الفن الواقع والمأمول - قصص توبة الفنانين والفنانات

خالد الجريسي

تقديم فضيلة الدكتور عبد الله الجبرين

تقديم فضيلة العلاّمة الدكتور عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين رحمه الله الحمد لله رب العالمين الذي بدأ خَلْق الإنسان من طين، ثم جعل نسله من سُلالة من ماء مَهين، وابتلاه في هذه الدنيا وسلَّط عليه الشياطين، وتوعَّده على المعصية بالعذاب المُهين، ووعد من أطاعه بالحياة الطيبة والرزق والتمكين، وصلى الله وسلم على أشرف المرسلين نبينا محمد الصادق الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد، فقد روي في بعض الآثار ما فيه: إن لهذا الدين إقبالاً وإدباراً، وإن من إقباله أن تفقه القبيلة بأسرها فلا يبقى فيها إلا المنافق والمنافقان، فهما مقموعان ذليلان، إن تكلَّما قُمِعا وطردا واضطهدا، وإن من إدباره أن تجفوَ القبيلة بأسرها فلا يبقى فيها إلا الفقيه والفقيهان، فهما ذليلان حقيران، إذا تكلَّما قُمعا وطردا واضطهدا، وثبت في صحيح مسلم قولُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم «بدأ الإسلام غريباً وسيعود غريباً كما بدأ، فطُوبى للغرباء» ، وفسرهم بأنهم النُّزَّاع من القبائل الذين يصلحون عند فساد الناس، والذين يَفِرُّون بدينهم من الفتن، وقد تحققت غربة الدين في كثير من الدول الإسلامية، ولعبت بهم الأمواج من الفتن والدعايات المُضِلَّة، وكان من جملة ما زيَّنه الشيطان لأوليائه أنْ حبَّب إليهم الأغاني والملاهي واللعب والطرب، وصدَّهم بذلك عن دينهم، وزهَّدهم في كلام ربهم، فشغلوا بذلك جُلَّ أوقاتهم، وأَكبُّوا على السماع والطرب، والتلذُّذ بأصوات الفنانين

والفنانات، وأصبح ذلك شغلهم الشاغل، وحديث مجالسهم، ولقد أحسن الدكتور خالد بن عبد الرحمن بن علي الجريسي، الذي ألَّف هذا الكتاب، واستوفى كل أو جُلَّ ما يتعلق به أصحاب الفن واللهو والغناء والسماع، فذكر نشأة هذا الفن التمثيلي، وأثرَه في الناشئة، وآثار الفن الكرتوني وقصة البوكيمون وكرتون الحب والغرام، وذكر الفن التمثيلي والمرأة، والفن التمثيلي وترسيخ المفاهيم، وتوسَّع في دور الإعلام في ترويج الفن، وذكر اهتمام الإعلاميين بذلك، ونشره لأخبارهم في الإعلام المسموع، والمرئي، والمقروء، وذكر نهاية كثير من أهل الفن وكيف قضَوا حياتهم في ضياع وحسرة وخاتمة سيئة، وعرض بمن تاب منهم وخُتِم له بخاتمة حسنة، وذكر أمثلة من فتاوى العلماء في هذا الموضوع، وبذلك أصبح هذا الكتاب مرجعًا هامًا ومفيدًا في التعريف بآثار أولئك الفنانين والفنانات، والمطربين والمغنين، فجزاه الله أحسن الجزاء، وأعظم له الثواب، والله أعلم. وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم. عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين 28/7/1426هـ.

