه، وهم نحو من ثلاثين نفسًا ضبطت أسماؤهم على ظهر نسخة الأصل عند مثبت الأسماء، روايتَها عني، بارك الله فيهم ونفع بهم. وكتبه محمَّد بن محمَّد بن محمَّد المرتضى الحسيني في يوم الاثنين لليلتين بقيتا من شعبان سنة 1186 بجامع المرحوم شيخو العمري، حامدًا لله ومصليًّا ومسلمًا. هذا ما وقفت عليه من توثيقٍ أصيلٍ لهذه القصيدة الجليلة، ومما ينبغي التنبيه عليه أن هذه القصيدة قد سبق نشرها وذلك من قِبَل العلَّامة اللغوي سعيد الأفغاني، فقد أوردها كاملة في كتابه "عائشة والسياسة" المطبوع في القاهرة سنة (1947) (ص 362 - 265) وذكر أنه اعتمد على نسخة قديمة في حوزة الأستاذ أحمد عُبيد صاحب المكتبة العربية بدمشق. كما أن العلَّامة عبد الله كنون المغربي نشرها (¬1) في مجلة مجمع اللغة ¬

_ (¬1) وقد اعتمد على أربع نسخ: الأولى نسخته الخاصة، والثانية والثالثة والرابعة من =

العربية بدمشق سنة (1393 هـ -1973 م) (47/ 748 - 756) ثُمَّ أعاد نشرها مرة أُخرى في مجلة "المناهل" التي تصدرها وزارة الثقافة في المغرب العدد السادس (رجب 1396 هـ - يوليو) (ص 25 - 34) (¬1). ومما قاله في مطلع هذه المقالة: "هي قصيدة في مناقب أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها اشتملت على ذكر فضائلها وفضائل والدها أبي بكر الصديق ومجادلة الخصوم المبغضين لها المتقولين عليها. ومحاجتهم بالدليل من الكتاب والسنة في إيمان صادق ودفاع حار. وبالواقع التاريخي الذي لا نزاع فيه من سيرتها العطرة وسيرة أبيها الخليفة الأول رضوان الله عليه، وكل ذلك بأسلوب بارع وبيان رفيع، ونظم محكم متين، وإلى هذا وبقطع النظر عن كل اعتبار، فالقصيدة تعبر عن عاطفة إنسانية رفيعة لأنها تتخذ موقف المساندة بجنب سيدة شريفة أثناء أزمة ¬

_ = محتويات المكتبة العامَّة بتطوان، وأرقامها فيها (656، 830، 60) والرقم الأخير فيها هو رقم النسخة التي فيها سماع الزبيدي الذي سبق إيراده من مقالته في مجلة مجمع اللغة العربية (49/ 924). وقد تعقب أحدهم في مجلة مجمع اللغة العربية بدمشق (49/ 453) مقال عبد الله كنون الذي أورد فيه هذه القصيدة، وذكر أنه رأى بخط والده وهو من القرن الماضي أن القصيدة لابن لعديم، كما أنني وقفت على نسخة خطية من هذه القصيدة في مكتبة عارف حكمت بالمدينة النبوية برقم (267 مجاميع)، وذكر ناسخها في أولها أنها لابن الجزري، وهذه النسخة منسوخة سنة 1189 هـ، وقد زادت أبياتها على بقية النسخ أكثر من عشرين بيتًا، وهذا كله مما حدا بي إلى العناية بتوثيق هذه القصيدة وبيان صحة نسبها إلى أبي عمران الأندلسي. (¬1) وقد أوقفني على هذه المقال أخي الباحث المحقق الطلعة، أحد كواكب المغرب المشرقة عبد اللطيف بن محمَّد الجيلاني، فجزاه الله عني خيرًا.

ثالثا: تخميسها

هي أعنف أزمة يمر بها امرأة في حياتها، فتنافح عنها وعن كرامتها حتى تحتفظ لها بسمعتها الطيبة وذكرها الجميل. ومما أبر به صاحب هذه القصيدة أنه جعلها على لسان السيدة عائشة نفسها، فبعد المطلع الذي يوذن بمقصوده تخلص في البيت الثاني إلى إعطائها الكلمة، فجعلها هي التي تناظر وتفاخر وتدفع في نحور الأعداء بسلاح الحجة والبرهان الذي يطوقهم الخزي والعار. فلو أنها رضي الله عنها نطقت فعلًا بشعر في الموضوع لما زادت على ما احتوته هذه القصيدة، وهي من هي قوة بيانٍ وشدة عارضة. وهذا مما يدل على بلاغة منشئها، ومقدرته البيانية وتمكنه من صناعة الشعر، فضلًا عن رسوخ قدمه في المعرفة بعلم الحديث والسيرة النبوية والتاريخ وسائر العلوم الإِسلامية". ولا يعزب عنك أيها القارئ ما مرَّ في سماع الزَّبيدي لها أنه ذكر: أن الأفضل وزير مصر السني (¬1) أجاز ناظمها بمائة دينار لمَّا بلغته. ثالثًا: تخميسها ومما يدل على العناية بها أن الشيخ عبد الحميد قُدْس المكي المتوفى سنة (1334 هـ) (¬2) قد خمَّسها بعنوان "بُلوغ السَّعد والأمنية في مدح سيدتنا ¬

_ (¬1) هو الأفضل بن أمير الجيوش بدر الجمالي، وزِّر للمستنصر والمستعلي من خلفاء الفاطميين، وكان سنِّيًّا أبطل الكثير من مراسيم الفاطميين، توفي سنة 515 هـ. (تاريخ الدولة الفاطمية للدكتور حسن إبراهيم حسن ص 175). (¬2) هو الشيخ عبد الحميد قُدْس بن علي، قال الشيخ المؤرخ المكي عبد الله مرداد أبو الخير في "نشر النَّور والزَّهر- مختصره، ص 237 وما بعدها": "الجاوي =

