القرآن وعلوم الأرض

محمد سميح عافية

مقدمة

مقدمة ... بسم الله الرحمن الرحيم تمهيد: خلق الله الإنسان مزودًا بالعقل، ومزودا بالقدرة على الاختيار في تصرفاته، فحمل الأمانة، أمانة التفكير وأمانة الإرادة، وهي مناط التكليف والمسئولية، دون الكثير من سائر مخلوقات الله {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْأِنْسَانُ} [الأحزاب: 72] . وشاءت إرادة الله أن يعمر الإنسان الأرض التي خلق منها، وجعلت له مستقرا في هذه الحياة، ومستودعا إلى يوم القيامة {إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً} [البقرة: 30] . {مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى} [طه: 55] . ولقد خلق الله الإنسان لكي يعبده ويسبح بحمده {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56] . {تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا} [الإسراء: 44] . ولقد خلق الله الإنسان فريدًا في ملكاته، متميزًا عن كثير من مخلوقاته {وَلَقَد

كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا} [الإسراء: 70] . وكان العلم هو أول فضل أتاه الله للإنسان {وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ، قَالُوا سُبْحَانَكَ لا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ، قَالَ يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ} [البقرة: 31-33] . ويكتسب الإنسان العلم بالرؤية والممارسة والتجربة والتفكر {الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [آل عمران: 191] . {وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ} [البقرة: 255] . ومن نعم الله على العباد قدرتهم على الكتابة، فإن الكتابة هي التي حفظت العلم، ونقلته من جيل إلى جيل من البشر، وبالكتابة تمكنت البشرية من إضافة المزيد من علم الله؛ بما يتراكم لديها من المعرفة {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ، خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ، اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ، الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ، عَلَّمَ الْأِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} [العلق: 1-5] . {نْ وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ} [القلم: 1] {وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ} [لقمان: 27] . {قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا} [الكهف: 109] . وقد هدى الله الإنسان إلى النظر فيما حوله من أشياء ومن أحياء، وهداه إلى

النظر في نفسه: {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} [الحج: 46] . {الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ} [الملك: 3] . {وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ، وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ} [الذاريات: 20- 21] . {خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ تَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} [النحل: 3] . وحينما أنزل الله القرآن على رسوله محمد -صلى الله عليه وسلم، كانت البشرية قد حصلت وقتئذ على قدر معين من العلم بطبيعة الأشياء، وطبيعة الكائنات، وطبيعة الظواهر الطبيعية. ففي مجال العلم بالفلزات، على سبيل المثال، كانت البشرية قد عرفت الذهب والفضة والنحاس والحديد، وبرغم قدم المعرفة بهذه الفلزات، إلا أن هذ القدم هو قدم نسبي فإن اكتشاف كيفية صهر خامات الحديد للحصول على فلز الحديد، كان أكثرها حداثة بين تلك الفلزات الأربعة، فلم تكن البشرية قد توصلت إليه إلا منذ حوالي ألف ومائتي عام، قبل مولد المسيح عليه السلام لذلك فقد جاء ذكر الحديد في القرآن الكريم مباشرًا صريحًا، حيث ألفه الناس في حياتهم اليومية، وصنعوا منه أدوات سلمهم وحربهم. ومع الحث الدائب على الرؤية والتفكر، فقد اشتمل القرآن الكريم على ذكر عدد وافر من الظواهر الطبيعية: ظواهر ما في السموات من نجوم، وكواكب، وبخاصة الشمس والقمر، وظواهر مرتبطة بالأرض التي يعيش على سطحها بنو

الإنسان، من هواء "رياح" وماء ويابسة كما اشتمل القرآن الكريم على ذكر عدد وافر من ظواهر الحياة على سطح الأرض: الحياة النباتية، والحياة الحيوانية، والحياة البشرية نفسها، ودعا الله البشر إلى التأمل في هذه الظواهر، لتعميق الإحساس بوجود الخالق وبقدرته ووحدانيته، حتى تكون عبادته مقترنة بالإقرار بالعبودية وبالخشية: {مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ} [الملك: 3] . {صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ} [النمل: 88] . {الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ} [السجدة: 7] . {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} [القمر: 49] . {إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ} [الصافات: 6] . {فَلا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ، وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ} [الواقعة: 75- 76] . {وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ} [الحجر: 19] . {وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ} [الأنعام: 99] . {فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ} [الطارق: 5] . {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ، وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ} [فاطر: 27-28] . سبحان الله رب العالمين، له الثناء في ذاته وصفاته، هو كما أثنى على نفسه،

وله الأسماء الحسنى {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الأعراف: 180] . {قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} [الإسراء: 110] . {اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} [طه: 8] . {هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [الحشر: 24] . فالله لا إله إلا هو، الخالق، العظيم، الكبير، القوي، المبدئ، المعيد، الواحد، المقتدر، مالك الملك، الباقي، وكما نردد في ركوعنا وسجودنا أثناء الصلاة، فالله أكبر، وسبحان ربي الأعلى، فهو الأكبر وهو الأعلى. والبشر بما أودع الله فيهم من حواس محدودة الطاقة، يتفاوتون تفاوتا كبيرا في إدراك عظمة الله في صفاته، وفي قدرته، وفي خلقه {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ} [الأنعام: 91] . {مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} [الحج: 74] . {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} [الزمر: 76] . وشاءت رحمة الله بعباده أن يقرب لهم فهم آياته، وفي كلماته وفي خلقه، فضرب لهم الأمثال لعلهم يرشدون: {أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً فَمَا

فَوْقَهَا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ} [البقرة: 26] . {وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} [الزمر: 27] . {وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [الحشر: 21] . ويتلو المسلمون في صلواتهم سورة الفاتحة مع كل ركعة فيرددون قول الحق {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِين} و"العالمين" جمع عالم، أريد به جميع الكائنات في السماوات والأرض، من كل ما سوى الله عز وجل، وهى تذكرة دائبة بقدرة الله وبديع صنعه، ودعوة للاشتغال بفهم أسرار هذا الكون. ثم يرددون قول الحق: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} وهى تذكرة دائبة بيوم القيامة، وهو يوم الحساب وتقترن بهذا اليوم ظواهر كونية تسبقه، وظواهر تتزامن معه، وقد أوضح القرآن الكريم أحوال يوم القيامة في مواضع كثيرة، ففيها أحداث فلكية، وفيها ما يصيب الأرض نفسها من تغيير وتبديل، وقد أوضح الحق سبحانه وتعالى بعض تلك الأحداث بالوصف المباشر، وأوضح بعضها بالتشبيه ببعض ما يألفه الإنسان في حياته الدنيا: {وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ} [القمر: 50] . {يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ} [إبراهيم: 48] . {يَوْمَ تَكُونُ السَّمَاءُ كَالْمُهْلِ، وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ} [المعارج: 8-9] . الإعجاز العلمي للقرآن: كانت البشرية حين أنزل الله القرآن على رسوله الأمين -صلى الله عليه وسلم-، قد نالت حظًّا

محدودًا من العلوم المادية، مثل علم الفلك والعلوم التجريبية والتطبيقية، فقد سبق ظهور الإسلام وجود حضارات اهتمت بتلك العلوم، واستمر اهتمام الحضارات المتعاقبة بعد ظهور الإسلام بكل تلك العلوم، وكانت الحضارة الإسلامية سباقة في هذا المضمار، وكان القرآن الكريم حافزًا لأن تتألق هذه الحضارة، لما تضمنته الآيات من الحث على العلم والتعلم، فكان من المسلمين علماء أفاضل في مختلف فروع العلم. ويعتبر جابر بن حيان1 [161 هـ: 778م] أول كيميائي تجريبي في التاريخ الإسلامي، وكان يقول: إنا نثبت في هذه الكتب خواص ما رأيناه فقط، دون ما سمعناه أو قيل لنا، أو قرأناه، بعد أن امتحناه وجربناه، وكان يقول أيضا: عملته بيدي وبعقلي، وبحثته حتى صح، وامتحنته فما كذب. وكان الكندي2 [175-252 هـ: 801-878م] عالمًا موسوعيًّا متفقهًا في علوم الدين، خاض في علوم الهندسة والطبيعة والفلك والكيمياء، كما كان فيلسوفا وكان يستند إلى آيات القرآن الكريم في الاستقراء والاستنباط، ومن أمثلة ما كان يستشهد به من الآيات: {أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [إبراهيم: 10] . {أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ} [الأعراف: 185] .

_ 1 عبد الحليم الجندي: القرآن والمنهج العلمي المعاصر، ص 130. 2 عبد الحليم الجندي: القرآن والمنهج العلمي المعاصر، ص 134.

{إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} [البقرة: 164] . {أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْأِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ، وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ} [الغاشية: 17/ 18] . وكان المسعودي [346هـ: 956م] عالما في الفلك والجيولوجيا، كما كان مؤرخا جغرافيا. وكان ابن سينا1 [375-438هـ] عالما تجريبا شاملًا، بعد أن برز في شبابه في الفقه وألف فيه. وكان التيفاشي2 [651هـ: 125م] عالما في الجيولوجيا ومن دلائل أمانته العلمية قوله: مع ذلك فمعظم الخواص المذكورة فيه مما خبرته بنفسي، أو وثقت بصحة النقل فيه عن غيري من المتقدمين فأحلت عليه، وقوله: مما اختبرته ووقفت عليه بالعمل، وقوله: وقد وقفت على ذلك بالتجربة. وكان القزويني3 [605-682هـ: 1208: 1283م] فقيها ومفسرا للقرآن والحديث، وجغرافيا وعالما طبيعيًّا وكان يتمثل دائما بآيات القرآن، ومنها قوله تعالى:

_ 1 عبد الحليم الجندي: القرآن والمنهج العلمي المعاصر، ص 144. 2 عبد الحليم الجندي: القرآن والمنهج العلمي المعاصر، ص 150. 3 عبد الحليم الجندي: القرآن والمنهج العلمي المعاصر، ص 153.

{أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ} [ق: 6] . ومن ملاحظاته تقسيم المعادن أقسامًا ثلاثة: فمنها ما ينطبع كالذهب والفضة والحديد والرصاص، ومنها ما لا ينطبع كالياقوت والفيروز والزبرجد، ومنها معادن الأرض كالنفط والكبريت. ومنذ القرن السادس عشر الميلادي، تغلبت النزعة العلمية التي تعتمد على التجربة والقياس [كما نعرفها في المناهج العلمية الحالية] بدلًا من النظريات الفلسفية، وانتقل ميزان تلك النهضة العلمية إلى دول أوروبا، وبجانب علم الفلك، فقد قسمت العلوم التجريبية الأخرى إلى مسميات محدودة المفهوم والأداء؛ فكان علم الكيمياء وعلم الطبيعة وعلم النبات، وعلم الحيوان وعلم الرياضة. كما تحددت معالم علوم الطب بفروعه المتعددة، وأصحبت الجغرافيا علما يعتمد على المشاهدة والتجرية والإحصاء، ولامست أطرافه فروعا أخرى للعلم. ثم نشأ علم قائم بذاته يبحث في أمور الأرض سمي بعلم الأرض، أو الجيولوجيا Geology واشتقت تسميته من اللغة اللاتينية [علم Logus، الأرض Gro] ثم تعددت فروع علم الجيولوجيا، فصارت علوم الأرض. وشارك علماء الشعوب الإسلامية في كافة فروع العلم التجريبية، وانتشرت المختبرات العلمية، والمكتبات العلمية مع العلماء المسلمين في معظم الدول الإسلامية، وقرأ فريق من العلماء التجريبيين المسلمين كتاب الله بإيمان كامل، وتمعن في كلمات الله وما تحمله من معان، ووجدوا أن هناك أشياء يمكن أن يضيفوها مما أفاء

الله عليهم من العلم الحديث، مما يلقي المزيد من الأضواء على بعض الجوانب في تفسير بعض الآيات، تلك الجوانب التي لم يلق المفسرون السابقون إليها بالا، ورأى هؤلاء العلماء التجريبيون في إعلان هذه المعاني التي استنبطوها، والتي ترتكز على آخر ما توصل إليه العلم الحديث، توضيحا لعدد من القضايا القرآنية وتثبيتًا للإيمان العميق، كما وجدوا فيه جانبا من الإعجاز أسموه: الإعجاز العلمى للقرآن، فهم يرون أن ثمة إشارات علمية عديدة وردت في ثنايا القرآن الكريم، لها صفة الإعجاز الذي يضع العلماء أنفسهم بمختلف تخصصاتهم موضع الانبهار إزاء تلك الإشارات التي تبين أنها حقائق علمية ساطعة، لم يمض على كشف كنهها سوى بضعة عقود من السنين، ولم يعد هذا الانبهار شعورا فرديا لبعض العلماء في هذا القطر الإسلامي أو ذاك، فقد انتظمت مجموعات من هؤلاء العلماء في تآلف، غرضه التعاون في أبحاث الإعجاز العلمي للقرآن، وعرضه على عامة المسلمين في ندوات ومؤتمرات، ونشره بوسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية. وقد شهدت الشعوب الإسلامية خلال العقد الأخير عدة ندوات على الصعيدين الوطني، والإقليمي في موضوع الإعجاز العلمى للقرآن، وصدرت مؤلفات كثيرة في هذا الشأن تتناول مختلف التخصصات العلمية. ونظرا لأهمية الموضوع، فقد اتخذت المؤتمرات طابعا دوليا، فانعقد المؤتمر الدولي الأول للإعجاز العلمي في القرآن والسنة، خلال الفترة من 24 إلى 27 صفر عام 1408هـ[من 18 إلى 21 أكتوبر عام 1987م] في مدينة إسلام أباد عاصمة باكستان، نظمت المؤتمر رابطة العالم الإسلامي، وهيئة الإعجاز العلمي في القرآن

والسنة بمكة المكرمة، بالتعاون مع الجامعة الإسلامية العالمية بإسلام أباد، وتأكد في هذا المؤتمر وما تبعه من مؤتمرات مماثلة، أن قضية الإعجاز العلمي في القرآن الكريم تقوم على حقيقتين: أولاهما: أن الإعجاز العلمي ليس هدفا في ذاته. ثانيتهما: أن القرآن الكريم كتاب هداية، ومن وسائل هذه الهداية ما تتضمنه آيات الكتاب العزيز من دلائل علمية ذات بال. القرآن وعلوم الأرض: نزل القرآن الكريم بلسان عربي مبين، وهو لغة الفصاحة والدقة في التعبير، ولا بد لمن يريد أن يتفهم معني الآيات الكريمة، أن يكون على إلمام مقبول بمعاني الألفاظ، واستخداماتها وقت نزول القرآن في صدر الإسلام، وتعيننا المعاجم اللغوية المعروفة في هذا الفهم عونا لا غناء عنه. وقد استحدثت في العلوم التجريبية الحديثة تعبيرات واصطلاحات جديدة، لم تكن موجودة في صدر الإسلام، ولا بد من الإلمام بالفروق في المعني بين العديد من التسميات القديمة والتسميات المستخدمة حاليا. فقد جاء في الأثر أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- قد اقتطع "معدن" القبلية لبلال بن الحارث المزني، وكان لفظ "المعدن"، وجمعه "معادن" يطلق على ما نسميه بتعبيراتنا المعاصرة "منجم" وجمعه "مناجم". وإذا ذكر لفظ "الركاز" كما كان مستخدما زمن الرسول الكريم، فعلينا أن

نحدد المعني المقصود منه، ولا نخلط بين هذا المعني ومعنى كلمة "الركاز" في اللغة التقنية الحالية. وقد وضع هذا الكتاب "القرآن وعلوم الأرض" ليتناول الآيات والألفاظ الواردة في الكتاب الكريم، مما لا علاقة بعلوم الأرض بمفهومنا الحالي، ويعطي هذا التناول شرحا للجوانب العلمية الحديثة بتبسيط يتلاءم مع قدرة استيعاب المسلم المثقف، غير المتخصص في علوم الأرض، فالهدف هو تزويد القارئ المسلم الحريص على تعميق إيمانه بما توصل إليه العلم الحديث في علوم الأرض بما يزيده إدراكا لقدرة الخالق، ويزيد من خشيته ليوم الحساب. وتتسع علوم الأرض لنوعين من الموضوعات، فهي إما موضوعات لها دلالة أكاديمية خالصة للعلم، وإما موضوعات لها استخدامات تطبيقية مباشرة وغير مباشرة. ودون الدخول في تفاصيل تقنية، فإنه يمكن إعطاء تعريف مختصر لكل موضوع من موضوعات علم الأرض: "أ" تحديد نوعيات الصخور التي تتكون منها قشرة الأرض، تحديد النوعيات تفصيلًا ضمن التقسيمين الكبيرين إلى روسوبية ونارية؛ والتقسيم الثالث إلى صخور متحولة بفعل الحرارة والضغط، ويستعان في تحديد نوعيات الصخور، بجانب الرؤية العامة بالنظر، استخدام المجهر "الميكروسكوب" والتحاليل الكيمائية والفيزيائية وبالأشعة السينية وبالامتصاص الذري وغيرها من وسائل معملية، وترسم خرائط جيولوجية بمقاييس رسم متعددة، لتوزيع نوعيات الصخور وتأثير الحركات الأرضية عليها. "ب" تحدي أعمار الصخور بوسائل متعددة، منها وسيلة التتابع الطبقي للصخور

الرسوبية، ويستفاد بوجود حفريات [أحافير] من بقايا حيوانية ومن بقايا نباتية في تحديد الأعمار النسبية في طبقة من الصخر الرسوبي بالنسبة لطبقة أخرى، وقد استخدمت وسائل لتقدير الأعمار المطلقة في بعض الصخور، ومنها وسيلة الإشعاع الذري لعنصر اليورانيوم وبعض العناصر الأخرى. "ج" الدراسات التفصيلية للحفريات الحيوانية، والحفريات النباتية في مختلف العصور الجيولوجية، وتحديد خواصها وظروف البيئة التي كانت تحيط بها، ومن ذلك تعرف مراحل ظهور واختفاء مختلف الحيوانات والنباتات، ومن توزيع الحفريات وتوزيع الصخور التي تضمنها، يعرف توزيع اليابسة والبحار "عميقها وضحلها" على سطح الأرض خلال الأعمار الجيولوجية المختلفة. "د" سبر أغوار ما تحت السطح من صخور غير مرئية: ويستعان بتقنية معينة هي الجيوفيزياء وللجيوفيزياء وسائل متعددة، منها استخدام الأجهزة التي يقوم عملها على استخدام التأثيرات الكهربية، المغناطيسية، الكهربية -المغناطيسية، التثاقلية، الزالزالية، وتستخدم بعض الأجهزة محمولة بالطائرات، ويستعان أحيانًا بصور الفضاء لاستخدامها فيما يسمى بالاستشعار من البعد Remote Sensing. "هـ" متابعة الحركات الأرضية من ارتفاع أو انخفاض لليابسة، وكذلك الزحزحة القارية الأفقية واستنتاج مدلولاته الحالية ... ، ومدلولاتها خلال الأزمان الجيولوجية السابقة، ومتابعة الحركات الأرضية السريعة العنيفة وهي الزلازل والبراكين، والتعرف على تلك الحركات خلال الأزمنة الجيولوجية السابقة.

"و" متابعة المياه في دورتها ما بين وجودها في السماء المحيطة بقشرة الأرض على شكل بخار، ثم سحاب، ثم سقوطها مطرا؛ ومتابعة تجمع مياه الأمطار في صورة جداول وأنهار وبحيرات، ثما انتهاؤها إلى البحار والمحيطات، وتتبع المياه التي تتغلغل في ثنايا الصخور، والتي قد تظهر في شكل عيون أو تختزن في أحواض تحت سطحية، أو تتسرب هي الأخرى إلى البحار والمحيطات. "ز" متابعة تأثير المياه والرياح على نحت أو إذابة أجزاء من صخور القشرة، ونقلها وإعادة ترسيبها في أماكن أخرى. "ح" الكشف عن مصادر الخامات التعدينية، سواء منها الخامات الصلبة أو الخامات السائلة [كالبترول وما إلى ذلك] ، ويستعان بوسائل جيوكيميائية وجيوفيزيائية في عمليات الكشف، كما يستعان بالحفر الآلي للوصول إلى الأعماق التي يراد التأكد من وجود الخامات التعدينية بها. "ط" استخراج الخامات التعدينية وتنقيتها واستخلاص المفيد منها، وهناك فروع تخصصية في هذا المضمار، منها ما يتبع استخراج البترول وتكريره، واستخراج الغازات البترولية، ومنها ما يتبع استخراج خامات المعادن الفلزية، وتركيز الخامات واستخلاص الفلزات، ومنها ما يتبع استخراج الخامات غير الفلزية مثل خامات مواد البناء وتشكيلها للاستخدام المباشر. وعلى أساس هذه التعريفات، فإن علوم الجيولوجيا [علوم الأرض] تقسم إلى المسميات التالية:

الجيولوجيا الطبيعية ... Physical Geology الجيولوجيا السطحية ... Surface Geology الجيولوجيات تحت السطحية ... Sub - Surface Geology الجيولوجيا الحقلية ... Field Geology الجيولوجيا البنائية ... Structural Geology الجيولوجيا التصويرية ... Phtogeology الجيولوجيا الديناميكية ... Dynamic Geology جيولوجيا الهندسية ... Engineering Geology جيولوجيا التطبيقية ... Applied Geology جيولوجيا التربة ... Soil Geology جيولوجيا زراعية ... Agricaltural Geology جيولوجيا عسكرية ... Military Geology جيولوجيا اقتصادية ... Economic Geology جيولوجيا المياه ... Hydrogeology جيولوجيا المناجم ... Mining Geology جيولوجيا الفحم ... Coal Geology جيولوجيا النفط ... Petroleum Geology

هذا وأسأل الله عز وجل أن يكون لما جاء في هذا الكتاب من "علوم الأرض" أثر ملموس في زيادة إدراك القارئ الكريم لقدرة الخالق العظيم، ومدد جديد لتعميق إيمانه. {رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [آل عمران: 191] .

الفصل الأول: ما حول الأرض من نجوم وكواكب

بسم الله الرحمن الرحيم الفصل الأول: ما حول الأرض من نجوم وكواكب قصور الحواس البشرية: إن علم الله قد وسع كل ما في الكون فالكون من خلقه ومن صنعه. {يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلا يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ} [البقرة: 255] . {وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ} [الأنعام: 80] . {وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا} [الأعراف: 89] . {إِنَّمَا إِلَهُكُمُ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا} [طه: 98] . وقد هدى الله الإنسان إلى الإحاطة بشيء من علمه سبحانه، وإدراك بعض ظواهر الكون، وهداه إلى التمعن في تلك الظواهر، واستنباط القواعد والقوانين الطبيعية، وتراكم علم الإنسان جيلًا بعد جيل، واستفاد كل جيل بما توصلت إليه الأجيال السابقة من علم.

أما التكليف الإلهي للإنسان فهو حسب قدرة الإنسان، فالإنسان محدود في إدراكه بحواسه التي أتاحها له الخالق جل وعلا. {لا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة: 233] . {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة: 286] . {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [الأعراف: 42] . {وَلا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا وَلَدَيْنَا كِتَابٌ يَنْطِقُ بِالْحَقِّ} [المؤمنون: 62] . وعندما نتأمل الكون بإعجاب يجب ألا ننسى أننا نتعرف عليه بحواسنا المعروفة، ففي الكون آلاف الإشعاعات والأضواء، ولكن أعيننا لا تستطيع إلا إبصار سبعة منها فقط، وفي الكون عشرات الآلاف من مصادر الأصوات واهتزازاتها، ولكن آذاننا لا تستطيع إلا التقاط عدد محدود منها، وفي الكون حرارة تصل إلى ملايين الدرجات المئوية، بينما حاسة اللمس عند الإنسان تستطيع التمييز بين درجات الحرارة ضمن فرق يتراوح ما بين 15-20 مئوية، لذا فقد استعان الإنسان ببعض الأدوات في اجتلاء أسرار الكون، حيث قصرت حواسه المجردة وحدها عن اجتلائها. وتتمتع البشرية في عهدها المعاصر بنصيب وافر من العلم، ولكنه ليس خاتمة المطاف، فما زال العلم التطبيقي واختراع الآلات، والمعدات التي تدعم هذا العلم تتقدم بخطوات حقيقية ويعلم الله وحده مدى مشيئته في إتاحة المزيد من العلم لبني الإنسان في مستقبل الأيام. لقد كانت الوسيلة الوحيدة في الأرصاد الفلكية من أقدم العهود إلى أوائل القرن

السابع عشر هي المشاهدة بالعين المجردة، فكانت البحوث الفلكية القديمة محدودة بحدود الرؤية بالعين المجردة. واخترع أول مرقب "أو منظار فلكي" في عام 1608؛ ثم وضع العالم الإيطالي "جاليليو" مرقبا، واستخدمه ابتداء من يناير 1610، وكان مرقب "جاليليو" ذا قدرة على تجميع الأشعة الضوئية، وتكبير الرؤية مائة مرة قدر ما يرى بالعين المجردة، ومع توالي التحسين في المراقب منذ ذلك الوقت زادت قدرتها بدرجة هائلة، فالمرقب الموجود في جبل ولسن بالولايات المتحدة الأمريكية يبلغ قطره حوالي المترين ونصف المتر، وبمقدوره توصيل أشعة ضوئية للعين تبلغ مائتين وخمسين ألف مرة قدر ما تجمعه العين المجردة. المجرة: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ} [الزحرف: 9] . إن المجموعة الشمسية، وهي الشمس وتوابعها من كواكب "ومنها كوكب الأرض" وأقمار، هي جزء من مجموعة هائلة من النجوم وتوابعها، وتعرف مثل هذه المجموعة الهائلة باسم "المجرة Calaxy"، وبواسطة استخدام المراقب الحديثة أمكن التعرف على العديد من المجرات، والمجرة التي تضم شمسنا هي مجرة "الطريق اللبني Milky way" التبانة، وكل ما في هذه المجرة من أجرام "شموس وكواكب، وأقمار وتوابع" تدور في أفلاك منتظمة متناسقة ومتوازنة بعضها مع بعض.

ومن عجائب ما يحدثنا عند علماء الفلك عن بعض النجوم في مجرة درب التبانة وجود ما يسمونه بالنجوم النابضة، التي ترسل نبضات قوية من أشعة جاما، ووجدوا أن أحد هذه النجوم، وهو يقع على أطراف درب التبانة، يدور حول نفسه بسرعة مذهلة، مع أنه أكبر من الشمس، وأثبتت القياسات وتحليلات الكمبيوتر أن هذا النجم يتم 600 دورة حول نفسه في الثانية الواحدة، أي 51 مليون و 840 ألف دورة حول نفسه في اليوم الواحد بحساب أيامنا الأرضية، وأثبتت القياسات أن هذا النجم يندفع خارج المجرة بسرعة 1300 كيلو مترا في الثانية، أي أنه بسبيله إلى الخروج تماما من جاذبية المجرة، والتجول في الفضاء الذي يفصل ما بين المجرات، ويقول العلماء: إن أي نجم في مجرة درب التبانة، تزيد سرعته عن 220 كيلو مترا في الثانية يمكنه الخروج من جاذبية المجرة. ويلي مجرتنا "التي تضم شمسنا وأرضنا"، مجرات أخرى لا يعلم عددها إلا الله، وكل مجرة من تلك المجرات تضم هي الأخرى أعدادا هائلة من النجوم والكواكب والتوابع، وأبعد ما أمكن أن تدركه الحواس البشرية من المجرات بواسطة المناظير العملاقة وغيرها من الوسائل، يبعد عنها مسافة قدرت بستة وثلاثين ألف مليون سنة ضوئية، "وسيأتي ذكر السنة الضوئية كمعيار للمسافات البالغة الطول"، ولا يستطيع العلماء بن أوتوا من قدرات، إدراك حدود هذا الكون، وكلما تقدمت وسائلهم اكتشفوا وجود مجرات، وكواكب أبعد مما كان في تقديرهم. ولا يسع المتأمل في عظمة صنع الله وما خلق من تلك الأجرام السماوية العظيمة، ومواقعها السحيقة إلا أن يردد بخشوع عميق قوله تعالى:

{فَلا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ، وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ، إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ، فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ، لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ، تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الواقعة: 75-80] . وتنبئ الأجهزة التي يستخدمها علماء الفلك بأن المجرات والنجوم والكواكب جميعا في حركة دائبة، وأن هذه الحركة تؤدي إلى تمدد مستمر، وتنبئ الأجهزة بحسابات قد تكون قريبة من الصواب، وقد تكون مخطئة، ومن هذه الحسابات، أن سرعة تمدد الجزء الذي تدركه حواسنا من هذا الكون هي 235 مليون ميل في الدقيقة، وأن هذا التمدد قد نشط من 18 ألف مليون سنة "من السنين التي نعرفها على الأرض"، وأنه بدأ بانفجار هائل تعارف العلماء على تسميته "بج نانج - Big Bang"، وكل المجرات وما تضمنه من أجرام تتحرك في نظام وتوقيت رباني محكم، بما يؤكد التوزان المطلق الذي شاء الرحمن أن يكون في كل مخلوقاته، كبيرها وصغيرها فهناك تجاذب بين الأجرام السماوية والأرض كالتجاذب بين الأرض، والأجسام الواقعة على سطحها، وهناك توازن بين قوى التجاذب بحيث لا تختل حركة الأجرام في دورانها في أفلاكها، وصدق الحق من قائل: {الرَّحْمَنُ، عَلَّمَ الْقُرْآنَ، خَلَقَ الْأِنْسَانَ، عَلَّمَهُ الْبَيَانَ، الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ، وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ، وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ، أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ} [الرحمن: 1-8] . وفي الفضاء الكوني إشعاعات تنتقل على صورة تموجات، وأنواع الإشعاع أو التموجات الأثيرية المعروفة للإنسان حتى الآن: 1- الأشعة الكونية.

2- أشعة إكس. 3- الأشعة فوق البنفسجية. 4- الضوء. 5- الأشعة تحت الحمراء. 6- أمواج الراديو "اللاسلكي". 7- أشعة جاما. وتنتشر أشعة الضوء بسرعة 300 ألف كيلو مترا في الثانية، وبرغم أن أشعة الضوء لا ترى في ذاتها، إلا أنها معروفة بأنها الضوء المرئي، فهي حين تخترق الفضاء الكوني لا نراها، ولكننا نراها في حالتين: "أ" حينما تتناثر في بعض الأوساط المادية الشفافة مثل الغلاف الجوي. "ب" حينما تنعكس على بعض الأسطح المادية مثل سطح القمر. ويمكن تحليل الضوء إلى سبع مكونات، بإمراره خلال منشور زجاجي، وهذه المكونات السبع هي ألوان الطيف التي تشعر بها حاسة الرؤية في الإنسان، ويختلف طول الموجة من لون لآخر؛ فأطولها موجة اللون الأحمر، وأقصرها موجة اللون البنفسجي، وألوان الطيف مرتبة حسب طول موجاتها هي: البنفسجي - النيلي- الأزرق - الأخضر - الأصفر - البرتقالي - الأحمر. وصدق الله العظيم: {فَلا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ، وَمَا لا تُبْصِرُونَ} [الحاقة: 38-39] .

الشمس: تدور حول الشمس تسعة كواكب، والأرض ثالث هذا الكواكب -بعدا عن الشمس- وتبعد الأرض عن الشمس مسافة 150× 6 10 كيلو مترا، وللأرض تابع واحد هو القمر، ويبعد عنها مسافة 384400 كيلو مترا في المتوسط. ويبلغ حجم الشمس 10333 مليون مرة حجم الأرض، والشمس جسم غازي شديد الحرارة، قدرت درجة حرارته "بالدرجات المئوية المتداولة في قياسات أهل الأرض" بمقدار 5760 درجة مئوية على السطح الخارجي، وبمقدار حوالى 16-20 مليون درجة مئوية في مركزها، ويرى العلماء أن هذه الحرارة البالغة الارتفاع هي نتيجة تفاعلات نووية لمكونات مادة باطن الشمس، وأهم المكونات غاز الهيدروجين الذي تلتحم ذراته تحت ظروف درجات الحرارة العالية، وتندمج إلى ذرات الهيليوم مع انبعاث طاقة هائلة، وتتعرض الشمس إلى حدوث ما يسمى بالبقع الشمسية مرة كل 11 عاما "من الأعوام الأرضية" حين تزداد العواصف المغناطيسية على سطح الشمس، وترتفع ألسنة اللهب ممتدة في الفضاء مسافات تصل إلى 20 مليون كيلو متر، وتصل درجات الحرارة داخل ألسنة اللهب هذه إلى مليون درجة مئوية. وتدل التحاليل الطيفية لضوء الشمس، على أن العناصر الشائعة في القشرة الأرضية لا توجد في الشمس إلا بنسبة ضئيلة، هي حوالي 1% من كتلتها أما باقي الكتلة، وهي 99%، فتتكون من الهيدروجين والهليوم، ويعتقد أن تركيب النجوم لا يختلف كثيرًا عن تركيب الشمس.

وما يصل إلى الأرض من طاقة الشمس لا يتجاوز جزءًا واحدًا من ألف مليون جزء، وما تشعه الشمس في ثانية واحدة من الطاقة يساوي إجمالي ما تحصل عليه الأرض من طاقة الشمس خلال ستين عامًا، ويكفي هذا القدر من الطاقة احتياجات الحياة على سطح الأرض بأنواعها، وهي الحياة النباتية والحياة الحيوانية وحياة الإنسان. انفصال جسم الأرض: {قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الْآياتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ} [يونس: 101] . انفصل جسم الأرض مستقلا عن بقية أجزاء مجرة الطريق اللبني منذ قديم الزمن، ولعل هذا الانفصال هو ما ذكره الحق سبحانه وتعالى بقوله: {أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا} [الأنبياء: 30] . وقد اجتهد علماء الفلك والطبيعة في وضع نظريات متعددة لكيفية حدوث هذا الانفصال، ومنها نظرية الانفجار العظيم، ولا داعي للخوض في تلك النظريات. واستطاع علماء الجيولوجيا بوسائلهم المتخصصة أن يعطوا تاريخًا مطلقا لبدء وجود الأرض بكيانها المستقل عن بقية الأجرام السماوية، وقدروا أنه كان منذ حوالي أربعة آلاف وخمسمائة مليون عام من أعوامنا المعروفة. زينة الأرض والسماء: لقد أودع الله في البشر القدرة على الشعور بالجمال، فالإحساس الصادق

للمؤمن يجعله يشعر بالجوانب الجمالية التي أودعها الله في الأرض وفي السماء، فينشرح صدره ويزداد يقينه. {إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا} [الكهف: 7] . ففي الجبال جمال كامن في اختلاف ألوانها وفي عظمتها ورهبتها، وفي الجداول والأنهار جمال كامن في أنغام خرير مياهها حين تنساب رقراقة، وفي البحار جمال كامن يدركه البصر حين يتأمل أمواجها تتكسر متهادية على شواطئها، وحين يمد البصر عبر مياهها إلى ما لا نهاية، وفي النبات جمال طالما تغنى به أصحاب القدرة على التعبير شعرًا ونثرًا، وفي أصناف الحيوان من فراشات وأسماك، وطيور وأنعام وغيرها متعة للعين. كذلك فإن السماء فوقنا زينة بزرقتها وبما حوت من كواكب مضيئة. {زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ} [الصافات: 6] . لقد دعانا الله إلى التمتع بزينة الأرض والسماء، وجعلها مجالًا للتأمل والتفكر في عظمته. سجود الكائنات وتسبيحها: أخبرنا الله سبحانه وتعالى في محكم كتابه بسجود كل الكائنات المادية والحية وتسبيحها له. {وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ دَابَّةٍ} [النحل: 49] .

{تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ} [الإسراء: 44] . {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوُابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ} [الحج: 18] . وتقصر حواسنا البشرية عن إدراك كنه هذا السجود وهذا التسبيح، ولكن حواسنا تمكننا من التفكير في خلق السموات والأرض، وفي خشوعها لخالقها وانصياعها لإرادته سبحانه.

الفصل الثاني: الغلاف الجوي حول الأرض

الفصل الثاني: الغلاف الجوي حول الأرض السماء لغويا هي كل ما ارتفع فوق رؤوسنا، وامتد إلى آخر ما يمكن أن يدركه الإنسان من أجرام سماوية بحواسه وبأجهزته. {وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعًا شِدَادًا} [النبأ: 12] . ونقتصر هنا على ذكر ذلك الجزء من السماء الذي يضم الغلاف الجوي حول الأرض، وهي السماء الدنيا. يدخل سماء الأرض من أشعة الشمس ما يمكن تقسيمه إلى ثلاث مجموعات: "أ" 9% أشعة فوق بنفسجية. "ب" 45% أشعة منيرة "ضوء". "جـ" 46% أشعة تحت حمراء "حرارية". ويمكن للإنسان أن يشعر بالضوء في جزء من سماء الأرض سمكه حوالي 200 كيلو مترا ذلك في الجهة التي تكون مواجهة للشمس. ينتهي الغلاف الجوي المحيط بالأرض عند ارتفاع نحو ألف كيلو متر فوق سطح الأرض، وتتناقص كثافة هذا الغلاف الجوي سريعا بالارتفاع، وذلك أن:

"أ" أكثر من نصف وزن الغلاف كله يتركز في ستة الكيلو مترات الأولى. "ب" أكثر من ثلاثة أرباع وزنه توجد في الاثني عشر كيلو مترا الأولى. "ج" كثافة الهواء على ارتفاع 20 كيلو مترا فوق سطح الأرض تساوي نحو جزء واحد من مائة جزء من كثافته عند السطح، بمعنى أن 99% من كتلته توجد في الجزء الممتد من سطح الأرض حتى ارتفاع نحو 20 كيلو مترا. "د" يشعر الإنسان بضيق الصدر مع الارتفاع، ويكاد يختنق على ارتفاع نحو 12 كيلوا مترا وصدق الله تعالى: {فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ} [الأنعام: 125] . ويقسم علماء الطبيعة الغلاف الجوي إلى أربعة نطاقات هي من أسفل إلى أعلى لسطح الأرض. تروبو سفير Ttopo Sphere ستراتوا سفير Strato Sphere ميزو سفير Meso Sphere ثيرمو سفير Thermo Sphere فتتناقص درجات الحرارة في نطاق التروبو سفير مع الارتفاع عن سطح الأرض، وفي نطاق الستراتو سفير يتوقف انخفاض الحرارة، وقد ترتفع فيه درجات الحرارة مع امتصاص الأشعة فوق البنفسجية في طبقة الأوزون، التي توجد في هذا النطاق، ثم

تنخفض درجات الحرارة مرة أخرى في نطاق الميزوسفير، ثم ترتفع درجات الحرارة مرة أخرى في نطاق الثيرموسفير. ويرى السحاب حول الأرض بعين الناظر من الفضاء الخارجي، يغطي حوالي 50% من سماء الأرض، ويساعد السحاب على ارتداد حوالي 35% مما يصل إلى الغلاف الجوي من أشعة الشمس، أما ما يتغلغل في الغلاف الجوي من هذه الأشعة، ومقداره 65% من تلك الأشعة، فإن نطاق التروبوسفير يمتص 15% منه، وتستمر 50% من الأشعة لتقع على سطح الأرض. وللنطاق الجوي القريب من سطح الأرض القدرة على امتصاص الأشعة تحت الحمراء، فيحفظ سطح الأرض بقدر من الحرارة فيصبح متوسط درجة حرارة السطح حوالي 20 درجة مئوية، فإذا لم يحدث هذا، فإن متوسط درجة حرارة السطح تكون حوالي 20 درجة مئوية تحت الصفر، فيتجمد الماء، ولا تصلح حياة. ويدخل في مجال السماء الأرضي، كل ثانية، حوالي تريليون جسم أولي من الأشعة الكونية المحملة بطاقة هائلة، قادمة من أعماق الفضاء خارج المجموعة الشمسية، وفي الغلاف الجوي الأرضي تصطدم تلك الجسيمات الأولية بمكونات الغلاف الجوي، وينتج عن هذا الاصطدام تولد جسيمات ثانوية، هي التي يمكنها الاستمرار في مسارها إلى أن ترتطم بسطح الأرض، وبالأحياء الموجودة على هذا السطح ومنها الإنسان، ولا تسبب هذه الجسيمات الثانوية أضرارا للجسم البشري الحي، بينما لو كانت الأشعة الكونية الأولية هي التي تصيب أجسام الأحياء على سطح الأرض لقتلتهم.

