القرآنيون، نشأهم - عقائدهم - أدلتهم

علي محمّد زينو

القرآنيون علي محمد زينو الكتاب: القرآنيون المؤلف: علي محمد زينو الناشر: دار القبس، دمشق. الطبعة: الأولى تاريخ النشر: 1432/ 2011 [الكتاب موافق للمطبوع]

الإهداء

الإهداء إلى سيدي وحبيب قلبي وحبيب ربّ العالمين سيدنا محمد بن عبد الله رسول الله صلى الله عليه وسلم أستشفعهُ لنفسي وأهلي وأحبابي يومَ الهول الأكبر والحادث العَمِمِ

مقدمة البحث

مقدمة البحث: بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام الأتَمّان الأكملان على حبيبنا وإمامنا سيدِنا محمد، وعلى آله الطيبين وأصحابه أجمعين، وتابعي هديِه إلى يوم الدين، وبعدُ. سبب اختيار البحث: إن الدوافعَ التي حدَت بي للكتابة عن «طائفة القرآنيين» موضوعاً لهذا البحث تعودُ إلى الإحساس بخطورة انتشار هذه الفِرقة في بعض البلاد الإسلامية (¬1)، وشيوعِ أفكارها كلاً أو جزءاً بين المسلمين (¬2)، وخصوصاً بعد إنشائها موقعاً الكترونياً ضخماً قويّ الإمكانات والمزايا خاصّاً بها، ناهيكَ عن استخدامها مواقعَ الانترنت المتنوعة الأخرى. وأما السبب المباشرُ الذي دفعني إلى اتخاذ القرار بالكتابة عنهم فهو الذهولُ في أثناء قراءةِ خبرٍ في أحد مواقع الانترنت، رأيتُ فيه جرأةَ هذه الفئة، واستخفافَها بالمصطلحات الإسلامية، وبمشاعر المسلمين. ذلك في إطلاقهم على أنفُسِهم وصْفَ «الكفّار المسلمون» وهم يُروّجون لِعقدِهِم مؤتمراً لهم في مدينة نيويورك الأمريكية (¬3). ¬

_ (¬1) يُستَدلُّ على ذلك بأمرين: - التنوع الجغرافي لأصحاب الكتب التي تطعن بالسنة النبوية المشرفة جمعاء، أو ببعضِ دواوينها الكُبرى، أو الأحاديث المُجمَعِ على صحتها فيها. - التنوع الجغرافي للكتاب الذين يسطرون آرائهم في الموقع الرسمي لفرقة القرآنيين المسمى «أهل القرآن». قائمة كتاب الموقع بتاريخ 10/ 3/2009. «موقع أهل القرآن»: كُتّاب الموقع. (www.ahl-alquran.com/arabic/writers.php). (¬2) يزعم رأس هذه الطائفة الدكتور أحمد صبحي منصور أنّ عدد المنتمين إلى جماعته يبلغ (10000) باحثٍ ودارسٍ كما وصفَهُم. «موقع العربية نت» (Alarabiya.net) بتاريخ الثلاثاء 03 ربيع الأول 1429 هـ - 11 مارس 2008 م. (¬3) جاء في «موقع العربية نت» (Alarabiya.net) بتاريخ: الثلاثاء 03 ربيع الأول 1429 هـ - 11 مارس 2008 م: دبي - فراج إسماعيل: تعتزم حركة القرآنيين تنظيم مؤتمر غير مسبوق هو الأول في أمريكا «للكفار المسلمين» حسب ما بثته وكالة «أمريكا إن آرابيك» بهدف إصلاحِ الإسلام وتقديم وجهات نظرٍ بديلةٍ للمفاهيم السائدة في العالم الإسلامي. واختارت المجموعة المنظمة للمؤتمر لنفسها اسم «المهرطقون المسلمون»، أو «الكفار المسلمون» حسب الترجمة الحرفية. لكن د. أحمد صبحي منصور زعيم حركة القرآنيين قال لـ «العربية نت»: إن المعنى الحقيقي المقصود من وراء الاسم هو «المتهمون بالهرطقة»، ويحمل في طياته سخريةً من اتهامات الكفر والخروج عن الإسلام وإنكار السنة والعلمانية [كذا] الموجهة ضد من سماهم «الإصلاحيين المسلمين».

منهج البحث

منهج البحث: بُني هذا البحث الضئيل على أساس التعريف بهذه الفرقة وأهم معتقداتها عبر أدبياتِها، وتقديم نماذجَ من فقهها، ومناقشة موضوعية دعاواها، ومحاولة بيان تناقضها باستخدام الأدلة القرآنية والأدلة العقلية فحسب، وعدمُ الاستشهاد بالأحاديث النبوية الشريفة والآثار إلا استئناساً؛ لأن في ذلك احتجاجاً بالدعوى. مصادر البحث: - القرآن الكريم. - مواقعُ انترنت مختلفة. - كتبٌ لأرباب هذه الطائفة. - مصادرُ أخرى. العقبات التي واجهها هذا البحث: كَكُلّ عملٍ بشريٍّ فقد لقي هذا البحثُ مصاعبَ في طريق إنجازه كان أهمّها: 1 - ضيقُ الصّدر، وإظلامُ القلب اللذان كانا يترصّدانِني كلما باشرتُ الكتابة! والبواعثُ على ما ذكرتُ هي قُبحُ البِدَع، وبشاعةُ الانحراف، وسماجةُ الجري خلفَ الأهواء. وأخطرُ هذه البواعث على الإطلاق الخوفُ على النفسِ من الضلال، والحذرُ على عقيدةٍ سُنّيّةٍ أنعمَ بها الله تباركَ وتعالى عليَّ من الضّياع!

{رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ} [سورة آل عمران 3: الآية 8]. «اللهم ربَّ جبرائيلَ وميكائيلَ وإسرافيلَ، فاطرَ السموات والأرض، عالمَ الغيب والشهادة، أنت تحكم بين عبادكَ فيما كانوا فيه يختلفون؛ اهدِني لِما اختُلِفَ فيه من الحقّ بإذنك؛ إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم» (¬1). 2 - ضرورةُ إنجاز البحثِ مُتقَناً وافياً في أجَلٍ حدّدتُهُ لنفسي كاد أن يَحول بيني وبينه ضيقُ الوقتِ الناجمُ عن كثرة الشواغل، ووفرة المسؤوليات، والله وحدَهُ المستعان، وعليه دون خلقِه التُّكلان، ولا حَوْلَ إلا بِه، ولا طَوْلَ إلا لَه. علي محمد زينو دمشق 22/ 3/2009 ¬

_ (¬1) أخرجه مسلمٌ في «صحيحه» برقم (1811) عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف قال: سألتُ عائشة أم المؤمنين: بأيّ شيء كان نبيُّ الله صلى الله عليه وسلم يفتتح صلاته إذا قام من الليل؟ قالت: كان إذا قام من الليل افتتح صلاته: «اللهم رب جبرائيل .... » الحديث.

التمهيد

التمهيد إن الصراعَ الفكريّ الذي شرَقَت به البشريةُ على امتداد عمرِها لم تسلَمْ منه الأمة المسلمة في عصرٍ من العصور، فقد تجادلت فرقُ المسلمين فيما بينها جدالاً لم يدَعْ وسيلةً إلا وسخّرها له، ولقد ولّد هذا الصراعُ الفكريّ خيراً كثيراً، وشرّاً مستطيراً! أما الخيرُ الكثيرُ ففي بيان الحقّ، وإيضاح الهُدى، وإجلاء الرَّشَد؛ الأمر الذي لا يتطلب من باغي الحقّ إلا صِدْقَ القَصْدِ، وإخلاصَ النية؛ مشفوعَين بالجدّ في الطلب، والحثّ في السعي في سبيل رضا الباري جل وعلا. وأما الشّرّ المستطير فإن الباطلَ قد تقيّأَ ضلالاتٍ وشُبَهاً وبِدعاً تلقّفتها القلوبُ المريضة، والتقطتها النفوسُ السقيمة؛ فأُشرِبَتْها وأُسكِرَت بحُميّاها، حتى اختفى أمامَ عيونِ بصائرِهم من الحقيقةِ مُحيّاها! وإنّ شيئاً لن يُوقِفَ جولاتِ الصراعات بين أفكار الناس حتى المسلمين منهم، بل لعلّ المسلمين لديهم من وقود الصراع ما يفوقُ سواهُم من الناس! ذلك بأنه إن كان ليس لدى غيرِ المسلمين إلا الأهواءُ المجرّدةُ عن الأدلة المعتبرة؛ ولا رابطَ حقيقيّاً يربطهم بجذورِ أمَمهم التي ينتسبون لها، ولا وشائجَ بينهم وبين مصادرِ أديانِهم إلا الخرافةُ والزور المُصدّق. فإنّ بين يدي المسلمين سنةَ نبيٍّ كريمٍ صلى الله عليه وسلم ضَمّت ـ وضُمَّ إليها ـ الآلاف من الأحاديث التي تصارعت حولَها الطوائفُ والفِرق نفياً وإثباتاً، واستنباطاً وتطويعاً. ولديهم كذلك تاريخٌ حافلٌ فيه سمومٌ ودُسوم، وفيه رواياتٌ متعارضَة، وأخبارٌ متناقضَة؛ بحيثُ لا يعدم صاحبُ فكرةٍ خبراً عن زيدٍ أو عمرٍو يؤيّدُ فكرتَه، أو روايةً تعضُدُ نظرتَه. ويأتي على رأس ذلك كلِّهِ قرآنٌ لعِبَت بالاهتداء به الأهواء، وحاولت تسخيرَهُ الأنظارُ والآراء، فهو كما أنه نبراسُ الهداية، فهو مع ذلك مَزلّةُ الغواية، ومع أنه منارُ الرشد، فإنه مَزلقٌ إلى الضلالة، كما قال مُنزِلُهُ سبحانه وتعالى: {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآَنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا} [سورة الإسراء 17: الآية 82].

وقال تبارك وتعالى: {قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آَمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آَذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى} [سورة فصلت 41: الآية 44]. وقال عزّ من قائل: {وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ} [سورة التوبة 9: الآية 125]. نعم، هو كذلك لِمن يَستَنِرْ به كما أراد الله تباركَ في علاه، ومَن لم يتّبِعْ مَنهَجَ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - وصحابته الأخيار الأبرار في الاهتداءِ به، ذلك المنهج الذي بنى أمةً أشرَقت أنوارُ حضارتِها إشراقةَ الشمسِ في الضحى الأغرّ، تلك الحضارة التي لو لم تكن ربّانيةً لَما نبغَت ذلك النبوغ الهائل كمّاَ ونوعاً، زماناً ومكاناً. ذلك لأنّ هذا الكتابَ العزيزَ نزلَ دستوراً، وجعَلَهُ اللهُ تبارك وتعالى منهاجاً، وإنّ من شأن الدساتير، وديدن المناهج أنها تخلو من التفريعات والتفصيلات، وتُعرِضُ عن الدخول في الصغائرِ والجزئيّات. إن القرآن الكريم نزل بأُسُس العقيدة المبنية على التوحيد الخالص، وجاءَ بشيءٍ من ركائزِ العبادات والمعاملات والأخلاق، وها هو بين أيدي الخلق أجمعين يتكلّم ببيانٍ يسمو عن الإجابة عن أسئلةٍ كثيرةٍ لا تُحصى، ويسكت عن مسائلَ أكثرَ من أن تُستقصى. فلمَ كان ذلك؟ أهو نسيانٌ ممّن تكلّم به سبحانه لتلك الأشياء؟ أم تفريطٌ من رسولَيه الملَكيّ والإنسيِّ عليهما السلام؟ أم ضياعٌ من أمّةٍ اؤتُمِنَت فخانت، واستُحفِظَت فلم تحفَظ؟ إنّ كلّ ذلك ليس بكائن، بل إن هذا القرآنَ العظيم كتابُ هداية، ولكنّ هدايةَ القرآن هدايةٌ إجماليةٌ لا تفصيلية. وإنّ سيدَنا محمداً عليه الصلاة والسلام العبدَ الكريمَ الذي نزل عليه القرآنُ وكُلّفَ بأدائه إلى عباد الله كما نزل فأدّى ذلك التكليف خير أداء، وُكِلَت إليه مع الأداءِ وظيفةٌ أخرى قد لا تقلّ عن الأولى شرفاً وخطراً.

إنها مهمة بيانٍ للإبهام، وتوضيحٍ للإشكال، وتفصيلٍ للإجمال، وإجابةٍ عن كلّ ما يسأل عنه المسلمُ حين يقرأ موادّ الدستور الربانيّ، وأوامر المرسوم الإلهيّ: كيف يكون تطبيقُها؟ وكيف يكون استمرارُها نبراسَ هدايةٍ للبشرية مع اختلاف الأزمنة والأمكنة؟ وقد قام بذلك سيدُنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خير قيام، وأجابَ عن التساؤلات الإنسانيةِ خيرَ إجابةٍ، ولم يدَعْ إلا ما تدعو إليه الحاجة غيرُ الحقيقية، ويدفعُ إليه بطَرُ التكلّف، وترَفُ التنطّع. لقد ترك رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - سُنةً سدّت كلّ السُّبُل، وأوصدَت جميعَ الأبوابِ سواها إلى الله تعالى وتبارك، فاهتدى بهديها المسلمون أربعةَ عشرَ قرناً ونيّفاً، وجدوا فيها لكلّ داء دواءاً، ومن كلّ وجعٍ وبلسماً وشفاءاً. إلا أنّ بعضَ أهل الأهواء في كلّ دهرٍ من الدهور، وعصرٍ من العصور، غصّ بالسُّنّة الغراء، وشرَقَ بالنعمة البيضاء؛ لأنها وقفت بينهم وبين جعلهم أهواءَهُم عقداً وديناً، فجرّدوا فيها مباضعَ التأويل وهو أول التضليل، وأغمدوا فيها نصولَ الاجتزاءِ وشِفارَ التطويع. بل زادَ بعضُهم غيّاً إلى أن تجرّأ على ردّ ما لا يُعجِبُهُ منها، وتكذيب ما لا يحلو له من أحاديثها، وبلغ السيلُ زُباه، ووصل الضلالُ منتهاه؛ بأن نجمت منذُ أزيد من قرنٍ زَرافاتٌ من الناس أنكَروا السُّنّة بالكليّة، وردّوا كلّ ما أتاهم من الأحاديث النبويّة، وأعلنوا أنهم رمَوا بها ظِهريّاً، وأفرَطوا بأن تَجرّأ بعضُهم على التهكُّم بها واتخاذِها سُخريّاً. واستمرّ الفكر الفاسد بتفريخ النَّكِرَة بعد الأخرى حتى طلعت على الناس في الآونة الأخيرة جماعةٌ سمّت نفسها «أهل القرآن» أو «القرآنيون»، أشهرت أنها لا تؤمن إلا بالقرآن وحدَه، وأن كلّ ما نُسِبَ إلى النبيّ - صلى الله عليه وسلم - كذبٌ وافتراء، وزورٌ ودجل! وإنه لَمّا كانت لهذه الجماعة منابرُ إعلاميةٌ مرموقةٌ تبثّ فكرَها وتنشُرَه بين المسلمين، فقد أوضعت خلال بني الأمة تبغيهِمُ الفتنة، وأحدثت في جسدها جُرحاً جديداً من الجراح الأليمة، فانبرى عددٌ من المسلمين للردّ على هذا الضلال، ووقفوا في وجه هذا التجديف.

فأّلفَ عُلماءُ كرامٌ كُتباً عديدة (¬1)، وغير ذلك كثيرٌ بحمد الله تعالى وفضله. وحذّرَ من ضلالات «أعداء القرآن» دعاةٌ أفاضل، وتصدّت لشُبَهِهِم مواقع الكترونية متنوعة، وصدرت بحقهم فتاوى مختلفة، جزى اللهُ جميعَ من سعى للوقوف في وجه شرِّهم خيراً. إلا أنّ كثيراً من الردود المنتشرة قاصرٌ أشدّ القصور عن بلوغ مستوى شُبُهات «القرآنيين»، والسواد الأعظم منها غير واقعيّ في مضمونه، فهو لا يتعدى ذِكرَ أنّ السنة رُكنُ التشريع الثاني، وأنّ مُنكِرها كافرٌ مرتدّ، ويُستدلّ لذلك بآيتين أو ثلاث، وبحديثٍ وربما اثنين، {وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ} [سورة الأحزاب 33: الآية 25]. ¬

_ (¬1) تطول قائمةُ الكتب المؤلفة في هذا الباب، وأذكرُ منها في عجالة: 1. ... «الأنوار الكاشفة لِما في كتاب أضواء على السنة من التضليل والمجازفة» للشيخ عبد الرحمن بن يحيى المعلمي اليماني رحمه الله. 2. ... «الحديث حجة بنفسه في العقائد والأحكام» للشيخ ناصر الدين الألباني رحمه الله. 3. ... «الحديث والمحدثون» أو «عناية الأمة الإسلامية بالسنة المحمدية»، للدكتور محمد محمد أبو زهو. 4. ... «السنة المطهرة والتحديات»، للدكتور نور الدين عتر حفظه الله. 5. ... «السنة النبوية بين دعاة الفتنة وأدعياء العلم»، للدكتور عبد الموجود محمد عبد اللطيف. 6. ... «السنة النبوية في كتابات أعداء الإسلام في الكتابات العربية» للدكتور عماد الشربيني. وهو كتابٌ أكثر من جيد اطلعت عليه على صورة ملف (word) فلم يُمكنّي الأخذُ عنه، ولكن بدا لي فيه جهدٌ كبير جزى الله مؤلفه خيراً. 7. ... «السنة في مواجهة الأباطيل» للأستاذ محمد طاهر حكيم. 8. ... «السنة النبوية في مواجهة التحدي»، للدكتور أحمد عمر هاشم حفظه الله 9. ... «السنة قبل التدوين»، للدكتور محمد عجاج الخطيب حفظه الله 10. ... «السنة ومكانتها في التشريع الإسلاميّ» للدكتور مصطفى السباعي رحمه الله. 11. ... «السنة ومنزلتها في التشريع الإسلامي» للدكتور محمد أمان 12. ... «القرآنيون وشبهاتهم حول السنة» للدكتور خادم حسين إلهي بخش. 13. ... «المستشرقون والسنة» للدكتور سعد المرصفي. 14. ... «دراسات في الحديث النبوي وتاريخ تدوينه» للدكتور محمد مصطفى الأعظمي. 15. ... «دفاع عن أبي هريرة» لعبد المنعم صالح العلي العزي. 16. ... «شبهات القرآنيين» للشيخ عثمان بن معلم محمود بن شيخ علي. 17. ... «شبهات حول السنة» للشيخ عبد الرزاق عفيفي رحمه الله. 18. ... «ظلمات أبي رية أمام أضواء السنة المحمدية» للأستاذ محمد عبد الرازق حمزة. 19. ... «كيف نتعامل مع السنة النبوية» للدكتور يوسف القرضاوي حفظه الله. 20. ... «معالم على طريق السنة» للدكتور أحمد عمر هاشم حفظه الله.

وكثيرون هم الذين المؤلِّفون والكتّاب الذين أقدَموا على الاحتجاج على القرآنيين بالسنة الشريفة (¬1)، وهذا احتجاجٌ بالدعوى غيرُ مقبولٍ في البحث العلميّ. مع أنه يمكن الاعتذارُ لمن يفعل ذلك بأنه يذكرُ أدلةَ مكانة السنة النبوية من نصوص السنة نفسِها لِمن يؤمنون بها؛ ليزيدهم إيماناً ويقيناً بها. وهذا العذرُ مقبولٌ إذا كان الكلامُ موجّهاً إلى المؤمنين بالسنة، ولكنه ليس مقبولاً أن يُستخدَمَ في الحوار مع مُنكِريها! فمن أمثلةِ ذلك أنه في مقالٍ للأستاذ أحمد أبو زيد (¬2) موجودٍ على العديد من المواقع الالكترونية، يحتجُّ الأستاذ جزاه الله خيراً على القرآنيين لِمنزلة السنة النبوية الشريفة فيقول: «منزلة السنة: وإذا نظرنا إلى موقف الإسلام من أفكار هؤلاء المكذبين بالسنة المطهرة، نجد أن العلماء والمجتهدين قد اتفقوا جميعاً على أن السنة النبوية أصلٌ من أصول التشريع الإسلامي، يجب الأخذ بها إذا صحّت وثبتّت نسبتُها لرسول الله صلى الله عليه وسلم مستندين في ذلك إلى الأمور التالية» ... ثم يذكر: ¬

_ (¬1) كما فعل الأستاذ محمد طاهر حكيم جزاه الله خيراً في «السنة في مواجهة الأباطيل» الفصل الثالث من كتابه ص 17 - 20، وكثيرون جداً غيرُه. (¬2) الأستاذ أحمد محمود أبو زيد، صحفي وكاتب مصري وباحث إسلامي، وعضو نقابة الصحفيين المصرية، وسكرتير تحرير جريدة الوفد. من مواليد قرية دلهمو بأشمون - محافظة المنوفية - مصر - عام 1964 م. حاصل على بكالوريوس إعلام من جامعة القاهرة - قسم صحافة عام 1986 م بتقدير جيد جداً. وحاصل على دبلوم عال من معهد الدراسات الإسلامية بالقاهرة عام 1992 م بتقدير جيد جداً. له مجموعة من الكتب المنشورة: «منهاج الداعية»، و «محاكمة سلمان رشدي المصري»، و «الهجوم على الإسلام في الروايات الأدبية»، و «إنهم يقتلون الساجدين مذبحة الحرم الإبراهيمي وحرب المستوطنات». يكتب في عدة مجلات إسلامية، ومواقع الكترونية في المملكة العربية السعودية والكويت ودول الخليج. يُنظر: موقع الألوكة: دراسات: فكرية: أحمد أبو زيد: (http://www.alukah.net/Articles/Author.aspx? AuthorID=212&CategoryID=39). (www.eltwhed.com/vb/showthread.php)

«والأمر الثالث: الحديث، فقد وردت أحاديثُ كثيرةٌ تدلُّ على وجوب اتباع السنة ومصدريَّتها، كقوله - صلى الله عليه وسلم -: «تركتُ فيكم أمرَين لن تضلُّوا ما تمسكّتُم بهما: كتاب الله وسنتي» (¬1)، وقوله صلى الله عليه وسلم: «ألا إني أوتيت الكتاب ومثله» (¬2)، وقوله صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم: «عليكم بسنتي، وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، تمسكوا بها وعَضوا عليها بالنواجذ» (¬3)». ثم ذكر أقوالاً عن بعض أهل العلم المعاصرين بتجهيلهم وتضليلهم وتكفيرهم (¬4). وقريبٌ من هذا ما أجاب به فضيلة العلامة الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي حفظه الله تعالى عندما سُئلَ حول القرآنيين السؤالَ التالي: هل يعتبر القرآنيون من المسلمين؟ يؤمن هؤلاء بالقرآن الكريم ولكنهم ينكرون السنة النبوية الشريفة، ويفسرون القرآن بناء على عقولهم وأهوائهم. فكان أن أجابَ ـ حفظه الله ـ إجابةً مقتضبةً جدّاً هي: «كلّ من أنكر نبوةَ رسول الله، أو أنكر السُّنّةَ جملةً فهو كافرٌ، وإن شهد أن لا إله إلا الله» (¬5). ¬

_ (¬1) أخرجه الحاكم في «المستدرك» برقم (319) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه مُسنَداً وصححه. ورواه مالك في «الموطّأ» برواية يحيى برقم (1594) بلاغاً بلفظ «وسنة نبيه». (¬2) أخرجه أحمد في «مسنده» برقم (17174)، وأبو داود في «سننه» برقم (4604) من حديث المقدام بن معدي كرب رضي الله عنه. (¬3) أخرجه أحمد في «مسنده» برقم (17142)، وأبو داود في «سننه» برقم (4607)، والترمذي في «جامعه» برقم (2676) ـ وقال: هذا حديث صحيح ـ وابن ماجه في «سننه» برقم (42) في حديثِ العرباض بن سارية رضي الله عنه. (¬4) «موقع التوحيد»: الأقسام الخاصة: كتاب ومقالات: سليمان الخراشي. (¬5) «موقع الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي»: الفتاوى: العقيدة: السنة. (www.bouti.net/fatawas.php). وكي لا يظنّ أنّ الدكتور البوطي حفظه الله تهوّر في هذا الحكم أذكرُ بعضَ من قال به من أهل العلم المتقدمين. قال الإمام الآجري في كتابه «الشريعة»: 1/ 412: «جميع فرائض الله التي فرضها في كتابه لا يعلم الحكم فيها إلا بسنن رسول الله صلى الله عليه وسلم. هذا قول علماء المسلمين، من قال غير هذا خرج عن ملة الإسلام ودخل في ملة الملحدين». وقال الإمام ابن حزم الظاهري الأندلسيّ في «الإحكام في أصول الأحكام» 2/ 80: «لو أن امرأً قال: لا نأخذ إلا ما وجدنا في القرآن لكان كافراً بإجماع الأمة، ولكان لا يلزمه إلا ركعة ما بين دلوك الشمس إلى غسق الليل، وأخرى عند الفجر؛ لأن ذلك هو أقلّ ما يقع عليه اسم صلاة، ولا حد للأكثر في ذلك، وقائل هذا كافر مشرك حلال الدم والمال، وإنما ذهب إلى هذا بعض غالية الرافضة ممن قد اجتمعت الأمة على كفرهم». وقال الإمام السيوطي في «مفتاح الجنة في الاحتجاج بالسنة» ص 2: «إن من أنكر كون حديث النبي? قولاً كان أو فعلاً ـ بشرطه المعروف في الأصول ـ حجة كَفَرَ، وخرج عن دائرة الإسلام، وحُشر مع اليهود والنصارى أو مع من شاء الله من فرق الكفرة».

قال كاتب هذه الأسطر ـ عفا الله عنه ـ: وإنه إن كان يُمكن الاعتذار عن المتعجّل، فإنه لا ينبغي أن يكون كلُّ ـ أو جلُّ ـ من كتب حول القرآنيين متعجِّلاً؛ بحيث يسوقُ مكرَّراً من الكلام، ويأتي بنزرٍ يسيرٍ من الأقوال والأحكام، يَحسبُ أنه يئدُ بذلك بدعةَ القرآنيين في مهدِها، ويقضي على شُبَهِهِم ويكرّ عليها بهدِّها! ولقد أعجبَني انتباهُ بعضِ الغيارى إلى خطورةِ ضلالاتِ «أهل القرآن»، وأنهم ليسوا من السهولة على قدرٍ بحيث يُمكنُ أن يُنتَصَرَ عليهم بيسيرٍ من الجهد. حيث وجدتُ على بعض المواقع الإسلامية أخاً يقول: «سادتي، هل من ردودٍ على من يُسمُّون أنفسهم بالقرآنيين». فاستثارَ بهذا السؤال ردوداً كان أحدُها من أخٍ أجابه بالتالي: «صدّقوني عندما أقول: إن نقاشهم ليس بالسهولة التي تتصورون أو بالبساطة التي يتصورها بعض من ألّف من العلماء ردا عليهم ودفاعا عن السنة النبوية، وغالبهم للأسف ما جالسوهم ولا ناقشوهم بل ردوا عليهم عن بعد بما سمعوا عنهم فقط، لذا فإني أقول بكل أسف أن ما اطلعت عليه مما كتب من ردود على بدعتهم لا يرتقي أبداً إلى مستوى خطورتهم وأنها في الغالب ردود إنشائية خطابية، ويحتاج الأمر الكثير من الجهد لإتمام الرد عليهم على الوجه الأكمل. وجلُّ من يكتب دفاعاً عن السنة النبوية في وجههم يعتمد في دفعه على ذات السنة وأخبارها التي هم يرفضونها ويردونها رأساً؛ فلا يتمُّ له الاحتجاج بها عليهم، فلا يمكنك أن تثبت حجية السنة بالسنة أو غيرها من الأخبار.

هم لا يحتكمون إلا إلى القرآن والعقل، وما جاء في السنة موافقاً للقرآن أخذوا به، وإلا فهو لا يعنيهم ولا ينظرون إليه أصلاً، ونقاشهم من أصعب الأمور لو جربتموه» (¬1). قال كاتبه ـ غفر الله له ـ: ولقد خُضتُ بحراً وقف الأكثرون بساحله من ضلالاتِ موقِعِهِم المسمى «أهل القرآن»، واطّلعت على كثيرٍ أُخرى في مواقعَ غيرِه، وقرأتُ مقداراً غير يسيرٍ من الكتب التي تتفق معهم في دعاواهم! ووالله الذي لا إله غيره، إن لهم فِتناً يُمسي فيها الحليم حيرانَ، ولا آمنُ على طُلابِ علمٍ أن يَهوُوا في مهاويهم، فكيفَ بعامّة الناس وأنصاف ـ أو أرباعِ أو أعشار ـ المتعلّمين شرعيّاً منهم. وعلى الرغم من قلة عدد هؤلاء نسبةً إلى مجموع الأمة المسلمة، إلا أنّ المسلم يحزن على نفسٍ واحدةٍ تُساقُ إلى النار، وعلى الأمة أن تعمل ما تستطيع في سبيل إنقاذ من هوى في تلك الهوّة السحيقة، وفي سبيل حمايةِ أبناء هذه الأمة وبناتِها من الانزلاق في مُنحدرِهم المُفضي الكفر الأكبر، وبالله العياذ. اللهم سلِّمنا من الضلال، واعصِمنا من الغيّ، وأجِرنا من الخزي في الدارين يا كريم. ¬

_ (¬1) «منتديات روض الرياحين»: الدفاع عن أهل السنة. (cb.rayaheen.net/showthread.php).

الفصل الأول: بذور منكري السنة (في تاريخ المسلمين القديم).

الفصل الأول: بذور مُنكِري السُّنّة (في تاريخ المسلمين القديم).

المبحث الأول: البذور الأولى

المبحث الأول: البذور الأولى: لم يخلُ عصرٌ مِمّن تفيهَقَ وتحذلَقَ بالنّكير على أحاديثِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وإنّ هذه السَّوأةَ عُرِفَت من صدرِ الإسلام الأول؛ حيثُ وُجِدَ أشخاصٌ متفرّقون اعترضوا على مرويّاتٍ بلغتهم، وأحكامٍ نبويةٍ وصلتهم، وتصدّوا لها بعقل يزعمونَه، ومنطقٍ يدّعونَه. فها هي أم المؤمنين عائشةُ رضي الله عنها تسألها امرأةٌ: أتجزي إحدانا صلاتَها إذا طهُرت؟ فقالت: أحرورية أنت؟ كنا نحيض مع النبي صلى الله عليه وسلم فلا يأمرنا به، أو قالت: فلا نفعله (¬1). وفي واقعةٍ أخرى وردَ أنّ سيدنا عمرانَ بن حصين رضي الله عنه (¬2) قال له رجل: يا أبا نجيد، إنكم لتحدثوننا بأحاديث ما نجد لها أصلاً في القرآن. فغضب عمرانُ وقال للرجل: أوجدتُم في كلِّ أربعين درهماً درهم، ومن كلّ كذا وكذا شاة شاة، ومن كل كذا وكذا بعيراً كذا وكذا، أوجدتُم هذا في القرآن؟ قال لا. قال: فعن من أخذتُم هذا؟ أخذتُموه عنّا، وأخذناه عن نبي الله صلى الله عليه وسلم، وذكر أشياء نحو هذا (¬3). وفي روايةٍ أنّ عمرانَ رضي الله عنه ذكر الشفاعة، فقال رجل من القوم: يا أبا نجيد، إنكم تحدثوننا بأحاديثَ لم نجد لها أصلاً في القرآن، فغضب عمرانُ رضي الله عنه وقال للرجل: قرأت القرآن؟ قال: نعم. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في «صحيحه» ـ واللفظ له ـ برقم (321). وأخرجه مسلم في «صحيحه» برقم (761)، وأخرجه أحمد في مواضعَ من «مسنده» أولها برقم (24036). (¬2) عمران بن حصين الخزاعي من أهل العلم من الصحابة. أسلم عام خيبر (سنة 7 هـ)، وكانت معه راية خزاعة يوم فتح مكة. بعثه عمر إلى أهل البصرة ليفقههم، وتوفي بها سنة (52 هـ). يُنظَر لترجمته: «معرفة الصحابة» لأبي نعيم 4/ 2108 الترجمة (2204)، «الإصابة في تمييز الصحابة» 5/ 26 - 27 الترجمة (6005). (¬3) أخرجه أبو داود في «سننه» برقم (1561)، وأخرجه الحاكم في «المستدرك» برقم (372) باختلاف.

قال: فهل وجدت فيه صلاة العشاء أربعاً، ووجدت المغرب ثلاثاً، والغداة ركعتين، والظهر أربعاً، والعصر أربعاً؟ قال: لا. قال: فعن من أخذتم ذلك؟ أخذتموه وأخذناه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. ثم ذكر أشياء في أنصبة الزكاة، وتفاصيل الحج وغيرهما، وختم بقوله: أما سمعتم الله قال في كتابه: {وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [سورة الحشر 59: الآية 7]. قال عمران: فقد أخَذْنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أشياءَ ليس لكم بها علم (¬1). وحتى في القرن الأول وُجِدَ أفرادٌ ضاقوا ذرعاً بالأحاديث النبوية، فقال قائلُهم ـ لِمُطرِّفِ بنِ عبد الله بن الشّخِّير (¬2) ـ: «لا تُحدّثونا إلا بالقرآن». فأجابه مطرّفٌ رحمه الله: «والله ما نريد بالقرآن بدلاً، ولكن نريدُ من هو أعلمُ بالقرآن منّا» (¬3). ولكنَّ مِن أقدمِ ما وردَ حول وجود فئةٍ نبتَت بين المسلمين تُنكرُ سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ما ذكره الإمام الشافعي في مطلع كتابه «جِماع العلم» عن مناظرةٍ جرَت بينه وبين أحد أفرادِ هؤلاء، حيث قال: لم أسمع أحداً نسَبَهُ الناسُ ـ أو نسَبَ نفسَهُ ـ إلى علمٍ يُخالف في أنْ فرَضَ اللهُ عز وجل اتباعَ أمرِ رسول الله صلى الله عليه وسلم والتسليمَ لحُكمِه، بأن الله عز وجل لم يجعل لأحد بعده إلا اتباعه، وأنه لا يلزم قولٌ بكلِّ حالٍ إلا بكتاب الله أو سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وأن ما سواهما تبعٌ لهما، وأن فرضَ اللهُ علينا وعلى من بعدنا وقبلنا في قَبول الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم واحد لا يختلف في أن الفرض والواجب قَبول الخبر عن ¬

_ (¬1) أخرجه ابن عبد البر في «جامع بيان العلم» 2/ 1192 برقم (2348)، وقوّاه محققه على ضعفٍ في إسناده. (¬2) مطرف بن عبد الله بن الشخير العامري، أبو عبد الله، من كبار التابعين، ثقة عابد، روى له الجماعة مات سنة (95 هـ). ترجمته في «تهذيب الكمال» 28/ 67 - 70 الترجمة (6001). (¬23) أراد النبيَّ صلى الله عليه وسلم. والخبر في «جامع بيان العلم وفضله» لابن عبد البر 1/ 1193 برقم (2349)، وصحح محققه إسناده.

رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا فرقة سأصف قولَها إن شاء الله تعالى (¬1). وقد رأى الدكتور مصطفى السباعي رحمه الله (¬2) أنهم معتزلة البصرة (¬3). بينما ذهب الدكتور خادم حسين بخش (¬4) في كتابه «القرآنيون» إلى أنهم الخوارج (¬5). ولعل الذي يُرجح ما ذهب إليه الدكتور خادم حسين بخش ما قاله الحافظُ ابن حجر العسقلاني (¬5) في «فتح الباري»: ¬

_ (¬1) «كتاب جماع العلم» المطبوع ضمن «كتاب الأم» 9/ 5. (¬2) الدكتور مصطفى بن حسني السباعي: ولد بحمص سنة 1333 هـ/ 1915 م وتعلم بها وبالأزهر، اعتقله الإنكليز في مصر وفلسطين ستة أشهر، وأسلموه إلى الفرنسيين فسجنوه في لبنان 30 شهراً. نال شهادة «دكتور في التشريع الإسلامي وتاريخه» من الأزهر 1949 م، واستقر في دمشق أستاذاً بكلية الحقوق 1950 م، ثم عميداً لكلية الشريعة 1955 م. أنشأ مجلة «حضارة الإسلام»، وأصيب بشلل نصفي 1957 م. له 21 كتاباً ورسالة، منها «السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي» وهو كتاب أطروحته، و «اشتراكية الإسلام»، و «شرح قانون الأحوال الشخصية» ثلاثة أجزاء، و «الدين والدولة في الإسلام» و «المرأة بين الفقه والقانون»، و «منهجنا في الإصلاح» وتوفي بدمشق 1384 هـ/ 1967 م. عن موسوعة «الأعلام لللزركلي» 7/ 231 - 232 بتصرف يسير واختصار. (¬3) «السنة ومكانتها في التشريع» ص 171. (¬4) الدكتور خادم حسين إلهي بخش، ولد في البنجاب ـ الباكستان سنة (1953). ماجستير من جامعة أم القرى في مكة المكرمة بعنوان «فرقة أهل القرآن بباكستان وموقف الإسلام منها»، وقد طبعت بعنوان «القرآنيون وشبهاتهم حول السنة». دكتوراه في العقيدة الإسلامية عن رسالته «أثر الفكر الغربي في انحراف المجتمع المسلم بشبه القارة الهندية». عضو هيئة التدريس بجامعة الطائف: كلية التربية: قسم الشريعة والدراسات الإسلامية. له عدد من الكتب المطبوعة، وشارك في عدد من المؤتمرات والندوات. المشرف العام على «موقع صوت الحق». المصدر: «موقع صوت الحق»: المشرف: السيرة الذاتية. (www.soutulhaq.com/index.php). (¬5) «القرآنيون» ص 95. (¬6) الإمام الحافظ أحمد ابن علي بن محمد العسقلاني الشافعي، المحدّث الفقيه المؤرخ. صاحب «فتح الباري شرح صحيح البخاري»، و «لسان الميزان»، و «الدرر الكامنة في أعيان المئة الثامنة»، و «الإصابة في تمييز الصحابة» وكثيرٍ غيرها من المصنّفات الفائقة. ولد (773 هـ) وتوفي (852 هـ). يُنظَرُ لترجمته: «الضوء اللامع» للسخاوي 2/ 36 - 40 الترجمة (104).

«ويقال لمن يعتقد مذهب الخوارج: «حروري»؛ لأن أول فرقة منهم خرجوا على عليٍّ بالبلدة المذكورة (¬1) فاشتُهروا بالنسبة إليها، وهم فرقٌ كثيرة، لكنْ من أصولهم المتفق عليها بينهم الأخذُ بما دلَّ عليه القرآن، وردُّ ما زاد عليه من الحديث مُطلَقاً» (¬2). وجاءَ بعدَ الإمام الشافعيُّ الإمامُ أحمدُ ابنُ حنبلٍ فصنّف «طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم» ردَّ فيه على من احتج بظاهر القرآن في معارضة سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وترك الاحتجاج بها (¬3). ويؤكّد الشيخ الدكتور محمد لقمان الأعظمي الندوي (¬4) أن هذا الاتجاه لإنكار السنة [بالكلية] (¬5) لم يكن منتشراً في الأقطار، بل وُجد عند بعض الأفراد ولا يشكل ظاهرة (¬6). ¬

_ (¬1) قال الحموي في «معجم البلدان» 2/ 245: حروراء: بفتحتين وسكون الواو وراء أخرى وألف ممدودة، يجوز أن يكون مشتقاً من الريح الحرور، وهي الحارة وهي بالليل كالسموم بالنهار، كأنه أُنّثَ نظراً إلى أنه بقعة قيل: هي قرية بظاهر الكوفة، وقيل: موضع على ميلين منها نزل به الخوارج الذين خالفوا علي بن أبي طالب رضي الله عنه فنُسبوا إليها. وقال ابن الأنباري: حروراء: كورة. وقال أبو منصور: الحرورية منسوبون إلى موضع بظاهر الكوفة نسبت إليه الحرورية من الخوارج، وبها كان أول تحكيمهم واجتماعهم حين خالفوا عليه. قال: ورأيت بالدهناء رملة وعثة يقال لها: رملة حروراء. (¬2) «فتح الباري بشرح صحيح البخاري» 1/ 560. (¬3) ذكره ابن قيم الجوزية في «أعلام الموقعين» 2/ 255. (¬4) الدكتور محمد لقمان الأعظمي رحمه الله أستاذ ورئيس قسم العقيدة بكلية المعلمين في حائل السعوديةِ سابقاً. دكتوراه من جامعة القاهرة، على رسالته «مجتمع المدينة المنورة في عصر النبوة كما يصوره القرآن الكريم». هندي الجنسية، ولكنه أمضى ما يزيد عن ربع قرن في حائل، وتوفي ودفن فيها 12/ 10/1421 هـ. تنقل خلال مسيرته التربوية بين التعليم العام والجامعي والمكتبة العامة. المصدر: «موقع ملتقيات فضاء»: فضاء حائل: ملتقى فضاء حائل: حملة الدكتوراه من أبناء حائل. (www.fadhaa.com/vb/showthread.php) و«موقع جريدة الجزيرة السعودية»: العدد (10342) الأحد 26/شوال/1421 هـ. (www.al-jazirah.com.sa) (¬5) زيادة مني للتوضيح. (¬6) محمد لقمان الأعظمي «دراسات في الحديث النبوي» ص 26.

وبعد القرن الثاني لا نرى في كتب التاريخ والعقائد ومن ألّف في الفرق والمذاهب ظهور هذه الفرقة وهذا المذهب (¬1). وإنّ هذا الاستقراءَ الصحيحَ من الدكتور الأعظمي، والذي تشهد له كتب التاريخ والعقائد لا يُعكِّرُ عليه ما قال الحافظ ابن حجر العسقلاني؛ لأنّ الأمر لم يبلغ بالخوارج حدَّ الإنكار جملةً، بل إنّ الحافظ رحمه الله قال: «مُطلَقاً»، وفي قوله إمكانيةُ ردِّهم، وأنهم متهيّئون للردّ كلما لم يُوافقِ الحديث آراءَهم، لا أنهم ردّوا السنةَ جملةً، وأنكروها أصلاً. ولا يُعكّرُ عليه كذلك ما ذكره الإمام السيوطي رحمه الله (¬2) في مطلع رسالته القيمة «مفتاح الجنة في الاحتجاج بالسُّنّة»: « ... وأن مما فاح ريحه في هذا الزمان، وكان دراساً بحمد الله تعالى منذ أزمان، وهو أن قائلاً رافضيا زنديقاً أكثر في كلامه أن السنة النبوية، والأحاديث المرويّة ـ زادها الله علوّاً وشرفاً ـ لا يُحتجُّ بها، وأن الحجة في القرآن خاصة». إلى أن قال رحمه الله: «وأصل هذا الرأي الفاسد أن الزنادقة وطائفة من غلاة الرافضة ذهبوا إلى إنكار الاحتجاج بالسنة والاقتصار على القرآن وهم في ذلك مختلفو المقاصد .... »، ثم بعد أن عدد من مقاصدهم قال: ¬

_ (¬6) د. محمد لقمان الأعظمي «دراسات في الحديث النبوي» ص 26. (¬1) هو الإمامُ جلالُ الدين عبدُ الرحمن بنُ أبي بكرِ بنِ محمد بن سابق الدين أبي بكرِ السيوطي. ولد في القاهرة سنة (849 هـ)، ونشأ يتيماً، طلب العلم على يد كبار علماء عصره كالجلال المحلي، والزين العقبي، والعلم البُلقيني، والتقي الحصكفي، وكثيرٍ غيرِهم من أقرانهم؛ حتى نبغ في جملة من علوم اللغة والشريعة. عندما بلغ أربعين اختلى بنفسه وتجرّد للعبادة، وهجر كلَّ معارفِه، وترك الإفتاءَ والتدريس، وعكف على التأليف. له حوالي ستِّ مئةِ مصنَّفٍ بين رسالة صغيرةٍ من وُريقاتٍ، وموسوعة ضخمةٍ من مجلّدات! من أشهرها: «الإتقان في علوم القرآن»، و «الدرّ المنثور في التفسير بالمأثور»، و «تدريب الراوي بشرح تقريب النواوي»، و «الأشباه والنظائر» في فروع الشافعية، و «تاريخ الخلفاء»، و «الجامع الصغير»، و «الجامع الكبير»، وكثيرٌ جدّاً غير ذلك. توفّيَ الإمام السيوطيُّ رحمه الله سنة (911 هـ). يُنظر لترجمة الإمام السيوطي: «الضوء اللامع في أعيان القرن التاسع» للسخاوي 4/ 65 - 70.

«وهذه آراء ما كنت أستحل حكايتها لولا ما دعت إليه الضرورة من بيان أصل هذا المذهب الفاسد الذي كان الناس في راحة منه من أعصار، وقد كان أهل هذا الرأي موجودين بكثرة في زمن الأئمة الأربعة فمن بعدهم، وتصدى الأئمة الأربعة وأصحابهم في دروسهم ومناظراتهم وتصانيفهم للرد عليهم، وسأسوق إن شاء الله تعالى جملة من ذلك والله الموفق» (¬1). هذا ما رأيتُهُ جمعاً بين قوله والاستقراءِ في مصادر التشريع، ومصادر التاريخ التي لم تُثبِتْ تلك البدعة المُنكرة عنهم. ¬

_ (¬1) «مفتاح الجنة» ص 2 - 3.