تقديم فضيلة الدكتور عبد الله المنيع

تقديم فضيلة العلاّمة الدكتور عبد الله بن سليمان المنيع ... حفظه الله الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون، أحمده وأشكره وأثني عليه بما هو أهلُه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله وقدوتُنا في أقوالنا وأعمالنا ومعتقداتنا، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلّم تسليماً كثيراً، أما بعد. فلقد سعدت بقراءة المؤلَّف القيِّم ((الفن)) لمؤلفه الأستاذ الفاضل / خالد بن عبد الرحمن الجريسي، وظهر لي فيه مدى قدرة المؤلف على التحليل والتدليل والعمق في التصور والتمكن من التصوير لأي شكل من أشكال الفن التمثيلي، فلقد استهل مؤلفه بالآثار الإيجابية للتمثيل من حيث التربية على مكارم الأخلاق، والتحلي بالمُثُل الإسلامية من حيث التأسي والاستجابة لدواعي الاستقامة والصلاح، كما تحدث عن الآثار السلبية للتمثيل من حيث التأثير على الفطرة الربانية بالانحراف وبالتأثر، ثم الأخذ بمقتضيات ذلك الانحراف في الاعتقاد والسلوك، والتخلق بصفات أهل الفسق والفجور والعصيان. وقد جاء في الكتاب أن التمثيل سلاح مزدوج، فهو سلاح ذوحدين إن استعمل في حد الخير والصلاح أنتج ذلك الاستخدام ما تنتجه وسائل البناء والتأسيس والتأصيل في صروح الخير والرشاد، وإن استعمل في حد الشر أنتج ذلك ما تنتجه وسائل الهدم والفساد

والخراب من إيجاد شروخ في بناء المجتمع يكون من آثارها الفوضى في المجتمع وزعزعة الاعتقاد والتأثير في الأخلاق بما يهوِّن من شأنها ويزلزل الثقة بها وباعتبارها. وختم المؤلف كتابه القيِّم بمجموعة من الفتاوى تتعلق بحكم أنواع من التمثيل، وأكد أن للتمثيل أثراً كبيراً في الأخذ بمقتضياته، وحذر من تمثيل تكون آثاره وبالاً على المجتمع في دينه وخلقه وسلوكه وتقاليده واستقراره وانتمائه لعشيرته ومجتمعه وقيادته. وحقاً لقد سعدت بقراءة الكتاب؛ فأعجبني فيه سموّ موضوعه، وسلامة لغته، وسلاسة أسلوبه، وعمق التصور في الإحاطة بجوانبه، وقوة البيان في الإقناع بإيجابيات وسلبيات كل نوع من أنواع التمثيل، فجاء الكتاب جامعاً بين الترغيب والترهيب والتوجيه والتبصير، ووسطاً بين الإفراط والتفريط، يبيِّن الحق ويدل عليه ويظهر الباطل ويحذر منه، فجزى الله مؤلفه خير جزاء وجعل كتابه هذا حسنة كبرى من حسناته وجعله مباركاً أينما كان، والله المستعان. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. كتبه عضو هيئة كبار العلماء عبد الله بن سليمان المنيع 24/2/1423هـ

المقدمة

المقدمة الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين، سيدنا محمد وعلى آله وصحابته أجمعين والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعدُ، أخي الكريم! فإن كلمة الفن متى أُطلقت فإنها تشمل موضوعات شتى، إذ يدخل تحت هذا اللفظ الفنونُ بأنواعها كافّة؛ الفنُّ الأدبي، والفنُّ التشكيلي، والفنُّ المعماري، والفنُّ الغنائي، والفنُّ التمثيلي، وغيرُ ذلك من الفنون المتنوعة، وكلٌّ منها فنٌّ قائم بذاته، وإن كان مشتركاً مع غيره في بعض النواحي الإبداعية، ولئلا يتشعب بنا الحديث كثيراً، فإننا سنجعل دراستنا المسمّاة: ((الفن)) مقتصرة على جانبٍ واحد من جوانبه، ألا وهو الفنُّ التمثيلي، سواء ما يعرض منه على منصات المسرح، أو على عاكسات دُور السينما أو في وسائل الإعلام المسموعة والمرئية، كالمذياع (الرادّ أو الراديو) ، والتلفاز، أو ما يقدَّم للأطفال في قالب عروض كرتونية، ومع اقتصارنا على ذلك، فقد نستطرد أحياناً فنتعرض لبعض أنواع الفن الأخرى، وذلك على سبيل المداخلة لا البحث، مع اعتقادنا باستحقاق دراسة تلك الفنون بأكملها دراسة وافية. ولا شك بأن أهمية هذا الموضوع تنبع من كونه ملامساً لحياتنا اليومية على قدر كبير، لا محيد عنه ولا مناص، فمع إطلالة خيوط الفجر الأولى وإشراقته الندية تهرع جحافل وسائل الإعلام لتمارس نشاطها المحموم، فتغزو عالمَ الإنسان وتقتحم عليه عزلته الذاتية، التي فرضها على نفسه بالنوم، وذلك لتروّج لديه بضاعتها من الأفلام