وتسبح مكونات الغلاف الجوي الأرضي داخل مجال الأرض المغناطيسي، وتعرف باسم الماجنيتوسفير، ويتولد هذا المجال المغناطيسي في قلب الكرة الأرضية نتيجة لتفاعلات تجري بين مكوناتها الفلزية الثقيلة. ولا توجد فواصل واضحة بين نطاقات الغلاف الجوي، ولكن مكونات هذا الغلاف تتخلخل مع الارتفاع، كما ذكرنا، وعلى ارتفاع يتراوح ما بين خمسمائة وسبعمائة كيلو متر نصل إلى نطاق الإكسو سفير حيث تبدأ الذرات اكتساب القدرة على التغلب على المجال المغناطيسي الأرضي، وتتزايد قدرتها على الهروب إلى الأثير، إلى أن نصل إلى نهاية الغلاف الجوي للأرض. تطور الغلاف الجوي: لم يكن تكوين الغلاف الجوي للأرض بمنأى من أحداث اليابسة، والرقعة المائية للأرض، فإن تكوين الغلاف الجوي هو حصيلة التفاعلات المستمرة بين المواد السائلة، والمواد الصلبة للأرض. وبداية تاريخ الغلاف الجوي لكوكب الأرض تخضع للتخمينات العلمية، فهو لم يكن مشابها للغلاف الجوي الراهن، فهناك احتمال قوي بأنه كان يحتوي نسبة من غازي الهيدروجين والهيليوم، ولكن صفاتهما أتاحت لهما القدرة على الهروب من جاذبية الأرض إلى الفضاء الخارجي. وتلت هذه المرحلة، مرحلة أخرى، للنشاط البركاني دور كبير فيه، فأخرجت كميات من: ثاني أكسيد الكربون، وثاني أكسيد الكبريت، والهيدروجين،

والنيتروجين، والماء، والميثان، والأمونيا، وذلك مما كانت تختزنه كتلة المادة الأرضية في داخلها، ومن الغازات التي أضيفت للغلاف الجوي من داخل كتلة الأرض: غاز الهيليوم، وغاز الأرجون، وهما من مخلفات تحلل المواد الإشعاعية. ويظن علميا أنه منذ ثلاثة بايين عام، كانت غالبية ثاني أكسيد الكربون قد امتصته مياه المحيطات؛ وأصبحت تركيبة الغلاف الجوي من غاز الميثان وغيره من مركبات الكربون والهيدروجين، أما الأكسجين فكانت نسبته ضعيفة، لذلك لم تكن للأرض طبقة من الأوزون في جوه، ومع تغلغل الأشعة فوق البنفسجية دون مقاومة تذكر، تفاعل الميثان مع الموجود من الأكسجين وبذلك خرج الميثان من مكونات الجو، وتأثر ما تبقى من الأكسجين بالأشعة فوق البفنسجية، وبدأ الأوزون في التكوين، بينما صار للنتروجين النسبة العالية، ومنذ بليوني عام من عمر الأرض وكان الغطاء النباتي فوق سطح الأرض بوفرة أتاحت الظروف لتزويد الغلاف الجوي بالمزيد من الأكسجين. واستمرت الزيادة في نسبة الأكسجين في بطء وإصرار، فمنذ بليون عام وصلت نسبة الأكسجين في الجو إلى حوالي 10% من نسبته المعروفة في الجو الراهن، ومنذ حوالي 600 مليون عام كان الأكسيجين قد زاد زيادة كبيرة أوصلته إلى النسبة المعروفة حاليًا تقريبًا، ثم ساد الغلاف الجوي توازن في مكوناته دام حتى الآن. ويمكن القول بصفة عامة إن الغلاف الجوي للأرض يتركيب كيميائيا من المواد الغازية التالية في الوقت الحاضر: نيتروجين 78.084% أكسيجين 20.934%

أرجون 934. % ثاني أكسيد الكربون 0.033% بخار الماء غير محدد غازات أخرى 0.00268% وقد حسبت مكونات مجموعة الغازات الأخرى على النحو التالي: نيون 0.00182% هيليوم 0.00053% كريبتون 0.00012% زينون 0.00009% هيدروجين 0.00005% ميثاق 0.00002% أكسيد نيتروز 0.00005% ويؤدي الغلاف الجوى منافع للأحياء على سطح الأرض كما يلي: - يمدهم بغاز الأكسيجين للتنفس. -يحميهم من التعرض للأشعة فوق البنفسجية بكميات تسبب الإيذاء للأحياء. - يؤدي وظيفة الغشاء الحراري الذي يحتفظ لسطح الأرض بحرارة مناسبة. الأوزون: توجد طبقة الأوزون ضمن نطاق الستراتو سفير على ارتفاع يتراوح ما بين

العشرين والثلاثين كيلو مترا، وللأوزون دور خطير في الحفاظ على وجود الحياة على سطح الأرض، ويتركب جزيء الأوزون من ثلاث ذرات من الأكسيجين، وتحول طبقة الأوزون دون وصول كميات زائدة غير مرغوبة من الإشعاعات فوق البنفسجية، وقد شاءت قدرة الله أن يكون تصميم جسم الإنسان بحيث لا يتحمل إلا قدرًا محسوبًا من الأشعة فوق البنفسجية، ولو تعرض الإنسان لقدر أكبر من هذه الأشعة، فإن جلده يصيبه أذى مؤكد، وإذا زاد قدر هذه الأشعة لمدة طويلة فقد يقتل الإنسان. ومن أوائل الثمانينيات تأكد علماء الطبيعة من وجود تآكل في بعض أجزاء الغلاف الجوي في أحد مكوناته الهامة، وهو غاز الأوزون، وتبلغ شدة هذا التآكل فوق المنطقتين المتجمدتين الشمالية والجنوبية، ويشغل التآكل فوق المنطقة القطبية الجنوبية مساحة تزيد عن مساحة قارة أمريكا الشمالية، ويزيد تآكل الأوزون من احتمالات زيادة التعرض لحدة الأشعة فوق البنفسجية، الأمر الذي يضر بعملية التمثيل الضوئي التي يقوم بها النبات، ويهدد سلامة البشر، ويسهم في ارتفاع في حرارة الجو مما يهدد بكوارث طبيعية لا يعلم مداها إلا الله سبحانه وتعالى. ووجد أن إسراف البشر في استخدام مركبات الكلوروفلورو كربون من ضمن الأسباب الرئيسية لهذا التآكل، وهي مركبات غازية صناعية تستخدم بغزارة في إنتاج جميع أنواع الثلاجات، وأجهزة التكييف والمنظفات الصناعية ومواد التجميل، واستخدمت الدول الصناعية هذه المركبات الغازية منذ سنوات عديدة قبل أن تعرف مخاطرها، وبدأت الدول النامية في استخدامها بغزارة لسهولة الحصول عليها ورخص أسعارها.

ومن ناحية أخرى، فمع إطلاق كل صاروخ من صواريخ الاستكشاف، والصواريخ الصناعية التي يصحبها إطلاق كميات هائلة من غازات دفع الصواريخ، يحدث تدمير لحوالي مليون طن من غاز الأوزون. وكمية الأوزون الموجودة في الغلاف الجوي، كمية محدودة قدرها العلماء بحوالي ثلاثة آلاف مليون طن، وهو قدر صغير مقارنا بكميات المكونات الأخرى للغلاف الجوي، وقد تأكد للعلماء خلال الثمانينيات جدية التآكل في الأوزون الذي يستمر بمعدلات مخيفة عاما بعد عام. وقد استغرق تاريخ الكرة الأرضية مئات الملايين من السنين لتثبيت نسبة الأوزون في الغلاف الجوي مما مكن للحياة النباتية، والحيوانية أن تزدهر، أما التآكل السريع الذي يحدث حاليًا بفعل البشر فلا يمكن تعويضه خلال فترة زمنية تكفل الأمان للحياة على سطح الأرض، فحينما تتطاير في الجو غازات الكلوروفلورو كربون ترتفع إلى طبقة الأوزون، وتسبب في تكسير جزيء الأوزون إلى أكسيجين في تفاعل متسلسل، ويستمر تأثيرها المدمر لمدة 75- 110 سنة. ويؤكد العلماء على حتمية الكف عن استخدام الغازات الضارة بطبقة الأوزون. ارتفاع حرارة الجو: منذ آخر فترة جليدية [قبل 18 ألف عام] لم ترتفع درجة حرارة الجو عاليا أكثر من 4 درجات مئوية، وقد أعلن علماء الأرصاد الجوية أن نسبة تركيز غاز ثاني أكسيد الكربون قد زادت في الهواء المحيط بالأرض منذ بداية القرن العشرين بنسبة 25%، ففي كل عام ينتشر نحو خمسة مليارات طن من غاز ثاني أكسيد الكربون في الغلاف

الجوي للأرض، وهي تأتي في الغالب من احتراق أنواع الوقود العضوية والكربونية، وهذه الكمية من ثاني أكسيد الكربون أكبر مما يمكن امتصاصه عن طريق نمو الأشجار والنباتات الأخرى. فالمعالجة آثار انبعاث غاز ثاني أكسيد الكربون من محطة طاقة تدار بالفحم قدرتها 1000 ميجاوات، يلزم زراعة غابة حولها مساحتها 1000 كيلو متر مربع، لامتصاص كافة الغازات المنبعثة، فالزيادة المطردة لوجود غاز ثاني أكسيد الكربون في الجو يؤدي إلى سرعة تأثير ظاهرة الصوبة الزجاجية Green House Effect، ويؤدي بالتالي إلى رفع درجة الحرارة على سطح الكوكب بمقدار يتراوح ما بين 1.5-4.5 مئوية مع بداية القرن الواحد والعشرين، وينتج عن هذا الوضع تغير سريع في توازن مكونات الغلاف الجوي في غير صالح الحياة على سطح الأرض، فتتغير موازين تراكم الثلوج في المنطقتين القطبيتين، وتتغير موازين مناطق سقوط الأمطار، وتتغيير مناسيب سطح البحار والمحيطات ويزداد احتمال غمرها لمساحات كبيرة من اليابسة المتاخمة للماء. ويؤكد العلماء على ضرورة استخدام الطاقة النظيفة حفاظا على البيئة الطبيعية، ومحطات الطاقة النووية هي الوحيدة التي لا ينتج عن تشغيلها أكاسيد كربونية أو أزوتية ضارة بالبيئة. الرياح: سبب هبوب الرياح هو الدفع تحت تأثير فروق الضغط الجوي، وتنشأ هذه الفروق بسبب اختلاف ميل أشعة الشمس على سطح الكرة الأرضية، ومن ثم اختلاف

معدلات التسخين، فكلما تعامدت الأشعة على السطح، زاد التسخين، كما هو الحال بين المدارين [مدار السرطان ومدار الجدي] ، وكلما زاد الميل قل التسخين، كما هو الحال حول القطبين حيث تكاد تسقط أشعة الشمس موازية للسطح، وازدياد التسخين معناه قلة الكثافة، ومن ثم نقص الضغط الجوي، والعكس بالعكس. ومن الرياح ما يحمل النفع للناس، ففيها تحريك للساريات المواخر للبحار تنقل الناس والتجارة، ومن الرياح ما يحمل السحاب ويسوق المطر. {وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} [البقرة: 164] . {وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ} [الأعراف: 57] . {وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ} [الفرقان: 48] . {وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ} [النمل: 63] . {وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ} [سبأ: 12] . {وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ} [الأنبياء: 81] . {فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ} [ص: 36] . {إِنْ يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِدَ عَلَى ظَهْرِهِ} [الشوري: 33] . {حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ} [يونس: 22] . {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ وَلِيُذِيقَكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ} [الروم: 46] .

{وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ} [الحجر: 22] . {وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَسُقْنَاهُ إِلَى بَلَدٍ مَيِّتٍ} [فاطر: 9] . {فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ آيَاتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُون} [الجاثية: 5] . ومن الرياح ما يرسله الله عذابًا: {فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قَاصِفًا مِنَ الرِّيحِ فَيُغْرِقَكُمْ بِمَا كَفَرْتُمْ} [الإسراء: 69] . {فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ} [الكهف: 45] . ومن الرياح ما يصفها القرآن الكريم بأنها صرصر عاتية وبأنها إعصار، وهي رياح فيها عذاب ودمار. {وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ} 1 [الحاقة: 6] . {فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ لِنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لا يُنْصَرُونَ} [فصلت: 16] . {إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ} [القمر: 19] . {بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ} [الأحقاف: 24] . {وَفِي عَادٍ إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ} [الذاريات: 41] . {أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ} [إبراهيم: 18] .

_ 1 صرصر: شديد الصوت، من الصرير وهو الصوت. عاتية: متجاوزة الحد.

والرياح العاتية تنعكس من الأرض إلى السماء على هيئة مخروط ضخم، ويكون الإعصار غالبًا على هيئة قمع يتدلى من السحب الركامية إلى سطح الأرض، وقد يحدث في جداره تفريغ كهربي مستمر، يجعله يبدو كأنما يشتعل نارًا. {فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ} [البقرة: 66] . وقد تصل سرعة الإعصار إلى 500 كيلو متر في الساعة الواحدة، فتجتاح كل ما تصادف من أبنية وزرع وإحياء، وتحدث دمارًا شاملًا على امتداد مسارها. بعض الظواهر الجوية: الرعد والبرق: {أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ} [البقرة: 19] . {يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [البقرة: 20] . {هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنْشِئُ السَّحَابَ الثِّقَالَ} [الرعد: 12] . {وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً} [الروم: 24] . {يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ} [النور: 43] . {وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ} [الرعد: 13] . يتكون البرد في طبقات عليا باردة من الجو، ثم يهبط البرد الذي تكون في أعالي

السحب إلى أسفل بفعل الجاذبية، وتكون هذه الحركة بمثابة المولد الكهربائي، حيث تشحن الأجزاء العليا الهابطة شحنة سالبة بينما تشحن الأجزاء السفلى من السحابة شحنة موجبة، ويكون التفريغ بين الشحنتين على هيئة برق. وينجم عن التسخين المفاجئ الذي سببه الرد أن يتمدد الهواء في موضع البرق فجأة أيضا، ويتمزق الهواء في صوت هادر هو صوت الرعد. وقد يتكرر حدوث البرق داخل السحاب في موقع واحد عددا من المرات، وقد يصل هذا العدد في أحوال نادرة إلى 40 إبراقا في الدقيقة الواحدة في الموقع الواحد، وقد دلت الإحصاءات العالمية للأرصاد على أن عدد عواصف الرعد التي تحدث في جو الأرض في اليوم الواحد أكثر من 40 ألفا، وتتولد من العاصفة الواحدة في المتوسط كمية من الكهرباء قدرها نحو 2.2 مليون كيلوا وات ساعة. الصاعقة: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ} [الزمر: 68] . {فَذَرْهُمْ حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ} [الطور: 45] . {فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا} [الأعراف: 143] . {وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ} [البقرة: 55] . {فَقَالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ} [النساء: 153] .

{فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ} [فصلت: 13] . {فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [فصلت: 17] . {فَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ وَهُمْ يَنْظُرُونَ} [الذاريات: 44] . {يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ مِنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ} [البقرة: 19] . {وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ} [الرعد: 13] . والتفسير العلمي لهذه الظاهرة، هو أنه عند حدوث تفريغ كهربي بين أجزاء السحاب فهو البرق، أما إذا حدث التفريغ الكهربي بين سحابة وأي جسم بارز على سطح الأرض، فإن هذا التفريغ الكهربي يسمى صاعقة. وتحرق الصاعقة وتدمر ما تسقط عليه، سواء كان جمادا، أو نباتا، أو حيوانا، أو إنسانا، وقد أرسل الله الصواعق عقابًا لأقوام خلت، وهو إنذار رباني بالعذاب يصيب به من يشاء. قوس قزح: هي ظاهرة ضوئية تصحب سقوط الأمطار مع سطوع الشمس، فإذا وقف الإنسان ناظرًا إلى السماء حيث تتساقط الأمطار، وكانت وقفته في موضع يتوافق فيه تغلغل ضوء الشمس بزاوية معينة في غلالة الأمطار، فإنه يرى تحلل الضوء المرئي إلى عناصر ألوانه السبعة منتشرا في شكل قوس، وهو المعروف باسم قوس قزح Rain bow، وقد يكتمل هذا القوس في نصف دائرة، ولا يستمر بقاء قوس قزح مرئيا وقتا طويلا في

غالب الأحيان، وتحدث ظاهرة قوس قزح فوق الشلالات المائية نهارا مع بزوغ الشمس، وهنا يظهر قوس قزح في رذاذ الماء المتصاعد من اندفاع الماء على حافة الشلال، ويبقى هذا القوس مرئيًّا طوال بزوغ الشمس ويتكرر يوميًّا. السراب: هي أيضا ظاهرة ضوئية تلاحظ في ظروف مناخية وجغرافية متعددة، وأكثرها شيوعًا ما يلاحظه المسافر في المناطق الصحراوية خلال فترة الظهيرة، من وجود رقعة مائية أمامه، وكلما تقدم، تقدمت تلك الرقعة المائية أمامه، وما هي في الحقيقة بماء، وهو لن يدركها أبدًا، وقد ضرب الله في قرآنه المحكم مثلا بهذه الظاهرة الطبيعية التي يراها الناس بأعينهم ويعرفون مدلولها: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا} [النور: 39] . فقد شبه الله أعمال الكافرين بالسراب، وما هو بماء حقيقي، ولكنه وهم وخداع نظر، فهي أعمال يحسبها الكافرون تنفعهم بدون إيمان، حتى إذا جاءوا يوم القيامة وجدوا أعمالهم هباءً منثورًا. ويقسم علماء الطبيعة السراب إلى ثلاثة أنواع: "أ" سراب سفلي: يحدث حينما تكون درجة حرارة الجو عالية في طبقتها الملامسة للأرض، بينما تكون درجة الحرارة منخفضة انخفاضًا واضحًا في طبقات الجو التي تعلوها، وفي هذا النوع من السراب ترى العين المعالم الموجودة على سطح

الأرض وترى تحتها صورة لتلك المعالم مقلوبة رأسا على عقب وكأنها منعكسة على سطح رقعة مائية، وهي الظاهرة التي أتى ذكرها في الأية [39] من سورة النور. "ب" سراب علوي: حيت ترى صور المعالم موجودة على سطح الأرض معكوسة ومعلقة في السماء. "ج" سراب مشترك: سفلي-علوي. حجارة من السماء: الشهب والنيازك: {وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ، وَحَفِظْنَاهَا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ، إِلَّا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ مُبِينٌ} [الحجر: 16-18] . {إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ، وَحِفْظًا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ، لا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَأِ الْأَعْلَى وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ، دُحُورًا وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ، إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ} [الصافات: 6-10] . {وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا ملِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا، وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَصَدًا} [الجن: 8-9] . والشهب Meterors: أجسام من أحجار سماوية تهيم في مسارات غير منتظمة، وتتخلل المجموعة الشمسية كلها، يرجم بها الله جلت قدرته كل شيطان جدير

بالرجم، وأثناء تجوال هذه الأجسام، يقع بعضها في مجال الجاذبية الأرضية، ويكون لها ضوء باحتكاكها بغلاف الهواء الأرضي مع السرعة الفائقة في اندفاعها، ويمكن رؤية هذا الضوء مثل السهم المنير أثناء الليالي الصافية. وتصطدم بعض الشهب بسطح الأرض، وتعرف حينئذ بالنيازك Meteorites: ومن أجسام النيازك التى أمكن العثور عليها، قسم العلماء تركيبها إلى ثلاث مجموعات: النيازك الحديدية Siderites التي تتركب أساسا من سبيكة الحديد والنيكل. النيازك الحجرية Aerolites التي تتركب كلية تقريبا من أحجار من السليكات ثقيلة الوزن، بها معدن "الأليفين"، ومعدن "البيروكسين". النيازك الحجرية -الحديدية Siderolites، وهي خليط من سبيكة الحديد والنيكل مع المواد الحجرية ثقيلة الوزن. وقد تصل سرعة النيزك عند اصطدامه بالأرض إلى 70 كيلو مترا في الثانية الواحدة، وكلما زاد حجم النيزك، كان لاصطدامه أثر تدميري مروع. ويقدر عدد النيازك التي تعرف العلماء على وجودها بحوالي ألفين وخمسمائة نيزك مختلفة الأحجام والتركيب. ومن عجائب ما عثر عليه العلماء، ماسات diamonds موجودة في بعض النيازك على صورة بللورات من الماس دقيقة الحجم مجهرية، واقترح العلماء احتمال أن تكون بللورات الماس هذه قد تكونت من تكثف بخار الكربون تحت ضغط هائل

وحرارة هائلة ناتجة عن انفجار بعض النجوم وموتها، ومما يعزز هذا الرأي العثور على آثار لغاز الزينون محبوسة في بلورات الماس هذه؛ وهذا الغاز يتكون عند انفجار النجوم وموتها. واستطاع العلماء في السنوات الأخيرة التعرف على وجود ما أسموه: الكريات المغناطيسية الدقيقة Magnetic Spherules، وهي هباء ترابي ذو حبيبات بالغة الصغر Microscopic، سوداء اللون، مغناطيسية، وتوجد هذه الكريات في الأجواء المحيطة بالأرض، كما توجد على سطح الأرض في غلاف القشرة الصلبة وفي رسوبيات المحيطات، وجمعت عينات منها من الطبقات العليا للغلاف الجوي، وتأكد أن مصدرها من خارج النطاق الأرضي، حيث ثبت أن تركيبها من الحديد، والنيكل شبيه بتركيب النيازك الحديدية، ويتراوح حجم الكرية الواحدة من 3 إلى 100 ميكرون، ويظن أن مصدرها هو النيازك الصغيرة الحجم، التي عادة ما تذوب وتتبخر وتتناثر باحتكاكها بالغلاف الخارجي للأجواء الأرضية. الحاصب والسجيل: {أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا} [الملك: 17] . {أَفَأَمِنْتُمْ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ الْبَرِّ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا} [الإسراء: 68] . {إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ حَاصِبًا إِلَّا آلَ لُوطٍ نَجَّيْنَاهُمْ بِسَحَرٍ} [القمر: 34] . الحصب والحصبة هي الحجارة والحصى، وواحدته حصبة، والحصباء هي الحصى، والحصى بالمفهوم العلمي الحالي له دلالة على حجم حبيبي معين، هو وسط بين حجم الجلمود وحجم الرمل.

{إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ} [الأنفال: 32] . {قَالُوا إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ، لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ طِينٍ} [الذاريات: 32-33] . {جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ} [هود: 82] . {وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ، تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ} [الفيل: 3-4] . والسجيل كلمة فارسية أدخلت في العربية، وقيل: إنها مكونة من كلمتين: سنج [الحجر] وجل [الطين] ثم جعلتهما العرب كلمة واحدة تجمع بين الحجر والطين. والمنضود هو الشيء الموضوع بعضه فوق بعضه. وفي تفسير الفقهاء أن الله أهلك القوم الكافرين، في قصة لوط وفي قصة أصحاب الفيل بالرجم بحجارة صغيرة من الحصباء سقطت عليهم من السماء متتابعة بعضها فوق بعض. وبرغم أن هذه الحجارة أصلها طيني، إلا أنه لم يأت ذكر "حجارة من سجيل" مقرونة مع خلق الإنسان في أي موضع من القرآن الكريم، والطين الذي خلق منه الإنسان، هو طين أرضي، وهذا ما يدعو إلى احتمال أن مادة "حجارة من سجيل" هي مادة غير أرضية، ولعل ما أرسله الله من السماء من حاصب، ليعذب الأمم البائدة من الكافرين، والعاصين هي حجارة من نفس هذا النوع، مصداقا لقوله تعالى: {فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ} [العنكبوت: 40] .

الحجر الأسود: {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [البقرة: 127] . فكان إسماعيل يجيء بالحجارة وإبراهيم يبني، إلى أن ارتفع البناء، وفي إحدى الروايات عن رفع القواعد، أن إسماعيل عندما كان يأتي لأبيه بالأحجار وجد عنده حجرا أسود، فسأله: من جاءك بهذا الحجر؟ فقال إبراهيم: من لم يكلني إليك ولا إلى حجرك، وتذهب هذه الرواية إلى أن جبريل عليه السلام هو الذي جاء بالحجر الأسود. وللحجر الأسود في الكعبة إجلال طوال أزمان ما قبل الإسلام، وقصة إعادة بناء الكعبة زمن الرسول الكريم قبل النبوة، ورفع الحجر الأسود في ثوب يمسك به نفر من كل قبيلة من القبائل المتناحرة، قصة معروفة، وفيها تأكيد لأهمية هذا الحجر. وقد روي عن عمر بن الخطاب قوله: وهو يقبل الحجر الأسود حين طوافه بالبيت: "إنك حجر لا تضر ولا تنفع، والله لولا أني رأيت رسول الله يقبلك ما قبلتك". وما يزال المسلمون حتى آخر الأيام يستهلون طوافهم بالبيت العتيق من موضع الحجر الأسود مهللين مكبرين داعين الله.

الفصل الثالث: اليابسة

الفصل الثالث: اليابسة الأرض: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ} [إبراهيم: 19] . جاء ذكر الأرض 451 مرة في القرآن الكريم، واستخدم لفظ الأرض في الذكر الحكيم استخدامات عديدة. وسنقتصر هنا على إعطاء القارئ لمعاني القرآن نبذة عما توصلت إليه العلوم التقنية في شأن وصف الكرة الأرضية من النواحي الطبيعية والكيميائية والجيولوجية، بما يقوي إيمانه بعظمة الخالق سبحانه، ويعينه على ذكره وشكره ومخافته. قد طول فلك الأرض حول الشمس، فوجد أن يبلغ حوالي 567 مليون ميل، وقدرت سرعة تحرك الأرض في فلكها حول الشمس بحوالي 18 ميلا في الثانية الواحدة، وتستغرق حركة التفاف الكرة الأرضية حول الشمس التفافة واحدة عاما كاملا من أعوامنا البشرية. وتلتف الأرض حول نفسها بسرعة حوالي ألف ميل كل ساعة، وتستغرق التفافة كاملة يومًا أرضيًّا "نهارًا وليلًا". وبالمعايير الأرضية، على أساس الكثافة النوعية للماء واحد صحيح، فإن: الكثافة النوعية= ... الكتلة الحجم على هذا الأساس، فقد حسب وزن الأرض بمقياسنا الوضعي البشري فكان تقديره: 6× 21 10 طنا، وحسب حجم الكرة الأرضية على أساس أن نصف

قطرها 6400 كيلو متر فكان تقدير الكثافة النوعية للأرض ككل = 5.53 جرام للسنتيمتر المكعب، ولهذا التقدير أهميته في افتراضات قدمها علماء الطبيعة لتركيب باطن الأرض، وقدرت المساحة الإجمالية لسطح الكرة الأرضية بـ 196.940.000 ميلا مربعا، منها مساحة البحار والمحيطات 39.434.000ميلًا مربعا "أي 70.8% من إجمالي سطح الكرة الأرضية". التركيب الداخلي للكرة الأرضية: {وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِين} [الذاريات: 20] . كما ذكرنا فإن الكثافة النوعية الإجمالية للكرة الأرضية 5.53 جم/ سم3، وهذا القدر يبلغ حوالي ضعف متوسط الكثافة النوعية للصخور الظاهرة على سطح القشرة الأرضية، لذلك قدم الباحثون في علوم الأرض فرضا مؤداه: أن ما يلي القشرة إلى داخل الأرض، له مكونات متتابعة، مختلفة بعضها عن البعض الآخر، وأنها تزيد في كثافتها النوعية مع العمق، واستعان الباحثون بالأجهزة الجيوفيزيائية، ومنها أجهزة الدراسات السيزمية "الزلزالية" Seismic، مما عزز هذا الافتراض. ويقسم الباحثون في علوم الأرض التركيب الداخلي للكرة الأرضية إلى ثلاثة أقسام هي من الداخل إلى الخارج: "أ" القلب Core "ب" الغلاف Mantle "ج" القشرة Crust وقد حسبت النسبة المئوية لأهم عشرة عناصر تتكون منها مادة الكرة الأرضية ككل "بأقسامها الثلاثة: القلب والغلاف والقشرة" كالآتي:

حديد أكسجين سليكون ماغنسيوم نيكل ... 34.60% 29.50% 15.20% 12.70% 02.40% ... كبريت كالسيوم ألومنيوم صوديوم كروميوم ... 1.90% 1.10% 1.10% 0.57% 0.26% والأرجح في افتراضات الباحثين في علوم الأرض الوصف التالي لأقسام التركيب الداخلي للكرة الأرضية: "أ" القلب: هو قلب الكرة الأرضية يتخيلها الباحثون كرة نصف قطرها من المركز 3475 كيلو مترا، ويقسم القلب إلى جزء داخلي نصف قطره 1255 كيلو مترا، وهو من مادة صلبة، يليه للخارج ويحيط به جزء خارجي يمتد سمكه 2220 كيلوا مترا "خارج الجزء الداخلي"، ويتركب من مادة مصهورة سائلة معظم تركيبها من الحديد، والنيكل والكبريت. "ب" الغلاف: يحيط الغلاف بقلب الكرة الأرضية، بسمك قدره 2895 كيلو مترا، ويتركب الغلاف من مواد أساسها الحديد، والماغنسيوم متحدة مع السليكا، وصخور الغلاف لها صفة بلاستيكية، فهي تحت الضغوط المنتظمة البطيئة تنبعج وتنساب مثل المواد السائلة، أما حالات التغير الفجائي في الضغط، فتتسبب في تشققها وتفتتها مثل الزجاج. "ج" القشرة: هي قشرة رقيقة يتراوح سمكها ما بين 16 إلى 40 كيلو مترا، وتتكون من جزء تركيبه بازلتي، وجزء آخر تركيبه جرانيتي، أما المادة البازلتية فتشغل قيعان المحيطات،

وتشغل ما تحت مادة القارات، أما القارات نفسها فهي بصفة عامة جرانيتية أخف وزنا من المادة البازلتية، وتطفو المادة الجرانيتية فوق المادة البازلتية، كذلك تطفو مادة القشرة بشقيها الجرانيتي، والبازلتي فوق مادة الغلاف الأكثر منها كثافة، علمًا بأن حوالي 75% من جملة مادة القشرة تتركب من السليكون، والأكسيجين مما يجعلها خفيفة الوزن. ويرى العلماء أن صخور القشرة إلى عمق حوالي 16 كيلو مترا تتكون من 95% صخورا نارية، و 4% صخورا رسوبية طينية، و 0.75% صخورا رسوبية من الحجر الرملي، 0.25% صخورا رسوبية من الحجر الجيري، ومن بين أكثر من مائة عنصر من العناصر التي تتكون منها الكرة الأرضية، فإن أهم العناصر في صخور القشرة إلى العمق المذكور توجد بالنسبة الآتية: أكسجين سليكون ألومنيوم حديد كالسيوم صوديوم بوتاسيوم ماغنيسوم ... 46.71% 27.69% 8.0% 5.05% 3.65% 2.75% 2.58% 2.08% ... تيتانيوم هيدروجين فوسفور كربون منجنيز كبريت باريوم بقية العناصر ... 0.62% 0.14% 0.13% 0.094% 0.090% 0.052% 0.050% 0.244% ويبين هذا الجدول أن خمسة عشرا عنصرا تتكون منها 99.75% من القشرة الأرضية. تناقص أطراف الأرض: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا} [الرعد: 41] .

{أَفَلا يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا أَفَهُمُ الْغَالِبُونَ} [الأنبياء: 44] . تقبل المفسرون من رجال الدين التفسير العلمى على أساس احتمالين للتفسير: "أ" فقد عرف أن سرعة انطلاق جزئيات الغازات المغلفة للكرة الأرضية، إذا ما جاوزت قوة جاذبية الأرض لها، فإنها تنطلق إلى خارج الكرة الأرضية بغير رجعة، وهذا يحدث بصفة مستمرة، فتكون الأرض في نقص مستمر لأطرافها، وقد حسبت السرعة اللازمة للخروج من الجاذبية الأرضية، ووجدت أنها تعادل 11.2 كيلو مترا في الثانية، وحسبت سرعة انطلاق جزئيات بعض الغازات على درجة حرارة تعادل درجة حرارة تجمد الماء فوجدت: "بالكيلو مترات في الثانية" 1.8 للهيدروجين، 1.3 للهليوم 0.06 لبخار الماء، 0.5 لنتروجين، 0.45 للأكسجين، 0.4 لثاني أكسيد الكربون، وحسبت السرعات عند رفع درجة الحرارة 100 درجة مئوية، فوجد أنها زادت بمقدار 17%، وعند درجة حرارة 500 مئوية زادت السرعة 680%. وعلى أساس تفاوت السرعة بين الغازات، استنتج العلماء أن الأرض قد فقدت منذ ولدت، من جوها، الكثير من الغازات الأقل كثافة والأكثر سرعة مثل الهيدروجين والكثير من الهيليوم؛ بينما ظلت الغازات الأخرى الأكثر كثافة، والأقل سرعة باقية في الغلاف الجوي حتى الآن مثل النتروجين والأكسجين وبخار الماء. "ب" أن الأرض ليست كاملة الاستدارة، ولم يتمكن العلماء من قياس أبعاد الأرض بالدقة إلا منذ 250 سنة تقريبًا، عندما قام أخصائيون في علم المساحة بقياس المسافة الطولية بين عرضين متساويين في الطول تفصلهما درجة واحدة قوسية، وذلك في مختلف أنحاء العالم، وتبين من القياسات أن نصف القطر الاستوائي يزيد على نصف القطر القطبي بمقدار 13.33 ميلا تقريبا، أي أن الأرض أنقصت من أطرافها ممثلة في القطبين، وبلغة أخرى للأرقام فهناك نقص مقداره 41.73 ميلا لمحيط الكرة الأرضية مروا بالقطبين "589.82 24 ميلا"

عن محيط الكرة الأرضية مروا بخط الاستواء "901.55 24 ميلا"، فالثابت من الحقائق العلمية أن سرعة دوران الأرض حول محورها وبالتالى طردها المركزي قد أدبا إلى تفلطح الكرة الأرضية عند القطبين الشمالي والجنوبي، ويمكن أن نعتبر ذلك نقصا في طرفي الأرض. المجال المغناطيسي للأرض: يتمثل المجال المغناطيسي للأرض في وجود قطب شمالي وقطب جنوبي، ويظهر هذا المجال في اتجاه إبرة البوصلة، وتعزى هذه القدرة على إحداث مجال مغناطيسي إلى وجود مادة من الحديد والنيكل في قلب الكرة الأرضية. وقد أثبتت الدراسات الحديثة أن المجال المغناطيسي للأرض ليس ثابتا بل يتغير اتجاهه ودرجته، وفسرها بعض العلماء بوجود حركة في قلب الكرة الأرضية لمادتي النيكل والحديد. فقد ثبت أنه على مدى حقبة ثلاثة الملايين ونصف المليون سنة الأخيرة من عمر الأرض، تغيرت مواضع القطبين المغناطيسيين الشمالي، والجنوبي للأرض تسع مرات على الأقل، مع احتمال أن يكون قد حدثت تغيرات أخرى في مواضع القطبين خلال الفترة الزمنية السابقة لهذه الفترة. تضاريس اليابسة: الأرض كروية ذات تضاريس، وتضاريس الأرض لا تعوق الآدميين من ارتيادها والمشي في مناكبها. {الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْدًا وَسَلَكَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلًا} [طه: 53] . {وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَارًا} [الرعد: 3] . ويأمرنا الله بارتياد آفاق الأرض ابتغاء كافة الأغراض والاحتياجات البشرية. {هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا} [الملك: 15] .

وقد زخرت اللغة العربية بتعبيرات متخصصة لتضاريس الأرض منها: الصحراء-الجوية-الحبوب-الجبت-البلاط-القفر-النقرة-الغور-الجلس- البطحاء-الخور-الكثيب-الغرد. كما أن هناك اصطلاحات في اللغة العربية لكل ما ارتفع عن سطح الأرض من تضاريس، مثل: رجم: قمة تكون بارزة في الجبل. سناف: تكوين جبلي يكون له ظهر محدب، ومنها ما له متن مرتفع وعر المرتقى، ومنها ما هو سهل منطرح على الأرض. قهب: تكوين جبلي يشبه السناف ذا المتن المرتفع. هضبة: قمة جبلية منفردة، وقد تكون ذات رءوس متعددة ومناكب عالية، وتطلق هذه التسمية بصفة أكثر على التكوينات الجبلية ذات اللون الأحمر أو اللون البني، وبعضها عال ممتنع الجوانب. قوِيد: تكوين جبلي طبيعي يشكل امتدادا جبليا، لجبل يمتد على اتجاه واحد، أو عدة هضاب تشكل صفا منتظما في اتجاه واحد. سمار: من السمرة وهي السواد، وهي صحراء تغطيها حجارة سوداء صغيرة. حشة: جبل غير مرتفع سهل المرتقي ويكون تارة على شكل جبيلات متلاصقة، وقد تكون واسعة تتخللها طرق ومسالك. جِمْش: أرض تكون تربتها خشنة، وتكثر فيها النتوءات الصخرية. عبل: جبل يتكون جميعه من المرو الأبيض، ويكون غالبا على هيئة قمة صغيرة منفردة، أو جبل مدور ذي قمة وعرة المرتقى. جَذِيب: حدب مستطيل من الأرض له ظهر ضيق تكسوه حجارة صغيرة، وغالبا ما تكون حجارته سوداء.