أم المؤمنين المبرأة الصِّديقية" وهو مطبوع في مطبعة الترقي في مصر سنة (1319 هـ) (¬1) وإليك نصها: هذا التخميس النفيس على القصيدة السنية، المقولة على لسان المبرأة الصديقية، سيدتنا أم المؤمنين عائشة المحظية، زوجة وحبيبة خير البرية، صلَّى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه وأزواجه بكرة وعشية، وهي متضمنة لمدحتها البهية، تقبَّل الله تعالى ذلك إنه مبلغ الأمنية، آمين بالآمين. قِفْ واستمع قولًا عظيم الشان ... في مدح زوج المصطفى العدنان إذ قال عنها مثبتُ البرهان ... (ما شأن أُمّ المؤمنين وشاني) (هُدِيَ المحبُّ لها وضَلَّ الشاني) فاقت على كل النساء بنُبلها ... ولدَى العلوم بدت معالمُ طَوْلها وإذا أردتَ بيانَ عِزَّةِ نيلها ... (إني أَقول مبينًا عن فضلها) (ومترجِمًا عن قولها بلساني) يا مدَّعي حُبّ المشفع أحمد ... خذ حُبّ حِبَّتِه شفيعك في غد ¬

_ = أصلًا، المكي مولدًا، الشافعي، الأديب الشاعر، أخذ العلم عن أهله وذويه ولازم فيه". ثُمَّ ذكر أخذه عن علماء مكة، ورحلته إلى الجامع الأزهر وأخذه عن علمائه، وتصدى بعد ذلك للتدريس في المسجد الحرام. ومما قال أبو الخير مرداد: "وأثنى عليه كثير من أهل الفضائل، ونثر ونظم، وألف التآليف العديدة الحسنة المفيدة". وذكر طرفًا منها، ثُم إشارة إلى هذا التخميس بالعنوان السابق. توفي الشيخ عبد الحميد قدس سنة (1334 هـ). وانظر ترجمته أيضًا في "سير وتراجم" لعمر عبد الجبار (ص 157)، و"الأعلام" للزركلي (3/ 288). (¬1) أوقفني على هذه التخميس الأخ الدكتور عبد الله الحُجيلي، الأستاذ بالجامعة الإِسلامية بالمدينة المنورة، فجزاه الله خيرًا.

فإذا أبيتَ أقولُ قولَ مسدّد ... (يا مبغضي لا تأتِ قبر محمَّد) (فالبيت بيتي والمكان مكاني) أتظنّ تحظى مع قِلاكَ بمقصد ... حاشا فأنتَ إذًا بشرٍّ مُغْتدٍ أو ماترى ما حزتُهُ بتأيُّدِ ... (إني خُصصتُ على نساء محمَّد) (بصفاتِ بِرٍّ تحتهن معاني) سَبقتْ خديجةُ واعترفتُ بفضلها ... وخصائصي في الذكر منبَعُ جَزلها ونساءُ أحمدَ فقتُهن بجُلّها ... (وسبقتُهن إلى الفضائل كلِّها) (فالسبق سبقي والعِنان عناني) من ذا الذي قد حاز مثلَ مناقبي ... إذ كنتُ حِبَّةَ من أشاد مراتبي فالسعدُ وافاني ونِلتُ مآربي ... (مرض النبيُّ ومات بين ترائبي) (واليومُ يومي والزمان زماني) من سار مثليَ في الخليقة سيرَه ... والسعد أنطقَ باعتلائيَ طَيْرَه ما زلتُ أشكر للمهيمن خيرَه ... (زوجي رسولُ الله لم أر غيرَه) (الله زوَّجني بِهِ وحباني) قد زانني ربي بحسن سريرتي ... ولدى ذوي الإيمان حسَّنَ سيرتي وأعزَّني الهادي ففقْتُ عشيرتي ... (وأتاهُ جبريلُ الأمينُ بصورتي) (فأحبَّني المختارُ حين رآني) فأنا الكريمة من غشاني برُّه ... قد زادني شرفًا وعزًّا فخرُه من ذا يفاخرني وبيتي قبرُه ... (أنا بكرهُ العذراءُ عندي سرُّه) (وضجيعُه في منزلي قمران) فليَ الهنا أعلى المهيمنُ رُتبتي ... إذ بالحبيب بلغتُ غايةَ بُغيتي

وبسورة النور البهيَّة قِصَّتي ... (وتكلَّمَ اللهُ العظيمُ بحجَّتي) (وبراءَتي في محكم القرآن) وكذاكَ أوْعد من أراد مَذَلَّتي ... بالخزي والبلوى وأحسنَ نشأتي وأعزَّني رغمًا لحُسن محَجّتي ... (واللهُ عظَّمني وعظَّم حرمتي) (وعلى لسانِ نبيّهِ بَرَّاني) تَبًّا لمن لخلاف ذلك يتذِي ... حسبي إلهي والمهيمنُ منقذي فبِهِ نصرتُ على المنافق والبَذِي ... (واللهُ في القرآن قد لعنَ الذي) (بعدَ البراءة بالقبيح رماني) سبحان ربِّي إذْ قضى بتخَلّصي ... وأذلَّ أعدائي ودمَّر مُرْهصي وأزال همِّي فاستحال تنغُّصي ... (والله وبَّخ مَنْ أراد تنقُّصي) (إفكًا وسبح نفسَه في شأني) فمعيشتي من بعد ذاك هنيئةٌ ... وحياةُ إخوان النفاقِ رديئةٌ ولوامعُ البشرى عليَّ مضيئة ... (إني لمُحصَنَةُ الإِزار بريئةٌ) (ودليلُ حُسنِ براءَتي إحصانِي) هو كيف لا وعليَّ جادَ بنيله ... رَبِّي وأكرمني بأجزل طَوْله ولحسن ظنِّي في الكريم وفضله ... (الله خصَّصني بخاتم رسله) (وأذلَّ أهل الكفر والطغيان) كيف التجاهُلُ عن مقام أوحد ... قد فقتُ أمثالي بغير تَردُّد حَفَّت عنايته ففزت بسؤدد ... (وسمعتُ وَحْيَ الله عند محمَّد) (من جبرئيل ونورُه يغشاني) مَنْ ذا لهُ الإذلالُ عند جنابه ... مثلي ومَن قد حدثتْ بخطابه