المبحث الثاني: الخوارج

المبحث الثاني: الخوارج (¬2): تمثيلاً على إنكار السنن النبوية، المروية بالأسانيد الصحيحة عن خير البرية، صلى الله عليه وسلم لدى فِرَقِ الخوارج أسوقُ هذه النماذجَ الثلاثةَ التي تؤكد أنهم لم يرُدّوا السنةَ جملةً، بل هم قد ردّوا ما لا يحلو لهم منها فحسب. وسيأتي عن قريبٍ في خبرٍ فيه ردُّهم حديثَ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكيف أنهم بادَروا بطلب سماعِ حديثٍ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم! (¬1). المطلب الأول: إنكار بعض الأحكام الشرعية الأخرى: إنّ مما اشتُهِرَت به الأزارقة (إحدى أكبر فرق الخوارج) (¬2) أنّ من بدعهم «إسقاط الرجم عن الزاني؛ إذ ليس في القرآن ذكره، وإسقاط حد القذف عمّن قذف المحصَنين من الرجال مع وجوب الحدّ على قاذف المُحصَنات من النساء» (¬3). «وأنكرت الأزارقةُ الرجمَ واستحلوا كفر الأمانة التي أمر الله تعالى بأدائها وقالوا: إن مخالفينا مشركون فلا يلزمنا إذا أمانتنا إليهم ولم يقيموا الحد ¬

_ (¬1) قال الشهرستاني في «الملل والنحل» ص 132: «كل من خرج عن الإمام الحق الذي اتفقت الجماعة عليه يسمى خارجياً، سواء كان الخروج في أيام الصحابة على الأئمة الراشدين، أو كان بعدهم على التابعين بإحسان والأئمة في كل زمان». وقال ص 133: «ويجمعهم القول بالتبري من عثمان وعلي رضي الله عنهما، ويقدمون ذلك على كلِّ طاعة، ولا يصححون المناكحات إلا على ذلك. ويُكفّرون أصحابَ الكبائر، ويَرَون الخروجَ على الإمام إذا خالف السنة حقّاً واجباً». ينظر لبيان فرقهم وعقائدهم: «الملل والنحل» للشهرستاني ص 131 - 161، «الفرق بين الفرق» لعبد القاهر البغدادي ص 72 - 113، و «الفِصل في الملل والأهواء والنِّحل» 5/ 51 - 56. (¬2) سيردُ في المطلب الثالث من هذا المبحث. (¬3) تنتسب هذه الفئة إلى نافع بن الأزرق، وهي من أكثر فرق الخوارج تطرُّفاً وجرأةً في التكفير، واستباحة الدماء. يُنظر: «الملل والنحل» ص 137 - 141، و «الفرق بين الفرق» لعبد القاهر البغدادي ص 82 - 87، و «الفصل في الملل والأهواء والنِّحل» 5/ 52. (¬4) «الملل والنحل» للشهرستاني ص 140.

على قاذف الرجل المحصن وأقاموه على قاذف المحصنات من النساء، وقطعوا يد السارق في القليل والكثير، ولم يعتبروا في السرقة نصاباً» (¬1). وذُكرَ عنهم أنهم «أوجبوا على الحائضِ الصلاةَ والصيامَ في حيضِها» (¬2). وقد أتى مبتدعُ الفرقة الميمونية (¬3)، «بضلالة اشتقّها من دين المجوس! وذلك أنه أباح نكاح بنات الأولاد من الأجداد وبنات أولاد الإخوة والأخوات، وقال: إنما ذكر الله تعالى في تحريم النساء بالنسب الأمهات والبنات والأخوات والعمات والخالات وبنات الأخ وبنات الأخوات، ولم يذكر بنات البنات ولا بنات البنين، ولا بنات أولاد الإخوة ولا بنات أولاد الأخوات، فإنْ طَرَدَ قياسَهُ في أمهات الأمهات وأمهات الآباء والأجداد انْمَحَضَ في المجوسية، وإن لم يُجِزْ نكاحَ الجدات وقاس الجدات على الأمهات؛ لزمه قياسُ بنات الأولاد على بنات الصلب، وإن لم يطَّرِدْ قياسُه في هذا الباب نقض اعتلاله» (¬4). وحُكي عنهم «أنهم أنكروا أن تكون سورةُ يوسفَ من القرآن، وُمنكِرُ بعضِ القرآن كمُنكِرِ كلِّه، ومن استحلّ بعضَ ذوات المحارم في حكم المجوس، ولا يكون المجوسي معدوداً في فرق الإسلام» (¬5). ورأى بعضُهم «أن لا صلاةَ واجبةً إلا ركعة واحدة بالغداة، وركعة أخرى بالعشي فقط، ويرون الحجّ في جميع شهور السنة» (¬6). ¬

_ (¬1) «الفرق بين الفرق» لعبد القاهر البغدادي ص 84. ويُنظَر كذلك «الملل والنحل» ص 149 و «الفصل في الملل والأهواء والنِّحل» 5/ 53. (¬2) ذكره ابن حزم في «الفِصَل» 5/ 51 - 52. (¬3) سماه الشهرستاني في «الملل والنحل» ص 149: «ميمون بن خالد»، ولم يزد البغدادي في «الفرق بين الفرق» ص 280 على اسمه الأول «ميمون». وقد ذكرا أنه كان من الخوارج العجاردة؛ لذلك ذكر الشهرستاني «الميمونية» في أصناف العجاردة. بينما ذكرهم البغدادي في الفرق الغالية الخارجة عن الإسلام. (¬4) «الفرق بين الفرق» لعبد القاهر البغدادي ص 281. ويُنظَر كذلك «الملل والنحل» ص 149، و «الفصل في الملل والأهواء والنِّحل» 5/ 53. (¬5) «الفرق بين الفرق» لعبد القاهر البغدادي ص 281. ويُنظَر كذلك «الملل والنحل» ص 149، و «الفصل في الملل والأهواء والنِّحل» 2/ 271 حيث ذكرهم وذكر قولهم دون أن يُسمِّيَهُم. (¬6) ذكره ابن حزم في «الفِصَل» 5/ 51 - 52 عن الأزارقة.

المطلب الثاني: ردهم لأحاديث فضائل بعض كبراء الصحابة

المطلب الثاني: ردُّهُم لأحاديثِ فضائلِ بعض كُبراءِ الصحابة: لقد جهر الخوارجُ بتكفير عددٍ من أعلام الصحابةِ مثل سيدِنا عثمانَ بنِ عفان، وسيدنا عليِّ بنِ أبي طالب، وسيدنا معاويةَ بنِ أبي سفيان، وغيرِهم رضي الله عنهم. وقد أبى هؤلاءِ القَبول بما وردَ في السنة المطهَّرة من أحاديثِ فضائلِ هؤلاء، وهي تشهدُ لهم بالإيمان جملةً، ولبعضِهم بالجنة، وهذا يرُدُّ دعواهم، ودعوى غيرِهم بكفرِ أو فسقِ هؤلاء الصحابة الأجلّة، إلا أنّ الخوارج دانوا بكفرِ هؤلاء؛ وأَبَوا تصديق الروايات الصحيحة الثابتة بفضائل هؤلاء الصحابة رضي الله عنهم. بل إنّ هؤلاء المجرمين احتملوا دمَ خير خلق الله في زمانه سيدِنا أميرِ المؤمنين أبي الحسنين عليِّ بن أبي طالب رضي الله عنه، قتلَهُ أشقى هذه الأمة عبد الرحمن [بل الشيطان] ابن ملجم المرادي الخارجي لعنه الله (¬1). ¬

_ (¬1) عبد الرحمن بن ملجم المرادي التدؤلي الحميري: فاتك ثائر، من أشداء الفرسان. أدرك الجاهلية، وهاجر في خلافة عمر، وقرأ على معاذ بن جبل فكان من القراء وأهل الفقه والعبادة. ثم شهد فتح مصر وسكنها، فكان فيها فارس بني تدؤل. وكان من شيعة علي بن أبي طالب رضي الله عنه وشهد معه صفين، ثم خرج عليه، ثم كان المتصدي لقتله في مؤامرة قتله ومعاويةَ وعمرَ بن العاص رضي الله عنهم سنة 40 هـ، فقُتِلُ بعليٍّ رضي الله عنه قصاصاً، قبّحه الله. بوّب ابن سعد في «الطبقات الكبرى» 3/ 31 - 38: ذكُر عبد الرحمن بن ملجم المرادي وبيعة علي ورده إياه وقوله: لتخضبن هذه من هذه، وتمثله بالشعر وقتله علياً عليه السلام وكيف قتله عبد الله بن جعفر والحسين بن علي ومحمد بن الحنفية. ترجمته في «الأعلام» 3/ 339. ووصفُهُ بأشقى الأمة مُستنده أحاديثُ عديدة منها ما أخرجه النسائي في «السنن الكبرى» برقم (8485) والإمام أحمد في «مسنده» برقم (18321) عن عمار بن ياسر رضي الله عنهما قال: كنت أنا وعليَّ بن أبي طالب رفيقَين في غزوة العشيرة فلما نزلها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأقام بها رأينا أناساً من بني مدلج يعملون في عين لهم ـ أو في نخل ـ فقال لي علي: يا أبا اليقظان هل لك أن نأتي هؤلاء فنظر كيف يعملون؟ قال: قلت: إن شئت! فجئناهم فنظرنا إلى عملهم ساعة ثم غشينا النوم، فانطلقت أنا وعلي حتى اضطجعنا في ظل صور من النخل ودقعاء من التراب، فنمنا فوالله ما أنبهنا إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم يحركنا برجله وقد تتربنا من تلك الدقعاء التي نمنا فيها فيومئذ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي: «ما لك يا أبا تراب» لِما يرى مما عليه من التراب ثم قال: «ألا أحدثكما بأشقى الناس؟ » قلنا: بلى يا رسول الله. قال: «أُحيمِرُ ثمود الذي عقر الناقة، والذي يضربك يا عليُّ على هذه» ووضع يده على قرنه «حتى يبلَّ منها هذه» وأخذ بلحيته.

وإن قتْلَهُ رضي الله عنه لم يكُ تصرُّفاً فردياً من ابن ملجم، بل مُعتقداً جَمْعياً للخوارج! فقد تغنّى به بعضُ شعرائهم؛ كما روى المبرد (¬1) في رائعته «الكامل في اللغة والأدب» قول عمران بن حطان (¬2) يمدح ابن ملجم لعنه الله: يا ضربة من تقيٍّ ما أراد بها ... إلا ليبلغ من ذي العرش رضوانا إني لأذكره حيناً فأحسبُهُ أوفى البريّةِ عندَ الله ميزانا (¬3) ¬

_ (¬1) أبو العباس محمد بن يزيد بن عبد الأكبر الثمالي الأزدي البصري المعروف بالمبرد ـ بكسر الراء ـ إمام النحو واللغة في البصرة. ولد سنة (210 هـ) على الأشهر، ووفاته سنة (285 هـ). وثّقه المحدّثون وكبار المؤرخين كالخطيب البغدادي والذهبي وابن كثير. أخذ عن الجرمي والمازني وأبي حاتم السجستاني والجاحظ وغيرهم، وأخذ عنه الأخفش الأوسط، والخرائطي ونفطويه والصولي، وسواهم. له عديد من المصنّفات البديعة النافعة أشهرها: «الكامل في اللغة والأدب»، و «المقتضب»، و «الفاضل». ترجمته في «معجم الأدباء» 6/ 2678 - 2684 الترجمة (1135)، و «الوافي بالوفيات» 5/ 141 - 142 الترجمة (2286). وله ترجمةٌ غير يسيرة في مقدمة «كتاب الكامل في اللغة والأدب» ص 5 - 13 طبعة مؤسسة الرسالة ناشرون بعناية الفقير كاتب هذه السطور. (¬2) أبو سماك عمران بن حطان بن ظبيان السدوسي الشيباني الوائلي، رأس القعدة من الصفرية، وخطيبهم وشاعرهم. كان قبل لحاقه بالخوارج من رجال العلم والحديث، من أهل البصرة، وأدرك جماعة من الصحابة فروى عنهم، وروى أصحاب الحديث عنه. طلبه الحجاج ففر إلى عمان، وآواه الأزد حتى مات بينهم سنة (84 هـ). «الأعلام» 5/ 70. (¬3) «الكامل في اللغة والأدب» ص 541. والبيتان مُشتَهران وهما في «الملل والنحل» ص 140، «الفرق بين الفرق» ص 93. وقد قال عبد القاهر البغدادي صاحب كتاب «الفَرْقُ بين الفِرَق» ص 93: وقد أجبناه عن شعره هذا بقولنا: يا ضربةً من كفورٍ ما استفادَ بها ... إلا الجداء بما يُصليهِ نيرانا إني لَألعنُهُ ديناً، وألعَنُ مَن ... يرجو لهُ أبداً عفواً وغُفرانا وذاك ابنُ ملجمَ أشقى الناسِ كلِّهِمِ ... أخفِّهِم عندَ ربّ النّاسِ ميزانا وما في بيته الثاني، ذلك لأنّه منصوصٌ على أن قاتلَ عليٍّ رضي الله عنه أشقى هذه الأمة، ولولا ذلك لم يكن بعيداً شرعاً ولا عقلاً أن يُغفَرَ له!

المطلب الثالث: واقعة قتل عبد الله بن خباب بن الأرت

المطلب الثالث: واقعة قتل عبد الله بن خباب بن الأرتّ: وإن من شنيع ما رُويَ عن الخوارج ـ وفيه ردُّهمُ الحديثَ النبويّ الشريف ـ ما أخرجه الإمام أحمد في «مسنده» عن رجلٍ من عبد القيس (¬1) كان مع الخوارج ثم فارقهم قال: دخلوا قريةً فخرج عبدُ الله بن خبّاب (¬2) ذعراً يَجُرُّ رداءَه، فقالوا: لم تُرَع! قال: والله لقد رعتموني! قالوا: أنت عبد الله بن خباب صاحبِ رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم. قال: فهل سمعتَ من أبيك حديثاً يُحدّثُه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تُحدّثُناه؟ قال: نعم. سمعتُهُ يُحدّث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنّه ذكر فتنةً القاعدُ فيها خيرٌ من القائم، والقائمُ فيها خير من الماشي، والماشي فيها خير من الساعي. قال: «فإن أدركت ذاك فكن عبد الله المقتول». قال أيوب (¬3): ولا أعلمه إلا قال: «ولا تكن عبد الله القاتل». قالوا: أأنت سمعتَ هذا من أبيك يحدثه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم. قال: فقدَّموه على ضفّة النهر، فضربوا عُنُقَه، فسال دمُهُ كأنه شِراكُ نعلٍ ما ابذقرّ، وبقَروا أمَّ ولدِهِ عما في بطنها (¬4). ¬

_ (¬1) عبد القيس من قبائل بني أسد تُنسَبُ إلى عبد القيس بن أفصى بن دُعميّ بن جديلة بن أسد بن ربيعة بن نزار. يُنظَرُ: «جمهرة أنساب العرب» لابن حزم ص 278 (¬2) أدرك النبيّ صلى الله عليه وسلم، مختلَفٌ في صحبته، له رؤية ولأبيه صحبة، قتلته الخوارج. بذا ترجم له الحافظ أبو نعيم في «معرفة الصحابة» 3/ 1632 الترجمة (1621). وقال ابن حجر: ذكره الطبراني وغيره من الصحابة. «الإصابة في تمييز الصحابة» 4/ 62 الترجمة (4638). (¬3) هو أحد رجال إسناد الحديث أيوبُ بنُ أبي تميمةَ السختياني التابعيّ، رأى أنس بن مالك، أحدُ الحفّاظ في البصرة، حديثُه في الصحيحين فما دونَهما، توفي سنة (131 هـ). ترجمته في «تهذيب الكمال» الترجمة (607) 3/ 457 - 464. (¬4) أخرجه الإمام أحمد في «مسنده» برقم (21064). والطبراني في «المعجم الكبير» برقمَي (3630) و (3631)، وغيرُهم. قال الهيثمي في «مجمع الزوائد» برقم (12335): ولم أعرف الرجل الذي من عبد القيس وبقية رجاله رجال الصحيح. وأخرجه أحمدُ مفسّراً برقم (21065) عن حميد بن هلال نحوه إلا أنه قال: «ما امذقرّ» يعني: لم يتفرق، وقال: «لا تكن عبد الله القاتل»، وكذلك قال بهز أيضاً. ا. هـ. وقوله: «ابذقر» أو «امذقر» بمعنى تفرّق. قال ابن الأثير في «النهاية في غريب الحديث والأثر» 4/ 312: قال أبو عبيد: أي: ما امْتَزَج بالماء. وقال شَمِر: الامْذِقْرارُ: أن يجتمعَ الدّمُ ثم يتَقطّع قِطَعاً ولا يختِلط بالماء. يقول: لم يكن كذلك ولكنه سال وامتزج. وهذا بخلاف الأوّل. وسِياق الحديث يشهَدُ للأوّل أي: أنه مَرَّ كالطريقة الواحدة لم يختلط به. ولذلك شَبَّهَهُ بالشِّراك الأحمر، وهو سَيرٌ من سيُور النَّعل. وذكر المُبَرّد هذا الحديث في «الكامل» قال: ثم قرّبوه إلى شاطئ النهر فذبحوه وقَرّبوه إلى شاطِئ النَّهر فذَبَحوه فامْذَقَرّ دَمُه. أي: جَرى مُستطيلاً مُتَفرِّقاً. هكذا رواه بغير حرف النَّفْي. ورواه بعضهم بالباء وهو بمعناه. قلتُ: ما قاله المبرد في «الكامل» ص 564 فامذقرّ دمُه، أي: جرى مستطيلاً على دقة. ثم إنّ المبرد أتمّ الخبرَ قال: وساموا رجلاً نصرانياً على نخلة له، فقال: هي لكم، فقالوا: ما كنا لنأخذها إلا بثمن. قال: ما أعجب هذا? أتقتلون مثل عبد الله بن خباب ولا تقبلون منا نخلة إلا بثمن!

المبحث الثالث: المعتزلة

المبحث الثالث: المعتزلة (¬1): لقد تفنَّن المعتزلةُ ـ بحسبِ اتباعِ كلٍّ من كُبرائهم لآرائه ونظراته ـ في ردّ ما يبلغهم من الأحاديث النبوية الثابتة التي جاوزت قنطرةَ الشكّ باجتماع شروط الصحّة المعتبرة فيها (¬2). ولكن المعتزلة ـ وأؤكِّد على هذا ـ لم يُنكِروا السنةَ جملةً؛ بدليل روايتهم واحتجاجهم بما لا يُحصى من الأحاديث النبوية الشريفة. فعلى سبيل المثال لا الحصر هذا هو كتاب القاضي عبد الجبار (¬3) «فضل الاعتزال وطبقات المعتزلة ومباينتهم لسائر المختلفين» يعُجُّ بما يُصحِّحُه القاضي من الروايات عن النبي صلى الله عليه وسلم. من ذلك على سبيل المثال أنه قال: وقد صحّ عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «تفكروا في نعماء الله، ولا تتفكرون (¬4) في الله» (¬5). ¬

_ (¬1) ينظر: «الملل والنحل» للشهرستاني ص 56 - 96، «الفرق بين الفرق» لعبد القاهر البغدادي ص 114 - 201، و «الفصل في الملل والنحل» لابن حزم 5/ 58 - 72. (¬2) الناظرُ في علم مصطلح الحديث بتمعُّن يجدُ أن شروطَ الصحةِ الخمسةَ التي توطأ عليها المحدثون شروطٌ غيرُ نقلية، بل هي شروطٌ منطقية عقلية بحتة؛ يفرضها اتباعُ العقل الباحث عن التثبُّتِ من واقعةٍ كانت في الماضي الغابر. (¬3) القاضي أبو الحسن عبد الجبار بن أحمد بن عبد الجبار الأسدآبادي، شيخ المعتزلة، وكبار فقهاء الشافعية. تولى القضاء في الري وهمدان وغيرهما. توفي سنة (415 هـ) يُنظَر: «سير أعلام النبلاء» 17/ 244 - 245 الترجمة (150)، «طبقات الشافعية الكبرى» للسبكي 5/ 97 - 98 الترجمة (443). وتُنظَرُ ترجمته قُبيل كتابه «فضل الاعتزال وطبقات المعتزلة ومباينتهم لسائر المختلفين» للقاضي عبد الجبار المطبوعُ ثانيَ ثلاثة كتبٍ بعنوانٍ جامعٍ هو «فضل الاعتزال وطبقات المعتزلة» ص 121 - 127. (¬4) كذا. (¬5) «فضل الاعتزال وطبقات المعتزلة ومباينتهم لسائر المختلفين» للقاضي عبد الجبار ضمن «فضل الاعتزال وطبقات المعتزلة» ص 140. والحديث الذي ذكره صحيح المعنى، إلا أنه يُتوقَّفُ في صحته من جهة الإسناد. أخرج الطبراني في «المعجم الأوسط» برقم (6319)، والبيهقي في «شعب الإيمان» برقم (119) عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تَفَكَّروا في آلاء الله، ولا تَفَكَّروا في الله» قال الهيثمي في «مجمع الزوائد» برقم (260): فيه الوازع بن نافع وهو متروك. وروى أبو نعيم في «حلية الأولياء» 6/ 75 - 76 عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه صلى الله عليه وسلم خرج على أصحابه فقال: ما جمعكم؟ » فقالوا: اجتمعنا نذكر ربنا ونتفكر في عظمته، فقال: «تفكروا في خلق الله ولا تتفكروا في الله؛ فإن ربنا خلق ملكاً قدماه في الأرض السابعة السفلى ورأسه قد جاوز السماء العليا ما بين قدميه إلى ركبتيه مسيرة ست مئة عام وما بين كعبيه إلى أخمص قدميه مسيرة ست مئة عام والخالق أعظم من المخلوق»؟ وقد قال العجلوني في «كشف الخفا» (1005) بعد أن ساق أحاديثَ: وأسانيدها ضعيفة، ولكن اجتماعها يكسبه قوة ومعناه صحيح، وفي «صحيح مسلم» [برقم (343)] عن أبي هريرة رضي الله عنه رفعه: «لا يزال الناس يتساءلون حتى يقال: هذا خلَقَ اللهُ الخلقَ، فمن خلَقَ اللهَ؟ فمن وجد ذلك شيئاً فليقل: آمنت بالله». وقد نقصَ العجلوني في متن الحديث فزدتُه.

ثم صحّح في الصفحة التالية حديثَ النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه عزّ وجلّ: «إني حرّمتُ الظلم على نفسي، وجعلته محرماً بينكم فلا تظالَموا، يا عبادي أنتم تخطئون بالليل والنهار وأنا أغفر الذنوبَ ولا أبالي، فاستغفِروني أغفِرْ لكم» (¬1). وهذا هو الجاحظ (¬2) إمام أهل الأدب الفذُّ، وإمامُ الفرقة «الجاحظية» من فرق المعتزلة (¬3) يروي آلافَ الأحاديثِ النبويةِ في كتبه التي طُبِعَ كثيرٌ منها. ومن قرأ في كتابيه العظيمين «الحيوان» و «البيان والتبيين» وجدَهُ يذكرُ الكثير من الأحاديث المنسوبة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ذلك بغضِّ النظرِ عن كونه يروي دون أسانيد، وأنه يُصحِّحُ غير المعتبرِ عند حُفّاظ أهل السُّنّة، ويرُدُّ كثيراً من المعتَبَر لديهم. ¬

_ (¬1) «فضل الاعتزال وطبقات المعتزلة» ص 141. وأما الحديث فهو ـ ولم يأخذه القاضي عن هذه المصادر ـ مرويٌّ مطوَّلاً في «صحيح مسلم» برقم (6572)، وفي مواضعَ من «مسند أحمد» أولها برقم (21367) من حديث أبي ذرٍّ. (¬2) عمرو بن بحر بن محبوب الليثي، أبو عثمان الجاحظ، كبير أئمة الأدب، ورئيس الفرقة الجاحظية من المعتزلة. له تصانيف كثيرة، منها «الحيوان»، و «البيان والتبيين»، و «البخلاء»، و «المحاسن والأضداد»، وكثيرٌ غيرُها جُمعَ بعضُها في «رسائل الجاحظ». توفي في البصرة سنة (255 هـ). يُنظر لترجمته: «فضل الاعتزال وطبقات المعتزلة» ص 275 - 277 ضمن الطبقة السابعة منهم. ويُنظَر: «معجم الأدباء» 5/ 2101 - 2122 الترجمة (872). (¬3) يُنظَرُ التعريفُ بالجاحظية وضلالاتِها في «الملل والنحل» ص 87 - 89، و «الفرق بين الفرق» لعبد القاهر البغدادي ص 175 - 178.

المطلب الأول: رفض أحاديث رؤية الله تبارك وتعالى

المطلب الأول: رفض أحاديث رؤية الله تبارك وتعالى: لقد تحققّ شبهُ إجماعٍ من المعتزلة على نفيِ رؤية الله تبارك وتعالى في الآخرة، وردِّ الأحاديث التي تُثبِتُ هذه الرؤية، وتأويلِ الآيات الواردة فيها. حيث ذكر القاضي عبد الجبار أنّ المعتزلة أجمعوا على «أن أفعاله تدل عليه؛ لأنه لا يُرى ولا يُدرَكُ بالحواسّ» (¬1). وها هو الجاحظُ يُجادلُ أصحابَ الرؤية بكلامٍ طويلٍ في فصلٍ من كتابه «الردّ على المشبّهة» بقول: «ثم رجع الكلام إلى أول المسألة، حيث جعلنا القرآن بيننا قاضياً، واتخذناه حاكماً، فقلنا: قد رأينا اللهَ استعظَمَ الرؤيةَ استعظاماً شديداً، وغضبَ على من طلب ذلك وأراده، ثم عذّب عليه، وعجّب عبادَه ممن سأله ذلك، وحذّرهم أن يسلكوا سبيلَ الماضين، فقال في كتابه لنبيه صلى الله عليه وسلم: {يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَى أَكْبَرَ مِنْ ذَلِكَ فَقَالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ} [سورة النساء 4: الآية 153]. فإن كان الله تعالى ـ في الحقيقة ـ يجوز أن يكون مرئياً، وببعض الحواسِّ مُدرَكاً، وكان ذلك عليه جائزاً، فالقوم إنما سألوا أمراً مُمكِناً، وقد طمعوا في مَطمَع، فلِمَ غضب هذا الغضب، واستعظم سؤالهم هذا الاستعظام، وضرب به هذا المثل، وجعله غاية في الجرأة وفي الاستخفاف بالربوبية ... ؟ » إلى آخر ما ذكر من المجادلة (¬2). وقد نقل عُلماءِ العقائد والفرق إطباقَ السواد الأعظم من المعتزلة على نفيِ الرؤية، فقد قال الشهرستاني: «واتفَقوا على نفي رؤية الله تعالى بالأبصار في دار القرار، ونفي التشبيه عنه من كل وجه: جهة ومكاناً، وصورة وجسماً، وتحيُّزاً وانتقالاً، وزوالاً وتغيُّراً وتأثُّراً، وأوجَبوا تأويلَ الآياتِ المتشابهة فيها وسَمَّوْا هذا النمطَ: توحيداً» (¬3). ¬

_ (¬1) «طبقات الاعتزال وفضل المعتزلة» ص 346. (¬2) «كتاب المعلمين وكتاب في الرد على المشبهة»: فصول من كتاب في الرد على المشبهة: ص 117. (¬3) «الملل والنحل» ص 57.

المطلب الثاني: رفض بعض أعلام المعتزلة لبعض الأحاديث الشريفة

وقد ذُكرَ أنّ مما يجمع فرق المعتزلة أمورٌ، «ومنها قولهم باستحالة رؤية الله عزّ وجلّ بالأبصار، وزعموا أنه لا يرى نفسَهُ، ولا يراه غيره، واختلفوا فيه: هل هو راءٍ لِغيره أم لا؟ فأجازه قوم منهم، وأباه قومٌ آخرونَ منهم» (¬1). المطلب الثاني: رفضُ بعض أعلام المعتزلة لبعض الأحاديث الشريفة: وأما أفرادُ رجالات المعتزلة فقد وردَ أنّ عَمْرَو بنَ عُبَيدٍ (¬2) سمعَ حديثَ عبد الله بن مسعود قال: حدثنا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق: «إن خلق أحدِكُم يُجمَعُ في بطن أمه أربعين يوماً ... » الحديثَ (¬3). فقال: لو سمعتُ الأعمشَ (¬4) يقول هذا لقلتُ له: كذبتَ، ولو سمعتُ زَيْد بن وَهْبٍ (¬5) يقول ذلك لقلتُ له: كذبتَ، ولو سمعتُ ابن مَسعُودٍ يقول ذلك ما قبلتُه، ولو سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول ذلك لرددتُه، ولو سمعتُ اللهَ يقول ذلك لقلتُ: ليس على هذا أخذتَ ميثاقنا (¬6). ¬

_ (¬1) «الفرق بين الفِرَق» ص 114. (¬2) عمرو بن عبيد بن باب التيمي بالولاء، أبو عثمان البصري: شيخ المعتزلة في عصره، وأحد الزهاد المشهورين. واشتهر بأخباره مع المنصور العباسي حتى قال المنصور: كلكم طالب صيد، غير عمرو بن عبيد. بل إنه رثاه، ولم يَرثِ خليفة مَن دونه سواه! له رسائلُ وخطب، ونُقلَتْ عنه أخبارٌ فيها بدعٌ كثيرة. توفي سنة (143 هـ). يُنظر لترجمته: «فضل الاعتزال وطبقات المعتزلة» ص 242 - 248 ضمن الطبقة الرابعة منهم. و«تهذيب الكمال» 22/ 123 - 135 الترجمة (4406)، «ميزان الاعتدال في نقد الرجال» 5/ 329 - 334 الترجمة (6410). (¬3) أخرجه البخاري في «صحيحه» برقم (7454)، ومسلم في «صحيحه» برقم (6724)، وأحمد في «مسنده» برقم (3624). (¬4) سليمان بن مهران الأسدي ولاءَ، الملقب بالأعمش تابعي ثقة. رأى أنس بن مالك وأبا بكرة الثقفي، أخرج له الجماعة، كان عالماً بالقرآن والحديث والفرائض، قال شعبة: ما شفاني أحد في الحديث ما شفاني الأعمش. توفي سنة (148 هـ). يُنظر لترجمته: «تهذيب الكمال» للحافظ المزي 12/ 76 - 91 الترجمة (2570). (¬5) زيد بن وهب الجهني أبو سليمان الكوفي، تابعيٌّ ثقة، أدرك زمن النبي صلى الله عليه وسلم وهاجر إليه ولم يدركه حديث عن كثيرٍ من الصحابة. روى له الجماعة. توفي سنة (96 هـ). يُنظر لترجمته: «تهذيب الكمال» للحافظ المزي 10/ 111 - 114 الترجمة (2131). (¬6) «تهذيب الكمال» للحافظ المزي 22/ 129، «ميزان الاعتدال» للذهبي 5/ 333.

وقد رُويَ ردُّ القاضي عبد الجبار: «خلقَ اللهُ آدم على صورته طوله ستون ذراعاً ... » الحديث (¬1). بزعم أنّ مثلَ هذه الأخبار لا يجوزُ التصديقُ بها إذا كانت مخالفةً للأدلة القاطعة (¬2). فإذا سألنا: ما هي الأدلة القاطعة التي يعنيها المعتزلة؟ فإن الجوابَ هو: إنها الأنظارُ العقلية الخاصّةُ بهم؛ بدليل أنّ النظّام (¬3) صرّح بأنه يرى «أنّ جهةَ العقلِ تنسخ الأخبار» (¬4). ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في «صحيحه» برقم (6227)، ومسلمٌ في «صحيحه» برقم (7163)، وأحمد في «مسنده» برقم (8171) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. مع لزوم التفطُّن إلى أنّ القاضيَ عبدَ الجبارِ أتهاُ الحديثُ من طُرُقٍ أُخرى، وهو لم يتناوله من أيٍّ من الصحيحين، وبذلك يُردُّ من يشغّبون على الإمام البخاري وغيره من الحفاظ بفرية أنهم افتَرَوا الكثير والكثير من الأحاديث. {سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ} [سورة الزخرف 43: الآية 19]. (¬2) «فضل الاعتزال وطبقات المعتزلة» ص 151. (¬3) إبراهيم بن سيار بن هانئ البصري، أبو إسحاق النظام، إمام النظامية من المعتزلة، تبحر في علوم الفلسفة، وتفرد بآراء خاصة، وقد ألفت كتب خاصة للرد على النظام نُقلت عنه فيها العظائم، حتى اتهم بالزندقة وكان شاعرا أديبا بليغاً، توفي سنة (231 هـ). يُنظر لترجمته: «فضل الاعتزال وطبقات المعتزلة» ص 264 - 265 في الطبقة السادسة منهم. «الوافي بالوفيات» 6/ 12 - 16 الترجمة (91). (¬4) نقله عنه ابن قتيبة الدينوري في «تأويل مختلف الحديث» ص 32.

الفصل الثاني: جذور منكري السنة (في تاريخ المسلمين الحديث).

الفصل الثاني: جذور مُنكِري السُّنّة (في تاريخ المسلمين الحديث).

المبحث الأول: أهل القرآن في شبه القارة الهندية

المبحث الأول: أهل القرآن في شبه القارة الهندية: إن الدعوة إلى الاعتماد على القرآن دون السنة في التشريع الإسلامي بدأت تغزو الهند منذ نهاية القرن التاسع عشر، على إثر انتشار الأفكار التي بثّها بدايةً المدعوّ السيد أحمد خان (¬1) الذي «نجح بالتعاون مع آغاخان الثالث (¬2) إمام [الطائفة] الإسماعيلية الآغاخانية (¬3) وتمويله السخيّ بافتتاح أول جامعة إسلامية عصرية في ¬

_ (¬1) ولد أحمد خان في دهلي سنة 1242 هـ/ 1817 م لأسرة نبيلةٍ فارسية الأصل. عمل لدى البريطانيين موظّفاً في شركة الهند الشرقية، ثم في أكثر من وظيفةٍ حتى شرَعَ في محاولة إنهاء ثورة الهنود على البريطانيين عام 1857 م، فكوفئ بلقب «صاحب نجمة الهند» وعضوية شرفية في الجمعية الملكية الآسيوية في لندن. عمل في أثناء ذلك على التلاعب بالقرآن الكريم عبر تفسيره تفسيراتٍ مبتدَعةٍ تنفي كثيراً من حقائقه معتمداً على ما يظنه العقل فحسب، ثم أخذ يدعو إلى تأويل الأحاديث النبوية، ثم نادى بالتشكيك فيها، واستمرّ في دعوته حتى وفاته سنة 1898 م. ترجم أحمد أمين في كتابه «زعماء الإصلاح» للسيد أحمد خان ترجمة مطولة شغلت الصفحات 121 - 138 منه، إلا أنّ أحمد أمين قدّمَ صورةً لأحمد خان حرصَ فيها على تلميعه بحيث يبدو عبقريّاً مُصلِحاً أتى بما لم تستطعه الأوائل. إضافةً إلى أنّه لم يتطرّقْ إلى قضية إنكار السنة في فكر أحمد خان، مع أنه ذكرَ جرأته في آرائه التي كُفِّرَ وحُورِبَ من أجلها، ومنها ادعاؤه أنّ لفظ القرآن الكريم من عند النبي صلى اله عليه وسلم، وأنّ الوحيَ كان بمعناه فحسب. ولكن الطريفَ في ما ترجم أحمد أمين به لأحمد خان أنّ هذا الأخير انتمى إلى دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب، وأنّى للنقيضين أن يجتمعا؟ اللهم إلا إن كانت مرحلةً مؤقتةً في حياته. يُنظَر لأجل ترجمته أيضاً: «الفرق الإسلامية منذ البدايات» ص 375 - 377.111 (¬2) إمام الطائفة الإسماعيلية الأغاخانية الثالث والأربعون، ولد في كراتشي سنة 1877 م لسلالة الآغاخان الأرستقراطية، استلمَ زعامة الطائفة وهو في الثامنة من عمره، تبوّأَ مكانة اجتماعيةً وسياسيةً مرموقةً في المجتمع الهندي؛ بسبب نفوذ أسرته الكبير، وثرائها الفاحش، ثم امتدّ نفوذُهُ إلى التدخّل في العديد من قضايا العالم الإسلامي، وتوسّع دولياً حتى ترأس عصبة الأمم سنة 1937، وقام بمهامَّ دوليةٍ عديدة منها التوسط بين ألمانية النازية والحلفاء. كان يجيد لغاتٍ عديدة، مطّلعاً على الفلسفة واللاهوتيات، مهتماً بنشر التعليم في بلاد الهند والعالم الإسلامي، أمر أتباعه بأن تخلع نساؤهم الحجاب؛ بدعوى أنه يتعارض والعقائد الإسماعيلية، ووجههم إلى لزوم تعليم المرأة ونزولها جنباً إلى جنب الرجل في ميادين الحياة. تزوج أربع مراتٍ، وتوفي في سويسرا سنة 1957 ونُقل رفاته إلى حيث دُفن في أسوان في مصر بعد عامين. ترجم له د. مصطفى غالب ترجمةً مطولة في كتابه «تاريخ الدعوة الإسماعيلية» ص 321 - 378. (¬3) الآغاخانية فرقةٌ تتبعُ الآنَ إمامَها كريم آغاخان الرابع، وهو ينتسب بسلسلة ـ لا يعترفُ بها إلا طائفتُهُ ـ إلى سيدنا الحسين بن عليٍّ رضي الله عنهما، ولأجل ذلك يقولون عنه: «كريم شاه الحسيني». ترى هذه الطائفةُ أنّ إمامَها هو الإمامُ التاسع والأربعون لسلالة الأئمة التي تبدأ بعليٍّ رضي الله عنه، وتتفرّع إلى الفرع الإسماعيلي؛ تميُّزاً عن متابعة إمامة موسى الكاظم ابن جعفر الصادق رحمهما الله؛ كما عند الشيعة الإمامية. ثم تتلاقى الإمامة الإسماعيلية والخلافة الفاطمية بدءاً من عبيد الله بن ميمون القداح ـ الملقب بالمهدي ـ الذي يُشكّكُ أكثر المؤرخين بانتسابه إلى الإسلام فضلاً عن أن يكون ابنَ السلالة المشرّفة. وتنشقُّ الإسماعيلية فرقتين: نزارية ومستعلية، وتستمر أولاهما في بلاد فارس بجهود شيخ ما سمي بجماعة الحشاشين الحسن بن الصبّاح، ثم تتفرقُ الطائفةُ إلى ثلاث فرقٍ: الآغاخانية في بلاد الشام وأواسط آسيا. واثنتان تنكران إمامة الأسرة الآغاخانية، وهما: المؤمنية في بلاد فارس، والسويدانية في بلاد الشام. يُنظر: «تاريخ الدعوة الإسماعيلية» للدكتور مصطفى غالب، و «المذهب الإسماعيلي الشيعي المعاصر» لحسام خضور.

عليكرة (¬1) تجمع علومَ التراث مع العلوم العصرية، وقد تسلم العُلماء البريطانيون إدارتها لمدة سنتين، وما لبث أحمد خان أن تولى إدارتها بنفسه منذ عام 1880 بعد أن استقال من منصبه في القضاء، وبقي يُديرها حتى وفاته» (¬2). ¬

_ (¬1) مدينة في إقليم أوتاربراديش الهندي، تقع جنوبَ شرقي دلهي على نهر الغانح. يُنظَر: د. شوقي أبو خليل «أطلس دول العالم الإسلامي»: ص 158 المصور (25) الهند. (¬2) «الفرق الإسلامية منذ البدايات» ص 376 لسعد رستم نقلاً عن «الموسوعة العربية» الصادرة عن هيئة الموسوعة العربية التابعة لرئاسة الجمهورية العربية السورية، المجلد الأول: ص 493 باختصار وإضافات. كذا! وهذا يُفيد أن أحمد خان أنشأ الجامعة سنة 1878 م. وفي هذه المعلومات أكثرُ من إشكال: الأول: أنّ آغاخان الثالث وُلِد سنة 1877 م كما سلف في ترجمته في الحاشية قبل السابقة. الثاني: أنّ آغاخان الثالث أنشأ جامعة عليكرة سنة 1910 م كما ذكر د. مصطفى غالب في كتابه «تاريخ الدعوة الإسماعيلية» ص 333، ولم يذكُر تعاوناً مع السيد أحمد خان. الثالث: أن الأستاذ أحمد أمين ذكر في كتابه «زعماء الإصلاح» في ترجمة السيد أحمد خان أنّ هذا الأخير أنشأ كلية عليكرة المشهورة، ولكنه لم يذكر سنةَ إنشائِها، ولا إدارة أحمد خان لها، بل لم يذكر تعاونَهُ مع الآغاخان لإشادتها! وقد وجدتُ نسبةَ تأسيس الجامعة إلى أحمد خان، ولكن في سنة 1877 م! ففي «موقع الموسوعة الحرة» (ويكيبيديا): قام السير سيد أحمد خان عام 1877 م بإنشاء جامعة عليكرة (Aligrah) لتكون مركزاً للدراسات الإسلامية في مدينة عليكرة بولاية أوتار برادش، كان يطلق على مكتبة الجامعة اسم مكتبة ليتون (Lytton)، . «موقع الموسوعة الحرة» (ويكيبيديا): (المخطوطات_العربية_في_الهند/ ar.wikipedia.org/wik). وقد وجدتُ معلومةً أعتقدُ أنها يُمكن أن تحلّ كثيراً من هذه الإشكالات ـ مع أنني لم أتمكن من التوثُّق منها في هذه العجالة ـ تذكر أنّ أحمد خان «في عام 1877 م أنشأ كلية إسلامية في [علي جره] تدرس العلوم الإسلامية بالإضافة إلى العلوم الحديثة. وتوفي السيد أحمد خان عام 1899 م، ولكنه خلف رجالاً مثل هالي وغفر الملك وشبلي، ومحسن الملك حملوا رسالته بعض هؤلاء الرجال مع آخرين أسسوا «المؤتمر الإسلامي» في مطلع القرن 20 م. وفي عام 1913 م أصبح القائد الأعظم محمد علي جناح عضواً في المؤتمر الإسلامي، وفي عام 1930 م عقد المؤتمر الإسلامي في مدينة الله آباد برئاسة الشاعر محمد إقبال، وفي هذا المؤتمر نادى إقبال بدولة للمسلمين، وقام القائد الأعظم محمد علي جناح بالجهاد في سبيل الفكرة حتى ولدت جمهورية باكستان الإسلامية غير أن جامعة [علي جرة] الإسلامية بقيت في مقاطعة أوتار براديش بالهند، ومضت تنتعش حتى ذاع صيتها في جميع أنحاء العالم، بفضل اثنين من أبرز أساتذتها، هما الأستاذ البريطاني سير والتر رايلي، والعلامة شبلي النعماني المؤرخ الهندي ومؤسس ندوة العلماء بمدينة لكناءو، والذي كان له الفضل في رفعها إلى درجة جامعة بعد نداء للاكتتاب تبناه زعيم طائفة الإسماعيلية الراحل أغا خان، وتم جمع أكثر من 30 مليون روبية. وفي سنة 1920 م تحولت الكلية الصغيرة إلى ما هو معروف الآن باسم «الجامعة الإسلامية بـ علي جره» أقدم الجامعات التي أسستها الأمة الإسلامية في الهند، وأكثرها صيتا وشهرة». «منتديات قمر جدة»: ملتقيات الترفيهية: قسم السياحة والسفر: جامعة عليكرة. (jeddah-moon.net/vb/showthread.php)

وجاء بعدَ أحمد خان الشيخ تشراغ علي الذي صرّح بأنّ «الحديث في حد ذاته لا يُمكن الاعتماد عليه» (¬1). وفي عام 1902 م بدأ أحدُ الذين تأثروا بأحمد خان، وهو «عبد الله جكرالوي» مؤسس الحركة القرآنية نشاطه الهدَّام، بإنكار السنّة كلِّها، مُتّخذاً مسجداً في «لاهور» (¬2) مقرّاً لحركته تلك، وقد «دعا إلى إنكار الأحاديث والاكتفاء بالقرآن، وصنّف الرسائل في ذلك، وقال: إن الناس افترَوْا على النبيِّ وروَوْا عنه الأحاديث، وشرع لجماعته الذين سماهم أهل الذكر (الذكر هنا بمعنى القرآن، وليس بالمعنى المعروف عند الصوفية) طريقةً جديدة للصلاة، وقال: إن الأذان والإقامة بالشكل الذي يفعله المسلمون بدعة ... إلى غير ذلك من الأقوال (¬3). ¬

_ (¬1) «الفرق الإسلامية منذ البدايات» ص 377 لسعد رستم نقلاً عن «زوابع في وجه السنة» نقلاً عن أعظم الكلام 1/ 20. (¬2) لاهور هي مدينة باكستانية، كانت عاصمة الغزنويين وملوك المغول، وفيها العديد من المساجد والحدائق. وتقليدياً: فإنهم يقولون في باكستان: إن «إسلام آباد» هي العاصمة السياسية، و «كراتشي» العاصمة الاقتصادية. أما لاهور بتاريخها العميق فهي العاصمة الثقافية. وهي المنبر الذي أعلن من فوقه قرار إنشاء دولة باكستان فيما عرف بقرار لاهور الشهير الذي اتخذ عام 1940 م. «موقع الموسوعة الحرة» (ويكبيديا): (لاهور ar.wikipedia.org/wiki). (¬3) يُنظَر: سعد رستم «الفرق الإسلامية منذ البدايات» ص 377.