صفرا: يقصد بها القفاف والقور ذات الارتفاعات القليلة ذات اللون الأصفر الداكن. وقد ذكر لفظ "الثرى" في محكم الكتاب. {لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى} [طه: 6] . في اللغة: الثرى هو التراب الندي، والمراد هنا هو التراب المطلق، وظاهر المعنى هنا عن الأرض هو سطح الأرض بما عليه من أشياء وكائنات، وهذا بالمقابلة بما هو موجود تحت هذا السطح "ما تحت الثرى" بما فيه من خيرات ومعادن. وقد جاء في القرآن الكريم ذكر بعض ظواهر تضاريس اليابسة، نأتي هنا بأمثلة منها: الفج: {وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ} [الحج: 27] . والفج في معالم اللغة هو الطريق الواسع بين جبلين، والجمع فجاج وأفجة. البرزخ: {مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ، بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لا يَبْغِيَانِ} [الرحمن: 19-20] . {وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخًا وَحِجْرًا مَحْجُورًا} [الفرقان: 53] . في اللغة: البرزخ بين شيئين هو الحاجز بينهما. والبرزخ من ناحية التضاريس هو ممر ضيق من الأرض اليابسة يصل بين رقعتين كبيرتين من اليابسة، ويحيط الماء بالبرزخ من جانبيه. وقد فسر فريق من الفقهاء البرزخ هنا بأنه حاجز غير مرئي يفصل ما بين الماء العذب والماء المالح، ورأى فريق آخر من العلماء أنه حاجز من الأرض اليابسة.

الغار: {إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} [التوبة: 40] . {لَوْ يَجِدُونَ مَلْجًَا أَوْ مَغَارَاتٍ أَوْ مُدَّخَلًا لَوَلَّوْا إِلَيْهِ} [التوبة: 57] . في اللغة: الغار كالبيت في الجبل، والمغار والمغارة كالغار، والغار أو المغارة لا يتعدى حجمها عادة بضعة أمتار طولا وعرضا وارتفاعا، وغالبا ما تكون قد نحتتها الرياح السافية بالرمال في الصخور، والغار الذي جاء ذكره في الآية "40" من سورة التوبة هو غار ثور في الطريق من مكة إلى المدينة حيث لجأ الرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم- وصاحبه أبو بكر أثناء الهجرة، ويقول أبو بكر للنبي الكريم: "لو نظر أحدهم تحت قدميه لرآنا". ويوضح هذا القول مدى صغر حجم الغار. الكهف: السورة الثامنة عشرة من القرآن الكريم هي سورة الكهف، وهي مكية، تحكي قصة الفتية الذين آووا إلى الكهف بدينهم. {أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا، إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا، فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَدًا} [الكهف: 9-11] . {وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرْفَقًا، وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ} [الكهف: 16-17] . والكهف سرداب طبيعى "لم يحفره بشر" تحت سطح الأرض الصخرية، ويتكون الكهف عادة بفعل إذابة المياه الجوفية لأجزاء من صخور الحجر الجيري الرسوبية، ويساعد على تلك الإذابة احتواء المياه على ثاني أكسيد الكربون، وقد يمتد الكهف مئات الأمتار، وقد يتسع الكهف في بعض أجزائه إلى حجرات أبعادها عشرات الأمتار أفقيا ورأسيا.

ولم يرد ذكر عبارة "الكهف" في القرآن إلآ في رواية الفتية الذين آووا إليه، ولبثوا فيه ثلاث مائة سنين وازدادوا تسعا. الجبال وصخورها: يتركب الصخر rock من حبيبات معدنية "معدن mineral"، ولكل معدن تركيب كيميائي محدد، وقد يكون المعدن في صورة متبلورة أو غير متبلورة، ويتركيب الصخر من اثنين أو أكثر من أنواع المعادن. وأشهر المعادن التي تتركب منها الصخور هي: الكوارتز "السليكا"-الفلسبار "الأرثوكلاز والبلاجيوكلاز"-الميكا "المسكوفيت والبيوتيت"-الهورنبلند-الأوجيت-الأوليفين-الكالسيت-الدولوميت. كذلك تتناثر في الصخور أحيانا حبيبات من مركبات الحديد والكروم والتيتانيوم. الصخور النارية: كما ذكرنا سابقا فإن القشرة الأرضية، يتركب 95% من مادتها من صخور نارية igneous rocks، وهي التي نشأت مباشرة من مادة الصهارة بعد أن بردت. وقد قسم علماء الجيولوجيا الصخور النارية إلى أربع مجموعات رئيسية حسب احتوائها على السليكا "ثاني أكسيد السليكون" وهو معيار حامضية الصخر، وحسب احتوائها على المعادن الثقيلة الوزن: "أ" صخور فوق قاعدية ultra basic وتتركب أساسا من الأليفين والأوجيت مع قليل من الفلسبار، أما نسبة ما يحويه الصخر من السليكا فهو أقل من 40%، وتتميز هذه المجموعة من الصخور بثقل نوعي حوالي 3.3، وبألوان قاتمة، ومن أمثلة هذه المجموعة صخر البريدوتيت. "ب" صخور قاعدية basic تداخل السليكا في تركيب معادنها بنسبة تقل عن

52%، ومعادنها الأساسية الفلسبار "البلاجيو كلاز" والأوجيت وقليل من الأليفين، ويبلغ متوسط ثقلها النوعي 2.9، ومن أمثلة صخور هذه المجموعة: الجابر والدوليريت والبازلت. "ج" صخور متوسطة intermediate تدخل السليكا في تركيب معادنها بنسبة 66-52%، ومعادنها الأساسية الفلسبار "أرثوكلاز وبلاجيو كلاز"، والهورنبلند والمايكا مع بعض الكوارتز "السليكا"، ويبلغ متوسط ثقلها النوعي 2.8، ومن أمثلة صخور هذه المجموعة: السيانيت والديوريت والبورفير والأنديسيت. "د" صخور حامضية acidic تزيد نسبة السليكا الداخلة في تركيب حبيباتها عن 66%، ومعادنها الأساسية الكوارتز والأرثوكلاز والميكا، ويبلغ متوسط ثقلها النوعي 2.56، ومن أمثلة صخور هذه المجموعة الجرانيت والفلسيت والريوليت. كذلك قسم علماء الجيولوجيا الصخور النارية حسب موقع تجمدها من الصهارة بالنسبة لقربها من سطح الأرض أو عمقها داخل الأرض، إلى ثلاث مجموعات: "أ" الصخور البركانية Volcanic rocks، وهي الصخور التي تجمدت على سطح الأرض، لذلك فقد تجمدت بسرعة بحيث لم تتمكن المعادن الداخلة في تركيبها من التبلور إلا بأحجام ميكروسكوبية دقيقة تكاد لا ترى بالعين المجردة، وتتجمد أحيانًا صخور هذه المجموعة على شكل زجاجي غير متبلور، ومن أمثلة الصخور البركانية الريوليت "حمضي"، والتراكيت والأنديسيت "متوسط" والبازلت "قاعدي". "ب" الصخور المتداخلة intrusive hypabyssal rocks وهى الصخور النارية التي تجمدت قرب سطح الأرض، وكانت لها فرصة للتجمد البطيء نوعًا ما مما مكنها من تبلور معادنها في حبيبات صغيرة، ولكنها في أغلب الأحيان ترى بالعين المجردة، ومن أمثلتها الفلسيت "حمضي" والبورفير "متوسط" والدوليرت "قاعدي".

"ج" الصخور الجوفية Plutonic rocks وهى التي تجمدت على أعماق كبيرة من سطح الأرض تحت عوامل من الضغط، والحرارة جعلت التبريد بطيئا مما مكن المعادن المكونة لها من أن تتبلور إلى بلورات، وحبيبات كبيرة ظاهرة واضحة للعين المجردة ومن أمثلتها الجرانيت "حمضي"، والديوريت والسيانيت "متوسط" والجابرو "قاعدي" والبريدوتيت "فوق قاعدي". الصخور الرسوبية Sedimentified rocks: وتعرف أيضا بالصخور الطباقية stratified rocks تكونت نتيجة تراكم مواد ناتجة من تفتت الصخور الأصلية أو من صخور رسوبية أخرى، أو من مواد متخلفة عن حيوانات أو نباتات، أو نتجة تفاعلات كيماوية، ثم أصبحت صخورا بتماسك حبيباتها بالتجفيف والضغط، أو بترسيب مواد أخرى ماسكة بين حبيباتها. وقسمت الصخور الرسوبية إلى ثلاث مجموعات رئيسية: "أ" رواسب طبيعية: نتيجة تراكم مواد تفتتت من صخور أكثر قدما. "ب" رواسب كيميائية: نتيجة تراكم مواد تخلفت بعد بخر المحاليل التي تحتويها، ومن أمثلتها ملح الطعام والأملاح القلوية والجبس. "ج" رواسب عضوية: وهي نتيجة تراكم مواد خلفتها النباتات أو الحيوانات، فمن أمثلة المخلفات الحيوانية المحارات التي تكونت منها بعض الصخور الجيرية، ومن أمثلة المخلفات النباتية طبقات الفحم الحجري. ومن حيث الظروف الجغرافية لتكوين الصخور الرسوبية، فقد قسمت إلى مجموعتين: "أ" رواسب قارية continental وهي التي ترسبت على سطح اليابسة، أو في البحيرات أو في مجاري الأنهار. "ب" رواسب بحرية marine وهي التي ترسبت على قاع البحار والمحيطات.

وأهم أنواع الصخور الرسوبية: الحجر الرملي والرمال، والحصى والجلاميد السيليسية. الصخور الطينية أو الطفلية أو الكاولينية. الصخور الجبرية وأساسها كربونات الكالسيوم، وقد تكون من أصل كيميائي أو من أصل عضوي. الصخور المتحولة metamorphic rocks: وهي صخور بعضها من أصل رسوبي وبعضها من أصل ناري، وقد استحالت، نتيجة تعرضها لحرارة مرتفعة جدًّا أو لضغط شديد، أو للحرارة والضغط معا، إلى حالة غير التي تكونت عليها في أول الأمر، والصخور المتحولة عادة ما تكون قد تبلورت أو أعيد تبلورها، وتكون بلوراتها وحبيباتها مرتبة في خطوط متوازية كما في الصخور المعروفة باسم الجنيس gneiss، أو تكون بلوراتها مرتبة في صفائح متوازية يسهل فصلها بعضها عن بعض كما في الصخور المعروفة باسم الشست Schist. الجدد والغرابيب: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ} [فاطر: 27] . لم يرد ذكر لفظي "جدد" و"غرابيب" في القرآن الكريم إلا مرة واحدة هي في الآية "27" من سورة فاطر. وفي اللغة: الجدد: جمع جُدة وهي لون في الشيء مستطيل يخالف ما بجانبيه، فيقال مثلا: في ظهر الحصان جدة حمراء، أي لون أحمر على استطالة ظهر الحصان يحيطه من جانبيه لون آخر.

الغرابيب: جمع غربيب ومعناه شديد السواد، ويأتي لتأكيد لون السواد فيقال: أسود غربيب. واختلاف ألوان الجبال مظهر واضح يراه عامة المسلمين، ويعرفون أنه يدل على اختلاف في تركيب صخور تلك الجبال، يعرفون هذا الاختلاف حتى لو كان هؤلاء العامة لا تخصص لهم في علم الصخور، وقد أراد الله أن ينبه عباده المؤمنين إلى قدرته جل وعلا في أن يخرج ثمرات مختلفا ألوانها يروى شجرها بماء واحد، كذلك خلق الله جبالا مختلفة الألوان يرجع أصلها إلى مادة واحدة متجانسة التركيب أصل معينها من باطن الأرض، ويسميها علماء الجيولوجيا بالصهارة "الماجما magma" وهذه الصهارة الواحدة عندما تنبثق في أماكن مختلفة من الأرض، وعلى أعماق مختلفة من السطح تنفصل عنها كتل صخرية مختلفة التركيب، فتتصلب آخر الأمر في جبال مختلفات المادة والألوان. الجدد البيض: من الصخور ما يغلب البياض على لونها ومن أشهر الصخور بيضاء اللون، والتي تتكون منها جبال وهضاب، الأحجار الجيرية الرسوبية، وبعض الصخور الجبرية تكون شاهقة البياض وتعرف بالطباشير chalk، ومن الصخور بيضاء اللون أيضا التكوينات الرسوبية من الجبس والملح الصخري. {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} [البقرة: 158] . الصفا والمروة هما طرفا السعي في شعائر الحج والعمرة، والصفا أي الحجارة، وصفوات: أحجار عريضة ملساء واحدتها صفاة، والصفا: اسم لربوة بمكة قرب الكعبة الشريفة، والصفوات يستعمل في الجمع والمفرد، فإذا استعمل في الجمع

فهو الحجارة الملس، والواحدة صفوانة، وإذا تستعمل في المفرد فهو الحجر، والمرو: حجارة بيض رقاق براقة تقدح منها النار، والمروة هي كل حجر أبيض اللون، والمروة جبل بمكة، أما الاستخدام العلمي الحالي لكلمة "المرو" أو "المروة"، فهو يقتصر على نوع معين من الحجر الأبيض، وهو الكوارتز "السليكا"، وهو الذي تقدح منه النار. الجدد الحمر: من الصخور ما يغلب عليها اللون الأحمر أو الوردي أو البرتقالي، والجرانيت الوردي أشهر من أن يعرف كحجر تتكون منه سلاسل من الجبال في أنحاء العالم، وتقتطع منه كتل وبلاطات لأغراض البناء والزينة، كذلك عرف حجر السماق Imperial Porphyry بلونه الأرجواني، وهو قابل للصقل، ويأخذ شكلا رائع الجمال، وهنا أنواع أخرى من الصخور النارية والمتحولة تتخذ اللون الأحمر، وما إليه من ألوان قريبة من الأحمر، وتتخذ شكل الجدد، وقد تكون تلك الجدد "من ناحية التوصيف الجيولوجي" في هيئة عروق أو سدود. وتضيفي أكاسيد الحديد اللون الأحمر لبعض الصخور مثل الأحجار الرملية، ومن أشهر الأحجار الرملية ذات اللون الأحمر المميز الأحجار الرملية النوبية. الغرابيب السود: أشهر الأحجار السوداء هو حجر البازلت، وهو صخر ناري بركاني يظهر على سطح الأرض على شكل طفوح تغطي رقعا كبيرة من الأرض، والبازلت أسود اللون

دقيق الحبيبات تتخلله ثقوب نتيجة تصلبه على السطح من خروج الغازات المحبوسة في المادة البركانية المنصهرة الأصلية، وتعرف المساحات المغطاة بالطفوح البازلتية في البلاد العربية "بالحرات" ومفردها "حرة". وصف العلماء العرب القدامى "الحرات" فقالوا: الحرة أرض ذات حجارة سود نَخِرة كأنها أحرقت بالنار، وفي لغة العرب المستخدمة قديمًا "اللابة" و"اللوبة"، وهو ما اشتد سواده وغلظ، ولها نفس معنى الحرة، وقد وردت في الشعر الجاهلي إشارات إلى الحرات، كما ألف بعض العلماء العرب القدامى كتبا في الحرات مثل "كتاب الحرة" و"كتاب الحرات". صلابة الصخور والحجارة: {ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً} [البقرة: 74] . {قُلْ كُونُوا حِجَارَةً أَوْ حَدِيدًا} [الإسراء: 50] . ضرب الله مثلا بالحجارة في الصلابة، ووصفها بالقسوة وقارب بينها وبين الحديد، وهى صفات يعرفها عامة الناس ويلمسونها في حياتهم اليومية، ولذلك فإن لها قوة الإقناع المباشر. وقد وضع علماء المعادن المحدثون مقياسًا لدرجة صلابة المعدن hardness، ويقصد بالصلابة هنا قوة المعدن على مقاومة الخدش، فالمعدن الذي يخدش الآخر إذا ما حك على سطحه يعتبر أصلب من المخدوش، واتفق على عشرة معادن متفاوتة في

الصلابة لمقارنة باقي المعادن بها، ورتبت مبتدئة بأقلها صلابة، ومنتهية بأصلبها وأعطي كل منها رقما خاصا. والجدول التالي يعطي درجات الصلابة العشرة: المعادن ... درجة الصلاة الطلق (أقل المعادن صلابة) الجبس الكالسيت الفلورسبار الأباتيت الأرثوكلاز الكوارتز التوباز الكورندوم الماس (أكثر المعادن صلابة) ... 1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 البلورات: إن أغلب المعادن إذا ما صلبت بعد انصهار، أو رسبت من محلول أو من حالة غازية، فإنها تتخذ لنفسها أشكالا هندسية منتظمة، تختلف باختلاف نوع وتركيب تلك المعادن، وهذه الأشكال الهندسية هى البلورات Crystals. والبلورات المعدنية هي إحدى آيات الإبداع الإلهي في خلقه، فهي آية من آيات الجمال، وهي آية من آيات الانتظام، والتوازن والدقة والالتزام.

وظاهرة التبلور في معدن ما، هي انعكاس مباشر لتنظيم جزيئات molecules ذلك المعدن بالنسبة لبعضها البعض، ويلتزم كل معدن بأن يتبلور في شكل هندسي معين طالما وجد في ظروف فيزيائية معينة من ضغط وحرارة، وقد قسمت بلورات المعادن إلى 6 فصائل تختلف في درجة تناسبها، وفي نسبة أطوال محاورها التصورية بعضها لبعض، ومقدار الزوايا التي تتقاطع فيها هذه المحاور. وفيما يلي فصائل البلورات مرتبة ابتداء من أكثرها تناسقًا: فصيلة المكعب Cubic Sustem وهي أكثر الفصائل تناسبًا وتناسقًا، ومن أمثلتها ملح الطعام ومعدن البيريت. فصيلة الرباعي Tetragonal، ومن أمثلتها معدن الزرقون. فصيلة المعين Orthorhombic، ومن أمثلتها بلورات الكبريت. فصيلة السداس Hexagonal، ومن أمثلتها الكوارتز والكالسيت. فصيلة ذات الميل الواحد Monoc linic، ومن أمثلتها الأرثوكلاز والجبس. فصيلة ذات الميول الثلاثة Tricinic، وهي أقل الفصائل تناسقا، ومن أمثلتها أنواع الفلسبار مثل الألبيت. وتوجد بلورات بعض المعادن في الطبيعة في أحجام مرئية بالعين المجردة، وقد يمكن فصل هذه البلورات محتفظة بأوجهها وزواياها سليمة، وبعض مثل هذه البلورات تكون ذات قيمة مالية حين تتوافر فيها صفات الأحجار الكريمة. أما البلورات الدقيقة الحجم التي لا ترى العين المجردة، فإنها ترى تحت المجهر

"الميكروسكوب" فتقتطع شرائح رقيقة من الصخور وتختبر تحت مجهر خاص بالصخور، ومعظم المعادن تبدو شرائحها تحت المجهر شفافة، إلا أن هناك مجموعة من المعادن تبدو معتمة، مثل معدن بيريت الحديد ومعدن الكروميت. الحركات الأرضية: قد يرى الناس الأرض في ظاهرها ساكنة ثابتة من منظورهم البشري، ولكن جميع الشواهد الجيولوجية تدل على أن الأرض في حركة دائبة. {وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ} [النمل: 88] . فقد خصت الآية الكريمة الجبال بالحركة، وهي الرواسي التي يحسبها الناظر إليها لاتتحرك، أما المتمعن في ملكوت الله، فيعلم أنها تتحرك ضمن دوران الكرة الأرضية حول نفسها وحول الشمس، كما أنها تتحرك ضمن قشرة الأرض حركات بطيئة وحركات سريعة، فهناك حركات بطيئة لا نكاد ندركها بحواسنا المجردة، وهناك حركات سريعة وفجائية نراها ونحسها. الحركات البطيئة للقشرة الأرضية: التوزان الأرضي Isostasy: برغم توالي عمليات التعرية والنقل من اليابسة إلى قيعان المحيطات، والبحار على مدى الأزمنة الجيولوجية، إلا أن هناك توازنات بين ارتفاعات اليابسة وأعماق المحيطات، فلا بد إذن من وجود حركات أرضية تؤدي إلى المحافظة على هذا التوازن. إن صخور كتل اليابسة التى تكون الأجزاء المكشوفة من القارات خفيفة الوزن

بالنسبة للصخور الأثقل وزنا، والتى تمتد تحت القارات وتحت قيعان المحيطات، وقد أكد علماء الأرض على أن سلاسل الجبال المنتشرة على سطح القارات تضمن ثبات القشرة الأرضية، وتمنعها من أن تضطرب ويختل توازنها، فللجبال جذور، صخورها خفيفة الوزن أيضا، ويقدر الجزء الغائر من تلك الصخور بحوالي ثمانية أمثال ارتفاع الجزء الظاهر على السطح على هيئة جبال، فهي بذلك تشبه الجبال الثلجية المعروفة في منطقتي القطب الشمالي والقطب الجنوبي، والتي تطفو على سطح مياه المحيطين، فالجزء الغائص من هذه الجبال الثلجية، يكون ارتفاعه تسعة أمثال الجزء الظاهر على السطح، وهذا ما يكفل لها الاستقرار. فالجبال أوتاد، وهي رواسي، وهي ضمان لثبات القشرة الأرضية ومنعها من أن تضطرب ويختل توازنها. {أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَادًا، وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا} [النبأ: 6-7] . {وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ} [لقمان: 10] . {وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ} [الحجر: 19] . والتوازن الأرضي تصحبه حركات دائبة رأسية وأفقية، وهي حركات بطيئة تستغرق أزمانا جيولوجية طويلة. الزحزحة القارية Continentel drifit: هي نظرية قدمها العالم الألماني ويجينر Wegener عام 1910، مؤداها أن اليابسة كانت في أزمان جيولوجية سحيقة كتلة واحدة، ثم تشققت وتزحزت أجزاؤها عن بعضها البعض، وتقترح هذه النظرية أن الزحزحة قد بدأت منذ 20 مليون سنة، ثم عدلت هذه النظرية إلى اقتراح وجود

كتلتين لليابسة بدل كتلة واحدة، كتلة اسمها جوندوانا لاند Gondwana Land في النصف الجنوبي للكرة الأرضية، والكتلة الأخرى اسمها لاوراسيا Laurasia في النصف الشمالي للكرة الأرضية. حركة ألواح اليابسة Plate tectonics: دلت الدراسات التفصيلية التى أجريت خلال العقود الأخيرة من هذا القرن لأماكن الهزات الأرضية والبراكين على اليابسة، وكذلك المسح الجيوفيزيائى لقيعان المحيطات، على أنه يوجد حاليا ست كتل رئيسية من اليابسة على شكل ألواح تركيبها من مادة قشرة الأرض مع جزء رقيق من مادة الغلاف، وثبت أن الخطوط الحدودية لتلك الألواح، وهي الخطوط الواقعة في قيعان المحيطات، وهي نفس الخطوط التي فيها أنشطة بركانية. وثبت أن هذه الألواح تتحرك أفقيا على مادة الغلاف، "وهي مادة لها صفات بلاستيكية"، ويصحب هذا التحرك، نشاط خروج المواد البركانية وانتشارها على الجانبين، وفي قاع المحيط الأطلسي على الخط الحدودي البركاني النشيط، توجد زحرحة نشيطة مقدارها 2-4 سنتيمترات سنويا في أوقات نشاطها. ولو فرضنا وجود كتلة واحدة من اليابسة تضم الأمريكتين من جهة وأوروبا وأفريقيا من جهة، وأنها انقسمت وتزحزحت على مدى المائتي مليون عام الأخيرة بمتوسط هذا المعدل في الزحزحة، لتباعدت الأمريكتان من جهة وأوروبا وأفريقيا من جهة أخرى مسافة ثمانية آلاف كيلو متر، وهو ما يجد له مصداقا في الواقع الحالي. وينتج من هذه الحركات زيادة في رقعة بعض الألواح من اليابسة، وتآكل في أطراف ألواح أخرى. كذلك تحدث تجعدات عند اصطدام إحدى الألواح بلوح آخر، وتتداخل تحته وهي الظاهرة المسماه Subduction.

الحركات السريعة للقشرة الأرضية: الزلازل earthquakaes: ظاهرة طبيعية يعرفها الإنسان في كل زمان ومكان، ويتناقل أخبارها بما تحمله في نفسه من رهبة، وبرغم أن الزلازل يستغرق حدوثها ثواني أو دقائق، إلا أنها تحدث أضرار مروعة في المنشآن والمباني، وتتسبب في إزهاق الكثير من الأرواح. والزلازل هزات تنتاب أجزاء من القشرة الأرضية في نبضات سريعة متقطعة، وقد تكون هذه الهزات ضعيفة فلا يكاد يحس بها الإنسان، ولكن ترصدها أجهزة الرصد الزلزالي الدقيقة، بينما تكون بعض الزلازل عنيفة ومدمرة. والنوبة الزلازلية التي تصيب رقعة ما من قشرة الأرض تتركب من مجموعة من الهزات تتوالى الواحدة بعد الأخرى قبل أن تعود القشرة الأرضية إلى حالة الثبات والهدوء، وهي تبتدئ عادة بهزات خفيفة قد تكون مصحوبة، بأصوات كقصف الرعد منبعثة من باطن الأرض، وتتلو ذلك هزات عنيفة، ثم تتلوها هزات تتناقص في قوتها تدريجيا حتى تتوقف تماما. وتقاس شدة الزلازل بجهاز متخصص يسمى سيزمو جراف Seismograph، وتبلغ أقصى شدة لهزة أي زلازل في موقع معين من سطح الأرض، يعرف بالمركز السطحي للزلزال epicentre، وهو يقابل مركز الزلزال تحت الأرض centre، وهو لا يبعد كثيرا عن سطح الأرض، ووضعت لدرجة عنف الزلازل درجات حسب مقياس خاص، وهو القياس المعروف باسم "ريختر"، ويبدأ شعور الإنسان بالزلازل عندما تكون درجته اثنتين، أما إذا وصلت شدته 6 درجات بمقياس ريختر فهو زلزازل ينذر بالخطر

الزيادة في درجة الزلازل زيادة لوغاريتمية، أي أن زلزالا درجته 7 ريختر أقوى 30 مرة من زلزال درجته 6 ريختر، وأقوى 30× 30 مرة من زلزال درجته 5 ريختر، وتختلف سرعة سير هزات الزلازل في الصخور، فهي تبلغ 300 متر في الثانية في الرمال المفككة، بينما تبلغ 3000 متر في الثانية في صخر الجرانيت. ويشاهد أثر الزلازل على سطح اليابسة بحدوث تشققات للأرض، وانخفاضات على جوانب هذه التشققات، أو زحف جانبي لبعض الجوانب، كذلك تحدث انهيارات في جوانب الجبال وانزلاق كتل صخرية كبيرة، وقد يكون مركز الزلازل تحت قاع المحيطات، فتنتاب مياهه موجات من المد tidal waves ترفع الأمواج بدرجة هائلة، وتكتسح الشواطئ لمسافات داخلية بعيدة وتصيبها بالدمار. وهناك حزامان للزلازل معروفان حاليا لأجزاء معينة من القشرة الأرضية: 1- حزام يحيط بالمحيط الهادي من جانبيه: جانب سواحل الأمريكتين وجانب السواحل آسيا وأستراليا. 2- حزام يمتد من شواطئ البحر المتوسط في جبال الأطلس، والبرانس والألب والكربات والقوقاز، ثم يتفرع إلى فرعين: فرع يمتد شرقا مخترقا أواسط آسيا، وفرع يمتد عبر جبال الهيمالايا إلى جنوب شرق آسيا. وتتناقل الأجيال من البشر أخبار الزلازل وما خربت من مناطق سكنية، وما أهلكت من الخلق على مدى التاريخ. ومن أشهر الزلازل التى جاء ذكرها خلال العصور الحديثة: زلزال لشبونة عام 1755 الذي تسبب في قتل 50 ألف نفس.

زلزال عام 1783 في كالابريا بجنوب إيطاليا الذي قذف بالصخور وبعض المباني في الهواء. زلزال عام 1870 الذي أصاب الجزر اليونانية. زلزال اليابان عام 1880 ثم عام 1891. زلزال عام 1883 الذي كان مركزه في قاع المحيط الهادي أمام جزيرة جاوة "إندونسيا" مما سبب في اكتساح موجات المد للشواطئ، فقذفت الأمواج باخرة داخل الغابات المحيطة بالشاطئ مسافة أربعة كيلو مرات. زلزال عام 1906 في مدينة سان فرنسيسكو، غربي الولايات المتحدة. زلزال طوكيو عام 1923. زلزال جبال الهيمالايا عام 1950. زلزال شيلي عام 1960، وهو أقوى زلزال رصد في الأزمنة الحديثة حيث بلغت درجتة 9.6 بمقياس ريختر. زلزال منطقة "تانج شان" بالصين عام 1976 الذي تسبب في هلاك 600 ألف شخص. وفي اللغة: الزلزلة والزلزال: تحريك الشيء شديدة، وقد جاء في محكم الكتاب ذكر ما يصيب الأرض من زلزلة إيذانا بالقيامة، حيث يعلم الناس شدتها وهولها.

{إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا} [التوبة: 1] . {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ} [الحج: 1] . كذلك تضمن القرآن الكريم صورة بلاغية لما يصيب الناس من جراء الشدائد والأهوال تصفها بالزلزلة: {مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا} [البقرة: 214] . {هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا} [الأحزاب: 11] . البراكين Volcanos: من الظواهر الطبيعية التي تنشط في حركة سريعة وقد تكون فجائية، والسرعة والفجاءة هنا نسبية، فهي تنسب إلى المقاييس الزمنية الجيولوجية التي تحسب بملايين السنين، والتعريف العلمي للبركان هو أنه مخرج أو فتحة في القشرة الأرضية، تسمح للمواد المصهورة والغازات المحبوسة تحت سطح الأرض، بالخروج إلى سطحها. وللبركان عادة أجزاء ثلاثة: "أ" القصبة neck، وهو تجويف أسطواني يخترق القشرة الأرضية، ويوصل المادة المصهورة إلى سطح الأرض. "ب" الفوهة crater، وهي الفتح العليا التى تنبعث منها المادة المصهورة والمواد الغازية. "ج" المخروط cone، وهو الجبل المخروطي الشكل الذي يتكون من تراكم المواد المصهورة بعد تدفقها خارجة من الفوهة، ثم تجمدها حول القصبة.

ويمكن تقسيم المواد التي تنبعث من البراكين إلى ثلاثة أنواع: "أ" الرماد البركاني ashes: وهي حبيبات صخرية دقيقة الحجم، تخرج من الفوهة باندفاع في الجو، وقد تترسب حول المخروط، أو تحملها الرياح إلى مسافات بعيدة، وحين انفجر بركان كاراكوتو بجزيرة جاوة "في إندونيسيا" عام 1883، حملت الرياح الرماد البركاني، وطاف في جولة كاملة حول الأرض، قبل أن تهبط آخر حبيباته على سطح الأرض نهائيا. "ب" المقذوفات البركانية bombs: وهي قطع صخرية بركانية، الواحدة في حجم قبضة اليد أو تزيد حجما، وتفذفها البراكين باندفاع شديد وتترسب حول المخروط. "ج" الطفوح البركانية أو الحمم lava "اللابة": مواد صخرية مصهورة، تسيل من فوهة البركان، منحدرة إلى الأراضي المجاورة بسرعة قد تبلغ ثمانية أمتار في الثانية، والصهير البركاني تصل حرارته إلى 1150-1200 درجة مئوية، وقد تصل حرارة الطفوح إلى 1000 درجة مئوية، ويبرد من أجزاء الطفوح البركانية الجزء الأعلى لملامسته للهواء، والجزء الأسفل لملامسته لصخور سطح الأرض، وما بين هذين الجزأين يبرد ببطء، وعادة ما يكون قوام الطفوح التي تبرد سريعا قواما زجاجيا غير متبلور. والبراكين ظاهرة جيولوجية تكررت مرارا في مختلف الأزمنة الجيولوجية، وفي مختلف المواقع على سطح اليابسة، وتحت قيعان البحار والمحيطات، ومنذ بدء عمار الجنس البشري للأرض، كانت البراكين من الظواهر التي يراها ويخشى عواقبها،

وقد تمكن العلم الحديث من تحديد نطاقات محددة تضم تركيزا واضحا لمواضع البراكين، سواء النوع الذي ما زال ينشط بين الحين والحين، والنوع الذي لم يعد له احتمال لأي نشاط يذكر "براكين خامدة". وفيما يلي هذه النطاقات البركانية: "أ" أهم نطاق بركاني على الصعيد العالمي يوجد المحيط الهادي وتحت سطح قاعه، ويضم هذا النطاق 526 بركانا، من هذه البراكين 328 بركانا عرف له نشاط خلاف وقت أو آخر من الأزمنة التاريخية، ومن أهم براكين هذا النطاق: بركان كوتوباكيس بجبال الأنديز بأمريكا الجنوبية "قمته 6000 متر فوق سطح الماء". "ب" نطاق بركاني يمر ببعض دول البحر المتوسط، ويمتد إلى الهضبة الإيرانية وما يليها شرقا في وسط آسيا حتى الجزر الإندونيسية، ومن البراكين المعروفة في هذا النطاق بركان فيزوف بجنوب إيطاليا، وبركان إتنا بجزيرة صقلية "قمته 3500 متر"، وبركان إلبرد "5642 مترا"، وبركان كازيك "5033 مترا"، وهما في جبال القوقاز، وبركان جبل أرارات، وفي خليج سوندا بين الجزر الإندونيسية يوجد 63 بركانا نشيطا أو قابلا لأن يكون نشيطا. "ج" نطاق بركاني حول المحيط الأطلسي وتحت سطح قاعه، ويضم 69 بركانا منها 39 بركان نشيطا خلال أوقات معروفة تاريخيًّا. "د" نطاق بركاني في شرق إفريقيا، ويضم 40 بركانا منها 16 بركانا نشيطا، وأهم الجبال البركانية في هذا النطاق جبل كيليمانجارو على حدود تنزانيا مع كينيا "5895 مترا".

ومن الثورات البركانية المشهورة في التاريخ ثورة بركان فيزوف عام 79 ميلادية حيث فاجأ البركان في ثورته مدينة بومبي، فغمرها بالطفوح وبالرماد قبل أن يستطيع أهلها النجاة، وثار نفس البركان ثورة كبيرة عام 1631 ميلادية، وفيما بين هذا التاريخ، وتاريخ هلاك أهل بومبي كان البركان قد ثار تسع مرات. ومن الثورات البركانية أيضا، ما كان في الجزر الإندونيسية، حيث ثار بركان سومباوا عام 1812 وثار بركان كاراكاتو عام 1883، وفي جزيرة صقلية ثار بركان إتنا عام 1928 ثورانا عظيما، ثم ثار بعد ذلك عدة مرات آخرها عام 1992. وتنبعث مع ثورة البراكين كميات هائلة من بخار الماء والغازات الحمضية، ومنها غازات كبريتية، وغاز ثاني أكسيد الكربون، وتبلغ درجة حرارة تلك الأبخرة والغازات عند انطلاقها من فوهة البركان ما بين 100 إلى 500 درجة مئوية، وقد سببت هذه الغازات في هلاك أكثر من أربعين ألف نسمة من سكان جزر المارتينيك خلال عامي 1902-1903. وقد قدرت الخسائر في الأرواح بسبب النشاط البركاني بصفة عامة خلال الخمسمائة سنة الأخيرة بحوالى 200 ألف نسمة. ولعل الحق سبحانه وتعالى قد أراد أن يبين هول ما يحدث للأرض إيذانًا بقيام الساعة، فيشير إلى أنشطة بركانية شاملة تصاحب حركات زلزالية عارمة في قوله تعالى: {وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا} [الزلزلة: 2] . والنشاط البركاني الذي ينشط في "الحرات" ليس غريبا على أهل الحجاز،

فقد كات أحد الأنشطة البركانية التي تعرف بإحدى الحرات، وهي "حرة النار" إذ خرجت منها النار زمن الخليفة عمر بن الخطاب، وذكر أن سحب الدخان كانت تخرج في عهد الخليفة عثمان بن عفان من بعض الجبال القريبة من المدينة المنورة، وكان آخر حدث بركاني في الحجار سنة 654 هجرية "1256 ميلادية" إذ ثارت إحدى الحرات في شرقي المدينة المنورة، واستمر هيجانها بضعة أسابيع، وقد وصل ما سال من حممها إلى مسافة تبعد بضعة كيلو مترات فقط عن المدينة المنورة. وقد روي عن أبي هريرة أنه قال: حرم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما بين لابتي المدينة، وجعل اثني عشر ميلا حول المدينة حمى. واللابتان مثنى لابة "الحرة" وتقع المدينة بين اللابتين: الشرقية والغريبة، وقدر الحرم باثني عشر ميلا يمتد من "عير" إلى "ثور" وعير جبل عند الميقات، وثور جبل عند أحد من جهة الشمال.

الفصل الرابع: الغلاف المائي للقشرة الأرضية

الفصل الرابع: الغلاف المائي للقشرة الأرضية {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} [هود: 7] . تحرج المفسرون من الخوض في تفسير هذه الآية الكريمة استنادا إلى قوله تعالى: {مَا أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [الكهف: 51] . إلا أن الربط بين عرش الله سبحانه وتعالى، والماء هو تشريف رباني لهذه المادة وهي مادة الماء. خصص الخالق للأرض من نشأتها الأولى قدرًا معينا من الماء، وقد جاء هذا الماء من السديم الأول الذي نشأت عنه أفراد المجموعة الشمسية، ولو كانت الأرض كرة ملساء ليس فيها منخفضات، ومرتفعات لغطاها ذلك الماء بغلاف سمكه نحو ميلين، وهذا الغلاف المائي للقشرة الأرضية هو المعروف علميا باسم "الهيدروسفير"، وفي وقتنا الحاضر يغطي الماء "سائلا ومتجمدا" حوالي 74% من سطح القشرة الأرضية.

ويتخذ الماء الأرضي أحد الصورتين التاليتين: "أ" الماء السائل: في المحيطات والبحار، وفي البحيرات العذبة والمالحة، وفي الأنهار والعيون، والمياه التحت سطحية المتغلغلة في التربة والصخور إلى عمق حوالي 4000 متر من السطح. "ب" الماء المتجمد: في صورة ثلوج وجليد دائمة في المنطقتين القطبيتين: الشمالية والجنوبية، وفي صورة جبال جليدية عائمة، وفي صورة قمم جليدية فوق بعض الجبال، وقد تكون دائمة أو موسمية ومتجددة. الماء عند تكوين الأرض: عندما وصلت درجة حرارة القشرة الأرضية إلى نحو 370 درجة مئوية، "وهي أعلي درجة يتكاثف فيها بخار الماء تحت الضغط العالي" بدأ بخار الماء يتكاثف عليها، وعندما انخفضت درجة حرارة الجو عن 100 درجة مئوية تكونت المسطحات المائية على سطح الأرض من تجمع كافة بخار الماء، إلا أن نسبة بسيطة مازالت معلقة مع بقية مكونات الغلاف الجوي. ولو تكونت كرة من مياه المحيطات والبحار، لكان قطر هذه المياه في هذه الكرة التخيلية نحو 850 ميلًا، وهذا الحجم من الماء يساوي ما يزيد قليلا عن واحد في الألف من حجم الكرة الأرضية، وجدير بالذكر أن بعض الماء ما زال محبوسًا في داخل القشرة الأرضية وما تحتها.

