الفوز العظيم والخسران المبين في ضوء الكتاب والسنة

سعيد بن وهف القحطاني

المقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم المقدمة إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يُضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلّى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد: فهذه رسالة مختصرة في بيان الفوز العظيم والخسران المبين، وهي مقارنة بين نعيم الجنة الذي من حصل عليه فقد فاز فوزاً عظيماً، وعذاب النار الذي من عُذِّبَ به فقد خَسِرَ خسراناً مبيناً. ذكرت فيها بإيجاز خمسة وعشرين مبحثاً للترغيب في دار السلام ونعيمها، والطريق الموصل إليها، جعلنا الله من أهلها، والترهيب والتخويف والإنذار من دار البوار وعذابها والطرق الموصلة إليها نعوذ بالله منها. ولا شك أن الفوز الحقيقي: هو الفوز بالجنة والنجاة من النار، قال الله تعالى: {فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَما الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ} (¬1). وذلك أعظم المطالب؛ ولهذا قال - صلى الله عليه وسلم - لِرَجُلٍ: ((ما تقول في الصلاة؟)) قال: أتشهَّدُ ثم أسال الله الجنة وأعوذ به من النار. أمَا والله ما أُحسِنُ دَنْدنَتَكَ ولا دندنة معاذ: فقال - صلى الله عليه وسلم -: ((حَولَها نُدَنْدِنُ)) (¬2). ¬

(¬1) سورة آل عمران، الآية: 185. (¬2) أخرجه أبو داود في كتاب الصلاة، باب في تخفيف، برقم 792، وابن ماجه في كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، باب ما يقال في التشهد والصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم -، برقم 910.

والمعنى: حول سؤال الله الجنة والاستعاذة به من النار ندندن وندعو الله تعالى. ومما يدل على ما وصل إليه الصحابة من الكمال البشري والرغبة العظيمة، ورجاحة العقل ما فعله ربيعة بن كعب الأسلمي رضي الله عنه قال: كنت أبيت مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأتيته بوضوئه وحاجته. فقال لي: ((سَلْ)) فقلت: أسألك مرافقتك في الجنة. قال: ((أو غير ذلك))؟ قلت: هو ذاك. قال: ((فأعني على نفسك بكثرة السجود)) (¬1). وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يرغِّب أصحابه وأمته في الجنة، ويحذِّرهم ويُنذرهم من النار؛ ولهذا قال - صلى الله عليه وسلم -: ((إذا وُضِعَتِ الجنازة فاحتملها الرجالُ على أعناقهم فإن كانت صالحةً قالت: قدموني، قدموني. وإن كانت غير صالحة قالت: يا ويلها أين تذهبون بها؟ يسمع صوتها كل شيء إلا الإنسان، ولو سمعها الإنسان لَصَعِقَ)) (¬2) (¬3). والله أسأل أن يجعله عملاً متقبلاً نافعاً لي ولمن انتهى إليه؛ فإنه خير مسؤول وأكرم مأمول، وهو حسبنا ونعم الوكيل، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. المؤلف حرر في ضحى يوم الأربعاء 7/ 7/1416هـ ¬

(¬1) أخرج مسلم في كتاب الصلاة، باب فضل السجود والحث عليه، برقم 489. (¬2) لَصَعِقَ: أي لغُشِيَ عليه من شدة ما يسمعه، وربما أُطلق الصعْقُ على الموت، انظر: الفتح 3/ 185. (¬3) أخرجه البخاري في كتاب الجنائز، باب حمل الرجال الجنائز دون النساء، برقم 1314، وفي باب قول الميت وهو على الجنازة: قدموني، برقم 1316، وفي باب كلام الميت على الجنازة، برقم 1380، والنسائي في كتاب الجنائز، باب السرعة بالجنازة، برقم 1882، 1883.

المبحث الأول: مفهوم الفوز العظيم والخسران المبين

المبحث الأول: مفهوم الفوز العظيم والخسران المبين أولاً: مفهوم الفوز العظيم: الفوز: الظَّفَرُ بالخير مع حصول السلامة والنجاة من كل مكروه، أو هلاك (¬1). العظيم: يُقال عَظُمَ الشيءُ: أصله كَبُرَ عظْمُهُ، ثم استعير لكل كبير، فأُجرِيَ مجراه محسوساً كان أو معقولاً، عيناً كان أو معنىً، قال الله تعالى: {قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ * أَنتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ} (¬2)، وقال تعالى: {عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ * عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ} (¬3)،والعظيمُ إذا استُعمل في الأعيان فأصله أن يُقال في الأجزاء المتصلة (¬4)،والكثير يُقال في المنفصلة، ثم قد يُقال في المنفصل عظيم، نحو: جيش عظيم، ومال عظيم، وذلك في معنى الكثير (¬5). قال الله تعالى عن الفوز العظيم الكبير: {وَعَدَ الله الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِّنَ الله أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} (¬6)، وقال سبحانه: {وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ الله عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي ¬

(¬1) انظر: القاموس المحيط، ص669، ومختار الصحاح، ص215، ومفردات غريب القرآن للأصفهاني، ص647. (¬2) سورة ص، الآيتان: 67 - 68. (¬3) سورة النبأ، الآيتان: 1 - 2. (¬4) أي يُقال في الأجزاء المتصلة عظيم: أي كبير. انظر: المعجم الوسيط، 1/ 609. (¬5) مفردات غريب القرآن للأصفهاني، ص573. (¬6) سورة التوبة، الآية: 72.

تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} (¬1). وقد بيّن الله تعالى في القرآن الكريم أن من أُدْخِلَ الجنة فقد حصل وحاز، وظَفُرَ بالفوز العظيم، ولِعِظَمِ ((الفوز العظيم)) ذكره الله - سبحانه وتعالى - في القرآن الكريم في ستة عشر موضعاً (¬2)، ووصف هذا الفوز العظيم بالفوز الكبير في قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ} (¬3)، ووصفه تعالى بالفوز المبين في قوله - سبحانه وتعالى -: {قُلْ إِنِّيَ أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ * مَّن يُصْرَفْ عَنْهُ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمَهُ وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ} (¬4). وفي قوله تعالى: {فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُدْخِلُهُمْ رَبُّهُمْ فِي رَحْمَتِهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ} (¬5). فالفوز العظيم الكبير المبين: هو النجاة من النار، ودخول الجنة، كما قال - عز وجل -: {كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَما الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُور} (¬6). وقال تعالى في كلام بعض أهل الجنة: {أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ * إِلا مَوْتَتَنَا الأُولَى وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ * إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * لمِثْلِ هَذَا ¬

(¬1) سورة التوبة، الآية: 100. (¬2) انظر: المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم، ص527. (¬3) سورة البروج، الآية: 11. (¬4) سورة الأنعام، الآيتان: 15 - 16. (¬5) سورة الجاثية، الآية: 30. (¬6) سورة آل عمران، الآية: 185.

فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ} (¬1). وقال سبحانه: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ * فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * يَلْبَسُونَ مِن سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُّتَقَابِلِينَ * كَذَلِكَ وَزَوَّجْنَاهُم بِحُورٍ عِينٍ * يَدْعُونَ فِيهَا بِكُلِّ فَاكِهَةٍ آمِنِينَ * لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلا الْمَوْتَةَ الأُولَى وَوَقَاهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ * فَضْلاً مِّن رَّبِّكَ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} (¬2)، وقال - عز وجل - في الصادقين، ومنهم عيسى بن مريم - صلى الله عليه وسلم -: {قَالَ الله هَذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَّضِيَ الله عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} (¬3)، وغير ذلك من الآيات (¬4). وقد بيّن - سبحانه وتعالى - طريق هذا الفوز العظيم، والعمل الذي يُوصل إليه، فقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا الله وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ الله وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} (¬5)، وقال تعالى: {تِلْكَ حُدُودُ الله وَمَن يُطِعِ الله وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} (¬6). ¬

(¬1) سورة الصافات، الآيات: 58 - 61. (¬2) سورة الدخان، الآيات: 51 - 57. (¬3) سورة المائدة، الآية: 119. (¬4) انظر: سورة التوبة، الآيات: 100، 119، و111، وسورة الحديد، الآية: 12، والصف، الآية: 12، والتغابن الآية 9. (¬5) سورة الأحزاب، الآيتان: 70 - 71. (¬6) سورة النساء، الآية: 13.

ثانيا: الخسران المبين:

وقال تعالى: {وَمَن يُطِعِ الله وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ الله وَيَتَّقْهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ} (¬1). ثانياً: الخسران المبين: خَسِرَ: خسْراً، وخَسَرَاً، وخُسْراً، وخُسُراً، وخُسْراناً، وخَسارَةً، وخَسَاراً: ضل فهو خاسرٌ وخسيرٌ، يقال: خَسِرَ التاجر: غُبِنَ في تجارته، ونقص ماله فيها، ويُقال: خسر فلانٌ: هلك وضل فهو خاسر، ويُستعمل ذلك في المقتنيات الخارجة: كالمال، والجاه: وهو الأكثر، وفي المقتنيات النفسية: كالصحة والسلامة، والعقل، والإيمان، والثواب: وهو الذي جعله الله تعالى الخسران المبين (¬2)، فقال سبحانه: {قُل إنَّ الخاسرينَ الذينَ خَسِروا أنفُسَهُم وأهليهِم يومَ القيامةِ ألا ذلكَ هُوَ الخُسرانُ المُبينُ} (¬3). وقال - سبحانه وتعالى - في الظالمين: {وَمَن يُضْلِلِ الله فَمَا لَهُ مِن وَلِيٍّ مِّن بَعْدِهِ وَتَرَى الظَّالِمِينَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ يَقُولُونَ هَلْ إِلَى مَرَدٍّ مِّن سَبِيلٍ * وَتَرَاهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا خَاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنظُرُونَ مِن طَرْفٍ خَفِيٍّ وَقَالَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلا إِنَّ الظَّالِمِينَ فِي عَذَابٍ مُّقِيمٍ} (¬4)، وقال - عز وجل - في العمل الذي يوصل إلى هذا الخسران المبين: {وَمَن يَعْصِ الله وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا ¬

(¬1) سورة النور، الآية: 52. (¬2) انظر: القاموس المحيط، ص491، والمعجم الوسيط، 1/ 233، ومفردات غريب القرآن للأصفهاني، ص282، ومختار الصحاح، ص74. (¬3) سورة الزمر، الآية: 15. (¬4) سورة الشورى، الآيتان: 44 - 45.

فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ} (¬1)، وقال تعالى: {أَلَمْ يَعْلَمُواْ أَنَّهُ مَن يُحَادِدِ الله وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدًا فِيهَا ذَلِكَ الْخِزْيُ الْعَظِيمُ} (¬2)، وقال تعالى: {وَمَن يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِّن دُونِ الله فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُّبِينًا} (¬3)، وقال - عز وجل -: {ومَن يَكفُرْ بالإيمَانِ فقدْ حبِطَ عمَلُهُ وهُوَ في الآخِرةِ منَ الخاسِرينَ} (¬4)، وقد بيَّن الله - عز وجل - في مواضع كثيرة من كتابه العزيز (¬5) أن جميع أنواع الخسارة في الدنيا والآخرة بسبب معصية الله ورسوله. ¬

(¬1) سورة النساء، الآية: 14. (¬2) سورة التوبة، الآية: 63. (¬3) سورة النساء، الآية: 119. (¬4) سورة المائدة، الآية: 5. (¬5) انظر: المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم، ص231 - 232.

المبحث الثاني: التبشير بالجنة والإنذار من النار

المبحث الثاني: التبشير بالجنة والإنذار من النار أولاً: الترغيب في الجنة: قال الله تعالى: {وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَالله يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ * وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ الله فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ الله وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ * أُوْلَئِكَ جَزَآؤُهُم مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ} (¬1). وقال سبحانه بعد أن ذكر شهوات الدنيا: {قُلْ أَؤُنَبِّئُكُم بِخَيْرٍ مِّن ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِّنَ الله وَالله بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ * الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ * الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالأَسْحَارِ} (¬2). وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((يقول الله تعالى: أعددتُ لعباديَ الصالحين ما لا عينٌ رأتْ، ولا أُذنٌ سمعتْ، ولا خَطَر على قلب بشر، ذخراً بَلْهَ (¬3) ما أطلعكم الله عليه، فاقرأوا إن شئتم: {فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ¬

(¬1) سورة آل عمران، الآيات: 133 - 136. (¬2) سورة آل عمران، الآيات: 15 - 17. (¬3) بَلْهَ ما أطلعكم الله عليه: دع عنك ما أطلعكم الله عليه، فالذي لم يطلعكم عليه أعظم.

ثانيا: الإنذار من النار:

مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ} (¬1) (¬2). وعن سهل بن سعد الساعدي - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((موضع سوطٍ في الجنة خيرٌ من الدنيا وما فيها)) (¬3). وعن أنس - رضي الله عنه - يرفعه: ((غدوة في سبيل الله أو روحة خير من الدنيا وما فيها، ولَقابُ (¬4) قوسِ أحدكم أو موضع قدم من الجنة خير من الدنيا وما فيها، ولو أن امرأة من نساء أهل الجنة اطّلعت إلى أهل الأرض لأضاءت ما بينهما، ولملأت ما بينهما ريحاً، ولنصيفها على رأسها - يعني خمارها - خير من الدنيا وما فيها)) (¬5). ثانياً: الإنذار من النار: قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ الله مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} (¬6). والمعنى: اعملوا بطاعة الله، وانتهوا عما نهاكم عنه، ومروا أهليكم ¬

(¬1) سورة السجدة، الآية: 17. (¬2) أخرجه البخاري في تفسير القرآن، باب قوله: {فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ}، برقم 4780، ومسلم في كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، باب، برقم 2824/ 4. (¬3) أخرجه البخاري في كتاب بدء الخلق، باب ما جاء في صفة الجنة وأنها مخلوقة، برقم 3250، وفي كتاب الرقاق، باب مثل الدنيا في الآخرة، برقم 6415، والترمذي في كتاب فضائل الجهاد عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، باب ما جاء في فضل الغدو والرواح في سبيل الله، برقم 1648. (¬4) لقاب قوس أحدكم: أي قدره، والقاب معناه القدر، وكذلك القيد، فتح الباري، 6/ 14. (¬5) أخرجه البخاري في كتاب الجهاد والسير، باب الحور العين وصفتهن، برقم 2796، وفي كتاب الرقاق، باب صفة الجنة والنار، رقم 6568، وأخرج مسلم الفقرة الأولى منه في كتاب الإمارة، باب فضل الغدوة والروحة في سبيل الله، برقم 1880، 1881. (¬6) سورة التحريم، الآية: 6.

بالخير، وانهوهم عن الشر، وعلِّموهم وأدِّبوهم، وساعدوهم على فعل الخير، وأعينوهم عليه، وأوصوهم بتقوى الله تعالى (¬1). وقال سبحانه: {فَاتَّقُواْ النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ} (¬2). وقال - عز وجل -: {فَأَنذَرْتُكُمْ نَارًا تَلَظَّى * لا يَصْلاهَا إِلا الأَشْقَى * الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى} (¬3). وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: لما أُنزلت هذه الآية: {وأَنذِرْ عشِيرَتَكَ الأَقرَبينَ} (¬4) دعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قريشاً فاجتمعوا، فعمَّ وخصَّ فقال: ((يا بني كعب ابن لؤي: أنقذوا أنفسكم من النار ... )) [وذكر في الحديث أنه نادى قريشاً بطناً بطناً إلى أن قال]: (( ... يا فاطمة! أنقذي نفسك من النار، فإني لا أملك لكم من الله شيئاً، غير أن لكم رَحِماً سأبُلُّها بِبِلالها (¬5) ... )) (¬6). وعن أنس، عن أبي طلحة رضي الله عنهما أن نبي الله - صلى الله عليه وسلم -، أمر يوم بدر بأربعة وعشرين رجلاً من صناديد قريش، فقُذفوا في طويٍّ من أطواء بدر (¬7) خَبيث مُخبثٍ، وكان إذا ظهر على قوم أقام بالعرصة ثلاث ليالٍ، ¬

(¬1) انظر: تفسير الإمام ابن كثير، 4/ 392، وتفسير البغوي، 4/ 367. (¬2) سورة البقرة، الآية: 24. (¬3) سورة الليل، الآيات: 14 - 16. (¬4) سورة الشعراء، الآية: 214. (¬5) سأبلها ببلالها: سأصلها. شبهت قطيعة الرحم بالحرارة، ووصلها بإطفاء الحرارة ببرودة، ومنه: ((بلوا أرحامكم)) أي: صلوها. شرح النووي على مسلم، 3/ 80. (¬6) أخرجه مسلم في كتاب الإيمان، باب في قوله تعالى: {وأَنذِرْ عشِيرَتَكَ الأَقرَبينَ}، برقم 204، وبنحوه أخرجه البخاري في كتاب الوصايا، باب هل يدخل النساء والولد في الأقارب، برقم 2753. (¬7) طويّ: بئر مطوية بالحجارة، والركي: البئر قبل أن تطوى. قالوا: فكأنها كانت مطوية ثم استهدمت كالركي.

فلما كان ببدرٍ اليوم الثالث أمر براحلته، فشُدَّ عليها رحلها، ثم مشى وتبعه أصحابه، وقالوا: ما نُرى ينطلق إلا لبعض حاجته حتى قام على شفةِ الركيّ، فجعل يناديهم بأسمائهم، وأسماء آبائهم: ((يا فلانُ ابن فلانٍ، ويا فُلانُ ابن فلانٍ، أيسرّكم أنكم أطعتم الله ورسوله؟ فإنَّا وجدنا ما وعدنا ربنا حقَّاً، فهل وجدتم ما وعد ربكم حقّاً؟)) فقال عمر: يا رسول الله ما تُكلِّم من أجسادٍ لا أرواح لها؟ فقال - صلى الله عليه وسلم -: ((والذي نفس محمدٍ بيده ما أنت بأسمعَ لِمَا أقولُ منهم)). قال قتادة: أحياهم الله حتى أسمعهم قوله، توبيخاً، وتصغيراً، ونقمةً، وحسرةً وندماً (¬1). وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((مَثَلي كمَثَل رجلٍ استوقد ناراً، فلما أضاءت ما حولها جعل الفراشُ وهذه الدوابُّ التي في النار يقعن فيها، وجعل يَحْجُزُهُنَّ ويَغْلِبْنَهُ فيَتَقَحَّمْنَ فيها (¬2). قال: فذلكم مَثَلي ومَثَلُكُم أنا آخذٌ بحُجَزِكُم عن النار، هلمَّ عن النَّار، هلمَّ عن النار، فتَغْلِبُوني تقحَّمون فيها)) (¬3). ¬

(¬1) أخرجه البخاري في كتاب المغازي، باب قتل أبي جهل، برقم 3976، ومسلم في كتاب الجنة وصفة نعيمها، باب عرض مقعد الميت من الجنة أو النار عليه، برقم 2873 - 2875. (¬2) التقحم: هو الإقدام والوقوع في الأمور الشاقة من غير تثبت، والحجز: جمع حجزة، وهي: معقد الإزار والسراويل، شرح النووي، 15/ 55. (¬3) أخرجه مسلم في كتاب الفضائل، باب شفقته - صلى الله عليه وسلم - على أمته ومبالغته في تحذيرهم مما يضرهم، برقم 2284/ 18.