ثم جاء في هذه السلسلة العليلة عددٌ ممن حملوا لواءَ هذه الأفكار الضّالّة كان أبرزهم ومرسخ فكرهم ومنظِّرُهُ ومؤسس فرقته بشكلٍ رسمي، المدعوّ غلام أحمد برويز (¬1). ¬

_ (¬1) ولد غلام أحمد برويز في إقليم البنجاب شمال غربي الهند عام (1903 م) لأسرة سنية حنفية صوفية، تخرج في جامعة البنجاب سنة 1934، عمل في مدينة لاهور الباكستانية، فتأثر بالشيخ حافظ الجيراجبوري أحد الدعاة ضدّ السنة في باكستان ولازمه طويلاً، أصدر منذ عام 1938 مجلة «طلوع إسلام» التي لعبت دوراً كبيراً عبر مقالاتها بمناهضة السنة، والدعوة إلى تفسير عصراني للقرآن، وقد أصدر برويز تفسيراً على هذه الشاكلة من ثماني مجلدات. وقد بقيَ على هذا المنهج المحارب للسنة حتى وفاته سنة (1985 م). يُنظَر: «الفرق الإسلامية منذ البدايات» لسعد رستم ص 378 - 382.

المبحث الثاني: المشككون بالسنة الشريفة في العالم العربي

المبحث الثاني: المشككون بالسنّة الشريفة في العالم العربي: إنّ مما ابتُليَ به المسلمون في كلّ عصر، وخصوصاً في هذا العصر أنّ عدداً من الشخصيات المتفرّقة التي ينتسبُ بعضُها إلى العلم الشرعيّ ممن درسوه وتخصّصوا في بعض مجالاته، وينتسب بعضُها إلى علومٍ أُخرى تطفّلوا على العلوم الشرعية بالكلامِ فيها، فصرّحوا، وحرّضوا، وأفتَوا، بما حلا لهم، وبما راقَ لهم من أهواءِ، وعليهم يصدُقُ قول الشاعر: يقولونَ: هذا عِندَنا غيرُ جائزٍ ومن أنتُمُ حتى يكونَ لكمْ عِندُ؟ وقد مُحِنَتِ الأمةُ المسلمة في عصرِها الحديث في بلادِ العرب ـ وفي أمّها مصر ـ بنكراتٍ تعرّفوا بالشذوذ، واشتُهِروا بتبنِّيهم من الآراء كلَّ منبوذ. وقد نبغَ منهم في القرنَين الماضيَين أشخاصٌ هيَّئوا التربةَ المتقبّلةَ لظهور القرآنيين المعاصرين، ذلك بما أشاعوه من انتقاص كتب الحديث والفقه والتفسير المتقدمة، ورفعهم لواءَ الإصلاح والتجديد، والتنوير ومحاربة البدع ... وما إلى ذلك من شعارات برّاقة، زُبِرَت على راياتٍ خفّاقة، وكانت كلماتِ حقٍّ أُريد بها في كثيرٍ من الأحيان الباطلُ الصُّراح، والضلالُ البَواح. ومن أبرز هذه الشخصيات التي تطاولت بطريقةٍ أو بأخرى على أخبار السنة المطهَّرة الشيخ محمد عبده مفتي الديار المصرية (¬1). ¬

_ (¬1) ولد سنة (1266 هـ/ 1849 م) في شنرا من قرى الغربية بمصر، تعلم بالجامع الأحمدي بطنطا، ثم بالأزهر. وتصوف وتفلسف وعمل في التعليم، وكتب في الصحف ولا سيما جريدة (الوقائع المصرية) وقد تولى تحريرها، وأجاد اللغة الفرنسية بعد الأربعين. ولما احتل الانكليز مصر ناوأهم وشارك في مناصرة الثورة العرابية، فسجن 3 أشهر للتحقيق، ونفي إلى بلاد الشام، سنة (1881 م)، وسافر إلى باريس فأصدر مع صديقه وأستاذه جمال الدين الأفغاني جريدة «العروة الوثقى» وعاد إلى بيروت فاشتغل بالتدريس والتأليف. عاد إلى مصر سنة (1888) وتولى منصب القضاء، ثم جعل مستشاراً في محكمة الاستئناف، فمفتياً للديار المصرية سنة (1899 م) واستمر إلى أن توفي بالإسكندرية، ودفن في القاهرة سنة (1323 هـ / 1905 م). له «تفسير القرآن الكريم» (ط) لم يتمه، و «رسالة التوحيد» (ط)، و «الرد على هانوتو» (ط)، و «رسالة الواردات» (ط) صغيرة، في الفلسفة والتصوف، و «حاشية على شرح الدواني للعقائد العضدية» (ط)، و «شرح نهج البلاغة» (ط)، و «شرح مقامات البديع الهمذاني» (ط)، و «الإسلام والرد على منتقديه» (ط) من مقالاته، و «الإسلام والنصرانية مع العلم والمدنية» (ط) كالسابق، و «الثورة العرابية» لم يتمه. وترجم رسالة «الرد على الدهريين» (ط). «الأعلام» للأستاذ خير الدين الزركلي رحمه الله 6/ 252 - 253 باختصار وتصرف يسير. وله ترجمةٌ تتبّعت الكثير من أخطائه في كتاب «أعلام وأقزام في ميزان الإسلام» للدكتور سيد بن حسين العفاني 1/ 84 - 89.

وسار على دربِهِ الأستاذ أحمد أمين (¬1)، والمترفِّض محمود أبو رية (¬2). ¬

_ (¬1) ترجم له الأستاذ خير الدين الزركلي رحمه الله في موسوعته «الأعلام» 1/ 101 بما يلي: أحمد أمين (1295 - 1373 هـ = 1878 - 1954 م) أحمد أمين ابن الشيخ إبراهيم الطباخ: عالم بالأدب، غزير الاطلاع على التاريخ، من كبار الكتاب. اشتهر باسمه (أحمد أمين) وضاعت نسبته إلى (الطباخ). مولده ووفاته بالقاهرة. قرأ مدة قصيرة في الأزهر وتخرج بمدرسة القضاء الشرعي، ودرس بها إلى سنة (1921 م)، وتولى القضاء ببعض المحاكم الشرعية. ثم عين مديراً بكلية الآداب بالجامعة المصرية. وانتخب عميداً لها (سنة 1939) وعين مديراً للإدارة الثقافية في جامعة الدول العربية (سنة 1947) واستمر إلى أن توفي. وكان من أعضاء المجمع العلمي العربي بدمشق ومجمع اللغة بالقاهرة والمجمع العلمي العراقي ببغداد. ومنحته جامعة القاهرة (سنة 1948) لقب (دكتور) فخري. وهو من أكثر كتاب مصر تصنيفاً وإفاضة. ومن أعماله إشرافه على «لجنة التأليف والترجمة والنشر» مدة ثلاثين سنة، وكان رئيساً لها. وبلغت مقالاته في المجلات والصحف، ولا سيما في مجلتي «الرسالة» و «الثقافة» عشرة مجلدات، جمعها في كتابه «فيض الخاطر - ط» ستة أجزاء، ومن تآليفه المطبوعات: «فجر الإسلام»، و «ضحى الإسلام»، و «ظهر الإسلام»، و «يوم الإسلام»، و «النقد الأدبي» جزآن، و «زعماء الإصلاح في العصر الحديث»، و «إلى ولدي»، و «حياتي»، و «قاموس العادات»، و «الصعلكة والفتوة في الإسلام»، و «مبادئ الفلسفة» مترجم. وله ترجمةٌ تتبّعت الكثير من أخطائه في كتاب «أعلام وأقزام في ميزان الإسلام» للدكتور سيد بن حسين العفاني 1/ 164 - 173. (¬2) المولود في كفر المندرة في محافظة الدهقلية سنة (1889 م) كان انتسب إلى الأزهر في صدر شبابه، فلما انتقل إلى مرحلة الثانوية الأزهرية أعياه أن ينجح أكثر من مرة، فعمل مصححاً للأخطاء المطبعية بجريدة في بلده، ثم موظفاً في دائرة البلدية حتى أحيل إلى التقاعد، من مصنفاته التي طعن فيها في السنة والصحابة: «أضواء على السنة المحمدية»، و «قصة الحديث المحمدي»، «شيخ المضيرة أبو هريرة». يُنظَر: «السنة ومكانتها في التشريع» للدكتور مصطفى السباعي رحمه الله تعالى ص 504. ومع ذلك يُوصَفُ بأنه «من علماء مصر المحققين البارزين»؛ كما في ترجمته في العديد من المواقع الشيعية يُنظر على سبيل المثال: «موقع المجمع العلمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية»: رواد التقريب: الشيخ محمود أبي رية. (www.taghrib.org/arabic/rowad/riia.htm). وفي ترجمته التدليسُ بأنّ أبا رية قد «جمع بين الدراسة المدنية بالمدارس الابتدائية والثانوية والمعاهد الدينية»! فأيُّ تقريبٍ هذا؟

ولم يكُفَّ الزمانُ إلى هذه اللحظة عن أن يُطلِعَ على الأمّة رُويبضاتٍ بالعشرات بل المئات، نبتَت نوابتُهم في البلدان الإسلامية كافّةً سنةً بعد أُخرى. من ذلك جماعة صغيرةٌ جداً تحمل تشابُهاً كبيراً جدّاً بينها وبين «القرآنيين» تُسمّى «جماعة الربانيين»، يرأسُها فلسطينيٌّ من مدينة نابلس اسمه «محمد راجح يوسف دويكات» (¬1)، وقد افتتحت موقعاً الكترونياً يُدعى موقع «كونوا ربانيين» (¬2). يقول رأس هذه الفرقة في مقال: «تعريف بمدرسة الربانيين»: وترى مدرسة الربّانيّين أن "الخير" هو في كتاب الله تعالى الذي هو وحده «الحقُّ» معرفاً، لا يشاركه في ذلك سِفر ولا كتاب كما لا يشارك اللهَ تعالى في الألوهية شيءٌ ولا في الربوبية أحد» .... «ترى مدرسة الربانيين أن الالتزام بما ذُكر كما فعل الرسول النبي الكريم مع المؤمنين الأولين، واتباعَ "ملة إبراهيم" في التعليم والدعوة - كما أمر الله سبحانه رسوله الكريم أن يفعل ... ففعل». ثم يقول: ولكن الرباني في سبيل فهم النص القرآني المقدس (وهو نص متشابه مثاني [كذا]) يدرس كل شيءٍ يُمكن أن يعينه على فهمه بدءاً بالسيرة النبوية العملية لا السنة التراثية التي لا لأصل لها» (¬3). ومن بدع المدعوّ دويكات الطريفة مقالُ «مفهوم سنة الله وسننه من كتابه العظيم فلا سنة لأحد إلا لله وحده». وفيه يقول: «تؤرخ الآية 80/ آل عمران برقمها القرءاني (373) لعام 373 هـ (983 - 984 م) الذي تكرّس فيه الضلال تحت حكم البويهيين حين طغى زبد الأحاديث و (السنة المفتراة على الرسول والنبي معاً) على القرءان المنزل من السماء بعد أن اتخذه العرب وغير العرب مهجوراً، وفُرِضَ القول بالسنة على الناس حتى اليوم، مع أن أشهر كتب السنة عندهم (البخاري ومسلم حتى وفاة مسلم عام 261 هجري) ¬

_ (¬1) لم أهتدِ في هذه العجالة إلى ترجمةٍ له حتى على موقعه الذي يشرف عليه، ولعله شخصية وهمية! . هذا مع العلم أنّه يوجد ضمن قائمة كتاب «موقع أهل القرآن» شخصٌ يُدعى «محمود دويكات» له بضعٌ وثلاثون مقالاً، وهذه صفحته الشخصية: (www.ahl-alquran.com/arabic/profile.php? main_id=432). (¬2) (kuno-rabbaniyeen.org). (¬3) (kuno-rabbaniyeen.org/? page=details&newsID=4&cat=2):

خلت من أيّ حديثٍ يدعو إلى السنة، بل العكس هو الصحيح، فقد اتفق البخاري ومسلم على أن النبيَّ لم يُوصِ بشيء سوى أنه أوصى بكتاب الله، وانفرد مسلم بحديث الاعتصام المشهور ولكنه لم يذكر السنة أبداً: «وقد تركتُ فيكم ما إن اعتصمتم به لن تضلوا: كتاب الله». ولم يذكر السنة، فليرجع من يحرص على دينه إلى كتاب الحج باب خطبة الوداع في الكتاب المذكور ليعلم مدى التزوير الذي أحدثه المضلّون في دين الله. ويؤكد هذا الفهم أن رقم كلمة «مهجوراً» في كلمات سورة الفرقان المكتوبة هو (373) كذلك: {وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآَنَ مَهْجُورًا (373) (30) وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا (31)} [25 الفرقان]. فعدوّ النبي من المجرمين هم الذين شغلوا الناس بالأحاديث المكذوبة والمرويات التراثية الخرافية ليصرفوهم عن القرءان حتى هجروه! بعد أنْ لم يستطيعوا تزويره بسبب حفظ الله له. كما يؤكد هذا المفهوم الخطير الذي يجب أن ترتعد له فرائصُ كل من يظن نفسه مؤمناً ... تؤكده الآيتان 29+30 من سورة الأعراف اللتان تؤرخان لعودة الناس إلى الضلال الذي كانوا عليه قبل القرءان: " .... وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ كَمَا بَدَأَكُمْ (373) تَعُودُونَ (29) (983) فَرِيقًا هَدَى وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلَالَةُ إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ (30) (984) " 7/ الأعراف فرقم كلمة (بَدَأكُم) تعودون في كلمات سورة الأعراف المكتوبة (373) يشير إلى عام 373 / هـ الموافق لسنتي 983/ 984/ م وهما الرقمان القرآنيّان للآيتين 29+30/ من سورة الأعراف. فتكون هاتان الآيتان قد أرَّختا لعودة (المسلمين التراثيين) إلى الضلال الذي دلّ عليه مفهوم الكلمات، وبرقم الكلمة التي أشار إليها العام الهجري (373) الموافق للسنتين الميلاديّتين 983/ 984/م ... » (¬1). ¬

_ (¬1) (kuno-rabbaniyeen.org/Default.asp? page=details&newsID=81&cat=2):

المبحث الثالث: جماعة حزب التحرير مثالا للتلاعب بالنصوص الشرعية.

المبحث الثالث: جماعة حزب التحرير مثالاً للتلاعب بالنصوص الشرعية. تُعدُّ الأحزاب والجماعات السياسية الإسلاموية (¬1) من أمثلةِ الفئات المسلمة التي رأت في أشياءَ من السنة النبوية المطهَّرة عقباتٍ أمام مخطّطاتِها. فجماعات الغلوّ والتكفير سارت على نهج الخوارج شبراً بشبر، وذراعاً بذراع. وجماعات التجديد (التبديد) شرَقَت بكثيرٍ من التشريعاتِ النبويّة، والأحاديثِ المصطفويّة، التي رأتها برأيِها الفاسِد، ورأتها برأيها الكاسد (¬2)، عقباتٍ أمام النهوض الذي توهّموه، وسدوداًَ بين يدي كلّ مأربٍ أرادوه. والطرفان اتفقا على إنكارِ شيءٍ من المأثور، ورميِ بعضٍ من الأحكام الفقهية وراء الظهور، بعد أن عسُرَ تطويعُ ما لم يرُقْ لهم وتأويلُه، ولم يجدوا إلى ابتداعِ تفسيراتٍ «تنويريةٍ» للنصوص الشرعية سبيلاً. ومن أمثلة هذه الجماعات «حزب التحرير» (¬3)، وهو حزبٌ جعل قِبلتَهُ المقصودَة، وأكبرَ أهدافِه المنشودَة، إعادةَ وهمِ «الخلافة» وتربُّعِ «خليفة» على عرش الأمة! وإنّ جَعْلَ «الخلافة» غايةَ الغايات، وأمنيّةَ الأمنيات، يدُلُّ على اختلالٍ منهجيّ لدى هذا الحزب؛ حيثُ إنّ المتابعَ دعوةَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم يجدُ أنّ سنيْ هذه ¬

_ (¬1) عدلتُ عن نسبة «الإسلامية» إلى «الإسلاموية»، وهي نسبة شاذّة لغوياً، درجت متأخرةً على أقلام الكاتبين الذين يكتبون عن الجماعات المسلمة؛ بقصد الإشارة إلى أنّ أكثر من يُسمّون أنفسهم «إسلاميين» يناقضون أنفُسَهُم في هذه التسمية بطريقةٍ أو بأخرى! . (¬2) «الرُؤْيَةُ: النَّظَرُ بالعَيْنِ وبالقَلْبِ» يُنظر: «لسان العرب» (رأي) ص 1537. (¬3) حزب التحرير حزب سياسي إسلامي يدعو إلى تبني مفاهيم الإسلام وأنظمته وتثقيف الناس به والدعوة إليه والسعي جديًّا لإقامة دولة الخلافة الإسلامية معتمداً الفكر أداة رئيسية في التغيير. وقد صدرت عنه انحرافات كانت محل انتقاد جمهرة علماء المسلمين. أسسه الشيخ تقي الدين النبهاني 1326 - 1397 هـ/ 1908 - 1977 م من قضاء حيفا بفلسطين. غادر إلى بيروت بعد نكبة عام 1948 م، وأسس فيها حزبه عام 1953، وبعد وفاة النبهاني، ترأس الحزب عبد القديم زلوم وهو أزهريٌّ من مواليد مدينة الخليل بفلسطين. صار للحزب أتباعٌ في العديد من الدول العربية والإسلامية. يُنظَر: «الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأديان المعاصرة» 1/ 341 - 347. «موقع الموسوعة الحرة» (ويكيبيديا): (حزب_التحرير/ ar.wikipedia.org/wiki).

الدعوة الأولى رُكِّزَ فيها ـ عبر قرآنها المكيّ، وسيرةِ رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها ـ على بناء عقيدة التوحيد الصافية في نفوس المسلمين، وحُرِصَ فيها على ترسيخ معاني الإيمان في القلوب، ثم بعدَما تأصّلت هذه الأصولُ في نفوس المؤمنين شُرِعت الشَّعائر، وقُنِّنَت الأحكام، وجاء الأمرُ والنهيُ بالفروع في المرحلة الثانية من الدعوة النبوية في المدينة المنوّرة. وفي أواخر هذه المرحلة تمّ قيامُ دولة سياسيةٌ كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم قائدَها ومُشرِّعَها. وإن القارئَ لقصة الخلافة الإسلامية عبر العصور يجدُها قد انحرَفَتْ عن مقصِدِها الذي قامت لأجله منذ باكرِ تاريخ المسلمين، وإنّ الأمراضَ التي أصابت «الخلافةَ» شلّتها شللاً كاملاً في مراحلَ مختلفةٍ من تاريخنا، فلم يعُدْ منها إلا اسمُها ورسمُها بغير دورٍ حقيقيٍّ فاعلٍ على ساحة الأحداث. ثم ها هي قد أُلغيَت بالكلية منذ عام 1924 م، والأمة في كلّ تلك الحِقَبِ لم تمُتْ، بل لم تفقُدْ قُواها الدينية والعلمية والحضارية فُقداناً كاملاً البتّةَ، بل إنها مرّت بفترات قوّةٍ على صُعُدٍ مختلفةٍ في حين أنّ الخلافة كانت هاويةً إلى الهاوية. فالنظرُ إلى حلّ مشاكل الأمة المختلفة عبرَ تنصيب خليفةٍ دون القيام بما يجب القيام به مما قام به النبي صلى الله عليه وسلم من إعادة بناء العقيدة الصحيحة البعيدة عن البدع والخرافات، وإعادة رفع صرح الإيمان والأخلاق عالياً في النفوس، وإعادة سيطرة مبدأ السمع والطاعة لله ولرسوله على النفوس والعقول، وإعادة التزام الأمة الطوعيّ أفراداً وجماعاتٍ ثمّ دولاً بالأحكام الشرعية الثابتة الراسخة، ثم التقيُّد بالأرجح دليلاً مما هو مختلَفٌ فيه؛ الحال التي تؤدي إلى اصطباغ الأمة بالإسلام اصطباغاً حقيقياً يُفرِزُ قياداتٍ من هذه الأمة مؤمنةٍ بالحياة بهذا الدين، في سبيل هذا الدين. وسواءٌ أسُميَت الواحدة من هذه القيادات «خليفة»، أو «أميراً»، أو «رئيساً»، أو «زعيماً أو? ? ملكاً» .... فإن العبرة ليست بالتسمية بل بالحقيقة التي يقوم عليها المسمّى، ويعيشُها ويتمثّلُها.

مع هذا الانحراف المنهجيّ لدى حزب التحرير، فإنّ مما يستغرب منه المطّلعُ أنّ هذا الحزب ضمّ إلى ذلك انحرافاتٍ عقَديّةً، وفقهيّة، وأخلاقية، وسلوكيةً خطيرة! فهل السبيل إلى دولة الإسلام يكون عبر الانزلاق إلى مَهواةِ اعتبار العالم بأسره دار كفرٍ، بما فيه دول العالم الإسلاميّ؟ (¬1). وهل الإيمان بالخلافة الإسلامية يتطلب إنكار القضاء والقدر؟ (¬2). فما دخلُ إعادة بناء الدولة الإسلامية العصماء بوجوب اعتقاد «التحريريّين» بحرمة الاعتقاد بعذاب القبر، وبإنكار المسيح الدجال؟ (¬3). وما الرابط بين الخلافة وترك الصلاة بدعوى عدم التمكين في الأرض؟ (¬4). ¬

_ (¬1) جاء في خبرٍ على «موقع العربية نت» بتاريخ 17 ذي الحجة 1425 هـ - 27 يناير 2005 م لحوار بين محرره خالد عويس في لقاءٍ مع فادي عبد اللطيف ممثل حزب التحرير في الدانمرك: «ويرى الحزب ـ بحسب عبد اللطيف ـ أن العالم كلَّهُ اليوم بما فيه بلاد المسلمين دار كفر بمعنى أنه لا توجد فيه دولة تحكم بما أنزل الله في الدولة والمجتمع. فدار الكفر وفق الاصطلاح الشرعي ـ يقول عبد اللطيف ـ هي الدار التي لا تحكم بالإسلام. ويضيف: وصفنا للغرب بأنه كافر، هو وصف لواقع الغرب شعوباً ودولاً وحكومات، والمقصود هو إبراز أصل العداء الذي يحمله الغرب كدول ونخب فكرية وسياسية بشكل خاص ضد الإسلام والمسلمين». «موقع العربية نت» (www.alarabiya.net/articles). ووافق ذلك ما في «موقع الملتقى العلمي للعقيدة والمذاهب المعاصرة»: قسم العقيدة والمذاهب المعاصرة: الملتقى العلمي لدراسة الملل والمذاهب المعاصرة: بعض مخالفات حزب التحرير للكتاب والسنّة. نقلاً عن كتاب الشيخ عبد الرحمن دمشقية «حزب التحرير» ص 32، 103 [كذا]. وثمة النقلُ عنهم: بل حتى مكة والمدينة هي عندهم دار كفر وحرب، وهذا ما ذكره أحد أعضاء حزبهم عند مناقشته للشيخ دمشقية، وقد ذكر هذا الشيخ دمشقية في كتابه ص 47. (www.alagidah.com/vb/showthread.php). (¬2) «موقع الملتقى العلمي للعقيدة والمذاهب المعاصرة»: قسم العقيدة والمذاهب المعاصرة: الملتقى العلمي لدراسة الملل والمذاهب المعاصرة: بعض مخالفات حزب التحرير للكتاب والسنّة. نقلاً عن الدوسية ص 18. (www.alagidah.com/vb/showthread.php). مع أنّ للشيخ النبهاني كلاماً حسناً في القضاء والقدر في كتابه «نظام الإسلام» ص 14 - 21 لم يخرُج فيه عن الجادّة، والله تعالى أعلى وأعلم! (¬3) يُنظَر: «الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأديان المعاصرة» 1/ 344. و«موقع الملتقى العلمي للعقيدة والمذاهب المعاصرة»: قسم العقيدة والمذاهب المعاصرة: الملتقى العلمي لدراسة الملل والمذاهب المعاصرة: بعض مخالفات حزب التحرير للكتاب والسنّة. (www.alagidah.com/vb/showthread.php). (¬4) فتوى سقوط الصلاةِ عن المسلم بدعوى عدم التمكين في الأرض؛ استناداً إلى قوله تعالى: {الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ} [الحج: الآية 41]. وما دام الشرطُ لم يتحقّقْ فالمشروطُ غير متحقِّق. كذا الزعم؟ وإنني لم أستطِعِ الاهتداءَ إلى مصدرٍ لهذه الفتوى التي طبّقها صاحبُها سلوكاً عملياً ففرّط في فريضته الكبرى، وعروته الوثقى؛ إلا أنّني سمعتُها من أستاذي الدكتور بسام عجك حفظه الله.

وما علاقة عرش الخلافة بالفتاوى التي تُجيز مُصافحة المرأة الأجنبية (¬1) بل وتقبيلِها (¬2)؟ . ¬

_ (¬1) أما مصافحة المرأة الأجنبية فمأثورة عن إمام الحزب الشيخ النبهاني الذي نعى على من سماهم «المتأخرين من الفقهاء» أنهم أوّلوا حديث الرسول [كذا دون الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم] في مصافحة النساء له في البيعة في كتابه «النظام الاجتماعي في الإسلام» ص 13. وهذا الذي أجملَهُ في بدايات كتابه قد فصَّلَه غفر الله له في ص 53 من كتابه المذكور بقوله: أما بالنسبة للمصافحة، فإنه يجوز للرجل أن يصافحَ المرأة، وللمرأة أن تُصافحَ الرجل دون حائلٍ لِما ثبتَ في «صحيح البخاري» [برقم (4892)، و «صحيح مسلم» برقم (2165)، ومسند أحمد» برقم (20796)] عن أم عطية قال: بايعنا النبيّ صلى الله عليه وسلم فقرأ علينا {عَلَى أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا} [سورة الممتحنة 60: الآية 12]، ونهانا عن النياحة، فقبضت امرأةٌ منا يدها». وكانت المبايعة بالمصافحة، ومعنى «قبضت يدها» ردّت يدها بعد أن كانت مدتها للمبايعة، فكونها قبضت يدها يعني أنها ستبايع بالمصافحة، ومفهوم «فقبضت امرأة منا يدها»: أن غيرها لم تقبض يدها، وهذا يعني أن غيرها بايعت بالمصافحة. وأيضاً فإنّ مفهومَ قوله تعالى: {أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ} [سورة النساء 4: الآية 43 وسورة المائدة 5: الآية 5]: بلفظه العامّ لجميع النساء، من حيث أنّ الملامسة تنقض الوضوء، يدل اقتصار الحكم على نقض الوضوء من لمس النساء على أنّ لمسهنّ بغير شهوةٍ ليس حراماً، فمصافحتُهُنّ كذلك ليست حراماً. علاوةً على أنّ يدَ المرأة ليست بعورة، ولا يحرُمُ النظرُ إليها بغير شهوة، فلا تحرُمُ مصافحتها. ا. هـ. قال كاتب هذه السطور سدّدَهُ الله: مَن مِنَ الفقهاء المتقدمين الذين استند الشيخُ عفا الله عنه فيما ذهب إليه؟ والسؤال في عُهدة من يرى رأيه! ثمّ إنه لو قال بقوله ألف فقيه، فإنّ سنة النبيّ صلى الله عليه وسلم قاضيةٌ على هذا الخطل، وصدق القائل: ما العلمُ نصبُكَ للخلاف سفاهةً ... بين الرسولِ وبين قولِ فقيهِ وها هي السنة الغراء زاخرةٌ بأدلة حظر مصافحة المرأة التي تقضي على حديث البخاري مبيّنةً توجيهه الصحيح: وعن عروة أن عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم أخبرته: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يمتحن من هاجر إليه من المؤمنات بهذه الآية بقول الله: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ} - إلى قوله: - {غَفُورٌ رَحِيمٌ} [سورة الممتحنة 60: الآية 12]. قال عروة: قالت عائشة: فمن أقرأ بهذا الشرط من المؤمنات قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قد بايعتك» كلاماً، ولا والله، ما مست يدُهُ يدَ امرأةٍ قطُّ في المبايعة، ما يبايعهن إلا بقوله: «قد بايعتك على ذلك». أخرجه البخاري ـ واللفظ له ـ في «صحيحه» برقم (4891)، ومسلم في «صحيحه» برقم (4834)، وأحمد في «مسنده» برقم (26326). وقد قال الحافظ ابن حجر في شرح هذا الحديث: وقد ذكرت في تفسير الممتحنة من خالف ظاهر ما قالت عائشة من اقتصاره في مبايعته صلى الله عليه وسلم النساء على الكلام وما ورد أنه بايعهن بحائل أن بواسطة بما يغني عن إعادته. ويعكر على ما جزم به من التقدير وقد يؤخذ من قول أم عطية في الحديث الذي بعده: «فقبضت امرأة يدها» أن بيعة النساء كانت أيضاً بالأيدي، فتخالف ما نقل عن عائشة من هذا الحصر. وأجيب بما ذكر من الحائل، ويحتمل أنهن كن يشرن بأيديهن عند المبايعة بلا مماسة. وقد أخرج إسحاق بن راهويه بسند حسن عن أسماء بنت يزيد مرفوعاً: «إني لا أصافح النساء» وفي الحديث: أنّ كلام الأجنبية مباحٌ سماعُه، وأن صوتَها ليس بعورة، ومنعُ لمسِ بشرة الأجنبية من غير ضرورة. ا. هـ. وعن أميمة بنت رقيقة رضي الله عنها قالت: بايعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم في نسوة فلقننا فيما استطعتنّ وأطقتنّ قلت: الله ورسوله أرحم منا من أنفسنا قلت: يا رسول الله بايعنا قال: «إني لا أصافح النساء إنما قولي لامرأة قولي لمئة امرأة». أخرجه أحمد في «مسنده» (27006)، والنسائي في «السنن الكبرى» (7756)، وابن ماجه في «سننه» برقم (2774). وعن أسماء بنت يزيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع نساء المسلمين للبيعة فقالت له أسماء: ألا تحسر لنا عن يدك يا رسول الله! فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إني لستُ أصافح النساء ولكن آخذ عليهن ... » الحديثَ. أخرجه أحمد في «مسنده» برقم (27572)، والطبراني في «الكبير» 24/ (459). قال الهيثمي في «مجمع الزوائد» برقم (8702): وفيه شهر بن حوشب، وهو ضعيف يُكتَبُ حديثه. (¬2) أما تقبيل المرأة فقد أُثِرَ عن التحريريين، وهو موجودٌ منسوباً إليهم في: يُنظَر: «الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأديان المعاصرة» 1/ 345. و«موقع الملتقى العلمي للعقيدة والمذاهب المعاصرة»: قسم العقيدة والمذاهب المعاصرة: الملتقى العلمي لدراسة الملل والمذاهب المعاصرة: بعض مخالفات حزب التحرير للكتاب والسنّة. نشرة جواب سؤال 29/ 5/1970 م لشيخهم النبهاني (www.alagidah.com/vb/showthread.php). كذا. والذي هو في كتابه «النظام الاجتماعي في الإسلام» ص 53 التصريحُ بتحريم القبلة؛ لأنها من مقدمات الزنا وداعية إليه، والله تعالى أعلم، وحُسن الظنّ بالمسلمين كافّةً مطلوب.

وما شأنُ إباحةِ خروج المرأة بالبنطال دون حجابٍ شرعيٍّ ويكفيها أن تضعَ «باروكة» شعر مستعار تُخفي شعرها الحقيقيّ، هي ليست بناشزٍ حينئذٍ ولو عصت أمر زوجها؟ (¬1). ¬

_ (¬1) يُنظَر: «الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأديان المعاصرة» 1/ 345. «موقع الملتقى العلمي للعقيدة والمذاهب المعاصرة»: قسم العقيدة والمذاهب المعاصرة: الملتقى العلمي لدراسة الملل والمذاهب المعاصرة: بعض مخالفات حزب التحرير للكتاب والسنّة. عن نشرة جواب سؤال 2 محرم 17/ 2/1972 لشيخهم النبهاني. (www.alagidah.com/vb/showthread.php).

ناهيك عن قائمةٍ من الآراء الغريبة، والفتاوى المُريبة، التي لا تدلُّ إلا على قُصورٍ في التأصيل، وضحالةٍ في المستوى العلميّ، وقلةٍ في الزاد الشرعيّ (¬3). بل تدلّ على جهلٍ ببدهيّاتِ الإسلام، وتُشير إلى وجود داءٍ عُضالٍ في العقيدة، وانحرافٍ في بوصلة الإيمان، وضعفٍ في قابلية التلقّي عن سنة خير المرسلين وحبيب رب العالمين، وإعمالٍ للأهواء فيها تعطيلاً وتأويلاً، وإنكارٍ لشيءٍ مما صحّ منها، وهذه الإنكار بليّة عظيمة، وداهية جسيمة. مع الإقرار بأنّ «التحريريين» لا يُنكِرون السنة جملةً، ولا يرفضونها كلّيةً ـ وهم بذلك ليسوا على منهج «القرآنيين» البتّةَ ـ ولكنّهم سلكوا معها سبيلَ الابتداع، ولم يلتزموا منهجَ الاتّباع، فحادوا عن السبيل بعضَ الحياد، هدانا الله وإياهم إلى الحقّ والرشاد. هذا مع أن للشيخ النبهاني كلاماً حسناً في «السنة والتأسي بالنبي صلى الله عليه وسلم» في كتابه «نظام الإسلام» (¬1). ¬

_ (¬1) يُنظَر: «الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأديان المعاصرة» 1/ 343 - 345. و«موقع الملتقى العلمي للعقيدة والمذاهب المعاصرة»: قسم العقيدة والمذاهب المعاصرة: الملتقى العلمي لدراسة الملل والمذاهب المعاصرة: بعض مخالفات حزب التحرير للكتاب والسنّة. (www.alagidah.com/vb/showthread.php). (¬2) «نظام الإسلام» ص 79 - 81.

الفصل الثالث: فرقة «القرآنيون»

الفصل الثالث: فرقة «القرآنيون»

المبحث الأول: شخصية فرقة «القرآنيون»

المبحث الأول: شخصية فرقة «القرآنيون»: المطلب الأول: نشأتها: استمراراً للفكر المعوجّ الذي اتخذ من التشكيك بالسنن ورواتها ومصادرها لواءاً يرفعه في العالم العربي تحت مسمّياتٍ مختلفة من التجديد والتنوير والتطوير والإصلاح، فقد ظهرت فرقة «أهل القرآن» من جديد على يد الدكتور الأزهريّ المصريّ أحمد صبحي منصور (¬1). الذي «بدأ في حرب الإسلام والسنة المطهرة منذ سنة 1977 م، بالبحث والمقال والكتاب والندوات، وصودرت بعض كتبه، وانكشف أمره من طلابه، واعترف في التحقيقات بضلاله الذي تمسك به، فأصدر الأزهر قراراً بفصله من الجامعة عام 1987 م، بسبب إنكاره للسنة النبوية، وتطاوله على علماء الحديث النبوي مثل البخاري (¬2)، الذي يتهمه بالعداوة للإسلام والقرآن، وقيامه بتأسيس مذهب الاكتفاء بالقرآن كمصدر للتشريع الإسلامي. ¬

_ (¬12) له سيرة ذاتية مطولة في «موقع أهل القرآن»: السيرة الذاتية أحمد صبحي منصور [كذا]. (www.ahl-alquran.com/arabic/userpage.php) منها أنه ولد سنة 1949 م في أبو حريز - كفر صقر - الشرقية - مصر. يحمل الشهادة الإعدادية الأزهرية سنة 1964 الترتيب: الثاني علي مستوي الجمهورية. والثانوية الأزهرية: أدبي - سنة 1969 الترتيب: الرابع على مستوى الجمهورية. الإجازة العلمية (الليسانس) قسم التاريخ بجامعة الأزهر سنة 1973 بتقدير عام جيد جداً مع مرتبة الشرف. الماجيستير في التاريخ الإسلامي والحضارة الإسلامية 1975 بتقدير: جيد جداً. الدكتوراة: شعبة التاريخ والحضارة بمرتبة الشرف الأولى (1981) جامعة الأزهر كلية اللغة العربية قسم التاريخ في التاريخ الإسلامي والحضارة. درّس في أقسامٍ مختلفة من كليات متعددة في جامعة الأزهر معيداً وأستاذاً منذ تاريخ 11/ 12/1973 حتى تاريخ 14/ 3/1987. حوكم المؤلف في جامعة الأزهر 1985 - 1987 ثم تركها سنة 1987 بسبب المؤلفات الخمس الأخيرة [التي ذكرها ضمن قائمة مؤلفاته]. ولأحمد صبحي منصور ترجمة في «موقع الموسوعة الحرة» (ويكبيديا): (أحمد_صبحي_منصور/ ar.wikipedia.org/wiki). (¬2) هو الإمام الحبر البحر، الذي لا تُحصى فضائلُه، ولا تُدرَكُ شمائلُه أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة بن بذدزبة الجعفي ولاءً البخاري «الحافظ صاحب الصحيح، إمام هذا الشأن والمقتدى به فيه، والمعول على كتابه بين أهل الإسلام» ولد سنة (194 هـ) وتوفي سنة (256 هـ). له كتاب «الصحيح»، و «الأدب المفرد»، و «التاريخ الكبير»، و «الأوسط»، والصغير». ترجمته في «تهذيب الكمال» 24/ 430 - 467 الترجمة (5059)، وترجم له الحافظُ ابن حجر العسقلاني في «هدي الساري مقدمة فتح الباري شرح صحيح البخاري» ص 664 - 682.

وقد التقى معه رشاد خليفة في مصر، ثم ذهب هو إليه في أمريكا، ورشاد خليفة هذا هو كبير زنادقة العصر الحديث؛ إذ ادعى النبوة فتلقفته أمريكا، وظل في أحضان الأمريكان حتى قتل هناك في أوائل التسعينيات (¬1). وقد عاد صبحي منصور إلى القاهرة، ووضع قدميه على أحد المنابر بالقاهرة، يبشر بدعوته الجديدة التي تقوم على تسفيه كلِّ ما ورد في السنة النبوية من أحكام، إلا أن عوامّ المسلمين الذين لم يستوعبوا الدعوة الخبيثة، استشعَروا الكفرَ البَواحَ فيما يقول، فحملوه على أكتافهم إلى قسم الشرطة، حيث أُودع في السجن عدة أسابيع. ثم خرج ليعمل محاضراً بالجامعة الأمريكية في القاهرة لعدة شهور - كالعادة تجاه كل من يعادي الإسلام وتتولاه أمريكا بالرعاية ـ إلى أن تفرغ للعمل في مركز ابن خلدون بالقاهرة لمدة خمس سنوات، مع مديره سعد الدين إبراهيم، وهو المركز المشبوه المعروف بتبعيته للأمريكان واليهود وعدائه الفجّ للإسلام، والذي داهمته الشرطة المصرية عام 2000 م، وقبضت على مديره بتهمة خيانة الوطن. وبعد المشكلات القضائية التي واجهها المركز ومديره وانتهت بإغلاقه، لجأ صبحي منصور إلى الولايات المتحدة الأمريكية، خوفاً من اعتقاله في مصر، ليعمل ¬

_ (¬1) رشاد خليفة مصري من مواليد عام 1935 هاجر للدراسة في أمريكا وتخصص في الكيمياء الحيوية، ونال الجنسية الأمريكية. أسّس «المسلمون المتّحدون الدولية» والتي تدعو إلى الإسلام إلى الله وحده لا شريك له، وتنبذ العمل بالسنة وحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان رشاد إمام مسجد في مدينة «توسان» في ولاية أريزونا الأمريكية. أنكرَ شيئاً من القرآن، وادّعى النبوة والوحيَ إليه، وابتدع بدعة الرقم (19) وعلاقته بكلّ آيات القرآن الكريم. قُتل في منزله في «توسان» في أوائل سنة 1990. يُنظر لترجمة رشاد خليفة ـ وهي ترجمةٌ من أحد أتباعه على ما يظهر ـ «موقع الموسوعة الحرة» (ويكيبيديا): (رشاد_خليفة/ ar.wikipedia.org/wiki).

المطلب الثاني: أبرز أعلامها المعلنين انتماءهم إليها

مدرساً في جامعة هارفارد، وبالوقفية الوطنية للديمقراطية، ثم لينشئ مركزه الخاص تحت اسم «المركز العالمي للقرآن الكريم»، كما أسس مع آخرين في واشنطن «مركز التنوع الإسلامي» سنة 2004 م، وأسس مع ناشطين أمريكيين في بوسطن «مركز مواطنون من أجل السلام والتسامح» سنة 2005 م، وشارك في إدارة مركز «التحالف الإسلامي ضد الإرهاب» في واشنطن منذ 2005 م. وبعد أن استقرت أحواله نوعاً ما، بدأ حربه للسنة على ساحة الإنترنت، منذ أكتوبر 2004 م، إذ أنشأ موقعاً على الشبكة يدعى «أهل القرآن»، وهو ينشط الآن في نشر مقالاته وكتبه الضالة، على موقعه هذا وعلى بعض المواقع الأخرى (¬1)، وتَلقى صدىً واسعاً من قبل أعداء الإسلام، ويتم ترجمة بعضها للإنجليزية» (¬2). المطلب الثاني: أبرز أعلامها المعلنين انتماءهم إليها: إنّ الناظر في كتّابِ موقع أهل القرآن ـ وعددُهم مئة وواحدٌ وستّون (¬3) ـ يجدهم خليطاً من رجالٍ ونساءٍ أكثرُهم من دولٍ إسلامية عديدة، وأقلُّهم من دولٍ غير إسلامية (¬4). ¬

_ (¬1) منها «موقع عرب تايمز» وفيه جُلُّ مقالاته: (www.arabtimes.com). و«موقع غلوبال ريبورت» ـ وأحسب أنه المدونة الشخصية لأحمد صبحي منصور ـ: (www.global-report.com/s-mansour/? l=ar) و«موقع مركز الدراسات والأبحاث العلمانية في العالم العربي»، وله فيه عشرات المقالات! (www.ssrcaw.org/default.asp? cid=&serchtext). (¬2) أحمد أبو زيد: «منكرو السنة .. تاريخ حافل بالزندقة والعمالة والجهل والضلال» باختصار. «منتديات الجزيرة توك»: الأقسام العامة: الشريعة والحياة. (www.aljazeeratalk.net/forum/showthread.php) (¬3) قائمة كتاب الموقع بتاريخ 10/ 3/2009. «موقع أهل القرآن: كُتّاب الموقع. (www.ahl-alquran.com/arabic/writers.php). (¬4) منهم على سبيل المثال المدعو «عماد الدين الدباغ»، من مواليد الخرطوم العاصمة السودانية سنة 1964. حاصل من على بكالوريوس في إدارة الأعمال من جامعة القاهرة فرع الخرطوم، وعلى دبلومات متعددة في مجالات هندسية من الإسكندرية في مصر. بدء ظهوره كداعية للإسلام المعتدل ومدافع عنه وقد اعتنق الإسلام بواسطته عددا من الآسيويين وغيرهم.؟ كان متعاون مع هيئة البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد بالمملكة العربية السعودية في نشر المؤلفات الإسلامية للجاليات غير المسلمة. أول من عمل على ترجمة القرآن الكريم للغة الإشارة والأبجدية الإشارية الخاصة بالصم والبكم، ويعتقد أن خلافه مع المرجعيات الإسلامية على جواز ترجمة القرآن شرعاً ـ وهذا رأيه هو ـ وقول الكثير من تلك المرجعيات بعدم جواز هذا العمل كان هو السبب وراء انقلابه على هذه المرجعيات. بنهايات العام (2004 م) بدأ نشاطه كإسلامي معتدل يخبو ثم ما لبث أن ظهر - وبقوة - كناقد للإسلام والمسلمين وهذا ما ينفيه في كتاباته. يميل فكره إجمالاً إلى نقد السنة اللفظية والسلف، ويعتقد بضرورة فصل الدين عن الدولة، ويقول بوجوب إعادة صياغة الأحكام الشرعية بما يستوجبه العصر الحالي، وينادي بإلغاء دور الأزهر ورجال الدين. يُنظَر لترجمة المذكور: «موقع الموسوعة الحرة» ويكيبيديا: (عماد_الدين_الدباغ/ ar.wikipedia.org/wiki). «موقع إزالة القناع»: (www.unmasking-islam.net/site). وفيه العديد من المقالات التي تُهاجم الإسلام نفسَه وبوقاحة منقطعة النظير. ومقالاته في «موقع أهل القرآن» ليست كثيرة، وأما صفحته فيه فهي: (www.ahl-alquran.com/arabic/profile.php? main_id=1597)

ولكن اللافتَ للنظر أن يكون بينهم عددٌ من غير المسلمين، فهل آمن أولئكم بالقرآن حتى ينبروا للدفاع عنه ضدّ فرية السنة كما يزعمون، أم إنّ هذا الموقع أصبح منبراً لكلّ من يُريد مهاجمة الإسلام والشريعة الإسلامية، والأمة الإسلامية؟ فإذا سلمنا بأنّ أكثرَ كتاب الموقع مسلمون أصلاً، فماذا يفعل بينهم مجدي خليل القبطي المصري (¬1)، والقبطيّ المصريّ الآخر كمال غبريال (¬2)، وغيرهم الذين يصرّحون بعداوة الإسلام نفسه، ويتطاولون على الذات الإلهية، والقرآن الكريم (¬3). ¬

_ (¬1) لم أتمكن من الدخول إلى «موقعه الالكتروني للحصول على سيرته الذاتية؛ بسبب حظره. وقد وجدت بريده الالكتروني في بعض المواقع، وأرسلت إليه طلبَ سيرةٍ ذاتية، ولم أتلقَّ ردّاً. له في «موقع أهل القرآن» بضعة عشر مقالاً، وهذه صفحته الشخصية: (www.ahl-alquran.com/arabic/profile.php? main_id=1244). (¬2) لم أتمكن من الدخول إلى «موقعه الالكتروني للحصول على سيرته الذاتية؛ بسبب حظره. وقد وجدت بريده الالكتروني في بعض المواقع، وأرسلت إليه طلبَ سيرةٍ ذاتية، ولم أتلقَّ ردّاً. له في «موقع أهل القرآن» عشرات المقالات، وهذه صفحته الشخصية: (www.ahl-alquran.com/arabic/profile.php? main_id=595) (¬3) منهم على سبيل المثال لا الحصر الكاتب الإعلامي السوري (النصيري) نضال نعيسة. وهو وإن كان لا يمتازُ بالوقاحة في طروحاته التي تتمتع عموماً بلباقة القول، ولكن يكفي أن يطلع المرء على مقاله «خطر الفكر الديني» ليعرف حقيقته، وهو على هذا الرابط: (www.open-dialog.net/defaultAR 4 - 3 - 9.htm). للمذكور أربعة مقالاتٍ في «موقع أهل القرآن»، وهذه صفحته الشخصية: (www.ahl-alquran.com/arabic/profile.php? main_id=851).