منشأ وتطور المحيطات: حسب الافتراضات السائدة حاليا، فلم يكن على سطح الأرض أي محيطات ذات رقعات مائية تذكر، منذ حوالى 4.6 بليون عام، فقد كان السطح وقتئذ ساخنا جدا، حرارته بضعة آلاف من الدرجات المئوية، ثم حدث تبريد تدريجي، وحينما وصلت درجة حرارة السطح إلى 100 مئوية كان السطح مجعدا، مع وجود مسطح أو مسطحين بارزين، بالمقارنة بالمسطحات الغائرة التى لم يشغلها وقتئذ إلا كميات ضئيلة من الماء "لا تمثل إلا نسبة ضئيلة في المائة مما تشغله المحيطات حاليًا بالماء". ويرى العلماء أن مادة الغلاف كانت تحتوي على كميات هائلة من الماء، حبست داخلها حين بردت القشرة وتجمدت صخورها، وحسب الشواهد الحالية للأنشطة البركانية، فإن كميات من الماء تخرج ضمن منتجات النشاط البركاني، ويرى فريق من العلماء أن مياه المحيطات تكونت غالبيتها العظمى من الأنشطة البركانية على مدى مليارات السنين التي أعطت هذا القدر من الماء الذي ملأ أحواض المحيطات على هذا المدى الطويل من الزمن، ولم يكن ماء المحيطات عند نشأته بمثل ما نعلمه الآن من الملوحة، إلا أن الأملاح قد أضيفت إليه فيما بعد مع نشاط دورات التعرية والنقل. وتغطي مياه البحار والمحيطات أكثر 70% من مساحة سطح الكرة الأرضية، والمساحة الكلية لهذه الرقعة المائية 3.61× 8 10 كيلو متر مربع؛ منها رقعة مساحتها 3× 8 10 كيلو متر مربع في الأعماق السحيقة، والباقي ومساحته 6.1× 7 10 كيلو متر مربع في الأعماق الضحلة التي تعتبر أجزاء مغمورة من حواف القارات.

تضاريس قيعان المحيطات: يقسم علماء الجغرافيا تضاريس اليابسة المغمورة تحت المحيطات إلى الوحدتين التاليتين: "أ" الرصيف القاري، وهو آخر ما ينسب إلى كتلة اليابسة، ويكون مغمورا تحت الماء إلى أعماق تنحصر ما بين 150-200 متر في المعتاد، وتنتهي بحافة شديدة الانحدار. "ب" يتدرج الانخفاض بعد ذلك إلى أن يصل إلى 2000 متر، ويصل إلى أعمق من هذا القدر بكثير في أواسط المحيطات وخاصة المحيط الهادي، وقد وجد أن قيعان المحيطات التي تتراوح أعماقها ما بين 4000-5000 متر من سطح الأرض أكثر من 50% من المساحة الإجمالية لسطح القشرة الأرضية، وقد رصد أكبر عمق لمياه المحيط الهادي فوجد 9420 مترا. وقد أثبت اختبار قيعان المحيطات كثرة وجود الجبال، والمرتفعات التي تتركب من صخور البازلت في غالبيتها، ولهذه الجبال والمرتفعات توزيع منتظم له دلالات علمية تعطي مؤشرات لتطور قيعان المحيطات اتساعا، أو ضيقا خلال الأزمنة الجيولوجية، وقد أثبتت الاختبارات وجود مرتفعات عريضة ممتدة امتدادا متصلا في هذه القيعان، وتعرف بـ"حواجز قيعان المحيطات"، وهي ظاهرة عامة في كافة المحيطات وخاصة في الثلث الأوسط من قيعان المحيط الأطلسي، والمحيط الهندي وجنوب المحيط الهادي. كيمياء الماء: يتركب جزيء الماء كيميائيا من ذرتين من الهيدروجين وذرة واحدة من

الأكسيجين، والماء سائل في درجات الحرارة التى اعتدنا عليها في حياتنا الدنيا على سطح الأرض، وهو سائل لا لون له ولا طعم ولا رائحة واتخذ الماء مقياسا لدرجات الحرارة، فاتخذت درجة حرارة تجمده درجة الصفر المئوي، كما اتخذت درجة حرارة تحوله إلى بخار درجة 100 مئوية، ومن ناحية الحامضية والقاعدية للسوائل، اعتبر الماء متعادلًا، وأعطى له رقم 7، أما السوائل القاعدية، فلها أرقام أعلى من 7، بينما السوائل الحمضية لها أرقام أصغر من7. وللماء دورة ما بين سماء الأرض واليابسة، يتنقل فيها ما بين العذوبة، وهي الخلو من الأملاح والشوائب، وبين الملوحة؛ ويتنقل فيها ما بين البخار السائل والثلج. وللماء تأثير هام جدًّا على الصخور، كما أن له تأثيرًا حيويًّا على الحياة النباتية والحيوانية. ملوحة مياه المحيطات والبحار: تتصل مياه المحيطات والبحار على سطح القشرة الأرضية، لذلك تتقارب درجة الملوحة في مختلف المحيطات والبحار. وترجع ملوحة هذه المياه إلى مصدرين: ترجع إلى كل ما يحتويه الماء الحبيس تحت القشرة، والذي انطلق في المراحل الأولى من عمر الكوكب. وترجع أيضا إلى ما ينقل إلى المحيطات، والبحار دائمًا من أملاح ذائبة أثناء الدورة

المائية، مما تذيبه مياه الأمطار والأنهار وغيرها من المجاري المائية، وهي عملية ما زالت مستمرة. وقد قام بعض العلماء بتقدير لما يحتويه ماء المحيطات والبحار من عناصر تدخل في تركيب أملاحه الذائبة، مقدرة بالوزن، والجدول التالي يعطي نتيجة هذا التقدير [التركيز: جزء من مليون جزء الكمية: مقدرة بالتربليون طن] العنصر ... التركيز ... الكمية ... العنصر ... التركيز ... الكمية الكلور الصوديوم الماغنسيوم الكبريت الكالسيوم البروم ... 19000 10500 1350 885 400 65 ... 28500 15750 2025 1327.5 600 97.5 ... الكربون النيتروجين استرنشيوم البورون السليكون الفلور ... 28 15 8 4.6 3 1.2 ... 42 22.5 12 6.9 4.5 1.8 ويفسر لنا هذا الجدول كيف أن كلوريد الصوديوم "ملح الطعام" هو أكثر الأملاح الذائبة كمية بين بقية الأملاح، يفسر لنا مصدر الكميات الهائلة من الصخور الرسوبية التى تتركب من كربونات الكالسيوم، والماغنسيوم ذات الأصل العضوي، التي توجد بانتشار واسع في الطبيعة، فهي صخور قد تكونت من تراكم بقايا الأحياء البحرية من قواقع وغيرها في قيعان المحيطات والبحار. ويفسر لنا الجدول كذلك مصدر تكوينات الملح الصخري المكون من أملاح الصوديوم والبوتاسيوم، وكذلك تكوينات الجبس "كبريتات الكالسيوم المائية".

ومما يسترعي الانتباه وجود أملاح السليكون الذائبة بمثل هذه الوفرة التي يبينها الجدول، وفي البحار أنواع من الأحياء الدقيقة تتخذ أصدافها من السليكا التي مصدرها أملاح السليكون الذائبة، تلك هي حيوانات الدياتوم التي قد تكثر تحت ظروف جيولوجية معينة في مكان بذاته، ويتخلف عن بقاياها طبقة رسوبية هي الدياتوميت، قد تزيد نسبة السليكا بها عن 90%. ويحتوي ماء البحار والمحيطات على عناصر بنسب منخفضة، ولكنها هامة، وترجع تلك الأهمية إلى قدرة بعض الأحياء المائية على امتصاصها وإدخالها في تركيبها بطريقة تفصيلية عن عناصر أخرى، ومن أمثلة ذلك عنصر الفوسفور الذي يوجد في المياه المالحة بنسبة تركيز 0.07 جزء من المليون، وتحتاج أنواع معينة من الأسماك وما إليها من أحياء مائية إلى الفوسفور لبناء عظامها، وحيث تكثر هذه الحيوانات تحت ظروف جيولوجية معينة، تترسب بقاياها في طبقات من صخور الفوسفات "ذات الأصل العضوي" التي تكون لها أهمية اقتصادية، وعنصر اليود من العناصر المنخفضة التركيز في المياه المالحة، إلا أن أنواعا معينة من النباتات والأعشاب البحرية لها القدرة على اصطياد، وتثبيت نسبة عالية من مركبات اليود في أجسامها، واليود المستخرج من هذه النباتات مصدر هام لهذا العنصر. ومن العناصر التي توجد في مياه المحيطات بنسبة منخفضة جدا عنصر اليورانيوم الذي يبلغ تركيزه 0.003 جزء في المليون، إلا أن هذه النسبة تعني كمية قدرها 4.5 بليون طن، وتحتوي صخور الفوسفات الرسوبية دائما على نسبة من أملاح اليورانيوم، ويمكن الاستفادة من هذا المصدر أحيانا للحصول على اليورانيوم بعائد اقتصادي، فمياه المحيطات والبحار مخزن هائل للأملاح الذائبة.

ويحدث أن يترسب بعض منها تحت ظروف جيولوجية معينة؛ فيترسب بعضها عن طريق نشاط عضوي، ويترسب بعضها عن طريق نشاط كيميائي غير عضوي، فتخرج الأملاح بذلك من كونها أملاحا ذائبة في مياه البحار، وتتحول إلى تكوين صخري رسوبي، وتنضم إلى اليابسة، إلا أن دورة الماء تعود فتذيب قدرا من تلك الأملاح باستمرار، وتجلبه مرة أخرى إلى مياه البحار، وهكذا تدخل أملاح في دورة مستمرة من الإذابة والترسيب. وقد شاءت قدرة الله ورحمته التفرقة بين الماء العذب والماء والملح، وله -سبحانه- في ذلك حكمة. {لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا فَلَوْلا تَشْكُرُونَ} [الواقعة: 70] . {هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ} [فاطر: 12] . {وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخًا وَحِجْرًا مَحْجُورًا} [الفرقان: 53] . فلا تستقيم حياة البشر وحياة بقية سكان اليابسة من سائر الحيوان والنبات إلا بوجود الماء العذب. وعلى الجانب الآخر، فقد رأينا كيف أن مياه المحيطات، والبحار هي في حقيقة الأمر مخزن هائل من الأملاح، مما ينفع الناس، كما أن من رحمة الله أن جعل لمياه المحيطات، والبحار القدرة "بملوحتها" على القضاء على "أسن" ما يصب فيها من مياه "آسنة"، فكأنها خزانات هائلة لتطهير تلك المياه القذرة.

الدورة المائية: هناك توازن بين ما يفقده سطح الأرض "من فوق اليابسة، ومن المحيطات والبحار" من الماء بالبخر ليتحول إلى سحاب، وبين ما يفد إلى سطح الأرض عامة من ماء المطر بما يسقط على المحيطات، والبحار مباشرة أو بما يسقط على اليابسة. وقد بينت الدراسات العلمية أن ثلث ما يسقط على المساحات المائية من أشعة الشمس وبالتالي من حرارتها، بسبب تبخير جزء من هذا الماء، فيعطي كل 600 سعر حراري من هذه الأشعة جرامًا واحدًا من بخار الماء، وتفقد المسطحات المائية من محيطات، وبحار سنويا بالبخر سمكا من مائها قدرة 90- 95 سنتيمترًا، أي أنه يتبخر سنويا من هذه المياه ما مقداره حوالي 334 ألف كيلو متر مكعب. ثم يعود هذا الماء مرة أخرى إلى سطح الأرض على صورة أمطار، "وجزء صغير على هيئة ثلوج"، فيسقط معظمه على سطح المسطحات المائية، ويسقط الباقي على اليابسة: - 297 ألف كيلو متر مكعب تسقط فوق المسطحات المائية. - 37 ألف كيلو متر مكعب تسقط فوق اليابسة كذلك يحدث تبخر مصدره ما فوق سطح اليابسة من مسطحات مائية "أنهار، وبحيرات ومستنقعات وغيرها"، وتعود تلك الأبخرة فتسقط فوق اليابسة في شكل أمطار قدرت بحوالي 62 ألف كيلو متر مكعب سنويا، وبذلك فإن إجمالي ما قدر هطوله على اليابسة سنويا من أمطار "وثلوج" بحوالي 99 كيلو متر مكعب. وللثلوج الدائمة التي تكسو مساحات هائلة من القطبين الشمالي، والجنوبي

مهمة حيوية لا غنى عنها لإتمام دورة الماء، فهي تنظم حركة الدورة المائية بما تحبسه من مياه مجمدة، ولا تطلق منه إلا جزءا موزونا يذوب في مياه المحيطات، ومعظم ما يذوب منها هو الجبال الجليدية التى تنفصل عن القارتين، وتطفو على مياه المحيطات وتذوب تدريجيا. وقد أودع الله صفة هامة للثلوج، فجعل كثافتها أقل من كثافة الماء السائل فهي تطفو على سطحه، ولو كانت كثافة أكبر من كثافة الماء السائل، لهبط الجليد في القطبين إلى قاع مياه المحيطات حيث لا تصله أشعة الشمس وحرارتها، فتظل درجة حرارته دون الصفر ويستمر متجمدا، ولا يذوب ومع تبخر أسطح المحيطات في الأماكن الدافئة من العالم، ثم سقوط الأمطار وسقوط الثلج في المناطق القطبية ضمن دورة المياه، يتراكم الثلج وتزداد الرقعة الثلجية، وتزحف نحو خط الاستواء، ويؤدي هذا في النهاية إلى تجمد مياه المحيطات والبحار، فتتوقف دوره الماء لانعدام المطر، وتتوقف الحياة. السحاب والبرد: يوجد بخار الماء في السحاب خاليا من الشوائب العضوية وغير العضوية، فهو ماء طهور. {وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ} [الأنفال: 11] . {وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا} [الفرقان: 48] . يحمل الهواء مقادير وفيرة من الماء على هيئة بخار، وهذا البخار هو الذي يكون

السحب عندما تندفع تيارات الهواء إلى أعلى، وتبرد تحت تأثير الانتشار بتقليل الضغط الواقع عليها بالارتفاع، ويحدث تبريد للهواء بمعدل درجة واحدة مئوية لكل مائة متر ارتفاع، وتقل قدرة الهواء على حمل بخار الماء بانخفاض درجة الحرارة، ثم باستمرار التبريد يحدث التشبع، ويعود جزء من بخار الماء العالق في الهواء إلى حالة السيولة "نقط الماء"، أو حالة الصلابة "بلورات الثلج" ويتم هذا التكاثف عادة على جسيمات خاصة يحملها الهواء تسمى علميا باسم "نوى التكاثف". وقد يبلغ سمك السحب الركامية "التى تسقط المطر" 15 كيلو مترا، وقد يزيد أحيانًا إلى 20 كيلو مترا، فتصل بذلك إلى طبقات باردة جدًّا من طبقات الجو حيث تنخفض درجة الحرارة إلى 60-70 درجة مئوية تحت الصفر، هنا يتكون البرد من حبات مستديرة من الثلج المتماسك، وتسقط حبات البرد أحيانا بعد عواصف شديدة صيفا أو شتاء، وعادة ما يكون حجم الحبيبات صغيرا لا يتجاوز حجم "حبات الحمص"، وقد يصل حجم حبة البرد حجم بيضة الحمام. {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشَاءُ} [النور: 43] . الثلج والجليد: يتساقط الثلج من السماء، شأنه شأن المطر، على شكل حبيبات تشبه زغب القطن، وقد تكون هذه الحبيبات متبلورة، ويكون سقوط الثلج حيث تكون درجة حرارة سطح الأرض، والهواء الملامس له في مكان بعينه أقل من درجة الصفر المئوي،

ومع استمرار درجة الحرارة في هذا المكان تحت درجة الصفر، لا يذوب الثلج snow بل يتراكم، ويتصلد ويتخذ اسما خاصا وهو الجليد ice. يتساقط الثلج في منطقتي التجمد عند القطب الشمالي والقطب الجنوبي بصفة منتظمة، ويتراكم جيلا بعد جيل على شكل رقع كبيرة من الغطاءات الجليدية الدائمة، كذلك يتساقط الثلج في مناطق أخرى غير المنطقتين القطبيتين حيث توجد مرتفعات شاهقة ويتوج بعض قممها بصفة دائمة، ويتساقط الثلج أيضا موسميا في زمن الشتاء على وقع واسعة من المعمورة، ولا يدوم هذا الثلج، بل يتحرك في أنهار جليدية glaciers ثم يذوب. وما نراه حاليا من غطاءات جليدية دائمة، هى في الواقع بقايا آخر العصور الجليدية التى سادت سطح الكرة الأرضية، والتي حدثت خلال الزمن الجيولوجي الرابع، كان الجليد وقتئذ يغطي منطقة القطب الشمالي وشمال قارة أمريكا الشمالية بمساحة تزيد عن 4 مليون ميل مربع، وشمال أوروبا بمساحة تزيد عن 2 مليون ميل مربع، وشمال سيبيريا بمساحة هائلة، وكذلك كان الجليد وقتئذ يغطي سطح قارة التجمد الجنوبي "أنتاركتيكا" مع امتدادات متجمدة حولها فوق مياه المحيط، فهي قارة من اليابسة لا يظهر منها إلا أطراف محدودة المساحة، وقد قيس سمك جليد أنتاركتيكا في مواقع عديدة، ويزيد السمك أحيانا من 2.2 كيلو مترا من الجليد المتراكم، هذا على عكس الحال عند القطب الشمالي الذي هو عبارة عن طبقات سميكة من الجليد لا يوجد تحتها يابسة بارزة فوق سطح الماء. الماء يسكن اليابسة: حفل القرآن الكريم بعدد من الآيات تصف سلوك الماء على سطح اليابسة، فهو

ماء يهطل من السماء ويسكن اليابسة ويتحرك بقدر محسوب لا إفراط، ولا تفريط في كمياته. {وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ} [المؤمنون: 18] . {فَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ} [الحجر: 22] . وقد من الله على الناس بما يستطيعون الوصول إليه مما يسكن الأرض من ماء، ومن غير الله يأتيهم بماء تناله أيديهم إن أصبح الماء غائرا في الأرض بعيد المنال. {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ} [الملك: 30] . كذلك من الله على الناس بإتاحة الماء العذب لمعاشهم، ولو شاء سبحانه لجعل كل الماء مالحا لا يصلح لشرب الإنسان، والكائنات الحيوانية والنباتية. {أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ، أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ، لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا فَلَوْلا تَشْكُرُونَ} [الواقعة: 68-70] . والأنهار أحد مظاهر حركة المياه على السطح، وقد ذكرت الأنهار المعروفة للناس في حياتهم الدنيا 12 مرة في القرآن الكريم. {أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا} [الرعد: 17] . {أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلالَهَا أَنْهَارًا} [النمل: 61] . وتتخلل المياه صخور القشرة، وتحتسبها كمياه باطنية أو جوفية في أحواض جوفية، أو مستودعات للماء الجوفي aquifers، وقد تنفجر وتنبجس المياه الجوفية إلى السطح على شكل ينابيع وعيون.

{أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الْأَرْضِ} [الزمر: 21] . {وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنَ الْعُيُون} [يس: 24] . {فَانْبَجَسَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا} [الأعراف: 160] . وقد يحتاج الأمر بالإنسان إلى أن يحفر بئرا للوصول إلى الماء، وقد ذكر لفظ "بئر" مرة واحدة في القرآن الكريم. {فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ} [الحج: 45] . وذكرت أنهار الجنة في القرآن الكريم 42 مرة، ذكر من أنهار الجنة ما هو من لبن وما هو من عسل وما هو من خمر، أعدت للمتقين، ويقابل هذا ما يسقاه أهل النار من ماء يغلي عذابا لهم. {أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ، مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفّىً وَلَهُمْ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ} [محمد: 14-15] . وفي السياق القرآني الحكيم تعبير مشترك للرقعة المائية سواء كانت عذبة الماء أو مالحة، وهو تعبير "اليم" ففي قصة موسى عليه السلام استخدم لفظ "اليم" للدلالة على نهر "وهو نهر النيل". {أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ} [طه: 39] . كما استخدم أيضا في سرد قصة موسى عليه السلام للدلالة على رقعة ماء مالحة، وهي التي غرق فيها فرعون وجنوده.

{فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ} [القصص: 40] . كذلك ورد في السياق القرآني الحكيم لفظ "البحر" للدلالة على رقعة مائية، سواء كانت عذبة أم مالحة. {مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ} [الفرقان: 53] . ومن الناحية الجيولوجية، فللماء تأثير هام على سطح اليابسة، فهو من أهم عوامل التعرية، وتعتمد التعرية على الأثر الميكانيكي والأثر الكيميائي، فالماء يؤثر على الصخور بالتفتيت، وذلك بمساعد حرارة الشمس، والماء بعد ذلك عامل هام من عوامل النقل من مكان إلى آخر، وللماء تأثير واضح في إذابة بعض الأملاح الموجودة على السطح، أو في ثنايا شقوق الصخر وكهوفه، كذلك يساعد الماء في تغيير تركيب بعض المعادن، مثل تحلل معدن الفلسبار إلى كاولين، ومثل تحويل التربة اللاتيريتية إلى بوكسيت "الذي هو الخام الرئيسي لاستخلاص فلز الألومنيوم".

الفصل الخامس: الزمان والمكان

الفصل الخامس: الزمان والمكان الزمان: البداية: حسب نظريات بعض الأكاديميين، فقد كان تكوين الأرض من اندماج حبيبات هائمة في الأثير لا حصر لها مختلفة الأحجام، تتراوح أحجامها ما بين حبيبات الأترية، إلى أحجام الشهب، إلى أجسام في أحجام الكويكبات Asteroids وأثناء تكوين الأرض من اندماج كل هذه الحبيبات والكتل، توالى تساقط أجسام أثيرية أخرى عليها بعضها هائل الحجم، وتزعم هذه النظريات أن تساقط تلك الأجسام قد تسبب في ميل محور الأرض. ويقدر علماء هذه المدرسة حجم أكبر تلك الجسام بما يصل إلى الألف كيلو متر في قطرها، ومثل هذا الحجم تكون كتلته حوالي مليون مليون مليون طن [18 3 طنا] وإذا أخذنا في اعتبارنا سرعة حركة مثل هذا الجسم عند اصطدامه بالأرض، تلك السرعة التي دقرت بحوالي 11 كليو متراً في الثانية، فلنا أن نتخيل مقدار الدمار الذي يحدثه هذا الاصطدام على سطح الأرض. ويعتقد أصحاب هذه المدرسة أن الاحتكاكات الناتجة من الاصطدامات قد سببت ارتفاع في الحرارة إلى درجة أعلى من الألف درجة مئوية، وأن تأثيرها امتد إلى عمق كبير من سطح الأرض. كذلك يفترض أصحاب تلك المدرسة أن هذه المرحلة من تاريخ الأرض استغرقت

حوالي مليون عام وهي مرحلة قصيرة إذا ما قورنت بالعمر التقديري للأرض، وهو حوالي "4500 مليون عام" ذلك أن جمهرة الجيولوجيين من مختلف المدارس العلمية قد اتفقوا على تقدير عمر الكرة الأرضية منذ أن أصبحت كوكبا مستقلا بحوالي 4.6 بليون عام "مع اعتبار فارق زمني مقداره حوالي 0.1 بليون عام خطأ محتملا في الحساب"، وقدر عمر الكرة الأرضية منذ أن أصبحت لها قشرة صلبة بحوالي 4.5 بليون عام، وكان تقدير العمر مبنيا على حساب النشاط الإشعاعي لذرات بعض العناصر الثقيلة. تركيب الذرة: يسوقنا النشاط الإشعاعي لبعض العناصر إلى ذكر تركيب الذرة، فحسب مفهوم العلم التجريبي الحديث، فإن ذرة العنصر هي أصغر وحدة منه يمكن أن يكون لها وجود مستقل، وتحمل صفات العنصر وخواصه الطبيعية والكيميائية. وتتكون الذرة من نواة في مركزها تحمل شحنة كهربية موجبة، ويسبح حولها جسيمات تحمل شحنة كهربية سالبة تعرف باسم الإلكترونات، وتتكون النواة من جسيمات هي: البروتونات "وكل منها يحمل شحنة كهربية موجبة"، والنيوترونات "وهي عديمة الشحنة". وفي حالة عنصر الأيدروجين فإن نواته تتكون من بروتون واحد فقط، ولا يوجد به نيوترونات. والذرة متعادلة كهربيا لتساوي مقدار الشحنتين: الموجبة والسالبة وذلك لتساوي عدد البروتونات وعدد الإلكترونات. وتشترك جميع ذرات العناصر المختلفة في هيكل البناء العام، وإنما تختلف الذرة من عنصر لآخر في عدد البروتونات بالنواة، وبالتالي في عدد الإلكترونات السابحة حولها، وكذلك في عدد النيوترونات الموجودة في النواة، ويمكن تشبيه تركيب الذرة بنظام المجموعة الشمسية، فالنواة تقابل الشمس، والإلكترونات تقابل الكواكب التي

تدور حولها في مدارات محددة وبسرعة محددة، وعلى سبيل المثال حسبت سرعة الإلكترون في ذرة الهيدروجين، فوجد أنها ألفا كيلو متر في الثانية. وتحتوي نواة الذرة على 9.975% من إجمالي وزن الذرة، وقطر الذرة بأجمعها تبلغ 10 ــ 8 من السنتيمتر، بينما قطر النواة 10 ــ13 من السنتيمتر، فمادة النواة بذلك لا تشغل إلا حيزًا صغيرًا جدًا من الحجم الكلي للذرة. ويكتشف علماء الذرية كل حين جسيمات أخرى داخل الذرة بجانب الوحدات الرئيسية التى ذكرت، فالذرة في حد ذاتها تعتبر وحدة لتركيب المواد، ولكن الذرة بدورها تتكون من جسيمات أدق منها حجمًا. وقد جاء ذكر لفظ "الذرة" في القرآن الكريم عدة مرات مقترنا بلفظ "مثقال". {وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ وَلا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} [يونس: 61] . {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الْأَرْضِ} [سبأ: 22] . وللذرة في اللغة عدة معان: منها أن الذرة ليس لها وزن، ومنها أن الذرة واحدة مما في الهباء أو الغبار المنتشر في الجو، وقد يراد بها ما يرى عند انعكاس شعاع الشمس الذي يداخل من نافذة في جو حجرة مظلمة. العمر المطلق للأرض: يأتى تقدير الأعمار المطلقة للصخور بحساب النشاط الإشعاعي لذرات بعض العناصر التي تدخل في تركيب بعض معادن تلك الصخور، فقد وجد العلماء أن عنصر "اليورانيوم - 238" يتحول نصف وزنه إلى عنصر الرصاص في مدة 4.5 بليون عام، وجدوا أن عنصر [بوتاسيوم - 40] يتحول نصفه إلى الغاز الخامل:

"أرجون - 40" في مدة 1.3 بليون عام، فبالتحليل المعملي لصخر يحتوي على كمية من عناصر مشع، وكمية من ناتج إشعاعه يمكن حساب عمر الصخر منذ أن تكون. وجدير بالذكر أن تقدير عمر الأرض "حوالي 4.6 بليون عام" جاء قريبا من تقدير عمر النيازك التي تسقط عليه "حوالي 4.55 بليون عام"، وقريبا كذلك من تقدير عمر القمر "حوالي 4.6 بليون عام"، ويستنتج العلماء من هذا التقارب الزمني أن تكون وحدات المجموعة الشمسية قد حدث في فترة زمنية قصيرة نسبيا. أسس التأريخ الجيولوجي لقشرة الأرض: منذ أكثر من مائتي عام قال أحد الباحثين في علوم الأرض1: إن تاريخ الأرض مكتوب بين طيات قشرتها، وكان هذا القول حقيقة علمية لا جدال فيها، فأمام علماء الأرض كتاب وسجل، وعليهم أن يحلوا رموزه ويفسروه، فالأحداث الجيولوجية قد تركت بصماتها لكل من يستطيع قراءة هذه البصمات، سواء في الصخور النارية التي ليس فيها من آثار الحياة شيء، أو في الصخور الرسوبية التي تضم آثار الحياة ممثلة في الحفريات "التي تعرف أيضا بالأحافير" fessils. {قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [العنكبوت: 20] . ولتحديد تعاقب الأحداث الجيولوجية في مكان ما من سطح الأرض لا بد من أمرين: "أ" تقريب ترتيب تعاقب الصخور المكونة للقشرة الأرضية في هذا المكان.

_ 1 قالها "لورد هاتون" العالم البريطاني، وهو من الرعيل الأول من العلماء الذين وضعوا أسس علم الجولوجيا الحديثة "محمد جمال الدين الفندي: الله والكون-ص 307".

"ب" دراسة كل من هذه الصخور دراسة دقيقة للتعرف على الظروف التي أحاطت بتكوينها، وما تأثرت به بعد ذلك من عوامل. ففي حالة الصخور النارية، هناك قواعد تحدد نسبية الأقدم والأحداث من هذه الصخور المتجاورة أو المتقاطعة، وفي حالة الصخور الرسوبية هناك قانون تعاقب الطبقات، وهو ينص على أن كل طبقة من الصخور الرسوبية هي أحدث عمرا مما تحتها من طبقات. ولا بد أن نؤكد أن ما ذكرنا ما هو إلا تبسيط شديد للقواعد الحاكمة لتحديد الأعمار الجيولوجية، فهناك دائمًا القول الفصل في هذا التحديد حينما يمكن إجراء قياس العمر المطلق للصخر بالوسائل المعملية المتقدمة. وهناك وسيلة استخدام الحفريات في تقدير العمر النسبي لأى طبقة صخرية في مكان ما، ومقارنتها بصخور مماثلة في أماكن أخرى من سطح الأرض. وقد استطاع علماء الجيولوجيا أن يضعوا مواصفات للصخور التي تكونت تحت ظروف من الترسيب في الماء أو على اليابسة، وأمكنهم أن يميزوا بين صخور ترسبت في قاع مياه مالحة، وتلك التي ترسبت في قاع مياه عذبة، وأن يميزوا بين ما ترسب في أعماق مائية سحيقة وما ترسب في مياه ضحلة، وكذلك استطاعوا التمييز بين ما ترسب على اليابسة تحت ظروف جافة، وما ترسب تحت ظروف مطيرة، وما ترسب في مناطق باردة وما ترسب في مناطق استوائية. وبعد جهد عظيم اشترك فيه علماء الأرض في أنحاء العالم على مدى القرنين الأخيرين، في دراسة ما ذكرنا من متغيرات شملت أنحاء العالم، برًّا وبحرًا وفي ربطها ببعضها البعض، تمكنوا من أن ينشئوا تاريخا جيولوجيا عاما لقشرة الأرض، مقسما إلى فترات جيولوجية مقدرة بمئات وعشرات الملايين من السنين، لكل فترة سماتها من التوزيع الجغرافي القديم لتلك الفترة Paleaogeography من يابسة وماء، وسماتها من توزيع الطقس، وسماتها من ناحية النشاط، أو الهدوء الحركي للزلازل

والبراكين، وسماتها من ناحية سكان الأرض من النبات والحيوان. {أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} [العنكبوت: 19] . و"الحفريات" هي ما ترك من أثر كائن نباتي أو حيواني كان يعيش في فترة جيولوجية معينة، ودفن ضمن الرواسب المكونة للصخور الرسوبية وقت تكوينها. وقد تكون الحفرية هي الجسم النباتي أو الحيواني بذاته كاملًا، أو الجزء الصلب منه، أو متحللا تحت ظروف من الضغط والحرارة، وقد يستبدل الجسم النباتي أو الحيواني بمادة أخرى أو سيليسية مثل ما هو معروف من الأخشاب المتحجرة السيليسية. وقد تكون الحفرية مجرد الأثر أو الطابع الذي يتركة الحيوان، أو النبات بعد اندثار مادته الأصلية، وفي أحوال نادرة تكون الحفرية عبارة عن الحيوان أو النبات محفوظًا بجميع أجزائه، مثل ما يوجد أحيانا في مادة الكهرمان من حشرات محفوظة بالكامل. تقسيم الزمن الجيولوجي: اتفق علماء الأرض على تقسيم الزمن إلى الوحدات الزمنية التالية: - الدهر Eon: ويقسم الزمن الجيولوجي إلى ثلاثة دهور. - الحقب Era: ينقسم كل دهر إلى عدد من الأحقاب "الحقب". - العصر Period: ينقسم كل حقب إلى عدد من العصور. - لفترة Epoch: ينقسم كل عصر إلى عدد من الفترات. - الحين Age: تنقسم كل فترة إلى عدد من الأحايين. - الفينة "اللحظة" Moment: ينقسم كل حين إلى عدد من الفينات.

وتفردت كل وحدة زمنية بخصائص تميزها عن الوحدات الزمنية الأخرى. وفيما يلي عرض تفصيلي لخصائص كل وحدة زمنية جيولوجية، وهي ما تندرج تحت الدهور والأحقاب والعصور: أولا: دهر اللا حياة: Azoic أقدم الدهور، ويزيد مداه على 1000 مليون سنة، والصخور التي تكونت فيه منذ صارت للأرض قشرة صخرية لم يعثر فيها على أية آثار تدل على سابق وجود الحياة بها. ثانيًا: دهر الحياة الخافية Cryptozoic ثاني الدهور في الزمن الجيولوجي، ويبلغ مداه نحو 2600 مليون سنة وبعض صخوره الأحدث نسبيا بها شواهد تدل على أن أشكالا بدائية جدا من الحياة كانت تعيش عليها، ولكنها خالية من أية آثار واضحة، ومؤكدة للحياة وينقسم إلى: "أ" حقب الحياة العتيقة Archaeozoic: ومداه حوالي 1000 مليون عام. "ب" حقب طلائع الحياة Proterozoic Era: ومداه حوالي 1600 مليون عام، ظهرت فيه بوادر الحياة المعروفة، وليس من السهل دراسة بقاياها دراسة وافية. ثالثًا: دهر الحياة الظاهرة Phanerozoic Eon ثالث الدهور في الزمن الجيولوجي، ويبلغ مداه نحو 570 ميلون عام، وتتميز صخوره باحتوائها على حفريات لبقايا كائنات حية قديمة كانت تعيش خلال أقسام ذلك الدهر، وينقسم إلى: "أ" حقب الحياة القديمة Palaeozoic: ومداه نحو 350 مليون سنة، وتتميز صخوره الصلبة بوجود حفريات واضحة المعالم للأحياء القديمة المنقرضة، اشتق اسمه من Palaeo "قديم" و 200 "حياة"، وانتهى منذ 230 مليون سنة.

وينقسم هذا الحقب إلى: 1- العصر الكمبري Cambrian Period: اشتق اسمه من كلمة Cambria وهو الاسم القديم لمقاطعة ويلز بإنجلترا، حيث اكتشف صخوره ودرست جيدًا لأول مرة، وأهم أحافيره حيوان Trilobite وانتهى هذا العصر منذ حوالي 500 مليون عام. 2- العصر الأردوفس Ordovician Period: اشتق اسمه من كلمة Ordovice، وهو اسم قبيلة كانت تسكن ويلز أهم أحافيره حيوان Graptolite. وانتهى هذا العصر منذ حوالي 440 مليون عام. 3- العصر السيلوري Silurian Period: اشتق اسمه من كلمة Silures وهو اسم قبيلة قديمة سكنت ويلز، وأهم أحافيره العقارب البحرية، وفي نهاية العصر ظهرت الأسماك، انتهى هذا العصر منذ حوالي 410 مليون عام. 4- العصر الديفوني Devonian deronian: اشتق اسمه من devonshire إحدى مقاطعات إنجلترا، أهم أحافيره الأسماك والمرجانيات الرباعية والسرخسيات Ferms، وانتهى هذا منذ 355 حوالي مليون عام. 5- العصر الكربوني Carboniferous Period: يدل الاسم على وفرة الفحم بين صخوره، والفحم بقايا نباتات غير مزهرة انتشرت في غابات كثيفة. وانتهى هذا العصر منذ حوالي 265 مليون عام. 6- العصر البرمي Permian Period: اشتق اسمه من Perm وهي مقاطعة في روسيا، انقرضت أثناءه معظم الكائنات التي كانت تعيش في العصور السابقة له، كما كثرت فيه رواسب الأملاح بسبب حرارة جوه، وانتهى هذا العصر منذ حوالي 200 مليون عام. "ب" حقب الحياة الوسطى Mesozoic Era: اشتق الاسم من كلمتي Mesos "متوسط" و Zoo "حياة"، وكانت الكائنات الحية أثناءه أرقى منها بالنسبة لسالفتها. وينقسم الحقب إلى:

1- العصر الثلاثي Triassic Period: أخذت الزواحف في الانتشار، وانتهى هذا العصر منذ حوالي 185 مليون عام. 2- العصر الجوراوي Gurassic اشتق اسمه من اسم جبال Jura في غرب سويسرا، انتشرت فيه الحيوانات القشرية Ammonites، وسادت الزواحف الهائلة الحجم وهي الديناصورات Dinasaura، وظهرت أول فصائل الطيور واسمها Archaeopteries وظهرت أنواع من النباتات غير المزهرة أرقى مما ظهر سابقًا، وهي الفصيلة السيكادية Cycads وانتهى هذا العصر منذ حوالي 135 مليون عام. 3- العصر الطباشيري "الكريتاوي" Cretaceous: اشتق اسمه من كلمة Creta "طباشير" ويدل اسمه على كثرة الصخور الطباشيرية فيه، انتشرت أثناءه الحيوانات الثديية البدائية Marsupials كالقنغر، وظهرت لأول مرة النباتات المزهرة، وبانتهاء هذا العصر منذ حوالي 65 مليون عام، كانت قد بادت الزواحف الضخمة، وبادت القشريات البحرية الأمونيت. "جـ" حقب الحياة الحديثة Kainozoic, Cenozoic: اشتق الاسم من كلمة Cekainos nos بمعنى حديث، وكلمة Zoo بمعنى حياة، وقد امتد هذا الحقب حتى وقتنا الحاضر، وينقسم هذا الحقب إلى: 1- عصر الباليوسين Palaeocene Reriod: ظهرت أول أنواع الحيوانات الثديية البدائية، "وهي الكيسيات اللامشيمية" Marsupials. 2- عصر الإيوسين Eocene: اشتق اسمه من كلمتي Eos معناها: الفجر وكلمة Cenos ومعناها الحديث، تميزت صخوره بوفرة أحافير نوع معين من القشريات البحرية هي "النميات Nummulites" كذلك عاشت أثناءه أسلاف معظم ما نراه من أحياء حيوانية حاليًا، ولكن بصورة بدائية. انتهى هذا العصر منذ حوالي 40 مليون عام.