المبحث الثالث: أسماء الجنة وأسماء النار

المبحث الثالث: أسماء الجنة وأسماء النار أولاً: أسماء الجنة: 1 - الجنة، وهو الاسم العام المتناول لتلك الدار، وما اشتملت عليه من أنواع النعيم، واللذَّة، والبهجة، والسرور، وقرّة العين، وأصل اشتقاق هذه اللفظة من الستر والتغطية، ومنه سُمِّيَ الجنين لاستتاره في البطن، ومنه سُمِّي البستان: جَنة؛ لأنه يستر داخله بالأشجار ويغطيه، ولا يستحق هذا الاسم إلا موضع كثير الأشجار مختلف الأنواع (¬1). والجنة: الحديقة ذات الشجر والنخل، وجمعها جنات، والجنة كل بستان يستر بأشجاره الأرض (¬2)، قال الله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَن يَمِينٍ وَشِمَالٍ} (¬3)، والحديقة: جمع ((حدائق))، وهي الروضة ذات الشجر والنخيل، وهي البستان، وسُميت حديقة تشبيهاً بحدقة العين في الهيئة، وحصول الماء فيها (¬4). قال الله تعالى: {إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا * حَدَائِقَ وَأَعْنَابًا} (¬5)، وقد ذكر الله تعالى الجنة في القرآن الكريم بلفظ المفرد ((جنة)) ستاً وستين مرة، ولفظ الجمع ¬

(¬1) انظر: حادي الأرواح لابن القيم، ص111. (¬2) انظر: لسان العرب، 13/ 99، ومفردات القرآن للأصفهاني، ص204، والمصباح المنير، 1/ 112. (¬3) سورة سبأ، الآية: 15. (¬4) انظر: مفردات غريب القرآن للأصفهاني، ص223، والقاموس المحيط، ص1127، وتفسير ابن كثير، 4/ 466. (¬5) سورة النبأ، الآيتان: 31 - 32.

2 - دار السلام

((جنات)) تسعاً وستين مرة (¬1). 2 - دار السلام، قال سبحانه: {لَهُمْ دَارُ السَّلاَمِ عِندَ رَبِّهِمْ} (¬2). {وَالله يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلاَمِ} (¬3). فهي دار سلامٍ من كل بليَّةٍ وآفة (¬4). 3 - دار الخلد، وسُمْيت بذلك؛ لأن أهلها لا يظعنون عنها أبداً، قال الله تعالى: {عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ} (¬5)، أي غير مقطوع. وقال تعالى: {ادْخُلُوهَا بِسَلامٍ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ} (¬6)، وقال تعالى: {إِنَّ هَذَا لَرِزْقُنَا مَا لَهُ مِن نَّفَادٍ} (¬7). 4 - دار المقامة، قال الله تعالى: {الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِن فَضْلِهِ لا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ} (¬8). 5 - جنة المأوى، قال تعالى: {عِندَهَا جَنَّةُ الْمَأوَى} (¬9). 6 - جنات عدن، قال سبحانه: {جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمَنُ عِبَادَهُ ¬

(¬1) انظر: المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم، ص 80 - 82. (¬2) سورة الأنعام، الآية: 127. (¬3) سورة يونس، الآية: 25. (¬4) حادي الأرواح، ص113. (¬5) سورة هود، الآية: 108. (¬6) سورة ق، الآية: 34. (¬7) سورة ص، الآية: 54. (¬8) سورة فاطر، الآية: 35. (¬9) سورة النجم، الآية: 15.

7 - الفردوس

بِالْغَيْبِ} (¬1). 7 - الفردوس، قال تعالى: {أُوْلَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ * الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} (¬2). والفردوس: هو البستان الذي يجمع كل شيء يكون في البساتين (¬3). 8 - جنات النعيم، قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتُ النَّعِيمِ} (¬4)، وقال تعالى: {إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ} (¬5). 9 - المقام الأمين، قال الله تعالى: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ} (¬6). والمقام: موضع الإقامة. والأمين: الآمن مِنْ كل سوءٍ، وآفةٍ، ومكروهٍ، وهو الذي قد جمع صفات الأمن كله (¬7). 10 - مقعد صدق، قال تعالى: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ * فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ} (¬8)، سمَّى الله تعالى الجنة مقعد صدقٍ؛ ¬

(¬1) سورة مريم، الآية: 16. (¬2) سورة المؤمنون، الآيتان: 10 - 11. (¬3) فتح الباري، 6/ 13، والقاموس المحيط، ص725. (¬4) سورة لقمان، الآية: 8. (¬5) سورة القلم، الآية: 34. (¬6) سورة الدخان، الآية: 51. (¬7) حادي الأرواح لابن القيم، ص116. (¬8) سورة القمر، الآيات: 54 - 55.

ثانيا: أسماء النار:

لحصول كل ما يُراد من المقعد الحسن فيها، كما يُقال مودة صادقة، إذا كانت ثابتة تامة (¬1). ثانياً: أسماء النار: 1 - النار، قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ كَفَرواْ وَكَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} (¬2)،وقد ذكر الله - عز وجل - النار في القرآن الكريم بلفظ ((النار)) مائة وستاً وعشرين مرة، وبلفظ ((ناراً)) تسع عشرة مرة (¬3)، كقوله تعالى: {سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَب} (¬4). 2 - جهنم، قال - سبحانه وتعالى -: {إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَادًا * لِلْطَّاغِينَ مَآبًا} (¬5). 3 - الجحيم، قال - عز وجل -: {وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَن يَرَى} (¬6). 4 - السعير، قال تبارك وتعالى: {فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ} (¬7). 5 - سقر، قال تعالى: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ * لا تُبْقِي وَلا تَذَرُ} (¬8). 6 - الحطمة، قال تعالى: {كَلا لَيُنبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ} (¬9). 7 - الهاوية، قال تعالى: {وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ * فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ * وَمَا ¬

(¬1) حادي الأرواح لابن القيم، ص117. (¬2) سورة البقرة، الآية: 39. (¬3) انظر: المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم، ص723 - 725. (¬4) سورة المسد، الآية: 3. (¬5) سورة النبأ، الآيتان: 21 - 22. (¬6) سورة النازعات، الآية: 36. (¬7) سورة الشورى، الآية: 7. (¬8) سورة المدثر، الآيتان: 27 - 28. (¬9) سورة الهمزة، الآية: 4.

8 - دار البوار

أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ * نَارٌ حَامِيَةٌ} (¬1). 8 - دار البوار، قال تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُواْ نِعْمَةَ الله كُفْرًا وَأَحَلُّواْ قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ * جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ الْقَرَارُ} (¬2). قال الإمام ابن كثير رحمه الله تعالى: (( ... وأما دار البوار فهي جهنم)) (¬3)، وأشار إلى ذلك الإمام البغوي رحمه الله تعالى (¬4). ¬

(¬1) سورة القارعة، الآيات: 8 - 11. (¬2) سورة إبراهيم، الآيتان: 28 - 29. (¬3) تفسير ابن كثير، 2/ 539. (¬4) تفسير البغوي، 3/ 35.

المبحث الرابع: مكان الجنة ومكان النار

المبحث الرابع: مكان الجنة ومكان النار أولاً: مكان الجنة: قال الله تعالى: {كَلا إِنَّ كِتَابَ الأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ} (¬1). عليون: قال ابن عباس: الجنة، وقيل: علّيون في السماء السابعة تحت العرش (¬2)، وقال ابن كثير رحمه الله تعالى: ((والظاهر أن عليين مأخوذ من العلو، وكلما علا الشيء وارتفع عظُم واتَّسع؛ ولهذا قال تعالى معظِّماً أمره، ومفخِّماً شأنه: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ} (¬3)، وقال - عز وجل -: {وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ} (¬4). قال الإمام ابن كثير رحمه الله تعالى في تفسير قوله تعالى: {وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ} ((وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ)) يعني المطر، ((وَمَا تُوعَدُونَ)) يعني الجنة (¬5)، وقد ثبت في الحديث الصحيح أن الجنة تحت العرش فوق السماء السابعة، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (( ... فإذا سألتم الله فاسألوه الفردوس؛ فإنه أوسط الجنة، وأعلى الجنة، وفوقه عرش الرحمن، ومنه تُفَجَّر أنهار الجنة)) (¬6). ثانياً: مكان النار: قال الله تعالى: {كَلا إِنَّ كِتَابَ الفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا ¬

(¬1) سورة المطففين، الآيتان: 18 - 19. (¬2) انظر: تفسير البغوي، 4/ 460، وتفسير ابن كثير، 4/ 487. (¬3) تفسير ابن كثير، 4/ 487. (¬4) سورة الذاريات، الآية: 22. (¬5) تفسير ابن كثير، 4/ 236. (¬6) أخرجه البخاري في كتاب الجهاد والسير، باب درجات المجاهدين في سبيل الله، برقم 2790، وفي كتاب التوحيد، باب {(وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ}، برقم 7423.

سِجِّينٌ * كِتَابٌ مَّرْقُومٌ} (¬1). والمعنى أن مأواهم ومصيرهم لفي سجِّين، فعيل من السجن، وهو الضيق، كما يُقال: فتِّيق، وشرِّيب، وخمّير، وسكِّير، ونحو ذلك؛ ولهذا عظم أمره فقال تعالى: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا سِجِّينٌ} أي هو أمرٌ عظيم، وسجن مقيم، وعذاب أليم (¬2)، وقد ذكر الإمام البغوي، والإمام ابن كثير، والإمام ابن رجب الحنبلي رحمهم الله آثاراً، تُبيِّن وتذكر أن سجِّين تحت الأرض السابعة: أي تحت سبع أرضين، كما أن الجنة فوق السماء السابعة (¬3). وقال ابن كثير: والصحيح أن سجِّيناً مأخوذ من السجن، وهو الضيق؛ فإن المخلوقات كل ما تسافل منها ضاق، وكل ما تعالى منها اتَّسع؛ فإن الأفلاك السَّبعة كُلُّ واحدٍ منها أوسع، وأعلى من الذي دونه، وكذلك الأرضون كل واحدة أوسع من التي دونها، حتى ينتهي السفول المطلق، والمحل الأضيق إلى المركز في وسط الأرض السابعة (¬4). ثم ذكر رحمه الله تعالى: ((أن مصير الفجار إلى جهنم، وهي أسفل سافلين كما قال تعالى: {ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ * إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ} (¬5). وقال هَهنا: {كَلا إِنَّ كِتَابَ الفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا سِجِّينٌ}، وهو يجمع الضيق والسفول، كما قال ¬

(¬1) سورة المطففين، الآيات: 7 - 9. (¬2) تفسير ابن كثير، 4/ 485، وتفسير البغوي، 4/ 458. (¬3) انظر: تفسير البغوي، 4/ 458 - 459، وتفسير ابن كثير، 4/ 485 - 486، والتخويف من النار لابن رجب، ص62 - 63. (¬4) تفسير ابن كثير، 4/ 446. (¬5) سورة التين، الآيتان: 5 - 6.

تعالى: {وَإِذَا أُلْقُوا مِنْهَا مَكَانًا ضَيِّقًا مُقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُورًا} (¬1). وقوله تعالى: {كِتَابٌ مَّرْقُومٌ} ليس تفسيراً لقوله: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا سِجِّينٌ}، وإنما هو تفسير لما كتب لهم من المصير إلى سجين، أي مرقوم، مكتوب، مفروغ منه، لا يُزاد فيه أحد، ولا يُنقص منه أحد)) (¬2). قال ابن رجب رحمه الله: ((وقد استدلَّ بعضهم لهذا (¬3) بأن الله تعالى أخبر أن الكفار يُعرضون على النار غدواً وعشيَّاً - يعني في مدة البرزخ - وأخبر أنه لا تفتح لهم أبواب السماء، فدل على أن النار في الأرض ... وفي حديث البراء بن عازب رضي الله عنهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في صفة قبض الروح، قال في روح الكافر: ((حتى يُنتهى به إلى السماء الدنيا، فَيُسْتَفْتَحُ له، فلا يُفتَحُ له))، ثم قرأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: {لاَ تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلاَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ} (¬4)، فيقول الله - عز وجل -: ((اكتبوا كتابه في سجِّين في الأرض السُّفلى)) ثم قال: (( ... فَتُطْرَحُ رُوحُه طرحاً ... )) الحديث (¬5) بطوله (¬6). ¬

(¬1) سورة الفرقان، الآية: 13. (¬2) تفسير ابن كثير، 4/ 486. (¬3) وقد استدل بعضهم لهذا: أي على أن النار في الأرضين السبع في الأرض السابعة السفلى. (¬4) سورة الأعراف، الآية: 40. (¬5) التخويف من النار، والتعريف بحال دار البوار، ص63. (¬6) أخرجه أبو داود في كتاب السنة، باب المسألة في القبر وعذاب القبر، برقم 4753، والنسائي في كتاب الجنائز، باب مسألة الكافر، برقم 2059، وابن ماجه في كتاب الزهد، باب ذكر القبر والبلى، برقم 4269، وأحمد في المسند، 4/ 287، 295، 296، والحاكم في المستدرك، 1/ 37 - 38، وهناد في الزهد، برقم 339، وقد جمع طرقه واعتنى بتخريجه وتصحيحه العلامة الألباني في أحكام الجنائز، ص158.

المبحث الخامس: وجود الجنة والنار الآن

المبحث الخامس: وجود الجنة والنار الآن عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في قصة الإسراء أنه قال: (( ... ثم انطلق بي جبريلُ حتى انتهى بي إلى سدرة المنتهى، فغشيها ألوان لا أدري ما هي، قال: ثم دخلت الجنة فإذا فيها جنابذ اللؤلؤ (¬1)، وإذا ترابها المسك)) (¬2). وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((لما خلق الله الجنة والنار أرسل جبرائيل إلى الجنة فقال: انظر إليها، وإلى ما أعددت لأهلها فيها، فجاء فنظر إليها، وإلى ما أعدّ الله لأهلها فيها ... ثم قال: اذهب إلى النار فانظر إليها، وإلى ما أعددت لأهلها فيها، فنظر إليها فإذا هي يركب بعضها بعضاً ... )) (¬3) الحديث. وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إن أحدكم إذا مات عُرِضَ عليه مقعده بالغداة والعشي، إن كان من أهل الجنة فمن أهل الجنة، وإن كان من أهل النار فمن أهل النار، يُقالُ هذا مقعدك حتى ¬

(¬1) الجَنَابِذ: هي القباب، واحدتها: جنبذة، ووقع في كتاب الأنبياء من صحيح البخاري كذلك. وفي هذا الحديث دلالة لمذهب أهل السنة والجماعة: أن الجنة والنار مخلوقتان، وأن الجنة في السماء. والله أعلم. انظر: شرح النووي، 2/ 579. (¬2) أخرجه البخاري في كتاب الصلاة، باب كيف فرضت الصلاة في الإسراء، برقم 349، ومسلم في كتاب الإيمان، باب الإسراء برسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى السموات وفرض الصلوات، برقم 163. (¬3) أخرجه الترمذي في كتاب صفة الجنة، باب ما جاء حفت الجنة بالمكاره وحفت النار بالشهوات، برقم 2560، وأبو داود في كتاب السنة، باب في خلق الجنة والنار، برقم 4744، والنسائي في كتاب الأيمان والنذور، باب الحلف بعزة الله تعالى، برقم 3761، وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح، وقال عنه الشيخ الألباني (((صحيح))، صحيح سنن الترمذي، برقم 2698.

يبعثك الله إليه يوم القيامة)) (¬1). وعن كعب بن مالك - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إنما نَسَمَةُ المؤمن طائرٌ يَعْلُقُ في شجر الجنة حتى يرجعه الله إلى جسده يوم يبعثه)) (¬2). وعن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - عندما سُئل عن قوله تعالى: {وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ الله أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} (¬3) قال: أمَا إنَّا قد سألنا عن ذلك فقال: ((أرواحهم في جوف طيرٍ خُضْرٍ، لها قناديل معلقةٌ بالعرش تسرحُ من الجنة حيث شاءت، ثم تأوي إلى تلك القناديل، فاطلع إليهم ربُّهم اطلاعةً فقال: هل تشتهون شيئاً؟ قالوا: أيَّ شيءٍ نشتهي، ونحن نسرح من الجنة حيث شئنا، فعل ذلك بهم ثلاث مرات. فلما رأوا أنهم لن يُتركوا من أن يُسألوا، قالوا: يا ربِّ نريدُ أن تردّ أرواحنا في أجسادنا حتى نُقتل في سبيلك مرة أخرى ... )) الحديث (¬4). ¬

(¬1) أخرجه البخاري في كتاب الجنائز، باب الميت يعرض عليه مقعده بالغداة، والعشي، برقم 1379، ومسلم في كتاب الجنة وصفة نعيمها، باب عرض مقعد الميت من الجنة أو النار عليه، برقم 2866. (¬2) أخرجه النسائي في كتاب الجنائز، باب أرواح المؤمنين، برقم 2071، وابن ماجه في كتاب الزهد، باب ذكر القبر والبلى، برقم 4271، وأحمد، 3/ 455، وصححه الألباني في صحيح النسائي، 2/ 445، وصحيح ابن ماجه، 2/ 423، والأحاديث الصحيحة، 2/ 730 برقم 995، وقال ابن كثير رحمه الله في تفسيره، 4/ 302 بعد أن ذكر إسناد الإمام أحمد لهذا الحديث: ((وهذا إسناد عظيم ومتن قويم)). (¬3) سورة آل عمران، الآية: 169. (¬4) أخرجه مسلم في كتاب الإمارة، باب بيان أن أرواح الشهداء في الجنة، وأنهم أحياء عند ربهم يرزقون، برقم 1887.

المبحث السادس: السوق إلى الجنة وإلى النار

المبحث السادس: السَّوْقُ إلى الجنة وإلى النار أولاً: سَوْقُ المؤمنين إلى الجنة: قال الله تعالى: {وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاؤُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ * وَقَالُوا الْحَمْدُ لله الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ} (¬1). وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((أول زمرة تدخل الجنة على صورة القمر ليلة البدر، ثم الذين يلونهم على أشد كوكب دُرّيٍّ في السماء إضاءةً، لا يبولون، ولا يتغوطون، ولا يتفلون، ولا يمتخطون، أمشاطهم الذهب، ورشحهم المسك، ومجامرهم الألوّة الألنجوج عود الطيب، وأزواجهم الحور العين، على خَلْقِ رجُلٍ واحدٍ، على صورة أبيهم آدم ستون ذِراعاً في السماء)) (¬2). ثانياً: سَوْقُ الكافرين إلى النار: قال الله - عز وجل -: {وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاؤُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ * قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى ¬

(¬1) سورة الزمر، الآيتان: 73 - 74. (¬2) أخرجه البخاري في كتاب أحاديث الأنبياء، باب خلق آدم وذريته، برقم 3327، ومسلم في كتاب الجنة وصفة نعيمها، باب أول زمرة تدخل الجنة على صورة القمر ليلة البدر، برقم 2834.