ومنِ استقرتْ والأمينُ ببابه ... (أُوحِي إليه وكنت تحتَ ثيابه) (فحنا عليَّ بثوبِهِ وحباني) فالله نوَّر بالعلوم بصيرتي ... وقُصِدتُ بالفتوى ففقتُ بفَتْوَتي زَمَنَ الأُلى فازوا بأعظم رتبةِ ... (مَنْ ذا يُفاخرني ويُنكر صحبتي) (ومحمدٌ في حِجْره ربَّاني) فأنا بعائشة سُمِّيتُ لِمَقْصِدٍ ... وأنا الحظيةُ قد حُظيتُ بسيِّد وأنا النسيبَةُ قد سَمَوْتُ بمَحْتَدٍ ... (وأنا ابنةُ الصدِّيقِ صاحبِ أحمد) (وحبيبهِ في السرِّ والإِعلان) أبوايَ قد سبَقَا لديْن ممجَّدٍ ... وإلى المدينة هاجرا بتَوَدُّدٍ فنشئتُ في الإِسلام نشأة مُسعدٍ ... (وأخذت عن أبويّ دينَ محمدٍ) (وهما على الإِسلام مصطحِبان) فالمجدُ مجدِي والسعادةُ مَنْصِبِي ... والعزُّ عزَّي والنجابةُ مَرْكَبي والسعد سعدي والشهامة مَشْربي ... (والفخر فخري والخلافة في أبي) (حسبي بهذا مَفخَرًا وكفاني) وبأمرِ طَهَ قدَّموه بِسُجَّدٍ ... فَرَضُوا خلافتَه برأي مرْشِدٍ فمشى على سَنَنِ المفضَّل أحمدٍ ... (وأبي أقامَ الدينَ بعد محمدٍ) (فالنَّصل نَصلي والسِّنان سِناني) مَنْ مِثْله أرضى النبيَّ بأُنسه ... وقَضى الأنامُ على محاسنِ حَدْسه وأعَدَّ كلَّ الصالحاتِ لرمسه ... (نَصَف النبيّ بماله وبنفسه) (وخروجِهِ معهُ من الأوطانِ) يومَ النبيُّ إلى المدينة قد نوى ... ما سار إلَّا والدِي مَعهُ سوا

وَمَعِيَّةُ المولى بنصرٍ فاستوى ... (ثانيهِ في الغار الذي سدَّ الكُوَى) (بِرِدائِهِ أكرِمْ به مِنْ ثان) مُذْ حَلَّ مع طه تكامل مَغْنَما ... وبقولِ "لا تحزنْ" تشجَّعَ واحتما فَعَلَتْهُ بعدُ سكينةٌ ممن سما ... (وتجلَّلتْ معه ملائكةُ السما) (وأتتهُ بشرى الله بالرضوان) ما زال يقْفُو فعلَ طه المجتبى ... ويسيرُ مهما سار مَعْهُ تحبُّبَا فهو الذي في الله حَبَّ تقرُّبا ... (وجفا الغِنَى حتى تَجَلْبَبَ بالْعبا) (زهدًا وأظعنَ أيَّمَا إظعان) أمضَى لواءً للنبي بِنُبْلِهِ ... لتزولَ آثارُ الغُوَاة بطَوْله وتدومَ أعلامُ الهداة بفضله ... (قَتَلَ الذي منع الزكاةَ بجهله) (وأذَلَّ أهلَ البغي والعدوان) فاق الصحابةَ كلَّهم بمكارمٍ ... إذ كان بحرَ معارفٍ ومراحمٍ وأبا هدىً ونَدىً وصدقِ عزائمٍ ... (وهو الذي لم يخشَ لومةَ لائمٍ) (في قتل أهل الكفر والطغيان) أفتى الردى بشجاعةٍ بَذَلَ النَّدا ... أجلى الصدا بشهامةٍ قمع العدا حَازَ المفاخرَ كم لذلك أرشدا ... (سبق الصحابةَ والقرابةَ للهدى) (هو شيخهم في العدل والإِحسان) حاوى فضائلَ في الأنامِ جزيلةٍ ... وخصالِ بِرٍّ خامرته جليلةٍ مَنْ مثلُهُ يسمو بكلِّ جميلةٍ ... (واللهِ ما سبقوا لمثل فضيلةٍ) (مثلَ استباق الخيل يوم رهان) إلَّا أبي فيها كشمس سمائها ... أو مثلَ جوهرة زهت بضيائها

وكذاك ما راموا محلَّ سنائها ... (إلَّا وصار أبي إلى علْيَائها) (فمكانُهُ منهم أجلُّ مكان) فاللهُ أكرمه بأفضلِ رِفده ... إذ فاز بالهادي ففاق بسعدِهِ فسما الذُّرَى مَنْ ذا يقولُ بردِّهِ ... (وإذا أراد الله نُصرَةَ عبده) (مَنْ ذا يُطِيْقُ له على خِذلان) واللهُ خَصّ أبي بخيرٍ نائبِ ... وأبادَ أعداهُ بسهمٍ صائبِ خَلَفَ النبيَّ فكان أفضلَ نائبِ ... (جمع الإِلهُ المؤمنين على أبي) (فاستبدلوا من خوفهم بأمان) ذَا مَحْتَدِي مَنْ رامه فَلْيقْتني ... ليرى المقامَ فبالمحبةِ يعتني فإذًا أقول لمن صَفَى وأحبَّني ... (مَنْ حبَّنِي فَلْيَجْتنِبْ مَنْ سبَّنِي) (إن كان صانَ محبَّتي ورعاني) جانِبْ مودَّةَ من ألمَّ بمبغض ... فالزَّينُ تسري فيه وَصمةُ مُمْرضِ تَعِسَتْ محبةُ من يُلِمُّ بمعرضِ ... (فإذا مُحِبي قد ألمَّ بمبغِضي) (فكلاهما في بغضنا سيَّان) من ودَّني يحظى بعز مطرِبٍ ... والله يُسعفهُ بخيرٍ صيِّبٍ أوَليس يعلمُ حِظْوَتي بمُطَيِّبٍ ... (إِني لَطَيِّبّةَ خُلِقتُ لطيّبٍ) (ونساءُ أحمدَ أطيبُ النسوان) فأنا التي مما يُشين سليمةٌ ... محفوظة قد زيَّنتني شيمة وخصالُ برٍّ في الأنام وسيمة ... (إني لَصادقةُ المقال كريمة) (إِيْ والذي ذلَّتْ له الثقلان) وقد اصطفاني خالقي لصفيّهِ ... فحُمِيتُ من سوء الزمان وغيِّهِ