ناهيكَ عن نورا برثول، ونورمان كورلاند، وستيفن شوارتز، ومايك جويس الذين لا تُوحي أسماؤُهم بأنهم مسلمون أصلاً. والسؤال المرّ: لماذا يقيم قرابة عشرونَ منهم في الولايات المتحدة؟ (¬1). إذا ادّعوا أنهم لاجئون هاربون من اضطهاد الأنظمة الحاكمة في بلادهم، فلما لم يلجأ الباقون من إخوانهم الذين دوّنوا مكان إقامتهم في بلدانهم الأصلية؛ إذ إنّ العدد الأكبر من كتاب الموقع أثبتوا في خانة وطن الإقامة «مصر». لا أظنّ أن الجواب سيكون إلا أنّ هؤلاء المقيمين في حضن أمريكا الدافئ ذوو رُتَبٍ عُليا في مخططات محاربة الأمة العربية والإسلامية، ومحاربة دولِهم، وهم عن ساروا على الدرب يصلون إلى عشّ الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان (¬2). ولماذا نجد كتابات أحمد صبحي منصور في مواقعِ ومنتديات أعداء الإسلام والعروبة، والأمتين العربية والإسلامية على حدّ سواء. وكيف يقبل أحمد صبحي منصور بأن يكتب في «شبكة اللادينيين العرب» (¬3)، و «شبكة الأقباط الأحرار» (¬4)؟ . ¬

_ (¬1) بل إنّ بعضهم ملأ خانة «الوطن الأصلي» بـ: (United State). وموّهَ عددٌ منهم لا يقلّ عن عشرةٍ ـ منهم المدعو شاكر النابلسي المقيم في أمريكة ـ عن وطنه الأصلي، ووطن الإقامة بـ «أفغانستان»، فلا أدري أهم يرمزون إلى الأمة كلِّها بأفغانستان المتخلفة كما يرون، أم إنهم يعيشون فعلاً في أفغانستان؟ وإذا كان كذلك فما هي أعمالهم فيها؟ وهل هم موجودون فيها لأنها تُصنَعُ على عين الإدارة الأمريكية الرؤوم؟ (¬2) «موقع أهل القرآن»: كُتّاب الموقع. (www.ahl-alquran.com/arabic/writers.php). (¬3) «شبكة اللادينيين العرب»: الصفحة الأساسية: المؤلفون: أحمد صبحي منصور. www.3 almani.org/spip.php? auteur 150 - 16 k)) (¬4) «موقع الأقباط الأحرار»: الساحات العامة: الميدان الحر: الأستاذ الجليل أحمد صبحي منصور يكتب عن الأفغاني المتنصّر. (www.freecopts.net/forum/showthread.php? t=127). وقد أثار هذا المقال الذي دافع فيه عن حرية الردة استحسان أحدِهم فقال: «عارفين عندي أمل غير طبيعي أن هيكون فيه يوم هيقودنا أليه المستنيرين أمثال الدكتور أحمد صبحي منصور وسوف نلحق هزيمة نكراء بمدعي الورع والتقوي فأحترامي لكل صاحب كلمة حق يتحدي بها العلم أجمع» [كذا بأخطائه]! . والذي جرّب الدخول إلى هذا الموقع يعلم مدى الحقد على الإسلام والقرآن فيه. فهلا شارك أحمد صبحي منصور بمقال يُدافع فيه عن القرآن الكريم من مثل مقالٍ بعنوان: «قرآن كاذب ولئيم». «موقع الأقباط الأحرار»: الساحات العامة: الحوار الإسلامي: قرآن كاذب ولئيم. (www.freecopts.net/forum/showthread.php? t=28435). أو دافع عن القرآن وحده ضدَّ مقال: «العلم يكشف زيف القرآن والسنة». «موقع الأقباط الأحرار»: الساحات العامة: الحوار الإسلامي: العلم يكشف زيف القرآن والسنة. (www.freecopts.net/forum/showthread.php? t=4658).

ولماذا نجدُ اسمَهُ ضمن قائمة «أبطال الصحوة» (¬1)؟ . وأما مؤتمر القرآنيين الذي سيُعقَدُ تحت شعار «الاحتفال بالكفر .. التكفير الناقد من أجل الإصلاح الإسلامي» والذي سيعقد ما بين 28 و 30 مارس الجاري (2009) (¬2). ¬

_ (¬1) هي على الرابط: (www.freewebs.com/islamicworldnews/heroes.html). وماذا تضم هذه القائمة العظيمة؟ إنها تضم قائمتين فرعيتين: الأولى ـ وضمّت بالترتيب ـ: الأب زكريا، د. عبد الحميد الأنصاري، د. أحمد أبو مطر، أحمد البغدادي، وفاء سلطان التي يدخلنا رابطُ اسمِها إلى صفحةٍ فيها رابط لمقالٍ لها اسمه: «تعاليم القرآن غارقة في الدعوة للإرهاب ولولا القرضاوي لما كان الزرقاوي». نوني درويش، غادة جمشير، كمال نعواش، زهدي جاسر، خالد منتصر، د. أحمد صبحي منصور، سيد القمني، داليا زيادة، زينب السويج، آيان هيرسي، كريم نبيل سليمان، طه حسين، عبدالله القصيمي، منصور النقيدان، إبراهيم البليهي، سلمان رشدي صاحب آيات شيطانية. تسنيم، جابر عصفور، د. محمد أركون، محمد عابد الجابري، حامد أبو زيد، شاكر النابلسي، د. أحمد الجلبي، السيد إياد جمال الدين، الأستاذ مثال الألوسي، الأستاذ محمد حسن الموسوي، السيد ضياء الموسوي، إسماعيل أدهم، فهد العسكر، د. صادق جلال العظم، أبو العلاء المعري، ابن رشد، فراس السواح، العفيف الأخضر، د. نصر أبو زيد، خليل عبد الكريم، د. نوال السعداوي، أدونيس، د. أحمد الربعي، السيد يسين، د. فرج فودة. وختام هذه القائمة ليس مسكاً بالنكرة نبيل فياض الذي يُدخلنا رابط اسمه إلى مقالةٍ عصماءَ بعنوان «نهاية حثالة اسمها العرب». وتضم القائمة الثانية الأسماء التالية: جورج بوش. الذي يُدخلنا رابطه إلى صفحةٍ تصدرت بالعبارة التالية: «جورج بوش عليه الصلاة والسلام روحي لك الفداء»! إضافةً إلى: ليو شتراوس، دانيال بايبس، دونالد رامسفيلد، بول وولفويتز، ريتشارد بيرل، صامويل هنتنغتون، فرانسيس فوكوياما، د. كونداليزا رايس، كولن باول. فقولوا لي أيها القرآنيون وعلى رأسكم المدعوّ أحمد منصور: ما الذي جمعكم بهؤلاء، وما الذي أرضى عنكم أولئك؟ وصدق القائل: قل لي من تصاحب؛ أقلْ لك من أنت. (¬1) «موقع الجزيرة توك»: سياسة: خطوط حمراء: سياسة. (www.aljazeeratalk.net/forum/showthread.php) (www.aljazeeratalk.net/forum/showthread.php)

فإنّ «ما يثير الدهشة أن المؤتمر يشارك في تنظيمه البروفيسور عبد الله نعيم، أستاذ القانون في جامعة إيموري والسوداني الأصل والذي يعمل حالياً على بحث لاكتشاف طرق علمانية لفصل الإسلام عن الدولة في العالم الإسلامي. والكاتبة الأمريكية الإيرانية الأصل ميلودي معزي، والتي ألفت كتابا عن حياة المسلمين الأمريكيين. ويحضر المؤتمر المخرجة المصرية نادية كامل مخرجة فيلم «سلطة بلدي» الذي تحكي فيه عن قصص الإسلام في مصر، ويعتبر فيلمها التسجيلي الأول. كما يشارك عددٌ من المفكرين العرب والمسلمين المثيرين للجدل منهم الكاتب المصري طارق حجي، عضو مجلس استشاري لمعهد دراسة الإرهاب والعنف السياسي في واشنطن من مصر. وإرشاد مانجي، الكندية ذات الأصول الباكستانية التي اعترفت بشذوذها الجنسي علناً، وتطالب بإصلاح الإسلام في أمريكا الشمالية من أجل تقبل الشواذ» (¬1). ¬

_ (¬1) «موقع الجزيرة توك»: سياسة: خطوط حمراء: سياسة.

المبحث الثاني: عقائد القرآنيين

المبحث الثاني: عقائد القرآنيين المطلب الأول: القرآنيون ورسول الله محمدٌ صلى الله عليه وسلم: لم يعُد يخفى أنّ مذهب القرآنيين يقوم على إنكار السنة النبوية وعدم الإيمان إلا بالقرآن، وهذا هو صريح قولهم، بل شعارُهم! فمن شروط النشر التي وضعها زعيمُهم في موقعهم المعتمد ما يلي: 1 - موقع أهل القرآن تم إنشاؤه خصيصاً من أجل هدفٍ واحد، وهو توحيد كلمة كل من يؤمن بالقرآن الكريم كمصدر «أوحد» لتعاليم الإسلام وتوجيهاته وتفسير تشريعاته ومنهاجه، ومن ثم فلن يسمح الموقع لمن يتخذ من ما يطلق عليه «الحديث النبوي» أو «السنة النبوية» وسيلةً أو مرجعاً لإثبات وجهة نظر معينه أو تفسير آيات القرآن الكريم. وفيه: 6 ـ عدم التقوُّل على الله تعالى أو على رسوله بما يعرف بالحديث القدسي أو الحديث النبوي. (¬1). وفي نفس الصفحة هناك ما سَمَّوه «منهج أهل القرآن»، وفيه: «موقع أهل القرآن» يفتح أبوابه لكل فكر حرٍّ؛ بشرط ألاّ يسند الكاتب حديثاً لخاتم النبيين محمد عليه السلام عبرَ ما يعرف بالسنة، أو أن ينسب قولاً لله تعالى خارج القرآن عبر الأكذوبة المسماة بالحديث القدسي. إلى أن قال: الموقع البسيط قد يكون الوحيد الذي ينصر الله تعالى ورسوله وينفي الأكاذيب المسماة بالحديث النبوي والحديث القدسي. (¬2). وعلى الرغم من بعض محاولات تلطيف دعوتهم يقومون بها أحياناً بمخادعاتٍ لم تعد تنطلي على أحد؛ من مثل خروج المدعو علي عبد الجواد بمقال ويقول في مقال «أنا قرآني»: «أنا قرءاني لا أنكر السنة، وأنكر كل الروايات المخالفة للقرءان. والله أنا قرءانى حتى ولو جعلوا القرءان سبّةً للمسلمين. ¬

_ (¬1) «موقع أهل القرآن»: «شروط النشر». (www.ahl-alquran.com/arabic/terms.php#terms.php) (¬2) «موقع أهل القرآن: «منهج أهل القرآن». (www.ahl-alquran.com/arabic/terms.php#terms.php)

عنوانه: «أنا قرآني لا أنكر السنة»، ويصدّره بقوله: «أنا قرءاني لست منكراً لسنة النبي (¬1) ولكني منكر لرضاع الكبير وشرب الأبوال» (¬2). حيث صدق الله: {وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً} [سورة الفرقان: الآية 30]. أنا قرءاني كما أمرني رسول الله .... » (¬3). وذكر حديثَ «ألا إنها ستكون فتنة .... » وخرّجه بإسنادِه من الترمذي (2831) والدارمي (3197) و (3197) [كذا]. ثم أخذَ يُشوّشُ ويُهوِّشُ بقوله: «فما هو رأي المسلمين في هذا الحديث؟ ؟ سيقول لك العقلاء: هذا حديث يوافق القرءان والعقل وليس فيه علة ولا شذوذ. ¬

_ (¬1) كذا. (¬2) «موقع أهل القرآن»: «أنا قرآني لا أُنكر السنة» تاريخ نشره 21/ 6/2007. (www.ahl-alquran.com/arabic/show_article.php? main_id=2010). (¬3) كذا. والحديث بتمامه قد أخرجه الترمذي في «جامعه» برقم (2906) ـ واللفظ له ـ والدارمي في «مسنده» برقم (3331) و (3332) باختلاف وإيجاز عن الحارث قال: مررت في المسجد فإذا الناس يخوضون في الأحاديث، فدخلت على عليٍّ فقلت: يا أمير المؤمنين ألا ترى أن الناس قد خاضوا في الأحاديث. قال: وقد فعلوها؟ قلت: نعم. قال: أمَا إني قد سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ألا إنها ستكون فتنة»، فقلتُ: ما المخرج منها يا رسول الله؟ قال: «كتاب الله: فيه نبأ ما كان قبلكم، وخبر ما بعدكم، وحكم ما بينكم، وهو الفصل ليس بالهزل، من تركه من جبار قصمه الله، ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله، وهو حبل الله المتين، وهو الذكر الحكيم، وهو الصراط المستقيم، هو الذي لا تزيغ به الأهواء، ولا تلتبس به الألسنة، ولا يشبع منه العلماء، ولا يخلق على كثرة الرد، ولا تنقضي عجائبه، هو الذي لم تنته الجن إذا سمعته حتى قالوا: {إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآَنًا عَجَبًا (1) يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ} [سورة الجن: الآيتان 1 - 2] من قال به صدق، ومن عمل به أجر، ومن حكم به عدل، ومن دعا إليه هُديَ إلى صراط مستقيم»، خُذها إليك يا أعورُ! قال أبو عيسى: هذا حديث لا نعرفه إلا من هذا الوجه وإسناده مجهول وفي الحارث مقال.

هذا حديث جامع يبين فضائل القرءان ولا يحتاج إلى شرح ولا تعليل ولا تبرير، فيرد عليهم رجالُ النقل بلا عقل ويقولون: إن في سند هذه الرواية مجهول ومتشيّع (¬1). أي: إنها رواية ضعيفة؟ ؟ فيتسائل (¬2) المسلم العادي: يعنى نصدق الحديث أو نكذبه؟ ؟ يعنى نصدق أن القرءان فيه الصفات المذكورة أم نكذبها؟ ؟ يعني القرءان كويس ولا وحش؟ ؟ (¬3). فيقولون لك: السند (أي: فلان عن فلان) فيه رواة مجروحين (¬4)، منهم ابي (¬5) المختار الطائي مجهول؟ ؟ ومنهم بن (¬6) أبي الحارث مجهول أيضاً. أي: مشكوك فيهم ولكن المتن سليم لا شذوذ فيه ولا علة فيمكن الأخذ به. وأنا اتسائل (¬7)؟ ؟ اذا كان الرواة مجهولين فلماذا كتب الحديث أصلا؟ ؟ وكيف روى الرواة عن رجل لا يعرفه أحد» (¬8). وهذا يُبيّنُ مقدار علم هذا المتحذلق المتفيهق بعلم مصطلح الحديث الذي يسخر منه. ¬

_ (¬1) كذا. (¬2) كذا، وفيها خطآن: الأول: رسم الهمزة الذي يجب أن يكون على السطر. والثاني أنّ «تساءَل» على وزن «تفاعَل»، وهو يحمل معنى الاشتراك بين طرفين أو أكثر في السؤال، ولا يصح أن يكون فاعلُهُ مُفرَداً معنىً. (¬3) كذا بالعامية المصرية. (¬4) كذا. (¬5) كذا. (¬6) كذا. (¬7) كذا. (¬8) «موقع أهل القرآن»: «أنا قرآني» تاريخ نشره 18/ 6/2007. (www.ahl-alquran.com/arabic/show_article.php? main_id=1992)

إضافةً إلى إنكار السُّنّة المطهَّرة فإنّه لدى القرآنيين سلبُ النبيّ صلى الله عليه وسلم حقّ التشريع والحُكم. وقد ردّدوا ذلك وأكّدوه مراراً وتكراراً، فمن ذلك على سبيل المثال: يقول كبير الطائفة أحمد صبحي منصور في مقال له يعترض فيه على تحريم التدخين: «واكتمال الإسلام باكتمال القرآن ينفي أن باب التشريع بالتحريم والتحليل لا يزال مفتوحاً لأي بشر بعد موت النبي عليه السلام الذي كان يوحى إليه. بل إن النبي نفسه كان ممنوعاً من أن يحرم شيئاً برأيه الشخصي خارج المحرمات التي حددها الله تعالى في القرآن الكريم، وحين حرم النبي علي نفسه ـ في حياته ـ بعض الأشياء برأيه الشخصي خارج المحرمات التي حددها الله تعالي في القرآن الكريم نزل الوحي يقول له: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} [سورة التحريم 66: الآية 1]. مع ملاحظة أن النبي حرم ذلك الشيء على نفسه ولم يحرمه على غيره كما يفعل الفقهاء السنيون الذين يحرمون ما لم يرد في القرآن تحريمه ويُلزمون بذلك المسلمين، ويرفعون أنفُسهم فوق مكانة النبي عليه السلام الذي لم يكن له حق التشريع، بل كان فقط مُبلِّغاً للتشريع الإسلامي، حيث إن التشريع الإسلامي حقٌّ لله تعالى وحده، وحيث إن الدين كله لله تعالى وحده» (¬1). وقال المدعوّ علي عبد الجواد أحد نشطاء موقع القرآنيين في مطلع مقال له: «الرسول (¬2) لا يحرم؛ لقول الله (¬3): {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [سورة التحريم 66: الآية 1]. ¬

_ (¬1) «موقع مركز الدراسات والأبحاث العلمانية في العالم العربي»: مقال «القول المبين في اختلاف السُّنّيين في معركة التدخين» مؤرخ بتاريخ 28/ 10/2008. (www.ssrcaw.org/ar/show.art.asp? t=2&aid=151595). (¬2) كذا دون صلاة أو سلام أو أيّ شيءٍ آخر. (¬3) كذا دون عبارة تنزيه أو تمجيد.

الرسول لا يحلل {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ} [سورة الأحزاب 33: الآية 50]» (¬1). وأكّد في تعقيبٍ حواريٍّ له مع بعض أضرابه حول مقاله المشؤوم: «والقاعدة هي أن رسول الله لا يحرم ولا يحلل». وفاضحةُ موقف القرآنيين الحاقد على رسول الله صلى الله عليه وسلم شخصيّاً تتكشف في قول كبيرهم أحمد صبحي منصور: «أمُّ المشاكل لدى المسلمين تتجلى أنهم في تقديسهم للنبي محمد (¬2) ورفعه فوق الأنبياء فقد ترسب لديهم إيمان خاطئ (¬3) بأنه جاء برسالة جديدة، وأنه ـ وحده ـ رسول الإسلام. وتناسوا أن الإسلام ـ وبكل اللغات السابقة على العربية ـ هو دين الله تعالى الذي نزلت به كل الرسالات السابقة بمعنى الإستسلام (¬4) لله تعالى وحده والسلام مع البشر. وتناسوا ما كرره القرآن الكريم من أوامر للنبي محمد عليه السلام ولنا ولأهل الكتاب في أن نتبع ملة إبراهيم حنيفاً» (¬5). ثمّ إنّ صفاقته لم تقف عند هذا الحدّ بل تعدّت إلى الامتعاض من انتسابِ الأمة إلى رسول الرحمة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم فبدت من فيه عبارةٌ عنونَ بها مقالاً هو: «أمر الله المسلمين بأن يقولوا: لا نفرق بين أحد من رسله، فقال المحمديون: سمعنا وعصينا» (¬6). وصدق الله العظيم القائل: {لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ} [سورة آل عمران 3: الآية 118]. ¬

_ (¬1) «موقع أهل القرآن»: مقال «لبس الذهب للرجال حلال». (www.ahl-alquran.com/arabic/show_article.php? main_id=2781) (¬2) كذا (¬3) كذا (¬4) كذا. (¬5) «موقع أهل القرآن»: مقال «التواتر». (www.ahl-alquran.com/arabic/show_article.php? main_id=3302). (¬6) «موقع مركز الدراسات والأبحاث العلمانية في العالم العربي». (www.ssrcaw.org/ar/show.art.asp? t=2&aid=152895).

المطلب الثاني: القرآنيون والشريعة الإسلامية

المطلب الثاني: القرآنيون والشريعة الإسلامية: أما مهاجمة القرآنيين للفقه السنيّ (¬1)، فحدّث عنه ولا حرج، فالكثير الكثير من أطروحاتهم تندرج تحت هذه المهاجمة التي لا تتورع عن الانتقاص والسخرية والتهكم إلى آخر في جعبة العربية من مترادفات. ويكفي أن تعلم أنّ عدداً كبيراً لمقالات القرآنيين ـ وعلى رأسهم أحمد صبحي منصور ـ قد ذُكِرَ الفقه السُّنّي في مجموعةٍ من عناوينه، ومنها: «الفقه السني وتشجيع الزنا» (¬2)، «التناقض في تشريع الطلاق بين القرآن والفقه السني» (¬3)، «صيام رمضان بين القرآن والفقه السني» (¬4)، وغير ذلك. ومن ضلالات القرآنيين إنكار الأصول التشريعية كالإجماع، والقياس، وأقوال الصحابة ... فها هو رأس الطائفة يُنكِرُ القياس بكلّ صراحة، فيقول في مقالٍ له اسمه «لا قياس في التحريم»: «هل تعتقد أن هنالك مجالاً للقياس في تشريعات الإسلام. يعني كقياس تحريم المخدرات على تحريم الخمر؛ لأن لكل منهما أضراراً متشابهة؟ لا يصح القياس في المحرمات؛ لأن المحرم محدد وهي استثناء، وما ليس محرماً فهو حلال مباح. فإذا استعملت القياس فقد وقعت في جريمة كبرى هي تحريم الحلال. الله تعالى عندما حرم أشياء في الطعام لم يقل بأن السبب هو الضرر. بل حرمها بدون ذكر سبب فيها يكون علة في التحريم. وعلينا الطاعة. ¬

(¬1) الفقه المنسوب إلى السنة النبوية، لا فقه أهل السنة والجماعة فحسب، والثاني داخلٌ في الأول. (¬2) وهي مقالة وضيعةٌ تتصدر ثابتةً في الصفحة الرئيسة للموقع: (www.ahl-alquran.com/arabic/main.php). أما صفحة المقالة المشؤومة فهي: (www.ahl-alquran.com/arabic/discussion.php? page_id=123). (¬3) «موقع أهل القرآن»: (www.ahl-alquran.com/arabic/show_article.php? main_id=59). (¬4) وهي على أجزاء صفحة جزئها الأول: (www.ahl-alquran.com/arabic/show_article.php? main_id=4132).

ولا يخلو طعام أو دواء من آثار جانبية ضارة، والضرر ليس علة لتحريم شيء، وإلا فلن نأكل شيئاً مما نحب من الطيبات من الرزق» (¬1). ثم بعد أن تحدّاهُ أحد المعقّبين بأن يأتيَ بآيةٍ تُحرِّمُ المخدرات، وأنه لا سبيلَ إلى منع هذه السموم إلا بالقياس ردّ عليه بقوله ـ وكذب بادعائه أنه يرى تحريم المخدرات ـ: «لا داعي للغة التحدي فنحن هنا للتناقش للوصول إلى الحقيقة. أما ما ذكرته فإنه محرم لقوله تعالى: {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [سورة البقرة 2: الآية 195]. فكل أمرٍ أو حدث من شأنه أن يضر الإنسان في نفسه أو ماله أو بدنه فهو محرم بنص الآية ... وليس بالقياس أيها المتحدي العظيم سامي شالنجر» (¬2). ولا أدري أيعرف هذا الدكتور العالم الأزهري كما وصف نفسه (¬3) ما هو القياس أم هو لا يعرفُهُ؛ فهذى بهذا الهذيان؟ ! وقد سُئلَ هذا المتعالم سؤالاً صريحاً حول القياس: «قرأتُ فتوى لكم بخصوص التدخين وكانت الفتوى بأنه من المباح؛ لأنه لم ينزل فيه نصٌّ يُحرّمه. وقد فهمتُ من الفتوى أنك لا تقبلُ القياسَ كمصدر للتشريع. والسؤال هو: كيف يمكن الحكم علي أشياء مثل المخدرات والتدخين بأنها مباحة بالرغم من ضررها الشديد علي صحة متعاطيها ومن حوله». ¬

_ (¬1) «موقع أهل القرآن»: (www.ahl-alquran.com/arabic/show_fatwa.php? main_id=143). (¬2) «موقع أهل القرآن»: (www.ahl-alquran.com/arabic/show_fatwa.php? main_id=143). وانظر كيف يغمز ممن تحداه ـ واسمه سامر أبو علي ـ بـ سامر شالنجر! (¬3) وذلك بقوله: «وباعتباري عالماً أزهرياً متخصصاً في الإسلام». «موقع أهل القرآن»: مقال «أيها الأفغاني المتنصر ... يجب احترام حريتك في الاختيار». (www.ahl-alquran.com/arabic/show_article.php? main_id=85).

المطلب الثالث: القرآنيون والإيمانيات والغيبيات

فأجاب بعبقريته المعهودة ـ مُحللاً ما حرّمه في ردّه المذعور على من تحداه، كما مرّ قبل أسطُر ـ: «القياس المرفوض هو ما يترتب عليه تحريم حلال أو تحليل حرام. أما القياس الذي يدور في إطار المقاصد الكلية للشريعة الإسلامية القرآنية والذي لا يترتب عليه تحريم حلال أو تحليل حرام فلا بأس به» ثم أتى بأمثلة عجيبة (¬1). وحتى الإجماع لم يسلم من تطاول القرآنيين، فها هو أحدهم يتهكم ببعض الأحكام الفقهية الثابتة فيقول: «الأيام التي يحرم صومها ــ هذا هو العنوان الموجود في كتاب الفقه المقرر على طلاب الصف الثاني الثانوي الأزهري ص 21 - 22 - 23: يحرم صوم خمسة أيام أي: مع بطلان صيامها هي: العيدان الفطر والأضحى؛ بالإجماع المستند إلى نهي الشارع (ص) (¬2) ... » ثم يقول: «هل يعقل أن يخالف النبي عليه الصلاة والسلام كلام الله ويحرم صيام بعض الأيام كما يقولون ويفترون عليه» (¬3). وسيأتي في المطلب الرابع من هذا المبحث موقف القرآنيين من الصحابة الكرام، وهم نتيجةً لذلك الموقف لا عبرةَ لديهم بأقوال الصحابة. المطلب الثالث: القرآنيون والإيمانيات والغيبيات: المثال الأول: مهاجمة الاعتقاد بعذاب القبر (¬4). تزعّم التكذيب بالاعتقاد بعذاب القبر زعيم الطائفة أحمد صبحي منصور بكتابٍ له سماه «عذاب القبر والثعبان الأقرع» أصدره سنة 1994. ¬

_ (¬1) «موقع أهل القرآن»: مقال «القياس والمخدرات»: (www.ahl-alquran.com/arabic/show_fatwa.php? main_id=249). (¬2) كذا. (¬3) «موقع أهل القرآن: مقال «الصوم المكروه والصلاة الحرام» للمدعو رضا عبد الرحمن. (www.ahl-alquran.com/arabic/show_article.php? main_id=460). (¬4) أعاذنا اللهُ ومن يُؤمِنُ به منه برحمته.

ثم كتب حوله مقالاتٍ عديدة منها مقال «أكذوبة عذاب القبر» (¬1).؟ كما تهكّم بعض القرآنيين به بمقالٍ على موقعهم اسمه «أكذوبة عذاب القبر» (¬2) قال فيه ـ بعد أن ساق عدداً من الأحاديث التي ذكَرَت عذابَ القبر ـ: «فهذه الروايات وُضِعت لإرهاب الناس وإذلالهم للخضوع لرجال الدين الخاضعين للحكام، فيستغلوا هذه الروايات لإخضاع أعناق المسلمين وترهيبهم فقط دون أن يكون هناك ترغيب وهداية وتذكير وبشرى لِمآرب يرجونها». ثم تابعه عددٌ منهم بتعليقاتٍ فيها السخرية من الاعتقاد بعذاب القبر (¬3). وكتبت قرآنيٌّة ثالثة (¬4) مقالاً اسمُهُ «فيلم رعب» أكثر فيه من التهكُّم بهذا الاعتقاد الإسلاميِّ الأصيل، وكان مما قالته راوياً حواراً بينها وبين من سمتها «ليلى» عقب جنازة من سمته «عبد الحميد»: «قالت جارتي ليلى لزوجتة في نهاية اللقاء: ربنا ينور قبره ويجعله روضه من رياض الجنة. فقالت لها زوجة الأستاذ عبد الحميد: تعرفي يا ليلى، الجنازة كانت أمم وكان النعش بيجري جري. خرجتُ أنا وليلى وسألتُ ليلى: ليه النعش بيجرى؟ ؟ وهو القبر روضة؟ ردت وقالت: شكلك هتكوني وجبة شهية للثعبان الأقرع. ¬

_ (¬1) موجود على أكثر من رابط منها: (www.global-report.com/s-mansour/? l=ar&a=1489) (¬2) ورابطه من الروابط الثابتة في الصفحة الرئيسية للموقع: (http://www.ahl-alquran.com/arabic/main.php). (¬3) «موقع أهل القرآن»: مقال «أكذوبة عذاب القبر» للمدعوّ إبراهيم دادي: (www.ahl-alquran.com/arabic/discussion.php? page_id=102). (¬4) هي المدعوة «إيمان خلف»، وصفحتها الخاصة في «موقع أهل القرآن»: (www.ahl-alquran.com/arabic/profile.php? main_id=84). وتضع مكان صورتها صورة قرآني آخر اسمه «رضا عبد الرحمن».

المثال الثاني: إنكار روايات الإسراء والمعراج

ضحكتُ وقلتُ لها: سمعت عنه زمان لكنى أعتقد غير ذلك كلها خرافات. صعدت شقتي وبعد قليل جاءت ليلى ومعها كتاب اسمه (عذاب القبر ونعيمه) قرأت فيه. والله، أنه أحسن من أفلام الرعب لـ الفريد هتشكوك. وحضر زوجي من العمل ورويتُ له الحوار الذي دار بيني وبين جيراني، وسألته: هل يوجد عذاب قبر وما حكاية الثعبان الأقرع؟ ولماذا أقرع؟ وهل يوجد ثعبان له شعر؟ أو ثعبان عامل شعره كابوريا، وللي يمكن عامل شعره سترايك ... » (¬1). المثال الثاني: إنكار روايات الإسراء والمعراج: كتب أحد القرآنيين، وهو سوريٌّ يُدعى أحمد بغدادي (¬2)، مقالاً ساقطَ الأسلوب، دنيءَ العبارات والألفاظ، يتهكّم بالأخبار الواردة حول الإسراء والمعراج، ويسخر منها ومن رواتها، والمصدقين بها. ثم بدأ بعد استهلاله غير البارع يتحذلق بذكر ألفاظ ومصطلحات فلسفية ولغوية تُثير القرَف، وتُحدِثُ في النفس الغُثيان! فتراهُ يدخلُ من هنا ولا يخرج، ويلجُ هناكَ في أفكارٍ لا يُتمُّها، ويتنقل من فكرةٍ إلى أخرى في سطورٍ مليئةٍ بالهلوسة. وهذا ما بدأ المذكور مقاله به: «موضوع هذا المقال الإسراء المحكم ومتشابهه من الإسراء بالنبي ص (¬3) في القرآن الكريم (سورة الإسراء) والتي تعد من الآيات المتشابهات والتي كتب فيها ¬

_ (¬1) «موقع أهل القرآن»: مقال «فيلم رعب». (www.ahl-alquran.com/arabic/show_article.php? main_id=1528). (¬2) صفحته الشخصية في الموقع هي: (www.ahl-alquran.com/arabic/profile.php? main_id=2618). (¬3) كذا.

المثال الثالث: تجويز الردة عن الإسلام

الكثير من في قلوبهم زيغ من مختلف المشارب المذهبية والقومية الذين أرادوا ابتغاء التأويل عبر الخرافات والخزعبلات التي دونوها تراثاً لتثبيت قلوبهم الزائغة إيمانياً الذي أطاحت به وهزته حادثة آية الإسراء، وورثه السنيون عبر شيوخهم العلماء ورثة الأنبياء (¬1)! ! الذين يسردون في المساجد نفس الحكاية والرواية عن صاحبنا أبو ... ، كلما قربت المناسبة، في خطب الجمعة المملة، في 40 دقيقة من العذاب المتواصل، والناس يهللون ويكبرون لحكايات ألف ليلة وليلة، والبراق الذي يشبه الحمار، ويشبه حمار تفكيرهم، وحمير من كتب ذلك الزمان، وحمير هذا الزمن حتى يسكت شهريار خطبة الجمعة ويعتقني لأذهب إلى البيت وأطهر نفسي من شوك كلامه، والمؤلم أنهم جعلوه عيداً يحتفلون به كل عام». إلى أن قال عن الله تعالى: «أخفى حقيقة مجريات أحداث هذا الفعل الذي أشار إليه بالستر بقوله تعالى: ليلاً. وذلك لما تحمله من إخفاء عما ظهر من القول لأهل العقول، وستر ما بطن من الفعل لأهل القلوب، فأهل العقول لا يؤمنون إلا بما ظهر من القول وكان مقبولاً عقلاً، بينما أهل القلوب والذين ينظرون ببصيرتهم فإنهم يكفرون بكل ما زاد عما قاله الله تعالى ظاهراً بالقول، ويؤمنون بما بطن من القول رغبة منهم بالترقي في معارج المعرفة» (¬2). المثال الثالث: تجويز الردة عن الإسلام: حيث كتب زعيمُ الفرقة أحمد صبحي منصور مقالاً بعنوان «أيها الأفغاني المتنصّر ... يجب احترام حريتك في الاختيار» قال فيه: ¬

_ (¬1) يلمز من شهير قول النبي صلى الله عليه وسلم الشهير «العلماء ورثة الأنبياء». ذكره البخاري معلقاً في «صحيحه»: كتاب العلم: باب العلم قبل القول والعمل ص 16. وأخرجه ضمن حديثٍ طويلٍ أحمد في «مسنده» برقم (21715)، وأبو داود في «سننه» برقم (3641)، والترمذي في جامعه» برقم (2682)، وابن ماجه في «سننه» برقم (223) كلهم من حديث أبي الدرداء رضي الله عنه. (¬2) «موقع أهل القرآن»: مقال «الإسراء والمعراج». (http://www.ahl-alquran.com/arabic/show_article.php? main_id=4975).

«إنني مسلم أفخر بديني وأتمسك به حتى الموت، وأعلن فى نفس الوقت ـ طبقاً لإسلامي ـ أنني أحترم حق الأخ الأفغاني فيما شاء لنفسه من عقيدة، سواء اتفقت أو خالفت عقيدتي، بل أعلن إعجابي الشديد بشخصه؛ لأنه ثبت على ما يعتقده حقاً برغم الاضطهاد والتهديد بالموت. وباعتباري عالماً أزهرياً متخصصاً في الإسلام أقول: إن الذين سجنوا عبد الرحمن الأفغاني المتنصر أساؤوا إلى الإسلام وخالفوه، وأثبتوا أن الفجوة لا تزال هائلة بينهم وبين حقائق الإسلام. أنا هنا أحكم على أفعالهم فقط وليس على قلوبهم وعقائدهم. لن أكرر ما قلته سابقاً في كتابي «حد الردة» المنشور على الانترنت (¬1)، والذي يثبت أن هذه العقوبة تخالف الإسلام، وأنها صناعة عباسية سياسية امتطَت حديثَين كاذبَين منسوبَين ظلماً وافتراءاً للنبي محمد عليه السلام» (¬2). وأما أنحاء الموقع فتغَصُّ بمقالاتٍ تتناول هذا الموضوع تناوُلاً من طرفِ الإنكار والاستهزاء، من مثل مقال «مفهوم حد الردة يقتل عقل الأمة» (¬3)، وفيه يقول كاتبه: ¬

_ (¬1) أما رابط البحث من «موقع أهل القرآن» فمعطّل، والأغلب أن سبب التعطُّل كون ال «موقع الأصلي محظوراً. وقد وجدته أيضاً على أكثر من رابطٍ محظورٍ منها: (www.ahewar.org/debat/show.art.asp? aid=32317 - 187 k). و(rreeaadd.blogspot.com/2007/05/3_8402.html - 304 k). (¬2) «موقع أهل القرآن»: (www.ahl-alquran.com/arabic/show_article.php? main_id=85). ويُنظر: «موقع الأقباط الأحرار»: الساحات العامة: الميدان الحر: الأستاذ الجليل أحمد صبحي منصور يكتب عن الأفغاني المتنصّر. (www.freecopts.net/forum/showthread.php? t=127). (¬3) للمدعو زهير قوطرش، والمقال على الموقع: (www.ahl-alquran.com/arabic/show_article.php? main_id=3260).

«مع العلم أن هذا الحد يتناقض وصريح نص القرآن في قوله عز من قائل: {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} [سورة البقرة 2: الآية 256]، وإن اختلفت الآراء حول حد الردة، فإن هذا الموضوع مازال ضبابياً وغير واضح. فالبعض يخلط مابين تبديل الدين والخيانة العظمى أي خيانة الوطن. فقولهم: "مفارق الجماعة" أي ما معناه وعلى لسان أحد علماء الأزهر: كونه قد ينقل الأسرار إلى الطرف المعادي. وهنا لا افهم أية أسرار هذه؟ ؟ ؟ ؟ هل هي أسرار الدولة أم أسرار الدين؟ فإن كان المقصود أسرار الدين، فلا أعتقد أن ديناً مثل هذا الدين الذي نزل للناس أجمعين فيه أسرار لا يمكن أن يضطلع عليها أصحاب الديانات الأخرى، وإذا كان قصده أسرار الدولة فهذا يدخل تحت بند الخيانة، ويحاسب عليه قانونياً، وليس بفتوى دينية». وثمةَ مقال «حد الردة والتحريض على العنف» (¬1)، يقول فيه صاحبه: «إن الكلام عن حد الردة وقتل من يرتد عن دينه اعتماداً على حديث أحاد .. أيا كان هذا الدين (الإسلام أو غيره) هو تحريض علي العنف، ومخالف لكل القوانين الدولية بل والمحلية في مصر. فالإعلان العالمي لحقوق الإنسان والدستور المصري وجميع دساتير العالم الحر تؤكد علي حرية العقيدة .. حرية الاعتقاد وتغيير الاعتقاد بل والدعوة السلمية لأي عقيدة. ولكل من لا زالوا يعيشون في العصور الوسطى: .. أقول لهم: أن (¬2) الدعوة لقتل إنسان لمجرد أنه يغير عقيدته هو تحريض علني على العنف يجب أن يصنف من يقوله أنه إرهابي. ويعامل علي هذا الأساس؛ لأن الحقيقة تقول أن هذه الدعوة الخبيثة هي سبب ما يعانيه العالم الآن من إرهاب مقيت وخاصة ما يعانيه العالم العربي والإسلامي». ¬

_ (¬1) للمدعو عمرو إسماعيل، والمقال على الموقع: (www.ahl-alquran.com/arabic/show_article.php? main_id=2206). (¬2) كذا، وسيكررها!

المثال الرابع: الجنة ليست للمسلمين فقط

ومن يقرأ مقال «حرية الكفر» (¬1)، سيجد فيه: «إن من يكفر انسان أنما (¬2) هو يكفر بالله عز وجل ويشرك به بل واستغفر الله العظيم يضع نفسه مكان الله تعالى فيدخل من يشاء الجنة ويدخل من يشاء النار. اتركوا يوم الحساب لله تعالى فهو أعلم بما في قلوبنا وعقولنا فهو الرحيم الغفور، ولا تقولوا على الرسول (ص) الكذب، فأنكم بذلك تسيؤون للرسول وللإسلام بإظهار الرسول كأنه انسان متعطشا (¬3) للدماء، وأن لا رحمة بالإسلام، وكأن دين الإسلام دين ضعيف لا يحميه إلا حد الردة ولولاه لترك المسلمون دينهم». المثال الرابع: الجنة ليست للمسلمين فقط: عصَرَ رأسَهُ القرآنيُّ المدعوُّ علي عبد الجواد، فخرج منه السؤال التالي ـ وعذراً على الركاكة والأخطاء التي أحببت أن أُبقيَها لبيان مستويات أولئك القوم ـ: «هل يوجد اوامر من الله واضحة بعدم دخول الجنة إلا الأاتباع محمد (ص) فقط؟ » ووصل بعد ذلك إلى نتيجةِ هي: «اكد الله على ان الذين امنوا وعملوا الصالحات فقط من المسلمين سيدخلون الجنة» ثم وصل إلى: «الخلاصة: أن اتباع كل دين سماوي من إسلام ومسيحية ويهودية والصابئة (اتباع يحيى) إذا اتبعوا كتبهم التي تأمرهم بالوحدانية لله بدون اشراك أحد معه والإيمان باليوم الآخر والملائكة والنبيين والكتب المنزلة والعمل الصالح لكل الناس فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ} [سورة البقرة 2: الآية 62]» (¬4). ¬

_ (¬1) للمدعوة دينا عبد الحميد، وهو على الموقع: (www.ahl-alquran.com/arabic/show_article.php? main_id=594). وقد تركت أخطاءَ هذا المقال اللغوية والإملائية عمداً. (¬2) كذا. (¬3) كذا. (¬4) «موقع أهل القرآن»: مقال «هل الجنة للمسلمين فقط؟ ؟ » (www.ahl-alquran.com/arabic/show_article.php? main_id=3157). وقد تركت أخطاءَ هذا المقال اللغوية والإملائية عمداً.

المطلب الرابع: القرآنيون والصحابة رضي الله عنهم

المطلب الرابع: القرآنيون والصحابة رضي الله عنهم: تعرّض الصحابةُ الكرام رضوان الله عليهم لِمهاجمةٍ شعواءَ من القرآنيين في كثير من مقالاتِهم، ورمَوهُم بالعظائم، وكذّبوهم، وسخروا منهم. وتولّى كبر التهجُّم على الصحابة رضي الله عنهم رأسُ الطائفة أحمد صبحي منصور بمقالاتٍ له عديدة منها: «هل رضي الله عن الصحابة» (¬1)، «الصحابة هل كانوا خير امةٍ أُخرجت للناس» (¬2)، «الصحابة في القرآن الكريم» (¬3)، «الصحابة في القرآن الكريم ـ المقال الثاني» (¬4). وقد قال أحدهم ـ وهو المدعوّ علي عبد الجواد ـ في أحد مقالاته: «والله لما يجيبوا كل الصحابة يشهدوا زوراً وتلفيقاً لا أصدقهم». ثم قال في خاتمة مقاله: «ولا تنسوا قول الله: {وَيَقُولُونَ طَاعَةٌ فَإِذَا بَرَزُوا مِنْ عِنْدِكَ بَيَّتَ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ وَاللَّهُ يَكْتُبُ مَا يُبَيِّتُونَ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلاً} [سورة النساء 4: الآية 81] هذه الآية دليل على أن من أصحاب الرسول من يكذب عليه ويقولون روايات من عندهم فما بالكم بعد قرنين» (¬5). ¬

_ (¬1) «موقع أهل القرآن»: الصحابة في القرآن الكريم: المقال الخامس: (www.ahl-alquran.com/arabic/show_article.php? main_id=3348). (¬2) «موقع أهل القرآن»: الصحابة في القرآن الكريم: المقال الثالث: (www.ahl-alquran.com/arabic/show_article.php? main_id=3316). (¬3) كذا دون عنوان خاص! وهي الحلقة الأولى في مقالاته عن الصحابة في القرآن الكريم. «موقع أهل القرآن»: (www.ahl-alquran.com/arabic/show_article.php? main_id=3245). (¬4) كذا دون عنوان خاص! «موقع أهل القرآن»: (www.ahl-alquran.com/arabic/show_article.php? main_id=3272). (¬5) «موقع أهل القرآن: مقال «لبس الذهب للرجال حلال». (www.ahl-alquran.com/arabic/show_article.php? main_id=2781).