3- عصر الأليجوسين Oligocene: اشتق اسمه من كلمتي oligos ومعناها قليل جدًّا وكلمة Cenos، ارتقت فيه الأحياء قليلًا عما كانت عليه في العصر السابق له، معظم صخوره قارية. من مميزاته في مصر وجود أحافير لأجداد الفيلة، انتهى هذا العصر منذ حوالي 26 مليون عام. 4- عصر الميوسين Miocene: كثرت فيه الثدييات الكبيرة الحجم ومن أمثلتها أجداد الفيلة في مصر، انتهى هذا العصر منذ حوالي 12 مليون عام. 5- عصر البليوسين Pliocene: اشتق اسمه من كلمتي Pleion ومعناها كثير وكلمة Cenos، بدأ يظهر الثدييات الراقية، انتهى هذا العصر منذ حوالي 2مليون عام. 6- عصر البليوستوسين Pleistocene "Glacia": اشتق اسمه من كلمتي Pleistos ومعناها الأكثر وكلمة Cenos انقرضت أثناءه الثديات العظيمة الحجم، وامتاز بكثرة الجليد الذي طغى مرارًا على أجزاء شاسعة من المعمورة، في مصر ومعظم أنحاء الحزام الصحراوي الحالية، كثرت الأمطار ولم يغط الجليد أرضها. 7- العصر الحديث "Holocene" Recent: كلمة Holos معناها كامل أو تام بدأ منذ حوالي المليون عام ويستمر حتى الآن، بلغت الحياة فيه أعلى مراتبها بوجود الإنسان. ويمكن القول بصفة عامة بأنه قد أمكن من دراسة الحفريات وضع سجل لتتابع ظهور الأحياء من نبات، وحيوان على مدى عمر الأرض، لقدمها في اختصار شديد في الجدول التالي الذي يبين ظهور أنواع أكثر تقدمًا من النبات والحيوان "تشريحيًّا وظائفيًّا" كلما تقدم الزمن:

العمر بملايين السنين ... مظاهرة الحياة الحيوانية والنباتية ــ حاليا ــ منذ 2 - 4 عام ــ 58 ــ 36 ــ 135 ــ 181 ــ 239 ــ 280 ــ 400 ــ 410 ــ 460 ــ 550 ــ 3200 ــ 3800 ــ 4600 ... انتشار الهوموسابيان ظهور ثدييات راقية من نوع هوموسابيان ظهور الثدييات بصفة عامة نهاية الديناصورات نهاية الزواحف الطائرة ظهور الطيور ظهور الديناصورات ظهور الزواحف ظهور البرمائيات ظهور أقدم نباتات برية وأقدم حشرات (حفريات) أقدم حفريات الأسماك أقدم الحفريات النباتية (نباتات مائية) أقدم حفريات بدائية أقدم تقدير لعمر صخر تقدير عمر نشأة الأرض وثبت لعلماء الأرض حدوث نكبات جيولوجية هائلة في بعض مراحل تاريخ قشرة الأرض، وقد أثرت هذه النكبات تأثيرًا حاسمًا على الحياة القديمة فانفرضت أنواع لم تتحمل الظروف التي سادت، بينما استمرت أنواع أخرى أمكنها أن تتأقلم مع الظروف الجديدة. ومن أمثلة النكبات الجيولوجية ما بينته دراسات العلماء على البراكين القديمة وخاصة تلك الموجودة في سيبيريا، فمنذ حوالي 250 مليون عام ثارت البراكين بانتشار شديد في أنحاء الكرة الأرضية، مما أدى إلى اختفاء 95% من مختلف الحيوانات التي كانت توجد على سطح الأرض وقتئذ، فقد تسبب النشاط البركاني

خروج كميات هائلة من الحمم ومن الأدخنة التي حجت غالبية ضوء الشمس لبعض الوقت، فانخفضت درجة الحرارة مما أدى إلى هلاك معظم النباتات، ثم الحيوانات التي نعتمد عليها في غذائها. وبينت دراسات العلماء أن كتلا من مادة الشهب قطر الواحدة تصل إلى حوالي 24 كيلومترا قد اصطدمت بالأرض بسرعة تبلغ نحو 64000 كيلو متر في الساعة، وذلك منذ حوالي 165 مليون عام، وقدر العلماء أن ارتطامات بهذه السرعة لها من القوة ما يؤدي إلى تبخر عدة أمتار من سمك ماء المحيط، وإلى جدب معظم أجزاء سطح الأرض، وإلى هلاك معظم الكائنات الحية فوقها. وحدات قياس الزمن: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُوراً وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ} [يونس: 5] . {وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلاً} [الإسراء: 12] . فقد يسر الله عددًا من ظواهر الطبيعة تتكرر بانتظام مما يجعلها تصلح أساسًا لقياس الزمن بوحدات متفق عليها لدى جميع البشر أينما كان موقعهم على سطح الأرض. وقد تتضمن القرآن الكريم عبارات لها دلالات زمنية، وسوف تعرض لها مبتدئين بأقصرها. لمح البصر: {أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ} [النمل: 40] . {وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ إِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ} [النحل: 77] . {وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ} [القمر: 50] . في قصة النبي سليمان وملكة "سبأ" ما قاله الذي عنده علم من الكتاب أنا

آتيك بعرش تلك الملكة قبل أن تحرك جفنك، وقد نفذ ما قال، ولا يحتاج الجفن عادة إلا إلى جزء من الثانية بتوقيتاتنا الزمنية الموضوعة. كذلك بين لنا الله جلت قدرته أن أحداث القيامة لا تستغرق بدؤها إلا مثل ما يستغرقه رد طرف العين بعد فتحها أو أسرع من ذلك، وهذه أصغر وحدة قياس زمنية وردت في القرآن الكريم. اليوم والساعة: لم تخف على البشر منذ الخليقة الأول ظاهرة تقسيم اليوم إلى نهار، وليل يتكرران بانتظام دون ما اختلال، وتعارف البشر على كون الليل بظلمته مجال النوم والراحة، وعلى كون النهار بنوره مجال السعي للرزق. {وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاساً، وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشاً} [النبأ: 10-11] . ودأب الناس على تقسيم النهار إلى بداية ومنتصف ونهاية، وكذلك تقسيم الليل، وأشار القرآن الكريم إلى بعض التقسيمات في النهار والليل: الفجر: {وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً} [الإسراء: 78] . {سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ} [القدر: 5] . الضحى: {أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحىً وَهُمْ يَلْعَبُونَ} [الأعراف: 98] . الظهيرة: {وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ} [ألنور: 58] . الغروب: {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا} [طه: 130] . عشية: {كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا} [النازعات: 46] . غسق: {أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ} [الإسراء: 78] . وقد احتاج الإنسان إلى دقة تحديد التوقيت، فاخترعت الساعات المائية واخترعت الساعات الرملية، كما اخترعت المزولة الشمسية التي تعتمد لقياس الوقت على قياس طول ظل الشمس الذي يحدثه قضيب ينصب عموديًّا على مسطح أفقي.

وفي أطوار تالية من الحضارة البشرية، اخترعت الساعات التي تعتمد على دوران عقرب الساعات وعقرب الدقائق ميكانيكيًّا. ثم طورت الساعات لتعمل كهربائيًا. ثم أصبح تحديد الوقت يتم بدقة بالغة بالاستعانة بالموجات الأثيرية والأقمار الصناعية. وقد تعارف أهل الأرض على تقسيم اليوم "نهار وليل" إلى أربع وعشرين ساعة، وتعارفوا على تقسيم الساعة إلى 60 دقيقة، وعلى تقسيم الدقيقة إلى 60 ثانية، وعلى تقسيم الثانية إلى 60 ثالثة. واليوم الذي يعرفه البشر هو اليوم الذي يشعرون به، وهم على سطح الأرض حين يتعاقب الليل والنهار، واليوم الأرضي بالاصطلاح الفلكي: هو الفترة المحصورة بين عبورين متتاليين لنقطة بالذات على سطح الكرة الأرضية، وهي اليوم النجمي. وقد تضمن القرآن الكريم آيات فيها ذكر يوم، أو أيام بحساب أهل الأرض. {قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ} [الكهف: 19] . {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ} [البقرة: 196] . وهناك أيام لا تخضع لحساب أهل الأرض، فهي أيام قدرها الحق سبحانه وتعالى وحده حين خلق السموات والأرض، لذلك فلا يجوز الخوض في تفسيرها. {الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ} [الفرقان: 59] . {ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ} [السجدة: 5] . {تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ} [المعارج: 4] . السنة والشهر: هناك علاقة عددية تربط ما بين السنة والشهور، وقد أوضحها الله سبحانه وتعالى حين قال: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللَّهِ} [التوبة: 36] . وتحسب السنة إما حسب الدورات القمرية "وهي السنة القمرية"، أو حسب دورة الكرة الأرضية حول الشمس وهي السنة الشمسية.

فالسنة القمرية: هي المدة التي يستغرقها القمر في دورته الشهرية حول الأرض اثنتي عشرة مرة، وتستغرق 354.361 يومًا، أما السنة الشمسية: فهي المدة التي تستغرقها الكرة الأرضية لتدور دورة كاملة واحدة حول الشمس، تستغرق 365.242 يومًا. وهناك ارتباط حسابي بين السنة الشمسية والسنة القمرية، أشار إليها القرآن الكريم في سورة الكهف حين روى قصة الفتية المؤمنين. {وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعاً} [الكهف: 25] . فإن 300 سنة شمسية تزيد عن 300 سنة قمرية بمقدار 3265 يوم، أي ما يعادل حوالي التسع سنوات. وكما أن السنة القمرية اثنا عشر شهرًا، فإن السنة الشمسية اثنا عشر شهرًا أيضًا، ويتبع المسلمون الشهور القمرية في أداء شعائرهم ومناسكهم، ورؤية الهلال القمري الوليد هي بداية كل شهر قمري، إلا أن غالبية شعوب العالم اليوم تميل إلى استخدام التقويم الشمسي في ضبط حياتها اليومية، وفي تقدير وتسجيل تواريخها. وكانت السنة عند العرب في الجاهلية أربعة أزمنة: ربيع، وقيظ، وخريف، وشتاء. العقد والقرن: من التوقيتات المتداولة حاليًا، العقد والقرن، فالعقد مقداره عشر سنوات، والقرن مقداره مائة عام. وقد ورد لفظ "قرن" وجمعه "قرون" في القرآن الكريم، بمعنى أمة وأمم من البشر وليست للدلالة على توقيت زمني. {أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْقُرُونِ} [السجدة: 26] . الحين والدهر والحقبة: ورد لفظ الحين في القرآن الكريم للدلالة على فترة زمنية متفاوتة في الامتداد، فهي أحيانًا تؤخذ على أنها فترة زمنية تقل عن الحول:

{تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا} [إبراهيم: 25] . وتؤخذ أحيانًا على أنها فترة زمنية تمتد إلى أطول من العام، وقد تمتد إلى بضعة أعوام: {ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوُا الْآياتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ} [يوسف: 35] . {وَفِي ثَمُودَ إِذْ قِيلَ لَهُمْ تَمَتَّعُوا حَتَّى حِينٍ} [الذاريات: 43] . وقد تعطي مؤشرًا لفترة زمنية غير محددة، ولكنها قد تطول: {وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ} [البقرة: 36] . {فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ حَتَّى حِينٍ} [المؤمنون: 54] . كذلك جاء في القرآن الكريم لفظ الدهر مؤشرًا لفترة زمنية غير محدودة: {هَلْ أَتَى عَلَى الْأِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً} [الإنسان: 1] . وفي معاجم اللغة: الدهر هو الأمد المحدود، وقيل: الدهر ألف سنة، قيل: الدهر الزمان الطويل، ومدة الحياة الدنيا. والحقبة من الدهر: مدة لا وقت لها، وقيل: هي السنة، أما الحُقُب والحُقب فهو ثمانون عامًا، وقيل: أكثر من ذلك. الأبد: الأبد هو اللا نهاية في الزمنية، وهو مصاحب للخلود: {خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ} [المائدة: 119] . {خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [التوبة: 100] . {فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً} [الجن: 23] . {خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً قَدْ أَحْسَنَ اللَّهُ لَهُ رِزْقاً} [الطلاق: 11] .

الواقعة "النهاية": حفل القرآن الكريم بآيات تقرب إلى العقل البشري هول الساعة، وتعطي أمثلة من النذر في صورة ظواهر طبيعية خارقة للنظم الكونية التي ألفها الإنسان، وقد ألف الإنسان نظامًا كونيًّا منتظمًا حفظه الله وأذن سبحانه وتعالى أن يتوازن رحمة بالعباد. {إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولا} [فاطر: 41] . {وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَحِيمٌ} [الحج: 65] . فإذا جاء أمر الله فلن يكون وقوع الأمر إلا بغتة. {وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ إِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ} [النحل: 77] . فماذا عن أحداث السماوات وقتئذ؟ يصف الحق سبحانه وتعالى حال السماء بصفة عامة بأنها تمور، أي تضطرب وتتحرك لتشققها، ووصفها بأنها تنشق وتنفطر وتُكشط "أي تزال من مكانها": {يَوْمَ تَمُورُ السَّمَاءُ مَوْراً} [الطور: 9] . {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ} [الانشقاق: 1] . {إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ} [الانفطار: 1] . {وَإِذَا السَّمَاءُ كُشِطَتْ} [التكوير: 11] . وماذا عن أحداث الشمس والقمر؟ تُكوَّر الشمس "أي ينطمس نورها" وينشق القمر: {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ} [التكوير: 1] . {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ} [القمر: 1] .

وماذا يحدث لبقية النجوم والكواكب؟ كما تتكور الشمس تتكور النجوم وتنكدر وتنطمس فيذهب ضياؤها، فهي كتل غازية نارية مضيئة، فتبرد ويخبو ضؤها. {وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ} [التكوير: 2] . {فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ} [المرسلات: 8] . أما الكواكب فهي أجسام جامدة مظلمة بطبيعتها، ويصيبها التشقق والانتثار أي التبعثر. {وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انْتَثَرَتْ} [الانفطار: 2] . ويذكر القرآن الكريم حال الأرض وقتئذ، تارة بصفة عامة وتارة يختص الجبال التي كانت في الحياة الدنيا رواسي وأوتادا، وتارة يختص بالوصف حال البحار. فالأرض تتبدل معالمها عما كانت عليه في الحياة الدنيا: {يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ} [إبراهيم: 48] . والأرض ترجف وتزلزل وترج وتدك! {يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ، تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ} [النازعات: 6-7] . {إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا} [الزلزلة: 1] . {إِذَا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجّاً} [الواقعة: 4] . {كَلَّا إِذَا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكّاً دَكّاً} [الفجر: 21] . وتذكر الجبال وما يحدث لها مع ما يحدث للأرض: {يَوْمَ تَرْجُفُ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ وَكَانَتِ الْجِبَالُ كَثِيباً مَهِيلاً} [المزمل: 14] . {وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الْأَرْضَ بَارِزَةً} [الكهف: 48] .

{إِذَا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا، وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا، فَكَانَتْ هَبَاءً مُنْبَثًّا} [الواقعة: 4-6] . وتذكر الجبال وحدها، فهي تسير وتنسف وتكون كالعهن: {وَسُيِّرَتِ الْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَابًا} [النبأ: 30] . {وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ} [التكوير: 3] . {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنْسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا، فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا} [طه: 105-106] . {وَإِذَا الْجِبَالُ نُسِفَتْ} [المرسلات: 10] . {وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ} [المعارج: 9] . {وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ} [القارعة: 5] . فماذا يعطي علماء الفلك وعلماء الطبيعة من احتمالات قد تؤدي إلى نهاية الأرض؟ هناك احتمالات قائمة على أحداث قد تصيب الأرض من قوى خارجية، كما أن هناك احتمالات قائمة على أحداث من داخل الأرض نفسها. فمن احتمالات الأخطار الوافدة من الخارج، احتمال تصادم نجم أو مذنب بالأرض، وهو احتمال قائم ويثير المخاوف أحيانًا، ومن أمثلة المذنبات ذات الخطر على سلامة الأرض، مذنب "هيلي" ويسجل علماء الفلك ظهور هذا المذنب كل 76 عامًا حيث يقترب اقترابًا ملحوظًا في الأرض، ثم يختفي في الفضاء الكوني فلا يُرَى، ويبلغ طول ذيل هذا المذنب بضعة ملايين من الكيلومترات، وقد رصد خلال القرن العشرين عام 1910 ثم عام 1985. وهناك ما يعرفه الفلكيون باسم الجبال الطائرة، وهي من الأجرام السماوية التابعة للمجموعة الشمسية، وتدور في مسارات غير منتظمة داخل حزام يقع بين مداري كوكبي المريخ والمشتري، فقد يحدث أن ينحرف واحد من الجبال الطائرة عن مساره

لسبب أو لآخر مما يعرفه الفلكيون فيشرد، ويسير في مدار قد يكون قريبًا أو متقاطعًا مع مدار الأرض. ومن بين ألف كويكب من هذه الجبال الطائرة تواجه الأرض احتمالات اصطدامها بأربعة منها فقط خلال كل مليون عام، وقد عبر مدار الأرض واحد من هذه الأجسام عام 1937 بسرعة 22 ألف ميل في الساعة، وكان قطرة 2.3 ميل، ويمكن أن يسبب اصطدام واحد من الجبال الطائرة بالأرض كوارث رهيبة قد تصل إلى محو المنطقة التي يحدث بها الاصطدام تمامًا، ويعتقد بعض العلماء أن الاختفاء الشامل، والمفاجئ للحيوانات العملاقة المسماة بالديناصورات، وانقراضها منذ 56 مليون عام قد جاء نتيجة الحادث من هذا النوع. كذلك يرى فريق من الفلكيين أن هناك نجمًا توأمًا للشمس يدور في فضاء المجرة، ويعود لزيارة المجموعة الشمسية فيدور حولها في مداه الخاص البيضاوي مرة كل 26 مليون عام، ويرى هذا الفريق من العلماء أن هذا النجم يتسبب في سقوط النيازك، والنجيمات الصغيرة على سطح الأرض، ويكفي سقوط نيزك قطره 10 أميال فقط، وبسرعة 100 ألف ميل في الساعة على سطح الأرض ليحدث أثرًا مدمرًا يساوي قوة انفجار 10 آلاف مرة مجموع الأسلحة النووية التي في حوزة الإنسان حاليًا. ومن الاحتمالات التي يتقدم بها علماء الفلك احتمال قد يقع في أي لحظة من الآن حتى نهاية الخمسين ألف مليون سنة القادمة، ذلك أن يأتي أمر الله فتتمدد الشمس تمددًا سريعًا، فيزداد حجمها حتى تغطي ما يحيط بها من أثير، وتستوعب الأرض وغيرها من الكواكب التابعة للنظام الشمسي، فتحيطها بغازات مستعرة: {فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ} [الدخان: 10] . هذا من ناحية الاحتمالات الخارجية. أما من ناحية الاحتمالات التي يتصورها العلماء لنهاية العالم، والتي يمكن أن تحدث لها من داخلها، فهناك احتمال حدوث تفاعل متسلسل "Chain reaction"

مفاجئ نتيجة اندماج ذرات الهيدروجين، إذا ما كانت في حالة تنشيط تحت ظروف معينة، ينتج عن هذا الاندماج تولد حرارة لا يعلم قدرها إلا الله، فإذا قضت إرادة الله العظيم بتحطيم جزيء الماء في المحيطات، والبحار إلى ذرات أكسجين وهيدروجين، ثم بتنشيط ذرات الهيدروجين لتتحد، وتعطي غاز الهيليوم، فحينئذ يصير اشتعال المحيطات والبحار لتصبح نارًا مضرمة. {وَإِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ} [الانفطار: 3] . {وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ} [التكوير: 6] . ومن الاحتمالات أيضًا ما هو مبني على معرفة العلماء بزيادة حرارة سطح الأرض كلما توغلنا في العمق، فالزيادة في الحرارة تبلغ 30 درجة مئوية لكل كيلو متر من العمق، وعلى عمق 3.5 كيلو متر تكون درجة الحرارة مساوية لدرجة غليان الماء، وعلى عمق يزيد عن 50 كيلو متر تزيد درجات الحرارة عن درجات انصهار مختلف الصخور، وهناك حاليًا توازن ما بين زيادة الضغوط مع زيادة الحرارة يمنع تحول الصخور في أعماق باطن الأرض إلى الحالة البخارية ولكنه توازن موقوت، فإذا أراد الله فأمر فاختل هذا التوازن الواقع على باطن الأرض، لبرز باطن الأرض وأخرجت الأرض أثقالها من هذا الباطن: {وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الْأَرْضَ بَارِزَةً} [الكهف: 47] . {وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا} [الزلزلة: 2] . كل هذه الاحتمالات التي يتقدم بها العلم البشري، ما هي في الواقع إلا اجتهادات تأتي حسب ما يشاء الله من إحاطة عباده بشيء من علمه سبحانه، ولا يجب أن تؤخذ على أنها تفسير لتلك الآيات الكونية التي ذكرناها، فإن الاحتمالات تتغير وتتبدل مع الإحاطة بالمزيد من العلم، أما حقيقة حكم الله في ملكوته حينما يأتي أمر الساعة فعلمها عند ربي: {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ} [لقمان: 34] .

{إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ السَّاعَةِ} [فصلت: 47] . {وَعِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [الزخرف: 85] . {اللَّهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزَانَ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ} [الشورى: 17] . {يَسْأَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيبًا} [الأحزاب: 63] . المكان: حرص الإنسان على معرفة مكانه "أي موقعه" على سطح الأرض كما حرص على معرفة اتجاهه في حله وترحاله. فهو يستعين لمعرفة المكان بشواهد من علامات بارزة على اليابسة، منها: الجبال صغيرها وكبيرها بأشكالها المميزة، وأنواع وألوان صخورها، ومنها: السطوح المائية من بحيرات، وجداول وأنهار وشواطئ، وحينما يرتاد البحار فهو يستعين بأشكال الشواطئ، وتعاريجها ويستعين بما يعلم وجوده من جزر. وهو يستعين لمعرفة اتجاهه نهارًا بالشمس، وانحرافاتها المختلفة خلال أوقات النهار الواحد وخلال أزمان السنة، ويستعين ليلًا بالنجوم والكواكب "والقمر": {وَعَلَامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ} [النحل: 16] . حيثما كنتم فولوا وجوهكم شطره: حينما نزل الوحي بالآية الكريمة: {وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} [البقرة: 150] . كان على المسلم في أي بقعة على سطح الأرض المعمورة لكي ينصاع إلى أمر الله أن تكون له دراية بكيفية التوجه في صلاته إلى المسجد الحرام، وهذا يعني أن

المسلم العادي المتوسط العلم كانت لديه الوسيلة للتعرف على هذا الاتجاه، وهذا يقتضي حدًّا أدنى من المعرفة الجغرافية والفلكية، فالحد الأدنى من المعرفة الجغرافية هي معرفة الاتجاهات الأربع: "الشمال والجنوب والشرق والغرب" يضاف أيضًا معرفة موقع البقعة التي يسكنها، أو التي يوجد بها أثناء ترحاله منسوبة إلى الكعبة المشرفة حسب الاتجاهات الأربع، أما الحد الأدنى من المعرفة الفلكية، فهي أن يطابق بين معرفته الجغرافية، وبين ضبط اتجاهه صوب القبلة. ولم تكن البوصلة المغناطيسية قد اخترعت وقت نزول القرآن الكريم، لذلك فقد كان تحديد الاتجاه نهارًا بمواقع الشمس حسب ساعات النهار، وكان تحديد الاتجاه ليلًا يتم الاستعانة بمواقع الكواكب والنجوم: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ} [الأنعام: 97] . عن الترمذي وأحمد والطبراني من حديث عامر بن ربيعة كنا مع النبي -صلى الله عليه وسلم- في ليلة مظلمة، فلم ندر أين القبلة وصلى كل رجل منا على حياله، فلما أصبحنا ذكرنا ذلك للنبي -صلى الله عليه وسلم- فنزل: {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} [البقرة: 115] . وعن معاذ عند الطبراني في الأوسط، صلينا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في يوم غيم في سفر إلى غير القبلة، فلما قضى الصلاة وسلم تجلت الشمس فقلنا: يا رسول الله صلينا إلى غير القبلة فقال: "قد رفعت صلاتكم بحقها إلى الله عز وجل". الشرق والغرب: تضمن القرآن الكريم ذكر اتجاهين جغرافيين هما الشرق والغرب: {يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ} [النور: 35] . {وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} [البقرة: 115] . {لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ} [البقرة: 177] .

{قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ} [البقرة: 258] . {حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ} [الكهف: 86] . ولم يأت ذكر في القرآن الحكيم لاتجاهي الشمال والجنوب، فهما اتجاهان يمكن معرفتهما بداهة طالما عرف اتجاها الشرق والغرب. ولكن ذكر في القرآن الكريم ذكر الشمال الذي يقابل اليمين: {وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ} [الكهف: 18] . {إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ} [ق: 17] . البوصلة: اكتشف الإنسان في مراحل متأخرة من الحضارة البشرية خاصية الإبرة الممغنطة التي تتجه دائمًا بأحد طرفيها ناحية الشمال، إذا تركت تتحرك بحرية فوق عاتق مدبب من مادة غير مغناطيسية، أو فوق الزيت أو فوق الماء، وأصبح هذا الاكتشاف هو ما نسميه البوصلة "Compas" الذي ساعد كثيرًا، وما يزال في دقة تحديد الاتجاهات، فالبوصلة المغناطيسية إبرة اكتسبت صفة المغناطيسية وأتيحت لها فرصة التحرك أفقيًّا بحرية كافية لكي تثبت على اتجاه يماثل اتجاه القطبين الشمالي والجنوبي للكرة الأرضية، ذلك أن الكرة الأرضية لديها خاصية مغناطيسية داخلية هائلة كأن بداخلها -في وسطها- قضيبًا مغناطيسيًّا بالغ القوة. وفلز الحديد هو الفلز الذي يقترن دائمًا باستخدام الإبرة المغناطيسية، وبجانب فلز الحديد، فهناك فلزات يمكن أن تكتسب الخاصية الفيرومغناطيسية وهي: الكوبلت، النيكل والسبائك التي يدخلان في تركيبها، كذلك يمكن أن تكتسب هذه الخاصية بعض مركبات المنجنيز والعناصر الأرضية النادرة. ثم أصبح الإنسان بالوسائل العلمية الأكثر تقدمًا التي أحرزها خلال العقود

الأخيرة يستخدم أجهزة مساحية "جيوديسية" تعطيه موقعه على سطح الكرة الأرضية بدقة كبيرة، وأصبح يستخدم أنواعًا من الأشعة، ومنها الآشعة الردارية فتعطيه بيانات الموقع، والاتجاه بكل ما يلزم من تفاصيل بالغة الدقة. مواقع النجوم: لقد وضع الناس لأنفسهم أطوالا تعارفوا على تحديدها، وعلى تسميتها واتفقوا عليها تيسيرًا لتعاملاتهم. ومن أكثر تلك الأطوال استخدامًا: المتر الطولي، وهو يقسم إلى وحدات أصغر منه: السنتيمتر والملليميتر، وفي حالة التناهي في الصغر فهناك وحدة الميكرون، وهي تساوي واحد على ألف من الملليمتر. وعلى الجانب الآخر فهناك وحدة الكيلو متر وهي ألف متر. ومع تقدم العلوم الفلكية فقد احتاج العلماء إلى وحدة لقياس المسافات ما بين الأرض والنجوم، والمجرات والأجرام السماوية بمختلف أبعادها وأحجامها. وجد أنه لا بد من استحداث وحدة للقياس تختلف تمامًا عما ألفه العلماء في قياس المسافات المحدودة، فاستحدثت وحدة السنة الضوئية، إذ عرف أن الضوء يقطع مسافة 186000 ميل في الثانية الواحدة "من الثواني التي تعارف الناس عليها بالتوقيت الأرضي"، وبالتالي فإن المسافة التي يقطعها الضوء في السنة كاملة من سنوات أهل الأرض تكون: حوالي ستة تريليون ميل، أي 9.461× 12 10 كيلومتر. فالمسافة بين الأرض والقمر الذي استطاع الإنسان الوصول إليه ما هي إلا 1.3 ثانية ضوئية، أما المسافة بين الأرض والشمس فهي 8.3 دقيقة ضوئية، والمسافة بين الأرض، وأقرب النجوم إليها "غير الشمس" 4.3 سنة ضوئية، وقد قدرت المسافة ما بين الأرض وبين سديم أندروميد andromeda بطول 2.3 مليون سنة ضوئية وهي مسافة تبلغ 9.461 × 12 10 × 6 2.3 كيلومتر، وإن ما نتقلقاه حاليًا بأجهزة المراصد من أشعة

قادمة من سديم أندروميدا هو في الواقع قد انبعث منها منذ 2.3 مليون عام من أعوامنا الأرضية. وسبحان الذي أقسم بمواقع النجوم وإنه لقسم عظيم، لكي يتبصر البشر مدى قدرة الخالق العظيم: {فَلا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ، وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ} [الواقعة: 75-76] . فتبارك الله صاحب الملكوت الواسع الذي لا يدرك سعته إلا هو سبحانه: {أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ، إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ، فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [يس: 81-83] .

الفصل السادس: الضياء والنار والطاقة

الفصل السادس: الضياء والنار والطاقة الضياء: الضياء الوافد من السماء: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَداً إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَاءٍ أَفَلا تَسْمَعُونَ، قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَداً إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلا تُبْصِرُونَ، وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [القصص: 71-73] . وصدق الله العظيم في قوله: فإن توالي الليل والنهار رحمة بالعباد بما يتناسب مع طبيعة أجسامهم وقدراتهم، ففي الضياء معاشهم وفي الليل سكنهم. ومصدرنا الرئيس للضياء نحن أهل الأرض، ذلك الضياء الذي تدركه حواسنا، هو الشمس، والشمس كتلة نارية من اللهب المتقد المضيء. وقد وصف الله سبحانه وتعالى الشمس بأنها ضياء وبأنها سراج: {وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجاً} [نوح: 16] . {وَجَعَلْنَا سِرَاجاً وَهَّاجاً} [النبأ: 13] . وكانت دقة التعبير القرآني في التفرقة بين الضياء المنبعث في جسم الشمس، وبين النور الذي نحس به منبعثًا من الكتل المظلمة بطبيعتها مثل القمر عند انعكاس

الضياء الواقع عليه، والقمر أهم الأجرام السماوية، بعد الشمس، ارتباطًا بحياة البشر: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُوراً} [يونس: 5] . {وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجاً} [نوح: 16] . {وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجاً وَقَمَراً مُنِيراً} [الفرقان: 61] . ومن نيرات السماء، بجانب الشمس والقمر، ما يصل نورها إلينا من النجوم والكواكب، والنجوم شأنها شأن الشمس مصدر ذاتي للضياء، كما أن الكواكب تعكس قدرًا مما يُصُبّ عليها من الضياء: {وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاءِ بُرُوجاً وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ} [الحجر: 16] . {وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظاً ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ} [فصلت: 12] . {إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ} [الصافات: 6] . ومن مصادر الضياء الذي نشهده في سمائنا الدنيا، ظاهرة الشهب وظاهرة البرق. {يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ} [النور: 43] . إلا أن البرق والشهب لا تعطينا من الضياء إلا لمحة بالغة القصر، حتى صارت الأمثال تذكر "سرعة، البرق". الضياء النابع من مصدر أرضي: رأى الإنسان البدائي الضياء المنبعث من لهب النار من مصادرها الطبيعية، رآه في البراكين وما تحدثه من حرائق فيما يحيط بها من نبات، ورآه في الصواعق حينما تتسبب في حرائق عند انقضاضها على الأشجار. وظل الإنسان على مدى آلاف السنين لا يستطيع الحصول على الضياء إلا مما

يستحدثه من لهب النار، ولقد رأى موسى النار وذهب إلى مصدرها للحصول على قبس منها: {وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى، إِذْ رَأى نَاراً فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَاراً لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدىً} [طه: 9-10] . والواقع أن الإنسان لم يدرك مصدرًا للضياء يستطيع أن يصطنعه بنفسه غير النار، إلا في القرن التاسع عشر الميلادي حينما اكتشف الكهرباء.. فاخترعت المولدات الكهربائية التي تطلق تيارًا كهربائيًّا يمكن استخدامه في عدد من المنافع، ومن ضمن هذه الاستخدامات: الإضاءة الكهربائية، وأبسط صورها المصباح الذي يتكون من قارورة، أو أنبوبة زجاجية بداخلها ذبالة "سلك" من فلز بطيء التأكسد، والمصباح محكم الإغلاق، ومفرغ من الهواء لمنع تأكسد ما به من فلز الذبالة، فعند إمرار تيار كهبائي مناسب في هذه الذبالة تقاوم التيار الكهربي، وتتوهج فينبعث منها الضوء دون أن تحترق، أو تفقد شيئًا من مادتها أو يتغير تركيبها الكيميائي. الله نور السموات والأرض: سبحان الله العظيم الذي شاء كرمه ورحمته بعباده أن يقرّب إلى إدراك العبد المؤمن العادي الوسط في علمه، وفي قدرته على استيعاب البدهيات والمحسوسات، كيف أن الله نور السموات والأرض، فيعطيه مثلًا محسوسًا بسيطًا لا تعقيد فيه: {اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [النور: 35] .

النار: كان الإنسان يحتفظ بجذوة مما تحدثه الطبيعة من نار، يجعلها متقدة دائمًا ومتجدة بما يضيف إليها من حطب، وكان دائمًا حريصًا على ألا تخبو تلك النار، وإلا فلن يستطيع استحداث نار أخرى، ومع المحاولة الدائبة استطاع الإنسان الحصول على النار وقت أن يريد. كان ترويض الإنسان القديم للنار وتمكنه من إيقادها، حدثًا حضاريًّا هامًّا جدًّا للبشرية، فالنار مصدر هام للضوء، يُلجأ إليه في حلكة الليل أو في حلكة الكهوف، والنار مصدر للدفء، بطريق مباشر أو غير مباشر، والنار تطهي الطعام وتجعله مستساغًا قابلًا للهضم، والنار تقي الإنسان من عدوان الكواسر، ووسيلة من وسائل الصيد، كما أنها وسيلة من وسائل العدوان، وفي مراحل متقدمة من الحضارة البشرية تعلم الإنسان أن الطوب المحروق أكثر متانة من الطوب غير المحروق، وحينما عرفت البشرية كيفية استخلاص الفلزات كالنحاس، والحديد من خاماتها ومعادنها، كان ذلك بترويض النار وإزكائها. في قصة موسى عليه السلام حينما رأى نارًا، وكان المكان سيناء، روى القرآن الحكيم أن هذا النبي قصد النار ليأتي بجذوة منه ليستدفئ هو وأهله، وقد يعني هذا أنه لم تكن لديه جذوة من نار ولم تكن لديه وسيلة لإيقاد نار، وكان هدف النبي أيضًا من الذهاب إلى مصدر النار أن يجد من يهديه إلى الطريق. {سَآتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ آتِيكُمْ بِشِهَابٍ قَبَسٍ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ} [النمل: 7] . في المراحل الأولى للحضارة البشرية، تمكن الإنسان من إيقاد النار بإحداث احتكاك شديد، وسريع بين عودين من الحطب الجاف، وكان العرب في جاهليتها

تستخدم عودين جافين، أحدهما من شجر "المرخ"، والآخر من شجر "العفار" حيث أكدت التجربة أنها أكثر استجابة لهذا الغرض، واستمرت بعض القبائل البدائية في أنحاء العالم تستخدم وسيلة احتكاك الأعواد حتى مطلع القرن الحالي، لانقطاعها وعزلتها عن بقية العالم، ولكن العالم انفتح واتصل، وانمحت تلك الوسائل البدائية وأصبحت في عداد التاريخ. ومن الوسائل البدائية أيضًا في إيقاد النار، إحداث شرارة بضرب أحد الأحجار الصلدة بأخرى تماثلها صلادة، وكان الصوان هو الحجر الأكثر صلاحية لهذا الغرض، فكانت تقرب منه عند ضربه بعضًا من عهن الصوف، أو بعض الحشائش الجافة فيلتقط شررها، والمثل القديم يقول: معظم النار من مستصغر الشرر. وعرفت الحضارة البشرية فلز الحديد وشاع استعماله منذ الألف الأخيرة قبل ميلاد المسيح، وللحديد منافع للناس، ومن هذه المنافع أنه يتطاير شرر كثير عند قدح قطة منه بقطعة من الصوان، فيسهل التقاط هذا الشرر للحصول على جذوة النار، والصوان متوافر في أنحاء العالم، فقلما يخلو مكان منه، فهو الحصى والرمال السيليسية. وقد أقسم الله تعالى في سورة العاديات بخيل الجهاد جينما تعدو، فيخرج الشرر بوقع حوافرها التي تكسوها الحدوة الحديدية على حصى الصحراء "وهي حصى سيلسية"، فتكون بمثابة القداحة التي توري الشرر: {وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحاً، فَالْمُورِيَاتِ قَدْحاً} [العاديات: 1-2] . وفي القرون الوسطى حينما اخترع الإنسان المدفع والبندقية، كآلتين للاعتداء والدمار، كان اعتماده في إيقاد شحنة البارود التي يملأ بها مدفعه، أو بندقيته هو "الزناد" ولم يكن هذا الزناد إلا قداحة من قطعة من الحديد تصطدم بها قطعة مسنة الجانب من الصوان.

ويمكن في وقتنا الحاضر إشعال النار بوسائل أخرى أكثر تقدما تكنولوجيا، فيمكن مثلا استخدام عود الثقاب، ويتركب رأس العود من خليط كيميائي يشتعل عند احتكاكه بسطح خشن، ويمكن الحصول على شرارة تشعل النار عندما تسري الكهرباء بين قطبين معدنيين قريبين من بعضهما البعض، وتستخدم هذه الطريقة في تشغيل السيارات، وما إليها من آلات تعتمد على الاحتراق الداخلي. ونار الحريق بالتعريف العلمي عبارة عن تفاعل كيميائي سريع، ومستمر تصحبه حرارة "وقد يصحبه انبعاث شعاع من الضوء"، ويستمر هذا التفاعل ما لم يتدخل مؤثر خارجي لإيقافه، ويستمر إلى الحد الذي تستنزف فيه المادة الداخلة في هذا التفاعل، أو تقترب من الاستنزاف. وفي غالبية الأحيان يكون وجود الأكسيجين شرطًا أساسيًّا لحدوث هذا التفاعل، أما الحرارة التي تنشأ من النار فسببها أن التفاعل الكيميائي هو من النوع الطارد للحرارة exothermic وأما الضوء "في هذه الحالة"، فهو ناتج من اللهب flame وهو الشيء المرئي الذي يصحب النار أحيانًا، وينتج من تسخين حبيبات دقيقة من المادة المشتعلة إلى درجة التوهج incandescence. وفي معاجم اللغة: توصف النار بأنها ذات لهب إذا كان اشتعالها قد خلص من الدخان، وتوصف النار بأنها ضرمت إذا اشتعلت والتهبت، ويقال: إن النار قد أجت وتئِجّ وتؤجّ أجيجا إذا سُمع صوت لهيبها، وإذا لفحت النار شخصًا فقد أصابت وجهه، والرماد هو ما هبا من الحجر فطار دُقاقا، وهو أيضًا الدقاق من الفحم مما يتخلف من حراقة النار، وقد خبت النار وأخباها المخبى إذا أضمدها.