والمسلسلات والتمثيليات، ولكي تستحوذ على عقول أطفالنا وقلوبهم، بما تقدمه لهم من برامجَ مرغِّبةٍ منوَّعة. فالفن التمثيلي إذاً يمارس دوراً مهمًا خطيراً في تغيير قناعات المشاهدين واهتماماتهم، العامة والخاصة، لذا فهو متهم من وجهة نظرنا بقضايا عدة، متهم ابتداءً بتقصيره الذريع في القيام بالواجب المَنوط به تجاه الأمة، دينِها وفكرِ شبابها.. وبالمقابل فهو متهم بفتح كل أبوابه، وإطلاق كل أبواقه، وتسخير كل إمكاناته للترويج للفكر الغربي بدلاً من التصدي له، وهو متهم كذلك بصرف همم الشباب وتحويل اهتماماتهم المفترضة - كالالتفاف حول العقيدة، والانتصار للدين، والاندفاع نحو خدمة الأمة - تحويلها إلى الاهتمام بالمظاهر الدنيوية، والانغماس في الشهوات البدنية، والانبهار بالأضواء، والتمسك بالقشور وسفساف الأمور، حتى غدا الشاب وهو في مقتبل عمره يتطلع إلى إحراز البطولة، أو إبراز الذات، أو تحقيق النجاح، لا من خلال الأعمال الإيجابية البنّاءة وإنما من خلال تنفيذ مواقف تافهة أو مغامرات متهوِّرةٍ أملاها عليه مشهد سينمائي أو تمثيلية أو مسرحية. ومن هنا كانت لنا وَقفات تأمل، مع هذا الفن التمثيلي على وجه خاص، نتلمس من خلالها آثاره وأضراره الاجتماعية، مع إلحاق الحكم عليه، وبيان موقف الإسلام منه، لبعض أهل العلم الأجلاّء، جزاهم الله خيراً. وقد تم تقسيم موضوعات الكتاب إلى ثمانية فصول، هي: الفصل الأول: الفنُّ التمثيلي: المفهوم والنشأة. الفصل الثاني: الفنُُّ التمثيلي وأثره في الناشئة.

الفصل الثالث: الفنُُّ التمثيلي والمرأة. الفصل الرابع: الفنُُُُُُّ التمثيلي وترسيخ المفاهيم. الفصل الخامس: دور الإعلام في ترويج الفنّ. الفصل السادس: صور من حياة أهل الفنّ. الفصل السابع: توبة واعتراف وندم. الخاتمة: التي ضمَّنْتها بعضَ التوصيات. الملحق: وفيه نخبة مختارة من فتاوى العلماء. هذا، وقد تم - بحمد الله - عزو النصوص إلى مصادرها التي استقيتها منها، كما دعّمت البحث بالنقل عن بعض صحف ومجلاتٍ مهتمة بشؤون أهل الفن، تنقل أخبارهم وأقوالهم، (من فمك أُدينك) ، وذلك حرصاً مني على الإنصاف والموضوعية، سائلاً الله عزّ وجلّ أن يجعل عملنا هذا خالصاً لوجهه الكريم، وأن يرزقنا وإياكم الاستقامة على الحق، إنه سميع مجيب، وصلّى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلّم. د. خالد بن عبد الرحمن الجريسي.