الْمُتَكَبِّرِينَ} (¬1). وقال سبحانه: {وَلِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ * إِذَا أُلْقُوا فِيهَا سَمِعُوا لَهَا شَهِيقًا وَهِيَ تَفُورُ * تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ * قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ الله مِن شَيْءٍ إِنْ أَنتُمْ إِلا فِي ضَلالٍ كَبِيرٍ * وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ * فَاعْتَرَفُوا بِذَنبِهِمْ فَسُحْقًا لأَصْحَابِ السَّعِيرِ} (¬2). وقال سبحانه: {وَإِذَا أُلْقُوا مِنْهَا مَكَانًا ضَيِّقًا مُقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُورًا} (¬3). وقال تعالى: {وَمَن يَهْدِ الله فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَن يُضْلِلْ فَلَن تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِهِ وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا مَّأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا * ذَلِكَ جَزَآؤُهُم بِأَنَّهُمْ كَفَرُواْ بِآيَاتِنَا وَقَالُواْ أَئِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا} (¬4). وقال سبحانه: {إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ * يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ} (¬5). ¬

(¬1) سورة الزمر، الآيتان: 71 - 72. (¬2) سورة الملك، الآيات: 6 - 11. (¬3) سورة الفرقان، الآية: 13. (¬4) سورة الإسراء، الآيتان: 97 - 98. (¬5) سورة القمر، الآيتان: 47 - 48.

وقال تعالى: {فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ * إِذِ الأَغْلالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَالسَّلاسِلُ يُسْحَبُونَ * فِي الْحَمِيمِ ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ} (¬1). وقال - عز وجل -: {خُذُوهُ فَغُلُّوهُ * ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ * ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ * إِنَّهُ كَانَ لا يُؤْمِنُ بِالله الْعَظِيمِ} (¬2). ¬

(¬1) سورة غافر، الآيات: 70 - 72. (¬2) سورة الحاقة، الآيات: 30 - 33.

المبحث السابع: أبواب الجنة وأبواب النار

المبحث السابع: أبواب الجنة وأبواب النار أولاً: أبواب الجنة ثمانية: عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((ما منكم من أحد يتوضأ فيسبغ الوضوء ثم يقول: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، إلا فُتِحَتْ له أبواب الجنة الثمانية، يدخل من أيها شاء)) (¬1). وعن عتبة بن غزوان - رضي الله عنه - في حديثه في الدنيا والجنة والنار قال: ((ولقد ذُكِرَ لنا أن ما بين مصراعين من مصاريع الجنة مسيرة أربعين سنة، وليأتينَّ عليها يومٌ وهي كظيظٌ من الزحام)) (¬2). وعن سهل بن سعد - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((في الجنة ثمانية أبواب، فيها بابٌ يُسمَّى الريَّان، لا يدخله إلا الصائمون)) (¬3). وقد يدخل المسلم من تلك الأبواب كلِّها، فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((من أنفق زوجين في سبيل الله نُودي من أبواب الجنة: يا عبد الله هذا خيرٌ، فمن كان من أهل الصلاة دُعِيَ من باب الصلاة، ومن كان من أهل الجهاد دُعيَ من باب الجهاد، ومن كان من أهل الصيام دُعيَ من باب الريان، ومن كان من أهل الصدقة دُعيَ من باب الصدقة)). ¬

(¬1) أخرجه مسلم في كتاب الطهارة، باب الذكر المستحب عقب الوضوء، برقم 234. (¬2) أخرجه مسلم في كتاب الزهد والرقائق، برقم 2967. (¬3) أخرجه البخاري في كتاب بدء الخلق، باب صفة أبواب الجنة، برقم 3257، ومسلم في كتاب الصيام، باب فضل الصيام، برقم 1152.

ثانيا: أبواب النار:

فقال أبو بكر - رضي الله عنه -: بأبي أنت وأمي يا رسول الله، ما على من دُعيَ من تلك الأبواب من ضرورة، فهل يُدعى أَحَدٌ من تلك الأبواب كلِّها؟ قال: ((نعم، وأرجو أن تكون منهم)) (¬1). ثانياً: أبواب النار: قال الله تعالى: {وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ * لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِّكُلِّ بَابٍ مِّنْهُمْ جُزْءٌ مَّقْسُومٌ} (¬2). وتفتح أبواب جهنم لأهلها عند وصولهم إليها، قال الله تعالى: {وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاؤُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا} (¬3). وهي مغلقة على أهلها، قال تعالى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا هُمْ أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ * عَلَيْهِمْ نَارٌ مُّؤْصَدَةٌ} (¬4). وقال تعالى: {إِنَّهَا عَلَيْهِم مُّؤْصَدَةٌ * فِي عَمَدٍ مُّمَدَّدَةٍ} (¬5). يقال: أوْصدْت الباب وآصدتُهُ: أي أطبقته، وأحكمته (¬6)، فأبواب النار على أهلها مطبقة مغلقة، لا يدخل فيها سرور، ولا يخرج منها غم (¬7). ¬

(¬1) أخرجه البخاري في كتاب الصوم، باب الريان للصائمين، برقم 1897، ومسلم في كتاب الزكاة، باب من جمع الصدقة وأعمال البر، برقم 1027. (¬2) سورة الحجر، الآيتان: 43 - 44. (¬3) سورة الزمر، الآية: 71. (¬4) سورة البلد، الآيتان: 19 - 20. (¬5) سورة الهمزة، الآيتان: 8 - 9. (¬6) مفردات ألفاظ القرآن للأصفهاني، ص872. (¬7) تفسير الإمام البغوي، 4/ 491، 524، وتفسير ابن كثير، 4/ 516، 549.

وأبواب النار تغلق في رمضان، فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إذا كان أوّلُ ليلةٍ من شهر رمضان صُفِّدت الشياطين، ومَرَدَةُ الجنّ، وغُلِّقت أبوابُ النار، فلم يُفتح منها بابٌ، وفُتِّحت أبواب الجنة، فلم يُغْلَقْ منها بابٌ، وينادي منادٍ: يا باغي الخير أقْبِلْ، ويا باغي الشر أقصِرْ، ولله عتقاء من النار، وذلك كل ليلة)) (¬1). ¬

(¬1) أخرجه الترمذي في كتاب الصوم، باب ما جاء في فضل شهر رمضان، برقم 682، والنسائي في كتاب الصيام، باب ذكر الاختلاف على معمر فيه، برقم 2105، وابن ماجه في كتاب الصيام، باب ما جاء في فضل شهر رمضان، برقم 1642. وأصل الحديث عند البخاري في كتاب بدء الخلق، باب صفة إبليس وجنوده، برقم 3277، ومسلم في كتاب الصيام، باب فضل شهر رمضان، برقم 1079.

المبحث الثامن: حجاب الجنة وحجاب النار

المبحث الثامن: حجاب الجنة وحجاب النار عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((لَمَّا خلق الله الجنة والنار، أرسل جبرائيل إلى الجنة فقال: انظر إليها، وإلى ما أعددتُ لأهلها فيها، قال: فجاءها فنظر إليها، وإلى ما أعد الله لأهلها فيها، قال: فرجع إليه، قال: وعِزَّتِكَ لا يسمع بها أحدٌ إلا دخلها، فأمر بها فَحُفَّتْ بالمكاره، فقال: ارجعْ إليها، فانظرْ إليها، وإلى ما أعددتُ لأهلها فيها، قال: فرجع إليها، فإذا هي قد حُفَّت بالمكاره، فرجع إليه، فقال: وعِزَّتِكَ لقد خفتُ أن لا يدخلَها أحد، قال: اذهب إلى النار فانظر إليها، وإلى ما أعددت لأهلها فيها، فنظر إليها فإذا هي يركب بعضها بعضاً، فرجع إليه فقال: وعزتك لا يسمع بها أحد فيدخلها، فأمر بها فحفت بالشهوات، فقال: ارجع فانظر إليها، [فرجع إليها] فنظر إليها فإذا هي قد حُفَّت بالشهوات، فرجع وقال: وعِزَّتِكَ لقد خشيتُ أن لا ينجوَ منها أحدٌ إلا دخلها)) (¬1). وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((حُجبت النار بالشهوات، وحجبت الجنة بالمكارِه)) (¬2). والمراد بالشهوات هنا ما أُمر المكلف بمجاهدة نفسه فيه فعلاً وتركاً، ¬

(¬1) أخرجه الترمذي في كتاب صفة الجنة، باب ما جاء حفت الجنة بالمكاره وحفت النار بالشهوات، برقم 2560، والنسائي وغيرهما، وما بين المعقوفين من لفظ الترمذي، وحسنه الألباني في صحيح النسائي، 2/ 797، برقم 3523، وفي صحيح الترمذي، 2/ 318، برقم 2075. (¬2) أخرجه البخاري في كتاب الرقاق، باب حجبت النار بالشهوات، برقم 6487، ومسلم في كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، برقم 2822، 2823.

كالإتيان بالعبادات على وجهها، والمحافظة عليها، واجتناب المنهيات، قولاً وفعلاً (¬1). وهذا الحديث من بديع الكلام، وفصيحه، وجوامعه التي أوتيها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من التمثيل الحسن، ومعناه لا يوصل إلى الجنة إلا بارتكاب المكاره، والنار بارتكاب الشهوات، وكذلك هما محجوبتان بهما، فمن هتك الحجاب وصل إلى المحجوب، فهَتْكُ حجاب الجنة بارتكاب المكاره، وهَتْكُ حجاب النار بارتكاب الشهوات، فأما المكاره فيدخل فيها: الاجتهاد في العبادات، والمواظبة عليها، والصبر على مشاقّها، وكظم الغيظ، والعفو، والحلم، والصدقة، والإحسان إلى المسيء، والصبر عن الشهوات، ونحو ذلك. وأما الشهوات التي حُفَّت وحُجبت بها النار، فالظاهر أنها الشهوات المحرمة كالخمر، والزنا، والنظر إلى الأجنبية، والغيبة، والنميمة، واستعمال الملاهي، ونحو ذلك. أما الشهوات المباحة فلا تدخل في هذه، لكن لا يكثر منها مخافة أن يجره ذلك إلى المحرَّمة، أو يقسِّي القلب، أو يشغل عن الطاعة، أو يُحْوِجُ إلى الاعتناء بتحصيل الدنيا (¬2). ¬

(¬1) انظر: فتح الباري، لابن حجر، 11/ 320. (¬2) انظر: شرح النووي، 17/ 165.

المبحث التاسع: أول من يدخل الجنة وأول من يدخل النار

المبحث التاسع: أول من يدخل الجنة وأول من يدخل النار أولاً: أول داخل إلى الجنة: 1 - أول من يدخل الجنة: محمد - صلى الله عليه وسلم -. عن أنس - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((آتي باب الجنة يوم القيامة، فأستفتح، فيقول الخازن: من أنت؟ فأقول محمد، فيقول: بك أُمِرتُ لا أفتحُ لأحدٍ قبلك)) (¬1). وعنه - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((أنا أكثر الأنبياء تَبَعاً يومَ القيامة، وأنا أول من يقرع باب الجنة)) (¬2). 2 - أمة محمد - صلى الله عليه وسلم -. عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((نحن الآخِرون الأوَّلون يوم القيامة، ونحن أول من يدخل الجنة، بَيْدَ أنهم أُوتوا الكتاب من قَبْلِنا، وأُوتيناه من بعدهم، فاختلفوا، فهدانا الله لما اختلفوا فيه من الحق، فهذا يومهم الذي اختلفوا فيه، هدانا الله له (قال: يوم الجمعة)، فاليوم لنا، وغداً لليهود، وبعد غد للنصارى)) (¬3). 3 - الفقراء: عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((يدخل الفقراء الجنة قبل ¬

(¬1) أخرجه مسلم في كتاب الإيمان، باب في قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((أنا أول الناس يشفع في الجنة ... ))،برقم 197. (¬2) أخرجه مسلم في كتاب الإيمان، باب في قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((أنا أول الناس يشفع في الجنة ... ))، برقم 196. (¬3) أخرجه مسلم في كتاب الجمعة، باب هداية هذه الأمة ليوم الجمعة، برقم 855.

الأغنياء بخمسمائة عام، نصف يوم)) (¬1). وفي لفظ: ((يدخل فقراء المسلمين الجنة قبل الأغنياء بنصف يوم، وهو خمسمائة عام)) (¬2). وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((يدخل فقراء المسلمين قبل أغنيائهم بأربعين خريفاً)) (¬3). وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((إن فقراء المهاجرين يسبقون الأغنياء يوم القيامة إلى الجنة بأربعين خريفاً)) (¬4). والجمع بين الحديثين، والله أعلم: أن الفقراء منهم من يسبق الأغنياء بخمسمائة عام، ومنهم من يسبق بأربعين عام، بحسب أحوال الفقراء والأغنياء، كما يتأخر مكث العصاة الموحِّدين بحسب أحوالهم. ولا يلزم من سبق الفقراء في الدخول ارتفاعُ منازلهم عليهم؛ بل قد يكون المتأخر أعلى منزلةً، وإن سبقه غيره في الدخول، فالغني إذا حوسب على غناه فوُجِدَ قد شكر الله تعالى فيه، وتقرّب إليه بأنواع البر، والخير، والصدقة، ¬

(¬1) أخرجه الترمذي في كتاب الزهد، باب ما جاء أن فقراء المهاجرين يدخلون الجنة قبل أغنيائهم، برقم 2353، 2354، وابن ماجه في كتاب الزهد، باب منزلة الفقراء، برقم 4122، وحسنه الألباني في صحيح الترمذي، 2/ 275، وفي صحيح ابن ماجه، 2/ 396. (¬2) أخرجه الترمذي في كتاب الزهد، باب ما جاء أن فقراء المهاجرين يدخلون الجنة قبل أغنيائهم، برقم 2354، وقال عنه الشيخ الألباني في صحيح الجامع، 2/ 1342: ((صحيح)). (¬3) أخرجه الترمذي في كتاب الزهد، باب ما جاء أن فقراء المهاجرين يدخلون الجنة قبل أغنيائهم، برقم 2355، وانظر: صحيح الترمذي، 2/ 275، وتحفة الأحوذي، 7/ 18 – 23، وقال الألباني: ((صحيح بلفظ: ((فقراء المهاجرين)). (¬4) أخرجه مسلم في كتاب الزهد والرقائق، برقم 2979.

ثانيا: أول من يقضى عليه يوم القيامة

والمعروف كان أعلى درجة من الفقير الذي سبقه في الدخول، ولم يكن له تلك الأعمال، ولا سيما إذا شاركه الغني في أعماله، وزاده عليه فيها، والله لا يُضيع أجر من أحسن عملاً. فالمزيَّة مزيتان: السبق، والرفعة، وقد يجتمعان وينفردان، فيحصل لواحد السبق والرفعة، ويعدمهما آخر، ويحصل لآخر السبق دون الرفعة، ولآخر الرفعة دون السبق، وهذا بحسب المقتضى للأمرين، أو لأحدهما، وعدمه، وبالله التوفيق (¬1). ثانياً: أول من يُقضى عليه يوم القيامة ثلاثة: عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((إن أول من يُقضى يوم القيامة عليه رجل استشهد، فأُتي به، فعرَّفه نِعَمَهُ فعرَفها، قال: فما عملت فيها؟ قال: قاتلت فيك حتى استشهدتُ، قال: كذبت، ولكنك قاتلت، لأن يقال جريءٌ، فقد قيل، ثم أُمر به فسُحِبَ على وجهه حتى أُلقي في النار. ورجلٌ تعلَّم العلم وعلَّمه، وقرأ القرآن، فأُتي به فعرَّفه نعمه فعرفها، قال: فما عملت فيها؟ قال: تعلَّمتُ العلم، وعلمتُهُ، وقرأتُ فيك القرآن، قال: كذبتَ، ولكنك تعلمتَ العلم ليُقالَ: عالم، وقرأت القرآن ليُقالَ: هو قارئٌ، فقد قيل، ثم أُمر به فسُحب على وجهه حتى أُلقي في النار، ورجل وسَّعَ الله عليه، وأعطاه من أصناف المال كلِّه، فأُتي به فعرَّفه نعمه فعرفها، قال: فما عملت فيها؟ قال: ما تركتُ من سبيل تحبُّ أن يُنفق فيها إلا أنفقت فيها لك، قال: كذبت، ولكنك فعلت ليُقال هو جوادٌ، فقد قيل، ¬

(¬1) انظر حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح للإمام ابن القيم، ص134.

ثم أُمر به فسُحب على وجهه ثم أُلقي في النار)) (¬1). فقوله - صلى الله عليه وسلم - في الغازي، والعالم، والجواد، وعقابهم على فعلهم ذلك لغير الله، وإدخالهم النار، دليل على تغليظ تحريم الرياء، وشدة عقوبته، وعلى الحث على وجوب الإخلاص في الأعمال، وفيه أن العمومات الواردة في فضل الجهاد إنما هي لمن أراد الله تعالى بذلك مخلصاً، وكذلك الثناء على العلماء، وعلى المنفقين في وجوه الخيرات، كله محمولٌ على من فعل ذلك لله تعالى مخلصاً (¬2). والله أسأل لي ولجميع المسلمين الإخلاص في القول والعمل، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. ¬

(¬1) أخرجه مسلم في كتاب الإمارة، باب من قاتل للرياء والسمعة استحق النار، برقم 1905. (¬2) شرح النووي على صحيح مسلم، 13/ 54، بتصرف يسير.

المبحث العاشر: تحية أهل الجنة وتحية أهل النار

المبحث العاشر: تحية أهل الجنة وتحية أهل النار أولاً: تحية أهل الجنة: قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الأَنْهَارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ * دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللهمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلاَمٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِينَ} (¬1). وقال تعالى: {الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ الله وَلاَ يَنقُضُونَ الْمِيثَاقَ*وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ الله بِهِ أَن يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الحِسَابِ* وَالَّذِينَ صَبَرُواْ ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَأَنفَقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلاَنِيَةً وَيَدْرَؤُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُوْلَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ*جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالمَلاَئِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِم مِّن كُلِّ بَابٍ*سَلاَمٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ} (¬2)، فينبغي للمؤمن أن يرغب في هذا الخير العظيم {وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ} (¬3). ثانياً: تحية أهل النار: قال الله تعالى في تحية أهل النار: {قَالَ ادْخُلُواْ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُم مِّن الْجِنِّ وَالإِنسِ فِي النَّارِ كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَّعَنَتْ أُخْتَهَا حَتَّى إِذَا ادَّارَكُواْ فِيهَا جَمِيعًا قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لأُِولاَهُمْ رَبَّنَا هَؤُلاءِ أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِّنَ النَّارِ قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَكِن لاَّ تَعْلَمُونَ} (¬4). وقال ¬

(¬1) سورة يونس، الآيتان: 9 - 10. (¬2) سورة الرعد، الآيات: 20 - 24. (¬3) سورة الشرح، الآية: 8. (¬4) سورة الأعراف، الآية: 38.