والمتصفّح لهذا الموقع المقيت يجد أنّ الطعن في الصحابة رضوان الله عليهم تجاوز جملتهم إلى الطعن في أبي بكر الصديق (¬1)، عمر بن الخطاب (¬2)، وأبي هريرة (¬3) ... وقد كتب علي عبد الجواد في مقال له على الموقع المذكور: «طالعتنا جريدة أخبار اليوم الغراء يوم السبت 5/ 5/2007 في صفحة نور الإيمان تحت إشراف الصحفي محمد الزرقاني بمقال للصحفية أميرة إبراهيم تحت عنوان "جريمة لا يجب السكوت عليها ... التطاول على الصحابة عداء صريح للرسول وللإسلام". وهذا أعتبره رداً على مقالي في اللواء الإسلامي هل كل الصحابة رضي الله عنهم؟ واستشهدت أميرة بشيوخ الأزهر الكرام الذين ما زالوا إلى الآن لا يستطيعون أن يفرقوا بين معنى الصحابي وبين معنى التقوى الذي يؤدى إلى أن يرضى الله عنهم» (¬4). ثمّ أخذ يُشغِّبُ بتشغيباتٍ تستند إلى آياتٍ وأحاديث (¬5) ردّدها الرافضةُ منذ قرون! ¬

_ (¬1) «موقع أهل القرآن»: مقال «أبو بكر الصديق ماذا تبقى منه في الفقه السني» لأحمد صبحي منصور. (www.ahl-alquran.com/arabic/show_article.php? main_id=18) (¬2) «موقع أهل القرآن»: مقال «المسكوت عنه في سيرة عمر بن الخطاب في الفكر السني» لأحمد صبحي منصور. (www.ahl-alquran.com/arabic/show_article.php? main_id=51). (¬3) «موقع أهل القرآن»: مقال «أبو هريرة والكلاب» لأحمد صبحي منصور. (www.ahl-alquran.com/arabic/show_article.php? main_id=62). (¬4) «موقع أهل القرآن»: مقال «أخبار اليوم والصحابة». (www.ahl-alquran.com/arabic/show_article.php? main_id=1754). (¬5) علي عبد الجواد من أكثر القرآنيين احتجاجاً بالأحاديث، ومن البخاري وغيره. وهذا خروجٌ عن شروط النشر في الموقع، لكن ما دام إيرادُ هذه الأحاديث ينفع في التشكيك فلا ضيرَ!

ولو أنّ هذا العبقريّ يروم الحقّ لَعاد إلى كتب العقيدة الإسلامية السُّنّية، وإلى كتب تفاسير القرآن، وكتب شُروح الحديث الشريف التي تُخرجُهُ من الضلالات إلى الهدى، ومن الظلمات إلى النور. وهو الذي ينعى على مشايخ النقل أنهم لا يُعملون عقولهم فيقول: «وأنتم يا رجال النقل لا تريدون أن تعملوا عقولكم» (¬1). فهل من العقل والمنطق والحكمة أن تُجترَّ اتّهاماتٌ متقَيَّأةٌ من مئات السنين؟ وُجِدَت لفضح عُوارِها ردودٌ مفصَّلةٌ لا يحتاجُ الوصول إليها إلى كبيرِ جهد. ولكن صدقَ الحافظ أبو زرعة الرازي رحمه الله (¬2) حين قال: «إذا رأيت الرجل ينتقص أحداً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعلم أنه زنديق، وذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم حقّ والقرآن حق، وما جاء به حق، وإنما أدى إلينا ذلك كله الصحابة، وهؤلاء (وهم) (¬3) وإنما يريدون أن يجرحوا شهودنا ليبطلوا الكتاب والسنة، والجرح بهم أولى وهم زنادقة» (¬4). وصدق الإمام أحمد إذ قال: «إذا رأيت رجلاً يذكر أحداً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم (أي: بسوء) فاتّهِمْهُ على الإسلام» (¬5). ¬

_ (¬1) «موقع أهل القرآن»: مقال «أخبار اليوم والصحابة». (www.ahl-alquran.com/arabic/show_article.php? main_id=1754). (¬2) عبيد الله بن عبد الكريم بن يزيد القرشي المخزومي أبو زرعة الرازي، «أحد الأئمة المشهورين والأعلام المذكورين والجوالين المكثرين والحفاظ المتقنين». ولد سنة (200 هـ)، وتوفي آخر يوم في سنة (264 هـ). قال إسحاق بن راهويه: كل حديث لا يعرفه أبو زرعة الرازي ليس له أصل. ترجمته في «تهذيب الكمال» 19/ 89 - 103 الترجمة (3660). (¬3) كذا. (¬4) ذكره المزي في «تهذيب الكمال» 19/ 96 عن أبي جعفر التستري عن أبي زرعة، وذكره الحافظ ابن حجر العسقلاني في أوائل كتابه «الإصابة في تمييز الصحابة» 1/ 7 عن «الكفاية» للخطيب البغدادي. (¬5) ذكره ابن كثير في «البداية والنهاية» 11/ 450 في ترجمة معاوية رضي الله عنه، وابن الجوزي في «مناقب الإمام أحمد» ص 216.

المطلب الخامس: القرآنيون والأمة الإسلامية

المطلب الخامس: القرآنيون والأمة الإسلامية: النقطة الأولى: تكفير الأمة كلّها. إنّ المتابع لما يكتبه أحمد صبحي منصور من مقالاتٍ، يلمح ـ إن تفطّن ـ استعمالَ هذا الأخير تعبيراً فيه تلميحٌ إلى تكفير عموم المسلمين، وهو تعبير «الدين السني»، وكأنه يُشير إلى أنّ الإسلام شيء، وما عليه المسلمون جميعاً شيءٌ آخر، وما هذا إلا التكفيرُ ولو اختبَأ خلف ألف ستار؛ لأنّ الحقيقةَ أنّ القرآن الذي يدّعي أحمد صبحي منصور يأمر بِموقفٍ ممن هم على غير الإسلام مبنيٍّ على {لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ} [سورة الكافرون 109: الآية 6]، وعبارات هذا الرجل تفوحُ منها رائحةُ اعتبار من يتّبع السنةَ على غير دينِ الإسلام (إسلامه هو طبعاً). وها هي مقالات هذا الرجل شاهدةٌ بذلك، فمنها على سبيل المثال: «الإمام مالك مبتدع الدين السّنّي» (¬1)، «الدين السني وتضييع العبادات الإسلامية» (¬2)، «الدين السني والتشريع بما لم يأذن به الله» (¬3)، «معنى الصلاة الوسطى بين التدبر القرآني والدين السني» (¬4). النقطة الثانية: التطاول على السلف الصالح: لا يقف الأمر بالقرآنيين عند هذا الحدّ بل يتمادَون في حقدِهم على الأمة بدءاً من صحابة نبيّها الكريم صلى الله عليه وسلم ورضي عنهم (¬5)؛ كما مرّ معنا في المطلب الماضي، ويتعدّاهم إلى مهاجمة فقهاء الأمة، والتندُّرِ بهم، والاستهانة بهم. ¬

_ (¬1) «موقع أهل القرآن». (www.ahl-alquran.com/arabic/show_article.php? main_id=4983). و«موقع مركز الدراسات والأبحاث العلمانية في العالم العربي». (www.ssrcaw.org/ar/show.art.asp? t=2&aid=164872). (¬2) «موقع مركز الدراسات والأبحاث العلمانية في العالم العربي». (www.ssrcaw.org/ar/show.art.asp? t=2&aid=152584). (¬3) «موقع مركز الدراسات والأبحاث العلمانية في العالم العربي». (www.ssrcaw.org/ar/show.art.asp? t=2&aid=151006). (¬4) «موقع أهل القرآن». (www.ahl-alquran.com/arabic/show_article.php? main_id=3742). (¬5) حتى الخلفاء الراشدون وعصرهم الذهبي الذي يُشيد به كثيرٌ من غير المسلمين يتهجّم عليه أحمد صبحي منصور، ويفتري ما سماه «بداية اضطهاد الأقباط في عصر الخلفاء الراشدين» «موقع أهل القرآن»: مقال «اضطهاد الأقباط في مصر بعد الفتح الإسلامي». (www.ahl-alquran.com/arabic/show_article.php? main_id=80).

النقطة الثالثة: التطاول على باقي الأمة

يقول المدعو علي عبد الجواد واختبَأَ خلف قناعٍ من الأدب المزعوم: «وأبدأ مقالى فأقول: فقه السلف للسلف ونحن فى انتظار فقه الخلف! معذرة فقهاء الامة يا من كتبتم الفقه منذ أكثرمن الف سنة او يزيد! معذرة علماء السنة الذين قدستم ما كتبه الفقهاء القدامى! معذرة أمة المسلمين الذين اتبعتم فقهاء السلف فتمذهبتم وتفرقتم! معذرة لإختلاف الفقهاء والحق واحد! معذرة لمن جعل الاختلاف رحمة! معذرة لمن ترك عقله وفضل حكم البشر على احكام الله» (¬1). ثم يتفنَّن أولئك القرآنيون في مهاجمة أعلام الأمة وعلى رأسهم الأئمةُ: الشافعي (¬2)، ومالك (¬3). النقطة الثالثة: التطاول على باقي الأمة: إذا لم يسلَم السلف الصالح الناصعُ علماً وتقىً من ألسنة منكري السنة «القرآنيين» فكيف بمن هم دونَهم كالخلفاء مثل عبد الملك بن مروان (¬4)، أو المقتدر العباسي (¬5)؟ . ¬

_ (¬1) «موقع أهل القرآن»: مقال «أنت طالق لا تكفى لوقوع الطلاق». (www.ahl-alquran.com/arabic/show_article.php? main_id=2761). (¬2) يُنظَر: «موقع أهل القرآن»: مقال «من حق المرأة المؤهلة للإمامة أن تؤمّ الذكور في الصلاة». لأحمد صبحي منصور. (www.ahl-alquran.com/arabic/printpage.php? main_id=27&doc_type=1). حيث يقول فيه عباراتٍ لا تليقُ إلا به (القائل)؛ مثل: «الشافعي لم يستدل بآية ولا حتى حديث من الأحاديث الكاذبة التي ملأ بها كتابه»، «برغم أنف الإمام الشافعي»، و «الشافعي هنا يخلط الأوراق»، و «إلا أن المضحك فيما يقوله الشافعي». ويُنظَر كذلك: مقال «في الرد على محمد بن إدريس الشافعي» للمذكور. (www.ahl-alquran.com/arabic/show_article.php? main_id=4836). (¬3) يُنظَر: «موقع أهل القرآن»: مقال «الإمام مالك مبتدع الفقه السني». (www.ahl-alquran.com/arabic/show_article.php? main_id=4983). وهو على «موقع مركز الدراسات والأبحاث العلمانية في العالم العربي»: (www.ssrcaw.org/ar/show.art.asp? t=2&aid=164872). (¬4) «موقع أهل القرآن»: مقال «علوم القرآن التي تطعن في القرآن». (/ www.ahl-alquran.com/arabic/show_article.php? main_id=1043). عبد الملك بن مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية أبو الوليد، الخليفة التابعيُّ الفقيه، ولد سنة (26) للهجرة. قيل: كان قبل الخلافة عابداً ناسكاً بالمدينة. تملك بعد أبيه الشام ومصر، ثم حارب ابن الزبير، فقهره، فاستوى على الملك. سمع عثمان، وأبا هريرة، وأبا سعيد، وأم سلمة، ومعاوية، وابن عمر، وغيرهم. توفي سنة (86 هـ). يُنظر لترجمته: «سير أعلام النبلاء» 4/ 246 - 249 الترجمة (89)، «الوافي بالوفيات» 19/ 139 - 141 الترجمة (7315). (¬5) «موقع أهل القرآن»: مقال «المعادلة الصفرية في تاريخ الخليفة المقتدر العباسي» لأحمد صبحي منصور. (/ www.ahl-alquran.com/arabic/show_article.php? main_id=2843) الخليفة العباسي جعفر بن أحمد بن طلحة، أبو الفضل المقتدر بالله ابن المعتضد ابن الموفق. ولد في بغداد، وبويع بالخلافة بعد وفاة أخيه المكتفي (سنة 295 هـ) فاستصغره الناس وكان ابن ثلاث عشرة، فخلعوه (سنة 296 هـ) ونصبوا عبد الله بن المعتز، ثم قتلوا ابن المعتز وأعادوه. وكثرت الفتن في عهده، ومن أخطرها فتنة أبي طاهر القرمطي واستيلاؤه على مكة المكرمة. وعصاه خادمه مؤنس وجمع أنصاراً له ودخل بهم دار المقتدر فأخرجوه وأخرجوا معه أمه وأولاده وخواص جواريه واعتقلوهم في دار مؤنس (سنة 317 هـ) وبايعوا القاهر بالله (أخا المقتدر) فأقام يومين، وثارت فرقة من الجيش تدعى الرجالة، فقتلت بعض رؤساء الغلمان وأعادت المقتدر إلى الملك. وخرج مؤنس من بغداد في جمع من عصاة الجند والغلمان فقصد الموصل فاحتلها ثم عاد فهاجم بغداد، فبرز له المقتدر بعسكره، فانهزم أصحاب المقتدر وبقي منفرداً، فرآه جماعة من المغاربة فقتلوه. وكان المقتدر ضعيفاً مبذرا متبعاً للشهوات ذهب برونق دولته وهوى بها. قتل سنة (320 هـ). يُنظَر لترجمته: «سير أعلام النبلاء» للذهبي 15/ 43 - 56 الترجمة (24)، «الوافي بالوفيات» للصفدي 11/ 73 - 74 الترجمة (2793).

ولا يقف التهجُّم والانتقاصُ من مَضَوا، بل يمتدّ إلى من هم الآن أحياءٌ يُرزَقون، ومما يُرزقون به النَّيلُ منهم، والطعنُ فيهم، والتفكُّهُ بهم وذلك سواءٌ أكانوا أفراداً أم مذاهبَ، أم دُولاً! وإنّي أُمثِّلُ على ما ذكرتُ بالتطاول على شيخ الأزهر (¬1)، وعلى حسن نصر الله (¬2). ¬

_ (¬1) «موقع أهل القرآن»: مقال «التبرك ببول شيخ الأزهر» لأحمد صبحي منصور. (www.ahl-alquran.com/arabic/show_article.php? main_id=2597) مع أنه ادّعى أنه لا يقصد إهانة شيخ الأزهر، ووجّه الكلام إلى د. علي جمعة مفتي مصر حول قضية التبرك ببول النبي صلى الله عليه وسلم. ولكن عباراته الخرقاء تفضحه وهو يقول: «لنفترض أن المفتي د. علي جمعة الذي أعلن التبرك ببول النبي محمد [كذا] قال نفس الكلام عن شيخ الأزهر. أي: قال بجواز التبرك ببول (فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر الشريف)، فهذا يعنى أن يقف فضيلة الإمام الأكبر ويكشف عورته ليتبول في قارورة يقدمها له المفتي، ثم بعد أن ينتهي فضيلته من التبول يقوم فضيلة المفتي بحمل القارورة بالبول المقدس ليتبرك به أعضاء مجمع البحوث وأعضاء المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية وكبار العلماء في الأزهر، ثم في جامعات الأزهر وكلياته في القاهرة والأقاليم، وفي جولات أخرى يملأ فضيلة المفتي قوارير أخرى من بول فضيلة الإمام الأكبر لتوزع على المحتاجين للبركة في كل المساجد والأضرحة .. وطبعاً لن يفكر أحدهم في احتمالية أن يكون شيخ الأزهر مصاباً بالبلهارسيا أو غيرها؛ لأن ذلك يتنافى مع القداسة والبركة». وإذا صدّقهُ من هو أحمقُ ما فهل سيصدقه في مقاله: «صدق الله العظيم .. وكذب شيخ الأزهر». (www.ahl-alquran.com/arabic/show_article.php? main_id=163). وهل سيصدق أحدٌ أن محرر الموقع لم يقصد السخرية بمقاله: «عمامة شيخ الأزهر مولوتوفية». (www.ahl-alquran.com/arabic/show_news.php? main_id=5289). والمقصودُ بهذا اللمز هو: الشيخ محمد سيد طنطاوي الملقب بـ «الإمام الأكبر شيخ الجامع الأزهر». ولد سنة 1928 في محافظة سوهاج، حفظ القرآن الكريم، ثم تابع دراسته حتى حصل على الدكتوراه في الحديث والتفسير سنة 1966، عمل عميدأ لكلية الدراسات العليا بالجامعة الإسلامية في المدينة المنورة، وعين مفتياً للديار المصرية سنة 1986 حتى 1996 حيث عُيّن شيخاً للجامع الأزهر. يُنظر لترجمته: «موقع الموسوعة الحرة» (ويكيبيديا): (محمد_سيد_طنطاوي/ ar.wikipedia.org/wiki). (¬2) «موقع أهل القرآن»: مقال: «مدد يا سيدي حسن نصر الله» للقبطي كمال غبريال. (www.ahl-alquran.com/arabic/show_article.php? main_id=4659). والسيد حسن نصر الله من مواليد برج حمود بيروت سنة 1960، انضمّ إلى «حركة أمل» في شبابه، ثم ذهب للدراسة في النجف الأشرف في العراق، حيث التقى بالسيد عباس الموسوي اللبناني، الذي أسس فيما بعد «حركة حزب الله» سنة 1982. جاهد حزب الله ضد الغزو الصهيوني لجنوب لبنان، وكان حسن نصر من أبرز أعضائه، فاستلم قيادة التنظيم بعد اغتيال السيد عباس الموسوي سنة 1992، وهو إلى الآن على رأسه. يُنظر لترجمته: «موقع الموسوعة الحرة» (ويكيبيديا): (حسن_نصر_الله/ ar.wikipedia.org/wiki).

ولا يقف التطاولُ الحاقدُ عند حدود الرئيس المصري حسني مبارك (¬1)، ولا عند حركة حماس (¬2)، أو المملكة العربية السعودية (¬3)، بل يتعدّاه إلى أكثرَ من ذلك بكثير! ¬

_ (¬1) «موقع أهل القرآن»: مقال «كيف انتصر جيش حسني مبارك الشهم الشجاع "ش ش" على الشعب المصري؟ » لأحمد صبحي منصور. (www.ahl-alquran.com/arabic/show_article.php? main_id=4505). والمذكور هو الرئيس الرابع لجمهورية مصر العربية: محمد حسني سيد سيد إبراهيم مبارك. من مواليد سنة 1928 في محافظة المنوفية، هو رئيس الجمهورية منذ 14/ 10/1981 م بعد اغتيال الرئيس أنور السادات في 6/ 10/1981 حيث تقلّد الحكم في مصر وقيادة القوات المسلحة ورئاسة الحزب الوطني الديمقراطي. يُنظر لترجمته: «موقع الموسوعة الحرة» (ويكيبيديا): (حسني_مبارك/ ar.wikipedia.org/wiki). (¬2) يُنظَر: «موقع أهل القرآن»: مقال «قدس الأقداس حماس» لأحمد صبحي منصور. (www.ahl-alquran.com/arabic/show_article.php? main_id=74). و«موقع مركز الدراسات والأبحاث العلمانية في العالم العربي»: مقال «غزة وفي القلب غصة» لأحمد صبحي منصور. (www.ssrcaw.org/ar/show.art.asp? t=2&aid=158080). وحركة المقاومة الإسلامية (حماس) هي حركة مقاومة شعبية وطنية تنادي بتحرير فلسطين من النهر إلي البحر، وجذورها إسلامية؛ حيث يرتبط مؤسسوها فكرياً بجماعة الإخوان المسلمين، تهدف الحركة إلى استرداد أرض فلسطين التي تعتبرها الوطن التاريخي القومي للفلسطينيين بعاصمته القدس. أعلن عن تأسيسها الشيخ أحمد ياسين في 6 ديسمبر 1987، وقادت الجهاد ضد الاحتلال الإسرائيلي منذ ذلك التاريخ وقدمت آلاف الشهداء. قررت حركة حماس في العام 2005 المشاركة في الانتخابات التشريعية الفلسطينية التي تمخضت عن فوز كبير لحركة حماس في المجلس التشريعي بواقع 76 مقعداً من أصل 132 مقعداً، مما أعطى حماس أغلبية في المجلس فشكلت الحكومة التي لم تعترف أغلب دول العالم، وبعد صراع مع حركة فتح سيطرت على قطاع غزة إلى الآن. يُنظر: «موقع الموسوعة الحرة» (ويكيبيديا): (حركة_حماس/ ar.wikipedia.org/wiki). (¬3) يُنظَر: «موقع أهل القرآن»: مقال: «بركاتك يا شيخ أوباما بدأ الإصلاح في السعودية» للمدعوة كاترين ميخائيل. وعقَّب على المقال الدكتور أحمد صبحي منصور بقوله: «شكراً للصديقة العزيزة الدكتورة كاترين ميخائيل .. وهي مقيمة في أمريكا ومعنية بالإصلاح خصوصاً في وطنها العراق». (www.ahl-alquran.com/arabic/show_news.php? main_id=5010).

المبحث الرابع: فقه القرآنيين وفتاواهم.

المبحث الرابع: فقه القرآنيين وفتاواهم. في هذا المبحث سأحاول أن أسوقَ بعضَ الدُّرَرِ المكنونة، والجواهر المصونة، من الاجتهادات الفقهيّة البديعة التي تفتّقت عنها أذهانُ بعض القرآنيين، ونَشَرَها موقعُهم. وإني على يقينٍ أنّ امرَأً ما منهم إذا اطّلعَ يوماً على هذه الصفحاتِ سيعترضُ بأنّ المقالات تُعبّرُ عن آراءِ أصحابِها، ولا تُعبّر بالضرورة عما تتبناه جماعة القرآنيين. وإنّي لا أُنكرُ هذا بدليل اختلافِهم أحياناً حول أمورٍ كثيرة، سأذكرُ منها مثالاً قريباً في المطلب الأول من هذا المبحث. ولكن أيها القرآنيون ... هذه الفوضى الدينيّة، والاضطراباتُ العقَديّة، والتخبُّطاتُ الفكريّة، والهلوساتُ التعبُّديّة، والمهازلُ في الأحكام الفقهيّة، والسخرية من أكثرَ من 99.9999 % من الأمة الإسلاميّة (¬2)، شيءٌ لا ضير فيه، وجوهرٌ لا غُبارَ عليه! وأن يقوم أيٌّ كان، فيهرفَ بما لا يعرف، ويُخرجَ قيءَ رأسه الذي هو أخبث من قيء بطنِه أمرٌ طبَعِيٌّ مقبولٌ، وحرية رأي، وديمقراطية فكرية، ووو .... ، وهو في ذلك يملك كلّ الحقّ، وهو من أهل الصدق! لكنّ الممنوعَ وحدَهُ أن يأتي أحدٌ ما بحديث نبويٍّ؛ لأنّ الحديث النبويّ والحديث القدسيّ، وما يسمى بالسنة النبوية كذبٌ في كذب، ودجلٌ في دجل، ولا يقبله إلا من تتهكّمون بهم صباحَ مساءَ على موقعكم المشؤوم! ¬

_ (¬1) صرّح الدكتور أحمد صبحي منصور أنّ عدد أبناءِ طائفته بلغ (10000) شخص. «موقع العربية نت» (Alarabiya.net) بتاريخ الثلاثاء 03 ربيع الأول 1429 هـ - 11 مارس 2008 م. وها هو منبرهم الأول «موقع أهل القرآن يكتب فيه أكثر من مئة وستين كاتباً يهمزون ويلمزون من السنة والمصدّقين بها جهاراً نهاراً. فكم نسبة هذه الطائفة إلى الأمة الإسلامية؟ إنها تبلغ واحداً إلى كلّ مئةٍ وخمسين ألف مسلمٍ إذا اعتبرنا عدد المسلمين في العالم ملياراً ونصف المليار فحسب! وإني أؤكدُ أنّ الفرق المسلمة كلَّها الموجودةَ الآن والمنقرضة، من سنة، إلى شيعةٍ، إلى معتزلةٍ، إلى خوارجَ .... كلّهم يؤمنون بالسنة النبوية أصلاً من أصول الدين، وإن اختلفوا في قَبول الروايات عمّن وكيف؟ وهم جميعاً وإن ردّ بعضُهم مرويّاتِ بعضٍ، فردُّهم للمرويّ، وليس إنكاراً لركن الدين الأساس، الذي هو لزوم ووجوب اتباعِِ سيدنا محمدٍ صلى الله عليه وسلم خير الناس. فما أضيقَ رحمةَ الله إذا كان هؤلاءِ القرآنيون على الهدى وحدَهُم، وباقي المسلمين ليسوا سائرين على المنهج القويم، والصراط المستقيم!

المطلب الأول: القرآنيون والصلاة

أيها القرآنيون .... إن كنتم تؤمنون بالقرآن كما تزعمون: يقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لَا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئًا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ} [سورة لقمان 31: الآية 33]. المطلب الأول: القرآنيون والصلاة: صلاة الصبحُ أربعُ ركعات، والصلاةُ الوسطى هي صلاة المغرب، وفي السجود يجب أن يسجد المصلي على ذقنه! هكذا يرى أحد القرآنيين؛ حيث يقول في مقال له اسمه: «الصلاة في القرآن» (¬1): «عدد الركعات من القرءان: صلاة القصر ركعتان للإمام وركعة واحدة للمأموم (عند الخوف فقط). كما فى الاية (وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُوا لَكُمْ عَدُوّاً مُبِيناً) (النساء: 101) ويؤخذ العدد من الاية () وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ) (النساء: 102) اى ان الامام هنا فى الحرب يصلى جماعة قصر ركعتين والمأموم ركعة واحدة بالسجود ثم الطائفة الاخرى ركعة واحدة بالسجود فما هو التمام بعد معرفة القصر؟ ¬

_ (¬1) وقد تركتُ المقال بأخطائه اللغوية والإملائية؛ لأبين مستوى هذا الكاتب وأضرابه من العلم. وصدق القائل: فدعكَ من الكتابةِ لستَ منها ... ولو سوّدتَ وجهكَ بالمِدادِ

• اذا كان القصر ركعتان وكان المتوسط الحسابى الاقرب للعدد اتنين هو الثلاثة فيكون التمام هو العدد اربعة اى ان العدد (3) وهو المتوسط الحسابى = (2) عدد ركعات القصر+ (4) عدد ركعات التمام ليكون مجموعهم = 6 ÷ 2 (القصر والتمام) = 3 فإذا كان العدد 2 موجودا (القصر) والمتوسط بعد الاثنين هو العدد 3 عرف فيكون التمام هو 4 وتؤخذ الصلاة الوسطى من الآية (حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ) (البقرة: 238) والصلاة الوسطى هنا هى صلاة المغرب وهى ثلاث ركعات أى المتوسط الحسابى بين القصر (ركعتين) والتمام (أربعة) فى الصلاة أما صلاة الصبح فمن العجيب أن كل الفقهاء قالوا إن ركعتين فبل الفجر هى سنة آكدة وهى واجب لم يتركها رسول الله ابدا! ! ! فمن الذى قسمها الى ركعتين فرض وركعتين سنة إذا كان الرسول لم يتركها أبدا (¬1)؟ فيكون عدد الركعات فى الفجر أربع ركعات اثنين عند وقت الخيط الاسود واثنين عند وقت الخيط الأبيض كما نصليها نحن الان (2 سنة و 2 فرض) والظهر أربع والعصر أربع والمغرب وهى المتوسط بين التمام والقصر ثلاث ركعات ثم العشاء أربع ركعات وهى التمام أى أن كل الصلوات تمام الأربعة والقصر ركعتين والصلاة الوسطى بين التمام والقصر ثلاثة وهى صلاة المغرب» ا. هـ (¬2). ويرى كبير الطائفة أحمد صبحي منصور أنّ من حق المرأة المؤهلة أن تؤم الرجال في صلاة الجماعة؛ كما ذكر في مقال صريح على موقعه البائس (¬3). ¬

_ (¬1) هل في القرآن أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يترك سنة الفجر؟ أم إنّ هذا استشهادٌ بالسُّنّة؟ وهو خروجٌ عن منهج الموقع والطائفة، ولكنه ما دام يخدم التشكيك فحيّهلا به. (¬2) «موقع أهل القرآن»: (www.ahl-alquran.com/arabic/show_article.php? main_id=1483) (¬3) يُنظَر: «موقع أهل القرآن»: مقال «من حق المرأة المؤهلة للإمامة أن تؤمّ الذكور في الصلاة» لأحمد صبحي منصور. (www.ahl-alquran.com/arabic/printpage.php? main_id=27&doc_type=1).

المطلب الثاني: القرآنيون والزكاة.

المطلب الثاني: القرآنيون والزكاة. من بدع بعض القرآنيين إنكار أحكام فريضة الزكاة، والافتراء أنها فوائدُ تزكيةِ النفس المتحصّلة منَ الصلاة، والادّعاءُ فيه أنّ الحولَ أربعةُ أشهرٍ وعشرٌ، وهذا مقتطفٌ من مقالٍ على الموقع الهدّام (¬3): «وهذا يعني أن الزكاة تأتي من الصلاة فالصلاة هي التي تزكينا وتقومنا وكذلك يقول المولى أنه من يحاول أن يزكي نفسه بغير القرآن لن يجد سبيلاً: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنفُسَهُمْ بَلِ اللهُ يُزَكِّي مَن يَشَاء وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً 49 النساء حتى أن الرسول كان يزكي قومه بالقرآن رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنتَ العَزِيزُ الحَكِيمُ 129 البقرة لَقَدْ مَنَّ اللهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ 164 ال عمران وكذلك فأن الصلاة تنهينا عن الفحشاء والمنكر وانتهاءنا يعتير زكاة وتقويم لنا اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ 45 العنكبوت .... ». إلى أن هذى: «حدد لنا السلف مقدار الزكاة وسموها زكاة المال وربطوها بالحول وما الحول الا اربع شهور وعشرا وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ .... 233 البقرة ¬

_ (¬3) «موقع أهل القرآن»: مقال «اقيموا الصلاة وآتو الزكاة» للمدعو سامر الغنام. (www.ahl-alquran.com/arabic/show_article.php) بتاريخ 12/ 3/2009. وقد تركتُ المقال بأخطائه اللغوية والإملائية التي بدأت بالعنوان؛ لأبين مستوى هذا الكاتب وأضرابه من العلم.

المطلب الثالث: منوعات من فقه القرآنيين

هل يعقل أن ترضع امرأة ابنها سنتين؟ ؟ ؟ ولكن من الواضح ان الحول هو اربع شهور وعشر أيام ويتضح ذلك بالأيات من الذكر الحكيم وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِّأَزْوَاجِهِم مَّتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِي مَا فَعَلْنَ فِيَ أَنفُسِهِنَّ مِن مَّعْرُوفٍ وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ 240 البقرة فكم هو الحول طالما بعد الوفاة متاع الى الحول؟ ؟ ؟ نرى التفصيل وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ 234 البقرة». المطلب الثالث: منوعات من فقه القرآنيين: فقه القرآنيين قائمٌ على مناقضة الفقه الإسلامي الذي استقرّت عليه الأمة الإسلامية أربعةَ عشرَ قرناً وزيادة. فهم يُحلِّلون ما حرّمه المسلمون، ويحرّمون ما حلّلوه، والمخالفة مقصودةٌ لديهم لِذاتِها، رافعين شعار «خالف تُعرَف»! والمتجوّلُ في أنحاء «موقع أهل القرآن» يجد الأدلة الدامغة على دعوايَ هذه، وهذا بعضٌ من أمثلةِ فقههم العجيب: فقد أفتى علامتُهم أحمد صبحي منصور بعدمِ مشروعيةِ غطاءِ رأس المرأة فقال في مقالةٍ له كتبَها على عجَل: «سننشر التفاصيل في الزيّ للمرأة والزينة، ولكن بسرعة نقول: أن (¬1) النقاب حرام ومزايدة على شرع الله تعالى وتضييع له، وأن الحجاب في القرآن يعنى الستارة، وأن الخمار يعنى تغطية الصدر، وأنه ليس حراماً كشفُ شعر رأس المرأة .. الأدلة ستأتي بالتفصيل فيما بعد فى المقالات، بعونه جل وعلا» (¬2). ¬

_ (¬1) كذا، وسيعطف عليه مرتين! (¬2) «موقع أهل القرآن»: مقال «الحجاب». (www.ahl-alquran.com/arabic/show_fatwa.php? main_id=34).

ويُفتي شيخُهم المدعو علي عبد الجواد عدمَ تحريم الذهب والحرير على الرجال (¬3). ويرى كبير الطائفة أحمد صبحي منصور استحلالَ المخدرات حيث يقول: «أما الحكم على المخدرات والتدخين وغيرها فلا يجوز تحريمها على أساس أنها من الطعام والشراب؛ لأن الله تعالى قد حدد المحرم في الطعام والشراب ومنع تحريم الحلال. الحكم على المخدرات والتدخين يدخل ضمن سلطة ولي الأمر بمنع تداولها ومنع زراعتها ومنع الاتجار فيها، وعقوبة مالية على من يفعل ذلك، دون المساس بجسده وحريته، وإذا ارتكب جريمة متأثراً بهذه المخدرات فالعقوبة جاهزة على جريمته التي ارتكبها» (¬2). ويرى رأسُ الفرقة تحليل الزواج المؤقت ولو لنصف ساعة، حيث يقول بصيغة أسئلةٍ يطرحُها على نفسِه ويُجيب عنها: «وهل يجوز في الزواج الشرعي أن يتفق الطرفان على تحديد مدة للزواج؟ ج) نعم؛ لأن الأصل في الزواج التراضي والاتفاق» إلى أن قال: «أذن على هذا فإنني أستطيع أن أتفق مع أي امرأة على أن أتزوجها لمدة نصف ساعة ثم أطلقها بعد ذلك ويكون زواجاً شرعياً؟ ج) لكي يكون ذلك زواجاً شرعياً لا بد من مراعاة الشرع في كل شيء ... »، ثم ساق ما رآه من شروط الزواج لم يكن فيها ما يمنع من هذا التوقيت (¬3). ¬

_ (¬1) «موقع أهل القرآن»: مقال «لبس الذهب للرجال حلال» للمدعو علي عبد الجواد. (www.ahl-alquran.com/arabic/show_article.php? main_id=2781). «موقع أهل القرآن»: مقال «وكمان الحرير حلال» علي عبد الجواد. (www.ahl-alquran.com/arabic/show_article.php? main_id=2827) (¬2) «موقع أهل القرآن»: مقال «القياس والمخدرات»: (www.ahl-alquran.com/arabic/show_fatwa.php? main_id=249). (¬3) «موقع أهل القرآن»: مقال «زواج المتعة». (www.ahl-alquran.com/arabic/show_article.php? main_id=58).

وهو بذلك يُفتي بحلّ هذا الزواج من القرآن كما يزعم، مخالفاً السنّةَ والشيعةَ معاً؛ إذ هو يردُّ عليهم، ويتهم الطرفين باختراع الأحاديث في هذه القضية. والقرآنيون يهاجمون أيضاً نظام الطلاق في الإسلام زاعمين أن التطليقَ بعبارة أنت طالق لا أثرَ له على الزوجيةِ لا جداً ولا هزلاً حتى يأتيَ المرءُ بشروطٍ أخرى (¬1). وها هو أحدُ فقهائهم المدعو علي عبد الجواد يستحلُّ فوائد المصارف الربوية، ويدعي أنها ليست من الربا في شيء، يقول: «لقد ابتلى الإسلام بفقهاء يتبعون الروايات التي ما أنزل الله بها من سلطان ونتيجة لذلك فقد تعثر واختلف رجال الدين فى تعريف الربا، فمنهم من يقول ان جميع انواع الكسب غير المشروع ربا! ومنهم من يخصص ويحدد الربا على انه فى بعض المواد ولا يقع على المواد الاخرى. ومنهم من يرفع راية الربا فى المعاملات! ! فيجعل منها اسلامية وغير الاسلامية وخصوصا التى يتحدد فيها الربح مقدما! ! ويتكلم فى انواع المعاملات من مضاربة الى مزابنة الى بيع البادى للحاضر معتمدا على مرجعية الروايات الموجودة فى كتب البخارى ومسلم واخوانهم جامعى روايات الناس عن السنة! ! وكان نتيجة فتاوى تحريم الفوائد المعلنة للبنوك ان ترك بعض المسلمين فى الخارج ملايين الدولارات الى غير المسلمين بحجة انها ربا من بنوك ربوية! ! » (¬2). ¬

_ (¬1) «موقع أهل القرآن»: مقال «أنت طالق لا تكفى لوقوع الطلاق» لأحمد صبحي منصور. (www.ahl-alquran.com/arabic/show_article.php? main_id=2761). ومقال: «نكاح المحلل» للمدعو فوزي فراج. (www.ahl-alquran.com/arabic/discussion.php? page_id=58). (¬2) «موقع أهل القرآن»: مقال «الربا في القرءان وفوائد البنوك». (www.ahl-alquran.com/arabic/show_article.php? main_id=2865). وقد تركتُ المقال بأخطائه اللغوية والإملائية التي بدأت بالعنوان؛ لأبين مستوى هذا الكاتب وأضرابه من العلم.

الفصل الرابع: الكرة على القرآنيين

الفصل الرابع: الكَرَّةُ على القرآنيّين:

المبحث الأول: بعض أدلة القرآنيين وتفنيدها

المبحث الأول: بعضُ أدلة القرآنيين وتفنيدها: إنّ المطّلع على فكر جماعة أهل القرآن المعاصرين يجد أنهم يُردّدون شُبَهاً عفى عليها الزمن، وهكذا هم أهلُ البدع، وأصحابُ الأهواء، وأربابُ الضلالات، يُكرّرون أشياءَ هتفَ بها أسلافُهُم منذُ مئاتِ السنين! وهذا ديدن أهل الباطل دائماً يُعيدون ما فُرِغَ منه لعلّهم يصطادون ضحايا جديدة من الغافلين. وصدق الله العظيم الذي حكى منهج الضالّين المضلّين في كتابه العزيز فقال: {مَا يُقَالُ لَكَ إِلَّا مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ} [سورة فصلت 41: الآية 43]. وقال سبحانه: {قَالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِثْلَ قَوْلِهِمْ تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ} [سورة البقرة 2: الآية 118]. ومنكرو السنّة الغرّاء ـ أراح اللهُ الأمةَ من بلائهم ـ ليسوا مختلفين عن الغواةِ الآخرين، وهم لو قصدوا الحقَّ، ولو استَحيَوا من ربِّهم تباركَ وتعالى، ثم من خلقه؛ لَبَحثوا عن الأجوبة التي أُجيبَ بها مَنِ اقتَدَوا بهم ممّن تقدّمهمُ من المبتدعة السابقين. وها هي كتبُ أهل العلم المختلفة ملأى بالردود على تلك التشغيبات التي شغّبَ بها الأولون، ولكنهم يلوكون الأقوال العفِنَةَ، ويَجترّون الآراءَ المُنتِنَة، ويُغمضون أعيُنَهم عن الأدوية الناجعة التي فيها علاجُ أسقام قلوبِهم، ويتجاهلون البلاسم الشافية التي بها يُداوى بها زيغُ عقولِهم. والدليل على ما أقول: أن أطروحاتِهم تُغفِلُ عموماً الردودَ على شُبَهِهم، وتطوي ذكرَ مواضِعِ بيان ما يستشكلون. أوليس من العجيب أنهم يقولون ويُعيدون، ويروحون ويجيئون، في طرح أسئلةٍ وقضايا الجوابُ عنها أجلى من الجليّ؟ إن هؤلاء الناس يرومون الجدل للجدل، شأنُهم شأنُ من ذكروا في القرآن العزيز فقال: {مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ} [سورة الزخرف 43: الآية 58].

وقال عزّ من قائل: {وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ} [سورة الأنعام 6: الآية 121]. إنّ من يُطالعَ أدبياتِ أعداءِ السنة من القرآنيين يَجدُهم يأتون في لَجَجِهم بأدلة نقليةٍ جُلُّها ما ساقه أسلافهم من قبلُ من آياتٍ قرآنية انتزعوها من سياقِها، وأوّلوها على غير وجهِها، وحسبوا أنّهم حسموا بذلك النزاع من المسلمين. أما الآيات القرآنية التي يسوقُها القرآنيون، فإنّي مُورِدٌ طائفةٌ منها مبيِّناً ـ بحول الله تعالى ـ فسادَ استنادهم إليها، وبُطلانَ اتكالِهم عليها. والعجيبُ أنهم قد يستشهدون بشيءٍ من الأحاديث النبوية، والأخبار المرويّة، وهدفُهُم التشكيك والتشتيت. والعجبُ كلّ العجب من هؤلاء كيف يُريدون أن ينقُضوا مبدأ السنةِ ببعضِ المرويِّ فيها، وكيف يُريدون إثبات الكذب في الروايات المنسوبة إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم بشيءٍ من هذه المرويّات! وإنّ لي عودةً إلى هذا التعجُّبِ عما قريب بإذن الله. وهم عصابةٌ هدفُها إشغال الأمة عن قضاياها المصيرية، وإلهاؤها عن سبيل نهضتها الحقيقية، وأنّى للأمة ذلك والطابور الخامس يفُتُّ في عضُدِها، ويطعنُها في ظهرِها؟ وصدق الشاعر: أرى ألْفَ بانٍ لا يقومُ لهادِمٍ ... فكيف ببانٍ خلفَه ألفُ هادمِ وصدق قبلَه ربُّ العالمين الذي وصفَ هؤلاء بقوله: {وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ} [سورة المنافقون 63: الآية 4]. ولكن هل نتركُ هؤلاء يُفتّتون في الأمة، وينهشون في لحمها، ويُهلكون من أبنائها من كان يجب أن يكونوا عواملَ قوةٍ وبناء؟ لقد قرَّر كثيرٌ من أهل العلم لزومَ التّصدّي لأهل البدع؛ صيانةً للأمة من شرورهم؛ «إذ حدثت البدعة الصارفة عن مقتضى القرآن والسنة، ونبتَ جماعةٌ

لفّقوا لها شبهاً، ورتّبوا فيها كلاماً مؤلّفاً؛ فصار ذلك المحذور (¬1) بحكم الضرورة مأذوناً فيه بل صار من فروض الكفايات، وهو القدر الذي يقابَلُ به المبتدع إذا قصد الدعوة إلى البدعة» (¬2). وروي أنه قيل للإمام أحمد ابن حنبل: الرجلُ يصوم ويصلي ويعتكف أحبُّ إليك أو يتكلّم في أهل البدع؟ فقال: إذا قام وصلى واعتكف فإنما هو لنفسه، وإذا تكلم في أهل البدع فإنما هو للمسلمين، هذا أفضل (¬3). ورأى ابن تيميةَ رحمه الله أنّ الإمام أحمدَ ـ عليه رحمات الله ـ قد بيَّنَ بجوابِهِ ذلك «أنَّ نفعَ هذا عام للمسلمين في دينهم من جنس الجهاد في سبيل الله؛ إذ تطهيرُ سبيل الله ودينه ومنهاجه وشرعته ودفعُ بغي هؤلاء وعدوانِهم على ذلك واجبٌ على الكفاية باتفاق المسلمين، ولولا من يُقيمه الله لدفع ضررِ هؤلاء لفسد الدين، وكان فسادُه أعظمَ من فساد استيلاء العدو من أهل الحرب، فإنَّ هؤلاء إذا استولَوا لم يُفسدوا القلوب وما فيها من الدين إلا تبعاً، وأما أولئك فهم يُفسدون القلوب ابتداءً» (¬4). وإنّي ـ بفضل الله تعالى أولاً وآخراً ـ جنديٌّ صغيرٌ شرّفني الله تبارك وتعالى بشيءٍ يسيرٍ من الذبّ عن دينه القويم، والدفاع عن سنّة نبيّه الكريم، عليه أفضل الصلاة وأتمُّ التسليم. فإن بلغَ كلامي هذا مسلماً فحصًّنه من غوائلِ أولئك القرآنيين، وعصمه من الهلاك في هرطقتهم، فذلك المنى، وهو المراد. وإن بلغَ مسطوري هذا أحداً ممن غُرِّرَ بهم من المنضوين تحت لواء طائفة القرآنيين، فهداه الله بسبب هذه السطور، فارعوى أحدٌ عن غيّه، وأفاق بعد سُكره، فحيّهلا، وبها ونعمت، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لسيدنا عليِّ بن أبي طالبٍ رضي الله عنه: «فوالله لَأَنْ يهديَ اللهُ رجلاً بك خير لك من أن يكون لك حمر النعم» (¬5). ¬

_ (¬1) المحذور المعنيُّ في سياق الكلام هو علم الكلام. (¬2) «إحياء علوم الدين» 1/ 42 للإمام حجة الإسلام أبي حامد الغزالي رحمه الله تعالى. (¬3) «مجموع الفتاوى» 28/ 131. (¬4) «مجموع الفتاوى» 28/ 131. (¬5) أخرجه البخاري في «صحيحه» برقم (2942)، ومسلم في «صحيحه» برقم (6223)، وأحمد في «مسنده» برقم (22821).