وكُسيتُ من فخر البها بسنيِّهِ ... (واللَّهُ حبَّبني لقلب نبيِّه) (وإلى الصراط المستقيم هداني) سعدٌ لمن قد وَدَّني وتأدّبا ... وبحبِّهِ الإِيمانُ فيه قد رَبا قد بَشَّرَ المولى المحبَّ تقرُّبا ... (إِني لأُمُّ المؤمنين فمن أبَى) (حُبِّي فسوف يَبوءُ بالخسران) فأحِبَّنِي تحظى بكل كرامةِ ... واجزمْ بحسن براءَتي وسلامتي وبطيبِ أصلي في الورى وشهامتي ... (والله يكرم من يُريد كرامتي) (ويُهين ربي من أراد هواني) واللهُ أتحفني بمِنَّة نَيْلِه ... وحبَا أحِبَّائي مواهبَ طَوْلِهِ وأذلَّ أعدائي بسطوةِ عدلِهِ ... (والله أسألهُ زيادةَ فضلِهِ) وحمدتُهُ شكرًا لما أولاني) فاقبَلْ دعائي يا كريم بمقصدٍ ... وَاخْزِ العدا واجْزِ المحبَّ بسؤددٍ هذا وذا نصحي لكل مؤيَّدٍ ... (يا من يلوذ بأهل بيت محمدٍ) (يرجو بذلك رحمةَ الرحمن) امْزُجْ محبَّتَهم بحبِّ هُدَى السُّبُلْ ... تنجو ففز بسنا محبَّتهم وصُلْ وإذا أردتَ العزَّ من سَنَدِ الرسل ... (صِلْ أُمهاتِ المؤمنين ولا تحُلْ) (عَنِّي فتُسْلَبَ حلَّةَ الإِيمان) طوبَى لمن قد حَبَّ خِيْرَةَ أمجدٍ ... مِنْ صحبِهِ والآلِ صفوةِ منجدٍ وجميعِ أزواجِ المشفعِ أحمدٍ ... (ويلٌ لعبدٍ خانَ آلَ محمدٍ) (بعداوة الأزواجِ والأختان) فأبِي معَ الفاروقِ عصمةُ ديننا ... وشهيدُهم عثمانُ مُذْهِبُ رَيننا

وعليٌّ الكرَّارُ نورُ يقيننا ... (أكرِمْ بأربعةٍ أئمةِ شرعنا) (فهمُ لبيت الدين كالأركان) حُبُّ الصحابةِ والقرابةِ تحفةٌ ... يا سعدَ من وافتهُ منها صُدْفة عَطَفت عليه من المهيمن عطفة ... (بين الصحابة والقرابةِ أُلفةٌ) (لا تستحيل بنزغة الشيطان) مَن شامَ طه نال أبهى مُنيةِ ... فالصحب قد سُعِدُوا بتلك الحُظْوَةِ فهمُ الكرامُ وهم قُصارَى بغيتي ... (نَسَجَتْ محبَّتَهم سَدَى في لُحْمتي) (بنيانها من أثبت البنيان) للهِ دَرُّهُم زكى إنفاقُهم ... في المُكْرَمات كما نما إرفاقهم باعوا النفوسَ لمن لهُ أشواقُهم ... (رُحَمَاءُ بينهمُ صفت أخلاقهم) (وَخَلَتْ قلوبُهُم من الشَّنَآن آلُ الرسول وصحبُهُ بلغوا العلا ... فمُحِبُّهم طُرًّا أصاب وفُضِّلَا ومحِبُّ بعضٍ مخطئٌ سَنَنَ الملا ... (هم كالأصابع في اليدين تَوَصُّلَا) (هل تستوي كفٌّ بغير بنان) طوبى لهم في سَلْمهم وحروبهم ... فالله راضٍ عنهمُ لوُثوبهم لله مَن أجلَى جميعَ كروبهم ... (واللهُ ألَّفَ بين وُدِّ قلوبهم) (في بُغْض كل منافق طعَّان) نالوا العلا إذ زيَّنتهم رأفَةٌ ... فلهم بجناتٍ أُعِدَّت غرفةٌ فَمنِ الأُلى بهمُ تُفَرَّقُ أُلفةٌ ... (فدخولهم بين الأحبَّة كلفةٌ) (وسِبابُهم سبب إلى الحرمان) قد أكرم المولى الصحابَ بقربه ... لصفا طويَّتِهم بأفضلِ حزبه

طه المرجَّى في المعاد وكَربه ... (طوبى لمن وإلى جماعةَ صحبه) (ويكون من أحبابه الحَسنَان) هذي المعالي إنما هي فيضةٌ ... استنهضتْها للمكارم نهضةٌ جمعت أوابدَ ما حوتها غيضة ... (خذها إليك فإنما هي روضةٌ) (محفوفة بالرَّوح والريحان) إنَّما رُباها بالمحامد مُفْعمٌ ... قد حف منشيها بسعدٍ مُكرمٌ وحبا مخمِّسَها نجاحًا منعمٌ ... (تجلي النفوسَ إذا تلاها مسلمٌ) (وعلى الروافض (¬1) لعنةُ الرحمن) يا رب أنجز بالمشفعِ قصدَنا ... واكْبِتْ أعادينا وجد بغنائنا عمن سواك فأنت أنفعُ مقتنَى ... (هذَا ويا ربَّاه جد ليَ بالمنى) (واغفر لناظمها أبي عمران) وعُبَيْدَك القدسيَّ زدْ في أجرهِ ... واحرُس بنيه من الزمان وشره واحمِ الجميعَ وكن لهُ في دهره ... (واجعل مكيدةَ مَنْ طغا في نحره) والْطُفْ بنا في السر والإعلان) وامنن علينا بالقبول وبالرضا ... وبحسن يُسْرٍ واحْمِ من سوءِ القضا واسبِلْ علينا السَّتْرَ واغفر ما مضى ... (واعْطِفْ علينا بالنبيّ المرتضى) (واختمْ لنا بشهادة الإِيمان) وامْنُنْ على كلٍّ بحسن مآلهِ ... والأهلِ والأحبابِ مع أنجالِهِ والمسلمين ومَن سما بمقاله ... (صلَّى الإِلهُ على النبيِّ وآلهِ) (فَبِهِمْ تتمُّ أزاهرُ البستان) ¬