الفصل الأول الفن التمثيلي المفهوم والنشأة

الفصل الأول الفن التمثيلي المفهوم والنشأة يحسن بنا قبل الحديث عن الفنِّ التمثيلي أن نعرض لتعريف مصطلح "الفنّ" عند أهل اللغة وفي التعبير الاصطلاحي. فالفنّ في أصل اللغة: هو واحد فنون، وهي: الأنواع، والأفانين: الأساليب، وهي: أجناس الكلام وطرقه، ورجل متفنِّن، أي: ذو فنون (¬1) . ورجل مِفَنّ: يأتي بالعجائب، وافتنّ: أخذ في فنون من القول، والتفنين: التخليط، والفن: الطرد والعناء والإعياء والمَطْل والغَبْن، ويقال: فنّنَ فلانٌ رأيه إذا لوّنه ولم يثبت على رأي واحد (¬2) . هذا في اللغة، أما في الاصطلاح: فقد صرفت كلمة (الفنّ) للدلالة على: كل عمل إنساني يتطلب إنجازه مهارة خاصّة، ويقتضي حِذْقاً معيّناً ودِرْبة متميزة، لارتباط لفظ الفن من بعض وجوه اللغة بهذا المعنى (¬3) . كما قيل أيضاً فنّ الصحافة، وفنّ الإعلام، وفنّ الإذاعة، وغيرها مما يكون على هذا النحو. ومن استعمالاته اصطلاحاً تسمية الإنتاج الصناعي فناً: وذلك ¬

(¬1) مختار الصحاح، مادة (فنن) ، محمد بن أبي بكر الرازي، المركز العربي للثقافة والفنون، بيروت، ص 377. (¬2) لسان العرب، مادة (فنن) ، ابن منظور، 5/3476. (¬3) انظر: حكم ممارسة الفن في الشريعة الإسلامية، صالح بن أحمد الغزالي، دار الوطن، الرياض، 1417هـ، ص 29.

لاقتضائه مهارة في الصنع، وحِذقاً في الممارسة، ودِرْبة خاصة في كل نوع من أنواعه، فالخياطة فنٌّ بهذا المعنى، وكذلك النّجارة، والحِدادة، والزّراعة، وسائر ألوان الحِرَف والصناعات بلا استثناء. " (¬1) . وفي التعبير المشهور لكلمة (الفن) ، " فقد أطلقت الكلمة على الفنون التعبيرية واستأثرت بها دون سواها عند الإطلاق، مثل فنون الشّعر والغناء والموسيقا والتصوير والرقص، وذلك لارتباطها في الأصل بعنصر الجمال دون الغايات النفعية"، (¬2) حيث جاء في المعجم المفصّل: "إن الفنون الإبداعية قد أمسَتْ وحدها في لغة الفكر تستأثر بمصطلح الفن، لأهدافها المعنوية، وغايتها الجمالية السامية " (¬3) . وقد شاع أيضاً اصطلاحاً أن الفن هو: "التعبير الذي يُتَّخذ مادة وسيطة كي يعبّر الفنان بوساطتها عن انفعالاته الجمالية، سواء لما يشاهده في الطبيعة أو لما يراه في الخيال، بعين الفكر، كي ينقله إلى الآخرين " (¬4) فإذا وصل الفنّان إلى غايته بمادة اللّغة كان شعراً، ومتى اتخذ الأنغام مادةً له كان موسيقى، أو جمع بينهما كان غناءً، وحين يسعى للتعبير بمادة الخطوط والألوان كان رسماً، وإذا كانت ¬

(¬1) المعجم المفصّل في اللغة والأدب، إميل بديع يعقوب وميشال عاصي، دار العلم للملايين، بيروت، 1987م، ص 956. (¬2) حكم ممارسة الفن، صالح الغزالي، مرجع سابق ص 29. (¬3) المعجم المفصل في اللغة والأدب، إميل بديع يعقوب وميشال عاصي، مرجع سابق، ص 956. (¬4) الأصول الجمالية للفن الحديث، حسن محمد حسن، دار الفكر العربي، ص145-146.