تعالى: {هَذَا وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ * جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمِهَادُ * هَذَا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ * وَآخَرُ مِن شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ * هَذَا فَوْجٌ مُّقْتَحِمٌ مَّعَكُمْ لا مَرْحَبًا بِهِمْ إِنَّهُمْ صَالُوا النَّارِ * قَالُوا بَلْ أَنتُمْ لا مَرْحَبًا بِكُمْ أَنتُمْ قَدَّمْتُمُوهُ لَنَا فَبِئْسَ الْقَرَارُ} (¬1). وقال تعالى في أهل النار: {وَقَالَ إِنَّمَا اتَّخَذْتُم مِّن دُونِ الله أَوْثَانًا مَّوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُم بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُم بَعْضًا وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن نَّاصِرِينَ} (¬2). ¬

(¬1) سورة ص، الآيات: 55 - 60. (¬2) سورة العنكبوت، الآية: 25.

المبحث الحادي عشر: أكثر أهل الجنة وأكثر أهل النار

المبحث الحادي عشر: أكثر أهل الجنة وأكثر أهل النار أولاً: أكثر أهل الجنة: 1 - أمة محمد - صلى الله عليه وسلم -: عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه -، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((يقول الله تعالى: ياآدم! فيقول: لبيك وسَعْدَيكَ والخيرُ في يديكَ، فيقول: أخرج بعث النار، قال: وما بعث النار؟ قال: من كل ألف تسعمائة وتسعةً وتسعين، فعنده يشيب الصغير، وتضع كل ذات حمل حملها، وترى الناس سُكارى وما هم بِسُكارى، ولكن عذاب الله شديد))، فاشتد ذلك عليهم، قالوا: يا رسول الله! وأيّنا ذلك الواحد؟ قال: ((أبشروا فإن منكم رجلاً، ومن يأجوج ومأجوج ألف)). ثم قال: ((والذي نفسي بيده إني لأرجو أن تكونوا رُبُعَ أهل الجنة)). فكبرنا فقال: ((أرجو أن تكونوا ثُلُثَ أهل الجنة))،فكبرنا، فقال: ((أرجو أن تكونوا نصف أهل الجنة))، فكبرنا، فقال: ((ما أنتم في الناس إلا كالشعرة السوداء في جلدِ ثورٍ أبيض، أو كشعرة بيضاء في جلدِ ثور أسودَ)) (¬1). 2 - الفقراء: عن عمران بن حصين رضي الله عنهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((اطَّلعت في الجنة فرأيتُ أكثر أهلها الفقراء، واطَّلعت في النار فرأيتُ أكثر أهلها النساء)) (¬2). ¬

(¬1) أخرجه البخاري في كتاب أحاديث الأنبياء، باب قصة يأجوج ومأجوج، برقم 3348، ومسلم في كتاب الإيمان، باب كون هذه الأمة نصف أهل الجنة، برقم 221. (¬2) أخرجه البخاري في كتاب بدء الخلق، باب ما جاء في صفة الجنة وأنها مخلوقة، برقم 3241، ومسلم في كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب أكثر أهل الجنة الفقراء، برقم 2737.

ثانيا: أكثر أهل النار

3 - النساء: النساء أكثر أهل الجنة بإضافة الحور العين إلى نساء الدنيا في الجنة، أما نساء الدنيا فهن أقل أهل الجنة، وأكثر أهل النار (¬1). ففي صحيح مسلم أن ابن عُلية قال: أخبرنا أيوب عن محمد قال: إما تفاخروا وإما تذاكروا: الرجالُ في الجنة أكثر أم النساء؟ فقال أبو هريرة - رضي الله عنه -: أو لم يقل أبو القاسم - صلى الله عليه وسلم -: ((إن أول زمرة يدخلون الجنة على صورة القمر ليلة البدر، والذين يلونهم على أشدّ كوكب دُريٍّ في السماء إضاءة، لكل امرئٍ منهم زوجتان اثنتان، يُرى مُخُّ سوقهما من وراء اللحم، وما في الجنة أعزب)) (¬2). ثانياً: أكثر أهل النار: 1 - يأجوج ومأجوج: لحديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - أن الله ينادي آدم أن يخرج بعث النار من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين، ثم بيَّن النبي - صلى الله عليه وسلم - أن من أمته واحد، ومن يأجوج ومأجوج ألف (¬3). 2 - النساء: أكثر أهل النار النساء؛ لحديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((يا معشر النساء تصدقن وأكثرن الاستغفار، فإني رأيتكن ¬

(¬1) حادي الأرواح لابن القيم، ص142. (¬2) أخرجه البخاري في كتاب بدء الخلق، باب ما جاء في صفة الجنة وأنها مخلوقة، برقم 3246، ومسلم في كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، باب أول زمرة تدخل الجنة على صورة القمر ... ، برقم 2834 واللفظ له. (¬3) الحديث تقدم تخريجه، وهو في البخاري، برقم 6530، ومسلم، برقم 222.

أكثر أهل النار، فقالت امرأة منهن جزلة: وما لنا يا رسول الله أكثر أهل النار؟ قال: تُكْثِرْنَ اللَّعنَ، وتَكْفُرْنَ العشير)) (¬1). وعن عمران بن حصين رضي الله عنهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((اطّلعتُ في الجنة فرأيت أكثر أهلها الفقراء، واطّلعتُ في النار فرأيت أكثر أهلها النساء)) (¬2). ¬

(¬1) أخرجه البخاري في كتاب الحيض، باب ترك الحائض الصوم، برقم 304، ومسلم في كتاب الإيمان، باب بيان نقصان الإيمان بنقص الطاعات، وبيان إطلاق لفظ الكفر على غير الكفر بالله، ككفر النعمة والحقوق، برقم 79. (¬2) أخرجه البخاري في كتاب بدء الخلق، باب ما جاء في صفة الجنة وأنها مخلوقة، برقم 3241، ومسلم في كتاب الذكر والدعاء ... ، باب أكثر أهل الجنة الفقراء، برقم 2737.

المبحث الثاني عشر: درجات الجنة ودركات النار

المبحث الثاني عشر: درجات الجنة ودركات النار أولاً: درجات الجنة: قال الله تعالى: {لاَّ يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ الله بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فَضَّلَ الله الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلاًّ وَعَدَ الله الْحُسْنَى وَفَضَّلَ الله الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا * دَرَجَاتٍ مِّنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً وَكَانَ الله غَفُورًا رَّحِيمًا} (¬1). وقال - عز وجل -: {أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَ الله كَمَن بَاءَ بِسَخْطٍ مِّنَ الله وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ * هُمْ دَرَجَاتٌ عِندَ الله والله بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ} (¬2). وقال سبحانه: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ الله وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ * أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَّهُمْ دَرَجَاتٌ عِندَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ} (¬3). وعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إن أهل الجنة ليتراءون أهل الغرف من فوقهم كما تتراءون الكوكب الدري الغابر (¬4) من الأفق من المشرق أو من المغرب لِتَفَاضُلِ ما بينهم)). قالوا: يا رسول ¬

(¬1) سورة النساء، الآيتان: 95 - 96. (¬2) سورة آل عمران: الآيتان: 162 - 163. (¬3) سورة الأنفال، الآيات: 2 - 4. (¬4) الغابر: الذاهب الماشي الذي تدلى للغروب وبعد عن العيون.

الله! تلك منازل الأنبياء، لا يبلغها غيرهم. قال: ((بلى والذي نفسي بيده رجالٌ آمنوا بالله وصدَّقوا المرسلين)) (¬1). وعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: قال نبي الله - صلى الله عليه وسلم -: ((يُقال لصاحب القرآن يوم القيامة إذا دخل الجنة: اقرأ واصعد، فيقرأ ويصعد بكل آية درجة حتى يقرأ آخر شيء معه)) (¬2). وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((يُقال لصاحب القرآن: اقرأْ، وارقَ، ورتِّل كما كنت ترتل في الدنيا، فإن منزلتك عند آخر آية تقرؤها)) (¬3). وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((من آمن بالله ورسوله، وأقام الصلاة، وصام رمضان، كان حقّاً على الله أن يدخله الجنة هاجر في سبيل الله أو جلس في أرضه التي ولد فيها)). قالوا: يا رسول الله! ألا ننبئ الناس بذلك؟ قال: ((إن في الجنة مائة درجة أعدها الله للمجاهدين في سبيله، كل درجتين ما بينهما كما بين السماء والأرض، فإذا سألتم الله ¬

(¬1) أخرجه البخاري في كتاب بدء الخلق، باب ما جاء في صفة الجنة وأنها مخلوقة، برقم 3256، ومسلم في كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، باب ترائي أهل الجنة أهل الغرف كما يرى الكوكب في السماء، برقم 2831. (¬2) أخرجه ابن ماجه في كتاب الأدب، باب ثواب القرآن، برقم 3780،وأحمد في المسند، 3/ 40، وأبو يعلى في المسند، برقم 1094،وقال الألباني عنه في صحيح ابن ماجه، برقم 3780: ((صحيح)). (¬3) أخرجه أبو داود في كتاب الوتر، باب استحباب الترتيل في القراءة، برقم 1464، والترمذي في كتاب فضائل القرآن، باب 18، برقم 2914، وأحمد، 2/ 191، وابن حبان كما في الموارد، برقم 1790، والحاكم، 1/ 552 - 553، وصححه، ووافقه الذهبي. وقال أبو عيسى: ((هذا حديث حسن صحيح))، وقال الألباني عنه في صحيح الجامع الصغير، 2/ 1029: ((صحيح)).

ثانيا: دركات النار وعمقها:

فسلوه الفردوس؛ فإنه أوسط الجنة، وأعلى الجنة، وفوقه عرش الرحمن، ومنه تفجَّر أنهار الجنة)) (¬1). وأعلى درجات الجنة الوسيلة، فعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول، ثم صلوا عليَّ؛ فإنه من صلى عليَّ صلاةً صلَّى الله عليه بها عشراً، ثم سلوا الله ليَ الوسيلة؛ فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله، وأرجو أن أكون أنا هو، فمن سأل لي الوسيلة حلّت له الشفاعة)) (¬2)، وسُمّيت درجة النبي - صلى الله عليه وسلم - الوسيلة؛ لأنها أقرب الدرجات إلى عرش الرحمن، وهي أقرب الدرجات إلى الله تعالى (¬3). ثانياً: دركات النار وعمقها: الدرج إذا كان بعضها فوق بعض، والدرك إذا كان بعضها أسفل من بعض، فالجنة درجات، والنار دركات، وقد تُسمَّى النار درجات أيضاً (¬4). كما قال الله تعالى بعد أن ذكر أهل الجنة وأهل النار: {وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِّمَّا عَمِلُوا} (¬5). ¬

(¬1) أخرجه البخاري في كتاب الجهاد والسير، باب درجات المجاهدين في سبيل الله، برقم 2790، وفي كتاب التوحيد، باب {وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى المَاءِ}، برقم 7423. (¬2) أخرجه مسلم في كتاب الصلاة، باب استحباب القول مثل قول المؤذن لمن سمعه، ثم يصلي على النبي - صلى الله عليه وسلم -، برقم 384. (¬3) حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح لابن القيم، ص99. (¬4) انظر: التخويف من النار والتعريف بحال دار البوار، لابن رجب، ص69. (¬5) سورة الأنعام، الآية: 132.

وقال - عز وجل - في المنافقين: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ} (¬1). وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: ((أنه رأى في النوم كأن ملكين أخذاه فذهبا به إلى النار، فإذا هي مطوية كطي البئر، وإذا لها قرنان، قال: وإذا فيها أناس قد عرفتهم، فجعلت أقول: أعوذ بالله من النار، قال: فلقينا ملكٌ آخر فقال: لم تُرَعْ، قال: فقصصتها على حفصة، فقصتها حفصة على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: ((نِعم الرجل عبد الله لو كان يصلي من الليل)). فكان بعدُ لا ينام من الليل إلا قليلاً (¬2). وعن عتبة بن غزوان قال عن قعر جهنم: (( ... فإنه قد ذُكِرَ لنا أن الحجر يُلقى من شفةِ جهنم فيهوي فيها سبعين عاماً، لا يدرك لها قعراً، ووالله لتملأن أفعجبتم))؟ (¬3). وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: كنا عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذ سمع وجبة فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((أتدرون ما هذا؟)) قال: قلنا: الله ورسوله أعلم، قال: ((هذا حجر رُميَ به في النار مُنذُ سبعين خريفاً، فهو يهوي في النار الآن حتى انتهى إلى قعرها)) (¬4). ¬

(¬1) سورة النساء، الآية: 145. (¬2) أخرجه البخاري في أبواب التهجد، باب فضل قيام الليل، برقم 1121 - 1122. ومسلم في كتاب فضائل الصحابة، باب من فضائل عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، برقم 2479. (¬3) أخرجه مسلم في كتاب الزهد والرقائق، برقم 2967. (¬4) أخرجه مسلم في كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، باب في شدة حر نار جهنم وبعد قعرها وما تأخذ من المعذبين، برقم 2844.

المبحث الثالث عشر: أدنى أهل الجنة منزلة، وأهون أهل النار عذابا

المبحث الثالث عشر: أدنى أهل الجنة منزلةً، وأهون أهل النار عذاباً أولاً: أدنى أهل الجنة منزلة: عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إني لأعلم آخر أهل النار خروجاً منها، وآخر أهل الجنة دخولاً الجنة، رجل يخرج من النار حبواً، فيقول الله تبارك وتعالى: اذهب فادخل الجنة، فيأتيها فَيُخَيَّل إليه أنها ملأى، فيرجع فيقول: يا رب وجدتها ملأى، فيقول الله تبارك وتعالى له: اذهب فادخل الجنة، قال: فيأتيها فَيُخَيَّل إليه أنها ملأى، فيرجع فيقول: يا رب وجدتها ملأى، فيقول الله له: اذهب فادخل الجنة، فإن لك مثل الدنيا وعشرة أمثالها، أو إن لك عشرة أمثال الدنيا، قال فيقول: أتسخر بي [أو تضحك بي] وأنت الملك))؟ قال: فلقد رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ضحك حتى بدت نواجذه، قال: ((فكان يقال: ذاك أدنى أهل الجنة منزلة)) (¬1). وفي حديث ابن مسعود وحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنهما قصة صاحب الشجرة، وهو أدنى أهل الجنة منزلة، وفيه: ((ويُذَكِّره الله: سل كذا، وكذا، فإذا انقطعت به الأماني قال الله: هو لك وعشرةُ أمثاله، ثم يدخل بيته فتدخل عليه زوجتاهُ من الحور العين، فتقولان: الحمد لله الذي أحياك لنا وأحيانا لك، فيقول: ما أُعطي أحدٌ مثل ما أُعطيتُ)) (¬2). وعن المغيرة بن شعبة - رضي الله عنه - يرفعه: ((سأل موسى ربه: ما أدنى أهل الجنة ¬

(¬1) أخرجه البخاري في كتاب الرقاق، باب صفة الجنة والنار، برقم 6571، ومسلم في كتاب الإيمان، باب آخر أهل النار خروجاً، برقم 186. (¬2) أخرجه مسلم في كتاب الإيمان، باب آخر أهل النار خروجاً، رقم 187.

ثانيا: أهون أهل النار عذابا وشدة حرارتها، وتفاوتهم فيها:

منزلة؟ قال: هو رجل يجيء بعدما أُدخل أهل الجنة الجنة، فيقال له: ادخل الجنة. فيقول: أي ربِّ كيف وقد نزل الناس منازلهم، وأخذوا أخذاتهم (¬1)؟ فيقال له: أترضى أن يكون لك مثل مُلْكِ مَلِكٍ من ملوك الدنيا؟ فيقول: رضيتُ ربِّ، فيقول: لك ذلك ومثلُهُ، ومثلُهُ، ومثلُهُ، ومثلُهُ، فقال في الخامسة: رضيت ربِّ، فيقول: هذا لك وعشرةُ أمثالِه، ولك ما اشتهت نفسك، ولذَّت عينُكَ، فيقول: رضيت ربِّ ... )) الحديث (¬2). ثانياً: أهون أهل النار عذاباً وشدة حرارتها، وتفاوتهم فيها: عن النعمان بن بشير - رضي الله عنه - قال: سمعت النبي الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((إن أهون أهل النار عذاباً يوم القيامة رجل على أخمص قدميه جمرتان يغلي منهما دماغه كما يغلي الْمِرْجَل (¬3) بالقُمْقُمْ)) (¬4)، وفي رواية لمسلم: ((ما يرى أن أحداً أشد منه عذاباً، وإنه لأهونهم عذاباً)) (¬5). وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - يرفعه: ((ناركم هذه التي يُوقد ابنُ آدم سبعين جزءاً من حَرِّ جهنم، قالوا: والله إن كانت لكافية يا رسول الله! قال: فإنها ¬

(¬1) أخذوا أخذاتهم: هو ما أخذوه من كرامة مولاهم وحصلوه. (¬2) أخرجه مسلم في كتاب الإيمان، باب أدنى أهل الجنة منزلة فيها، برقم 189. (¬3) الْمِرْجَل: قِدر من نحاس، وهو الإناء الذي يُغلى فيه الماء، والميم زائدة؛ لأنه إذا نصب كأنه أقيم على أرجل، ويقال لكل إناء يُغلى فيه الماء من أي صنف كان. والقمقم: معروف من آنية العطار، ويقال: هو إناء ضيق الرأس، يسخن فيه الماء، ويكون من نحاس وغيره، ورواه بعضهم: ((كما يغلي المرجل والقمقم))، وهو أبين إن ساعدته صحة الرواية. انظر: النهاية في غريب الحديث لابن الأثير، 4/ 110، 315، وفتح الباري لابن حجر، 11/ 430 - 431. (¬4) أخرجه البخاري في كتاب الرقاق، باب صفة الجنة والنار، برقم 6562، ومسلم في كتاب الإيمان، باب أهون أهل النار عذاباً، برقم 213، واللفظ للبخاري. (¬5) أخرجه مسلم في كتاب الإيمان، باب أهون أهل النار عذاباً، برقم 213/ 364.