_ (¬1) يقصد بهم غلاتهم الذين يبغضون الصحابة وأمهات المؤمنين.

ما دِيمةٌ فوق الخمائل قد همت ... وكذا السلامُ على الجميع ومَن هدت أنوارُهم للمكرمات وكَمَّلَتْ ... (والتابعين وتابعيهم ما شَدَتْ) (في دَوْحةٍ وُرْقٌ على الأغصان) تَمَّ هذا التخميس الأنيق النفيس بعون الملك العلام، في مدة زهيدة من الأيام، ظهر يوم الخميس الموافق 27 محرم الحرام، عام 1319 هجرية، على يد ناظمه الراجي ألطاف مولاه الخفية عبد الحميد بن محمَّد علي قُدُسْ. فتح الله تعالى عليه وأيده بروح القدس، ونظر إليه وإلى ذريته ومحبيه بعين الرحمة. وأزال عنهم وعن المسلمين كل غمة. ونسأله تعالى الإِخلاص والقبول وبلوغ الأمنية. * * *

وصف النسختين المخطوطتين

وصف النسختين المخطوطتين 1 - نسخة المكتبة البريطانية (British Library) بلندن: تقع ضمن مجموع رقمه في المكتبة البريطانية (OR.5509)، وهو بخط مملوكي غاية في الروعة والجمال، قد كتب برسم الخزانة العالية الناصرية ولد المقر المرحوم أقبغالص أستاذ الدار العالية الملكي الأشرفي. يقع المجموع في 26 ورقة، ويحتوي على: (أ) قصيدة بانت سعاد مع شرح مختصر لها (1 - 18 ب). (ب) حديث الإِفك، وهو نص رواية البخاري (19 أ - 22 ب). (ج) هذه القصيدة (23 أ- 26 ب). والنسخة مؤرخة في 22 جمادى الأولى 776 هـ. 2 - نسخة المكتبة البودلية بأكسفورد (Bodlean) بلندن: تقع ضمن مجموع حديثي نفيس من العصر المملوكي أيضًا، رقمه في المكتبة (marsh.493)، وهي الرسالة السادسة عشرة في المجموع (الأوراق 189 أ-193 ب). وناسخها هو يونس بن ملاج الحسني الحنفي، وهو من أهل العلم والرواية، وقد كتب هذه النسخة لنفسه رحمه الله، وعلى المجموع كله سماعات وإجازات كثيرة من أهل العلم له ولأصحابه.

السماعات: 1 - سماع على طرة القصيدة (ورقة 189 أ) سقط سطره الأول: [....] الدين أبي الفتح إبراهيم بن شيخ الإِسلام علاء الدين أبي الفتوح علي بن القاضي قطب الدين أحمد بن إسماعيل القرشي، القلقشندي الشافعي، جميع هذه القصيدة في مدح عائشة أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها، لأبي عمران موسى بن محمَّد بن عبد الله الأندلسي، عرف بابن بهيج: كاتبه يونس بن ملاج الحسني الحنفي، والشيخ ناصر الدين محمَّد بن يشبك اليوسفي، وولده الشهاب أحمد. قال المسمع: أخبرنا بها جمع من الشيوخ إجازة إن لم يكن سماعًا، [منهم] شيخ الإِسلام ابن [حجر العسقلاني]، وهاجر، وسارة ابنة ابن جماعة، وغيرهم. قال الأولان: أخبرنا أبو الفرج ... سماعًا لهاجر وإجازة لشيخ الإِسلام ابن حجر، أخبرنا أبو الحسن علي بن إسماعيل بن إبراهيم بن قريش. وقالت سارة: أخبرنا جدي ابنُ جماعة، إجازةً. أخبرنا أبو بكر [محمد] بن مكي [؟] أبو الحسين يحيى بن علي بن عبد الله القرشي العطار الواعظ، أخبرنا بها أبو الطاهر عبد المنعم بن موهوب اليزني القاري، قال: أنشدنيها ناظمها أبو عمران موسى بن محمَّد بن عبد الله الأندلسي الواعظ، عرف بابن بهيج، ذاكرها (¬1)؛ وذلك بقراءة الشيخ شهاب الدين أحمد بن علي المقدسي الحنبلي، يوم الأحد سادس ذي القعدة سنة ثمان عشرة وتسعمائة، وأجاز [المسمع] لكاتبه يونس بن ملاج الحسني ¬

_ (¬1) أي ذاكر القصيدة وناظمها.