المطلب الأول: «القرآن وكفى»

وإلا فالحال كما قال ربّ العزّة على لسان مَن أدّى ما وجبَ عليه من فريضة الأمر بالمعروف: {مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (164) فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ} [سورة الأعراف 7: الآيتان 164 - 165].اللهم أنجني بنهيي عن سوء القرآنيين من سوء الدنيا، وَاؤجُرْني عليه في الأخُرى؛ إنك أهل المغفرة والتقوى. المطلب الأول: «القرآن وكفى» (¬1): يُكثرُ القرآنيون لأجل اكتفائهم المزعوم بالقرآن من الاحتجاج بقوله تعالى: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ} [سورة النحل 16: الآية 89]. وبقوله سبحانه: {مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} [سورة يوسف 12: الآية 111]. بقوله تعالى: عز وجلّ: {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} [سورة الأنعام 6: الآية 38] زاعمينَ أنّ القرآن الكريم يُصرِّحُ بأنه يُغْني بنفسِهِ غناءً كاملاً عن أيِّ شيءٍ هو غيره، ولا حاجة معه إلى شيءٍ من دونه. والجوابُ على هذا الزعم من وجهين: الأول: إننا لا نُسلّمُ أنّ المرادَ في هذه الأخيرة على الراجح الذي لم يكَدْ يرَ المفسّرون غيرهُ (¬2) ـ لِما يُوحي به سياقُها (¬3) وتماثُلُ معناها مع غيرِها ـ هو اللوح المحفوظ. ¬

_ (¬1) «القرآن وكفى» منهجٌ علنيٌّ صريحٌ لفرقة القرآنيين، وهذه العبارة المشؤومة عنوان كتابٍ لكبيرِهم الذي علَّمَهُم السِّحرَ؛ الدكتور أحمد صبحي منصور! طباعة مؤسسة الانتشار العربي ـ بيروت (علمانية متخصصة)، ثم تسرّبَ إلى بعض البلاد الإسلامية ـ وقد حُظِرَ فيها ـ خُفيةً وخلسة. (¬2) لم يرَ الطبريُّ غيرَه، ولم ينقُله عن أحد، وهو الذي ينقُل الأقوال المختلفة في كلّ آية. يُنظَر: «تفسير الطبري» 7/ 236 - 239، و «تفسير ابن أبي حاتم» 4/ 1286، و «تفسير ابن كثير» 2/ 193. وأمّا القول الآخر (القرآن) فقد عزاه ابن الجوزي في «زاد المسير» 3/ 35 لعطاءٍ عنِ ابن عباسٍ، ثم ذكرَ في توجيهه كلاماً حسناً سأنقلُهُ قريباً جداً. (¬3) إذا حاول القرآنيون التملُّصَ من الاستشهاد بدلالة السياق؛ فإننا سنرفُضُ من البدايةِ استشهاد أحمد صبحي منصور بسياق الآية {وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [الحشر 59: الآية 7] ومحاولته إفراغها من معناها العامّ بمحاولة تخصيصها بالإيتاء الماليّ؛ بدلالة السياق. «موقع أهل القرآن»: مقال «وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا» للمدعو عثمان محمد علي. (www.ahl-alquran.com/arabic/show_article.php? main_id=1275).

فالآية بتمامها: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ} [سورة الأنعام 6: الآية 38]. وعلى مثالِ هذه الآية نجد قوله سبحانه في نفس السورة: {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} [سورة الأنعام 6: الآية 59]. وقوله: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأرْضِ إِلا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} [هود 11: الآية 6]. وقوله: {وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ كِتَابًا} [سورة النبأ 78: الآية 29]. وقوله: {إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآَثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ} [سورة يس 36: الآية 12] (¬1). وقوله: {قَالَ عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنْسَى} [سورة طه 20: الآية 52] ... وآياتٍ عديدة أخرى. ثم إنّ الآياتِ كلَّها هي مكية ولم يكن نزل كثيرٌ من القرآن ـ مما فيه الأحكام التشريعية ـ فكيف يكون القرآنُ حينئذٍ تبياناً لكل شيء؟ ووالله لو كان كذلك لَوجدَ فيه المشركون مَطعناً للتكذيب، ومَنعىً على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالافتراء. ومع التسليم بأنّ المقصودَ في الآية القرآن الكريم!

فإنّ هذا العامَّ في الآية هو «من العام الذي أريد به الخاص فيكون المعنى: ما فرطنا في شيء بكم إليه حاجة إلا وبينّاه في الكتاب إما نصّاً، وإما مُجمَلاً، وإما دلالة» (¬1). وذكر الإمام القرطبي (¬2) هذا القول بقوله: «وقيل: أي: في القرآن. أي: ما تركنا شيئًا من أمر الدين إلا وقد دللنا عليه في القرآن، إما دلالة مبينة مشروحة، وإما مجملة يُتلقى بيانها من الرسول عليه الصلاة والسلام، أو من الإجماع، أو من القياس الذي ثبت بنص الكتاب، قال الله تعالى: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ} [سورة النحل 16: الآية 89]، وقال: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [سورة النحل 16: الآية 45]، وقال: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [سورة الحشر 59: الآية 7]. فأجمل في هذه الآية وآية النحل ما لم ينصّ عليه مما لم يذكره، فصدق خبر الله بأنه ما فرّط في الكتاب من شيء إلا ذكره، إما تفصيلاً وإما تأصيلاً؛ وقال: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ}» (¬3). وأما الوجه الثاني: فإنّ الدلالةُ اللغويةُ المفهومةُ من لفظةِ «كلّ» في الآيتَين الأولَيَين بمعنى العموم المُطلَق الذي لا يخرُجُ عنه شيءٌ غيرُ مقصودةٍ؛ بدليلين: - أولهما: أنّ العرب تستعمل لفظة «كل» وتُريدُ بها خُصوصاً تقصده. ¬

_ (¬1) قاله ابن الجوزي في «زاد المسير» 3/ 35. (¬2) محمد بن أحمد بن أبي بكر بن فرح الأنصاري الخزرجي الأندلسي القرطبي، أبو عبد الله، من كبار المفسرين. رحل إلى الشرق واستقر في شمالي أسيوط بمصر، وتوفي فيها سنة (671 هـ). أشهرُ كتبه التي تدل على غزارة علمه «الجامع لأحكام القرآن»، و «الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى»، و «التذكرة بأحوال الموتى وأحوال الآخرة». «الوافي بالوفيات» 2/ 87 الترجمة (472). (¬3) «الجامع لأحكام القرآن» 8/ 371.

والاحتجاج ليس بشيءٍ قد يُشكك به القرآنيون بل بالقرآن نفسِه، فها هو الله عزّ وجلّ يحكي لنا عن ريح قوم عاد: {تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا} [سورة الأحقاف 46: الآية 25]. فهل دمّرت هذه الريحُ كلّ شيءٍ على الإطلاق؟ وهل دمّرت الجبالَ والوديان، والسماوات والأرض، .... ؟ إنها لم تُدمّر إلا قومَ عادٍ وما يتعلّق بهم، ولم تتعدّهم إلى شيءٍ غيرهم؛ {فَأَصْبَحُوا لَا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ} [سورة الأحقاف 46: الآية 25]. - وثانيهما: الواقع المرئيّ المحسوس المشاهَدُ في كلّ زمانٍ ومكان، من أنّ ثمةَ أشياءَ لا تُعدُّ ولا تُحصى لم يُبيِّنها القرآن، من مثل كيفيةِ تنفيذِ أوامرِهِ بالصلاة على سبيل المثال. ودعونا من اختلافِ فقهاء الأمة الإسلامية حول «جزئياتٍ» في الصلاة، فإننا لن نحتجّ به، بل سنحتجّ باختلافِكم ـ معاشر القرآنيين ـ حول الصلاة: إن بعض القرآنيين يرى أنّ القرآن الكريم يفرض على المسلم أن يصلي في كل وقت من أوقات الصلاة أكثر من ركعة، ولم يحدد له عدداً مخصوصاً وتركه يتصرف كما يشاء، وإن الإنسان يجب عليه أن يصلي ركعتين على الأقل، وله أن يزيد على ذلك ما شاء أن يزيد بحيث لا يخرج عن الاعتدال والقصد ... وبعد ذلك فللمسلم الاختيار فيما يفعل على حسب ما يجده من نفسه ومن قوته، أما الصلاة المعروفة اليوم بمواقيتها وهيئاتها، فما كان يعرفها الرسول نفسه ولا أصحابه، وهي غير واجبة على الأمة الإسلامية في جميع الأزمنة والأمكنة، أو فهي لا تدل على وجوب ما فوق الركعتين (¬1). ويزعم أنه إذا كنا وليس عندنا دليل قطعي على وجوب هذه الأعداد من الصلوات والركعات، والله لا يتعبّدُنا بالظن، وحيث أن (¬2) هذا الأمر لم يصل إلينا ¬

_ (¬1) هذا القائل هو الدكتور توفيق صدقي أحد أوائل القرآنيين في مصر، يُنظَرُ ما كتبه في مقاله «الإسلام هو القرآن وحده» في «مجلة المنار» المجلد 9/ص 517 - 520. (¬2) كذا.

بالتواتر القولي دلّ ذلك على أن الله لا يريد منا المحافظةَ على هذه الأعداد، والاستماتةَ عليها (¬1). بالمقابل نجد أحدَ القرآنيين يرفضُ كلّ ما سبق، ويُلزِمُ بأن الصلواتِ كلَّها تؤدّى ركعتين ركعتين (¬2). وهو يرى أنها في طرفي النهار أي: في أوله (صلاة الصبح)، وآخر النهار (صلاة المغرب)، وفي طرفي الليل أي: في أوله (صلاة الفجر)، وفي آخره (صلاة العشاء). أما صلاة الظهر فهي من الفروض التي لا ذكر لها في القرآن، وهي من الفروض التي زادها أعداءُ الإسلام (¬3). بل يجعلها بعض القرآنيين ستّاً؛ حيث يزيد على الصلوات الأربع السابقة صلاتَيِ الظهر والليل! أما الظهر؛ فهي تبدأ عنده من ساعة توسط الشمس كبد السماء، وإلى أن يصير ظل كلّ شيء مثله! وأما صلاة الليل؛ فهي عنده اثنتين: صلاة الليل الأولى من دلوك الشمس إلى الغسق باستمرار غير منقطع، والثانية من غياب الشفق إلى منتصف الليل، وأما صلاة قيام الليل فهى مندوبة عنده (¬4). وهذا يُناقضُ ما تؤكده الطائفة الآن على موقعها «أهل القرآن»، وهي تكفي بنقلها بالتواتر العمليّ؛ حيث يقول الدكتور أحمد صبحي منصور: «التواتر هو المتوارث الذي تتمسك به الأغلبية من عبادات وثقافات، وفيه الصحيح والفاسد، لذا يكون مرجع الحكم فيه لله تعالى في القرآن الكريم ... وفي نظرة سريعة إلى التدين العملي للمسلمين نجد فيه المتوارث الصحيح مثل وجود القرآن الكريم بيننا محفوظاً من لدن الله تعالى بكتابته وقراءته والذي يقف ضد محاولات الإلحاد فيما يسمى بعلوم القرآن التراثية (المتواترة أيضاً). ¬

_ (¬1) يُنظر: «مجلة المنار» المجلد 9/ص 920، 921. (¬2) يُنظر: «الصلاة» للمدعوّ محمد نجيب ص 65، و «البيان بالقرآن» للمدعو مصطفى المهدوي 1/ 123. (¬3) يُنظر: «الصلاة» ص 652 - 662. فهل مخالفوه من القرآنيين الذين لا يرون رأيه هم من أعداء الإسلام أيضاً. (¬4) يُنظر: «البيان القرآن» لمصطفى المهدوي 1/ 107 - 113.

المطلب الثاني: السلطة التشريعية لله وحده

ونجد تواتراً في أداء الصلاة تبلغ صحته فوق التسعين في المائة، ونجد ملامح أخرى من التواتر الصحيح في جوانب أخرى تراثية، كما نجد أخطاء فادحة وابتداعات في الدين لا سبيل إلى حصرها» (¬1). فيا أيها القرآنيون ... اتّفقوا فيما بينكم ثم جادِلونا. المطلب الثاني: السلطة التشريعية لله وحده: يُردّدُ القرآنيون ناعين على المسلمين تحكيمَ رسول الله صلى الله عليه وسلم، واتخاذ سنته شرعاً (¬2) قوله تعالى: {إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ} [سورة الأنعام 6: الآية 57 وسورة يوسف 12: الآية 40 والآية 67]. وينفون عنه أنهُ يُحرّمُ شيئاً أو يُحلِّله، وأنه صلى الله عليه وسلم كان لا يزيد عن الالتزام بما في القرآن الكريم مما حُلّلَ أو حُرّم، ويستشهدون بقوله عزّ وجلّ: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [سورة التحريم 66: الآية 1]. وقوله سبحانه: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ} [سورة الأحزاب 33: الآية 50] (¬3). ويروق لهم أن يذكروا قوله تعالى عن المشركين: {وَحَرَّمُوا مَا رَزَقَهُمُ اللَّهُ افْتِرَاءً عَلَى اللَّهِ} [سورة الأنعام 6: الآية 140]. وقوله: {وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ} [سورة النحل 16: الآية 116]. ¬

_ (¬1) «موقع أهل القرآن»: مقال «التواتر». (www.ahl-alquran.com/arabic/show_article.php? main_id=3302). (¬2) سلف معنا من قبلُ في المطلب الأول من المبحث الثاني تصريح بعضِ القرآنيين بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يُشرّع، ولا يُحلل، ولا يحرم. (¬3) يُنظَر: «موقع أهل القرآن»: مقال «لبس الذهب للرجال حلال» للمدعو علي عبد الجواد. (www.ahl-alquran.com/arabic/show_article.php? main_id=2781)

ويحلو لهم أن يرددوا قوله تعالى: {إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ} [سورة الأنعام 6: الآية 50 وسورة يونس 10: الآية 15 وسورة الأحقاف 46: الآية 9]. والجواب على هذا من وجوه: الأول: أما قوله تعالى: {إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ} فهو مُنتزَعٌ من ثلاث آيات: أما الآية الأولى فهي ردٌّ على طلبِ الكفارِ الآياتِ منه صلى الله عليه وسلم، فذكر لهم أنّ الأمرَ بيد الله وحدَه، وليس المرادَ بحالٍ التحريمُ والتحليل. قال تعالى: {قُلْ إِنِّي عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَكَذَّبْتُمْ بِهِ مَا عِنْدِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ (57) قُلْ لَوْ أَنَّ عِنْدِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ لَقُضِيَ الْأَمْرُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالظَّالِمِينَ} [سورة الأنعام 6: الآية 57 - 58]. وأما الآية الثانية فهي نصيحةٌ من سيدنا يوسف عليه الصلاة والسلام للسجينَين معه بتركِ عبادة الأوثان، ولا ذكرَ فيها لِحلالٍ أو حرام. قال عزّ وجلّ: {يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ (39) مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآَبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} [سورة يوسف 12: الآيتان: 39 - 40]. وأما الآية الثالثة فهي بيانٌ من سيدنا يعقوبٍ عليه السلام لبنيه أنه لا يملك لهم شيئاً، ولا إيحاء فيها بحُرمة أو حلٍّ لشيءٍ أبداً. قال جلّ وعلا: {وَقَالَ يَا بَنِيَّ لَا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُتَفَرِّقَةٍ وَمَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ} [سورة يوسف 12: الآية 67].

ثمّ إننا نجد أنّ الله تعالى قد نفى الإيمان عمن لم يُحكم الرسول صلى الله عليه وسلم، فقال سبحانه: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [النساء 4: الآية 65]. وقال: {وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ (48) وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ (49) أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (50) إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (51) وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ} [سورة النور 24: الآيات: 48 - 52]. فالاحتكام إلى من لا يحكُمُ عبثُ وهراءٌ يُنزّهُ القرآن الكريم عنه، وهو يُثبِتُ لرسول الله صلى الله عليه وسلم خاصّيّة الحكم. فإن قال القرآنيون: المراد مجرّد القضاء والفصل في الخصومات دون استقلالٍ بالتشريع؛ كما هو حال القاضي العاديّ من الناس لا يحكم من عند نفسِه، بل بما بين يديه من الموادّ القانونية، بدليل قوله تعالى: {فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ} [النساء 4: الآية 65]. قلنا لهم: هل منصب القضاء الدنيوي يتطلّب أن لا يجد المرءُ في نفسه تضايُقاً ما من حكم القاضي عليه بشيءٍ ما، وأن يُسلّم له تسليماً كاملاً (¬1)؟ وأين وجهُ الإيمان في الرضوخ لحُكم قاضٍ أيّاً كان في أمرٍ من أمور الدنيا، ومشكلاتِ الخلائق، وهل إذا قبل إنسان بحُكمِ قاضٍ في محكمةٍ ما يُؤجَرُ عليه. فإن كان ذلك لمجرّد القضاء ولم يكن خصوصيةً للنبيّ صلى الله عليه وسلم؛ لشاركه فيها كلُّ قاضٍ تصدّى للحُكم في قضايا العباد. ¬

_ (¬1) الكمال في الآية مستفاد من التوكيد بالمفعول المطلَق.

وأية خُصوصية ستكون لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مُجرَّد ناقلٍ لحُكمٍ في القرآن؛ حتى يُؤكّدَ أمرُ الالتزام بقوله، والانقياد لِحُكمه بكلّ هذه المؤكدات في الآية الكريمة. الوجه الثاني: أما الاستشهاد بقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [سورة التحريم 66: الآية 1]. فدلالتُهُ واضحةٌ في أنّه صلى الله عليه وسلم حرّمَ ما حرّمَهُ ليُرضيَ بعضَ نسائه، وأنّ لم يُحرّمه تشريعاً. ومَعاذَ الله أن يكونَ فيما نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم في المشركين ما تذكرون من قوله تعالى: {وَحَرَّمُوا مَا رَزَقَهُمُ اللَّهُ افْتِرَاءً عَلَى اللَّهِ} [سورة الأنعام 6: الآية 140]. وقوله: {وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ} [سورة النحل 16: الآية 116] ثم يسلُكَ سبيلهم، ولعلكم لا تنسَون أنّ سورتَي الأنعام والنحل مكّيتان، والنبيُّ صلى الله عليه وسلم لم يكن عنده أزواج، بل زوجةٌ واحدة فحسب، وصارتِ الأزواج لديه في المدينة إذ نزلت سورة التحريم. وإنّه صلى الله عليه وسلم حين حرّمَ على نفسِه لم يُحرّم ذلك تشريعاً لنفسِه. بل إنه أقسمَ أن لا يأكل عسل المغافير، أو أن لا يدخل على إحدى زوجاته؛ فعوتِبَ على قسَمِهِ الذي فيه بَونٌ من القِسطِ المطلوب منه، فعل ذلك اجتهاداً بهدَفِ إرضاء بعضِ حلائله؛ فلا شاهِدَ لكم بهذه الآيات. والذي ينسِفُ ما يراه أولئك من سلب رسول الله صلى الله عليه وسلم سلطة التحريم والتحليل أنّ الله تعالى قد نسبَ في صريح القرآن التحليلَ التحريمَ إلى رسوله صلى الله عليه وسلم. قال الله تبارك وتعالى يصف المؤمنين: {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آَمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [سورة الأعراف 7: الآية 157].

المطلب الثالث: اتباع الوحي

ويقول آمِراً هؤلاء المؤمنين: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ} [سورة التوبة 9: الآية 29]. فأخبرونا أيها القرآنيون: ما المراد من الآيتين؟ إن زعمتُم أنه يُخبِرُ المؤمنين بما شرعه الله حلالاً وحراماً؛ فلا يصحُّ ـ لغةً ولا عقلاً ـ أن يُنسَبَ التحليل والتحريم إليه على سبيل الإفراد في الآية الأولى. أو أن يُنسَبَ على سبيل الإشراك مع الله تعالى في الآية الثانية. المطلب الثالث: اتباع الوحي: يزعم القرآنيون من أنّ محمداً صلى الله عليه وسلم كان لا يملك شيئاً إلا أن يتقيّدَ بما في القرآن الكريم من الحلال والحرام، دون أن يكون له شيءٌ من التشريع. وذلك حقٌّ أُريدَ به باطلٌ، فهو صلى الله عليه وسلم كان يتبع ما يُوحى إليه في القرآن، ومنه أنّه أُعطيَ سُلطَة أن يُحرِّمَ ويُحلِّلَ بما يُوحي إليه من الوحي غير المقروء أو الإلهام. وأما الآيات الثلاث ففيهما أنّ النبيَّ عليه الصلاة والسلام ينفي عن نفسه علم الغيب، كونَهُ من الملائكة، والتصرُّفَ في القرآن بالزيادة والنقص، أو أن يأتي بقرآن من تلقاء نفسه، وقراءتُها بتمامِ كلٍّ منها يُوضِحُ ذلك. قال تعالى: {قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلَا تَتَفَكَّرُونَ} [سورة الأنعام 6: الآية 50]. وقال: {وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آَيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآَنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} [سورة يونس 10: الآية 15]. وقال: {قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ وَمَا أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ} [سورة الأحقاف 46: الآية 9].

المطلب الرابع: أحاديث ومرويات

المطلب الرابع: أحاديثُ ومرويات: من العجائب أن مُنكري السنة يستشهدون من السنة نفسِها على إنكارهم لها، وذلك بذكر رواياتٍ يُحاولون الاستفادة منها من أجل دعاواهم! وإننا نقول لهم: إما أن تؤمنوا بالسنة كلِّها، أو تدعوها كلَّها. فإذا كنتم ترونها أكذوبةً فما الذي يضمن لكم أن ما توردونه علينا ليس مكذوباً كذلك؟ وما الميزان لإثبات الصحيح من المكذوب؟ وأذكّركم أنكم كذّبتُم بالسنةِ كلِّها؛ لأنكم ترون أنه ما من سبيل إلى تمييز الصحيح من المفترى على رسول الله صلى الله عليه وسلم. فهل ترون من العقل الاحتجاج بما ترونه كذباً؟ وإما إن قال قائلُكم: نحن نحتجُّ عليكم معاشر مُثبِتي السنة بهذه الروايات؛ لأنها في كُتُبِكم التي تعتبرونها، وتؤمنون بما فيها! فإننا نُجيبُ: نحنُ نؤمن بما فيها كلِّها ـ على تفاوُتِ درجاتِ المرويّات من الصحة ـ فلا يُقبَلُ أن تحتجّوا علينا بحديثٍ ما ولدينا ما يحُلُّ عقدةً فيه في حديثٍ آخَرَ، ثم تقولوا لنا: إن الثانيَ مكذوبٌ لا نؤمن به. وما مثلُكم كذلك إلا كما قال الشاعر: ألقاهُ في اليمّ مكتوفاً وقال له: إياكَ إياك أن تبتلّ بالماءِ فإما أن نتجادَل ضمن دائرة كلِّ ما نُصحِّحُه بوصفه مادةَ بحثٍ علميّ، وجدالٍ منطقيّ، وبغضّ النظر عن الإيمان بهذه المادة أو عدمِه. وإما أن نُلقيَ كلّ ذلك جانباً ولا نتكلّم إلا بالقرآن والعقليّات فحسبُ! ورغم ذلك فهذه إجاباتٌ سريعةٌ على بعضِ ما هو حُجَجُ مُنكري سنةِ النبي صلى الله عليه وسلم والمشككين فيه.

أـ روايات عرض الحديث على السنة

أـ رواياتُ عرض الحديث على السنة: منذ القِدم أوردَ مُنكرو السنة أحاديثَ لفّقوها أرادوا بها إبطالَ الاحتجاج بالسنة، وهم بذلك يفضحون أنفُسَهم، ويكشفون قلّة عقولِهم، فكيف يُرادُ إبطالُ شيءٍ ببعضِه؟ من تلك المرويّات حديثُ «ما جاءكم عني فاعرضوه على كتاب الله؛ فما وافقه فأنا قلته، وما خالفه فلم أقله» (¬1). وحديثٌ آخر فيه «إن الحديث سيفشو عني؛ فما أتاكم يوافق القرآن فهو عني، وما أتاكم عني يخالف القرآن فليس عني» (¬2) وقد رُويَ الحديث من أوجه أُخَرَ كلُّها ضعيفة (¬3)، بل قيل: هو من وضع الزنادقة (¬4). وروَوا كذلك حديثَ «إذا حدثتم عني بحديث يوافق الحقَّ فصدقوه، وخذوا به حدثت به أو لم أحدث» (¬5). ب ـ نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن كتابة حديثه: مثل حديث «لا تكتبوا عني، ومن كتب عني غير القرآن فليَمْحُه» (¬6). والرد على الاستشهاد بهذا الحديث: ¬

_ (¬1) قال الإمام الشافعي في الرسالة: ما روى هذا يثبت حديثه في شيء صغير ولا كبير. ونقله عنه البيهقي في «المدخل» كما أفاض السيوطي في «مفتاح الجنة» ص 14. (¬2) الحديث منقطع، فيه مجهولٌ وراويه ليس صحابياً، كما نقل السيوطي في «مفتاح الجنة» ص 14 عن البيهقي. (¬3) «مفتاح الجنة» 14 - 15. (¬4) قال ذلك الحافظ عبد الرحمن بن مهدي كما نقل ابن عبد البر في «جامع بيان العلم» 2/ 191. ونقل الفتني في «تذكرة الموضوعات» ص 28 عن الإمام الخطابي مثله. (¬5) قال الفتني في «تذكرة الموضوعات» ص 28: منكر جداً، قال العقيلي: ليس له إسناد يصح. (¬6) أخرجه مسلم في «صحيحه» برقم (7510)، وأحمد في «مسنده» برقم (11085) من حديث أبي سعيد الخدريّ رضي الله عنه.

ج ـ ما أثر عن الصحابة من النهي عن الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم

أ - أن ذلك من منسوخ السنة بالسنة. أي: إن المنع جاء أولاً، ثم نسخ بالإذن في الكتابة بعد ذلك. وإلى ذلك ذهب جمهرة العلماء. وقد قالوا: إن النهي جاء أولاً خشية التباس القرآن بالسنة، فلما أمن الالتباس جاء الإذن. ب- أن النهي لم يكن مطلقاً، بل كان عن كتابة الحديث والقرآن في صحيفة واحدة. أما في صحيفتين فمأذون به. ج- أن الإذن جاء لبعض الصحابة الذين كانوا يكتبون لأنفسهم، ويؤمن عليهم الخلط بين القرآن والسنة. وهناك آراء غير ذلك، لكن الذي يتضح من روايات المنع وروايات الإذن أن الإذن جاء آخراً، فإن كان نسخ فهو الناسخ للمنع. وهذا الذي رواه الجمهور (¬1). وقد أُحصيَ الصحابة الذين كانوا يكتبون أو كانت لهم صحف فبلغ عددهم اثنين وخمسين صحابياً (¬2). وقد ذكر أهل العلم أن الخلاف حول قضية تدوين السنة كان في العصر الأول، ثم أجمعت الأمة على تسويغ كتابة الحديث والعلم، واستقر الأمر على ذلك (¬3). ج ـ ما أُثرِ عن الصحابة من النهي عن الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: كنهي عمرَ رضي الله عنه: «أقلّوا الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا شريككم» (¬4). وبيانُ الأمر أنهم كانوا يخشون روايتها ويهابون من ذلك؛ لعظم المسؤولية، ووعيد رسول الله صلى الله عليه وسلم على من يكذب عليه. ¬

_ (¬1) يُنظر: «أصول الحديث» للدكتور محمد عجاج الخطيب ص 98 - 99، «لمحات في أصول الحديث» للدكتور محمد أديب صالح ص 56 - 65. (¬2) «دراسات في الحديث النبوي وتاريخ تدوينه» للدكتور محمد مصطفى الأعظمي ص 92 - 142. (¬3) «شرح النووي على صحيح مسلم» 3/ 1391. (¬4) أخرجه ابن ماجه في «سننه» (28)، والطبراني في «المعجم الأوسط» برقم (2117)، وهو بلفظ قريب في «سير أعلام النبلاء» 2/ 601.

ومن أدلة ذلك موقف عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - الذي جاء حدّث يوماً عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فنكس. قال (¬1): فنظرت إليه فهو قائم محللة أزرار قميصه قد اغرورقت عيناه وانتفخت أوداجه. قال: أو دون ذلك، أو فوق ذلك، أو قريبا من ذلك، أو شبيهاً بذلك (¬2). ومن أجلى ما يُستدَلُّ به ما أخرج البخاري في «صحيحه» عن عبد الله بن الزبير (¬3) - رضي الله عنه - أنه قال لأبيه: إني لا أسمعُكَ تحدّثُ عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كما يُحدّث فلانٌ وفلانٌ، قال: أمَا إني لم أكن أفارقُهُ، ولكن سمعتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «من كذب عليّ متعمّداً فليتبوّا مقعدَه من النار» (¬4). قال الحافظ ابن حجر العسقلاني في شرح هذا الحديث في «فتح الباري»: «وفي تمسُّك الزبير - رضي الله عنه - (¬5) بهذا الحديث على خلاف ما ذهب إليه من اختيار قلة التحديث دليلٌ للأصحِّ في أن الكذب هو: الإخبار بالشيء على خلاف ما هو عليه سواءٌ كان عمداً أم خطأً، والمخطئ وإن كان غير مأثومٍ بالإجماع، لكن الزبير خشيَ من الإكثار أن يقع في الخطأ وهو لا يشعر؛ لأنه وإن لم يأثم بالخطأ لكن قد يأثم بالإكثار؛ إذ إن الإكثار مظنة الخطأ. ¬

_ (¬1) القائل هو الراوي عن ابن مسعود عمرُو بنُ ميمون. (¬2) أخرجه ابن ماجه في «سننه» برقم (23). (¬3) عبد الله بن الزبير بن العوام، أبو بكر وأبو خبيب، أحد العبادلة، وأحد شجعان الصحابة، ولد عام الهجرة، وكان أول مولود للمهاجرين بعد الهجرة، حنّكه النبي صلى الله عليه وسلم بعد ولادته فكان أول شيءٍ يدخل بطنه ريق النبي صلى الله عليه وسلم، حفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم وحدّث عنه وعن كبار الصحابة، روى عنه أجلة التابعين كعطاء وطاووس وسماك بن حرب وغيرهم، بُويع بالخلافة بعد موت يزيد بن معاوية سنة (64 هـ) ولم يتخلّف عنه إلا أهل الشام، اعتصم بالبيت الحرام أمام جيوش الحجاج الذي كسره وقتله وصلبه سنة (73 هـ). يُنظر لترجمته: «الإصابة في تمييز الصحابة» 4/ 69 - 71 الترجمة (4673). (¬4) أخرجه البخاري في «صحيحه» برقم (107). (¬5) الزبير بن العوام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى، أمه صفية بنت عبد المطلب عمة النبي - صلى الله عليه وسلم - أحد العشرة المشهود لهم بالجنة، وأحد الستة أصحاب الشورى، أسلم وله اثنتا عشر سنةً، وشهد مع النبي - صلى الله عليه وسلم - المشاهد كلها وثبتت أحاديث فضائله في الصحيحين وسواهما، قُتل بعد معركة الجمل على يد عمرو بن جرموز سنة (36 هـ). يُنظر لترجمته: «الإصابة في تمييز الصحابة» 3/ 5 - 7 الترجمة (2783).

ء ـ ما أثر عن عمر من قوله: «حسبنا كتاب الله»

والثقة إذا حدّث بالخطأ فحُمِلَ عنه وهو لا يشعر أنه خطأ ٌ يُعمَلُ به على الدوام للوثوق بنقله، فيكون سبباً للعمل بما لم يقله الشارع، فمن خشي من إكثار الوقوع في الخطأ لا يُؤمن عليه الإثم إذا تعمّد الإكثار، فمن ثمّ توقّف الزبير وغيره من الصحابة عن الإكثار من التحديث. وأما من أكثرَ منهم فمحمولٌ على أهم كانوا واثقين من أنفسهم بالتثبُّت، أو طالت أعمارهم فاحتيج إلى ما عندهم فسُئلوا فلم يُمكِنهم الكتمان» (¬3). ء ـ ما أُثرِ عن عمر من قوله: «حسبنا كتاب الله»: وذلك في واقعةٍ حصلت في مرض وفاة حبيبنا محمدٍ أخرج خبرَها البخاري في مواضعَ من «صحيحه» وغيرُهُ عن ابن عباس - رضي الله عنه - قال: لما اشتد بالنبيِّ صلى الله عليه وسلم وجعُهُ قال: «اتئوني بكتابٍ أكتُبْ لكم كتاباً لا تَضلُّوا من بعده». قال عمر - رضي الله عنه -: إن النبي صلى الله عليه وسلم غلبه الوجع وعندنا كتاب الله حسبنا. فاختلفوا وكثر اللغط قال: «قوموا عني ولا ينبغي عندي التنازع». فخرج ابن عباس - رضي الله عنه - يقول: إن الرزيّةَ كلَّ الرزيّةِ ما حال بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين كتابه (¬1). وهذا الحديث أخرجه البخاريُّ في باب كتابة العلم من كتاب العلم من «صحيحه»! وهذا من فقهه العظيم؛ والشاهدُ همُّ النبيِّ أن يكتبَ لأمته كتاباً يحصل معه الأمن من الاختلاف وهو لا يهمّ إلا بحقّ (¬2). وقد بيّن العلماءُ توجيه قول عمر - رضي الله عنه -، وقد جمعَ من دُرَرِهم الحافظ ابن حجر العسقلانيّ باقةً عطرةً فقال: قال القرطبي وغيره: «ائتوني» أمر، وكان حق المأمور أن يبادر للامتثال، لكن ظهر لعمر - رضي الله عنه - مع طائفةٍ أنه ليس على الوجوب، وأنه من باب الإرشاد إلى الأصلح، فكرهوا أن يكلّفوه من ذلك ما يشق عليه في تلك الحالة؛ مع استحضارهم قوله تعالى: ¬

_ (¬1) «فتح الباري» 1/ 272. (¬2) أخرجه البخاري في صحيحه» برقم (114)، ومسلمٌ في «صحيحه» برقم (4232). (¬3) يُنظر: «فتح الباري» للحافظ ابن حجر العسقلاني 1/ 284.

{ما فرطنا في الكتاب من شيء} [سورة الأنعام 6: الآية 38]، وقوله تعالى: {تبيانا لكل شيء} [سورة النحل 16: الآية 89]، ولهذا قال عمر - رضي الله عنه -: «حسبُنا كتاب الله». وظهر لطائفة أخرى أن الأَولى أن يكتب لِمَا فيه من امتثالِ أمرِهِ، وما يتضمنه من زيادة الإيضاح. ودل أمرُهُ لهم بالقيام على أن أمرَهُ الأولَ كان على الاختيار، ولهذا عاش صلى الله عليه وسلم بعد ذلك أياماً ولم يعاود أمْرَهم بذلك، ولو كان واجباً لم يتركه لاختلافهم؛ لأنه لم يترُكِ التبليغَ لِمُخالفة من خالَفَ! وقد كان الصحابة يُراجعونه في بعض الأمور ما لم يَجزِم بالأمر، فإذا عزم امتثلوا (¬1). وقال الحافظ ابن حجر في موضعٍ آخر من كتابه: وقال النووي: اتفق قولُ العلماء على أن قولَ عمرَ - رضي الله عنه -: «حسبنا كتاب الله» من قوة فقهه ودقيق نظره؛ لأنه خشي أن يكتب أموراً ربما عجَزوا عنها فاستحقوا العقوبة لكونها منصوصة (¬2)، وأراد أن لا ينسدّ بابُ الاجتهاد على العلماء. وفي تركه صلى الله عليه وسلم الإنكار على عمر - رضي الله عنه - إشارة إلى تصويبه رأيَه. وأشار بقوله: حسبنا كتاب الله إلى قوله تعالى: {ما فرطنا في الكتاب من شيء} [سورة الأنعام 6: الآية 38]. ويحتمل أن يكون قصد التخفيف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لِمَا رأى ما هو فيه من شدة الكرب، وقامت عنده قرينةٌ بأن الذي أراد كتابته ليس مِمّا لا يستغنون عنه؛ إذ لو كان من هذا القَبيل لم يتركْهُ صلى الله عليه وسلم لأجل اختلافهم. ¬

_ (¬1) «فتح الباري» للحافظ ابن حجر العسقلاني 1/ 282. (¬2) يُستدل لذلك بأدلةٍ كثيرةٍ صريحةٍ منها قوله صلى الله عليه وسلم: «ذروني ما تركتُكم». أخرجه مسلم في «صحيحه» برقم (3257)، وأحمد في «مسنده» برقم (7367) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. وقوله في صلاة شأن التراويح: «خشيتُ أن تُفترَضَ عليكم». أخرجه البخاري في «صحيحه» برقم (2012)، ومسلم في «صحيحه» برقم (1784) من حديث عائشة رضي الله عنها.

ولا يعارض ذلك قولُ ابن عباس: إن الرزية ... إلخ؛ لأن عمر - رضي الله عنه - كان أفقَهَ منه قطعا. وقال الخطابي: لم يتوهم عمرُ - رضي الله عنه - الغلطَ فيما كان النبي صلى الله عليه وسلم يريد كتابته، بل امتناعُهُ مَحمولٌ على أنه لما رأى ما هو فيه من الكرب وحضور الموت خشي أن يجد المنافقون سبيلاً إلى الطعن فيما يكتبه وإلى حمله على تلك الحالة التي جرت العادة فيها بوقوع بعض ما يخالف الاتفاق؛ فكان ذلك سبب توقُّف عمر - رضي الله عنه - لا أنه تعمَّدَ مُخالَفةَ قول النبي صلى الله عليه وسلم ولا جواز وقوع الغلط عليه حاشا وكلا (¬1). ¬

_ (¬1) «فتح الباري» للحافظ ابن حجر العسقلاني 8/ 479.

المبحث الثاني: آيات قرآنية وأسئلة موجهة إلى القرآنيين.

المبحث الثاني: آياتٌ قرآنية وأسئلة موجهة إلى القرآنيين. أحاول في هذا المبحث أن أحارِبَ القرآنيين بسلاحَيهم الوحيدين: (القرآن، وما يدندنون به من العقل)، ولن ألجأ إلى الاحتجاج بشيءٍ آخرَ، وخصوصاً السنةَ المشرفة؛ لئلا أحتجَّ بالدعوى وأدخُل في الدور (¬1)! وإنّ هذه المواقف التي سأقف مع القرآنيين فيها أُسائلُهم عن آياتٍ من القرآن، وأتقدم إليهم بالجدال عبر أسئلةٍ منطقيةٍ تحتاج أجوبةً واضحةً منهم، لا لفّ فيها ولا دوران. وإني سأقتصر على خمسةِ مطالب؛ لمناسبة هذا البحث الضئيل، وإلا فإنّ في جعبة العبدِ الضعيف وجُعَبِ غير من الغيارى على سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم أسئلةً كثيرة. وإنّني أحمد الله عزّ وجلّ على أنّ عدداً من هذه الأسئلة التي أطرحُها في هذه الورقات لم أطّلع عليها عند غيري، وقد أكون مسبوقاً إليها دون أدري و {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا مَا آَتَاهَا} [سورة الطلاق 65: الآية 7]. فإن أصبتُ فمن الله وحدَه، وإن أخطأت فمن نفسي ومن الشيطان، والله ورسوله صلى الله عليه وسلم وصالحُ المؤمنين منه بَراءٌ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العليّ العظيم، وحسبي الله ونعم الوكيل. المطلب الأول: كيف جاءَنا القرآن؟ يزعم القرآنيون أن القرآن جاء بالتواتر، وهي كلمة حقٍّ أريد بها باطل، فالتواتر الذي يعنونه هو حفظ القرآن جيلاً بعدَ جيلٍ، وإيصال القرن السابقِ هذا القرآن للقرنِ اللاحق. يقول كبيرُهم أحمد صبحي منصور: «التواتر هو المتوارث الذي تتمسك به الأغلبية من عبادات وثقافات، وفيه الصحيح والفاسد، لذا يكون مرجع الحكم فيه لله تعالى في القرآن الكريم ... ¬

_ (¬1) الدور: هو توقُّفُ الشيءِ على ما يتوقّفُ عليه. «التعريفات» للشريف الجرجاني ص 110.

وفي نظرة سريعة إلى التدين العملي للمسلمين نجد فيه المتوارث الصحيح مثل وجود القرآن الكريم بيننا محفوظاً من لدن الله تعالى بكتابته وقراءته والذي يقف ضد محاولات الإلحاد فيما يسمى بعلوم القرآن التراثية (المتواترة أيضاً). ونجد تواتراً في أداء الصلاة تبلغ صحته فوق التسعين في المائة، ونجد ملامح أخرى من التواتر الصحيح في جوانب أخرى تراثية، كما نجد أخطاء فادحة وابتداعات في الدين لا سبيل إلى حصرها» (¬1). ويقول المدعو علي عبد الجواد: «وأما السنة العملية، وهى البيان العملي للقرآن مثل الصلاة والزكاة والحج والصوم فقد تواترت والحمد لله إلى الآن. ولا يوجد أحد من المسلمين يصلي الظهر خمس ركعات مثلاً، أو يصوم إلى نصف النهار مثلاً، أو لا يدفع زكاة ماله وهكذا حفظت السنة العملية تواتراً» (¬2). وها هي إحدى القرآنيات تُحاور مسلماً ـ كما يروي من حواره معها ـ مظهرةً مفهوم القرآنيين للتواتر: «فسألتني: أنت الآن تصلي؟ ؟ فقلت لها: نعم. فسألتني: وقبل ذلك تصلي؟ ؟ فقلت لها: نعم. فسألتني: ولما كنت طفلا صغيراً كنت تصلي أيضاً؟ ؟ فقلت لها: نعم فسألتني: ومن علمك الصلاة؟ قلت لها: والدي. قالت وبريقٌ في عينيها ونشوةُ انتصار في صوتِها: وكذلك كل من يصلي من المسلمين عامتهم وخاصتهم إنما عرفوا الصلاة وكيفية أداءها من آباءهم بتوارث ¬

_ (¬1) «موقع أهل القرآن»: مقال «التواتر». (www.ahl-alquran.com/arabic/show_article.php? main_id=3302). (¬2) «موقع أهل القرآن»: مقال «ازدراء الأديان». (ww.ahl-alquran.com/arabic/show_article.php? main_id=2039). ماذا يقول هذا القرآنيُّ وإخوانُه للفرق التي تدعي الإسلام وتُنكِرُ الصلوات الخمس، وصيام رمضان، وعموم الشريعة حتى ما صُرِّحَ به في القرآن الكريم، وتُضلِّلُ الأمةَ كُلَّها أربعةَ عشرَ قرناً وثلث القرن؟ هل سيقول: أنتم على ضلالٍ لإنكار هذا التواتر العمليّ! فإن فعل قلنا له: أنتم فعلتُم مثلهم في إنكار السنة واتباع النبيِّ صلى الله عليه وسلم أصلاً من أصول الدين أجمعت عليه الأمة منذ عهده عليه الصلاة والسلام حتى الآن.

الأجيال أباً عن جد ويندر جدا أن يكون أحدهم قد تعلمها أول أمره من قراءة كتاب فقه أو تتبع أحاديث في البخاري أو مسلم أو بسؤال شيخ. بل الحاصل أنها من المنقولات المورثة بالفعل الاجتماعي الجمعي يتوارثها كلُّ جيل عن الآخر وصولاً إلى زماننا. فنحن نصلي كما وجدنا آباءنا يصلون وهم كما وجدوا آباءهم يصلون، وهم أيضاً عن آباءهم وهكذا وصولاً إلى زمن الصحابة الذين علموا الناس في الأمصار الصلاة بالفعل لا بالتلقين القولي والفذلكة الفقهية، وعنهم أخذها الناس بالمباشرة الفعلية وهم عن رسول الله، فسندنا بالصلاة متصل إلى رسول الله بهذا الطريق القطعي، لا بكلمات وجدناها في كتاب حديثٍ أو كتاب فقهٍ يقع التناقض الكثير بين أوصافها أحياناً مما يجعل كلَّ صاحب مذهب يخطّئ صلاة الآخر استناداً إلى حديثٍ يرى حجيته على حديث الآخر» (¬1). هنا وبعد أن فهمنا معنى تواتر القرآنيين لنا أن نسأل الأسئلة التالية: القرآن الكريم نزل بقراءةٍ واحدةٍ أم بقراءات مختلفة؟ إن قلتم: بقراءةٍ واحدة؛ لزمكم إقامة دليلٍ على تحديدها خارجٍ عن التواتر الذي قنّنتُم له؛ لأنّه من المرئيّ المشاهدَ في أقطار المسلمين أنّ طرائقّ قراءاتٍ مختلفةً لا تزال باقيةً إلى يومنا هذا (¬2)؟ ¬

_ (¬1) «منتديات روض الرياحين»: الدفاع عن أهل السنة. (cb.rayaheen.net/showthread.php). (¬2) التوزُّعُ الجغرافيُّ للقراءات الباقيةِ اليوم هو على التوزيع التالي: القراءات التي يقرأ بها اليوم في بلاد الإسلام من هذه القراءات العشر: هي قراءة نافع برواية قالون في بعض القطر التونسي وبعض القطر المصري وفي ليبيا، وبرواية ورش في بعض القطر التونسي وبعض القطر المصري وفي جميع القطر الجزائري وجميع المغرب الأقصى وما يتبعه من البلاد والسودان. وقراءة عاصم برواية حفص عنه في جميع الشرق من العراق والشام وغالب البلاد المصرية والهند وباكستان وتركيا والأفغان، وقراءة أبي عمرو البصري يقرأ بها في السودان المجاورِ مصرَ. «تفسير التحرير والتنوير» للعلامة الطاهر بن عاشور 1/ 64 بتصرُّفٍ يسير. وقد وضعَ بعضُهم جدولاً تقريبياً لِنِسَبِ توزُّعِ هذه القراءات في البلاد الإسلامية هو: قراءة نافع برواية قالون ... .7 % قراءة نافع برواية ورش ... % قراءة أبي عمرو البصري ... .3 % قراءة ابن عامر الشامي ... % قراءة حفص عن عاصم ... % د. محمد حبش. «كيف تقرأ القرآن» ص 51.