ما هو التمثيل؟

مادته مما يتجسم في أشكال وأحجام كان الفن نَحْتاً وعمارة، ومتى كانت الحركات محاكاة وتقليداً كان الفن تمثيلاً (¬1) . وما يهمنا هنا - على وجه الخصوص- هو: المحاكاة والتقليد للتعبير عن انفعالات ما، وهو ما يسمى بالتمثيل. فما هو التمثيل؟ التمثيل لغةً: (مِثْلُ) كلمة تسوية، يقال: هذا مِثْلُه ومَثَلُه كما يقال: شِبْهُهُ وشَبَهُهُ بمعنىً. ومثَّل له الشيء: صوّره حتى كأنه ينظر إليه، ومثّلت له كذا تمثيلاً إذا صوّرت له مثاله بكتابة وغيرها. ومثَّّل الشيء بالشيء: سوّاه وشبّهه به (¬2) . هذا عن التمثيل في اللغة، أما في الاصطلاح فقد عرّف به كثير من الأدباء والمفكّرين بتعريفاتٍ عدةٍ استغرقت كل جوانب العملية التمثيلية من بدايتها حتى نهايتها، فعرّفه الأستاذ أحمد الزيات بقوله: "هو تمثيل طائفة من الناس لحادث متحقَّق أو متخيَّل، لا يخرج عن حدود الحقيقة أو الإمكان" (¬3) . وعرّفه صاحب المعجم الأدبي بأنه "أداء الأدوار المسرحية التشخيصية "، (¬4) كما عرّفه عبد السلام آل عبد الكريم بأنه " محاكاة شخص لآخر حقيقي أو خيالي قصداً ". ثمّ عرّف الممثل بأنه "القائم بأعمال ¬

(¬1) انظر: المعجم المفصّل في اللغة والأدب، إميل بديع يعقوب وميشال عاصي، مرجع سابق، ص 957. والأصول الجمالية للفن الحديث، حسن محمد حسن، مرجع سابق، ص 146. (¬2) لسان العرب، ابن منظور، مادة (مثل) مرجع سابق، ج6 ص 4132، 4135. (¬3) حكم ممارسة الفن صالح الغزالي، مرجع سابق، ص 286. (¬4) المعجم الأدبي، جبور عبد النور، دار العلم للملايين، بيروت، ط2، 1984م، ص78.

التمثيل أمام الجمهور" (¬1) . ومن خلال استقراء التعريفات السابقة للتمثيل يتبين لنا أنه يقوم على مجموعة من الأمور، هي: (1) وجود قصة ولو قصيرة، أو حادثٍ يمكن محاكاته، سواء أكان واقعاً أم متخيَّلاً. (2) وجود من يمثّل الواقعة وهم الذين يُسمّون بالممثلين، وهم طائفة اختارت التمثيل هواية أو حرفة. (3) وجود قواعد فنية يلتزم بها أهل التمثيل. (4) القصد من التمثيل: التأثير. هذا هو التمثيل اصطلاحاً، فما جذوره التاريخية، وما موضع نشأته؟ "تمتد جذور التمثيل إلى العصر الإغريقي، وتعاليم الكنيسة النصرانية القديمة - قبل الإسلام -، كما صرح بذلك جماعة من علماء الأدب" (¬2) . "وفي أيام الدولة العباسية لم يترك العرب علماً من العلوم اليونانية إلا نقلوه، واطلعوا عليه، واشتغلوا به؛ ما خلا الأدب، فإنهم استغنَوْا بما لديهم، فلم تصل إليهم ملاحم اليونان، ولا قصصهم التمثيلية " (¬3) . ¬

(¬1) إيقاف النبيل على حكم التمثيل عبد السلام آل عبد الكريم، دار العاصمة، الرياض، 1411هـ، ص10. (¬2) المرجع السابق، ص 10. (¬3) أدباء العرب في الأندلس وعصر الانبعاث، بطرس البستاني، دار صادر، بيروت، ط 3، ص308-310.