فُضِّلت عليها بتسعة وستين جزءاً كلها مثل حرها)) (¬1). وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((اشتكت النارُ إلى ربها فقالت: يا ربِّ أكل بعضي بعضاً، فأذِنَ لها بنفسين: نفسٍ في الشتاء ونفسٍ في الصيف، فهو أشدُّ ما تجدون من الحرِّ، وأشد ما تجدون من الزمهرير)) (¬2). وعن شقيق عن عبد الله - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((يُؤتى بجهنم يومئذٍ لها سبعون ألف زمام، مع كل زمام سبعون ألف مَلَكٍ يجرونها)) (¬3). وعن سمرة - رضي الله عنه - أنه سمع نبي الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((منهم من تأخذه النار إلى كعبيه، ومنهم من تأخذه النار إلى ركبتيه، ومنهم من تأخذه النار إلى حُجْزَته (¬4)، ومنهم من تأخذه النار إلى ترقُوَتِهِ (¬5))) (¬6). وهذا الحديث نص في تفاوت عقاب أهل النار، نعوذ بالله منها ومن كل ما يقرب إليها من قول أو عمل (¬7). ¬

(¬1) أخرجه مسلم في كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، باب في شدة حر نار جهنم، وبُعد قعرها، وما تأخذ من المعذبين، برقم 2843. (¬2) أخرجه البخاري في كتاب بدء الخلق، باب صفة النار وأنها مخلوقة، برقم 3260، ومسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب استحباب الإبراد بالظهر في شدة الحر لمن يمضي إلى جماعة ويناله الحر في طريقه، برقم 617، والزمهرير: شدة البرودة. (¬3) أخرجه مسلم في كتاب الجنة وصفة نعيمها، باب في شدة حر نار جهنم، وبُعد قعرها، برقم 2842. (¬4) حُجزته: هي معقد الإزار والسراويل. (¬5) ترقُوته: العظم الذي بين ثغر النحر والعاتق، شرح النووي، 17/ 186. (¬6) أخرجه مسلم في كتاب الجنة وصفة نعيمها، باب في شدة حر نار جهنم وبُعد قعرها، برقم 2845. (¬7) شرح الأبي على صحيح مسلم، 9/ 287.

المبحث الرابع عشر: لباس أهل الجنة ولباس أهل النار

المبحث الرابع عشر: لباس أهل الجنة ولباس أهل النار أولاً: لباس أهل الجنة: قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لاَ نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً * أُوْلَئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا مِّن سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُّتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الأَرَائِكِ نِعْمَ الثَّوَابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقًا} (¬1). وقال سبحانه: {عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُندُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِن فِضَّةٍ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا} (¬2). وقال - عز وجل -: {إِنَّ الله يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ} (¬3). وقال تعالى: {جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ} (¬4). الإستبرق: ما غلظ من الحرير والإبريسم (¬5)، وقيل: هو الديباج ¬

(¬1) سورة الكهف، الآيتان: 30 - 31. (¬2) سورة الإنسان، الآية: 21. (¬3) سورة الحج، الآية: 23. (¬4) سورة فاطر، الآية: 33. (¬5) النهاية في غريب الحديث لابن الأثير، 1/ 47.

الديباج

الغليظ، أو ديباج يعمل بالذهب، أو ثياب حرير صِفاقٌ نحو الديباج (¬1). الديباج: الثياب المتخذة من الإبريسم (¬2). السندس: نوع من رقيق الديباج (¬3). الدُّرةُ: اللؤلؤة العظيمة (¬4). وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: سمعت خليلي - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((تبلغ الحلية من المؤمن حيث يبلغ الوضوء)) (¬5). وعن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((أول زمرة يدخلون الجنة كأن وجوهَهم ضوءُ القمر ليلة البدر، والزمرة الثانية على لون أحسن كوكب دُرِّيّ في السماء، لكل واحد منهم زوجتان من الحور العين، على كل زوجة سبعون حلة يُرَى مُخُّ سُوقِها من وراء لحومها وحللها، كما يُرَى الشرابُ الأحمرُ في الزجاجة البيضاء)) (¬6). أُهدي لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - حريرٌ، فجعلوا يعجبون من لينه، فقال رسول ¬

(¬1) القاموس المحيط، ص1120. (¬2) النهاية في غريب الحديث، 2/ 96. (¬3) القاموس المحيط، ص710. (¬4) الدُّرةُ: بالضم هي اللؤلؤ العظيمةُ، وبالكسر ((الدِّرَّةُ: التي يُضرب بها. ودُرِّيٌّ: مضيءٌ، يقال دُرِّيّ السيف: تلألؤهُ وإشراقه)). القاموس المحيط، ص550، والمعجم الوسيط، 1/ 279. (¬5) أخرجه مسلم في كتاب الطهارة، باب تبلغ الحلية حيث يبلغ الوضوء، برقم 250. (¬6) أخرجه الطبراني في معجمه الكبير، 10/ 198،برقم 10321،والبزار كما في الكشف،4/ 202، برقم 3536، وقال ابن القيم في كتابه حادي الأرواح، ص215: ((وهذا الإسناد على شرط الصحيح))، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد، 10/ 411: ((وإسناد ابن مسعود صحيح)).

ثانيا: لباس أهل النار:

الله - صلى الله عليه وسلم -: ((تعجبون من هذه؟ لمناديل سعد بن معاذ في الجنة أحسنُ من هذا)) (¬1). ثانياً: لباس أهل النار: بيَّن الله تعالى لباس أهل النار - أعاذنا الله منها - وبيَّنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ومن ذلك: قال الله تعالى: {هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِّن نَّارٍ يُصَبُّ مِن فَوْقِ رُؤُوسِهِمُ الْحَمِيمُ * يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ} (¬2). وقال سبحانه: {وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُّقَرَّنِينَ فِي الأَصْفَادِ * سَرَابِيلُهُم مِّن قَطِرَانٍ وَتَغْشَى وُجُوهَهُمُ النَّارُ} (¬3). قُطِّعَتْ لهم ثياب من نار: أي فُصِّلتْ لهم مقطعات من النار. قال سعيد بن جبير: من نحاس، وهو أشد حرارة إذا حُمِّي. يُصبُّ من فوق رؤوسهم الحميم: وهو الماء الحار في غاية الحرارة، وقال سعيد بن جبير: هو النحاس المذاب، أذاب ما في بطونهم من الشحم والأمعاء، وتذوب جلودهم وتتساقط (¬4). ¬

(¬1) أخرجه البخاري في كتاب بدء الخلق، باب ما جاء في صفة الجنة وأنها مخلوقة، رقم 3249، ومسلم في كتاب فضائل الصحابة، باب من فضائل سعد بن معاذ - رضي الله عنه -، برقم 2468، 2469. (¬2) سورة الحج، الآيتان: 19 - 20. (¬3) سورة إبراهيم، الآيتان: 49 - 50. (¬4) انظر: تفسير ابن كثير، 3/ 213، 4/ 42، 465، وتفسير البغوي، 4/ 67، 438.

مقرنين في الأصفاد

مقرنين في الأصفاد: أي القيود بعضهم إلى بعضٍ، قد جُمِعَ بين النظراء، أو الأشكال منهم كل صنف إلى صنف (¬1). سرابيلهم: أي ثيابهم التي يلبسونها من قطران: وهو الذي تُطلى به الإبل، وقال ابن عباس: القَطِرَانُ: هو النحاس المذاب الحار (¬2). وعن أبي مالك الأشعري - رضي الله عنه - قال: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((أربعٌ في أمتي من أمر الجاهلية، لا يتركونهن: الفخر في الأحساب، والطعن في الأنساب، والاستسقاء بالنجوم، والنياحة، وقال: والنائحة إذا لم تتب تقام يوم القيامة وعليها سربال من قطران ودرع من جرب)) (¬3). ¬

(¬1) انظر: تفسير ابن كثير، 2/ 545. (¬2) انظر: المرجع السابق، 2/ 546. (¬3) أخرجه مسلم في كتاب الجنائز، باب التشديد في النياحة، برقم 934.

المبحث الخامس عشر: فرش أهل الجنة وفرش أهل النار

المبحث الخامس عشر: فُرُشُ أهل الجنة وَفُرُشُ أهل النار أولاً: فرش أهل الجنة جعلنا الله من أهلها: قال الله تعالى: {مُتَّكِئِينَ عَلَى فُرُشٍ بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دَانٍ} (¬1). وقال سبحانه: {وفُرُشٍ مرفُوعةٍ} (¬2). وقال - عز وجل -: {مُتَّكِئِينَ عَلَى رَفْرَفٍ خُضْرٍ وَعَبْقَرِيٍّ حِسَانٍ} (¬3). وقال تعالى: {فِيهَا سُرُرٌ مَّرْفُوعَةٌ * وَأَكْوَابٌ مَّوْضُوعَةٌ * وَنَمَارِقُ مَصْفُوفَةٌ * وَزَرَابِيُّ مَبْثُوثَةٌ} (¬4). النمارق: الوسائد (¬5). العبقريّ: قيل: البسط، وقيل: كل شيء من البسط عبقريّ، وصار العبقريّ اسماً ونعتاً لكل ما بُولغ في صفته (¬6). الزرابيّ: البسط. الرفرف: قيل: الوسائد، وقيل: المحابس، وقيل: طرف البساط (¬7). ¬

(¬1) سورة الرحمن، الآية: 54. (¬2) سورة الواقعة، الآية: 34. (¬3) سورة الرحمن، الآية: 76. (¬4) سورة الغاشية، الآيات: 13 - 16. (¬5) تفسير ابن كثير، 4/ 504، وحادي الأرواح لابن القيم، ص220. (¬6) حادي الأرواح، ص221، وتفسير ابن كثير، 4/ 281. (¬7) حادي الأرواح لابن القيم، ص220، وتفسير ابن كثير، 4/ 281.

ثانيا: فرش أهل النار ولحفهم:

ثانياً: فرش أهل النار ولحفهم: قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُواْ عَنْهَا لاَ تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلاَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ * لَهُم مِّن جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِن فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ} (¬1). وقال تعالى: {لَهُم مِّن فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِّنَ النَّارِ وَمِن تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ذَلِكَ يُخَوِّفُ الله بِهِ عِبَادَهُ يَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ} (¬2). {لَهُم مِّن جَهَنَّمَ مِهَادٌ}: أي فرش (¬3). {وَمِن فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ}: أي لُحُف (¬4). {لَهُم مِّن فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِّنَ النَّارِ وَمِن تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ}: أي قطع عذاب كالسحاب العظيم، وأطباق من النار، ودخان، ولهب، وحر من فوقهم ومن تحتهم (¬5). ¬

(¬1) سورة الأعراف، الآيتان: 40 - 41. (¬2) سورة الزمر، الآية: 16. (¬3) تفسير ابن كثير، 2/ 215، وتفسير البغوي، 2/ 160. (¬4) انظر: المرجعين السابقين، 2/ 215، 2/ 160. (¬5) تفسير البغوي، 4/ 74، وأيسر التفاسير للجزائري، 4/ 34، وتيسير الكريم الرحمن للسعدي، 6/ 457.

المبحث السادس عشر: طعام أهل الجنة وطعام أهل النار

المبحث السادس عشر: طعام أهل الجنة وطعام أهل النار أولاً: طعام أهل الجنة: قال الله تعالى: {ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ * يُطَافُ عَلَيْهِم بِصِحَافٍ مِّن ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الأَنفُسُ وَتَلَذُّ الأَعْيُنُ وَأَنتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ * وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ * لَكُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ مِنْهَا تَأْكُلُونَ} (¬1). وقال سبحانه: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ * فَاكِهِينَ بِمَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ وَوَقَاهُمْ رَبُّهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ * كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ * مُتَّكِئِينَ عَلَى سُرُرٍ مَّصْفُوفَةٍ وَزَوَّجْنَاهُم بِحُورٍ عِينٍ * وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُم مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ * وَأَمْدَدْنَاهُم بِفَاكِهَةٍ وَلَحْمٍ مِّمَّا يَشْتَهُونَ * يَتَنَازَعُونَ فِيهَا كَأْسًا لا لَغْوٌ فِيهَا وَلا تَأْثِيمٌ} (¬2). وقال - عز وجل -: {وَفَاكِهَةٍ مِّمَّا يَتَخَيَّرُونَ * وَلَحْمِ طَيْرٍ مِّمَّا يَشْتَهُونَ} (¬3). وقال سبحانه: {يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفَى مِنكُمْ خَافِيَةٌ * فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَؤُوا كِتَابِيهْ * إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسَابِيهْ * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ * فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ * قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ * كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الأَيَّامِ الْخَالِيَةِ} (¬4). ¬

(¬1) سورة الزخرف، الآيات: 70 - 73. (¬2) سورة الطور، الآيات: 17 - 23. (¬3) سورة الواقعة، الآيتان: 20 - 21. (¬4) سورة الواقعة، الآيات: 18 - 24.

ثانيا: طعام أهل النار:

ثانياً: طعام أهل النار: 1 - طعام الزقوم: قال تعالى: {ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ* لآكِلُونَ مِن شَجَرٍ مِّن زَقُّومٍ * فَمَالِؤُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ * فَشَارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ * فَشَارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ * هَذَا نُزُلُهُمْ يَوْمَ الدِّينِ} (¬1). وقال - سبحانه وتعالى -: {إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ * طَعَامُ الأَثِيمِ * كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ * كَغَلْيِ الْحَمِيمِ} (¬2). الزقوم: شجرة خبيثة كريهة الطعم، يُكره أهلُ النار على تناوُلِها، فهم يتزقّمونها على أشد كراهة. ومنه قولهم: ... تزقّم الطعام إذا تناوله على كره ومشقّة (¬3). طعام الأثيم: أي الفاجر صاحب الإثم (¬4). كالمهل يغلي في البطون: كعكر الزيت يغلي كغلي الماء الحار إذا اشتدّ غليانه (¬5). 2 - طعام الغِسلين: قال الله تعالى: {فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هَاهُنَا حَمِيمٌ * وَلا طَعَامٌ إِلا مِنْ غِسْلِينٍ * لا يَأْكُلُهُ إِلا الْخَاطِؤُونَ} (¬6). ¬

(¬1) سورة الواقعة، الآيات: 51 - 56. (¬2) سورة الدخان، الآيات: 43 - 46. (¬3) تفسير البغوي، 4/ 154. (¬4) المرجع السابق، 4/ 146 - 154. (¬5) تفسير البغوي، 4/ 154، وتفسير ابن كثير، 4/ 146. (¬6) سورة الحاقة، الآيات: 35 - 37.

3 - طعام ذا غصة

والغسلين هو: غسالة أبدان الكفار في النار. وقيل: صديد أهل النار كأنه غسالة جروحهم وقروحهم. وقيل: الماء والدم يسيل من لحوم أهل النار (¬1). 3 - طعام ذا غصة: قال سبحانه: {إِنَّ لَدَيْنَا أَنكَالاً وَجَحِيمًا * وَطَعَامًا ذَا غُصَّةٍ وَعَذَابًا أَلِيمًا} (¬2). ذا غصة: يأخذ بالحلق، فينشب في الحلق، فلا يدخل ولا يخرج، وقيل: هو الزقّوم، والضَّريع (¬3). 4 - طعام الضريع: قال الله تعالى: {لَّيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلا مِن ضَرِيعٍ * لا يُسْمِنُ وَلا يُغْنِي مِن جُوعٍ} (¬4). الضَّريع: قيل هو نبت ذو شوك، تُسَمِّيه قريش الشبرق، فإذا يبس سُمِّي الضريع، وهو أخبث طعام وأبشعه (¬5). ¬

(¬1) غريب القرآن للأصفهاني، ص361، وتفسير البغوي، 4/ 390، وابن كثير، 4/ 417. (¬2) سورة المزمل، الآيتان: 12 - 13. (¬3) تفسير ابن كثير، 4/ 438، وتفسير البغوي، 4/ 410. (¬4) سورة الغاشية، الآيتان: 6 - 7. (¬5) انظر: غريب القرآن للأصفهاني، ص290، وتفسير البغوي، 4/ 478.

المبحث السابع عشر: شراب أهل الجنة وأنهارها وشراب أهل النار

المبحث السابع عشر: شراب أهل الجنة وأنهارها وشراب أهل النار أولاً: شراب أهل الجنة وأنهارها: 1 - شراب أهل الجنة: قال الله تعالى: {إِنَّ الأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِن كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا * عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ الله يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا} (¬1). فقوله تعالى: {يَشْرَبُونَ مِن كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا}، أي: يشربون من كأس فيه شراب كان مزاجه كافوراً: وقد عُلِمَ ما في الكافور من الرائحة الطيبة والتبريد، مع ما يُضاف إلى ذلك من اللذاذة في الجنة (¬2). وقيل: يمزج بالكافور، ويختم بالمسك (¬3). {يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا}: يقودونها، ويتصرفون فيها حيث شاءوا من قصورهم ومجالسهم (¬4). وقال تعالى: {وَيُطَافُ عَلَيْهِم بِآنِيَةٍ مِّن فِضَّةٍ وَأَكْوَابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَاْ * قَوَارِيرَ مِن فِضَّةٍ قَدَّرُوهَا تَقْدِيرًا * وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْسًا كَانَ مِزَاجُهَا زَنجَبِيلاً * عَيْنًا فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلاً} (¬5). {وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْسًا}: أي يسقون في هذه الأكواب خمراً ممزوجاً ¬

(¬1) سورة الإنسان، الآيتان: 5 - 6. (¬2) تفسير ابن كثير، 4/ 455. (¬3) تفسير البغوي، 4/ 427. (¬4) تفسير ابن كثير، 4/ 455، وتفسير البغوي، 4/ 428. (¬5) سورة الإنسان، الآيات: 15 - 18.

الرحيق

بالزنجبيل، فتارةً يُمزج لهم الشراب بالكافور، وهو بارد، وتارةً بالزنجبيل، وهو حارّ. {عَيْنًا فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلاً}: اسم عين في الجنة، سلسلة، منقادة لهم، يُصَرِّفُونَها حيث شاءوا (¬1). وقال سبحانه: {يُسْقَوْنَ مِن رَّحِيقٍ مَّخْتُومٍ*خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ*وَمِزَاجُهُ مِن تَسْنِيمٍ*عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ} (¬2). الرحيق: أي يسقون من خمر من الجنة، والرحيق: من أسماء الخمر، ختامه مسك: أي ممزوج. ختامه: أي آخر طعمه وعاقبته مسك. وقيل: شراب أبيض مثل الفضة يختمون به شرابهم (¬3). {وَمِزَاجُهُ مِن تَسْنِيمٍ}: أي ومزاج هذا الرحيق الموصوف من تسنيم ... أي من شراب يقال له تسنيم، وهو أشرف شراب أهل الجنة وأعلاه؛ ولهذا قال: {عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ}: أي يشرب المقربون التسنيم خالصاً صِرْفاً، وتمزج لأصحاب اليمين مزجاً (¬4). 2 - أنهار الجنة: قال الله تعالى: {مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِّن مَّاءٍ غَيْرِ ¬

(¬1) تفسير ابن كثير، 4/ 457، والبغوي، 4/ 430. (¬2) سورة المطففين، الآيات: 25 - 28. (¬3) ابن كثير، 4/ 487، 488، والبغوي، 4/ 461. (¬4) تفسير ابن كثير، 4/ 488، والبغوي، 4/ 462.