نار جهنم: في سورة المسد، توعد الله سبحانه وتعالى أبا لهب بنار جهنم {سَيَصْلَى نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ} [المسد: 3] . وقد تكرر ذكر النار في محكم الكتاب، تلك النار التي أنذر الله بها من يعذبهم يوم القيامة، 126 مرة، وقال بعض المفسرين: إن هذه النار مقسمة حسب قسوتها إلى سبع دركات، وهي على التوالي في الشدة: جهنم، ثم اللظى، ثم الحطمة، ثم السعير، ثم سقر، ثم الجحيم، ثم الهاوية. جهنم: الكلمة مشتقة من الجهامة وهي قبح الوجه وغلطه: {هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ} [الرحمن: 43] . اللظى: اللهب الخالص، تتلظى: تتوهج وتتقد: {كَلَّا إِنَّهَا لَظَى، نَزَّاعَةً لِلشَّوَى} [المعارج: 15-16] . الحطمة: من الحطم، وهو التدمير: {كَلَّا لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ، وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ، نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ} [الهمزة: 4-6] . السعير: جمر النار، من السعر، وهو حرها وتوقدها: {إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيراً} [الأحزاب: 64] . سقر: {سَأُصْلِيهِ سَقَرَ، وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ، لا تُبْقِي وَلا تَذَرُ، لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ، عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ} [المدثر: 26-30] . الجحيم: من الجحمة، وهي تأجج النار: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ} [المائدة: 10] .

الهاوية: سميت به النار لبعد عمقها ومهواها: {وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ، فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ، وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ، نَارٌ حَامِيَةٌ} [القارعة: 8-11] . وفسرت "أمه" بأنها مأواه، على التشبيه كأنها تتشوق إلى ضمه إلى صدرها كما تتشوق الأم إلى ضم ابنها. ويقينا فإن ما لم يذكر في القرآن الكريم، وفي الأحاديث النبوية صراحة في وصف النار فلا يمكن الاعتداد به، ويقينا فإن وصف النار هو من علم الله، وما على البشر إلا مخافة الله، واتقاء عذاب النار وأهواله. وقد أعطى القرآن الكريم تحديدا لوقود نار يوم الحساب. {فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} [البقرة: 24] . {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} [التحريم: 6] . ويعلم الله وحده نوع الحجارة التي تصلح وقودا لنار يوم الحساب، وقد تكون التماثيل التي عبدها الكافرون. {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ} [الأنبياء: 98] . النار والجان: {وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ} [الرحمن: 15] . {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَأٍ مَسْنُونٍ، وَالْجَانَّ خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نَارِ السَّمُومِ} [الحجر: 26-27] . هكذا خلق الله الجان من نار شديدة الحرارة، وخلق آدم من طين، أما إبليس فقد قال بأفضليته لخلقه من نار وخلق آدم من طين، وكان إبليس ظالمًا لنفسه، ملعونًا من الله العليم الخبير.

{وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ، قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ} [الأعراف: 11-12] . وبرغم طبيعة نشأة الجن من النار، إلا أن من يعصي أمر ربه من الجن، فمآله إلى نار القيامة شأنه العاصين من الإنس: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ} [الأعراف: 179] . وسبحان العالم وحده بطبيعة النار التي يتركب منها خلق الجن، حتى إن العاصين منهم يعذبون يوم القيامة بنار يوم الحساب. الطاقة: المعروف لدى الإنسان نوعان من الطاقة: طاقة مصدرها أشعة الشمس بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، وطاقة مصدرها تركيب كوكب الأرض نفسه. طاقة مصدرها تركيب كوكب الأرض نفسه: لم يفلح البشر حتى الآن في ترويض الطاقة الهائلة التي تطلقها البراكين، فهي طاقة غير منتظمة، فثورة البركان قد تحدث بتمهيد قصير لا يتيح فرصة للإعداد للاستفادة من الطاقة المنطلقة منه، وحين يثور البركان فهي ثورة جبارة قد تكون أقوى من أي محاولة للترويض، إذ من الصعب التنبؤ بمدى قوة الثوران، وحين تهدأ ثورة البركان، فمن الصعب إعطاء احتمال لموعد الثورة التالية. وهناك ظواهر أخرى شبيهة بالبركانية، منها الفوارات الحارة Gaysers. فالفوارات هي فوهات في الأرض تقذف مياها ساخنة باندفاع شديد على فترات

منتظمة، وسبب انفجار الفوارة هو تسرب المياه إلى صخور مدفونة ما زالت محتفظة بدرجة حرارة عالية، فترتفع حرارة الماء بملامسته لتلك الصخور الساخنة، وقد تبلغ حرارة الماء فوق درجة الغليان فيفور ويندفع بقوة من فوهة الفوارة، وأشهر الفوارات موجودة في دولة آيسلاندا، الواقعة شمال المحيط الأطلسي، وهناك يستفاد بالفوارات في التدفئة وفي إدارة بعض المراجل البخارية وفي توليد الكهرباء، وتوجد فوارات هامة في جزر نيوزيلندا الواقعة جنوبي شرق قارة أستراليا، يستفاد منها على نفس نمط ما يحدث في آيسلاندا. ويطلق على الطالقة التي يمكن استخراجها من الحرارة الكامنة تحت سطح الأرض، تلك الحرارة التي تزيد بالعمق بمعدل درجة واحدة مئوية لكل 30 مترًا الطاقة الجيوحرارية gothermal energy، والإمكانيات المحتملة لهذه الطاقة الكامنة، إمكانيات ضخمة جدًّا من الناحية النظرية، ففي تقدير بعض العلماء المتخصصين، يمكن نظريًّا تقدير الطاقة الكامنة في رقعة من الأرض مساحتها كيلو متر مربع وإلى عمق 7500 متر بمقدار 7500 ميجاوات، وهناك مسيرة طويلة على العلم أن يقطعها قبل أن يتمكن من الاستفادة بهذه الطاقة الكامنة بوسائل عملية تطبيقية مقبولة. أما الطاقة الذرية فقد أمكن إطلاقها تحت السيطرة عليها في منتصف القرن الحالي، وللأسف فقد كان أول استخدام للطاقة الناتجة من تحطيم الذرة عام 1945 على هيئة قنبلة ذرية استخدمت للتدمير، والقنبلة الذرية بحجم قنبلة عام 1945 تعادل ما ينشأ من انفجار 20-30 ألف طن من الديناميت، والحرارة المنبعثة من قنبلة بهذا الحجم تكفي لتبخير كمية من ماء البحر حجمها لا يقل عن 50 ألف متر مكعب. وقد تحول تحطيم الذرة إلى الاتجاه السلمي منذ ذلك الحين في إقامة محطات لتوليد حرارة يمكن تحويلها إلى طاقة كهربائية، وانتشرت المحطات الذرية في عدد كبير

من الدول الصناعية، وينظر إليها على أنها المصدر المأمول للمستقبل للحصول على طاقة لا تلوث البيئة. طاقة مصدرها آشعة الشمس: لأشعة الشمس تأثير بالغ على قشرة الأرض، فللشمس إشعاعات تصل إلى الأرض يعزى إليها إليها حركة الرياح، وحركة المياه والدورة المائية بصفة عامة، فهناك طاقة يمكن توليدها من سرعة جريان المياه. وهناك طاقة يمكن توليدها من سرعة الرياح، كما أن هناك طاقة يمكن توليدها من آشعة الشمس مباشرة. ولأشعة الشمس تأثير على الحياة من خلال تكوين مادة اليخضور "الكلوروفيل"، فتنتقل طاقة الشمس إلى جسم النبات بعملية التمثيل الضوئي، إذ تمتص خلاياه المحتوية على المادة الخضراء في النبات "الكلوروفيل" ثاني أكسيد الكربون من الجو، وبتفاعل هذا الغاز مع الماء الذي يمتصه النبات تنتج المواد "الكربوهيدراتية" بتأثير الطاقة المستمدة من ضوء الشمس، ومن ثم يتكون الخشب الذي يتركب أساسًا من مركبات كيميائية محتوية على عناصر الكربون، والهيدروجين والأكجسين، ومن هذا الخشب يتكون الفحم النباتي المستعمل في الوقود، إذ بإحراق هذا الفحم تنطلق الطاقة المدخرة فيه، وما الفحم الحجري إلا نباتات، وأشجار نشأت ونمت ثم دفنت بطريقة ما، وتحولت بالتحلل الجزئي على مدى ملايين السنين إلى الفحم الحجري تحت تأثير فعل العوامل الجيولوجية من حرارة وضغط وغيرها.

الفصل السابع: ما ينفع الناس

الفصل السابع: ما ينفع الناس أ- الحياة على الأرض قبل الإنسان: شاءت إرادة الله أن يستقل كوكب الأرض وأن يبرد سطحه في قشرة يغطي معظمها مساحات من الماء، وأن تبرز باقي القشرة أعلى من سطح الماء وتعرف باليابسة. ثم شاءت إرادة الله أن تكون هناك "حياة" على ظهر هذا الكوكب، حياة كما ندركها ونفهمها ونحسها نحن البشر، وتهيأت ظروف مواتية لظهور الحياة، أهمها آشعة الشمس، والماء، والهواء، وعناصر مستمدة من تربة الأرض، ودرجات حرارة مناسبة. {وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ} [الأنبياء: 30] . والحياة من الأسرار الإلهية، لا ندرك كنهها، ولكننا نبحث في ظواهرها وفي كيفية أداء وظائفها، وأيا كانت الحياة: نباتية أو حيوانية، بدائية أو راقية، فهناك دائمًا صفات مشتركة بينها: - التغذية. - النمو.

- التكاثر. - الموت. نشأت الكائنات الحية في أبسط صورها من خلية حية واحدة، وتكونت الطحالب والفطر والبكتريا، وتميز النبات بوجود جسيمات اليخضور "الكلوروفيل" في خلاياه، وعن طريق الكلوروفيل يستطيع النبات في وجود أشعة الشمس إحداث التخليق الضوئي Photosynthesis، فمن الماء وثاني أكسيد الكربون، وبعض العناصر والأملاح الذائبة في الماء يبني النبات مركبات عضوية، كربومائيات وزيوت وأحماض أمينية، ويقول علماء النبات: إن الضوء الذي يقع على 100 سنتيمتر مربع من سطح ورق النبات يكفي في الظروف المواتية لكي يصنع 10-15 مليجرام من السكر في الساعة الواحدة، فالنبات يستطيع أن يختزن الطاقة في صورة مركبات عضوية. ويقول علماء النبات وعلماء الحفريات النباتية: إن أول ظهور الحياة النباتية كان في الماء قبل أن يوجد على اليابسة، وما زالت مياه المحيطات والبحار تعج بأنواع لا حد لها من النباتات وبكميات هائلة، وهي غذاء الأحياء المائية من أسماك وغيرها، فعند ظهور الحيوانات على سطح هذا الكوكب كان غذاؤه النباتي حاضرًا. من خلال دراسة الحفريات النباتية والحفريات الحيوانية، ودراسة الصخور المحيطة بتلك الحفريات، أمكن للعلماء المتخصصين في الصخور والنبات والحيوان أن يعطوا للبشرية تاريخًا لظهور أنواع من النبات والحيوان، وتاريخها لازدهارها، وتاريخًا لانقراضها، أو استمرارها أو تطور تركيبها التشريحي. خلال حقب الحياة القديمة "الباليوزوي" كانت البحار واليابسة مرتعًا لأنواع من

الحياة تختلف كل الاختلاف عن الكائنات الحية التي تعمر وجه الأرض حاليًا، فمن الحيوانات البدائية التي عاشت واندثرت قبل انقضاء ذلك الحقب، حيوان الجرابتوليت وحيوان التريليوبيت، وهي حيوانات بحرية دقيقة الحجم، وظهرت من أنواع وأجناس الشعاب المرجانية، والحيوانات المحارية ما انقرض قبل انقضاء ذلك الحقب، وظهرت أولى الحيوانات الفقارية، وهي أسماك لم تكن هياكلها العظمية قد تعظمت تمامًا، فكانت لها درقة خارجية تعاون في وقايتها وتقوية هيكلها، وقرب نهاية الحقب، ظهرت الحيوانات البرمائية Amphibia التي لها القدرة على الجمع بين الحياة البرية والحياة البحرية. وظهرت من المملكة النباتية أنواع بحرية دنيئة في بداية هذا الحقب، ولم تظهر الأنواع البرية إلا بعد مرور فترة جيولوجية طويلة من هذا الحقب، وكانت تلك النباتات البرية من الأنواع البدائية الخفية التوالد Cryptogams وانتشرت انتشارًا كبيرًا في مناطق من اليابسة، ومنها ما تحول إلى طبقات من الفحم تحت ظروف ملائمة في السهول، والمستنقعات ودلتات الأنهار التي كانت موجودة وقتئذ، ومن أشهر الأشجار التي تكونت منها طبقات الفحم نباتات السرخسيات واللبيدردندرن والسجيلاريا. وانتهى حقب الحياة القديمة الذي لم يكن فيه استقرار، بل تعرض لحركات أرضية عنيفة وأنشطة بركانية، وهذا ما عجل بانتهاء هذا الحقب وعلى انقراض عدد من أحيائه الحيوانية والنباتية. وكانت فترة دوام حقب الحياة الوسطى "الميزوزوي" فترة هدوء نسبي من الناحية الجيولوجية.. ومن الحيوانات البحرية المحارية الرخوة التي ازدهرت خلال هذا الحقب

واندثرت قبل انتهائه حيوان الأمونيت وحيوان البلمنيت، وظهور أنواع من الشعاب المرجانية لم تكن معروفة من قبل، وكثرت القنافد البحرية وأنواع من الحيوانات المحارية الرخوة وظهرت أسماك عمودها الفقري كامل التعظم، ويغطي أجسامها قشور قابلة للإنثناء لا تعوق حرية الحركة، وكثرت أعداد الحشرات وتعددت أنواعها. وظهرت الزواحف reptiles وانتشرت، وبلغ بعضها أحجامًا عظيمة كما يؤكدها ما يعثر عليه من بقايا هياكلها العظيمة المتحجرة، حتى يقال: إنه كان لها السيادة على الأرض فترة من الزمن، ومن الزواحف ما كان يعيش في الماء، ومنها ما كان يعيش على اليابسة ومنها برمائيات، ومن الزواحف ما كان يستطيع الطيران. من الزواحف المائية حيوان الإكثيوسور الذي كان يجمع بين صفات الأسماك والزواحف، وحيوان البليزيوسور الذي كان يشبه السحالي، أما الزواحف الأرضية فقد بلغ بعضها أحجامًا كبيرة، منها حيوان الأجيوانودون الذي كان يشبه حيوان الكانجارو القنغر الحالي، والذي كان طوله يصل إلى عشرة أمتار وطول ذيله وحده حوالي خمسة أمتار، وحيوان البرنتوسور الذي كان طوله يصل إلى نحو 16 مترًا، وحيوان الديبلودوكس الذي كان طوله يصل إلى ثلاثين مترًا، وارتفاعه يصل إلى ستة أمتار، أما البرمائيات الطائرة فكانت في تركيبها أشبه بالخفاش المعروف حاليًا، وكانت تستطيع الطيران بواسطة غشاء جلدي يمتد ما بين أصابع اليد إلى جسم الحيوان، فكان بذلك يشبه الجناح. وفي أواخر الحقب الأوسط ظهرت أنواع من الطيور ذات أسنان حادة، وبدأ كذلك ظهور أول صور الثدييات، وكان يشبه حيوان الكانجارو في كونه يحمل صغاره في كيس متدل من البطن.

وفي مجال المملكة النباتية، قل انتشار النباتات غير المزهرة التي كانت سائدة خلال الحقب السابق، وكان الانتشار للأشجار العملاقة من نوع المخروطيات، وفي أواخر هذا الحقب بدأ ظهور النباتات الزهرية في أبسط صورها، ومنها أنواع النخيل. ويأتي حقب الحياة الحديثة "الكاينوزوي"، وخلاله توالى ظهور فصائل وأسر وأجناس من المملكتين النباتية، والحيوانية تقترب أكثر فأكثر في صفاتها مما نعهده ونعايشه حاليًا من نبات وحيوان، أما رخويات الأمونيت والبلمينت فقد انقرضت، وانقرضت أيضًا الزواحف الكبرى الهائلة الأحجام التي كانت متفوقة خلال الحقب السابق على كل ما عداها من حيوانات. من الحيوانات البحرية التي انتشرت خلال الجزء الأول من حقب الحياة الحديثة رخويات ذات هيكل جيري أهمها حيوان النيوميوليت، وتعددت أنواع الرخويات الأخرى ذات المحارات المزدوجة والمحارات الملتوية، وتعددت أنواع الأسماك وانتشرت الحشرات انتشارًا كبيرًا، ومن بينها النمل والنحل والبعوض والفراش، ومن أسباب انتشار تلك الحشرات، انتشار النباتات الزهرية في كافة الظروف المناخية على اليابسة، وأصبحت البرمائيات والزواحف قريبة الشبه بما نراه حاليًا من الساحلي، والثعابين والسلاحف والتماسيح، وانتشرت الطيور الخالية من الأسنان بعد اندثار الطيور ذات الأسنان. أما الحيوانات الثديية Mammals فقد توالى منها ظهور أنواع تلو الأخرى، الواحد أكثر تقدمًا من الناحية التشريحية عما سبق ظهوره، فظهرت الأبقاء والحمير والخيل، وظهرت القردة التي أودع فيها من الصفات التشريحية، والعقلية ما يفوق سائر تلك الثدييات.

ووصلت المملكة النباتية إلى قمة الرقي بانتشار النباتات الزهرية، وتنوعت النباتات الحولية والأشجار المعمرة، وتنوعت الثمار والفاكهة. ب- سكنى الإنسان للأرض: حينما أمر الله أن يسكن الإنسان الأرض، كانت الأرض عامرة بالحياة النباتية والحياة الحيوانية. وقد وصف الله المملكة الحيوانية بأنها أمم. {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ} [الأنعام: 38] . ووصف الخالق المملكة النباتية بالتوازن، وبأن النبات أزواج، وبأن الثمرات صنوان وغير صنوان: {وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ} [الحجر: 19] . {وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَاراً وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ، وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} [الرعد: 3-4] . تلك كانت حالة الأرض بسكانها ومواردها المتاحة حين عمرها الإنسان. وهناك نقاش كثير وجدل حاد حول ظهور الإنسان على ظهر هذا الكوكب، يدور هذا النقاش وهذا الجدل منذ ما يزيد على قرن من الزمان، وتصل بعض الآراء

التي يتقدم بها أصحابها في هذا المجال إلى حد الإسفاف، واللا معقول والتخمين غير المنطقي، ويرجع هذا إلى عدم توافر شواهد ومعلومات لإلقاء ضوء كاف يهدي ويزيل الشبهات. ونحن هنا، ننحي هذا الحديث جانبًا ولا نخوض فيه، متى جاء الإنسان؟ وأين استقر على ظهر هذا الكوكب؟ وكيف كان مظهره؟ كلها أسئلة، إجابتها غير معروفة يقينًا من وجهة نظر البحث العلمي لبني آدم الذين يعيشون في الوقت الحاضر. كل ما يهمنا تأكيده هو أن آدم وحواء والإنسان عامة مخلوق عاقل، ومكلف وحامل للأمانة، وشاءت إرادة الله أن ينتشر بنو آدم في أنحاء الأرض، ويصيروا شعوبًا وقبائل. {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً} [المائدة: 48] . {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} [الحجرات: 13] . {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيراً} [الفرقان: 54] . جـ- خلق الإنسان: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ} [الروم: 20] . {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ} [المؤمنون: 12] .

{إِنِّي خَالِقٌ بَشَراً مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَأٍ مَسْنُونٍ} [الحجر: 28] . {خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ} [الرحمن: 14] . والتراب والطين والصلصال والحمأ المسنون، كلها مادة الأرض. {وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَبَاتاً} [نوح: 17] . والصلصال كل ما جف من الطين، ولم يحرق لجعله خزفًا وفخارًا والحمأ المسنون هو الطين الأسود المنتن. فما هو تركيب تربة الأرض التي منها يخلق الله البشر؟ هناك اجتهادات لإعطاء تحليل متوسط لما يمكن أن يطلق عليه تربة الأرض، والجدول التالي يعطي أحد تلك الاجتهادات. العنصر ... % ... العنصر ... % أكسجين سليكون ألومنيوم حديد كالسيوم صوديوم ... 47.00 28.00 7.90 4.50 3.50 2.50 ... بوتاسيوم ماغنسيوم تيتانيوم هيدروجين كربون عناصر أخرى ... 2.50 2.20 0.46 0.22 0.19 0.13 ومن العناصر الموجودة في التربة الأرضية يدخل 24 عنصرًا في تركيب الجسم

البشري بصفة أساسية، ويقسم علماء وظائف الأعضاء هذه العناصر إلى ثلاث مجموعات. - المجموعة الأولى تضم 6 عناصر تكون 99.55% من تركيب بروتوبلازم خلية الجسم البشري: العنصر ... % ... العنصر ... % ... العنصر ... % هيدروجين اكسجين ... 62.90 25.48 ... كربون نيتروجين ... 9.50 1.40 ... فوسفور كبريت ... 0.22 0.05 - المجموعة الثانية تضم 5 عناصر توجد بنسب منخفضة، ولكنها هامة جدًّا في الخلية البشرية. العنصر ... % ... العنصر ... % ... العنصر ... % كالسيوم ... 0.31 ... بوتاسيوم صوديوم ... 0.06 0.03 ... كلور ماغنسيوم ... 0.03 0.01 - المجموعة الثالثة تضم 13 عنصرًا موجودة بنسبة طفيفة لا تتجاوز في مجموعها 0.01% من وزن الخلية البشرية، ولكنها عناصر حيوية لأداء وظائف أعضاء الجسم البشري، وهذه العناصر هي: الحديد، النحاس، الزنك، الكوبلت، الكروميوم، السيلينيوم، الموليبدينم، السليكون، القصدير، الفاناديوم، الفلورين، اليود. حقًّا إن الله قد أنبت الإنسان من الأرض نباتًا. ومن طريف ما ذكره أحد الأطباء، أنه لو جئنا بإنسان وزنه حوالي 65 كيلو جرامًا

لوجدنا بدنه يحتوي على قدر من المواد تكفي لصناعة بعض المنتجات على النحو التالي: - دهن يكفي لصنع 7 قطع من الصابون. - كربون يكفي لصنع 7 أقلام رصاص. - فوسفور يكفي لصنع رءوس 120 عود ثقاب. - ملح الماغنيسوم يصلح جرعة واحدة لأحد المسهلات. - حديد يكفي لعمل مسمار متوسط الحجم. - جير يكفي لتبييض بيت للدجاج. - كبريت يطهر جلد جواد واحد من البراغيث التي تسكن شعره. - ماء يملأ برميلًا سعته عشرة جالونات. وتلك هي قيمة الجسم البشري المادية!!. وبحكم التركيب العضوي للآدمي فهو يحتاج إلى مقومات أساسية لحياته، يحتاج إلى الهواء لتنفسه، ويحتاج إلى الماء وإلى الطعام، وهو لا يستطيع أن يعيش إلا في ظروف مناخية معينة، فهو لا يستطيع أن يعيش في مناخ بالغ الحرارة أو بالغ البرودة، إلا إذا اتخذ وسائل يصطنعها ليحجب بدنه عن درجات الحرارة البالغة الارتفاع أو البالغة البرودة، فالملبس مثلًا وقاية له من غائلة التطرف الحراري ارتفاعًا أو انخفاضًا. وحينما ينعم الله على عباده فهو يهبهم: المشرب والمأكل والملبس والجو المناسب، وفوق كل هذا يهبهم الأمان من غائلة الخوف.

{فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ، الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ} [قريش: 3-4] . والله يعد المؤمنين بكل هذا في نعيم الآخرة، وينذر العاصين عكس ذلك عذابًا في الآخرة: {إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلا تَعْرَى، وَأَنَّكَ لا تَظْمَأُ فِيهَا وَلا تَضْحَى} [طه: 118-119] . فلن يصيبك في الجنة جوع ولا عري، ولا عطش ولن تتعرض فيها لحرّ لافح من الشمس. {مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ لا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْساً وَلا زَمْهَرِيراً} [الإنسان: 13] . فالحرارة الشديدة والبرودة الشديدة هما ما يعاني منهما الإنسان في الحياة الدنيا ويتوقاهما، وإلا هلك: {ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ} [ص: 42] . {قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ} [الأنبياء: 69] . أما العاصون، فهم في الآخرة يعانون من الحرارة وشرب الماء الحار: {وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ، لا بَارِدٍ وَلا كَرِيمٍ} [الواقعة: 43-44] . {لا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْداً وَلا شَرَاباً، إِلَّا حَمِيماً وَغَسَّاقاً} [النبأ: 24-25] .

د- الإنسان والنمو الحضاري: {قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ} [العنكبوت: 20] . بعد أن مررنا عبر الأزمان الجيولوجية، وحسبناها بمئات وعشرات الملايين من السنين، نتمهل ونبطئ الخطى لنمر عبر الحضارة البشرية منذ أن عمر الإنسان كوكب الأرض، فهنا تحسب الأزمان بآلاف السنين وبمئات السنين. يقسم علماء الحضارة البشرية سجلهم بزمنين رئيسين هما: ما قبل التاريخ، وما بعد التاريخ، ويضع هذا التقسيم فاصلا هامًّا لحضارة البشرية حينما استطاع الإنسان أن يعبر عن نفسه بالكتابة، فيحفظ تاريخه لكل من يستطيع قراءته ممن يجيئون بعد ذلك من البشر. وتترواح الأمم في القديم، في السبق صعودًا لدرجات الحضارة، فبعضها قد سبق بآلاف السنين، ومن أقدم ما عرفه الإنسان من حضارات، تلك التي نشأت على ضفاف الأنهار في مصر والعراق والهند والصين. قسم علماء الحضارة البشرية أزمان ما قبل التاريخ إلى ثلاث مراحل حضارية متدرجة في رقيها: - حضارة العصر الحجري القديم "الباليوليثي" التي استغرقت زمنًا طويلًا يختلف في تحديده الباحثون اختلافًا بيِّنًا، وأشد ما يكون الاختلاف هو في تقدير متى بدأ هذا العصر، أما متى انتهى هذا العصر فهناك اتفاق على أنه انتهى منذ حوالي 10 آلاف عام قبل الميلاد.

- حضارة العصر الحجري المتوسط "الميزوليثي"، ومدتها قصيرة نسبيًا تنحصر في الفترة ما بين عامي 10000-8000 قبل الميلاد. - حضارة العصر الحجري الحديث "النيوليثي" التي ترجع للفترة ما بين عامي 8000-5000 قبل الميلاد. واستخدم الإنسان الحجر في صناعة أدوات سلمه وأدوات حربه، فكان ينتقي الأحجار الشديدة الصلابة، وكان الصوان أكثر أنواع الأحجار ملائمة لاستخدماته، فالصوان واسع الانتشار، يوجد في الطبيعة في كتل ذات أحجام مناسبة، وهو حجر متماسك شديد المقاومة، وهو يمكن تشظيته وجعله مسننًا حسب الأغراض المطلوب لها هذه التشظية. وتطورت الأدوات الحجرية من كتل في حجم قبضة اليد قليلة التشكيل إلى أدوات متخصصة أصغر حجمًا، وأدق صنعًا وأكثر تخصصًا. وكان الإنسان في الأزمنة الأولى هائمًا في الأرض خلف صيده، ثم تعلم الاستقرار مع قدرته على استئناس بعض الحيوانات، ومع قدرته على الزراعة، وعرف النار واستأنسها وسخرها لطهو طعامه وللحصول على الدفء، واستخدم الجلود ملبسًا، ثم غزل من شعر الحيوان وصنع منه ملبسًا، ثم حصل على خيوط من بعض النبات وصنع منها ملبسًا. وسكن الإنسان البدائي الكهف واحتمى بأكوام غير منتظمة من الأحجار، ثم تعلم أن يبني من الأحجار بعد أن يقتطعها ويذهبها، ثم تعلم أن يبني بالطوب الذي يصنعه من تراب الأرض.

وفي أواخر العصر الحجري الحديث اكتشف الذهب، والنحاس الموجودين في الطبيعة في صورتهما الفلزية، واستخدمهما باعتزاز كبير لندرتهما، ولقيمتهما الجمالية. ثم عرف الإنسان في نهاية العصر الحجري الحديث كيف يحصل على فلز النحاس باستخدام النار في صهر أملاح النحاس الخضراء والزرقاء، فكان هذا أول ممارسة عملية لعلم "الميتاليرجي Metallurgy" وقد عرفت هذه المرحلة الحضارية بالمرحلة الكالكوليثية chalcolithic وهي التي جمع فيها الإنسان بين استخدامه للأدوات الحجرية، واستخدامه للأدوات النحاسية التي استخلصها من خاماتها. ثم دخلت البشرية أزمان الحضارات المسجلة بالكتابة، وهي لذلك تسمى الحضارات التاريخية، فتعددت الخامات التي استخدمها الإنسان من أحجار الأرض ومعادنها، وتعددت منتجاته الزراعية وتحسنت طرق الزراعة والري. وصارت على الأرض أمم، لكل واحدة كيان اجتماعي واقتصادي، وصفات مترابطة في اللغة والعادات والدين، وأصبح داخل كل أمة تخصص في إنتاج السلع وفي تبادلها، وكان التبادل التجاري مقتصرًا على تبادل السلع، سلعة بسلعة، ثم اتفق على جعل المال وسيلة للتبادل التجاري، وهنا ازدادت أهمية الذهب والفضة، وإلى حد ما النحاس، وهي المواد التي وجدت الأكثر صلاحية للاستخدام كنقود. وما أن عرف الإنسان استخلاص فلز النحاس من خاماته بالصهر حتى بحث عن معادن أخرى ليعالجها بمقدار ما حصل عليه من معرفة، وهكذا استطاع أن يستخلص الرصاص والفضة من معادنهما، واستلخص القصدير منذ حوالي 3 آلاف عام قبل

الميلاد، وكان هذا إيذانًا بمعرفة سبيكة البرونز، ثم استطاع تحسين أفران الصهر للوصول إلى درجات حرارة أعلى مما كان عليه سابقًا، وبذلك استطاع استخلاص فلز الحديد منذ حوالي 2700 عام قبل الميلاد، واستطاع أن يصب الفلز وهو في حالة سائلة في قوالب تتلائم مع احتياجاته، وحفز انتاج الفلز نشاط الاستكشاف والبحث عن مصادر الخامات المعدنية، ونتج عن هذا ازدهار تجارة متخصصة في الخامات المعدنية، أو كتل الفلزات غير المصنعة أو أدوات مصنعة من الفلزات، وأفاضت هذه الصناعة والتجارة المتعلقة بها رخاء على مراكز الإنتاج وعلى مراكز تجارتها، وكان إنتاج الفلزات وتصنيعها قوة ومنعة للدول التي تقوم بها. وحينما جاء الإسلام على يد رسول النور والهدى، كان العالم قد نال قسطًا من الحضارة، وقطع شوطًا في طريق المعرفة والتقنية، وحينما خاطب القرآن الكريم أهل الأرض وقتئذ ذكر لهم أشياء يعرفونها، ويرونها أو يسمعون بها ويعقلونها، وضرب الله في قرآنه المجيد أمثالًا للناس ليقرب إلى إدراكهم أشياء من الغيبيات مما يصعب على عامتهم استيعابها إلا بهذه الوسيلة. والقرآن الكريم صالح لكل زمان ومكان، فمنذ نزوله على العباد، لم تتوقف مسيرة المعرفة، وظلت هذه المسيرة بطيئة الخطى طوال الألف عام التي تلت نزول القرآن الكريم، ثم أسرعت خطى العلم التجريبي بدرجات مضاعفة إلى أن أصبحت تلك الخطى عدوًّا يأخذ بالأنفاس خلال القرن العشرين بعد الميلاد، وفي كل ما توصل إليه العلم الحديث من نتائج مبهرة، يبقى ما ورد في القرآن الكريم شاهدًا ومصدقًا، وداعيًا إلى الإيمان من خلال ما أفاء الله به على عباده من علم، وما يدعو إليه الحق من المزيد من العلم.

لقد كانت مشيئة الله أن يعمر بنو آدم الأرض، وأن تكون لهم السيادة على سائر مخلوقات الله التي تسكن الأرض، تلك التي تسكن على سطحها والتي توجد تحت سطحها، تلك المخلوقات الحية وغير الحية مما يراه الإنسان أو تعيه حواسه، أما غير ذلك من مخلوقات الله مما لا يراها الإنسان أو تعيها حواسها فعلمها عند ربها، وتخرج عن دائرة سيادة الإنسان عليها. هـ- الماء في خدمة البشر: تأتي أهمية الماء لحياة البشر لعدة أسباب: - الماؤ حيوي لبناء جسمه واستمراره في الحياة. - استخدام الماء لنظافته ونظافة بيئته ولأغراضه الصناعية. - استخدام الماء في الزراعة. - مياه البحار والأنهار والبحيرات مصدر للأسماك وغيرها من الأحياء، ومصدر لبعض المواد غير الحية، تلك المصادر التي يتخذ منها البشر غذاء، ودواء، وحلية. - المراكب فوق الرقع المائية وسيلة لنقل العباد والبضائع. إن الحصول على الماء السائغ شرابه هو هدف حيوي للبشر، فما هي مواصفات الماء السائغ شرابه؟ {هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ} [فاطر: 12] . إن ماء المطر هو أنقى صورة من صوره في الطبيعة، وأثناء نزول المطر، أحيانًا ما

تجلب حبات المطر ما يكون متعلقًا في الهواء من ذرات ترابية أو رماد بركاني، وقد تجلب أيضًا بعض ما في الجو من غازات مثل ثاني أكسيد الكربون، أو أي غازات أخرى حمضية، وكلها يجلبها المطر بنسب طفيفة لا تكاد تذكر، ولا يكاد يحس بها البشر، إذ يمكن القول بصفة عامة أن ماء المطر يكون سائغًا للشراب قبل أن يجري فوق أو تحت سطح الأرض. هناك شروط صحية تضعها الدول، وتسن بها قوانين لصلاحية الماء للشرب من الناحية "البكتريولوجية"، وتلزم بها الجهات المسئولة عن إمداد الناس بمياه الشرب، وتقوم الدول بالرقابة على سلامة مياه الشرب وخلوها من المواد العضوية الضارة، من خلال التحاليل الكيميائية في معامل متخصصة. قد يتوقف جريان الماء أو يضعف هذا الجريان، فإذا ألقيت في هذا الماء بقايا مواد نباتية أو حيوانية، تعفنت هذه المواد العضوية وتوالدت الفطريات، والباكتريا ومختلف الكائنات الدقيقة، ويصبح هذا الماء آنسا، والماء الآسن ماء نتن الرائحة لا يصلح للشرب. {مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ} [محمد: 15] . هذا من الناحية العضوية، أما من ناحية وجود أملاح غير عضوية ذائبة في الماء، فهناك مواصفات صحية لصلاحية الماء للشرب، فهناك حدود قصوى لوجود الأملاح، على ذلك قسمت صلاحية الماء للشرب إلى: - ماء يحتوي على أملاح ذائبة أقل من 150 جزء في المليون، وهو ماء سائغ قليل الملوحة.

- ماء يحتوي على أملاح ذائبة تتراوح ما بين 150-500 جزء في المليون، وهو ماء سائغ متوسط الملوحة، يمكن استخدامه في الشرب، والطهي بشرط خلوه من أملاح العناصر الفلزية الثقيلة، ومن أملاح المنجنيز وأمثالها من الأملاح السامة، وأن لا تتجاوز نسبة الحديد 1.5 جزء في المليون. - ماء يحتوي على أملاح ذائبة تتراوح ما بين 500-2000 جزء في المليون، وهو ماء كثير الملوحة ولا يصلح للشرب الآدمي إلا في لحظات الاضطرار، ولفترة قصيرة وإلا أصابت أجهزة الجسم البشري أضرار وظيفية. - ماء يحتوي على أملاح ذائبة تزيد عن 2000 جزء في المليون، ويصنف بأنه غير صالح للشرب. وهناك حدود قصوى لصلاحية الماء للشرب من ناحية حموضته وقلويته، وحيث إن الماء خالي من أي شوائب هو ماء متعادل وله رقم7، فإن أقصى قلوية لماء صالح للشرب هو رقم 8.5، كذلك فإن أقصى حامضية لماء صالح للشرب هو رقم6. فمن أين يحصل البشر على الماء السائغ للشراب؟. يحصلون على هذا الماء من النهر ومن الغدير ومن الوادي عندما يسيل عقب هطول الأمطار، وكلها مياه جارية، ويحصل عليها من البحيرة التي يتجدد ماءها ولا تتراكم فيها الأملاح الذائبة، ومن أمثلتها بحيرة فكتوريا، وبعض البحيرات المحيطة بها في أواسط أفريقيا. وفي القرآن الكريم ذكر الماء الذي يخرج من بين ثنايا الحجر:

{ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ} [البقرة: 74] . {وَإِذِ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ} [البقرة: 60] . وكل ما ذكرنا من مصادر للمياه هي مصادر متجددة موسميًّا، وهناك ماء جوفي قد انحبس في طبقات من الصخور خلال زمن أو آخر من الأعمار الجيولوجية، ويبقى هذا الماء حبيسًا إلى أن يعرف وجوده بالوسائل الجيوفيزيقية، فإذا ثبت صلاحيته للاستخدام سواء لأغراض الشرب أو للأغراض الزراعية أو الصناعية، وأريد استخراج جزء منه فإنه يؤخذ في الحسبان أن هذا الماء غير متجدد، وهنا يلزم الحذر في حساب سحب هذا الماء حتى لا يستنزف، وحتى تكون فائدته في نطاق الاستخدام الأمثل. وقد عنّ لبعض رجال الأعمال من ذوي الخيال الواسع أن يقيموا مشروعًا مبتكرًا للحصول على ماء عذب من مصدر غير تقليدي. ذلك مع الأزمة العالمية التي بدأت تظهر خلال العقدين الأخيرين من القرن العشرين في مصادر المياه العذبة اللازمة لمناطق من اليابسة تعاني من الجفاف، وتحتاج إلى الماء احتياجًا ملحًّا يزيد إلحاحه مع الزيادة في تعداد السكان في تلك المناطق، فقد وضع رجال الأعمال هؤلاء مشروعًا لسحب كتل مناسبة من الجبال الجليدية الهائمة في المنطقتين القطبيتين، إلى سواحل المناطق المراد نقل الماء إليها، ودرست النواحي الفنية: وسائل جذب كتل الجليد، وكيفية تغليفها لتقليل الفاقد منها أثناء النقل، وكيفية تحويل الجليد إلى ماء سائل في أماكن الوصول، وكيفية ضخه إلى اليابسة، ودرست النواحي الاقتصادية للتكاليف والعائد، وتبين أن هناك عقبات فنية عويصة، وظهرت شكوك في الجدوى

الاقتصادية، كما عارض المشروع علماء متخصصون في الدراسات البيئية، وأعلنوا مخاوفهم من إحداث حالة من "عدم التوازن" في كمية الجليد المختزنة في القطبين بما لا يمكن التكهن بعواقبه، فتوقف المشروع. ويلجأ العلم الحديث للحصول على مياه سائغة، إلى تقطير مياه البحار Distillation، وهي عملية تعرف بتحلية مياه البحار. وتستخدم هذه الوسيلة على نطاق واسع على الشواطئ المحيطة بشبه الجزيرة العربية، وفي غيرها من مناطق لها ظروف مماثلة. و النبات في خدمة البشر: {فَلْيَنْظُرِ الْأِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ، أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبّاً، ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقّاً، فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبّاً، وَعِنَباً وَقَضْباً، وَزَيْتُوناً وَنَخْلاً، وَحَدَائِقَ غُلْباً، وَفَاكِهَةً وَأَبّاً، مَتَاعاً لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ} [عبس: 24-32] . النبات طعام البشر وطعام الأنعام، فالنبات طعام للبشر بصورة مباشرة، وبصورة غير مباشرة حينما يأكل ما أحل الله له من حيوان البر وحيوان البحر. جعل الله في النبات جمالًا وبهجة يشعر بها البشر، وجعلها الله زخرفًا وزينة. {وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ} [ق: 7] . {كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَاراً فَجَعَلْنَاهَا حَصِيداً كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [يونس: 24] .