الأهداف السامية للفن

"فلم يعرف المسلمون هذا العمل منذ قيام دعوة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم حتى قبل خمسين ومائة عام- تقريباً- يوم انفتح الشرقيون على علوم الغرب وحضارته وثقافته، عندئذ اكتسبوا هذا العمل منهم، وتعلموا أصوله وقواعده في مدارسهم، ثم نقلوه إلى بلادهم الإسلامية ليكون نواة لما نشاهده الآن من تمثيليات دينية وغير دينية" (¬1) . فالتمثيل بمعناه الحديث لم تعرفه اللغة العربية إلا في أواسط القرن الماضي. وكان اللبنانيون أسبق الشرقيين إلى اقتباسه، لتخرُّجِهم في المدارس الأجنبية، ودراستِهم للآداب الفرنجية (¬2) . ونظراً لحداثة الأمر بالنسبة للمسلمين فقد تباينت الآراء حول التمثيل وموقف الإسلام منه، ولا أود الخوض في هذا الجانب فليس يتسع المقام لذلك، وقد خصصت ملحقاً له، إلا أن هذا لا يمنعنا من الحديث عن أهداف الفن، وتلمّس الجوانب الإيجابية فيه، ونحن عندما نتكلم عن أهداف الفن فإننا نقصد الفنّ التمثيلي الجائز المؤسَّس على أقوال العلماء الثقات واستنباطاتهم، فيمكن - والحال هذه - أن تكون لهذا النوع من الفن أهداف سامية نابعة من واقع الأمة الإسلامية وضروراتها في التربية والتوعية ومعالجة مشكلات الواقع. الأهداف السامية للفن: ولعلّنا نُجمِل أهم تلك الأهداف - من وجهة نظرنا - فيما يلي: 1- تربية الناشئة: وهذا هدف في مُقدَّم أهداف الفن، لما للناشئة من أهمية في ¬

(¬1) إيقاف النبيل على حكم التمثيل، عبد السلام آل عبد الكريم، مرجع سابق، ص15. (¬2) تاريخ الأدب، أحمد حسن الزيات، دار الرسالة، بيروت، 1374هـ، ص 427.

2- حماية المجتمع المسلم

المجتمع المسلم، ولما تحتاجه هذه التربية النافعة إلى معالجات نصيّة جادّة لتنمية عقول الناشئة، والأخذ بأيديهم إلى التمسك بتعاليم الدين الحنيف والخُلق الكريم، وذلك بعيداً عن الخيال المريض الذي قد يولّد الانحراف، وبعيداً كذلك عن النظرة السلبية للكون والحياة والإنسان. 2- حماية المجتمع المسلم: إن حماية المجتمع ترتكز على التوعية الإيمانية والعلمية، وذلك من خلال تبصير المجتمعات الإسلامية بالأخطار التي تهدّد الأمة أفراداً وجماعات، ومن المسلَّم به أن هذه الأخطار باتت متنوعة، فمنها الاقتصادي، أو الاجتماعي، أو السياسي، أو الأخلاقي، أو الديني، وهي تتفاوت جميعًا في أهميتها، إلا أن الدين يعدّ - بحق- العامل الأهم في ذلك كله، وهو الفيصل في المعركة بين الخير والشر، ومن هنا ندرك قيمة التحصين الديني والخُلقي لحماية كل فرد من أفراد الأمة. وعندما يقوم الفن الملتزم بدور الوقاية نلحظ عند ذلك تدرّج الأمة في سلّم الاستقرار والتميز. 3- عرض قضايا الأمة الإسلامية: فالأمة الإسلامية تحمل قضايا ثقيلة في الميزان الحضاري والتاريخي، وإذا لم يؤدّ الفن - بمفهومه العام - رسالته في توعية الأمة ولفت نظرها نحو مشكلاتها وتشخيص أسبابها، ومن ثَمّ وضع حلول ناجعةٍ لها، والاهتمام بتوجيه الطاقات، بكل دِقّة وأمانة، فسيكون عندئذ - ولا ريب - أحد عوائق تقدّم الأمة وتراجعها، وبالمقابل فعندما ينهض الفن المنضبط بقضايا الأمة الإسلامية، ويبصّرها بمصيرها من خلال عرض جادٍّ لقضاياها المصيرية، يكون