نهر الكوثر

آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِن لَّبَنٍ لَّمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِّنْ خَمْرٍ لَّذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِّنْ عَسَلٍ مُّصَفًّى وَلَهُمْ فِيهَا مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ} (¬1). {مَّاءٍ غَيْرِ آسِنٍ}: أي غير متغير (¬2). - ونهر الكوثر الذي أُعطيه النبي - صلى الله عليه وسلم -، فعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((حوضي مسيرة شهر، ماؤهُ أبيض من اللبن، وريحه أطيب من المسك، وكيزانه كنجوم السماء، فمن شرب منه فلا يظمأ أبداً)) (¬3). - وطوله وعرضه سواء: أي طوله مسيرة شهر، وعرضه مسيرة شهر (¬4). وعن أنس - رضي الله عنه - قال: لَمّا عُرِجَ بالنبي - صلى الله عليه وسلم - إلى السماء قال: ((أتيتُ على نهرٍ حافَّتاه قباب اللؤلؤ مُجوَّفٌ، فقلت: ما هذا يا جبريل؟ قال: هذا الكوثر)) (¬5)، وفي رواية: ((بينما أنا أسير في الجنة إذا أنا بنهرٍ حافتاه قبابُ الدُّرِّ المجوَّف، قلت: ما هذا يا جبريل؟ قال: هذا الكوثر الذي أعطاك ربُّك، فإذا طينه أو طيبه مِسكٌ أذفر)) (¬6). قال الله تعالى: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ ¬

(¬1) سورة محمد، الآية: 15. (¬2) تفسير ابن كثير، 4/ 177، والبغوي، 4/ 181. (¬3) أخرجه البخاري في كتاب الرقاق، باب في الحوض، برقم 6579، ومسلم في كتاب الفضائل، باب إثبات حوض نبينا - صلى الله عليه وسلم - وصفاته، برقم 2292. (¬4) انظر: شرح العقيدة الواسطية لشيخ الإسلام ابن تيمية، للمؤلف، ص64. (¬5) أخرجه البخاري في كتاب التفسير، باب سورة الكوثر، برقم 4964. (¬6) أخرجه البخاري في كتاب الرقاق، باب في الحوض، برقم 6581.

ثانيا: شراب أهل النار أعاذنا الله منها:

الْكَوْثَرَ * فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ * إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَرُ} (¬1)، وقد ثبت أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: ((ليَرِدنَّ عليَّ أناسٌ من أصحابي الحوض)) وفي رواية: ((أقوامٌ أعرفهم ويعرفوني، ثم يُحال بيني وبينهم فأقول: إنهم مني، فيُقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك، فأقول: سُحقاً سُحقاً لمن غيَّر بعدي)) وقال ابن عباس: سُحقاً: بُعداً (¬2). ثانياً: شراب أهل النار أعاذنا الله منها: 1 - الحميم: قال الله تعالى: {وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ} (¬3):أي حاراً شديد الحرارة لايُستطاع، فقطَّع ما في بطونهم من الأمعاء والأحشاء (¬4). {يُصَبُّ مِن فَوْقِ رُؤُوسِهِمُ الْحَمِيمُ * يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ} (¬5). 2 - الصديد: قال الله - عز وجل -: {وَاسْتَفْتَحُواْ وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ * مِّن وَرَآئِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقَى مِن مَّاءٍ صَدِيدٍ * يَتَجَرَّعُهُ وَلاَ يَكَادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِن وَرَآئِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ} (¬6). ¬

(¬1) سورة الكوثر، الآيات: 1 - 3. (¬2) أخرجه البخاري في كتاب الرقاق، باب في الحوض، برقم 6583، ومسلم في كتاب الفضائل، باب إثبات حوض نبينا - صلى الله عليه وسلم - وصفاته، برقم 2290، 2291. (¬3) سورة محمد، الآية: 15. (¬4) تفسير ابن كثير، 4/ 176. (¬5) سورة الحج، الآيتان: 19 - 20. (¬6) سورة إبراهيم، الآيات: 15 - 17.

3 - الماء الذي كالمهل

والصديد: قيل: هو ما يسيل من أبدان الكفار، وأجوافهم، من القيح والدم (¬1). وعن جابر - رضي الله عنه -، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((كلّ مُسكرٍ حرامٌ، إنّ على الله - عز وجل - عهداً لمن شرب المسكر أن يسقيه من طينة الخبال)) قالوا: يا رسول الله! وما طينة الخبال؟ قال: ((عَرَقُ أهل النار، أو عُصارة أهل النار)) (¬2). 3 - الماء الذي كالمهل: والمهل: هو: دُرْدِيُّ الزيت (¬3)، وهو ماءٌ غليظٌ، أسود، حارٌّ، منتنٌ، إذا أراد الكافر أن يشربه وَقَرَّبَهُ من وجهه شواه حتى تسقط جلدة وجهه فيه (¬4). قال الله تعالى: {إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا} (¬5). 4 - الغَسَّاق: قال تعالى: {لا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْدًا وَلا شَرَابًا * إِلا حَمِيمًا وَغَسَّاقًا * جَزَاءً وِفَاقًا * إِنَّهُمْ كَانُوا لا يَرْجُونَ حِسَابًا * وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كِذَّابًا * وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ كِتَابًا * فَذُوقُوا فَلَن نَّزِيدَكُمْ إِلا عَذَابًا} (¬6). ¬

(¬1) تفسير ابن كثير، 2/ 537، والبغوي، 3/ 29. (¬2) أخرجه مسلم في كتاب الأشربة، باب بيان أن كل مسكر خمر وأن كل خمر حرام، برقم 2002، وانظر: أحاديث في الموضوع صحيح الترمذي، 2/ 169، وصحيح أبي داود، 2/ 701. (¬3) مفردات غريب القرآن للأصفهاني، ص476. (¬4) تفسير ابن كثير، 3/ 82، 4/ 421. (¬5) سورة الكهف، الآية: 29. (¬6) سورة النبأ، الآيات: 24 - 30.

5 - عين آنية

والغسَّاق: هو البارد الذي لا يُستطاع من شدة برده، يحرقهم ببَرْدِهِ، كما تحرقهم النار بحرّها، وهو الزمهرير، وهو ما اجتمع من صديد أهل النار، وعرقهم، وجروحهم، ودمعهم، فهو بارد مُنْتِنٌ (¬1). 5 - عينٌ آنية: قال الله تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ * عَامِلَةٌ نَّاصِبَةٌ * تَصْلَى نَارًا حَامِيَةً * تُسْقَى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ} (¬2). و ((آنية)) متناهية في الحرارة والغليان (¬3). وقال تعالى: {يَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ} (¬4). وكانت العرب تقول للشيء إذا انتهى حرّه حتى لا يكون أحرَّ منه: قد آنَ حرُّهُ (¬5). ¬

(¬1) تفسير ابن كثير، 4/ 42/465، والبغوي، 4/ 67، 438. (¬2) سورة الغاشية، الآيات: 2 - 5. (¬3) تفسير ابن كثير، 4/ 503، وتفسير البغوي، 4/ 478. (¬4) سورة الرحمن، الآية: 44. (¬5) التخويف من النار، لابن رجب الحنبلي، ص150.

المبحث الثامن عشر: قصور أهل الجنة ومساكن أهل النار

المبحث الثامن عشر: قصور أهل الجنة ومساكن أهل النار أولاً: قصور أهل الجنة وخيامهم وغرفهم: قال الله تعالى: {لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِّن فَوْقِهَا غُرَفٌ مَّبْنِيَّةٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ وَعْدَ الله لا يُخْلِفُ الله الْمِيعَادَ} (¬1). قال ابن كثير رحمه الله: أخبر - عز وجل - عن عباده السعداء أن لهم غرفاً في الجنة، وهي القصور الشاهقة، من فوقها غرف مبنيَّة، طباق فوق طباق، مبنيَّات محكمات، مزخرفات عاليات (¬2). وعن أبي مالك الأشعري - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إنَّ في الجنة غُرفاً يُرى ظاهرُها من باطنها، وباطنُها من ظاهرها، أعدّها الله تعالى لمن أطعم الطعام، وألانَ الكلام، وتابع الصيام، وأفشى السلام، وصلّى بالليل والناس نيام)) (¬3). وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((بينما أنا نائم رأيتني في الجنة، فإذا امرأة تتوضأ إلى جانب قصر، فقلت: لمن هذا القصر؟ فقالوا: لعمر بن الخطاب، فذكرت غيرتك فوليتُ مدبراً))، فبكى عمر وقال: ¬

(¬1) سورة الزمر، الآية: 20. (¬2) تفسير ابن كثير، 4/ 50. (¬3) أخرجه أحمد في المسند، 5/ 343، وابن حبان (موارد)، برقم 641، والبيهقي في شعب الإيمان، برقم 3892، عن أبي مالك الأشعري، والترمذي عن علي - رضي الله عنه - في كتاب البر والصلة، باب ما جاء في قول المعروف، برقم 1984، وفي كتاب صفة الجنة، باب ما جاء في صفة الجنة ونعيمها، برقم 2527، وقال في الموضعين: هذا حديث غريب، وأحمد في المسند عن عبد الله بن عمرو، 2/ 173، وحسنه الألباني في صحيح الترمذي، 2/ 311، وفي صحيح الجامع، 2/ 220، برقم 2119.

((أعليك أغار يا رسول الله؟)) (¬1). وعن جابر - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((دخلت الجنة فإذا أنا بقصرٍ من ذهب، فقلت: لمن هذا؟ فقالوا: لرجل من قريش، فما منعني أن أدخله يا ابن الخطاب إلا ما أعلمه من غيرتك)). قال: ((وعليك أغار يا رسول الله؟)) (¬2). وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: أتى جبريل النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: ((يا رسول الله! هذه خديجة قد أتتك معها إناءٌ فيه إدامٌ، أو طعام، أو شراب، فإذا هي أتتك (¬3) فاقرأ عليها السلام من ربها ومني، وبشَّرها ببيتٍ في الجنة من قَصَبٍ لا صَخَبَ فيه ولا نَصَب)) (¬4). قوله: من قصب: أي من لؤلؤة مجوفة، واسعة، كالقصر المنيف، وقيل بيت من القصب المنظوم بالدر، واللؤلؤ، والياقوت (¬5). وقال الله تعالى للنبي - صلى الله عليه وسلم -: {تَبَارَكَ الَّذِي إِن شَاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْرًا مِّن ¬

(¬1) أخرجه البخاري في كتاب بدء الخلق، باب ما جاء في صفة الجنة وأنها مخلوقة، برقم 3242، ومسلم في كتاب فضائل الصحابة، باب من فضائل عمر - رضي الله عنه -، برقم 2395. (¬2) أخرجه البخاري في كتاب التعبير، باب القصر في المنام، برقم 7024، ومسلم في كتاب فضائل الصحابة، باب من فضائل عمر - رضي الله عنه -، برقم 2394. (¬3) أتتك: أي وصلتك. (¬4) أخرجه البخاري في كتاب مناقب الأنصار، باب تزويج النبي - صلى الله عليه وسلم - خديجة وفضلها رضي الله عنها، برقم 3820، ومسلم في كتاب فضائل الصحابة، باب فضائل خديجة أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها، برقم 2432. (¬5) فتح الباري، 7/ 138.

ذَلِكَ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ وَيَجْعَل لَّكَ قُصُورًا} (¬1). وعن عبد الله بن قيس عن أبيه رضي الله عنهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((في الجنة خيمة من لؤلؤةٍ مُجوَّفةٍ عرضها ستون ميلاً، في كل زاوية منها أهل ما يرون الآخرين، يطوف عليهم المؤمن)). وفي رواية لمسلم: ((إن للمؤمن في الجنة لخيمةً من لؤلؤةٍ واحدةٍ مُجوَّفةٍ، طولُها في السماء ستون ميلاً)) (¬2). ولا منافاة بين طولها وعرضها في الروايتين، فعرضها في مساحة أرضها ستون ميلاً، وطولها في السماء ستون ميلاً في العلو، فطولها وعرضها متساويان (¬3). وعن عثمان بن عفان - رضي الله عنه -، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((من بنى مسجداً لله بنى الله له بيتاً في الجنة)) (¬4). ويقول الله - عز وجل - لمن حَمِدَ واسترجع عند موت ولده: ((ابنوا لعبدي بيتاً في الجنة وسمُّوه بيتَ الحمد)) (¬5). ¬

(¬1) سورة الفرقان، الآية: 10. (¬2) أخرجه البخاري في كتاب التفسير، باب {حُورٌ مَقْصُورَاتٌ في الخِيَام}، برقم 4879، ومسلم في كتاب الجنة وصفة نعيمها، باب في صفة خيام الجنة، وما للمؤمنين فيها من الأهلين، برقم 2838. (¬3) شرح الإمام النووي، 17/ 175. (¬4) أخرجه البخاري في كتاب الصلاة، باب من بنى مسجداً، برقم 450، ومسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب فضل بناء المساجد والحث عليها، برقم 533. (¬5) أخرجه الترمذي في كتاب الجنائز، باب فضل المصيبة إذا احتسب، برقم 1021، وقال: ((حسن غريب))، وأحمد في المسند، 4/ 415، وقال الألباني في السلسلة الصحيحة، 3/ 399، برقم 1408: ((فالحديث بمجموع طرقه حسن على أقل الأحوال)).

وعن أمِّ حبيبة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - أنها قالت: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((ما من مسلم يصلي لله كلَّ يوم ثنتي عشرة ركعة تطوعاً غير فريضة إلاَّ بنى الله له بيتاً في الجنة، أو إلاّ بُني له بيتٌ في الجنة)) (¬1). وقد فسرها الترمذي أنها السنن الرواتب. وقال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * تُؤْمِنُونَ بِالله وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ الله بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} (¬2). وفي حديث أبي هريرة الطويل عندما اشتكوا قلوبهم إذا فارقوا النبي - صلى الله عليه وسلم -، وفيه أنهم سألوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن بناء الجنة، فقال عليه الصلاة والسلام: ((لبنةٌ من فضة، ولبنة من ذهب، ومِلاطها المسك الأذفر (¬3)، وحصباؤها اللؤلؤ والياقوت، وترابها الزعفران، من يدخلها ينعم ولا يبأس، ويخلد ولا يموت، لا تبلى ثيابهم، ولا يفنى شبابهم)). ثم قال: ((ثلاثة لا تُردّ دعوتهم: الإمام العادل، والصائم حتى يفطر، ودعوة المظلوم يرفعها فوق الغمام، ويفتح لها أبوب السماء، ويقول الرب تبارك ¬

(¬1) أخرجه مسلم في كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب فضل السنن الراتبة قبل الفرائض وبعدهن وبيان عددهن، برقم 728/ 103. (¬2) سورة الصف، الآيات: 10 - 12. (¬3) ملاطها: الطين الذي يملط به الحائط، أي يخلط، وفي الحديث: ((إن الإبل يمالطها الأجرب)). أي يخالطها. النهاية في غريب الحديث، 4/ 357.

ثانيا: مساكن أهل النار وسلاسلهم وأنكالهم ومقامعهم:

وتعالى: وعزتي لأنصرنّك ولو بعد حين)) (¬1). ثانياً: مساكن أهل النار وسلاسلهم وأنكالهم ومقامعهم: قال الله تعالى: {بَلْ كَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ وَأَعْتَدْنَا لِمَن كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيرًا * إِذَا رَأَتْهُم مِّن مَّكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا * وَإِذَا أُلْقُوا مِنْهَا مَكَانًا ضَيِّقًا مُقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُورًا * لا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُورًا وَاحِدًا وَادْعُوا ثُبُورًا كَثِيرًا} (¬2). {مُقَرَّنِينَ}: أي مكتفين قد قُرنت أيديهم إلى أعناقهم في الأغلال (¬3). {دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُورًا}: أي دعوا بالويل، والحسرة، والهلاك، والخيبة، والخسارة، والدمار (¬4). وقال - عز وجل -: {إِذِ الأَغْلالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَالسَّلاسِلُ يُسْحَبُونَ * فِي الْحَمِيمِ ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ} (¬5). {الأَغْلالُ}: جمع غِلٍّ، وهو الحديدة التي تجمع يد الأسير إلى عنقه، والمعنى أن الأغلال في أعناقهم، والسلاسل متصلة بالأغلال بأيدي الزبانية، يسحبونهم على وجوههم، تارةً إلى الجحيم، وتارةً إلى الحميم (¬6). وقال تبارك وتعالى: {خُذُوهُ فَغُلُّوهُ * ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ * ثُمَّ فِي ¬

(¬1) أخرجه الترمذي في كتاب صفة الجنة، باب ما جاء في صفة غرف الجنة، برقم 2526، وأحمد، 2/ 305، وصححه الألباني في صحيح الترمذي، 2/ 311. (¬2) سورة الفرقان، الآيات: 11 - 14. (¬3) تفسير ابن كثير، 3/ 312، والبغوي، 3/ 362. (¬4) انظر: المرجعين السابقين، 3/ 312، 3/ 362. (¬5) سورة غافر، الآيتان: 71 - 72. (¬6) النهاية في غريب الحديث لابن الأثير، 3/ 380، وتفسير ابن كثير، 4/ 89.

سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ * إِنَّهُ كَانَ لا يُؤْمِنُ بِالله الْعَظِيمِ * وَلا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ * فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هَاهُنَا حَمِيمٌ * وَلا طَعَامٌ إِلا مِنْ غِسْلِينٍ * لا يَأْكُلُهُ إِلا الْخَاطِؤُونَ} (¬1). وقال - سبحانه وتعالى -: {إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَلاَسِلا وَأَغْلالاً وَسَعِيرًا} (¬2). وقال تعالى: {إِنَّ لَدَيْنَا أَنكَالاً وَجَحِيمًا} (¬3). والأنكال: هي القيود العظام لا تنفك أبداً، وقيل: أغلالاً من حديد (¬4). وقال تعالى: {هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِّن نَّارٍ يُصَبُّ مِن فَوْقِ رُؤُوسِهِمُ الْحَمِيمُ * يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ * وَلَهُم مَّقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ * كُلَّمَا أَرَادُوا أَن يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ} (¬5). والمقامع: جمع مِقْمَع، وهو ما يُضرب به ويُذلّل، يقال: قمعته فانقمع (¬6)، وهي سياط من حديد، واحدتها مقمعة، من قولهم: قمعتُ رأسه: إذا ضربته ضرباً عنيفاً (¬7). ¬

(¬1) سورة الحاقة، الآيات: 30 - 37. (¬2) سورة الإنسان، الآية: 4. (¬3) سورة المزمل، الآية: 12. (¬4) تفسير ابن كثير، 4/ 438، وتفسير البغوي، 4/ 410. (¬5) سورة الحج، الآيات: 19 - 22. (¬6) مفردات غريب القرآن للأصفهاني، ص684. (¬7) تفسير الإمام البغوي، 3/ 281، وتفسير ابن كثير، 3/ 213.