وإن قلتُم: بعدة قراءاتٍ؛ لزمكم إقامة أدلةٍ على عددها! فإن قُلتم: هي الباقيةُ إلى يومنا هذا بدليل بقائها بنقل القرون قرناً عن قرنٍ (¬1)؛ أشكل عليكم أنّ لدينا أدلةً تاريخيةً مُعتبرةً من مخطوطاتٍ موثَّقةٍ لكتُبٍ سابقةٍ (¬2) ـ إنكارُها لمجرّد الإنكار ليس إلا رعونةً فكريةٍ على مذهب «عنزة ولو طارت» ـ أنّ قراءاتٍ قرآنيةً نسميها نحن «متواترةً» بشروط التواتر لدينا كانت مما يُقرأ به في عصورٍ سابقة، وهي مما لا يُقرَأ به اليومَ في أيٍّ من بلاد المسلمين، فكيف يستقيم مفهومكم لتعريف التواتر مع هذا؟ فإنّ هذه القراءات التي كانت متواترةً مقروءاً بها قدماً لم يستمرّ نقلُ الأجيال لها بالدليل الملموس الذي ذكرناه، أفلا يقدَحُ هذا في مقياس التواتر الذي طرحتُموه؟ ¬

_ (¬1) وهذا من الدور الباطل منطقاً. (¬2) الأمثلة على ذلك لا تكاد تُعدُّ؛ فمن ذلك كتاب «الحجة للقراء السبعة» لأبي علي الفارسي النحوي (377 هـ). حققه محققاه (بدر الدين قهوجي وبشير جويجاتي) عن نسختين خطيتين: الأولى محفوظة في مكتبة بلدية الإسكندرية برقم (3570)، ولها مصورة في دار الكتب المصرية برقم (462 قراءات)، فُرغ من نسخها سنة (390 هـ). والثانية: محفوظة في مكتبة مراد ملا باستنبول رقمها (6 - 9)، ومنها مصورة في معهد إحياء المخطوطات، وقد فُرِغَ من نسخها نهائياً سنة (428 هـ). ومثالٌ ثانٍ هو كتاب «التذكرة في القراءات الثمان» لابن غلبون المقرئ الحلبي (399 هـ). حققه محققه الشيخ أيمن سويد على ست نسخٍ خطية سأعرضُ عن تفصيلِها، «والحرُّ تكفيه الإشارة». وأما العلوم الأخرى (إسلامية، ولغوية، وغير ذلك) فإنّ ثمةَ الآلافَ من الكتب المحققة منها تذكر قراءاتٍ غيرَ الباقية اليوم، وكلٌّ منها له مخطوطات محفوظة في المكتبات والمتاحف عبر العالم. وهذان بمجموعهما دليلٌ صارخٌ جديد ينقضُ وهم القرآنيين حول التواتر!

فإن كان مقياسُكم هو الصواب للزم أن لا يضيع من المتواتر شيء؟ ولنا أن نسأل: هذا الذي أضاعه تواتُركم وكان موجوداً ألا يُعدُّ ضياعُهُ انتقاصاً من القرآن؟ أن تضيع بعضُ طرائقِ قراءته؟ ولنا وقفةٌ ثانيةٌ عند مفهوم التواتر الذي يدعيه القرآنيون، وهو أن يُوكَلَ حفظ الدين والقرآن إلى التوارث جيلاً بعد جيل. ذلك أننا وجدنا القرآن الكريم ينقض هذه المفهوم نقضاً ذريعاً، ويهتكه هتكاً مُريعاً. يدل على ذلك: إنّ الكتب السابقةَ لَمّا استُحفِظَ أهلُها إياها أضاعوها، والأديان المتقدمة لما اؤتُمن عليها الناسُ حرّفوها؛ وهذا دليلٌ على أنّ البشر غير قادرين بأنفسهم على الحفظ المزعوم، والصون الموهوم. قال الله تبارك وتعالى: {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون} فالحفظُ ربّانيٌّ، وهو فوقَ قدرة البشر وطبيعتهم فإن زُعِمَ أنّ الأمة المسلمة حفظت وأحب الاستدلال بنحو قوله تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} [آل عمران: 110]؛ لَكان الجواب: وكذلك فُضِّلَ بنو إسرائيل {يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ} [البقرة: 47]. وأذكّر بقول كبير القوم أحمد صبحي منصور: «ونجد تواتراً في أداء الصلاة تبلغ صحته فوق التسعين في المائة، ونجد ملامح أخرى من التواتر الصحيح في جوانب أخرى تراثية، كما نجد أخطاء فادحة وابتداعات في الدين لا سبيل إلى حصرها» (¬1). ¬

_ (¬1) «موقع أهل القرآن»: مقال «التواتر». (www.ahl-alquran.com/arabic/show_article.php? main_id=3302).

المطلب الثاني: طاعة النبي صلى الله عليه وسلم

ولنا أن نسأله ما ميزان التمييز بين المتواتر الصحيح، والأخطاء الفادحة والابتداعات في الدين التي لا سبيلَ إلى حصرِها؟ وكيف نفرّقُ هذا من هذا؟ فلو قال زيدٌ: الأمرُ الفلانيُّ من المتواتر الصحيح! لقال له عمرٌو: بل هو من جملةِ أخطاء فادحة وابتداعات في الدين لا سبيل إلى حصرها! والعكس صحيح. فما الذي يجعل هذه الأمة تحفظ كتابها، وتصون دينها، وتكلأ شريعتها إلا الحفظُ الإلهيُّ؟ وهذه الأمة عينُها عندما وُكِلَت إلى نفسِها افترقت وابتدعت واخترعت وفعلت كما فعل من سبقها. المطلب الثاني: طاعة النبيِّ صلى الله عليه وسلم: لن ينفيَ القرآنيون أنّ في القرآن كثيراً من الآياتِ التي تذكر ـ أو تأمر ـ بطاعة النبيّ صلى الله عليه وسلم؛ وإنني سأخرجُ عن السياقِ بسردِ الآياتِ القرآنية الكريمة الكثيرة الآمرة بطاعة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ إنارة للعقول، وترقيقاً للقلوب! قال الله تبارك وتعالى: {قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ} [سورة آل عمران 3: الآية 32]. وقال: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [سورة آل عمران 3: الآية 132] وقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً} [سورة النساء 4: الآية 59]. وقال: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ} [سورة المائدة 5: الآية 92].

وقال: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [سورة الأنفال 8: الآية 1]. وقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ} [سورة الأنفال 8: الآية 20]. وقال: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} [سورة الأنفال 8: الآية 46]. وقال: {قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ} [سورة النور 24: الآية 54]. وقال: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُون} [سورة النور 24: الآية 56]. وقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [سورة محمد 47: الآية 33]. وقال: {أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتَابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} [سورة المجادلة 58: الآية 13]. وقال: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَإِنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ} [سورة التغابن 64: الآية 12] وهنا لنا أن نسأل: في أي شيءٍ يُطاعُ رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ وهل طاعةُ الرسول صلى الله عليه وسلم في الدخول في الإسلام والإيمان بدينه الحنيف، والتصديق بالقرآن الكريم؟ أم هي طاعةٌ عامة في كلّ ما يأمر به؟

إن كانت الأولى؛ فإنّ الآيات الآمرة بالطاعة الموجَّهَةَ إلى المؤمنين تنقُضُ هذا الاحتمال! وإن كانت الأخرى ـ أي: إن طاعتَهُ صلى الله عليه وسلم في غيرِ ذلك ـ سألنا: أهي طاعةٌ فيما هو مأمورٌ به في نصّ القرآن أم لا؟ فإن قال منكرو السنة: هي في الذي أُمرَ به في القرآن. قلنا لهم: وما الفائدة من إثباتِ طاعةٍ لرسول الله صلى الله عليه وسلم في ما أمرَ به الله عيناً ونصّاً؟ فإنّ قالوا: تأكيداً على وجوب طاعة الله. قلنا: لا يؤكّد على الكبير بالصغير، والله أعظم من أن يؤكِّدَ على طاعتِهِ بطاعة عبده ومخلوقه. وإنّ لله تعالى أوامرَ كثيرةً وكثيرةً في القرآن الكريم لم يؤكِّدها بما تزعمون من طاعة مخلوقه وحبيبه صلى الله عليه وسلم. فلم أكّد بعضَها ـ كما تزعمون ـ وسلَبَ البعضَ الآخرَ هذا التأكيد؟ ثمّ إننا نلحظُ أنّ الله تعالى في قوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً} [سورة النساء 4: الآية 59] يُشيرُ إلى طاعةِ أولي الأمر، وهم ـ حسب تفسيرنا إما الأمراء وإما العلماء (¬1) ـ وكلا الفريقين غير ¬

_ (¬1) أسند الطبري في «تفسيره» تفسيرَ أولي الأمر بالأمراء إلى أبي هريرة، وابن عباس، وميمون بن مهران، وابن زيد. وأسند تفسيرها بأهل العلم إلى جابر بن عبد الله، ومجاهد، وابن أبي نجيح، وابن عباس، وعطاء، والحسن، وأبي العالية. وأسندَ تفسيرها بأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى مجاهد، وأسند إلى عكرمة أنهم أبو بكر وعمر سيدا أصحاب النبيِّ صلى الله عليه وسلم. ثم قال الطبري: وأولى الأقوال في ذلك بالصواب، قول من قال: هم الأمراء والولاة؛ لصحة الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأمر بطاعة الأئمة والولاة فيما كان لله طاعةً، وللمسلمين مصلحة. «تفسير الطبري» 5/ 196 - 199.

معصومٍ، ولا مؤيد بالوحي، أفيؤكد الله تعالى على طاعته بطاعة خلقٍ من خلقه فيهم الفاسد والفاسق، والجاهل والغافل، ومن فيه صفاتٌ سوأى قد لا يعُدُّها عادّ؟ وهنا نتابعُ توجيه أسئلتنا: فإن لم يكن ما يُطاعُ رسول الله هو نفس ما يُطاع الله فيه؛ لزم أن يكون الذي سيُطاع فيه الرسول صلى الله عليه وسلم غير ما يُطاعُ الله به مما أمرَ به ونصّ عليه في القرآن؟ فإن كان الأمر كذلك فما هو هذا الذي سيُطاعُ النبيُّ به مما ليس في القرآن الكريم منصوصاً عليه؟ أليس هو شيئاً زائداً على القرآن؟ فإن اتفقنا (¬1) على أنّ ما يُطاعُ فيه النبيُّ غير ما هو منصوصٌ عليه في القرآن، فإنّ هذا الشيء هو إما خاصٌّ بزمنه صلى الله عليه وسلم أو هو غير خاصّ. فإن قالوا: هو خاصٌّ بزمنه. قلنا: ما الدليلُ من القرآن على ذلك؟ وإن العقولَ تتفقُ على أن العاقلَ حين يتكلم بكلامٍ عامٍّ يُريدُ أن يخُصَّهُ بشيءٍ أو أحدٍ يجعل في هذا الكلام ما يدلّ على مُراده تصريحاً أو تلميحاً. وإذ لم يُوجد في القرآن ما يدلُّ على أنّ هذا الذي يجب أن يُطاع به النبيُّ ـ مما هو ليس منصوصاً عليه في القرآن ـ خاصٌّ بأهل زمانه؛ لزم أن يكون موجَّهاً إلى كلِّ مسلمٍ أنى كان. فإن كان كذلك، فإنّ هذه الأوامرَ النبويةَ لازمةَ الطاعة هي إما موجودةٌ محفوظةٌ، أو هي ضائعة. فإن كابر القرآنيون وادَّعَوا أنها ضائعة قلنا لهم: هذا يعني أنّ شيئاً مما أمر الله به في القرآن ـ وهو طاعة النبي ـ قد ضاعَ، وهذا يتناقضُ مع مفهوم عصمة القرآن من الضياع، وهذه العصمة تشمل حروفه وكلماتِه، وتشمل معانيه ومراداتِه. بل ولَلَزِم أن يأمرَ الله بما لا يُستطاع، وبما لا يُطاق ولا يقدر المرء عليه، وهذا يتعارضُ مع ما في صريح القرآن من قوله تعالى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [سورة البقرة 2: الآية 286]. ¬

_ (¬1) ولا أظننا إلا يمنعنا الإمعان في الغيّ من الاتفاق.

وقوله: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آَتَاهَا} [سورة الطلاق 65: الآية 7]. وهذا يقودُ إلى أنّ ما أمر الله به محفوظٌ موجود، وهنا نُطالبُهم بالإفراج عنْه، والإفصاح عما له من كُنْه. أما نحن فنقول: إنه السنة التي فيها أمره صلى الله عليه وسلم ونهيه لكلّ مسلمٍ. فإن قالوا: إنكم تزعمون أن السنة محفوظةٌ كحفظ القرآن! أجبنا ـ بملء الفم ـ: أجل هي كذلك! فإن قالوا: إنكم يا أيها المؤمنون بالسنة ـ تقولون: السنة متواترةٌ وآحاد، بل إن أكثرَ السنة آحادٌ، بل إنكم لم تتفقوا على حدّ التواتُر، ولا على عدد الأحاديث المتواترة، بل إنكم مختلفون حول الكثير والكثير من الأحاديث: أهي صحيحةٌ أم غير صحيحة، يُضعّفها بعضُ محدثيكم وعلمائكم ويصححها غيرُهم ... فكيف تزعمون حفظ السنة؟ أما الجواب على ذلك فسهلٌ بحمد الله وهو: أما أن تكون السنة محفوظةً؛ فبالدليل من القرآن والعقل الذي يُثبِتُ وجودَ شيءٍ غيرِ المنصوص عليه في آيات القرآن من أوامرِ الله قد أُمِرت الأمة كلُّها أن تُطيعَ النبيّ صلى الله عليه وسلم به، وهذا الشيء هو السنة بمفهومها الكلّي جملةً، لا أبعاضاً وأفراداً. وإنّ الثابت المتواتر المنقول بجميع وسائل النقل هو لزومُ متابعة النبيِّ صلى الله عليه وسلم، ووجوب طاعته فيما يأمر به وينهى عنه، فمن اعتقد ذلك فهو المسلم حقّاً، والمؤمن صدقاً. وأّما التفريعات الجزئيةُ فلا يضرُّ الاختلافُ فيها، ثم إنّ هذه الاختلافات لا تصلُ ـ ولم تصِلْ ـ إلى حدٍّ يؤثِّرُ على العقائد والعبادات تأثيراً في أسِّها وأصلها. فإن الاختلافَ في كون البسملة من الفاتحةِ أو ليست منها، وقول الشافعية بلزوم قراءتها كي تصحّ الصلاة؛ لأنها جزءٌ من ركنٍ من أركان الصلاة إذا فسد هذا الركن فسدت الصلاةُ؛ لا يجعل الحكمَ على صلاة من لا يعتقدُ جزئية البسملة في الفاتحة هو بطلانُ صلاته؛ لأن صلاته صحيحة بالنسبةِ إلى اعتقاده لا إلى اعتقاد مخالفِه.

ولذلك قرّر الفقهاءُ أنّ المخالفَ صلاتُهُ صحيحةٌ، ولا عبرةَ بأقوالِ بعضِ المتأخرين المتنطّعين الذين خرجوا على مناهجِ أئمتهم وأعلام مدارسهم الفكرية والفقهية. فالراسخون من أهل العلم كانوا يقولون: مذهبي صواب يحتمل الخطأ ومذهب غيري خطأٌ يحتمل الصواب (¬1). وصحّ كثيرٍ من الأئمة القول: إذا صحّ الحديثُ فهو مذهبي (¬2). والمدوّن في كتب المذاهب صحةُ الصلاةِ خلف المخالف، وحتى من قال بكراهة الصلاة خلفَ المخالف، فإنّ قوله بالكراهةِ لا يُفيد بأيِّةِ حالٍ عدمَ صحة الصلاة، أو عدم صحةِ صلاةِ من ستُصلّى خلفَه. وبهذا المثال العميق على اختلافٍ في شيءٍ أساسيٍّ هو جزءٌ من ركنٍ من الصلاة نُمثِّلُ على أنّ الاختلافَ حول تصحيح حديثٍ أو تضعيفِه لا يُؤثِّرُ على الاتفاقِ الواقع على أصل متابعة رسول الله صلى الله عليه وسلم وطاعته في ما أمر ونهى. ¬

_ (¬1) جاء في «الفتاوى الكبرى الفقهية» لابن حجر الهيتمي 4/ 313: وسئل رحمه الله تعالى بما صورته ذكر الإمام النسفي الحنفي في المصفى أنه يجب علينا إذا سئلنا عن مذهبنا ومذهب مخالفنا في الفروع أن نجيب بأن مذهبنا صواب يحتمل الخطأ ومذهب مخالفنا خطأ يحتمل الصواب أي بناء على أن المصيب في الفروع واحد وغيره مخطئ مأجور، فهل صرح أصحابنا بمثل ذلك ... السؤالَ. فأجاب نفعنا الله تعالى به بقوله: نعم صرح أصحابنا بما يفهم ذلك لا بقيد الوجوب الذي ذكره. ففي العدة لابن الصباغ: كان أبو إسحاق المروزي وأبو علي الطبري يقولان: إن مذهب الشافعي رضي الله تعالى عنه وأصحابه أن الحق في واحد إلا أن المجتهد لا يعلم أنه مصيب وإنما يظن ذلك اهـ وإذا كان المجتهد لا يعلم الإصابة وإنما يظنها فمقلده أولى ومعلوم أن الظن يقابله الوهم وهو احتمال الخطإ فنتج أن المجتهد يظن إصابته ويجوز خطؤه وأن مقلده كذلك وحينئذ يلزم ما ذكر عن النسفي ... (¬2) قال ابن عابدين في من «حاشيته» 1/ 167: «مطلب صحّ عن الإمام أنه قال: إذا صح الحديث فهو مذهبي». وذكرَ تحته أنه قد حكى ذلك ابنُ عبد البر عن أبي حنيفة وغيره من الأئمة، وأنه نقله أيضاً الإمام الشعراني عن الأئمة الأربعة. وكرّرَ مثل ذلك في موضعٍ آخرَ من «حاشيته» 2/ 50.

المطلب الثالث: الحكمة

وتأكيداً نقول: إنه لم يَرِد في كتب الفقه أنّ أحداً ـ ممن يُعبَأُ بقوله من الأعلام ـ رمى مخالفاً بتركِ السنة أو الإعراضِ عن هدي النبيِّ صلى الله عليه وسلم إن خالفه في إثباتِ دليلٍ على مسألةٍ ما أو نفيها. وإنّ هيكلَ الإسلام جملةً (عقائدَ وفرائضَ وأمهات فضائل وأساسيات معاملات) لا خلافَ مؤثِّراً فيه بين المسلمين حتى لو كانوا من غير أهل السنة كالشيعة (¬1) والخوارج والمعتزلة، ونحوِهم. فالغريب عن الإسلام الذي لا يعرف عنه شيئاً إذا خالطهم واطلع على عباداتهم ومعاملاتهم وآدابهم وجدهم متفقين في الجملة، مختلفين في تفريعات ثانوية؛ تماماً كالإخوة الأشقاء يجمعهم شبهٌ كبيرٌ في ملامحهم، ولا يضرُّ نسبَهم شيءٌ من اختلافِ واحدٍ منهم عن الآخر. المطلب الثالث: الحكمة: في القرآن الكريم ذكرٌ لِشيء آخر أوحى به الله إلى أنبيائه الكرام صلوات الله عليهم ومنهم محمد صلى الله عليه وسلم غير الآيات، وغير الكتاب، وغير القرآن. فقد قال تعالى بشأنِ سيدنا عيسى عليه السلام: {وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ} [سورة آل عمران 3: الآية 48]. وقال: {وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ} [سورة المائدة 5: الآية 110]. وقال في حقِّ آل إبراهيم: {فَقَدْ آَتَيْنَا آَلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآَتَيْنَاهُمْ مُلْكاً عَظِيماً} [سورة النساء 4: الآية 54]. ¬

_ (¬1) ومما يشهد لهذا شهادةً قوية أنّ قائمةَ كتبِ الشيخ جعفر السبحاني (من تلامذة الخميني ومن المراجع الشيعية الكبرى) وتحقيقاتِه، وكتبِ مؤسستِه التي يُشرف عليها تبلغُ 137 عنواناً منها 15 عنواناً فيها ذكرُ «السنة». يُنظَر: (www.imamsadeq.org/html/book/index.html)

والذي يعنينا أكثرَ وحوله الكلام، وعنده الوقوف ما قاله تبارك وتعالى في حقّ نبيِّنا محمدٍ صلى الله عليه وسلم من آياتٍ. أولهُ هذه الآيات ما حكاه من دعوة أبينا إبراهيم عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام: {رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [سورة البقرة 2: الآية 129]. وقال يمتنّ على أمته: {كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولاً مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آَيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ [سورة البقرة 2: الآية 151]. وقال: {وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [سورة البقرة 2: الآية 231]. وقال: {لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} [سورة آل عمران 3: الآية 164]. وقال: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} [سورة الجمعة 62: الآية 2]. وقال يمتنّ عليه: {وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً} [سورة النساء 4: الآية 113]. وقال يخاطب أزواجه رضي الله عنهنّ: {وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آَيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفاً خَبِيراً} [سورة الأحزاب 33: الآية 34].

المطلب الرابع: التاريخ

إنّ المتدبّر في هذه الآيات يجدُ أنّ كلمة «الحكمة» وردت فيها معطوفةً على كلمة «الكتاب» (¬1)، وهذا يدل على أنها غيره؛ إذ ليس في اللغة الفصيحةِ عطفُ الشيء على نفسه (¬2). إذنْ؛ الله أوحى إلى الأمة شيئاً آخرَ يمتنّ به على المؤمنين، فما هو؟ وهل هو محفوظٌ بحفظِ الله أم مُضيَّع؟ فإن حُفِظَ فما هو؟ وإن ضُيِّعَ فلمَ أوحيَ به؟ وكيف يصحُّ الامتنانُ الإلهي به؟ وهل من دليلٍ على الامتنان الرباني به لزمن النبوة فحسب؟ وهل ضياعُهُ بأمرِ الله أم بقدرِه؟ وما الدليل على أيٍّ من الاحتمالين؟ كلّ هذه الأسئلة وسواها لدينا ـ معاشر المصدّقين بالسنة النبوية ـ أجوبةٌ واضحةٌ صريحةٌ مستدلّةٌ بالمنقول والمعقول عليها، ونحن ننتظر إجابة القرآنيين! المطلب الرابع: التاريخ: يؤكد القرآنيون على رفضِهم للسنة النبوية، ولكنهم ما أكثر ما يذكرون زيداً وعمراً من الصحابة والتابعين، وخلفاء المسلمين وأمرائهم، ويوردون أحداثاً وقعَت في التاريخ التليد (¬3)، وهنا نسأل: ¬

_ (¬1) إلا الآية الأخيرة فالحكمة معطوفةٌ على «آيات الله». (¬2) نقل البغدادي في «خزانة الأدب» 5/ 108 عن شرح الحماسة لابن جني: والشيء لا يعطف على نفسه من حيث كان العطف نظير التثنية في المعنى. وصرّح بهذه القاعدة المرزوقي في «شرح ديوان الحماسة» 1/ 148. (¬3) أذكُرُ على سبيل المثال: «موقع أهل القرآن»: مقال «أبو بكر الصديق ماذا تبقى منه في الفقه السني» لأحمد صبحي منصور. (www.ahl-alquran.com/arabic/show_article.php? main_id=18) «موقع أهل القرآن»: مقال «المسكوت عنه في سيرة عمر بن الخطاب في الفكر السني» لأحمد صبحي منصور. (www.ahl-alquran.com/arabic/show_article.php? main_id=51). «موقع أهل القرآن»: مقال «أبو هريرة والكلاب» لأحمد صبحي منصور. (www.ahl-alquran.com/arabic/show_article.php? main_id=62). «موقع أهل القرآن»: مقال «علوم القرآن التي تطعن في القرآن» لأحمد صبحي منصور. (/ www.ahl-alquran.com/arabic/show_article.php? main_id=1043).

كيف يستقيم رفض السنة والتصديق بالتاريخ، ووقائعه وأشخاصه؟ هل ورد اسم أبي بكر أو عمر أو عليٍّ أو غيرهم من الصحابة الكرام في القرآن؟ إنه لم يرد في القرآن إلا اسم زيد، ومن زيدٌ هذا، وما الذي كان سيُعرّفنا به لولا الأخبار الواردة في السنة، وروايات التاريخ؟ ناهيك عن السلف الصالح واحداً واحداً، بلهَ من بعدَهُم من الأعلام! فيا أيها القرآنيون: كيف تقبلون التاريخ؟ وما هي قواعد الاعتبار وعدمه لديكم؟ إذا ادعيتُم القبول بالتواتر على طريقتكم بِنقلِ الجيل بعد الجيل، فإنّنا قد نُسلم جدلاً بأن هناك واحداً اسمه أبو بكر الصديق، ولكن هيهاتَ أن يكون شيءٌ متواتراً ـ بحسب مذهبكم ـ من سيرة المدّعو أبي بكر، أو المدعوّ عمر بن الخطاب، أو غيرِهما أيّاً كان، وأياً كان زمنه؟ فكيف تستشهدون علينا بشيءٍ من التاريخ؟ ثم إن ردّكم مرويّات السنة الشريفةِ التي نُقِلَت بقوانينَ صارمةٍ أشدّ الصرامة، دقيقة أكبر الدقة، محتاطةٍ أعظم الاحتياط، يستلزمُ منكم أن تردوا من باب أولى مرويات التاريخ التي رُويَ جُلُّها دون أسانيدَ من الأساس، أو رُويت بأسانيدَ واهيةٍ (¬1). ثمّ إن لنا أن نسأل: غيرُنا وغيرُكم من والفرق والطوائف: أليس لديهم تواترٌ عن أشياءَ وأشخاص يؤكد القرآن بطلانها؛ كقضية صلب المسيح التي أجمع عليها السواد الأعظم من النصارى. أوليس ثمةَ تواترٌ لليهود على زنا نبي الله داود بامرأة أوريا، وزنا لوطٍ بابنتيه تبعاً لِما في توراتهم. ¬

_ (¬1) يُنظرَ: «منهج التعامل مع الروايات التاريخية» للعبد الضعيف كاتب هذه السطور، الذي قدّم به بين يدي «إتمام الوفاء في سيرة الخلفاء» ـ يسّر له طباعته! ـ للشيخ محمد الخضري بك رحمه الله ص 11 - 43.

أوليس لدى الشيعة تواتر على ولاية عليٍّ رضي الله عنه، بل لدى بعضِهم تواترٌ على سورٍ من القرآن غير التي بين أيدينا. فهل لأولئكَ أن يقولوا: هذا القرآن قرآنُكُم أنتم وحدَكُم! فكيف تردُّون عليهم؟ ثمّ كيف يستقيم لكم تكذيب كتب السنة، والطعن فيها وبأصحابِها، وتصديق كتب التاريخِ والرواية عنها، والطائفتان من الكتب لذوات المؤلفين: فعلى سبيل التمثيل: هذا هو الإمام أبو جعفر الطبري (¬1) له «تفسيره»، و «تاريخه»، و «تهذيب الآثار». والحافظُ ابن كثير الدمشقيّ (¬2) له «تفسيره»، و «تاريخه»، و «جامع المسانيد والسنن الهادي لأقوم سنن». وعدوكم الأول الإمام البخاري له «صحيحه» وتواريخه: «الأكبر» و «الوسط» و «الأصغر» (¬3). وكذلك ابن سعد (¬4) له «الطبقات الكبرى» وهو مليءٌ ـ إضافةً إلى الأحداث والأخبار التاريخية والتراجم ـ بالأحاديث المسندة .... فما هذا التناقُضُ الشنيع، والتخبُّط المُريع؟ أم هو الحقدُ الأعمى، والوتر الأعشى، غشّى الأبصار والبصائر معاً؟ ¬

_ (¬1) محمد بن جرير بن يزيد الطبري، إمام المفسرين، وإمام المؤرخين، الحافظ الفقيه المجتهد. «تفسيره» و «تاريخه» عمدتا المفسرين والمؤخين؛ لقدمِهما وروايتهما بالإسناد. توفي سنة (310 هـ). يُنظر لترجمته: «الوافي بالوفيات» 2/ 212 - 214 الترجمة (722). (¬2) إسماعيل بن عمر بن كثير الدمشقي، أبو الفداء، عماد الدين الحافظ المؤرخ الفقيه الشافعيّ. من أشهر كتبه «البداية والنهاية»، و «تفسير القرآن العظيم». توفي سنة (774 هـ). (¬3) وهي كتب تراجم اكثر من كونها كتباً تسرد أحداثاُ تاريخية، وإن كانت لا تخلو من قدرٍ منها. (¬4) محمد بن سعد بن منيع الزهري، أبو عبد الله: مؤرخ حافظ محدث ثقة. صحب الواقديَّ، وكتب له وروى عنه؛ فعرف بكاتب الواقدي. له «الطبقات الكبير». توفي سنة (230 هـ). يُنظر لترجمته: «الوافي بالوفيات» 3/ 75 الترجمة (1011).

المطلب الخامس: من الكاذب؟

المطلب الخامس: من الكاذب؟ يقول القرآنيون أحياناً: إنّ المرئيّ أنّكم بوصفكم جماعةً لا تتفقون على رأيٍ واحدٍ بالنسبة للسنة المطهّرة، فمنكم من يقول: السنة كلها كذبٌ مئة بالمئة، والصحيح منها صفر بالمئة (¬1). السنة أكثرها كذب وما وافق القرآن قُبل (¬2). فأيّ القولين معتمدُكم؟ أم إنّ كلاًّ يأخذ برأيه وهواه، وما يعجبه واشتهاه؟ وهنا لنا أن نسأل من يقبل بعضَ الأحاديث: هذا الذي وافق القرآنَ من أحاديثَ تردُّونَها جاء عبر أناسٍ مُحدّدين عُدولٍ ثقاتٍ ضابطين لدينا (الإسناد الصحيح). ¬

_ (¬1) كما نُقِلَ عن زعيمهم أحمد صبحي منصور في لقاء على قناة الحرة الأمريكية. ولم أستطِعْ الوصول إلى نصّ هذه المقابلة، أو إلى تسجيلٍ لها، إلا أنّ المعلومةَ التي أنقلُها هي على ذمة «موقع الأستاذ الداعية مصطفى حسني»: الشكاوي والاقتراحات: أرشيف المنتدى. (forum.mustafahosny.com/showthread.php). ويعضُدُها أنه من شروط النشر التي وضعها زعيمهم في موقعهم المعتمد ما يلي: 1 - «موقع أهل القرآن تم إنشاؤه خصيصاً من اجل هدف واحد، وهو توحيد كلمة كل من يؤمن بالقرآن الكريم كمصدر «أوحد» لتعاليم الإسلام وتوجيهاته وتفسير تشريعاته ومنهاجه، ومن ثم فلن يسمح الموقع لمن يتخذ من ما يطلق عليه «الحديث النبوي» أو «السنة النبوية» وسيلةً أو مرجعاً لإثبات وجهة نظر معينه أو تفسير آيات القرآن الكريم. وفيه: 6 ـ عدم التقوُّل على الله تعالى أو على رسوله بما يعرف بالحديث القدسي أو الحديث النبوي. وفي نفس الصفحة هناك ما سموه منهج أهل القرآن، وفيه: «موقع أهل القرآن» يفتح أبوابه لكل فكر حر بشرط ألاّ يسند الكاتب حديثا لخاتم النبيين محمد عليه السلام عبر ما يعرف بالسنة، أو أن ينسب قولا لله تعالى خارج القرآن عبر الأكذوبة المسماة بالحديث القدسي. إلى أن قال: الموقع البسيط قد يكون الوحيد الذي ينصر الله تعالى ورسوله وينفى الأكاذيب المسماة بالحديث النبوي والحديث القدسي. (www.ahl-alquran.com/arabic/terms.php#terms.php) (¬2) كما في مقالات متفرقة لبعضِ المنتمين إلى جماعة القرآنيين.

فإن كانوا كذّابين بزعمكم افتَرَوا أحاديثَ أخرى فلا قيمة لحديثهم! وكيف تقبلون بعضَ أحاديثهم؟ فإن قلتم: لموافقتها القرآن. أجبنا: أنتم تكتفون بالقرآن، وما القيمةُ التي في هي لهذه الأحاديث حتى تُقبل؟ إنها إن كانت مجرد نسخةٍ عمّا في القرآن فلا قيمةَ لها، خصوصاً وأنكم تُكذِّبون رواتها أصلاً؛ إذ لا قيمةَ لشيءٍ لا قيمةَ ذاتيةً فيه. وإن قلتُم: نقبلها لسببٍ آخرَ! فما هو؟ وما هي شروطه؟ وما هي ضوابطه؟ وإنَّ ثمةَ أحاديث قد توافق القرآن نرُدّها ـ نحنُ أتباعَ السنّة النبوية ـ بشروط علم الجرح والتعديل، فهل تقبلونها؟ . فإن قلتم: نعم (¬1). قلنا لكم: قد يكون رواتها كذّابين وضّاعين؛ بدليلين: 1. أنه قد رُويت عنهم أحاديثُ مخالفةٌ للقرآن والتاريخ والعقل والعلم البشري. 2. شهادةُ المحدثين الأعلام، والمؤرّخين العظام، الجارحةُ لهم، والطاعنةُ فيهم (¬2). ¬

_ (¬1) كما قبل المدعو علي عبد الجواد حديث الترمذي «ألا إنها ستكون فتنة». يُنظَر ما سلف ص. (¬2) إن قال القرآنيون: نحن لا نعبأ بجرح هؤلاء المحدثين؛ لأنهم غير موثوقين لدينا. قلنا لهم: أهُم أوثقُ وهم الكثرةُ الكاثرةُ أم أولئكمُ الأفراد النكرات؟ ثم إنكم إن ساويتُم الجارحين والمجروحين بطعنكم فيهم؛ فإنه ليس لديكم دليلٌ على هذه المساواة إلا روايتٌهم ما يخالف القرآن والعقل بزعمكم. وأما نحن فإن لدينا توثيق الكم الهائل والجم الغفير من العلماءِ (بالعشرات بل بالمئات أحياناً) لأعلام العلماء الذين نعتمد عليهم في الجرح والتعديل بل إنّ التواتر بنقل الجيل عن الجيل لتوثيقهم قد حصل لهم كالأئمة الأربعة، والسفيانين وغيرهم. فإن رددتُم هذا التواترُ قلنا: كيف تردون ما جاء به الميزانُ الذي قبلتُم القرآن بسببه، ألا وهو نقلُ الجيل عن الجيل؟

وإن قلتم: لا. قلنا: كيف تردون ما يوافق القرآن؟ ثم قولوا لنا ـ أيها القرآنيون ـ من الكاذب بالتحديد إذ تردّون أحاديث يرويها البخاري مثلاً، وتُقيمون عليه القيامة، وتشددون عليه النكير، وتتهمونه أفظع الاتهامات. وسأكتفي في هذا المقام بمثالٍ واحد: إنّ المدعو علي عبد الجواد يزعم أنه لا يُنكر السنةَ ولكنه يُنكِرُ أشياءَ عدّدَ منها ثم قال: «وأستطيع سردَ مئات من تلك الروايات التي لا تتوافق مع القرءان والتي أرفضها، فهل أنا منكر لسنة النبي محمد (¬1) أم منكر لروايات الراوي المشكوك فيه» (¬2). وأنا سأختار من مقاله نفسِهِ مثالاً هو «أن رسول الله (¬3) كان يطوفُ على نسائه التسعة في الليلة الواحدة». فهل ستتهمون كلّ من روى هذا الحديث بالكذب، وقد ثبَتَ من رواياتِ عددٍ من الصحابةِ بأسانيدَ يصعُبُ حصرُها (¬4)، فمن الكاذب تحديداً؟ ¬

_ (¬1) كذا. (¬2) «موقع أهل القرآن»: مقال «أنا قرآني لا أُنكر السنة» تاريخ نشره 21/ 6/2007. (www.ahl-alquran.com/arabic/show_article.php? main_id=2010) (¬3) كذا. (¬4) هذا الحديثُ ـ وليعلم هذا القرآنيُّ وأضرابُه ـ أنه قد: 1. ... أخرجه البخاري في «صحيحه» برقم (267) عن محمد بن بشار قال: حدثنا ابن أبي عدي ويحيى بن سعيد عن شعبة عن إبراهيم بن محمد بن المنتشر، عن أبيه، عن عائشة. 2. ... وأخرجه البخاري في «صحيحه» برقم (268) محمد بن بشار قال: حدثنا معاذ بن هشام قال: حدثني أبي، عن قتادة قال: حدثنا أنس بن مالك. 3. ... وأخرجه البخاري في «صحيحه» برقم (284) و (5068) حدثنا عبد الأعلى بن حماد قال: حدثنا يزيد بن زريع قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، عن أنس. 4. ... وأخرجه البخاري في «صحيحه» برقم (5215) عن مسدد، حدثنا يزيد بن زريع، حدثنا سعيد، عن قتادة، عن أنس. 5. ... وأخرجه مسلم في «صحيحه» برقم (708) عن الحسن بن أحمد بن أبي شعيب الحراني، حدثنا مسكين ـ يعني: ابن بكير الحذّاء ـ عن شعبة، عن هشام بن زيد، عن أنس. 6. ... وأخرجه مسلم في «صحيحه» برقم (2843) عن يحيى بن حبيب الحارثي حدثنا خالد ـ يعني: ابن الحارث ـ حدثنا شعبة، عن إبراهيم بن محمد بن المنتشر قال: سمعت أبي يحدث عن عائشة. 7. ... وقد أخرجه أحمد في «مسنده» برقم (11946) عن هشيم، عن حميد، عن أنس. وأخرجه بهذا الإسناد (عن هشيم) ـ كما ذكر محققو «المسند» ـ ابن أبي شيبة 1/ 147، وأبو يعلى (3718)، والطحاوي في «شرح معاني الآثار» 1/ 129، وأبو الشيخ في «أخلاق النبي» ص 239، وابن حبان [في «صحيحه»] (1207). 8. ... وأخرجه أحمد في «المسند» برقم (12097) عن سفيان، حدثني معمر، عن ثابت، عن أنس. وأخرجه بهذا الإسناد (عن سفيان) ـ كما ذكر محققو «المسند» ـ النسائي في «الكبرى» (9037)، وابن خزيمة (229). وقالوا: «وأخرجه أبو نعيم في الحلية 7/ 232 من طريق سفيان، عن مسعر بن كدام، عن ثابت به». [ويُنظر بقية كلامه]. 9. ... وأخرجه أحمد في «المسند» برقم (12632) عن أبي كامل، حدثنا حماد، عن ثابت، عن أنس. وأخرجه عبد بن حميد (1263) (1325)، والدارمي (753) من طرق عن حماد بن سلمة بهذا الإسناد؛ كما ذكر محققو «المسند». 10. ... وأخرجه أحمد في «المسند» برقم (12640) عن عبد الرزاق، عن معمر، عن قتادة، عن أنس. وقد قال محققو «المسند»: «وهو في «مصنف عبد الرزاق» (17133). وأخرجه بأطول مما هنا النسائي 7/ 95 من طريق محمد بن بشر، عن سفيان بهذا الإسناد. وأخرجه مطوّلاً أيضاً عبد الرزاق (17132)، والبخاري (233) و (3018) و (6804) و (6805)، وأبو داود (4364) و (4365)، والطحاوي في «شرح مشكل الآثار» (1813)، وابن حبان (4468) و (4469) من طرق عن أيوب به». 11. ... وأخرجه أحمد في «المسند» برقم (12701) عن عبد العزيز بن عبد الصمد العمي، حدثنا سعيد، عن قتادة، عن أنس. وأخرجه بهذا الإسناد (عن عبد العزيز) ـ كما ذكر محققو «المسند» ـ أبو يعلى (3175). قالوا: «وأخرجه البخاري (284) و (5215)، والنسائي 6/ 53 - 54، وابن حبان (1209)، والبيهقي [في الكبرى] 7/ 54 من طريق يزيد بن زريع، عن سعيد به. وزاد: وله يومئذ تسع نسوة». 12. ... وأخرجه أحمد في «المسند» برقم (12925) عن عبد الرحمن بن مهدي، عن سفيان، عن معمر، عن قتادة عن أنس. قال «محققو المسند»: «أخرجه ابن ماجه (588)، والنسائي في «الكبرى» (9036)، وأبو يعلى (3129) من طريق عبد الرحمن بن مهدي بهذا الإسناد. وأخرجه ابن ماجه (588)، والترمذي (140)، وأبو يعلى (2942)، والطحاوي في «شرح معاني الآثار» 1/ 129، والعقيلي في «الضعفاء» 4/ 454، من طرق عن سفيان به». 13. ... وأخرجه أحمد في «المسند» برقم (12926) عن عبد الرحمن، حدثنا حماد بن سلمة، عن ثابت، عن أنس. قال محققو «المسند»: «أخرجه عبد بن حميد (1263) و (1325)، والدارمي (753) و (754)، والطحاوي في «شرح معاني الآثار» 1/ 129، من طرق عن حماد بن سلمة بهذا الإسناد». 14. ... وأخرجه أحمد في «المسند» برقم (12967) حدثنا إسماعيل، حدثنا حميد، عن أنس. قال محققو «المسند»: «أخرجه ابن أبي شيبة 1/ 147، وأبو داود (218)، والنسائي 1/ 143، وأبو عوانة 1/ 280، وأبو يعلى (3719) و (3886)، وابن حبان (1206)، والبيهقي 1/ 204 من طريق إسماعيل ابن علية بهذا الإسناد». 15. ... وأخرجه أحمد في «المسند» برقم (13355) عن حيوة بن شريح، حدثنا بقية، حدثنا شعبة، عن هشام بن زيد، عن أنس. قال محققو «المسند»: «أخرجه الطحاوي 1/ 129 من طريق حيوة بن شريح بهذا الإسناد. وأخرجه أبو عوانة 1/ 28 [كذا ولعله 1/ 280]، وأبو الشيخ في «أخلاق النبي» ص 232 من طرق عن بقية ابن الوليد، به. وأخرجه مسلم (309) (28)، وأبو عوانة 1/ 280، والطبراني في «الأوسط» (1109)، والبيهقي 1/ 204، والبغوي (269) من طريق مسكين بن بكير، عن شعبة، به». 16. ... وأخرجه أحمد في «المسند» برقم (13648) عفان، حدثنا حماد قال: أخبرني ثابت، عن أنس. قال محققو «المسند»: «أخرجه الدارمي (754) من طريق عفان بهذا الإسناد». 17. ... وأخرجه أحمد في «المسند» برقم (14109) [من زيادات عبد الله] حدثنا علي بن عبد الله، حدثنا معاذ بن هشام قال: حدثني أبي، عن قتادة، ثنا أنس. قال محققو «المسند»: «أخرجه البخاري (268)، وأبو يعلى (2941) و (3176) و (3203)، والنسائي في «الكبرى» (9033)، وابن خزيمة (231)، وابن حبان (1208)، وأبو الشيخ في «أخلاق النبي» ص 232، والإسماعيلي كما في «الفتح» 1/ 378، والبيهقي 7/ 54، والبغوي (270)، من طرق عن معاذ بن هشام، بهذا الإسناد». 18. ... وأخرجه أحمد في «المسند» برقم (23862) عن عفان، حدثنا حماد، أنبأنا عبد الرحمن بن أبي رافع، عن عمته سلمى، عن أبي رافع. قال محققو «المسند»: «إسناده ضعيفٌ على نكارةٍ في متنه» [أي: متن هذه الرواية بالذات لا أصل الحديث]. ثم ذكروا مخارجه فقالوا: «أخرجه المزي في ترجمة عبد الرحمن بن أبي رافع من تهذيب الكمال» 17/ 86 - 87 من طريق الحارث بن أبي أسامة، عن عفان بن مسلم، بهذا الإسناد. وأخرجه أبو داود (219)، وابن ماجه (590)، وابن أبي عاصم في «الآحاد والمثاني»، والنسائي في «الكبرى» (9035)، والطحاوي في «شرح معاني الآثار» 1/ 129، والطبراني في «الكبير» (973)، والبيهقي في «السنن» 1/ 204 و 7/ 192، وابن الأثير في «أسد الغابة» 7/ 53 من طرق عن حماد بن سلمة به. قال أبو داود: وحديث أنس أصح من هذا.». 19. ... وأخرجه الإمام أحمد في «المسند» برقم (23870) عن عبد الرحمن وأبو كامل قالا: حدثنا حماد بن سلمة، عن عبد الرحمن ابن عبد الله بن أبي رافع، عن عمته، عن أبي رافع. 20. ... وأخرجه أحمد في «المسند» برقم (27187) عن يزيد، أخبرنا حماد بن سلمة، عن عبد الرحمن، عن عمته، عن أبي رافع. قال محققو «المسند»: «أخرجه ابن أبي شيبة 1/ 147 عن يزيد بن هارون بهذا الإسناد». 21. ... «وأخرجه أحمد في «المسند» برقم (25421) عن محمد بن جعفر، حدثنا شعبة، عن إبراهيم بن محمد بن المنتشر، عن أبيه، عن عائشة. قال «محققو المسند»: أخرجه بتمامه ومختصراً البخاري (267)، ومسلم (1192) (48)، والنسائي في «المجتبى» 1/ 209 و 5/ 141، و «الكبرى» (3684)، وابن خزيمة (2588)، وابن عبد البر في «التمهيد» 19/ 308، من طرقٍ عن شعبةَ بهذا الإسناد. وأخرجه الحميدي (216)، وابن راهويه (1627) و (1628)، والبخاري (270)، ومسلم (1192) (47) و (49)، والنسائي في «المجتبى» 1/ 203، و «الكبرى» (3685)، ووالطحاوي في «شرح معاني الآثار» 2/ 132، والطبراني في «الأوسط» (239)، وأبو نعيم في «الحلية» 7/ 228، والبيهقي في «السنن» 5/ 35، و «معرفة السنن والآثار» (9490)، وابن عبدالبر في «التمهيد» 19/ 308 من طرقٍ عن إبراهيم به».