ومن وجهة نظر علوم الأرض، فيهمنا أن نبرز حقيقة احتياج النبات إلى التربة المناسبة، وإلى ماء الري المناسب "بجانب ماء المطر". فما هي التربة المناسبة لنمو النبات؟ إن الصخر الأصم لا يصلح للإنبات. وفي كل مرة يذكر النبات والزرع، والثمر في القرآن الكريم يذكر معها لفظ "الأرض" بمعنى أنها مجال نمو النبات، أما لفظ "التراب"، فقد ذكر في القرآن الكريم بمعنى المادة التي خلق منها الإنسان، والمادة التي يرجع إليها رفات الإنسان بعد موته وتحلله. {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ} [الروم: 20] . {قَالُوا أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ} [المؤمنون: 82] . وفي آية واحدة فقط جاء ذكر "تراب" في القرآن الكريم في غير هذا المعنى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْداً لا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ} [البقرة: 264] . والصفوان هو الحجر الأملس الذي أزيلت من عليه التربة، فهو لا يصلح للزراعة. والإنسان المعاصر يستخدم لفظ "التربة soil" في مجال الزراعة بمفهوم محدد، فالتربة الزراعية هي المادة الأرضية المفككة إلى حبيبات غير متماسكة التي يستطيع النبات أن ينمو فيها بأن تتخللها جذوره حيث يحصل منها على غذائه ومائه. أما التركيب المعدني للتربة فيعتمد على تركيب الصخور التي تفتتت عنها، وقد

يصيب هذا الفتات تغير طبيعي أو كيميائي، وقد يفقد جزءًا من مكوناته نتيجة التعرية والإذابة، وقد يضاف إلى هذا الفتات مكونات داخلية أضيفت بالوسائل الكيميائية كترسيب أملاح نقلتها مياه، أو ترسيب أتربة أو رمال نقلتها الرياح أو غيرها من الوسائل الميكانيكية. أما الترتيب الصخري الأساسي الذي تفتتت منه التربة، فقد يغلب عليه واحد من التركيبات التالية: - صخور جيرية "كلسية". - صخور سيليسية "رملية". - صخور طينية من مختلفات الصخور النارية والمتحولة. وتعتبر التربة ذات الأصل الطيني أجود هذه الأنواع الثلاثة لاحتوائها على مجموعات كبيرة من المركبات الكيميائية التي تعطي كل احتياجات النبات. ويقسم العلماء التربة ميكانيكيًّا حسب أحجام حبيباتها إلى: تربة رملية خشنة، رملية، طفيلية، طينية. ويقسم العلماء التربة أيضًا إلى تربة حامضية، وتربة قاعدية، ويميزون بعض أنواع التربة بأنها غنية بالمواد العضوية humus. ويحتاج إنتاج طن واحد من الثمار إلى كمية من الماء لسقيا الأرض، قدرها علماء الزراعة، بما يترواح ما بين 300-500 طن. وتختلف مياه الري المناسبة لأنواع النبات في ملوحتها من نوع لآخر، فالقمح يتحمل ملوحة تصل إلى 2500 جزء في المليون، والزيتون يتحمل ملوحة تصل إلى

7000 جزء في المليون: والنخيل يتحمل ملوحة تصل إلى 9000 جزء في المليون، وتستطيع بعض النبات الصحراوية، ومنها أنواع الصبار تحمل ملوحة تتجاوز هذا القدر. ومن آيات الله جلّ وعلا في إعجازه في خلقه أن تختلف محاصيل الأرض الزراعية نوعًا، وطمعًا بينما هي تسقى من ماء واحد. {وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} [الرعد: 4] . حقًا إن هذه القدرة الربانية لتدعو أهل التفكر إلى الزيادة في الإيمان، وتقديس الخالق المبدع. ز- الأحجار ومواد البناء في خدمة البشر: لا شك في أن الإنسان في حالة البداوة، وعدم الاستقرار التي مرّ بها في مستهل عماره للأرض كان في حاجة إلى مسكن يأوي إليه، اتقاء للبرد القارس، واتقاء للحر اللافح، واتقاء للأمطار والعواصف التي تؤذيه وتؤذي مخزونه من الطعام، واتقاء لهجمات الكواسر التي لا بد كانت تروعه، وخاصة مع ظلمة الليل. لجأ ذلك الإنسان البدائي إلى الكهوف يحتمي بها، ويتخذها مسكنًا فهي مساكن نحتتها الطبيعة، والإنسان يستخدمها كما هي، ويترك لنا آثار أدواته وآثارًا من رسوماته ومن رفاته هو نفسه، وحيث لا توجد كهوف يلجأ إليها فهو مضطر إلى استحداث بيت من صنع يده، فلجأ إلى الأعواد القوية من الأشجار يقتطعها، ويجعل منها حاجزًا

يودي له بعض غرضه، ثم انتقى حجارة صلدة مما انفلت من الجبال وتناثر في سفوح تلك الجبال، وتعلم كيف يضعها بعضها فوق بعض فيبني بذلك حائطًا، ثم تعلم كيف يجعل من عدة حوائط حجرة أو بيتًا، ثم تعلم كيف يغطي تلك الحجرة، أو ذلك البيت بسقف من فروع الشجر وأعوادها وأوراقها. {وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِمَّا خَلَقَ ظِلالاً وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْجِبَالِ أَكْنَاناً} [النحل: 81] . وقد استمر الإنسان، خلال مدنيات لاحقة، في سكنى الجبال ولكنه هنا قد استطاع أن يثقب الجبال بصنع يده، ويجعل فيها بيوتًا ذات راحة ورونق: {وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ} [الفجر: 9] . {وَكَانُوا يَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتاً آمِنِينَ} [الحجر: 92] . {وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتاً فَارِهِينَ} [الشعراء: 149] . والمقصود هم قوم النبي صالح، وكانت لهم مساكن منحوتة في الصخر "بالحجر" المعروفة بمدائن صالح، وتقع في وادي القرى بين الحجاز والشام، وما زالت آثار هذه المساكن قائمة إلى اليوم. كذلك توجد آثار لبيوت منحوتة في الصخر ناحية البتراء في الأردن، وهي آثار ذات نقوش جميلة وما زالت إلى اليوم محتفظة برونقها لذلك فهي مزار سياحي. واقتطع الإنسان الحجر في بناء مساكن، وقصور وفي بناء منشآت لخدمة أغراض أخرى، ومع ما استطاع إضافته من العلم فقد كان ينتقي الأحجار ذات الصفات الطبيعية، والصفات الميكانيكية التي تصلح للغرض الذي يريد الحجر من أجله، ويهذب

أركان الحجر ليتناسب شكلًا وحجمًا مع عملية البناء ويصلح لنقشه وزخرفته أو الكتابة عليه. وقد وصف الله عز وجل بنيان بعض الأمم البائدة فقال: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ، إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ، الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلادِ} [الفجر: 6-8] . وعاد هم قوم النبي هود. {وَفِرْعَوْنُ ذُو الْأَوْتَادِ} [ص: 12] . وفرعون هو صاحب الأبنية العظيمة الراسخة كالمسلات وأعمدة المعابد العالية: {وَبَوَّأَكُمْ فِي الْأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِهَا قُصُوراً} [الأعراف: 74] . وآثار القصور والمعابد والقبور ما تزال باقية في كل أنحاء العالم مما بنتها من الأحجار الصلدة أمم قد توالت على مر العصور، وزالت هذه الأمم وبقيت آثارها. {وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ} [الشعراء: 129] . والمقصود بهم قوم عاد الذين اتخذوا قصورًا مشيدة منيعة وحياضًا للماء، مؤملين الخلود في هذه الدنيا كأنهم لا يموتون، ولكن هيهات. وعرف الإنسان أصول البناء فهو لا يبني على أرض غير ثابتة، فينهار البناء، وقد أعطى الله سبحانه وتعالى المثل في ذلك الشأن: {أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [التوبة: 109] .

وقد عرف الإنسان إرساء القواعد كأساس للبنيان حتى يتماسك ذلك البنيان: {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [البقرة: 127] . وقد أكد الحق جل وعلا أهمية القواعد حين ذكر ما يصيب الكافرين بكفرهم، حيث يقوِّض الله البنيان فوقهم من قواعده حتى لا تقوم له قائمة بعد ذلك: {قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ} [النحل: 26] . كذلك عرف الإنسان الطين منذ قديم الزمان، عرف أنواع التراب الذي يصلح حين خلطه بالماء فيعطي طينًا يمكن تشكيله، فشكل الإنسان من الطين أواني وشكل من الطين قوالب للبناء، وأكثر أنواع الطين استجابة للتشكيل هو الصلصال، وقد ذكر الحق سبحانه وتعالى في مواضع كثيرة من محكم الكتاب كيف خلق الإنسان من نوعية خاصة من الطين هو الصلصال: {خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ} [الرحمن: 14] . {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ} [المؤمنون: 12] . الصلصال من الطين: كل ما جف من طين فقد صل صليلا، وهو صلصال ما لم تصبه النار، فإذا مسته النار فهو حينئذ فخار. تعلم الإنسان أن يحرق ما قام بتشكيله من طين، فحصل على الأواني الفخارية، وحصل على الطوب المحروق الذي يفوق الطوب اللبن صلابة، ومقاومة للظروف الجوية

القاسية، وفي القرآن الكريم ذكر لذلك الطين المحروق الذي يمكن أن تبنى منه الصروح الشامخة، وذلك في قصة موسى عليه السلام حينما أمر فرعون هامان أن يبني له صرحًا: {وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي صَرْحاً لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ} [القصص: 38] . {وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحاً لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ، أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِباً وَكَذَلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلَّا فِي تَبَابٍ} [غافر: 36-37] . وكان عرب الحجاز وعسير يستخدمون صخور الحرّات "ومعظمها بازلتية" كأحجار للرحى، وأحجار للمسنّ لقساوتها. وقد عرفت البشرية حفر الأنفاق في مدنيات كثيرة سبقت ظهور الإسلام بقرون عديدة استخدمت هذه المدنيات حفر الأنفاق لأغراض شتى، منها غرض الوصول إلى مصادر للماء أو نقله من مكان لآخر، ومنها غرض توصيل مياه الري من مكان لآخر، ومنها غرض دفن الموتى، ومنها أغراض حربية متنوعة، ومنها غرض نقل الناس والمتاع، ونعاصر حاليًا إتمام أكبر نفق شهده التاريخ القديم والحديث، وهو النفق الذي يصل الساحلين الفرنسي والبريطاني، والذي حفر تحت صخور قاع البحر. ومن أهم أغراض حفر الأنفاق: "التعدين" لاستخراج ما تحت السطح من خامات تعدينية. وحفر الأنفاق من الأعمال الشاقة، وكان العمل يعتمد على الجهد اليدوي

فقط، واستمر حفر الأنفاق يدويًّا على مدى التاريخ إلى أن استخدم البارود، والمفرقعات منذ بضعة مئات من السنين، ثم استخدمت المعدات الميكانيكية بأنواعها. وذُكر النفق في القرآن الكريم في مجال مخاطبة الحق سبحانه وتعالى لرسوله الكريم تخفيفًا عليه مما كان يشق عليه من انصراف الناس من الدعوة الإسلامية. {وَإِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقاً فِي الْأَرْضِ أَوْ سُلَّماً فِي السَّمَاءِ فَتَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ} [الأنعام: 35] . ح- خامات صناعية غير فلزية في خدمة البشر: لم يكن العالم وقت نزول القرآن كثير الاستخدام للخامات الصناعية غير الفلزية، وكان أهل البداوة بصفة خاصة أقل كثيرًا من أهل الحضر في تلك الأوقات استخدامًا لتلك الخامات. من بين كل ما عرفه الإنسان وقتئذ وبعد ذلك من تلك الخامات، رأينا أن نذكر على سبيل المثال أربع مواد هي: ملح الطعام، والطلق، والكبريت، والقطران، ثم نذكر الزجاج. ملح الطعام: لا غنى للإنسان عنه منذ الخليقة، بل ولا غنى عنه لسائر الحيوان التي تسكن اليابسة، فتحصل عليه مباشرة كملح، أو تحصل عليه عن طريق غذاء غني بالملح، وجاء في القرآن الكريم وصف الماء المالح بأنه ملح أجاج:

{هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ} [الفرقان: 53] . {هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ} [فاطر: 12] . وملح الطعام معروف وجوده في شبه الجزيرة العربية منذ ما قبل الإسلام بآماد طويلة، يستخرجه الناس ويتاجرون فيه وينقلونه مسافات طويلة، كان يستخرج من سبخات "ملاحات" على حواف البحار شرق وغرب وجنوب شبه الجزيرة العربية، وكان الملح الصخري يقتطع كما تقتطع الأحجار من المقالع، ومن مواضع الملح الصخري، جبل الملح بمنطقة مأرب شرق اليمن، وعدة مواقع على امتداد ساحل البحر الأحمر فيما بين جيزان والحديدة، وفي بعض الجزر المقابلة لهذا الساحل، وأهمها جزيرة فرسان وجزيرة قمران1. وقيل: إن الرسول محمد -صلى الله عليه وسلم- قد أقطع "الأبيض بن جمال" جبل الملح في بلاد مأرب، وقيل: إنه ملح صاف كالبلّور2. الطلق: ذكر رواة تاريخ العرب في الجاهلية أنه كانت هناك صناعة لنحت نوع خاص من الحجارة لإنتاج قدور للطبخ عرفت باسم "البُرمة"، ولعل البرمة قد نحتت من حجر الطلق أو من السرينتين الطلقي الذي نعرف له صفات خاصة في تحمل الحرارة العالية، وقد عرف هذا الحجر في أنحاء العالم العربي بحجر البرام، وما زال يُعرف بهذه التسمية إلى وقتنا هذا.

_ 1 يمكن مراجعة مشورات المساحة الجيولوجية للمملكة العربية السعودية، ومنشورات المساحة الجيولوجية لجمهورية اليمن. 2 جواد علي: تاريخ العرب قبل الإسلام -ص522.

الكبريت: عرف عرب شبه الجزيرة العربية الكبريت الطبيعي منذ القدم، واستغل الجاهليون بعض الحرات "الطفوح البركانية" لاستخراج الكبريت منها، وذكر أن أهل اليمن كانوا يستخرجون الكبريت من جبل يقع في شرقي ذمار، ويظهر أن هذا الجبل بركان قديم، وكان الكبريت يجلب من هذا المصدر إلى سائر أعمال اليمن، وذكر أنهم كانوا "يكبرتون" أباعرهم، يطلونها بالكبريت مخلوطًا بالدسم والخصخاض، وكانوا يستحمون في العيون التي يجري منها الماء مشوبًا به وله رائحة الكبريت. القطران: عرفت أنحاء من شبه الجزيرة العربية النفط الخام يسيل في نزازات، وقيّارات من بعض شقوق الصخور مادة سوداء لزجة لها رائحة كبريتية نفاذة، وعرفها العرب "بالقطران"، وعرفت تلك الظاهرة في أنحاء من بلاد الرافدين، وفلسطين وعلى جانبي خليج السويس، وكان الرومان أيام نفوذهم في تلك المناطق يطلقون على الجبال التي تحدث فيها هذه الظاهرة اسم "جبل البترول Mons Petrolius"، وكانت تلك الظاهرة تسترعي الانتباه لطرافتها، بيد أنه لم تكن لها أهمية اقتصادية معروفة غير استخدام قطرات منها للتداوي، وعلاج الأمراض التي تصيب جلود الأنعام. والقَطِران من الأشياء التي أنذر الله بها الكافرين ضمن عذاب جهنم. {سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرَانٍ وَتَغْشَى وُجُوهَهُمُ النَّارُ} [إبراهيم: 50] . الزجاج: كانت منطقة الشرق الأوسط سباقة في صناعة الزجاج بين مختلف المناطق المأهولة من العالم القديم، والزجاج في مظهره المعروف بشفافيته، كان

حصيلة محاولات وتجارب استغرقت من الحضارة البشرية بضعة آلاف من السنين، استخدمت مادة السليكا الموجودة في الرمال البيضاء فصهرتها مع إضافات مختلفة من أملاح الكالسيوم، والصوديوم ومنها مادة النطرون، ومع إضافة بعض الأملاح التي تكسب العجينة اللون المطلوب، كانت العجائن ذات ألوان بهيجة ولكنها كانت معتمة، ومع اكتساب المزيد من الخبرة خلال التجارب على مدى قرون أمكن التوصل إلى إنتاج زجاج شفاف. استقرت صناعة الزجاج خلال القرن السادس عشر قبل الميلاد في منطقة الهلال الخصيب وفي مصر، ومن أقدم ما عثر عليه من أواني زجاجية تلك التي وجدت في مقبرة فرعون مصر، تحتمس الأول، الذي حكم مصر في الفترة ما بين عامي 1507-1497 قبل الميلاد. حينما أصبح نبي الله سليمان ملكًا على بني إسرائيل كانت صناعة الزجاج في ازدهار كبير في أنحاء فلسطين، وكانت هناك صناعات عديدة قد ازدهرت هي الأخرى، ويرى بعض الباحثين في تاريخ الأديان أن مُلك سليمان استمر من حوالي عام 960 إلى حوالي عام 925 قبل الميلاد، وكان تحت إمرة سليمان حشد كبير من الصناع المهرة في كل الحرف، كما سخر الله له فريقًا من الجن في خدمته: {وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ، يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْراً وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} [سبأ: 12-13] . وقد روى لنا القرآن المجيد قصة النبي سليمان مع بلقيس ملكة سبأ، فروى لنا

حين قيل لها: ادخلي قصر سليمان، وكان صحنه من زجاج تحته ماء يسبح فيه السمك، فكشفت عن ساقيها تحسب ما تمر فيه ماء، فنبهها نبي الله إلى أن الصحن أملس مكون من زجاج؛ فراعها ذلك المنظر المادي وعلمت أن مُكلها لا يساوي شيئًا بجوار ملك سليمان النبي. {قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَنْ سَاقَيْهَا قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوَارِيرَ قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [النمل: 44] . ومما ضربه الحق جل وعلا من الأمثال، وهو الذي لا يستحيي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها، مثلًا لنوره سبحانه وتعالى، حتى يقرِّب المعنى إلى مفهوم عامة المسلمين، فيقرنه بشيء مرئي ملموس في حياتهم اليومية. {اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ} [النور: 35] . فالمصباح موضوع في قارورة زجاجية صافية لامعه لمعان كوكب مشرق يتلألأ كالدر. والقوارير التي أحسنت صنعتها وشفت، وخلت من الشوائب هي دائمًا من الأشياء التي تهفو إلى اقتنائها، واستخدامها كل الأفئدة في الحياة الدنيا، فلا عجب أن كانت أمثال تلك القوارير مما يعد الله المؤمنين في الجنة. {يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَأَكْوَابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَا، قَوَارِيرَ مِنْ فِضَّةٍ قَدَّرُوهَا تَقْدِيراً} [الإنسان: 15-16] .

وقيل في تفسير القوارير من فضة بأنها من زجاج في بياض الفضة وصفاء القوارير. ولا يفوتنا أن نذكر حديث النبي الكريم حين كان في قافلة، وكانت بعض النساء تركب ظهور الجمال، وكان حادي الجمال رجلًا اسمه "أنجشة"، فالرسول الكريم يخاطب أنجشة طالبًا منه أن يترفق في سيره رفقًا بالنساء، فيستعير تشبيها بليغًا للمرأة بالقوارير التي يلزم الحفاظ عليها من التهشم: "يا أنجشة رفقًا بالقوارير". ط- خامات الفلزات في خدمة البشر: ذكر القرآن الكريم أربعة فلزات، ذكرًا مباشرًا بالاسم، وهي: الذهب، والفضة، والنحاس، والحديد، وحتى وقتنا الحاضر لم يتغير اسم أي من هذه الفلزات، ولا مدلولها بالمفهوم العلمي. الفلزات في القرآن الكريم: الذهب: هو "ذهبن" في لغة المسند، والقطعة منه ذَهَبة، ويقال له: "التبر" إذا لم تضرب ولم تصنع، ومن أسمائه "العسجد"، وذهب "إيريز" بمعنى خالص، و"العقيان" ذهب خالص ينبت نباتًا ولا يستذاب من الحجارة، وتراب الذهب هو "السحالة"، ويقال: ذهب الرجل: إذا عثر الرجل داخل "المعدن" على ذهب كثير فزال عقله وبرق بصره من كثرة عظمه فلم يطرف. وذُكر الذهب ثمان مرات في محكم الكتاب.

- فالذهب والفضة زينة من زينات الحياة الدنيا. {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ} [آل عمران: 14] . والذهب والفضة ليست للاكتناز بل للتداول في خدمة العباد. {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} [التوبة: 34] . والذهب مظهر من مظاهر العظمة في الحياة الدنيا، وهذا ما رآه فرعون موسى حينما عاير موسى بما لا يتحلى به من الذهب. {وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلا تُبْصِرُونَ، أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلا يَكَادُ يُبِينُ، فَلَوْلا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ جَاءَ مَعَهُ الْمَلائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ} [الزخرف: 51-53] . أما في الآخرة فيعد الله أهل الجنة بأساور من ذهب. {أُولَئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ} [الكهف: 31] . {إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ} [الحج: 23] . {جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ} [فاطر: 33] . وفي الآخرة لا يُقبل من الكافرين أي فداء حتى، ولو كان ملء الأرض ذهبًا،

وهذا لتحذير الكافرين، فالبشر يدركون أثناء الحياة الدنيا ضخامة قيمة قطعة واحدة من الذهب، فما بال ملء الأرض ذهبًا. {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلءُ الْأَرْضِ ذَهَباً وَلَوِ افْتَدَى بِهِ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ} [آل عمران: 91] . الفضة: جمعها فضض "واللجين" من أسماء الفضة "والوذيلة" القطعة من الفضة، وقيل: القطعة من الفضة المجلوة، وفي اللهجات العربية القديمة تسمى المرآة "الوذيلة، "والنقرة" القطعة المذابة من الفضة وجمعها نقار. وذكرت الفضة ست مرات في محكم الكتاب. ذكرت مرتين مع الذهب في الآيتين: آل عمران "14" والتوبة "34". ذكرت في مجال أنه لولا كراهة أن يكفر الناس جميعًا إذا رأوا الكفار في سعة من الرزق لجعل الله لمن يكفر بالرحمن سقفًا، ومصاعد يرتقون عليها من الفضة، ولجعل الله لبيوتهم أبوابًا وسررًا من فضة ينعمون بها ويتكئون عليها؛ لهوان الدنيا. {وَلَوْلا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِنْ فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ، وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَاباً وَسُرُراً عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ} [الزخرف: 33-34] . وعد الله المؤمنين في الجنة أساور من فضة وآنية من فضة جزاء شكورًا. {وَيُطَافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ} [الإنسان: 15] . {وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِنْ فِضَّةٍ} [الإنسان: 21] . النحاس: ذكر النحاس صريحًا في مجال تحذير الجن والإنس:

{يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِنْ نَارٍ وَنُحَاسٌ فَلا تَنْتَصِرَانِ} [الرحمن: 35] . وذكر النحاس باسم "القطر" وهو النحاس المذاب، مرتين، ذكر مرة في مجال ذكر ما أفاء الله على نبيه سليمان من العلم: {وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ} [سبأ: 12] . وذكر مرة أخرى في قصة ذي القرنين حينما كان يبني سدًّا. {آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً} [الكهف: 96] . الحديد: تحمل السورة رقم "57" في محكم الكتاب اسم سورة الحديد وهي سورة مدنية. وقد ذكر الحديد خمس مرات في القرآن الكريم: ذكرت منافعه في السلم وفي الحرب في حياتنا الدنيا: {وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ} [الحديد: 25] . وذكر في قصة ذي القرنين: {آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ} [الكهف: 96] . وذكر للدلالة على بأس الحديد: {قُلْ كُونُوا حِجَارَةً أَوْ حَدِيداً، أَوْ خَلْقاً مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ} [الإسراء: 50-51] . وذكر في رواية قصة النبي داود، وفضل الله عليه من علم وقدرة: {وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُدَ مِنَّا فَضْلاً يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ} [سبأ: 10] .

ومن الحديد تصنع المقامع التي تستخدم في الآخرة، في صدّ أهل النار عن الخروج منها: {وَلَهُمْ مَقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ} [الحج: 21] . استخراج الفلزات من مناجمها وتصنيعها: حينما أوحى الله القرآن الكريم إلى نبيه محمد -صلى الله عليه وسلم- كان العالم قد وصل إلى مرحلة من المعرفة في كيفية استخراج عدد من خامات الفلزات ومعالجتها، واستخلاص المفيد منها وتصنيعها، وقد اصطلح قديمًا على تسمية مكان استخراج الخامات "بالمعدن"، وفي وقتنا الحاضر نستخدم لفظ "المنجم" و"المحجر". كان هناك نشاط تعديني وقت الرسول الكريم، والأرجح أنه كان نشاطًا محدودًا. روي عن ابن عباس أنه قال: أقطع النبي -صلى الله عليه وسلم- بلال بن الحارث المزني معادن القبلية جلسيها "المرتفع من الأرض" وغوريها، ومن معادن "مناجم" تلك المنطقة منجم الذهب، وهو المنجم الذي كان لبني سليم فعرف باسمهم، وقيل له: "معدن بن سليم" وهو ضمن ما أقطعه الرسول الكريم لبلال بن الحارث1. وقد سبق ذكر جبل الملح في بلاد مأرب الذي أقطعه الرسول الكريم "الأبيض بن جمال". إذن فقد عرف استخراج الخام من باطن الأرض بحفر الصخر بآبار عمودية وممرات أفقية تحت الأرض، وهي أعمال فيها من الخطورة ما فيها.

_ 1 سيد سابق: فقه السنة: المجلد الثاني-ص173.

روي عن أبي هريرة "أوردها الإمام مالك في الموطأ" أنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "جُرْحُ العجماء جُبار، والبئر جبار، والمعدن جبار، وفي الركاز الخمس". وجاء ضمن تفسير هذا الحديث "رواية محمد بن حسن الشيباني" أنه من استأجر رجلًا ليعمل في معدن، فهلك فلا ضمان على من استأجره. ومهنة استخراج الخام من المهن الشاقة بجانب خطورتها، وهناك اجتهادات فقهية خاصة بجواز إباحة الإفطار لأهل مهنة التعدين، ففي الآية الكريمة: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} [البقرة: 184] . أفتى الإمام الشيخ محمد عبده قال: المراد بمن يطيقونه في الآية: الشيوخ الضعفاء والزَّمْنَى "المرضى مرضًا مزمنًا" ونحوهم كالفعلة الذي جعل الله معاشهم الدائم بالأشغال الشاقة كاستخراج الفحم الحجري من مناجمه. ويعالج ما يخرج من باطن الأرض من خام الفلزات بالتركيز، فكان مُعَدِّنو الأزمان الغابرة حينما يستخرجون الأحجار الحاملة للذهب يطحنون ذلك الحجر، ويذرون تراب "المعدن" لاستخراج الذهب منه، وكما جاء في الكتابات القديمة كان يقال: ذريت تراب المعدن وطلبت ذهبه، وكانوا يضعون ما يحصلون عليه من الذهب "الذي أزيلت عنه معظم شوائبه" في "التنور"، ثم يجعلونه في "الكوج" لينقي الذهب عما تبقى من شوائبه ويصير خالصًا. هذه هي أسس علم استخلاص الفلزات في أبسط صورها، ذلك العلم الذي نما مع الحضارات التالية، وأصبح حاليًا يتم على مرحلتين:

المرحلة الأولى: هي معالجة الخام Ore dressing بتركيزه وتهيئته بالمعالجة للخطوة التالية. والمرحلة التالية: هي استخلاص الفلزات من مركباتها وأملاحها بعد تركيزها، باستخدام النار في معظم الأحيان، وتعرف بعلم الميتاليرجي Metallurgy. وقد أنزل الله قرآنا في هذا الشأن، فضرب لنا مثلا بليغًا يخاطب العقل والمنطق، ويقابل بين أشياء ملموسة في حياة الناس ويستخلص منها العبرة. {أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَداً رَابِياً وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ} [الرعد: 17] . فهناك زبد، والزبد في اللغة أصلًا زبد الجمل، وهو لُغَامُه الأبيض الذي تتلطخ به مشافره إذا هاج، وتستعار ظاهرة الزبد في وصف ما يحدث للبحر إذا هاج، وفي وصف ما يحتمله سيل الوادي على سطح مائه، وفي وصف ما يحتمله صهير الفلز على سطحه. فبينما ينهمر المطر مدرارًا، يساعد على تعرية الصخر وعلى تجريده من فتاته، ويجرف ماء المطر الذي يجري سيولًا في الوديان جزءًا من فتات الصخر بمختلف أحجام حبيباته، وبما يحتويه أحيانًا من مركبات لفلزات مفيدة تكون موجودة في الصخر، وعادة ما تكون تلك المركبات المفيدة ثقيلة الوزن بعكس بقية المكونات الأخرى الصخرية التي لا يستطيع السيل جرف فتاتها بسهولة، ونقلها لمسافات بعيدة

وخاصة تلك المكونات الصخرية دقيقة الحبيبات التي تبقى معلقة في ماء السيول، وعلى سطحها وهي التي تعرف بزبد السيول. فالسيول هكذا تكون عاملًا في فرز ما ينفع الناس من مركبات الفلزات التي تبقى بسبب ثقلها ساكنة على سطح الوادي، وبهذا يمكن جمعها والاستفادة منها، والعلم الحديث يسمى ما يمكن جمعه، واستغلاله من مثل تلك الخامات المفيدة بخامات الوديان alluvial deposits. وحينما تدخل خامات الفلزات أفران الصهر لاستخلاص الفلز نقيًّا، تصل درجات الحرارة إلى ما يجعل هذه الخامات تنصهر مع ما يضاف إليها من مواد تساعد على الصهر وعلى الاستخلاص، ويبقى الفلز النقي في قاع الأفران، أما نواتج التفاعل مع ما أضيف من مواد، فتطفو على سطح صهير الفلز النقي كمادة زجاجية هي الزَّبد، ويطلق على هذا الزبد في العلم الحديث اسم الخبث Slag. كذلك الحق مثله كمثل مركبات الفلزات المفيدة التي تبقى لثقلها على قاع الوادي، ومثله كمثل الفلزات النقية تبقى في قاع الأفران، وهي جميعًا تنفع الناس. أما الباطل فهو كالزبد لا فائدة منه ويطفو على السطح، ويمكن إزالته والتخلص منه. وقد عرف الناس الكير الذي يستخدم لتنقية الفلزات بالحرارة والطرق. روي عن عبد الله بن مسعود، أن رسول الله -صلى اله عليه وسلم- قال: "تابعوا بين الحج والعمرة، فإنهما ينقيان الفقر والذنوب، كما ينقي الكير خبث الحديد والذهب والفضة، وليس للحجة المبرورة ثواب إلا الجنة".

وفي صحيح البخاري ما روي عن أبي بردة بن عبد الله قال: سمعت أبا بردة بن أبي موسى عن أبيه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "مثل الجليس الصالح، والجليس السوء كمثل صاحب المسك وكير الحداد، لا يعدمك من صاحب المسك إما تشتريه أو تجد ريحه، وكير الحداد يحرق بدنك أو ثوبك أو تجد منه ريحًا خبيثًا". وقبل زمن محمد -صلى الله عليه وسلم- بزمن طويل، كان النبي داود قد أتاه الله فضلًا من عنده، فعلمه كيف يروض الجبال فيستخرج منها الخامات المعدنية، وعلمه كيف يروض خام الحديد الذي يستخرجه، فيستخلص منه فلز الحديد ذا البأس والقوة، وعلمه كيف يحوّل هذا الفلز إلى مصنوعات أهمها صناعة الدروع. {وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُدَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فَاعِلِينَ، وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنْتُمْ شَاكِرُونَ} [الأنبياء: 79-80] . {وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُدَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ، إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْرَاقِ} [ص: 17-18] . {وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُدَ مِنَّا فَضْلاً يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ، أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ} [سبأ: 10-11] . ويظهر أن زمن النبي داود ومن بعده ابنه النبي سليمان، كان زمنا ازدهرت فيه صناعة استخراج، وتشغيل الفلزات الأساسية، فكما كانت نعمة الله على داود أنه ألان له الحديد، كذلك كانت نعمة الله على سليمان فيسَّر له استخراج خامات النحاس، وصهرها واستخلاص الفلز منها.

{وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ} [سبأ: 12] . وقد كشفت التقنيبات الأركيولوجية في منطقة وادي عربة على ما يؤيد استخراج خامات النحاس، وصهرها في مواقع تمناع وفنيان وخربة النحاس في أوقات زمنية متعددة منها وقت ينطبق على عصر داود وسليمان. ومن قصص القرآن، ما رواه الحق سبحانه وتعالى عن ذي القرنين، وخبره مع القوم الذين لجأوا إليه ليحميهم من قوم يأجوج ومأجوج: {قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدّاً، قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْماً، آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انْفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَاراً قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً، فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْباً} [الكهف: 94-97] . والقطر هو النحاس المذاب، والزُّبر هي قطع الحديد، ومفردها زُبَرَة. وعلى القارئ أن يكون حريصًا في تشكيل اللفظ "زُبَر" عند نطقها حتى لا يخلط بينها وبين لفظ "زُبُر" التي لها معنى يختلف تمامًا. الزُّبُر جميع زَبُور: هي المواعظ التي تهز القلوب، والتي جاء بها داود عليه السلام والتي جاء بها الرسل. {وَآتَيْنَا دَاوُدَ زَبُوراً} [النساء: 163] . {جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالزُّبُرِ} [فاطر: 25] .

الفلزات في الفتاوى الشرعية: لما للفلزات من ارتباط وثيق بحياة الناس، فقد كان لا بد من أن تكون هناك تشريعات تنظم تداولها، وتنظم علاقات الناس في شأنها، وتنظم جباية الزكاة عنها: فمن آداب استخدام ما صنع من الفلزات النفيسة، يروى عن حذيفة قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "لا تلبسوا الحرير ولا الديباج، ولا تشربوا في آنية الذهب ولا الفضة، ولا تأكلوا في صحافها فإنها لهم في الدنيا، ولكم في الآخرة". ويروى عن معاوية أنه قال: نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن ركوب النَّمار، وعن لُبس الذهب إلا مقطعًا، وقيل: إن المراد بالنهي الذهب الكثير لا المقطع قطعًا يسيرة منه تُجعَل حلقة، أو قرطًا أو خاتمًا للنساء أو في سيف رجل. ومن آداب استخدام الذهب أيضًا ما روي عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي -صلى الله عليه وسلم- اتخذ خاتما من ذهب، وجعل فصّه مما يلي كفه ونقش فيه "محمد رسول الله" فاتخذ الناس مثله، فلما رآهم قد اتخذوه رمي به وقال: لا ألبسه أبدًا، ثم اتخذ خاتمًا من فضة فاتخذ الناس خواتيم الفضة، قال ابن عمر: فلبس الناس بعد النبي -صلى الله عليه وسلم- وأبو بكر ثم عمر ثم عثمان. وروى الترمذي عن عرفجة بن أسعد الصحابي قال: أصيب أنفي يوم الكُلاب فاتخذت أنفًا من وَرِق "فضة" فأنتن علي، فأمرني النبي -صلى الله عليه وسلم- أن أتخذ أنفًا من ذهب. وروى الترمذي عن غير واحد من أهل العلم أنهم شدّوا أسنانهم بالذهب.

ولم يتواتر إلينا تشريع ينظم استخدام الناس النحاس في الصناعة أو ينظم تداوله بين الناس، وقد روي عن السيدة زينب بنت جحش -إحدى أمهات المسلمين- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يتوضأ في مخضبٍ من صفر "النحاس". العملة المعدنية: حينما استيقظ أهل الكهف بعثوا بواحد منهم ليأتيهم بطعام يشتريه بما معهم من عملة فضية: {فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ} [الكهف: 19] . وجاء ذكر الدارهم كعملة للبيع، والشراء في قصة يوسف عليه السلام: {وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ} [يوسف: 20] . وجاء ذكر الدينار كوحدة نقدية في قول الله تعالى: {وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِماً} [آل عمران: 75] . وقد سُكّت العملة المعدنية في أول عهدها في مدن الساحل الغربي لآسيا الصغرى، ويظن أن ذلك كان خلال القرن الثامن قبل الميلاد، ويقال: إن العملات الأولى التي سكت هناك كانت من سبيكة الإليكترم electrum وهي خليط من الذهب والفضة. وخلال القرن الثاني قبل الميلاد ظهرت في روما عملة فضية هي ديناريوس denarius، ولعل اسم دينار مشتق من اسم العملة الرومانية القديمة، وظهرت في بلاد فارس عملة ذهبية أطلق عليها اسم داريك Darics منسوبة إلى داريوس ملك الفرس وقتئذ.