الحنفي والقاري و [الشيخ] ناصر الدين وولده، رواية ذلك وجميع ما يجوز له وعنه روايته". ثم بعده بخط القلقشندي: "الحمد لله، صحيح ذلك، كتبه إبراهيم بن علي القرشي القلقشندي". 2 - وفي أول المخطوط على طرة الرسالة (ورقة 189 أ): سماع آخر من كاتبه يونس بن ملاج على القلقشندي أيضًا، وتصحيح السماع بخط القلقشندي، ولكن ذهب جزء منه بسبب ترميم المخطوطة، فلم أذكره هنا. * * *

عملي في النص

عملي في النص قمت بنسخ القصيدة من النسخة البريطانية أوَّلًا واتخذتها أصلًا، وأثبت فروق نسخة أكسفورد في هامشها، وزادت النسخة "الأكسفوردية" بيتين في القصيدة فجعلتهما بين قوسين مربعين معقوفين ليميزا، ولم أثقل حواشي القصيدة بذكر مراجع أو تخريجات لشواهدها من الآيات والأحاديث، فهي مما لا تخفى على طلبة العلم وأهله، ورغبةً في عدم صرف نظر القارئ إلى ذلك، والانشغال بها عن تتبع سلاسة القصيدة وبلاغتها. وأشكر أخي الحبيب تفّاحة الكويت الشيخ محمَّد بن ناصر العجمي على جهده وبحثه القيم في ترجمة الناظم، فجزاه الله عني وعن الباحثين خير الجزاء. وأستغفر الله من الخطأ والزلل، فذلك مما لا ينفك عنه جهد البشر (¬1). وكتبه نظام محمد صالح يعقوبي ¬

_ (¬1) هذا وبعد كتابة ما سبق أطلعني الأخ المحقق والبحاثة العالم المدقق الشيخ مجد مكي على القصيدة مطبوعة بعناية الدكتور فهد الرومي وقد خدمها خدمة جليلة وعلق عليها تعليقات نفيسة ومع ذلك لم يهتد إلى ترجمة ناظمها رحمه الله فاعتبرت عملي هذا مكملًا لعمله: وهو بسبقٍ حائزٌ تفضيلًا.

صورة نص السماع بخط فضيلة الشيخ عبد الله بن عبد العزيز العقيل

نص سماع القصيدة على فضيلة الشيخ العلامة شيخ الحنابلة عبد الله بن عبد العزيز العقيل حفظه المولى ورعاه

نص سماع القصيدة على فضيلة الشيخ العلامة شيخ الحنابلة عبد الله بن عبد العزيز العقيل حفظه المولى ورعاه الحمد لله. لقد سمعت هذه القصيدة المفيدة بمدح أم المؤمنين رضي الله عنها، سمعتها من صوت الأخ الشيخ نظام اليعقوبي بحضور جمع من الإِخوان، منهم: الشيخ محمَّد بن ناصر العجمي، وابننا (الحفيد) أنس بن عبد الرحمن العقيل، وذلك في المسجد الحرام أمام الكعبة المشرفة، مساء يوم الأحد الرابع والعشرين من رمضان سنة 1422 هـ، وسرني إلقاؤه لها بصوته الرنان، وأرجو الله أن ينفع بها وأن يوفق الجميع لما فيه الخير. وكتبه الفقير إلى الله تعالى عبد الله بن عبد العزيز بن عقيل رئيس الهيئة الدائمة بمجلس القضاء الأعلى سابقًا وصلى الله على نبينا محمَّد وآله وصحبه وسلم 24/ 9 / 1422 هـ

مقدمة وسند القصيدة إلى ابن بهيج أبي عمران

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ [قال الشيخ الإِمام العلامة كريم الدين أبو الفضل محمَّد بن الشيخ الإِمام العلامة شمس الدين محمَّد بن محمَّد بن علي بن محمَّد بن محمَّد بن البلبيسي الشافعي: أخبرتنا الشيخة المكثرة أم الفضل هاجر القدسية، سماعًا عليها بسماعها لها على ابن الشيخة، قال: أخبرنا بها أبو الحسن علي بن إسماعيل بن إبراهيم بن قريش، قال: أخبرنا بها الرشيد أبو (¬1) الحسين يحيى بن علي بن عبد الله القرشي العطَّار الحافظ، قال: أخبرنا بها أبو الطاهر عبد المنعم بن موهوب اليزني القاري إجازة، قال: أنشدنا ناظمها أبو عمران موسى بن محمد بن عبد الله الأندلسي الحافظ، عُرِفَ بابن بهيج] (¬2): ¬

_ (¬1) الأصل: (بن)، خطأ. (¬2) هذا الإِسناد من نسخة أكسفورد فقط.

أول القصيدة

1 - ما شَانُ أُمِّ المؤمنين وشَاني ... هُدِيَ المُحِبُّ لها وضَلَّ الشَّاني 2 - إِنِّي أقولُ مُبَيِّنًا عَنْ فَضْلِها ... ومُتَرْجِمًا عَنْ قَوْلها بِلِسَاني 3 - يا مُبْغِضِي لا تَأْتِ قَبْرَ مُحَمَّدٍ ... فالبَيْتُ بَيْتي والمَكانُ مَكاني 4 - إِنِّي خُصِصْتُ على نِساءِ مُحَمَّدٍ ... بِصِفاتِ بِرٍّ (¬1) تَحْتَهُنَّ مَعاني 5 - وَسَبقْتُهُنَّ إلى الفَضَائِلِ كُلِّها ... فالسَّبْقُ سَبقي والعِنَانُ عِنَاني 6 - مَرِضَ النَّبِيُّ وماتَ بينَ تَرَائِبي ... فالْيَوْمُ يَوْمي والزَّمانُ زَماني 7 - زَوْجي رَسولُ الله لَمْ أَرَ غَيْرَهُ ... اللهُ زَوَّجَني بِهِ وحَبَاني 8 - وأتاهُ جِبريلُ الأَمينُ بِصُورَتي ... فأَحَبَّني (¬2) المُخْتارُ حِينَ رآني 9 - أنا بِكْرُهُ العَذْراءُ عِنْدِي سِرُّهُ ... وضَجيعُهُ في مَنْزِلي قَمَرانِ 10 - وَتَكَلَّم اللهُ العظيمُ بِحُجَّتي ... وَبَرَاءَتِي في مُحْكَمِ القُرآنِ 11 - واللهُ خَفَّرَني وعَظَّمَ حُرْمَتِي ... وعلى لِسَانِ نَبِيِّهِ بَرَّاني 12 - واللهُ في القُرآنِ قد لَعَنَ الذي ... بَعْدَ البَراءَةِ بالقَبيحِ رَماني 13 - واللهُ وَبَّخَ مَنْ أراد تنقُّصي ... إفْكًا وسَبَّحَ نَفسَهُ في شأني 14 - إنِّي لَمُحْصَنَةُ الإِزارِ بَرِيئَةٌ (¬3) ... ودليلُ حُسْنِ طَهَارَتي إحْصاني 15 - واللهُ أَحْصنَني بخاتِمِ رُسْلِهِ ... وأَذَلَّ أَهْلَ الإِفْكِ والبُهتانِ 16 - وسَمِعْتُ وَحْيَ الله عِنْدَ مُحَمَّدٍ ... من جِبْرَئيلَ ونُورُه يَغْشاني 17 - أَوْحَى إِلَيْهِ وَكُنْتُ تَحتَ ثِيابِهِ ... فَحَنى (¬4) عليَّ بِثَوْبِهِ وخَبَّاني 18 - مَنْ ذا يُفَاخِرُني وينكرُ صُحْبَتي ... ومُحَمَّدٌ في حِجْرِه رَبَّاني؟ ¬