أهم الصحابة الذين روَوها؟ (¬1)، أم التابعون؟ (¬2)، أم من بعدهم في كلّ طبقة من طبقاتِ الأسانيد؟ ! ! أم هم مُخرّجو هذه الأحاديث من الحفّاظ؟ (¬3). ¬

_ (¬1) وهم ثلاثةٌ: صحّت الرواية عندَنا عن اثنين: أنسٍ وعائشة رضي الله عنهما، ولم تصحَّ بذاتِها عن أبي رافع. (¬2) وهم ستّةٌ: قتادة، وهشام بن زيد، وحميد، وثابتٌ عن أنس. وأختُ أبي رافعٍ عنه، وإبراهيم بن المنتشر عن عائشة. (¬3) وهم ـ إن لم أكن مخطئاً في العدّ ـ تسعةٌ وعشرون من أكابر الحُفّاظ، وهم: أصحاب الكتب الستة، والإمام أحمد، وعبد الرزاق، وابن أبي شيبة، والطحاوي، وابن راهويه، والطبراني، والبيهقي، وابن خزيمة، وابن حبان، والدارمي، وأبو نعيم، وأبو الشيخ، وابن عبد البر، والحميدي، وابن أبي عاصم، وأبو يعلى، وعبد بن حميد، وأبو عوانة، والبغوي، والإسماعيلي، والمزّي، وابن الأثير، والعقيلي.

إنكم تسخرون من المسلمين الذين يتحدثون عن «نظرية المؤامرة» ضدّ الإسلام والأمة المسلمة (¬1)، فإن لم تُحدّدوا من تتهمون بعينِه، وتُقيمون الدليل على ذلك غير دليل «هذا لا يُوافق العقل»، وأنتم لا تريدون إلا عقولكم المريضة بهوى «بُغض السُّنّة» التي تقف أمام حياةٍ تَحول بينَكم وبين ما تستحلّون من المحرّمات بفتاواكم المشبوهة (¬2). أقول: إنكم إن لم تُقيموا الأدلة المعتبَرة على تكذيبِ مُتَّهمٍ بعينِه؛ فهل أنتم ترَونَها «مؤامرةً» من كلّ تلكم الطبقات من الرواة؟ أيها الذين تُنكرون السُّنَة: الجوابُ لديكم. ¬

_ (¬1) يقول أحمد صبحي منصور عن الرئيس المصري حسني مبارك: «وحتى يتفادى صيحات الغضب فقد قام بتوجيهها إلى أمريكا وإسرائيل عبر ثقافة المؤامرة التي تفسر كل الفشل والفساد في ضوء تآمر الغرب على المسلمين، تلك النظرية التي شارك في تدعيمها المتطرفون واليساريون والقوميون، مما نتج عنها انعدام الدعوة الايجابية للإصلاح طالما أن العيب ليس فينا بل يأتي من الخارج حيث لا نستطيع مواجهته إلا بالعمليات الانتحارية الانتقامية». «موقع أهل القرآن»: مقال «أيها المصريون، لا تنتخبوا حسني مبارك»: (www.ahl-alquran.com/arabic/show_article.php? main_id=50). ويقول في مقال آخر: «الهلع سائد من جماعات التنصير الغربية، يؤجّج هذا الهلعَ فكرُ المؤامرة، ورياحُ الديمقراطية والحرية التي بدأت تلسع قفا الطغاة والمتطرفين». «موقع أهل القرآن»: مقال «كل هذا الهلع من التنصير»: (www.ahl-alquran.com/arabic/show_article.php? main_id=34). (¬2) سلفت نماذج من فقه القرآنيين وفتاواهم في المبحث الرابع من الفصل الثالث من هذه الورقات.

قبل الختام: «اخسأ فلن تعدو قدرك»

قبل الختام: «اخسَأ ْ فلَنْ تَعدُوَ قَدْرَك» هي عبارة قالها النبيُّ صلى الله عليه وسلم للساحر الدّجّال ابن صياد (¬1). وهذه السطورُ التي أكتُبُها إنما هي: «قهقهة الشامت المسرور بفضيحة أحمد صبحي منصور» الذي يأبى الله إلا أن يفضَحَهُ على رؤوس الخلائق؛ بسبب تَجديفه وكيده بالإسلام والمسلمين، وبُغضِهِ لسنةِ سيد المرسلين وحبيب رب العالمين سيدنا ونبيّنا محمد عليه صلوات الله وملائكته ورسله وعباده الصالحين. وبسبب ما يُكنُّهُ هذا الرجل من حقدٍ على الأمة سلفاً وخلفاً، وعلى محدّثيها وحفّاظها ونقلةِ دينِها إليها جيلاً بعدَ جيل. وقد قال الله تعالى: {وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ} [سورة الشعراء 26: الآية 227]. فها هو هذا الرجل يكتب مقالاً بعنوان «علوم القرآن التي تطعن في القرآن» ينشره في موقعه البائس بتاريخ 3/ 2/2007 (¬2)، وفي أكثر من موقعٍ آخرَ على شاكلته. وفيه يوزّع أحمد صبحي منصور سُخريتَهُ يَمنةً ويَسرة، ويتهكّم كعادته بكلّ ما يتذكّره من مسلمي الأمة! فيقول: «ويأتي السيوطي بروايةٍ عن الطبرانيِّ (¬3) أشهرِ رواة الحديث في العصر العباسي الثاني، يقول السيوطي: ¬

_ (¬1) وذلك فيما أخرجه البخاري في «صحيحه» برقم (1354)، ومسلم في «صحيحه» برقم (7354)، وأحمد في «مسنده» برقم (6360) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما. (¬2) «موقع أهل القرآن»: (/ www.ahl-alquran.com/arabic/show_article.php? main_id=1043). (¬3) هو الإمام الحافظ أبو القاسم سليمان بن أحمد بن أيوب بن مطير اللخمي الطبراني؛ كان حافظ عصره، رحل في طلب الحديث من الشام إلى العراق والحجاز واليمن ومصر وبلاد الجزيرة الفراتية، وأقام في الرحلة ثلاثاً وثلاثين سنة، وسمع الكثير، وعدد شيوخه ألف شيخ، وله المصنفات الممتعة النافعة الغريبة منها المعاجم الثلاثة: الكبير والأوسط والصغير وهي أشهر كتبه. روى عنه الحافظ أبو نعيم، والخلق الكثير. ولد سنة (260 هـ) بطبرية الشام، وسكن أصبهان إلى أن توفي بها سنة (360 هـ). يُنظَر لترجمته: «سير أعلام النبلاء» 16/ 119 - 130.

«وأخرج الطبرانيُّ في الدعاء من طريق ابن عباد ابن (¬1) يعقوب الأسدي (¬2)، عن يحيى ابن يعلى الأسلمي (¬3)، عن ابن لهيعة (¬4)، عن أبي هريرة، عن عبد الله بن زرير الغافقي (¬5) قال: قال لي عبد الملك بن مروان: لقد علمتُ ما حملَكَ على حبِّ أبي تراب، إلا أنّكَ أعرابيٌّ جافّ. ¬

_ (¬1) كذا، وسيكررها بين ابن وأبيه. (¬2) عباد بن يعقوب الأسدي الرواجني أبو سعيد الكوفي الشيعي، روى عنه البخاري حديثاً واحداً مقروناً بغيره والترمذي وابن ماجه. قال الحاكم أبو عبد الله: كان أبو بكر ابن خزيمة يقول: حدثنا الثقة في روايته، المتهم في دينه عبادُ بن يعقوب. كان يشتم السلف، وفيه غلوٌّ في التشيُّع. تُنظرُ ترجمته في «تهذيب الكمال» 24/ 176 - الترجمة (3104)، «ميزان الاعتدال» للذهبي 4/ 44 - 45 الترجمة (4154). (¬3) يحيى بن يعلى الأسلمي القطواني أبو زكريا الكوفي. روى له البخاري في الأدب والترمذي. قال عبد الله بن أحمد بن الدورقي عن يحيى بن معين: ليس بشيء. وقال البخاري: مضطرب الحديث، وقال أبو حاتم: ضعيف الحديث ليس بالقوي. وقال أبو أحمد ابن عدي: كوفي من شيعتهم. تُنظرُ ترجمته في «تهذيب الكمال» 32/ 50 - 52 الترجمة (6951)، «ميزان الاعتدال» للذهبي 7/ 229 الترجمة (9665). (¬4) عبد الله بن لهيعة بن عقب الحضرمي المصري الفقيه قاضي مصر، روى له مسلم مقروناً بغيره، وأبو داود والترمذي وابن ماجه وباقي أصحاب الكتب. ضعيفٌ من قبل حفظه على جلالته، قيل: بسبب احتراق بيته وكتبه؛ قال البخاري: عن يحيى بن بكير احترق منزل ابن لهيعة وكتبه في سنة سبعين ومئة. وأنكر ذلك بعض المؤرخين. قال الإمام أحمد: ما حديث ابن لهيعة بحجة، وإني لأكتب كثيراً مما أكتب أعتبر به، وهو يقوي بعضه ببعض. قال عبد الرحمن بن مهدي: لا أحمل عن ابن لهيعة قليلاً ولا كثيراً. توفي (174 هـ) رحمه الله. يُنظرُ: «تهذيب الكمال» 15/ 487 - 502 الترجمة (3513)، «ميزان الاعتدال» للذهبي 4/ 166 - 174 (4535). (¬5) عبد الله بن زرير الغافقي المصري روى عن علي بن أبي طالب وعمر بن الخطاب، روى له الأربعة إلا النسائيّ. تابعي ثقة. مات في خلافة عبد الملك بن مروان سنة (81 هـ). يُنظر: «تهذيب الكمال» 14/ 517 - 518 بالترجمة (3271).

فقلت: والله لقد جمعتُ القرآنَ من قبل أن يجتمع أبواك، ولقد علمني منه علي بن أبي طالبٍ سورتَين علَّمَهُما إيّاه رسول الله صلى الله عليه وسلم ما علمتَهُما أنتَ ولا أبوك! » المستفاد من هذه الرواية الكاذبة أن ذلك الشخص المجهول عبد الله بن زرير الغافقي اتهمه الخليفة عبد الملك بن مروان بأنه وأباه يحبان «أبا تراب» أي: علي بن أبى طالب. ويرد ذلك الشخص مُواجهاً عبد الملك بن مروان قائلا: أن (¬1) علي بن أبى طالب قد علمه هو وأباه سورتَين من القرآن لا يعلمهما عبد الملك ولا أبوه مروان. أي: أن النبيَّ محمدا عليه السلام علّم ابنَ عمه عليا (¬2) بن أبي طالب سورتَين من القرآن الكريم «سرّاً»، وأن علياً قام بتلقين هاتين السورتين للأخ عبد الله بن زرير الغافقي، وتم ذلك أيضا سرّاً. وبالتالي فإن النبيَّ محمداً عليه السلام لم يُبلِغْ كلَّ الرسالة، بل ترك بعضَها ليحكيَهُ سرّاً لابن عمِّه الشقيق، ثم يقوم ابنُ عمِّه الشقيق، بتعليم هذا السّرّ الخاص للسيد المحترم عبد الله بن زرير الغافقي. والسيد المحترم إياه يُجابه الخليفة الأمويَّ سفّاكَ الدماء بهذا مفتخراً عليه وعلى أبيه، ثم يظل حيّاً يحكي الحكاية لأبي هريرة مفتخراً بها! ! .. هذا مع أن حقائق التاريخ تؤكد أن عبد الملك بن مروان كان سفّاكاً للدماء، وقد هدّد علناً بالقتل من يقول له: اتق الله! (¬3). ¬

_ (¬1) كذا. (¬2) كذا. (¬3) من أين أتت هذه الحقائق؟ وما مصدرها؟ وما مقياس صحتها؟ وأقول: على الرغم من أنّ عبد الملك بن مروان ليس بتلك الشخصية المثالية، ولا ذلك الخليفة الراشدي؛ إلا أنّ سيرته ـ على أخطائها ـ ليست بتلك الصورة المظلمة التي يُريد الكاتب تسويقها؛ للطعن المعتاد في رموز الأمة وكبار شخصياتها. وما زعمه من شأن عبد الملك بن مروان وتهديده بالقتل من يقول له: اتق الله. أقول بشأنه: لم أهتدِ إليه، ولم أعثر عليه؛ فيا ليتَ الكاتبَ خضعَ لمقتضيات البحث العلمي (النزيه) ووثّق لنا معلومته القيّمة، وعزاها إلى مصدرٍ معتبَر. وبالمقابل؛ فإنّني أقول: لقد عثرتُ على خبرٍ مخالفٍ لدعوى الكاتب أُمرَ فيه عبدُ الملك بن مروان بتقوى الله مراتٌ وهو في مجلس ملكه وبين حاشيته؛ فلم يلَجّ ويستكبر بل أذعن وخضع. روى المزّي في «تهذيب الكمال» 20/ 80 - 81: وقال الرياشي عن الأصمعي: دخل عطاء بن أبي رباح على عبد الملك بن مروان ـ وهو جالس على سريره وحواليه الأشراف من كل بطن وذلك بمكة في وقت حجه في خلافته ـ فلما بصر به قام إليه، فسلم عليه وأجلسه معه على السرير وقعد بين يديه، وقال له: يا أبا محمد حاجتُك؟ فقال: يا أمير المؤمنين، اتق الله في حرم الله وحرم رسوله؛ فتعاهَدْهُ بالعمارة. واتق الله في أولاد المهاجرين والأنصار؛ فإنك بهم جلست هذا المجلس. واتق الله في أهل الثغور؛ فإنه حصن المسلمين، وتفقد أمور المسلمين؛ فإنك وحدك المسؤول عنهم. واتق الله فيمن على بابك؛ فلا تغفل عنهم ولا تغلق دونهم بابك. فقال له: أفعلُ! ثم نهض وقام، وقبض عليه عبد الملك فقال: يا أبا محمد إنما سألتَنا حوائجَ غيرك وقد قضيناها فما حاجتك؟ فقال: ما لي إلى مخلوق حاجة. ثم خرج، فقال عبد الملك: هذا ـ وأبيك ـ الشرف، هذا ـ وأبيك ـ السؤدد.

وهو الذي سلّط الحجّاج (¬1) على المسلمين في الحجاز ثم العراق يقتلهم لمجرد الظن والشك حتى ألجم الأفواه. ولكن الرواية المضحكة لذلك الكذاب الجاهل (الطبراني) تجعل فاه (¬2) ذلك الأخ الجليل المجهول عبد الله بن زرير الغافقي يتحدّى عبدَ الملك بن مروان بِما يكرَهُ في حقِّهِ وحقِّ أبيه. جهلُ الطبراني يتجلّى أيضاً في اختراعه السند لهذه الرواية الكاذبة. فقد زعم أنه رواها عن طريق ابن عباد ابن يعقوب الأسدي، عن يحيى بن يعلى الأسلمي، عن ابن لهيعة، عن أبي هريرة، عن عبد الله بن زرير الغافقي. ¬

_ (¬1) الحجاج بن يوسف بن الحكم الثقفي، أبو محمد: من قواد الأمويين، كان خطيباً، فصيحاً، ظلوماً، جباراً، ناصبياً، خبيثاً، سفاكاً للدماء. ظهر أمره في الشرطة في دمشق زمن عبد الملك بن مروان حتى أمره بقتال عبد الله بن الزبير، فزحف إلى الحجاز بجيش كبير وقتل ابن الزبير، فولاه عبد الملك مكة والمدينة والطائف، ثم العراق فقمع الثورة وثبتت له الإمارة عشرين سنة. بنى مدينة واسط بين الكوفة والبصرة. قال الذهبي: له حسنات مغمورة في بحر ذنوبه، وأمره إلى الله. يُنظر لترجمته: «سير أعلام النبلاء» 4/ 343 الترجمة (117). (¬2) كذا.

أي: جعل أبا هريرة الصحابي المشهور برواية الأحاديث يروي عن أحد التابعين، وهو الأخ المحترم عبد الله بن زرير الغافقي. وبالتالي لا بد أن يكون أبو هريرة حيّاً في ذلك الوقت الذي جرت فيه المواجهة القولية بين الأخ المحترم عبد الله بن زرير الغافقي ـ لا فضّ فوه ـ والخليفة عبد الملك بن مروان، ولكن لسوء الحظ فقد مات أبو هريرة قبل هذا العصر، في خلافة معاوية» ... إلى أن قال: «جَهِلَ الطبرانيُّ كلَّ ذلك التاريخ، فافترى هذه الرواية؛ لِمجرد أن يطعن في القرآن ويثبت أن هناك سورتين من القرآن ليستا في المصحف (¬1). ويطول بنا الوقت لو توقفنا مع كلِّ رواية من تلك الروايات بالتمحيص والنقد، ولكنها جناية الأحاديث على القرآن والإسلام. ولولا تلك الأحاديث لكانت علوم القرآن الكريم جهداً عقلياً إيجابياً نأخذ منه ونردُّ دون الكذب على الله تعالى ورسوله». ا. هـ. افترى أحمد صبحي منصور هذه الفريةَ وهو يتوهّمُ أنّ أحداً لن يُكلِّفَ نفسَهُ عناءَ التحقُّقِ من أقواله المعصومة، وآرائه المحفوظة. ووالذي لا إله غيرُهُ لو أنّ طفلاً صغيراً نوّر الله بصيرته بحبّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ هذا الكلام لاشتمّ منه عفونة الكذب والدجل والافتراء. وإنّ من لديه الحظُّ اليسير من العلم والاطلاع على سِيَر علماء السُّنّة الأعلام وجهودِهم ليَجزِمُ حين يقرأ مثل هذا الكلام أنّ «وراء الأكمةِ ما وراءَها» (¬2)! . فماذا وراء أكمة دعاوى أحمد صبحي منصور؟ قال السيوطي في «الإتقان»: ¬

_ (¬1) لقد قال الله تعالى بشأنِ من ادّعى المغيّبات: {أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا (78) كَلَّا سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ} [سورة مريم 19: الآيتان 78 - 79]. (¬2) «إن وراء الأكمة ما وراءها» من أمثال العرب. يُنظر: «مجمع الأمثال» للميداني 1/ 13 برقم (23).

وأخرج الطبراني في الدعاء من طريق عباد بن يعقوب الأسدي، عن يحيى بن يعلى الأسلمي، عن ابن لهيعة، عن أبي هبيرة (¬3)، عن عبد الله بن زرير الغافقي قال: قال لي عبد الملك بن مروان: لقد علمت ما حملك على حب أبي تراب إلا أنك أعرابي جافٍ؟ فقلت: والله لقد جمعت القرآن من قبل أن يجتمع أبواك، ولقد علمني منه علي بن أبي طالب سورتين علمهما إياه رسول الله ما علمتهما أنت ولا أبوك! : اللهم إنا نستعينك ونستغفرك، ونثني عليك ولا نكفرك، ونخلع ونترك من يفجرك، اللهم إياك نعبد، ولك نصلي ونسجد، وإليك نسعى ونحفد، نرجو رحمتك ونخشى عذابك؛ إن عذابك بالكفار ملحق» (¬1). وأما الروايةُ في «كتاب الدعاء» للإمام الطبراني فهي حدثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة، ثنا عباد بن يعقوب الأسدي، ثنا يحيى بن يعلى الأسلمي، عن ابن لهيعة عن عبد الله هبيرة، عن عبد الله بن زرير قال: قال لي عبد الملك بن مروان: ما حملك على حب أبي تراب إلا أنك أعرابي جاف. فقلت: والله لقد قرأت القرآن قبل أن يجتمع أبويك (¬3) لقد علمني سورتين علمهما إياه رسول الله ما علمتهما أنت ولا أبوك: اللهم إنا نستعينك ونستغفرك، ونثني عليك الخير ولا نكفرك، ونخلع ونترك من يفجرك، اللهم إياك نعبد، ولك نصلي ونسجد، وإليك نسعى ونحفد، نرجو رحمتك ونخشى عذابك الجد، إن عذابك بالكفار ملحق، اللهم عذب كفرة أهل الكتاب والمشركين، الذين يصدون عن سبيلك، ويجحدون آياتك، ويكذبون رسلك، ¬

_ (¬1) أبو هبيرة هو عينُهُ ابن هبيرة، فهو كما يبدو من ترجمته تكنى باسم أبيه. وهو عبد الله بن هبيرة بن أسعد بن كهلان السبئي الحضرمي، أبو هبيرة المصري، ثقةٌ معروف، روى له الجماعة سوى البخاري. ترجمته في «تهذيب الكمال» 16/ 242 - 243 الترجمة (3628). وقد ذكر رجال الحديث، وعلماء الجرح والتعديل أنّ ابن هبيرة روى عن الغافقي؛ كما في ترجمة الأول في «تهذيب الكمال» 16/ 243، وفي الأخير 14/ 517. (¬2) «الإتقان في علوم القرآن»: النوع التاسع عشر في عدد سوره وآياته وكلماته وحروفه 2/ 424. (¬3) قال محقق كتاب «الدعاء» الدكتور محمد سعيد بن محمد حسن البخاري: كذا في الأصل، وعليه التضبيبة، والصواب «أبواك».

ويتعدَّون حدودك، ويدعون معك إلهاً آخر، لا إله إلا أنت تباركت وتعاليت عما يقول الظالمون علوا كبيراً» (¬1). إذن الراوي عن الغافقيّ هو ابن هبيرة، وليس أبا هريرة كما أحبّ أحمد صبحي منصور أن يفتري. وإنني أتحداه أن يُثبتَ أنه قرأها في طبعة معتمدةٍ من كتاب «الإتقان» بأن يُبيِّنَ لنا بطاقتَها، وبشرطِ أن تكون طبعةً مطبوعةٍ في البلاد العربية؛ بحيث يُمكن التحقُّقُ منها، لا أن يطبَعَها له أسيادُه الأمريكيّون ليستروا سوأته. ولو كان هذا الرجلُ باحثاً علميّاً حقيقياً لعلِمَ أنه يتوجّبُ عليه إلى طبعةٍ ـ غير تجاريةٍ ـ لكتابٍ مثل «الإتقان». فلو عاد ووجد الخطأ في عديدٍ منها، لَلَزِمَهُ أن يتحقّقَ من مَخطوطات الكتاب، فلعلّه ـ ولنَفترِضْ ـ خطأٌ تناقَلَهُ ناسخٌ عن ناسخ. ثم ها هو كتاب «الدعاء» للإمام الطبرانيّ مُحقّقٌ مطبوعٌ! فهل جشَّمَ نفسَهُ عناءَ العودةِ إليه ليتحقّق مما فيه؟ أم هو الحقد الأعمى على تراثنا، وعلى علمائنا، وعلى مُحدّثينا، وعلى صحابة نبيّنا، وعلى نبيّنا نفسِه صلى الله عليه وسلم ... أعماه وأنساهُ أصولَ البحث العلمي المجرّد النزيه ـ وهو الدكتور العالم الأزهري؛ كما وصف نفسه (¬2) ـ الذي يفرضُ عليه كلَّ ما ذكرتُ وأكثرَ منه قبل أن يخرُجَ إلى الناس بتلك الجوهرة التي لم يسبقه ¬

_ (¬1) «الدعاء» للطبراني: الجزء الرابع: باب القول في قنوت الوتر: برقم (750) 3/ 1143 - 114. وضعّفَ محققه إسناد الرواية، ونقل عن الحافظ ابن حجر العسقلاني من كتابه «نتائج الأفكار» (64/أ) قوله: هذا حديث غريب. وكذلك ضعّف مُحقّقو «الإتقان» إسنادَ هذه الرواية، فهل يعتبر المعتبرون؟ (¬1) «موقع أهل القرآن»: (www.ahl-alquran.com/arabic/show_article.php? main_id=85). ويُنظر: «موقع الأقباط الأحرار»: الساحات العامة: الميدان الحر: الأستاذ الجليل أحمد صبحي منصور يكتب عن الأفغاني المتنصّر. (www.freecopts.net/forum/showthread.php? t=127).

إلى اكتشافِها أحدٌ دليلاً على كذب وجهل أحدِ أكابرِ عُلماء الأمة الإسلامية الحافظ الطبراني رحمه الله تعالى، وجزاه عن سنة النبيِّ صلى الله عليه وسلم كلّ خير. ثمّ إنّ الطبراني الحافظ العلَمَ الذي شُهِدَ له في علم الحديث بطول الباع، وعُرِفَ بالحفظ والضبط والاطلاع، لو أراد ـ جدلاً ـ أن يضَعَ هذا الحديث لاصطفى له سنداً ذهبيّاً يُمكن أن يَغُرَّ به، لا أن يأتي بسندٍ واهٍ فيه شيعيَّان أحدُهما غالٍ وسيّئ الحفظ يجعلون هذا السندَ ظُلُماتٍ بعضُها فوق بعض! وأنا أحمد الله أن شرّفني بالدفاع عن الإمام الطبراني هذا الدفاعَ القائم على أصول العلم والبحث المتأصل، لا على إلقاءِ الاتهامات جُزافاً، وإطلاق الأحكام اعتسافاً. وصدق الله تعالى {إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ} [سورة الحج 22: الآية 38].

خاتمة البحث: النتائج والتوصيات

خاتمة البحث: النتائج والتوصيات: رغمَ أنّ هذه الوُرَيقات لا تصلُحُ إلا أن تكون نُويَّةً لبحثٍ أكبرَ وأعمقَ يتناول «فرقة القرآنيين» بالتحليل والتمحيص في دعاواهم وأدلتهم وشبههم. ثم تأتي الحملةُ العلميةُ عليهم بنقضٍ قرآنيٍّ عقليٍّ تفصيليٍّ لِما يأفكونه ويفترونه ويروّجونه ... فإنّ أوراقي ـ على وجازتها ـ تخلُصُ إلى ما بيّنته في مواضعه منها من التالي: 1 - القرآنيون طائفةٌ غير إسلامية؛ بسبب هدمِها ما أجمعَ عليه المسلمون من وجوب طاعة واتباع النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، إضافةً إلى اقترافها جريمة السُّخرية من السنة النبوية، والصحابة الكرام، وسلف الأمة، والمحدّثين، وعموم المسلمين! 2 - القرآنيون دعاةٌ إلى حلّ عرى الإسلام ونقضه من أركانه، وهم عبارة عن شرذمة من شراذم أعداء الدين؛ تفرّغت لمحاربة السنة النبوية المطهّرة بدعوى برّاقة هي العودة إلى القرآن الذي هجره المسلمون والتفتوا إلى ما افترَوه من الأحاديث. 3 - وجوب تحصين المسلمين من شرور هذه الطائفة وأمثالها، ومن متفرِّق أفكارها مع عدم لفتِ نظر العامّة إليها، وعدم الاطلاع على كتبها وموقعها ـ أو مواقعها ـ إلا من قبل الخاصة. 4 - يجب أن تخصِّصَ الجامعاتُ الإسلاميةُ المرموقةُ هذه الفرقةَ بشيءٍ غير يسير من مقرّراتِها الدراسية، وأن تُوجِّهَ إلى دراستها التفصيلية في عددٍ جيدٍ من الدراسات التخصصية في مرحلتي الماجستير والدكتوراه. 5 - وجوب وجود متخصصين في نقض فرياتِ هذه الطائفة الخبيثة على سبيل التفرُّغ والإحاطة، لا على سبيل التبرُّعِ والحسبة؛ إذ إنّ خطورة شُبَهِ هذه الفرقة وتوسُّعها وانضمام كثيرٍ من المغرورين والموتورين إليها مما يستدعي أن

تنهضَ من أجلها هيئةٌ ـ بل هيئاتٌ ـ متخصِّصةٌ من علماءَ فطاحلَ تقومُ بالردّ المفصَّل على كلّ كبيرةٍ وصغيرةٍ من شُبَهِ ودعاوى هذه الفرقة (¬1). 6 - يلزمُ بعدما سبق أن يكون هناك موقعٌ الكترونيٌّ عملاقٌ هائلُ الإمكانيات يُلاحقُ موقع أهل القرآن وغيره من المواقع بالردّ على كلّ مقالٍ من مقالات أتباع هذه الطائفة الرديئة. هذا والله تعالى أعلى وأعلم وصلى الله على سيدنا ونبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه وسلَّم والحمد لله رب العالمين ¬

_ (¬1) كما كان أحمد ديدات رحمه الله متصدياً على سبيل التفرُّغ لشُبهات المنصرين، وكما درس الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي الديالكتيك ثمانيَ سنوات ثم نقضه بكتابه الشهير «نقض المادية الجدلية».

مسرد المصادر والمراجع

مسرد المصادر والمراجع القرآن الكريم كتب التفسير وعلوم القرآن «الإتقان في علوم القرآن» للإمام السيوطي (911 هـ) مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف الأمانة العامة الشؤون العلمية: تحقيق مركز الدراسات القرآنية (د. ت). «تفسير التحرير والتنوير» تأليف سماحة الأستاذ الإمام الشيخ محمد الطاهر ابن عاشور (1973 م). الدار التونسية للنشر ـ تونس: 1984. «تفسير الطبري» للإمام أبي جعفر (310 هـ) اعتنى بتصحيحه وفهرسته: مكتب الإعداد العلمي في دار الأعلام. دار الأعلام ـ عمان, دار ابن حزم ـ بيروت. ط 1: 1423/ 2002. «تفسير القرطبي» (الجامع لأحكام القرآن) للإمام القرطبي (671 هـ) تحقيق: د. عبد الله بن عبد المحسن التركي. مؤسسة الرسالة ـ بيروت. ط 1: 1427/ 2006. «كيف تحفظ القرآن» الشيخ محمد الحبش. دار الخير ـ دمشق. ط 3: 1410/ 1990. كتب الحديث الشريف وعلومه «بغية الرائد في تحقيق مجمع الزوائد ومنبع الفوائد» للهيثمي (807 هـ) تحقيق: عبد الله محمد الدرويش. دار الفكر ـ بيروت ط 1: 1414/ 1994. «تأويل مختلف الحديث» لابن قتيبة الدينوري (276 هـ) دار الفكر ـ بيروت. (دتح). «تذكرة الموضوعات» وفي ذيلها «قانون الموضوعات والضعفاء» للفتني (986 هـ) أشرف على طبعهما إدارة المطبعة المنيرية. ط 1: 1343. «الدعاء» للإمام الطبراني (360 هـ) دراسة وتحقيق وتخريج: د. محمد سعيد بن حسن البخاري. دار البشائر الإسلامية ـ بيروت. ط 1: 1407/ 1987. «سنن ابن ماجه» للإمام أبي عبد الله محمد بن يزيد الربعي (275 هـ) بإشراف ومراجعة الشيخ صالح بن عبد العزيز آل الشيخ. دار السلام ـ الرياض. ط 1: 1420/ 1999. «سنن أبي داود» للإمام أبي داود السجستاني (275 هـ) بإشراف ومراجعة الشيخ صالح بن عبد العزيز آل الشيخ. دار الفيحاء - دمشق , دار السلام - الرياض. ط 1: 1420/ 1999. «سنن الترمذي» (الجامع المختصر من السنن عن رسول الله (ص) ومعرفة الصحيح والمعلول وماعليه العمل) للإمام محمد بن عيسى بن سورة (279 هـ) بإشراف ومراجعة الشيخ صالح بن عبد العزيز آل الشيخ. دار الفيحاء - دمشق , دار السلام - الرياض. ط 1: 1420/ 1999. «صحيح البخاري» للإمام البخاري (256 هـ) مكتبة دار السلام ـ الرياض، دار الفيحاء ـ دمشق. ط 2: 1419/ 1999. «صحيح مسلم» للإمام مسلم بن الحجاج النيسابوري (261 هـ) مكتبة دار السلام ـ الرياض، دار الفيحاء ـ دمشق. ط 2: 1421/ 2000.

«فتح الباري بشرح صحيح البخاري» لابن حجر العسقلاني (852 هـ) طبعة مصححة على عدة نسخ, وعن النسخة التي حقق أصولها وأجازها الشيخ عبد العزيز بن عبد الله ابن باز, دار الفكر بيروت: 1414/ 1993. «كشف الخفا ومزيل الألباس» للعجلوني (1162 هـ) عنيت بنشره مكتبة القدسي: (1351 هـ). «المستدرك على الصحيحين» للحافظ أبي عبد الحاكم النيسابوري (405 هـ) تحقيق: عبد القادر عطا. دار الكتب العلمية- بيروت, ط 1: 1411/ 1990. «مسند الإمام أحمد» للإمام أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني (241 هـ) المشرف العام على إصدار الموسوعة: د. عبد الله بن عبد المحسن التركي. المشرف العام على تحقيق المسند: الشيخ شعيب الأرناؤوط. مؤسسة الرسالة, ط 1: 1417/ 1997. «المعجم الأوسط» للإمام أبي القاسم الطبراني (360 هـ) تحقيق: قسم التحقيق بدار الحرمين ـ القاهرة: 1415/ 1995. «المعجم الكبير» للإمام أبي القاسم الطبراني (360 هـ) حققه وخرّج أحاديثه: حمدي عبد المجيد. دار إحياء التراث العربي: 1406/ 1986. «المنهاج شرح الجامع الصحيح» («شرح صحيح مسلم») للإمام النووي (676 هـ) تحقيق وتعليق: د. مصطفى ديب البغا (أستاذ الحديث وعلومه في كلية الشريعة جامعة دمشق) دار العلوم الإنسانية ـ دمشق. ط 1: 1418/ 1997. «النهاية في غريب الحديث والأثر» لابن الأثير (606 هـ) دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع ـ بيروت. ط 1: 1418/ 1997. كتب العقائد والفرق «السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي» للدكتور مصطفى السباعي رحمه الله (1967 م). المكتب الإسلامي ـ بيروت. دار الوراق. ط 2 (د. تخ). «الشريعة» للآجري (360 هـ) دراسة وتحقيق: د. عبد الله بن عمر بن سليمان الدميجي. دار الوطن ـ الرياض. ط 1: 1418/ 1997. «الفرق الإسلامية منذ البدايات» لسعد رستم. دار النفائس. «الفرق بين الفرق» للبغدادي (429 هـ) تحقيق محيي الدين عبد الحميد. المكتبة العصرية ـ بيروت صيدا: 1416/ 1995. «الفِصل في الملل والأهواء والنحل» لابن حزم الأندلسي (456 هـ) تحقيق: د. محمد إبراهيم نصر ود. عبد الرحمن عميرة دار الجيل ـ بيروت: 1405/ 1985.؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ «مفتاح الجنة في الاحتجاج بالسنة» للسيوطي (911 هـ) عنيت بنشره وتصحيحه والتعليق عليه للمرة الأولى: إدارة الطباعة المنيرية (د. تخ). «الملل والنحل» للشهرستاني (548 هـ) تحقيق: أمير علي مهنا , علي حسن فاعور. دار المعرفة ـ بيروت. ط 8: 1421/ 2001.

كتب الفقه وأصوله «الإحكام في أصول الأحكام» لابن حزم الظاهري (456 هـ) طبعة محققة عن النسخة التي بين أيدينا، ومقابلة على النسختين الخطيتين المحفوظتين بدار الكتب المصرية والمرقمة 11 و 13 من علم الأصول، كما قوبلت على النسخة التي حققها الأستاذ الشيخ أحمد محمد شاكر. قدم له: د. إحسان عباس رئيس دائرة اللغات العربية ولغات الشرق الأدنى في الجامعة الأمريكية ببيروت، مدير مركز الدراسات العربية ودراسات الشرق الأوسط. تاريخ المقدمة 30 تشرين الثاني 1970. منشورات دار الآفاق الجديدة ـ بيروت. (د. تخ). «إحياء علوم الدين» للإمام الغزالي (505 هـ) تحقيق: أبي حفص سيد بن إبراهيم بن صادق بن عمران. دار الحديث ـ القاهرة. (د. ت). تاريخ المقدمة: 1412/ 1992 «رد المحتار على الدر المختار» (حاشية ابن عابدين) (1252 هـ) ويليه «حاشية قرة عيون الأخيار تكملة رد المحتار على الدر المختار» لنجله علاء الدين ابن عابدين (1306 هـ) و«تقريرات الرافعي على رد المحتار على الدر المختار» لمفتي الديار المصرية عبد القادر الرافعي (1323 هـ) دار عالم الكتب للطباعة والنشر والتوزيع ـ الرياض. طبعة خاصة: 1423/ 2003. «الفتاوى الكبرى الفقهية» لابن حجر الهيتمي (974 هـ) دار الفكر ـ بيروت. «كتاب الأم» للإمام الشافعيّ (204 هـ) تحقيق وتخريج: د. رفعت فوزي عبد المطلب. دار الوفاء ـ المنصورة مصر. ط 1: 1422/ 2001. «مجموع الفتاوى» لشيخ الإسلام ابن تيمية (728 هـ) اعتنى بها وخرج أحاديثها: عامر الجزار وأنور الباز. دار الوفاء ـ المنصورة. ط 3: 1426/ 2005. كتب التراجم والتاريخ والجغرافية «إتمام الوفاء في سيرة الخلفاء» للشيخ محمد الخضري (1345 هـ) اعتنى به وقدم له بمقدمة منهج التعامل السليم مع الروايات التاريخية. وتوطئة في أهمية منصب الحاكم، وضرورة قيام الدولة، وخطورة الفكر الخوارجي: علي محمد زينو. مكتبة الإخلاص ـ دمشق. ط 1: 1431/ 2010. «الإصابة في تمييز الصحابة» للحافظ ابن حجر العسقلاني (852 هـ) طبعت هذه النسخة طبق النسخة المطبوعة سنة 1853 م في بلدة كلكتا، بعد مقابلتها على النسخة الخطية المحفوظة في دار الكتب بالأزهر الشريف بمصر. طبعة مصورة الناشر دار الكتب العلمية ـ بيروت. (د. تخ). «أطلس دول العالم الإسلامي (جغرافي تاريخي اقتصادي)» للدكتور شوقي أبو خليل. دار الفكر ـ دمشق. الطبعة الثانية (محدّثة): 1424/ 2003. «الأعلام» لخير الدين الزركلي دار العلم للملايين ـ بيروت. ط 14: شباط 1999. «أعلام الموقعين عن رب العالمين» لابن قيم الجوزية (751 هـ) شرح وتحقيق: رضوان جامع رضوان. مكتبة الإيمان ـ المنصورة, مصر. ط 1: 1419/ 1999.

«البداية والنهاية» للحافظ ابن كثير (774 هـ). تحقيق: د عبد الله بن عبد المحسن التركي بالتعاون مع مركز البحوث والدراسات الإسلامية بدار هجر. دار هجر للطباعة والنشر والتوزيع. ط 1: 1420/ 1999. «تهذيب الكمال في أسماء الرجال» للحافظ جمال الدين المزّيّ (742 هـ) حقّقه وضبط نصوصه وعلق عليه د. بشار عواد معروف. مؤسسة الرسالة ط 1: 1422/ 2002. «جمهرة أنساب العرب» لابن حزم (456 هـ). نشر وتحقيق وتعليق: أ. ليفي بروفنسال أستاذ اللغة والحضارة العربية بالسربون مدير معهد الدراسات الإسلامية بجامعة باريس. سلسلة ذخائر العرب 2، دار المعارف بمصر. (د. تخ). «سير أعلام النبلاء» للإمام الذهبي (748 هـ) مؤسسة الرسالة ـ بيروت. ط: 1: 1405/ 1984. «الضوء اللامع لأهل القرن التاسع» للحافظ السخاوي (902 هـ). دار الجيل ـ بيروت. ط 1: 1412/ 1993. «الطبقات الكبير» لابن سعد (230 هـ) تحقيق: د. علي محمد عمر. الناشر مكتبة الخانجي ـ القاهرة. ط 1: 1421/ 2001. «طبقات الشافعية الكبرى» للسبكي (771 هـ) تحقيق: محمود محمد الطناحي وعبد الفتاح محمد الحلو. دار إحياء الكتب العربية فيصل عيسى الباب الحلبي (د. تخ). «معجم الأدباء» لياقوت الحموي (622 هـ) تحقيق الدكتور إحسان عباس. دار الغرب الإسلامي ت بيروت. ط 1: 1993. «معجم البلدان» لياقوت الحموي (622 هـ) دار صادر ببيروت. «ميزان الاعتدال في نقد الرجال» للذهبي (748 هـ) ويليه: «ذيل ميزان الاعتدال» للعراقي (806 هـ) دراسة وتحقيق وتعليق: الشيخ علي محمد معوض والشيخ عادل أحمد عبد الموجود. شارك في تحقيق الأستاذ الدكتور عبد الفتاح أبو سنة خبير التحقيق بمجمع البحوث الإسلامية وعضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية. دار الكتب العلمية ـ بيروت. ط 1: 1416/ 1995. «الوافي بالوفيات» للصفدي (764 هـ) تحقيق واعتناء: أحمد الأرناؤوط وتركي مصطفى. دار إحياء التراث العربي ـ بيروت. ط 1: 1420/ 2000. كتب اللغة والأدب «الكامل في اللغة والأدب» لمحمد بن يزيد المبرد (285 هـ) أعده واعتنى به: علي محمد زينو وعماد حيدر الطيار. مؤسسة الرسالة ناشرون ـ بيروت. ط 1: 1427/ 2006. «كتاب التعريفات» للفاضل العلامة علي بن محمد الجرجاني (816 هـ). مكتبة لبنان ـ ساحة رياض الصلح بيروت. طبعة جديدة: 1985. «خزانة الأدب» للبغدادي (1093 هـ) تحقيق وشرح عبد السلام محمد هارون. مكتبة الخانجي ـ القاهرة، دار الرفاعي ـ الرياض. ط 1: 1403/ 1983. «شرح ديوان الحماسة» للمرزوقي (421 هـ) نشره أحمد أمين وعبد السلام هارون. دار الجيل ـ بيروت. ط 1: 1411/ 1991.

«لسان العرب» لابن منظور (711 هـ). تولى تحقيق لسان العرب نخبة من العاملين بدار المعارف هم الأساتذة: عبد الله علي الكبير، محمد احمد حسب الله، هاشم محمد الشاذلي. دار المعارف ـ القاهرة. «مجمع الأمثال» للميداني (518 هـ) حققه وفصله وضبط غرائبه وعلّق حواشيَه: محمد محيي الدين عبد الحميد. دار المعرفة للطباعة والنشر ـ بيروت لبنان: 1374/ 1955. كتب الطوائف والفرق والجماعات «تاريخ الدعوة الإسماعيلية» للدكتور مصطفى غالب (1981 م). دار الأندلس للطباعة والنشر والتوزيع ـ بيروت. ط 2 (د. ت). «فضل الاعتزال وطبقات المعتزلة» وهو ثلاثة كتب: ذكر المعتزلة من «مقالات الإسلاميين» لأبي القاسم البلخي (310 هـ) «فضل الاعتزال وطبقات المعتزلة ومباينتهم لسائر المختلفين» للقاضي عبد الجبار (415 هـ) الطبقتان 11 و 12 من «شرح العيون» للحاكم الجشمي (494 هـ) اكتشفها وحققها: فؤاد سيد رئيس قسم إرشاد باحثي المخطوطات بدار الكتب المصرية. الدار التونسية للنشر. (د. تخ). «كتاب المعلمين وكتاب في الرد على المشبهة» للجاحظ (255 هـ) تحقيق ودراسة: إبراهيم خليل جريس. جامعة تل أبيب، مكتبة ومطبعة السروجي ـ عكا: 1980 م. «المذهب الإسلامي الشيعي الإسماعيلي» (وجهة نظر معاصرة) للأستاذ حسام خضور دار الغدير ـ سلمية سورية. ط 1: 1999. «نظام الإسلام» للشيخ تقي الدين النبهاني (1977 م) من منشورات حزب التحرير (1) الطبعة السادسة (طبعة معتمدة) 2001 دون ناشر «النظام الاجتماعي في الإسلام» تقي الدين النبهاني (1977 م) من منشورات حزب التحرير دار الأمة للطباعة والنشر والتوزيع ـ بيروت. ط 4 (طبعة معتمدة): 1424/ 2003. مواقع انترنت مختلفة «موقع إزالة القناع» (www.unmasking-islam.net). «موقع الأقباط الأحرار» (www.freecopts.net). «موقع أهل القرآن» (www.ahl-alquran.com). «موقع التوحيد» (www.eltwhed.com). «موقع الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي» (www.bouti.net). «موقع العربية نت» (Alarabiya.net). «موقع الموسوعة الحرة» (ويكيبيديا) (ar.wikipedia.org) «موقع جريدة الجزيرة السعودية» (www.al-jazirah.com.)

«موقع شبكة اللادينيين العرب» www.3 almani.org)). «موقع صوت الحق» (www.soutulhaq.com). «موقع عرب تايمز» (www.arabtimes.com). «موقع غلوبال ريبورت» (www.global-report.com) «موقع قائمة الصحوة» (www.freewebs.com). «موقع كونوا ربانيين» (kuno-rabbaniyeen.org) «موقع المجمع العلمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية»: (www.taghrib.org). «موقع مركز الدراسات والأبحاث العلمانية في العالم العربي»، (www.ssrcaw.org). «موقع الملتقى العلمي للعقيدة والمذاهب المعاصرة» (www.alagidah.com). «موقع ملتقيات فضاء» (www.fadhaa.com) «موقع منتديات قمر جدة» (jeddah-moon.net) «موقع منتديات الجزيرة توك» (www.aljazeeratalk.net)

§1/1