المبحث التاسع عشر: عظم أجسام أهل الجنة، وعظم أجسام أهل النار

المبحث التاسع عشر: عِظم أجسام أهل الجنة، وعِظم أجسام أهل النار أولاً: عظم أجسام أهل الجنة، وأعمارهم، وقُوَّتهم: عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في صفة أهل الجنة، وفيه: ((أزواجهم الحور العين على خَلْقِ رجلٍ واحدٍ على صورة أبيهم آدم ستون ذراعاً في السماء)) (¬1). وعن معاذ - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((يدخل أهل الجنة الجنة جُرداً مُرداً، مكحلين، أبناء ثلاثين أو ثلاث وثلاثين سنة)) (¬2). وعن أنس - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((يُعطَى المؤمنُ في الجنة قوة كذا وكذا من الجماع)). قيل: يا رسول الله أوَ يُطيق ذلك؟ قال: ((يعطى قوة مائة)) (¬3). ثانياً: عظم أجسام أهل النار وأضراسهم وغلظ جلودهم: عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((ما بين منكبي الكافر مسيرة ثلاثة أيام للراكب المسرع)) (¬4). وعنه - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((ضِرسُ الكافر أو ناب الكافر مثل ¬

(¬1) أخرجه البخاري في كتاب أحاديث الأنبياء، باب آدم وذريته، برقم 3327، ومسلم في كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، باب أول زمرة تدخل الجنة على صورة القمر ليلة البدر، برقم 2834. (¬2) أخرجه الترمذي في كتاب صفة الجنة، باب ما جاء في سن أهل الجنة، برقم 2545، وقال: ((هذا حديث حسن غريب)). وحسنه الألباني في صحيح الترمذي، 2/ 313 - 314. (¬3) أخرجه الترمذي في كتاب صفة الجنة، باب ما جاء في صفة جماع أهل الجنة، برقم 2536، وقال: ((هذا حديث صحيح غريب)). وحسنه الألباني في صحيح الترمذي، 2/ 313. (¬4) أخرجه البخاري في كتاب الرقاق، باب صفة الجنة والنار، برقم 6551، ومسلم في كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، باب النار يدخلها الجبارون والجنة يدخلها الضعفاء، برقم 2852.

أُحدٍ، وغِلَظُ جلده مسيرة ثلاث)) (¬1). وقال - سبحانه وتعالى -: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُواْ الْعَذَابَ} (¬2). وقال سبحانه: {تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ} (¬3)، قد بدت أسنانهم ككلوح الرأس النضيج، أو المُشَيَّط بالنار، حتى بدت أسنانهم، وتقلَّصت شفاههم (¬4). وقال تعالى: {يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا الله وَأَطَعْنَا الرَّسُولاْ} (¬5). وإنَّما عَظُمَ خَلْق الكافر في النار ليعظُم عذابُه، ويُضاعَف ألمه وعقابه، ولا شكّ أن أهل النار يتفاوتون في العذاب، كما عُلِمَ من الكتاب والسنة، بدليل الحديث الآخر (¬6)، فعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((يُحشر المتكبرون يوم القيامة أمثال الذرّ في صور الرجال، يغشاهم الذُّلُّ من كل مكان، يُساقون إلى سِجْنٍ في جهنم، يُسمَّى بولس، تعلوهم نارُ الأنيار، يُسقون من عصارة أهل النار طينة الخَبَال)) (¬7). ¬

(¬1) أخرجه مسلم في كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، باب النار يدخلها الجبارون والجنة يدخلها الضعفاء، برقم 2851. (¬2) سورة النساء، الآية: 56. (¬3) سورة المؤمنون، الآية: 104. (¬4) التخويف من النار لابن رجب، ص171. (¬5) سورة الأحزاب، الآية: 66. (¬6) فتح الباري، 11/ 423. (¬7) أخرجه الترمذي في كتاب صفة القيامة، باب 47، برقم 2492، وأحمد، 2/ 179، وحسنه الألباني في صحيح الترمذي، 2/ 304، وفي صحيح الجامع، 6/ 327.

المبحث العشرون: أشجار الجنة وظلها، وأشجار النار وظلها

المبحث العشرون: أشجار الجنة وظلّها، وأشجار النار وظلها أولاً: أشجار الجنة وظلها: عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((إن في الجنة شجرةً يسير الراكب الجواد المضمر السريع في ظلها مائة عام ما يقطعها)) (¬1). قال الله تعالى: {وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ * فِي سِدْرٍ مَّخْضُودٍ * وَطَلْحٍ مَّنضُودٍ * وَظِلٍّ مَّمْدُودٍ * وَمَاءٍ مَّسْكُوبٍ * وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ *، لا مَقْطُوعَةٍ وَلا مَمْنُوعَةٍ} (¬2). قال العلماء: المراد بظلها: كنفها، وذراها، وهو ما يستر أغصانها (¬3). وقال تعالى {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلالٍ وَعُيُونٍ * وَفَوَاكِهَ مِمَّا يَشْتَهُونَ} (¬4). وقال سبحانه: {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ * فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * ذَوَاتَا أَفْنَانٍ * فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * فِيهِمَا عَيْنَانِ تَجْرِيَانِ * فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * فِيهِمَا مِن كُلِّ فَاكِهَةٍ زَوْجَانِ} (¬5). وقال - عز وجل - في الجنة الأخرى: {فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ} (¬6). ¬

(¬1) أخرجه البخاري في كتاب الرقاق، باب صفة الجنة والنار، برقم 6553، ومسلم في كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، باب إن في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعها، برقم 2828. (¬2) سورة الواقعة، الآيات: 27 - 33. (¬3) شرح النووي على صحيح مسلم، 17/ 167. (¬4) سورة المرسلات، الآيتان: 41 - 42. (¬5) سورة الرحمن، الآيات: 46 - 52. (¬6) سورة الرحمن، الآية: 68.

وقال تعالى: {وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلالُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلاً} (¬1)، وقال سبحانه: {فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ * فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ * قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ * كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الأَيَّامِ الْخَالِيَةِ} (¬2)، وقال تعالى: {إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا * حَدَائِقَ وَأَعْنَابًا * وَكَوَاعِبَ أَتْرَابًا * وَكَأْسًا دِهَاقًا * لا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلا كِذَّابًا * جَزَاءً مِّن رَّبِّكَ عَطَاءً حِسَابًا} (¬3). وقد رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو يصلي صلاة الكسوف عناقيد العنب، ففي حديث ابن عباس رضي الله عنهما: قالوا: يا رسول الله رأيناك تناولت شيئاً في مقامك، ثم رأيناك كففت؟ قال: ((إني رأيت الجنة فتناولت منها عُنقوداً، ولو أخذتُه لأكلتم منه ما بقيت الدنيا، ورأيت النار فلم أرَ كاليوم منظراً قط أفظع، ورأيت أكثر أهلها النساء)) (¬4). وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يوماً يُحدِّث وعنده رجل من أهل البادية: ((أن رجلاً من أهل الجنة استأذن ربه في الزَّرع فقال: أو لست فيما شئت؟ قال: بلى، ولكني أحبُّ الزرع، فأسرع وبذر فتبادر الطرفَ نباتُهُ واستواؤُه، واستحصاؤه، وتكويره أمثال الجبال، فيقول الله تعالى: دونك يا ابن آدم؛ فإنه لا يشبعك شيء))، فقال الأعرابي: يا رسول الله لا تجدُ هذا إلا قُرشياً أو أنصارياً؛ فإنهم أصحاب زرع، فأما نحن فلسنا ¬

(¬1) سورة الإنسان، الآية: 14. (¬2) سورة الحاقة، الآيات: 21 - 24. (¬3) سورة النبأ، الآيات: 31 - 36. (¬4) أخرجه البخاري في كتاب الكسوف، باب صلاة الكسوف جماعة، برقم 1052، ومسلم في كتاب الكسوف، باب ما عرض على النبي - صلى الله عليه وسلم - في صلاة الكسوف من أمر الجنة والنار، برقم 907.

ثانيا: أشجار النار وظلها:

بأصحاب زرعٍ، فضحك الرسول - صلى الله عليه وسلم - (¬1). وهذا الحديث يبيّن أن كل ما اشتهاه أهل الجنة يحصل لهم؛ لأن لهم فيها ما تشتهيه الأنفس، وتلذّ الأعين، وهم فيها خالدون، جعلنا الله منهم (¬2). ثانياً: أشجار النار وظلها: قال الله تعالى: {إِنَّ شَجَرَتَ الزَّقُّومِ * طَعَامُ الأَثِيمِ * كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ * كَغَلْيِ الْحَمِيمِ} (¬3). وقال سبحانه: {ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ * لآكِلُونَ مِن شَجَرٍ مِّن زَقُّومٍ * فَمَالِؤُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ * فَشَارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ * فَشَارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ} (¬4). وقال سبحانه: {إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ * طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُؤُوسُ الشَّيَاطِينِ * فَإِنَّهُمْ لآكِلُونَ مِنْهَا فَمَالِؤُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ * ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْهَا لَشَوْبًا مِّنْ حَمِيمٍ} (¬5). وقال تبارك وتعالى: {وَأَصْحَابُ الشِّمَالِ مَا أَصْحَابُ الشِّمَالِ * فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ * وَظِلٍّ مِّن يَحْمُومٍ * لا بَارِدٍ وَلا كَرِيم *، إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ¬

(¬1) أخرجه البخاري في كتاب التوحيد، باب كلام الرب مع أهل الجنة، برقم 7519. (¬2) انظر: فتح الباري، 5/ 27. (¬3) سورة الدخان، الآيات: 43 - 46. (¬4) سورة الواقعة، الآيات: 51 - 55. (¬5) سورة الصافات، الآيات: 64 - 67.

ذَلِكَ مُتْرَفِينَ * وَكَانُوا يُصِرُّونَ عَلَى الْحِنثِ الْعَظِيمِ} (¬1). وقوله تعالى: {وَظِلٍّ مِّن يَحْمُومٍ}: ظل الدخان كقوله تعالى: {انطَلِقُوا إِلَى ظِلٍّ ذِي ثَلاثِ شُعَبٍ * لا ظَلِيلٍ وَلا يُغْنِي مِنَ اللهبِ * إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ * كَأَنَّهُ جِمَالَتٌ صُفْرٌ * وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ} (¬2). والظل المذكور هو الدخان الأسود المنتن، لا ظليل هو نفسه، ولا يغني من اللهب: يعني: ولا يقيهم حر اللهب (¬3). وقوله: {فِي سَمُومٍ} هو الهواء الحار، {وَحَمِيْمٍ} وهو الماء الحار (¬4). ¬

(¬1) سورة الواقعة، الآيات: 41 - 46. (¬2) سورة المرسلات، الآيات: 30 - 34. (¬3) تفسير ابن كثير، 4/ 461، 495. (¬4) تفسير ابن كثير، 4/ 295.

المبحث الحادي والعشرون: خدم أهل الجنة، وزبانية أهل النار

المبحث الحادي والعشرون: خدم أهل الجنة، وزبانية أهل النار أولاً: خدم أهل الجنة وخزنتها: قال الله تعالى: {يُطَافُ عَلَيْهِم بِصِحَافٍ مِّن ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الأَنفُسُ وَتَلَذُّ الأَعْيُنُ وَأَنتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} (¬1). وقال تعالى: {وَيُطَافُ عَلَيْهِم بِآنِيَةٍ مِّن فِضَّةٍ وَأَكْوَابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَاْ * قَوَارِيرَ مِن فِضَّةٍ قَدَّرُوهَا تَقْدِيرًا} (¬2). وقال سبحانه: {وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُّخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤًا مَّنثُورًا} (¬3). وقال سبحانه: {وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ غِلْمَانٌ لَّهُمْ كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَّكْنُونٌ} (¬4). وقال الله تعالى في السابقين: {وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ * فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ * ثُلَّةٌ مِّنَ الأَوَّلِينَ * وَقَلِيلٌ مِّنَ الآخِرِينَ * عَلَى سُرُرٍ مَّوْضُونَةٍ * مُتَّكِئِينَ عَلَيْهَا مُتَقَابِلِينَ * يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُّخَلَّدُونَ * بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِّن مَّعِينٍ * لا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلا يُنزِفُونَ * وَفَاكِهَةٍ مِّمَّا يَتَخَيَّرُونَ * وَلَحْمِ طَيْرٍ مِّمَّا يَشْتَهُونَ * وَحُورٌ عِينٌ * كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ * جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * لا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلا تَأْثِيمًا * إِلا قِيلاً سَلامًا سَلامًا} (¬5). ¬

(¬1) سورة الزخرف، الآية: 71. (¬2) سورة الإنسان، الآيتان: 15 - 16. (¬3) سورة الإنسان، الآية: 19. (¬4) سورة الطور، الآية: 24. (¬5) سورة الواقعة، الآيات: 10 - 26.

ثانيا: زبانية أهل النار وخزنتها:

وقال تعالى في خزنة الجنة: {وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاؤُوهَا وَفُتِحت أبوابها وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخَلوها خالِدِينَ} (¬1). ثانياً: زبانية أهل النار وخزنتها: قال الله تعالى: {عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ * وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلا مَلائِكَةً وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلا فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا} (¬2). وقد وصف الله الملائكة الذين على النار بالغلط والشِّدّة، والقوّة، فقال تعالى: {عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ الله مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} (¬3). وقال تعالى: {فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ * سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ} (¬4). والزبانية هم ملائكة العذاب، جمع زبنيّ، مأخوذ من الزبن، وهو الدفع، وأصلها: الشُرَط، وسُمِّي بها بعض ملائكة العذاب؛ لأنهم يدفعون أهل النار إليها (¬5). وقال تعالى: {وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُم مَّاكِثُونَ * لَقَدْ جِئْنَاكُم بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ} (¬6). ¬

(¬1) سورة الزمر، الآية: 73. (¬2) سورة المدثر، الآيتان: 30 - 31. (¬3) سورة التحريم، الآية: 6. (¬4) سورة العلق، الآيتان: 17 - 18. (¬5) انظر: القاموس المحيط، ص1552، والمعجم الوسيط، 1/ 388، وتفسير البغوي، 4/ 508، وتفسير ابن كثير، 4/ 526. (¬6) سورة الزخرف، الآيتان: 77 - 78.

وقال تعالى: {وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاؤُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ} (¬1). وقال سبحانه: {وَقَالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْمًا مِّنَ الْعَذَابِ* قَالُوا أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُم بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا بَلَى قَالُوا فَادْعُوا وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلا فِي ضَلالٍ} (¬2). ¬

(¬1) سورة الزمر، الآية: 71. (¬2) سورة غافر، الآيتان: 49 - 50.

المبحث الثاني والعشرون: اجتماع المؤمنين بأحبتهم، وفراق أهل النار لأحبتهم

المبحث الثاني والعشرون: اجتماع المؤمنين بأحبتهم، وفراق أهل النار لأحبتهم أولاً: اجتماع المؤمنين بأهليهم وذرياتهم: قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُم مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ} (¬1). وقد فسّر ذلك حبر الأمة عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: بأن الله تعالى يرفع ذرية المؤمن الذي يموتون على الإيمان في درجته، وإن كانوا دونه في العمل؛ لتقرَّ بهم عينه، فيجمع بينهم على أحسن الوجوه بفضله وكرمه (¬2). وهذا فضله تعالى على الأبناء ببركة عمل الآباء، وأما فضله على الآباء ببركة دعاء الأبناء، فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إن الله ليرفع الدرجة للعبد الصالح في الجنة، فيقول: يا ربِّ أنَّى لي هذه؟ فيقول: باستغفار ولدك لك)) (¬3). وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاثة: إلا من صدقة جارية، أو علمٍ يُنتفع به، أو ولدٍ صالحٍ يدعو له)) (¬4). ثانياً: فراق أهل النار لأحبتهم وأهليهم: قال الله تعالى: {قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ} (¬5). ¬

(¬1) سورة الطور، الآية: 21. (¬2) تفسير ابن كثير 4/ 242. (¬3) أخرجه أحمد في المسند، 2/ 209، قال الإمام ابن كثير رحمه الله تعالى في تفسيره، 4/ 243: ((إسناده صحيح)). (¬4) أخرجه مسلم في كتاب الوصية، باب ما يلحق الإنسان من الثواب بعد وفاته، برقم 1631. (¬5) سورة الزمر، الآية: 15.

وقال سبحانه: {وَتَرَى الظَّالِمِينَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ يَقُولُونَ هَلْ إِلَى مَرَدٍّ مِّن سَبِيلٍ * وَتَرَاهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا خَاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنظُرُونَ مِن طَرْفٍ خَفِيٍّ وَقَالَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلا إِنَّ الظَّالِمِينَ فِي عَذَابٍ مُّقِيمٍ} (¬1): أي تفارقوا فلا التقاء لهم أبداً، وسواء ذهب أهلوهم إلى الجنة، وذهبوا هم إلى النار، أو أن الجميع في النار أُسكِنُوها، ولكن لا اجتماع لهم، ولا سرور، وهذا هو الخسران المبين الواضح الظاهر؛ لأنهم ذُهِبَ بهم إلى النار، وخسروا لذتهم في دار الأبد، وخسروا أنفسهم، وفُرِّقَ بينهم وبين أحبابهم، وأصحابهم، وأهاليهم، وقراباتهم فخسروهم (¬2). ¬

(¬1) سورة الشورى، الآيتان: 44 - 45. (¬2) انظر: تفسير ابن كثير، 4/ 49، 121.

المبحث الثالث والعشرون: نعيم أهل الجنة النفسي، وعذاب أهل النار النفسي

المبحث الثالث والعشرون: نعيم أهل الجنة النفسي، وعذاب أهل النار النفسي أولاً: النعيم النفسي لأهل الجنة: عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إن الله تبارك وتعالى يقول لأهل الجنة: يا أهل الجنة! فيقولون: لبيك ربنا وسعديك، والخير في يديك، فيقول: هل رضيتم؟ فيقولون: وما لنا لا نرضى يا رب، وقد أعطيتنا ما لم تُعْطِ أحداً من خلقك، فيقول: ألا أُعطيكم أفضل من ذلك؟ فيقولون؟ يا ربِّ! وأيّ شيء أفضل من ذلك؟ فيقول: أُحِلّ عليكم رضواني، فلا أسخط عليكم بعده أبداً)) (¬1). وفي حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((يُجاء بالموت يوم القيامة كأنه كبش أملح، فيُوقف بين الجنة والنار، فيقال: يا أهل الجنة هل تعرفون هذا؟ فيشرئبّون (¬2)، وينظرون، ويقولون: نعم هذا الموت، ويُقال: يا أهل النار هل تعرفون هذا؟ فيشرئبون ويقولون: نعم هذا الموت، فيؤمر به فيُذْبَح، ثم يقال: يا أهل الجنة خلودٌ فلا موت، ويا أهل النار خلودٌ فلا موتٌ)) (¬3). وفي حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم - نحوه وقال: ((فيزداد أهل الجنة فرحاً إلى فرحهم، ويزداد أهل النار حُزْناً إلى حُزْنِهم)) (¬4). ¬

(¬1) أخرجه البخاري في كتاب الرقاق، باب صفة الجنة والنار، برقم 6549، ومسلم في كتاب الجنة وصفة نعيمها، باب إحلال الرضوان على أهل الجنة فلا يسخط عليهم أبداً، برقم 2829. (¬2) يشرئبون: أي يرفعون رؤوسهم إلى المنادي. (¬3) أخرجه مسلم في كتاب الجنة وصفة نعيمها، باب النار يدخلها الجبارون، والجنة يدخلها الضعفاء، برقم 2849. (¬4) أخرجه مسلم في كتاب الجنة وصفة نعيمها، باب النار يدخلها الجبارون، والجنة يدخلها الضعفاء، برقم 2850.