_ (¬1) في نسخة أكسفورد: (بَرٍّ)، بفتح الباء، مضبوطة بالشكل. (¬2) في نسخة المكتبة البريطانية: (وأحبني)، بالواو. (¬3) في أكسفورد: (بَرِيَّةٌ). (¬4) في البريطانية: (فحَثى)، بالتاء المثلثة.

19 - وأَخَذتُ عن أَبَوَيَ دينَ مُحمدٍ ... وَهُما على الإِسْلامِ مُصْطَحِبانِ (¬1) 20 - وأبي أَقامَ الدِّين بَعْدَ مُحَمَّدٍ ... فالنَّصْلُ نصْلي والسِّنان سِناني 21 - والفَخْرُ فَخْرِي والخِلاَفَةُ في أبي ... حَسْبي بِهَذا مَفْخَرًا وكَفاني 22 - وأنا ابْنَةُ الصِّدِّيقِ صاحِبِ أَحْمَدٍ ... وحَبِيبِهِ في السِّرِّ والإِعلانِ 23 - نَصَرَ النبيَّ بمالِهِ وفِعالِه ... وخُرُوجِهِ مَعَهُ مِنَ الأوطانِ 24 - [ثانيه في الغارِ الذي سَدَّ الكُوَى ... بِرِدائِهِ أَكْرِم بِهِ مِنْ ثانِ] (¬2) 25 - وجَفا الغِنى حتَّى تَخَلَّل بالعَبَا (¬3) ... زُهدًا وأَذْعَنَ أَيَّما إِذْعانِ 26 - وتَخَلَّلَتْ مَعَهُ مَلائِكَةُ السَّما ... وأَتتْهُ بُشرى الله بالرِّضْوانِ 27 - وهو الذي لَمْ يَخْشَ لَوْمةَ لائمٍ ... في قَتْلِ أهلِ البَغْيِ والعُدوانِ 28 - قَتَلَ الأُلى مَنَعوا الزَّكاة بكُفْرِهِم ... وأَذَل أَهْلَ الكُفر والطُّغيانِ 29 - سَبَقَ الصَّحَابةَ والقَرَابةَ لِلهُدى ... هو شَيْخُهُمُ في الفضلِ والإِحْسانِ 30 - والله ما اسْتبقُوا لِنَيْلِ فضيلةٍ ... مِثْلَ استباقِ الخيلِ يومَ رِهانِ 31 - إلَّا وطارَ أبي إلى عَلْيائِها ... فمكانُه منها أَجَلُّ مكانِ 32 - وَيْل لِعَبْدٍ خانَ آلَ مُحَمَّدٍ ... بِعَدَاوةِ الأزواج والأخْتانِ 33 - طُوبى لِمَنْ والى جماعةَ صَحْبِهِ ... ويكونُ مِن أحْبابِهِ الحَسَنانِ 34 - بينَ الصحابةِ والقرابةِ أُلْفَةٌ ... لا تستحيلُ بِنَزْغَةِ الشيطانِ 35 - هُمْ كالأَصابعِ في اليدينِ تواصُلًا ... هل يَسْتَوي كَفٌّ بغير بَنانِ؟ ¬

_ (¬1) في أكسفورد: (مضطجعان). (¬2) ساقط من نسخة المكتبة البريطانية، وكلمة (سدَّ) في الأصل: (يسد)، والوزن يقتضي المثبت. (¬3) في البريطانية: (بالعيا)، بالياء المثناة، تحريف.

36 - حَصِرَتْ صُدورُ الكافرين بوالدي ... وقُلوبُهُمْ مُلِئَتْ من الأضغانِ (¬1) 37 - حُبُّ البَتولِ وَبَعْلِها لم يَخْتَلِفْ ... مِن مِلَّةِ الإِسلامِ فيه اثنانِ 38 - [أكرم بأربعةٍ أئمةِ شَرْعِنا ... فَهُمُ لِبيتِ الدينِ كالأركان] (¬2) 39 - نُسِجَتْ مَوَدَّتُهم سَدًى في لُحْمَةٍ ... فَبِناؤها مِنْ أثبَتِ البُنيانِ 40 - الله أَلَّفَ بَيْنَ وُدِّ قُلُوبِهِمْ ... لِيَغِيظَ كُلَّ مُنافِقٍ طعَّانِ 41 - رُحَماءُ بَيْنَهُمُ صَفَتْ أَخْلاقُهُمْ ... وخَلَتْ قُلُوبُهُمُ مِنَ الشَّنَآنِ 42 - فَدُخُولهم بَيْنَ الأَحِبَّةِ كُلْفَةٌ ... وسِبَابُهُمْ سَبَبٌ إلى الحِرْمانِ 43 - جَمَعَ الإِلهُ المسلمين على أبي ... واستُبدلوا مِنْ خوْفهم بأَمان (¬3) 44 - وإذا أرادَ اللهُ نُصْرَة عَبْدِهِ ... مَنْ ذا يُطيقُ لَهُ على خُذْلانِ 45 - مَن حَبَّني فَلْيَجْتَنِبْ مَنْ سَبَّني ... إنْ كانَ صانَ مَحَبَّتي ورعاني 46 - وإذا مُحِبِّي قَدْ أَلظَّ بِمُبْغِضي ... فَكِلاهُما في البُغضِ مُسْتويانِ 47 - إِني لَطَيَّبَةٌ خُلِقْتُ لطيِّبٍ ... ونِساءُ أَحْمَدَ أطيبُ النِّسْوانِ 48 - إني لأَمُّ المؤمنينَ فَمَنْ أبى ... حُبِّي فَسَوْف يَبُوءُ بالخُسْرانِ 49 - الله حَبَّبَني لِقَلْبِ نَبيِّهِ ... وإلى الصراطِ المستقيمِ هداني 50 - واللهُ يُكْرِمُ مَنْ أرادَ كَرامتي ... ويُهينُ رَبّي من أرادَ هواني 51 - واللهَ أَسْألُهُ زيادةَ فَضْلِهِ ... وحَمِدْتُهُ شكْرًا لِما أَوْلاني ¬