وفي زمن النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- تداول الناس عملتين كانتا تُضربان إما في الإمبراطورية الفارسية وإما في الإمبراطورية الرومانية، تلك هي عملة الدينار الذهبية وعملة الدرهم الفضية، ولم تُضرب عملة إسلامية إلا زمن الدولة الأموية "في خلافة عبد الملك بن مروان". وقد نظم الشرع زكاة النقد من الذهب والفضة، فقد روي عن علي -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "ليس عليك شيء "يعني في الذهب" حتى يكون لك عشرون دينارًا، فإذا كانت لك عشرون دينارًا وحال عليها الحول، ففيها نصف دينار فما زاد فبحساب ذلك، وليس في مال زكاة حتى يحول عليها الحول". وقد روي أيضًا عن عليّ -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "قد عفوت لكم عن الخيل والرقيق، فهاتوا صدقة الرِّقة " الفضة " من كل أربعين درهمًا درهم، وليس في تسعين ومائة شيء، فإذا بلغت مائتين ففيها خمسة دراهم". زكاة الركاز والمعدن: لم يتفق أهل الفقه منذ القرون الهجرية الأولى على تعريف "الرِّكاز"، والتفريق بينه وبين "المعدن"، وكان الاختلاف على التعريف ومدلوله هو أساس الاختلاف في نسبة ما يستحق جبابيته من زكاة: هي الخمس "20%" أم هي ربع العشر "2.5%" من القيمة. وسنعرض هنا لآراء عدد من الأئمة المجتهدين في هذا الموضوع. رأي ابن حنبل: رأى أن ناتج المعدن هو كل ما خرج من الأرض مما يخلق فيها من غيرها، مما له قيمة، مثل الذهب والفضة والحديد والنحاس

والرصاص والياقوت والزبرجد، والزمرد والفيروز والبللور والعقيق والكحل والزرنيخ، والقار "الزفت" والنفط "البترول"، والكبريت والزاج ونحو ذلك، واشترط فيه أن يبلغ الخارج نصابًا بنفسه أو بقيمته. رأي أبي حنيفة: رأى أن وجوب الزكاة على المعدن يتعلق بكل ما ينطبع، ويذوب بالنار مثل الذهب والفضة والحديد والنحاس، أما المائع كالقار؛ أو الجامد الذي لا يذوب بالنار مثل الياقوت فإن الوجوب لا يتعلق به، ولم يشترط فيها نصابًا، فأوجب الخمس في قليله وكثيره. وقال أبو حنيفة عن الركاز: هو اسم لما ركزه الخالق أو المخلوق، وعمم الزكاة في المعدن وفي الكنز، ففي كل منهما الخمس. رأي مالك والشافعي: اتفقا على أن الركاز دفن الجاهلية في قليله وكثيره الخمس، إنما جعل في الركاز الخمس؛ لأنه مال كافر فأنزل واجده منزلة الغانم فكان له أربعة أخماسه، فالركاز دفن يوجد من دفن الجاهلية، ما لم يطلب بمال، ولم يتكلف فيه بنفقة ولا كبير عمل ولا مئونة، فأما ما طلب بمال وتكلف فيه كبير عمل، فاصيب مرة وأخطئ مرة فليس بركاز. واتفقا على أن المعدن ليس بركاز، فيجب فيه ربع العشر لا الخمس؛ لأنه يحتاج إلى عمل ومعالجة واستخراج بخلاف الركاز، وقد جرت السُّنة أن ما غلظت مؤنته خفف عنه في قدر الزكاة، وما خفف زيد فيه.

رأي ابن القيم: الأصل في وجوب الزكاة في الركاز والمعدن، ما رواه الجماعة عن أبي هريرة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "العجماء جرحها جبار، والبئر جبار، والمعدن جبار، وفي الركاز الخمس". ففي قول الرسول -صلى الله عليه وسلم- المعدن جبار، معناه إذا استأجر من يحفر له معدنا، فسقط عليه فقتله فهو جبار، والمعدن لا زكاة فيه، يؤيد هذا القول اقترانه بقوله -صلى الله عليه وسلم- "وفي الركاز الخمس"، ففرق بين المعدن والركاز، فأوجب الخمس في الركاز؛ لأنه مال مجموع يؤخذ بغير كلفة ولا تعب، وأسقطها عن المعدن؛ لأنه يحتاج إلى كلفة وتعب في استخراجه. رأي الغزالي: "في إحياء علوم الدين": الركاز هو مال مدفون "دفن في الجاهلية" وجد في أرض لم يجر عليها في الإسلام ملك، وهو المعدن الذي يوجد بغير عمل، فعلى واجده في الذهب والفضة أن يخرج منه الخمس ضريبة لبيت مال المسلمين، وقد أرجح الفقهاء على أن الزكاة من الذهب والفضة فيه الخمس، ولا يوجد نصاب في ذلك فالضريبة تستحق على الكثير منه والقليل، وفي ذلك تشبيه له بالغنيمة، ولذلك يجب فيه الخمس حتى ولو كان على الممول دين يستغرق هذا الركاز، أما المعادن فلا زكاة فيما استخرج منها سوى الذهب، والفضة ففيهما بعد الطحن والتخليص ربع العشر، وتخرج منه وعاء هذه الضريبة الحجارة مثل الياقوت والفيروزج والزئبق والكبريت، وإنما ذلك كله كما ذكر أبو يوسف بمنزلة الطين والتراب.

كيفية تحصيل زكاة المعدن: أخذ عمر بن عبد العزيز من المعدن من كل مائتين خمسة، والمقصود فيما يستخرج من الذهب والفضة ففيهما بعد الطحن، والتخليص 2.5% ويضيف أبو يوسف يعقوب بن إبراهيم "صاحب الإمام أبي حنيفة" إلى الذهب والفضة، الحديد والرصاص والنحاس. وكان رأى الإمام ابن قدامة في كيفية تحصيل زكاة المعدن: لا يجوز إخراج زكاته إلا بعد سبكه وتصفيته، فإن أخرج ربع عشره لترابه قبل تصفيته وجب رده إن كان باقيا، أو قيمته إن كان تالفا، فإن صفاه الآخذ وكان قدر الزكاة أجزأ، وإن زاد رد الزيادة إلا أن يسمح له المخرج، وإن نقص فعلى المخرج، وما أنفقه الآخذ على تصفيته فهو من ماله لا يرجع به على المالك، ولا يحتسب المالك ما أنفقه على المعدن في استخراجه، ولا في تصفيته [أي أنه لا يخصم من وعاء زكاة الثروة المعدنية، أو البترول أية تكاليف أو نفقات أو مؤن لاستخراجها أو لتصفيتها] . الآراء في ملكية الخامات التعدينية والبترول: اجتهد عدد من علماء الاقتصاد الإسلامي المعاصرين، فخرجوا بآراء يمكن أن تنتسب في أساسها إلى الأئمة الأربعة في موضوع ملكية الخامات التعدينية والمواد البترولية: رأي منسوب للمالكية: تكون الثروة التعدينية والبترولية ملكا لبيت المال أي مملوكة ملكية عامة للدولة، ولو كانت في أرض

مملوكة ملكية فردية، وذلك أن مالك الأرض لا يملك إلا سطحها وظاهرها، أما الثروات التعدينية والبترولية التي في باطنها فليست منها، وأمرها لولي الأمر يتصرف فيها لمصالح المسلمين، يقطعها لمن يرى في إقطاعه إياها مصلحتهم، ولا يكون الإقطاع إقطاع تمليك بل إقطاع انتفاع لمدة معينة معلومة أو لمدة حياة من أقطعه؛ ولا فرق في ذلك بين خامات توجد في أرض مملوكة أو غير ملوكة. رأي منسوب للحنابلة: ما يخرج من المعادن "المناجم" تخرج من أرض مملوكة ملكية عامة للدولة تكون ملكا لبيت المال. رأي منسوب للشافعية: تتبع الخامات في ملكيتها ملكية الأرض التي توجد فيها. رأي منسوب للحنفية: الخامات ملكية فردية ولبيت المال فيها الخمس سواء أكانت في أرض مملوكة ملكية عامة كأرض الخراج، أو مملوكة ملكية فردية كأرض العشر. "ي" خامات الطاقة في خدمة البشر: احتاج الإنسان منذ عمارته للأرض إلى الطاقة لبقاء حياته، ولكي يمارس حركته وأغراضه، ولم يكن يتحكم في البداية إلا على الطاقة المتولدة من قدرته العضلية هو نفسه، واستمد الطاقة مما يأكل من النبات والثمار، وما يصطاده من حيوان البر والبحر.

وصنع الإنسان منذ عمارته الأولى للأرض الملابس تقيه البحر وتقيه البرد، وكانت وقاية الإنسان من قارس البرد بالملبس نوعا من الحفاظ على ما يدخره جسمه من طاقة حتى لا يصرفها الجسم في مقاومة البرد. وحينما استأنس الإنسان بعض الحيوان، استطاع أن يسخرها أنعاما لقضاء حاجات له، ومنها حمل الأثقال والسفر إلى مقصده القريب والبعيد، فاستخدام الإنسان للأنعام تسخير لمصدر هام للطاقة: {وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ، وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ، وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُوفٌ رَحِيمٌ، وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لا تَعْلَمُونَ} [النحل: 5-8] . {وَمِنَ الْأَنْعَامِ حَمُولَةً} [الأنعام: 142] . وكما تعلم الإنسان منذ حضاراته الأولى كيف يرتاد مسالك البر، فقد تعلم صناعة الفلك صغيرها، وكبيرها لتمخر عباب الماء بالشراع الذي تحركه الريح: {وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُون} [الزخرف: 12] . {وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ} [إبراهيم: 32] . {حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ} [يونس: 22] . استفاد الإنسان بقوة الرياح طاقة طبيعية في دفع مراكبه السيارة، وإن كان لم يترك تسخير طاقته البشرية العضلية في دفع المراكب بالمجداف. فعلاقة الإنسان والحيوان والنبات علاقة وثيقة في اختزان الطاقة، وانتقالها

وإحراقها، فقد أودع الله في النبات القدرة على أن يقوم بالتمثيل الضوئي الذي ينتج مركبات كيميائية عضوية محتوية على الكربون، والهيدروجين والأكسيجين مع عناصر أخرى، ومن هذه المركبات الكيميائية يتكون جسم النبات، وهو بذلك يختزن قدرا من الطاقة: {فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ} [يونس: 24] . واحتاج الإنسان إلى طاقة إضافية تساعده في أغراض متعددة منها الحصول على الدفء، ومنها الاستضاءة ليلا، فكان له هذا من الشجر الأخضر. {الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ} [يس: 80] . {أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ، أَأَنْتُمْ أَنْشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا أَمْ نَحْنُ الْمُنْشِئُونَ} [الواقعة: 71-72] . وعرف الإنسان كيف يستضيء بحرق بعض الشحوم الحيوانية، وكذلك بحرق بعض زيوت النباتات، والثمار وأطيبها زيت الزيتون: {كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ} [النور: 35] . ومنذ عرف الإنسان النار وهو يحرق الحطب للحصول على جذوة النار، ومع احتياجه إلى نار ذات حرارة عالية توصل إلى تفحيم جذوع الأشجار بعد تجفيفها، وحصل بذلك على الفحم النباتي charcoal، وما زال الفحم النباتي شائع الاستعمال إلى وقتنا الحاضر. وتقدمت البشرية في طريق الحضارة فعرفت صهر الفلزات، وتشكيلها واحتاجت

إلى حرارة عالية فاستحدث الكير الذي يدفع بكميات إضافية من الهواء بما فيه الأكسجين داخل كومة الفحم المحترق، فيتأجج وترتفع حرارته إلى القدر المطلوب. وتعلم الإنسان في مراحل حضارية تالية كيف يستفيد من طاقة المياه الجارية، فيقيم على مسارها عجلات تحركها المياه فتدير الطواحين لغلاله، كذلك عرف كيف يقيم مراوح تحركها الرياح، وكيف يحول تلك الحركة إلى إدارة الطواحين. وفي أواخر القرون الوسطى طرأت زيادة سريعة في الاحتياج إلى الفحم للأغراض الصناعية، وأصبح هناك تهديد بالقضاء على مساحات كبيرة من الغابات التي كانت أشجارها تقتطع بكميات هائلة لغرض الحصول على الفحم النباتي. وتنبهت الأذهان إلى وجود الفحم الحجري الذي يمكن أن يحل محل الفحم النباتي في كثير من صفاته، والفحم الحجري ما هو إلا تراكمات نباتية حدثت خلال أزمان جيولوجية في أماكن توافرت فيها ظروف مناسبة، فهذا الفحم هو الآخر طاقة نباتية مختزنة عبر الأعمار الجيولوجية، ويستخرج من باطن الأرض شأنه شأن أي خامة تعدينية. وقد كان التوسع في استخدام الفحم الحجري تطورا في حياة البشرية. وفي عام 1769 ميلادية توصل المهندس البريطاني جيمس وات إلى اختراع آلة حديدية تتحرك بقوة البخار المضغوط، وكان هذا الاختراع نقطة تحول في تسخير الطاقة المستمدة من الفحم الحجري "التي هي إحدى صور الطاقة النباتية" في إحداث طاقة متحركة عن طريق نقل الطاقة من الفحم إلى طاقة البخار. وشهد القرن التاسع عشر إقامة المصانع التى تدار بمحركات بخارية، وشهدت

وسائل النقل تغييرا جذريا بظهور القاطرات البخارية في البر، والسفن ذات المحركات البخارية في البحر. وفي أواخر القرن التاسع عشر توصل العالم إلى اكتشاف الكهرباء، وكان هذا الاكتشاف أحد العجائب وقتئذ، وكانت المولدات تدار بقوة البخار، ثم أمكن إقامة مولدات كهربائية على مساقط المياه، وعلى مسار السريعة الجريان، وبذلك أمكن تسخير الطاقة الكامنة في المياه الجارية، كذلك أمكن جعل المراوح الهوائية تدار بقوة الريح مولدات كهربائية. ثم كان الحدث الحضاري الذي لا يقل خطورة في حياة البشرية عن تسخير الفحم في توليد البخار لإدارة المحركات، ذلك هو الاتجاه إلى النفط كمصدر للطاقة، ففي عام 1859 ميلادية تمكن أحد رجال الأعمال الأمريكيين، واسمه إدوين دريك من حفر بئر في بلدة تيتوسفيل بولاية بنسيلفانيا الأمريكية، واستخراج البترول والاتجار فيه بصورة اقتصادية، وكان الأقبال عارما على هذا السائل، والبترول المستخرج من آباره سائل لزج قاتم اللون كريه الرائحة يتكون من خليط السوائل بعضها طيار خفيف الوزن وبعضها ثقيل، وكلها قابلة للالتهاب، ويستجيب هذا السائل للتقطير المرحلي Fractional distillation فيعطي قطفات من عدة سوائل مختلفة الكثافة، وتنتهي بأثقلها وهو الأسفلت، ويصحب المواد البترولية السائلة عادة غازات قابلة للالتهاب يمكن فصلها والحصول عليها على حدة، ويتكون البترول من بقايا عضوية حيوانية، ونباتية في أوقات جيولوجية وتحت ظروف جيولوجية خاصة. استطاع المهندسون أن يخترعوا الآلات التى تعمل بالاحتراق الداخلي باستخدام

الوقود البترولي، وصنع أول محرك سيارة في أواخر القرن الماضي، وتخرج مصانع السيارات حاليا ملايين السيارات سنويا، وانتشرت الطائرات، كما انتشرت محطات توليد الكهرباء التي تعتمد على المواد البترولية. ثم انتقل العالم إلى مصدر جديد للطاقة لا يقل أهمية عما سبقه من مصادر، فمنذ الخمسينيات من هذا القرن الحالي بدأ استخدام الانقسام النووي في توليد الكهرباء، وانتشرت المحطات النووية لتوليد الكهرباء في كثير من الدول، وأصبح عددها بضع مئات من المحطات. ومن هذا العرض السريع لمصادر الطاقة على مدى تاريخ الحضارة البشرية يمكن تقسيم هذه الطاقة إلى الآتي حسب مصادرها: مصادر متجددة للطاقة: - طاقة السواعد البشرية. - الطاقة الجيوحرارية. - طاقة استخدام الأنعام. - طاقة الرياح. - طاقة المياه الجارية. - طاقة حرق الأخشاب والفحم النباتي. - الطاقة الشمسية المباشرة.

مصادر غير متجددة للطاقة: -طاقة حرق الفحم الحجري. -طاقة حرق المواد البترولية السائلة والغازية. -طاقة الانقسام النووي. "ك" الأحجار الكريمة في خدمة البشر: لم تكن حياة البداوة المتقشفة في شبه الجزيرة العربية، وخاصة قبل الإسلام لتسمح بالتمتع بالكثير من أنواع الأحجار الكريمة، فقد كان المتاح التحلي به وقت الظهور الإسلام لعرب شبه الجزيرة القليل من جواهر البر، وبعض جواهر البحر. فمن المياه كان يستخرج اللؤلؤ والمرجان، واللؤلؤ إفراز كلسي تحتضنه قواقع معينة ذات ضلفتين "صدفتين"، ويكون اللؤلؤ في حبيبات مستديرة أو قريبة من الاستدارة في حجم حبة الحمص وقد تكون أصغر أو أكبر، بيضاء اللون عادة، وقد يشوبها لون آخر، واشتهرت المياه الدافئة بوجود أصداف اللؤلؤ، ويمارس غواصو اللؤلؤ صناعة الحصول على اللؤلؤ من أصدافه. أما المرجان فيكون في أعواد متشعبة ذات لون برتقالي، أو أحمر ولها مظهر أعواد النبات، إلا أنها حيوان بحري من عائلة المرجانيات، وهو حيوان رخوي يحتمي داخل أعواد كلسبة مجوفة هي أعواد المرجان.

ويمكن الحصول على اللؤلؤ وعلى المرجان من المياه المالحة أساسا، ومن المياه العذبة في ظروف خاصة. {وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا} [فاطر: 12] . {يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ} [الرحمن: 22] . ويطلق على ما عظم من اللؤلؤ حجما وبهاء "الدرة"، وحين أعطى الله مثالا لنوره سبحانه وتعالى بضوء مصباح في زجاجة، وصف الله بهاء الزجاجة كأنها كوكب دري! {الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ} [النور: 35] . وجاء ذكر اللؤلؤ فيما وعد الله به أهل الجنة من حلية، كما وصف به الحق الحور العين، ومن يطوف على أهل الجنة من غلمان: {يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا} [الحج: 23] . {وَحُورٌ عِينٌ، كَأَمْثَالِ الْلُؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ} [الواقعة: 22-23] . {وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ غِلْمَانٌ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَكْنُونٌ} [الطور: 24] . وكان العرب يعرفون التطيب بالعنبر وهو من إفرازات صيد البحر، وروي عن ابن عباس رضي الله عنه فتوى في شأن العنبر قال: ليس العنبر بركاز، هو شيء دسره البحر. والأحجار الكريمة مما يوجد في أحجار اليابسة شيء كثير، إلا أن القرآن الكريم\

اختص بذكر واحد فقط من بين الأحجار الكريمة، هو الياقوت، جاء ذلك فيما وعد به أهل الجنة من الحور العين كأنهن الياقوت والمرجان في صفاء اللون: {فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ، فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ، كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ} [الرحمن: 56-58] . والياقوت لونان: ياقوت أحمر nuby وياقوت أزرق sapphire والاثنان من مادة واحدة هي بلغة العلم الحديث مادة الكورندم الشديدة الصلابة التي تلي الماس في مقياس الصلابة، ولم يعرف الياقوت في الجزيرة العربية في أي من أنحائها، وموطنه المشهور هو الساحل الجنوبي للهند، وجزيرة سرنديب "سريلانكا"، ولا بد أن الناس وقت ظهور الإسلام كانت تعرف هنا الحجر الكريم، وتراه أحيانا أو تسمع به. ولما انتشر الإسلام خارج الجزيرة وأطل على بلاد ما بين النهرين، وفارس وما وراءهما شرقا إلى بلاد السند، وما وراء فارس في أواسط آسيا وأرض مصر وأرض النوبة، عرف المسلمون كل أنواع الأحجار الكريمة وتحلوا بها، وكان من علماء المسلمين في عصر الإمبراطورية الإسلامية المزدهرة من ألفوا كتبا في صفات الأحجار الكريمة من واقع خبرتهم، وتجاربهم العلمية على تلك الجواهر، ومن هؤلاء العلماء: الكندي والرازي والمسعودي وابن سينا والبيروني والتيفاشي والقلقشندي. واشتهرت اليمن وما حولها من مناطق جنوب غرب شبه الجزيرة العربية بالعقيق الذي عرف بالعقيق اليماني، وهو الجزع onyx، استخرج الجزع "العقيق" من مواقع شتى من تلك المناطق، وسمي باسم كل موقع استخرج منه لاختلاف في اللون

و"التجزيع". وتقتطع من الجزع حبات تصقل وتثقب وينظم منها عقود، أو يعمل منها فصوص تركب في الأختام، وقد تحفر عليها كتابة أو صور، هناك فصوص بقرانية وفصوص سعوانية، وقيل: إن أم المؤمنين عائشة كانت تتحلى بعقد من جزع ظفار. ومن الأحجار الكريمة بلورات "الجمشت amethyst" البنفسجية اللون، وقيل: إنها موجودة في شقوق تضمها بعض حرات جبال الحجاز. ومن الأحجار الكريمة التى عرفها المسلمون بعد انتشار الإسلام: الزمرد emerald والزبرجد peridot واللازور lapis lazuli والفيروز torquise واليشم Gade واليشب gasar، أما الماس diamond فلم تكن له شعبية في تلك الأزمان ربما؛ لأنه لا لون له، إنما كان الإقبال والإعجاب بالأحجار الكريمة الزاهية الألوان.

الخاتمة

الخاتمة: شاءت إرادة الله أن يعمر آدم الأرض.. وسريعا ما استطاع البشر السيطرة على سائر الأجناس الحيوانية، بجانب السيطرة على عالم النبات، واستمرت معايشة البشر للمملكتين الحيوانية، والنباتية في حالة من التوازن عبر آلاف السنين. ومع دخول البشرية القرن الثامن عشر بعد الميلاد، بدأت نذر الاختلال في هذا التوازن تظهر في الأفق. وأول عناصر هذا الاختلال هو الزيادة السريعة في تعداد السكان على الصعيد العالمي، فأصبح الطب يكتشف أسباب الأمراض علميا ويبتكر الأدوية والأمصال، فنقصت الأوبئة وقلت نسبة الوفيات، كذلك زادت موارد الأفراد بصفة عامة مما شجعهم على زيادة الإنجاب. وفي بداية القرن العشرين كان تعداد سكان العلم يقدر بحوالي 1.6 بليون نسمة وفي عام 1990 وصل التعداد إلى 5.3 بليون نسمة، والمتوقع أن يصل التعداد في نهاية القرن العشرين إلى 6.4 بليون نسمة، وأن يصل التعداد عام 2025 إلى 8.6 بليون نسمة. وتعتبر هذه الزيادة السكانية المخيفة انفجارا سكانيا وخيم العواقب، هذا من ناحية. ومن ناحية أخرى فقد عاث البشر فسادا في استنزاف الموارد الطبيعية، فمع حدوث ما سمي بالثورة الصناعية نشطت أعمال استخراج كل ما يمكن استخراجه

من الخامات التعدينية لتغذية الصناعات المختلفة، وكانت الزيادة في استخراج الخامات التعدينية زيادة هائلة، وبعد أن كان رجال التعدين لا يستخرجون إلا الخامات الغنية، أصبحوا يواجهون ظروفا جديدة من نفاذ الخامات، وزيادة طلب الصناعة لمحتلف الخامات إزاء هذا الظرف الجديد، فقد تنازل رجال التعدين كثيرا في حرصهم على مواصفات مرتفعة للخامات التي يرون أنها يمكن استغلالها اقتصاديا. والجداول التالى يبين نموذجا لهذه الحقيقة: الخام ... التركيز الاقتصادي عام 1925 ... التركيز الاقتصادي عام 1971 نحاس رصاص زنك قصدير ... 2.1% 2.75% 4.7% 1.2% ... 0.6% 0.6% 2.0% 0.015% وزاد استخراج وحريق خامات الطاقة من فحم وبترول، وهي مواد "حفرية" غير متجددة، وقدر ما كان يستهلكه العالم من المواد البترولية في الخمسينيات. من هذا القرن بثمانية ملايين برميل يوميًّا، ارتفع عام 1992 إلى 161 مليون برميل يوميا، ويمكن أن يصل إلى 250 مليون برميل يوميا عام 2010، وفي هذا استنزاف واضح لهذا المصدر المحدود للطاقة السريعة النضوب، أما الفحم فإن احتياطياته في العالم تكفي، بمعدل الاستخراج الحالي وهو حوالي أربعة بلايين طن سنويًّا، لعدة مئات من السنين، فهو خام للطاقة بطيء النضوب. وقدر العلماء ما كانت تحرقه البشرية من عنصر الكربون من مصادرة المختلفة عام

1988 بما يقرب من 5.66 بليون طن لذلك العام، أي أكثر من طن لكل كائن بشري، وينتج من حرق كل طن من الكربون 3.7 طن من غاز ثاني أكسيد الكربون، أي أن إجمالي ما ينتج سنويا من حريق المواد الكربونية هو حوالي 22 بليون طن من غاز ثاني أكسيد الكربون، وإذا كان هذا التقدير يندرج على عام 1988 فما بالك بالتقدير عام 2000 وما بعد عام 2000. ومع زيادة تعداد البشر يزيد احتاجها إلى المزيد من الغذاء، لذلك فقد أزيلت مساحات هائلة من الغابات، وما زالت تزال سنويا مساحات أخرى، لشغلها بزراعة الحبوب، ويقال: إن ما حدثت إزالته من غابات يصل إلى 40 مليون فدان، وقبل أن يتدخل البشر في قلقلة التوزان الذي تمتعت به القشرة الأرضية، كانت الرقعة الخضراء النباتية تستوعب كل ما يصعد في الغلاف الجوي من غاز ثاني أكسيد الكربون، وتثبته في صورة نبات، ويتغذى الحيوان على النبات فيقوم هو الآخر بصورة غير مباشرة في المساهمة بتثبيت ثاني أكسيد الكربون، ثم ترتب على الزيادة الهائلة في إطلاق غاز ثاني أكسيد الكربون خلال القرن العشرين مع النقص المتزايد في الرقعة الخضراء، أن أصبح النبات على الصعيد العالمي لا يستطيع استيعاب كل ما يطلق من غاز ثاني أكسيد الكربون، وأصبح هذا الغاز يتراكم في الغلاف الجوي عاما بعد عام. يحدث ارتفاع في درجة حرارة الغلاف الجوي نتيجة هذا الخلل، وهو ما يسميه العلماء بظاهرة "الصوبة الزجاجية"، وقد سبق أن ذكرنا حدوث ما يسمى بثقب الأوزون، وذكرنا أسبابه وتأثيراته الضارة. ويحذر علماء البيئة من أن الإخلال بالتوازن الطبيعي يجعل سكان الأرض يعيشون

على أبواب ظاهرة مناخية لا عهد لهم بها تصيبهم بنكبات طبيعية تظهر آثارها بوضوح خلال النصف الأول من القرن الواحد والعشرين. من هذه النكبات انتشار الجفاف في أجزاء واسعة نتيجة الخلل في توزيع سقوط الأمطار وشحه بصفة عامة، يضاف إلى هذا، توقع ارتفاع منسوب مياه المحيطات، والبحار بما يتراوح بين 80 - 160 سنتيمترا، يصاحب احتمال ذوبان جزء من جليد القطب الجنوبي. كذلك يعاني العالم المعاصر من زيادة نسبة التلوث الذي يحدثه الإنسان في بيئته على اليابسة، وفي المياه وفي الغلاف الجوي، بما ينذر بفساد المجال الذي يعيش فيه البشر تدريجيا حتى يصبح من العسير عليه الاستمرار في حياته العادية. هذا هو الوضع الحالي باختصار شديد بالنسبة للسكان، والموارد والتغيير في التوازن. لقد عاش في أواخر القرن الثامن عشر مفكر اجتماعى بريطاني اسمه توماس مالتوس Thomas R. Malthus " 1766- 1834" وكانت -لهذا المفكر- نظرة خاصة بعلاقة التعداد السكاني بالموارد، على الصعيد العالمي. ومن تحليلاته التى وجدت لها صدى، ومصداقية في وقتنا الحالي قوله: The human species would increase in the ratio of 1. 2. 4. 8 ... and subsistence as 1.2.3.4 ... Thus population growth would be checked by indequte supplies redccing the majoroty to a bare subsistence. وهذا معناه أن يزيد الجنس البشري بمعدل 1 إلى 2 إلى 4 إلى 8 ... وهكذا، بينما تزيد الموارد بمعدل 1 إلى 2 إلى 3 إلى 4.... وهكذا، وبذلك فالمتوقع أن تتوقف الزيادة

السكانية بسبب الوصول إلى مرحلة عدم كفاية الموارد، وبعد أن تكون غالبية سكان العالم قد انحدرت إلى مجرد الكفاف. واعتبرت نظرة مالتوس نظرة تشاؤمية لمستقبل البشرية. والواقع أن هناك مثلثا يربط ما بين: الموارد من ناحية، واستخدامها على يد الإنسان باستحداثه للتكنولوجيا المتطورة "المفيد منها والمضر"، وما يضعه الإنسان بمحض اختيارة من ضوابط لعلاقاته الاجتماعية: وهذا يعني أن على البشرية أن تدرك الأخطار التي تتهددها، وهي أخطار محدقة تنذر الجميع بكوارث الجوع، والعطش والتلوث، وعلى البشرية أن تتكاتف وتتقي الله فيما تفعل في تدمير نفسها، وعليها أن تتعاون فتحسن إدارة مواردها وأمورها عامة. فلا يتغالى القادر في انتهازية، فيزداد الغنى غنى بينما يزداد الفقير فقرًا.

وللزعيم الهندي غاندي قولة مشهورة فلسفية في هذا الشأن: Resources can satisfy everybodies basic need but nibidy.htm's greed أي أن الاحتياجات البشرية الأساسية يمكن للموارد الوفاء بها للجميع إذا أبعدت عنها المطامع الشخصية النهمة. فما قول الدين في هذا الشأن؟ لقد كفل الله سبحانه وتعالى "بما أودع في الأرض من موارد" أن تجد كل دابة رزقها، والإنسان هو أيضًا يستطيع أن يجد رزقه مع السعي، والدأب وحسن الإدارة: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} [هود: 6] . {وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [العنكبوت: 60] . أما إذا استمر الإنسان في سوء إدارته للموارد، وإشاعة عدم الاتزان في الأشياء وفي الكائنات النباتية والحيوانية، وفي إحداث تلوث في البر والبحر والجو: حينئذ لا يعلم مصير البشرية إلا الله جل وعلا. ونستعيذ بالله من الشيطان الرجيم، ونسأل الله الهداية والرشاد. {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [الروم: 41] .

مراجع

1- مراجع باللغة العربية: تفسير وحديث: -محمد فؤاد عبد الباقي: المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم "دار مطابع الشعب - القاهرة". - عبد الجليل عيسى: تيسير التفسير "القاهرة - 1958". - المنتخب في تفسير القرآن الكريم "المجلس الأعلى للشئون الإسلامية - القاهرة - 1986". - محمود شلتوت: تفسير القرآن الكريم - الأجزاء العشرة الأولى "دار القلم - القاهرة - 1966". - شوقي ضيف: سورة الرحمن وسور قصار " دار المعارف - القاهرة". - صحيح أبي عبد الله البخاري، بشرح الكرماني "المطبعة المصرية - 1934". - موطأ الإمام مالك: رواية محمد بن حسن الشيباني "المجلس الأعلى للشئون الإسلامية - القاهرة - 1987". - سيد سابق: فقه السنة "دار الكتاب العربي". - محمد بن علي بن محمد الشوكاني: شرح منتقى الأخبار من أحاديث سيد الأخيار "نيل الأوطار" "مكتبة دار التراث - القاهرة". - العسقلاني: فتح الباري بشرح صحيح البخاري.

اجتهادات دينية: - أحمد ماهر البقري: الزكاة ودورها في التنمية "دار الدعوة للطبع والنشر والتوزيع - الإسكندرية". - أحمد عبد الوهاب: النبوة والأنبياء في اليهودية، والمسيحية والإسلام "مكتبة وهبة - القاهرة - 1979". - حنفي أحمد: التفسير العلمي للآيات الكونية في القرآن "دار المعارف - القاهرة - الطبعة الثالثة". - سيد قطب: مشاهد القيامة في القرآن "دار المعارف - القاهرة". - شوقي إسماعيل شحاته: تنظيم ومحاسبة الزكاة في التطبيق المعاصر "الزهراء للإعلام العربي - القاهرة - 1988". - عبد الحليم الجندي: القرآن والمنهج العلمي المعاصر "دار المعارف - القاهرة 1984". - عبد الرازق نوفل: الله والعلم الحديث "مؤسسة دار الشعب - القاهرة". - عبد الفتاح محمد طيرة: خلق الإنسان، دراسة علمية قرآنية "الهيئة المصرية العامة للكتاب - 1988". - عبد الكريم صادق بركات وعوني محمود الكفراوي: الاقتصاد المالي الإسلامي "مؤسسة شباب الجامعة للطباعة والنشر والتوزيع - الإسكندرية - 1984". - عبد المنعم السيد عشري: تفسير الآيات الكونية في القرآن الكريم "الهيئة المصرية العامة للكتاب - 1985".

- القرطبي: التذكرة في أحوال الموتى وأمور الآخرة "دار الريان للتراث -القاهرة - 1986". - مجد متبولي غريب: إشارات هندسية في آيات قرآنية "دار المجد للدراسات والبحوث الهندسية - القاهرة". - محمد جمال الدين الفندي: الله والكون "الهيئة المصرية العامة للكتاب - 1987". - محمد الغزالي: نظرا في القرآن. - محمد محمود إبراهيم: إعجاز القرآن في علم طبقات الأرض "محاضرات ألقيت بالقاهرة أعوام: "1942، 1956، 1957، 1959". - منصور محمد حسب النبي: القرآن الكريم والعلم الحديث "الهيئة المصرية العامة للكتاب - 1991". معاجم لغوية: - لسان العرب المحيط: للعلامة ابن منظور "دار اللسان - بيروت". - القاموس المحيط: للعلامة مجد الدين الفيروزآبادي. مصادر علمية وتاريخية: - معجم الجيولوجيا: إصدار مجمع اللغة العربية - القاهرة - 1983. - جواد علي: الفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام الجزء الأول، والجزء السابع "دار العلم للملايين - بيروت".

- حسن صادق: الجيولوجيا "وزارة المعارف العمومية - القاهرة - 1933". - هـ. هـ سوينيرتون: -الأرض من تحتنا "مترجم" "مجموعة الألف كتاب رقم 592 - مؤسسة سجل العرب - القاهرة - 1966". - محمد صفي الدين أبو العرز: قشرة الأرض، دراسة جوموزفولوجية "دار النهضة العربية - القاهرة - 1976". - محمود حامد محمد: الميتورولوجية أو الظواهر الجوية "الناشر المؤلف - مطبعة الاعتماد - القاهرة - 1947". - محمد حسين هيكل: في منزل الوحي "دار المعارف: القاهرة - 1979". مراجع باللغة الأجنبية: - encyclopedia americana - he new caxton encyclopedia - oxford junior encyclopedia - encyclopedia of science and technology (mc graw - hill book company - 1973) . - guillemin, claude, 1973: les ressources minerales et energetiques, vout- elles manquer? (la societe des ingenieurs civils de france) . - lebkicher, roy, et al, 1960: saudi arabia (aramco hand book) - resanov, l,a, 1984: catastrrophes in the earth.htm's history. (mir publishers, moscow) . - zeilik, michael, 1982: astronomy: the evolving universe (harper and, row, new york) .

أشكال

أشكال:

شكل رقم "2"

شكل رقم "3"

شكل رقم "5"

شكل رقم "6"

الفهرس

الفهرس: الصفحة الموضوع 7 -تمهيد 23 -الفصل الأول: ما حول الأرض من نجوم وكواكب: 23 - قصور الحواس البشرية. 25 - المجرة. 29 - الشمس. 30 - انفصال جسم الأرض. 30 - زينة الأرض والسماء. 31 - سجود الكائنات وتسبيحها. 33 - الفصل الثاني: الغلاف الجوي حول الأرض: 36 - تطور الغلاف الجوي. 38 - الأوزون. 40 - ارتفاع حرارة الجو. 41 - الرياح. 44 - بعض الظواهر الجوية: 44 - الرعد والبرق. 45 - الصاعقة. 46 - قوس قزح. 47 - السراب. 48 - حجارة من السماء: 48 - الشهب والنيازك

50 - الحاصب والسجيل. 52 - الحجر الأسود. 53 - الفصل الثالث: اليابسة: 53 - الأرض: 54 - التركيب الداخلي للكرة الأرضية. 56 - تناقص أطراف الأرض. 58 - المجال المغناطيسي للأرض. 58 - تضاريس اليابسة. 62 - الجبال وصخورها. 65 - الجدد والغرابيب. 68 - صلابة الخر والحجارة. 69 - البلورات. 71 - الحركات الأرضية: 71 - الحركات البطيئة للقشرة الأرضية. 74 - الحركات السريعة للقشرة الأرضية. 83 - الفصل الرابع: الغلاف المائي للقشرة الأرضية: 84 - الماء عند تكوين الأرض. 85 - منشأ وتطور المحيطات. 86 - تضاريس قيعان المحيطات. 86 - كيمياء الماء.

87 - ملوحة مياه المحيطات والبحار. 92 - السحاب والبرد. 93 - الثلج والجليد. 94 - الماء يسكن اليابسة. 99 - الفصل الخامس: الزمان والمكان: 99 - الزمان: 99 - البداية. 100 - تركيب الذرة. 101 - العمر المطلق للأرض. 102 - أسس التأريخ الجيولوجي لقشرة الأرض. 104 - تقسيم الزمن الجيولوجي. 110 - وحدات قياس الزمن. 115 - الواقعة "النهاية". 120 - المكان: 121 - الشرق والغرب. 122 - البوصلة. 123 - مواقع النجوم. 125 - الفصل السادس: الضياء والنار والطاقة: 125 - الضياء: 125 - الضياء الوافد من السماء.

126 -الضياء النابع من مصدر أرضي. 127 - الله نور السموات والأرض. 128 - النار: 131 - نار جهنم. 132 - النار والجان. 133 - الطاقة: 133 - طاقة مصدرها تركيب كوكب الأرض نفسه. 135 - طاقة مصدرها أشعة الشمس. 137 - الفصل السابع: ما ينفع الناس: 137 "أ" الحياة على الأرض قبل الإنسان. 142 "ب" سكنى الإنسان للأرض. 143 "جـ" خلق الإنسان. 148 "د" الإنسان والنمو الحضاري. 152 "هـ" الماء في خدمة البشر. 156 "و" النبات في خدمة البشر. 159 "ز" الأحجار ومواد البناء في خدمة البشر. 164 "ح" خامات صناعية غير فلزية في خدمة البشر. 164 - ملح الطعام. 165 - الطلق. 166 - الكبريت.

166 - القطران. 166 - الزجاج. 169 "ط" خامات الفلزات في خدمة البشر: 169 - الفلزات في القرآن الكريم: 169 - الذهب. 171 - الفضة. 171 - النحاس. 172 - الحديد. 173 - استخراج الفلزات من مناجمها وتصنيعها. 179 - الفلزات في الفتاوي الشرعية. 180 - العملة المعدنية. 181 - زكاة الركاز والمعدن. 184 - كيفية تحصيل زكاة المعدن. 184 - الآراء في ملكية الخامات التعدينية والبترول. 185 "ي" خامات الطاقة في خدمة البشر. 191 "ك" الأحجار الكريمة في خدمة البشر. 195 - الخاتمة. 201 - مراجع. 205 - أشكال. 207 1- نموذج لقطاع في باطن الأرض.

209 2- نموذج صفات باطن الأرض. 211 3- التحلل الإشعاعي لذرة يورانيوم 238 إلى رصاص مع الزمن. 213 4- نموذج انقسام اليابسة. 215 5- أحزمة المناطق الأكثر قابلية للزازل. 217 6- أطراف أقراص القشرة الأرضية. 219 - الفهرس.

§1/1