ثانيا: العذاب النفسي لأهل النار:

ثانياً: العذاب النفسي لأهل النار: قال الله تعالى: {وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الأَمْرُ إِنَّ الله وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلاَ تَلُومُونِي وَلُومُواْ أَنفُسَكُم مَّا أَنَاْ بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَآ أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (¬1). وقال تعالى: {أَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنتُم بِهَا تُكَذِّبُونَ * قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ * رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ * قَالَ اخْسَؤُوا فِيهَا وَلا تُكَلِّمُونِ * إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ * فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّى أَنسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنتُم مِّنْهُمْ تَضْحَكُونَ * إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَ} (¬2). وقال - عز وجل -: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنَادَوْنَ لَمَقْتُ الله أَكْبَرُ مِن مَّقْتِكُمْ أَنفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الإِيمَانِ فَتَكْفُرُونَ * قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَى خُرُوجٍ مِّن سَبِيلٍ * ذَلِكُم بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ الله وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِن يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا فَالْحُكْمُ لله الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ} (¬3). وقال تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ ¬

(¬1) سورة إبراهيم، الآية: 22. (¬2) سورة المؤمنون، الآيات: 105 - 111. (¬3) سورة غافر، الآيات: 10 - 12.

عَنَّا يَوْمًا مِّنَ الْعَذَابِ * قَالُوا أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُم بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا بَلَى قَالُوا فَادْعُوا وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلا فِي ضَلالٍ} (¬1). وقال سبحانه: {وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُم مَّاكِثُونَ * لَقَدْ جِئْنَاكُم بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ} (¬2). وقال تبارك وتعالى: {وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ أَن قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا فَهَلْ وَجَدتُّم مَّا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قَالُواْ نَعَمْ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَن لَّعْنَةُ الله عَلَى الظَّالِمِينَ} (¬3). وقال تعالى: {وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُواْ عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ الله قَالُواْ إِنَّ الله حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ * الَّذِينَ اتَّخَذُواْ دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ نَنسَاهُمْ كَمَا نَسُواْ لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَذَا وَمَا كَانُواْ بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ} (¬4). ¬

(¬1) سورة غافر، الآيتان: 49 - 50. (¬2) سورة الزخرف، الآيتان: 77 - 78. (¬3) سورة الأعراف، الآية: 44. (¬4) سورة الأعراف، الآيتان: 50 - 51.

المبحث الرابع والعشرون: أعظم نعيم أهل الجنة، وأعظم نعيم أهل النار

المبحث الرابع والعشرون: أعظم نعيم أهل الجنة، وأعظم نعيم أهل النار أولاً: أعظم نعيم أهل الجنة: قال تعالى: {لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} (¬1). فالحُسنى: الجنة، والزيادة: النظر إلى وجه الله الكريم (¬2). وقال تعالى: {لَهُم مَّا يَشَاؤُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ} (¬3). والمزيد هو: النظر إلى وجه الله الكريم (¬4). وقال سبحانه: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَة} (¬5). وعن أبي هريرة - رضي الله عنه -، أن ناساً قالوا: يا رسول الله هل نرى ربنا يوم القيامة؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((هل تُضارُّون في القمر ليلة البدر (¬6)؟ قالوا: لا يا رسول الله، قال: فهل تُضارُّون في الشمس ليس دونها سحاب؟ قالوا: لا يا رسول الله، قال: فإنكم ترونه كذلك)) (¬7). ¬

(¬1) سورة يونس، الآية: 26. (¬2) انظر: حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح للإمام ابن القيم، ص288. (¬3) سورة ق، الآية: 35. (¬4) انظر: حادي الأرواح، ص291. (¬5) سورة القيامة، الآيتان: 22 - 23. (¬6) هل تضارّون، وفي الرواية الأخرى: هل تضامون، وروي تضارّون بتشديد الراء وبتخفيفها، والتاء مضمومة فيهما، ومعنى المشدد: هل تضارّون غيركم في حالة الرؤية بزحمة أو مخالفة في الرؤية، أو غيرها، لخفائه، كما تفعلون أول ليلة من الشهر. ومعنى المخفف: هل يلحقكم في رؤيته ضير: وهو الضرر، ورُويَ أيضاً تضامّون بتشديد الميم وتخفيفها، فمن شدَّدها فتح التاء، ومن خففها ضم التاء، ومعنى المشدد: هل تتضامّون وتتلطفون في التوصل إلى رؤيته، ومعنى المخفف: هل يلحقكم ضيم، وهو المشقة والتعب. شرح النووي، 3/ 21. (¬7) أخرجه البخاري في كتاب التوحيد، باب قول الله تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ}، برقم 7437، ومسلم في كتاب الإيمان، باب معرفة طريق الرؤية، برقم 182.

وعن جرير - رضي الله عنه - قال: كنا جلوساً عند النبي - صلى الله عليه وسلم -، إذ نظر إلى القمر ليلة البدر قال: ((إنكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر لا تضامون في رؤيته، فإن استطعتم أن لا تُغلبوا على صلاةٍ قبل طلوع الشمس، وصلاةٍ قبل غروب الشمس، فافعلوا)) (¬1). وعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: قلنا يا رسول الله! هل نرى ربنا يوم القيامة؟ قال: ((هل تضارون في رؤية الشمس والقمر إذا كانت صحواً؟ قلنا: لا، قال: فإنكم لا تضارُّون في رؤية ربكم يومئذ إلا كما تضارون في رؤيتهما)) (¬2). وعن صهيب - رضي الله عنه -، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إذا دخل أهل الجنة الجنة يقول الله تعالى: تريدون شيئاً أزيدكم؟ فيقولون: ألم تبيِّض وجوهنا، ألم تدخلنا الجنة وتُنجِّنا من النار؟ فيكشف الحجاب، فما أُعطوا شيئاً أحب إليهم من النظر إلى ربهم - عز وجل -)) (¬3). وعن أنس يرفعه: ((إن في الجنة لسوقاً يأتونها كل جمعة، فتهب ريح الشمال فتحثو في وجوههم وثيابهم فيزدادون حسناً وجمالاً، فيرجعون إلى أهليهم وقد ازدادوا حسناً وجمالاً، فيقول لهم أهلوهم: والله لقد ازددتم ¬

(¬1) أخرجه البخاري في كتاب التوحيد، باب قول الله تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ*إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ}، برقم 7434، ومسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب فضل صلاتي الصبح والعصر والمحافظة عليهما، برقم 633. (¬2) أخرجه البخاري في كتاب التوحيد، باب قول الله تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ *إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ}، برقم 7439، ومسلم في كتاب الإيمان، باب معرفة طريق الرؤية، برقم 183. (¬3) أخرجه مسلم في كتاب الإيمان، باب إثبات رؤية المؤمنين في الآخرة ربهم - سبحانه وتعالى -، برقم 181.

ثانيا: أعظم عذاب أهل النار:

بعدنا حسناً وجمالاً، فيقولون: وأنتم والله لقد ازددتم بعدنا حسناً وجمالاً)) (¬1). وعن عبد الله بن قيس عن أبيه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((جنتان من فضة آنيتهما وما فيهما، وجنتان من ذهب آنيتهما وما فيهما، وما بين القوم وبين أن ينظروا إلى ربهم إلا رداء الكبرياء على وجهه في جنة عدن)) (¬2). ثانياً: أعظم عذاب أهل النار: من أعظم عذاب أهل النار حجابهم عن ربهم تبارك وتعالى. قال تعالى: {كَلا إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمّئِذ لَّمَحْجُوبُونَ * ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصَالُو الْجَحِيمِ * ثُمَّ يُقَالُ هَذَا الَّذِي كُنتُم بِهِ تُكَذِّبُونَ} (¬3). ومن أعظم عذابهم العذاب المتواصل للكفار والمنافقين، قال تعالى: {إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذَابِ جَهَنَّمَ خَالِدُونَ * لا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ} (¬4). وقال تعالى: {فَذُوقُوا فَلَن نَّزِيدَكُمْ إِلا عَذَابًا} (¬5). ¬

(¬1) أخرجه مسلم في كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، باب في سوق الجنة وما ينالون فيها من النعيم والجمال، برقم 2833. (¬2) أخرجه البخاري في كتاب التفسير، باب قوله: {وَمِن دُونِهِمَا جَنَّتَانِ}، برقم 4878، ومسلم في كتاب الإيمان، باب إثبات رؤية المؤمنين في الآخرة ربهم - سبحانه وتعالى -، برقم 180. (¬3) سورة المطففين، الآيات: 15 - 17. (¬4) سورة الزخرف، الآيتان: 74 - 75. (¬5) سورة النبأ، الآية: 30.

وقال تعالى: {لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَهُمْ فِيهَا لا يَسْمَعُونَ} (¬1). وقال تعالى: {فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُواْ فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ} (¬2). وقال تعالى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُم مِّنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ * وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُم مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِن نَّصِيرٍ} (¬3). وعن عبد الله بن قيس - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إن أهل النار ليبكون حتى لو أُجريت السفن في دموعهم لجرت، وإنهم ليبكون الدم)) يعني مكان الدمع (¬4). ¬

(¬1) سورة الأنبياء، الآية: 100. (¬2) سورة هود، الآية: 106. (¬3) سورة فاطر، الآيتان: 36 - 37. (¬4) أخرجه الحاكم، 4/ 605، وصححه ووافقه الذهبي، وحسنه العلامة الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة، 4/ 245، برقم 1679.

المبحث الخامس والعشرون: الطريق إلى الجنة، والطرق إلى النار

المبحث الخامس والعشرون: الطريق إلى الجنة، والطُّرُق إلى النار أولاً: الطريق إلى الجنة: الطريق إلى الجنة: هو طاعة الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم -، قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لله وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُواْ أَنَّ الله يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} (¬1). وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ الله وَرَسُولَهُ وَلاَ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنتُمْ تَسْمَعُونَ} (¬2). وقال تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا الله إِنَّ الله شَدِيدُ الْعِقَابِ} (¬3). وقال تعالى: {قُلْ أَطِيعُوا الله وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِن تَوَلَّوا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُم مَّا حُمِّلْتُمْ وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا} (¬4). وقال سبحانه: {لا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُم بَعْضًا قَدْ يَعْلَمُ الله الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنكُمْ لِوَاذًا فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (¬5). وقال تعالى: {وَمَن يُطِعِ الله وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} (¬6). وقال تعالى: {وَمَن يُطِعِ الله وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ¬

(¬1) سورة الأنفال، الآية: 24. (¬2) سورة الأنفال، الآية: 20. (¬3) سورة الحشر، الآية: 7. (¬4) سورة النور، الآية: 54. (¬5) سورة النور، الآية: 63. (¬6) سورة الأحزاب، الآية: 71.

الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} (¬1)، وقد أفلح من زكَّى نفسه بطاعة الله تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا} (¬2). وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((كلّ أمّتي يدخلون الجنة إلا من أبى)). قالوا: يا رسول الله! ومن يأبى؟ قال: ((من أطاعني دخل الجنة، ومن عصاني فقد أبى)) (¬3). وعنه - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((من أطاعني فقد أطاع الله، ومن عصاني فقد عصى الله)) (¬4). ومن أعظم وأجلّ الأعمال التي تُوصِلُ إلى الجنة: طلب العلم النافع: علم الكتاب والسنة، والعمل بما فيهما، ولهذا قال - صلى الله عليه وسلم -: ((ومن سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهَّل الله له به طريقاً إلى الجنة)) (¬5)، فالعبد إذا عمل أعمال أهل الجنة وصل إلى الجنة بتوفيق الله تعالى، وقد قال الله تعالى: {وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى} (¬6)، ومن هذه الأعمال على وجه التفصيل والإيجاز ما يأتي: الإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والإيمان ¬

(¬1) سورة النساء، الآية: 13. (¬2) سورة الشمس، الآية: 9. (¬3) أخرجه البخاري في كتاب الاعتصام، باب الاقتداء بسنن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، برقم 7280. (¬4) أخرجه البخاري في كتاب الأحكام، باب قول الله تعالى: {أَطِيعُواْ الله وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ}، برقم 7137، ومسلم في كتاب الإمارة، باب وجوب طاعة الأمراء في غير معصية، وتحريمها في المعصية، برقم 1835. (¬5) أخرجه البخاري معلقاً في كتاب العلم، باب العلم قبل القول والعمل ووصله مسلم من حديث أبي هريرة في كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب فضل الاجتماع على تلاوة القرآن وعلى الذكر، برقم 2699. (¬6) سورة الضحى، الآية: 4.

بالقدر: خيره، وشره، والعمل بالشهادتين: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحجّ البيت لمن استطاع إليه سبيلاً، وأن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك، وَصِدْق الحديث، وأداء الأمانة، والوفاء بالعهد، والوفاء بالوعد، وبر الوالدين، وصلة الأرحام، والإحسان إلى الجار، واليتيم والمسكين، والمملوك من الآدميين، والبهائم، وإكرام الضيف، وتنفيس الكُرَب عن المكروب من المسلمين، والتيسير على المعسر، وستر المسلم، وإعانته، والإخلاص لله، والتوكل عليه، والمحبة له ولرسوله - صلى الله عليه وسلم -، وخشية الله، ورجاء رحمته، والتوبة والإنابة إليه، والصبر على حكمه، والشكر لنعمه، وقراءة القرآن، وذكر الله، ودعاؤه، ومسألته، والرغبة إليه، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والجهاد في سبيل الله للكفار والمنافقين، وأن تصل من قطعك، وتعطي من حرمك، وتعفو عمن ظلمك، فإن الله أعد الجنة للمتقين: {الذينَ يُنفِقونَ في السَّراءِ والضَّراءِ والكاظِمينَ الغيظَ والعافينَ عنِ الناسِ والله يُحبُّ المُحسنينَ} (¬1). والعدل في جميع الأمور وعلى جميع الخلق حتى على الكفار، وإطعام الطعام، وإفشاء السلام، والصلاة بالليل والناس نيام، وحسن الخُلُقِ، والدعوة إلى الله، والنصيحة لله، ولرسوله، ولكتابه، ولأئمة المسلمين، وعامتهم، وغير ذلك من أمثال هذه الأعمال التي هي أعمال أهل الجنة، وبها بتوفيق الله يصل العبدُ إلى جنات النعيم وذلك هو الفوز العظيم (¬2). ¬

(¬1) سورة آل عمران، الآية: 134. (¬2) انظر: معظم هذه الأعمال في فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية عندما سئل عن أعمال أهل الجنة وأعمال أهل النار فأجاب على ذلك، 10/ 422 - 423.

ثانيا: الطرق إلى النار:

ولا يمكن تفصيل كل الأعمال التي يصل بها الإنسان والجان إلى الجنة؛ لكن أعمال أهل الجنة كلها تدخل في طاعة الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم -: {وَمَن يُطِعِ الله وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} (¬1). ثانياً: الطُّرُقُ إلى النار: الطُّرُقُ إلى النار كثيرة، ويجمعها معصية الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم -، وهذا الطريق هو الذي يجمع أعمال أهل النار، ويَصِلُ به العبد إلى الخسران المبين، فلا بدّ من الابتعاد عن جميع أعمال أهل النار، ومن هذه الأعمال على وجه التفصيل والإيجاز ما يأتي: الإشراك بالله تعالى، والتكذيب بالرسل، والكفر، والحسد، والكذب، والفجور، والخيانة، والظلم، والفواحش ما ظهر منها وما بطن، والغدر، وقطيعة الرحم، والجبن عن الجهاد، والبخل، والشح، واختلاف السر والعلانية، واليأس من روح الله، والأمن من مكر الله، والجزع عند المصائب، والفخر والبطر عند النعم، وترك فرائض الله تعالى، واعتداء حدوده، وانتهاك حرماته، وخوف المخلوق دون الخالق، ورجاء المخلوق دون الخالق، والتوكل على المخلوق دون الخالق، والعمل رياءً وسمعةً، ومخالفة الكتاب والسنة، وطاعة المخلوق في معصية الخالق، والتعصب بالباطل، والاستهزاء بآيات الله، وجحد ¬

(¬1) سورة النساء، الآية: 13.

الحق، والكتمان لما يجب إظهاره من علم وشهادة، والسحر، وعقوق الوالدين، وقطيعة الأرحام، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل مال اليتيم، وأكل الربا، وإعطاء الرشوة وأخذها، وأكل أموال الناس بالباطل، والفرار من الزحف، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات، والغيبة، والنميمة، وشهادة الزور، وشرب الخمر، والكبر، والخيلاء، والسرقة، واليمين الغموس، وتشبّه الرجال بالنساء، والنساء بالرجال، والمنّ بالعطية، وإنفاق السلعة بالحلف الكاذبة، وتصديق الكاهن والمنجم، والتصوير لذوات الأرواح، واتخاذ القبور مساجد، والنياحة على الميت، وإسبال الإزار، ولبس الحرير أو الذهب للرجال، وأذى الجار، وإخلاف الوعد، وغير ذلك من أمثال هذه الأعمال التي يصل بها الإنسان والجان إلى جهنم نعوذ بالله منها (¬1). ولا يمكن تفصيل الأعمال التي توصل إلى النار، لكن أعمال أهل النار كلها تدخل في معصية الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم -: {وَمَن يَعْصِ الله وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ} (¬2)، وقال الله تعالى: {وَمَن يَعْصِ الله وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُّبِينًا} (¬3). ويجمع ما تقدم كله قوله تعالى: {وَالْعَصْرِ*إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ* إِلَّا ¬

(¬1) انظر: فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية، 10/ 423 - 424، والكبائر للذهبي، وتنبيه الغافلين وتحذير السالكين من أفعال الهالكين، لأحمد بن إبراهيم النحاس. (¬2) سورة النساء، الآية: 14. (¬3) سورة الأحزاب، الآية: 36.

الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} (¬1). والله أسال بأسمائه الحُسنى، وصفاته العُلا، أن يهدينا سواء السبيل، ونسأل الله الجنة دار أهل الفوز العظيم، وما يقرب إليها من قول أو عمل، ونعوذ بالله من النار دار أهل الخسران المبين، وما يقرب إليها من قول أو عمل، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه، ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين. ¬

(¬1) سورة العصر، الآيات: 1 - 3.

§1/1