_ (¬1) هنا تقديم وتأخير في نسخة أكسفورد لبعض الأبيات. (¬2) ساقط من نسخة المكتبة البريطانية. (¬3) هذا خلاف قاعدة الباء في فعل استبدل حيث تدخل على المتروك، فكان ينبغي أن يقول: (استبدلوا بخوفهم أمانًا)، وهنا دخلت على المطلوب، وذلك لضرورة الشعر، (أفاده شيخنا الدكتور عبد الستار أبو غدّة). وكلمة (المسلمين) وردت في نسخة أكسفورد: (المؤمنين).

الخاتمة

52 - يا من يَلُوذُ بِأَهْلِ بَيْتِ مُحَمَّدٍ ... يرجو بذلك رحمةَ الرحمانِ 53 - صِلْ أُمَّهَاتِ المؤمنينَ ولا تَحُدْ (¬1) ... عَنَّا فَتُسْلَبْ حُلَّةَ الإِيمانِ 54 - إني لصادِقَةُ المقالِ كريمةٌ ... إِي والَّذي ذَلَّتْ لَهُ الثَّقَلانِ 55 - خُذْها إليكَ فإِنَّما هي رَوْضَةٌ ... محفوفَةٌ بالرَّوحِ والرَّيحانِ 56 - صَلَّى الإِلهُ على النبيّ وآلِهِ ... فَبِهمْ تُشَمُّ أزاهِرُ البُستانِ تمت القصيدة المباركة بعون الله وحسن توفيقه على التمام والكمال، بتاريخ ثاني عشرين من شهر جمادى الأولى سنة ست وسبعين وسبعمائة. حسبنا الله ونعم الوكيل (¬2). ¬

_ (¬1) المثبت من أكسفورد، وفي نسخة الأصل: (تَحُلْ)، باللام في آخرها. (¬2) وفي نسخة أكسفورد: (تمت القصيدة الوضاحية في مدح السيدة عائشة أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها للشيخ الإِمام أبي عمران موسى بن محمَّد بن عبد الله الأندلسي، يعرف بابن بهيج، رحمه الله. والحمد لله وحده، وصلى الله على سيدنا محمَّد وآله وصحبه وسلم، وعلقها لنفسه يوسف بن ملاج الحسني الحنفي، غفر الله له ولوالديه ولمشايخه والمسلمين). * فرغت من نسخها ومقابلتها بنسخة الأصل في غرفة مطالعة المخطوطات الشرقية بالمكتبة البريطانية- لندن، يوم الأربعاء 16 رجب الفرد 1422 هـ الموافق 3/ 10 / 2001 م. * والحمد لله وصلى الله على سيدنا محمَّد وعلى آله وصحبه وسلم. * ثم قابلتها مع نسخة أكسفورد في المكتبة البودلية بأكسفورد في غرفة مطالعة المخطوطات الشرقية بها، يوم الاثنين 21 رجب الفرد 1422 هـ الموافق 8/ 10 / 2001 م مع إثبات الفروق بين النسختين. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = والحمد لله وصلى الله على سيدنا محمَّد وعلى آله وصحبه وسلم. * فرغتُ من تبييضه ومقابلته في طائرة الخطوط الجوية البريطانية في رحلة العودة من لندن إلى البحرين حرسها الله يوم الثلاثاء 22 رجب الفرد 1422 هـ الموافق 9/ 10 / 2001 م، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات. قاله وكتبه الفقير إلى رحمة الله تعالى: نظام بن محمَّد صالح يعقوبي العباسي، غفر الله له ولوالديه وأهله وذريته وجميع المسلمين، آمين. * ثُمَّ قرأتُها على أخي وقرة عيني شيخنا الدكتور العلامة المحقق أبي سليمان عبد الرحمن بن سليمان بن عثيمين، مع التصحيح والضبط، في أوائل شهر رمضان 1422 هـ، جزاه الله عنا خير الجزاء. وقرأتها ليلة 22 رمضان المبارك على الأخ الأستاذ الأديب والمحقق الأريب الدكتور عبد الله المحارب حفظه الله مع تصحيحه لبعض ألفاظها، فالحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وذلك في صحن المسجد الحرام تجاه الركن اليماني من الكعبة المشرفة زادها الله تعظيمًا وتشريفًا وتكريمًا، آمين. * وقرأْتُها في الطواف في شوط واحد على الإِخوة الأحباب وخيرة الأصحاب المشايخ: محمَّد بن ناصر العجمي، ومساعد العبد الجادر، ورمزي دمشقية، والأستاذ المربي هاني ساب المدني، وذلك ليلة الأحد 24 رمضان المبارك 1422 هـ بين العشاءين، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات. * وقرأتها على شيخنا شيخ الحنابلة العلامة عبد الله بن عبد العزيز العقيل حفظه الله بالمسجد الحرام بعد صلاة العصر يوم الأحد 24 رمضان المبارك 1422 هـ وصحح لي بعض ألفاظها وضبطها، جزاه الله خير الجزاء ونفع به آمين. ونص السماع مثبت في أول القصيدة. والحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلَّم وبارك على محمَّد وآله وصحبه أجمعين. وكتبه نظام محمد صالح يعقوبي

§1/1