4- غرس القيم النبيلة

الفن حينئذٍ ذا شأوٍ عظيم حقاً في عملية النهوض بالأمة. 4- غرس القيم النبيلة: تُعدّ القيم المعنوية الإسلامية، والمؤثرة في السلوك الإنساني، أساساً في بناء الشخصية الإسلامية، فبها يدرك المسلم ما له من حقوق وما يترتب عليه من واجبات تجاه نفسه وتجاه الآخرين، وما التزم قوم بهذه القيم الحميدة إلا عاشوا في حياة طيبة، فهي المؤسِّسة لآفاق الترابط والتعاون بين الأفراد والشعوب، وهنا تكمن أهمية دور الفن الأصيل في غرس تلك القيم، كما دوره المتميز في عطاءاته المتنوعة المستمرة بما يجعل المجتمع المسلم مجتمعاً متمثِّلاً للقيم الحضارية، متمتعاً بدور رياديٍّ بين المجتمعات الإنسانية. 5- بناء المشاعر الإنسانية: يخالج النفس الإنسانية الكثيرُ من المشاعر والأحاسيس النابعة من معتقدات ومبادئ مختلفة، يتولد عنها سلوكيات ترسم شخصية هذا الإنسان أو ذاك، حيث إن مساحة المشاعر الإنسانية تحتل حيزاً مهمًا في مجال التأثير الموجِّه لنجْدَي الخير والشر، لذلك كان لا بد من أن تبنى هذه المشاعر على نور من دين إلهي محفوظ عن التحريف وهو: الإسلام، الذي يلقي الضوء دائماً على هذه المشاعر والتوجهات، الحق والباطل، الخير والشر، الرحمة والقسوة، الحب والكره، العدل والظلم، الشجاعة والجبن، لتكون مشاعر المسلم دائماً موجَّهة للصدق، مهذبة، ومنبثقة من معتقدات ومبادئ متينة ثابتة. وعلى الفن التمثيلي بخاصةٍ، والفن بعامةٍ أن يؤدي رسالته هذه

6 - المعالجة العملية للقضايا الاجتماعية

وأن يُسهم إسهاماً فاعلاً في تهذيب المشاعر الإنسانية، والرقيّ بها مستهدياً بتعاليم ديننا الحنيف. 6 - المعالجة العملية للقضايا الاجتماعية: إن مما يورث الحسرة في النفس، تضافر الأعمال الفنية المعاصرة على مغايرة الحلول الناجعة للقضايا الملِحّة التي تُطرح واقعاً في المجتمعات، فنراها تحضّ على اتخاذ الخليلة عند خوف الشقاق بين الزوجين، بدل الإصلاح أو الطلاق، وتصوِّر الطلاق على أنه إن لم يكن محرماً فقد قارب ذلك، وكذلك توهم الشاب أن الزواج يكاد يكون مستحيل التحقق نظراً لغلاء المهر، والمؤونة الباهظة للإقدام عليه، بدءاً بهدية الخطوبة - الشبكة - وانتهاء بتعليم الأولاد في الجامعات والتزام تجهيز البنات، وذلك بدلاً من الحث على التقليل من المهر، والتيسير في النفقات المترتبة على الزواج، هذا ناهيك عن تصوير الرشوة والمحسوبية للتوظيف على أنها حتمية للحصول على الحقوق المكتسبة، والإيهام بأن الطريق الأوحد لتحصيل الثروات الطائلة لا بد أن يمر عبر المحرمات؛ كالتهريب والغش ونشر الرذيلة، فالجميع في هذه الأعمال الفنية يريد أن يعيش مترفاً، فلا يوجد ألبتة من يقنع بما قسمه الله له من رزق، فالفقر- غالباً- معيب عند كُتّاب هذه الأعمال، والشباب عندهم في تيه فاق (تيه بني إسرائيل) ! فلا شغل لديهم إلا النادي والسهرات والحفلات والرقص، والهزء المستمر بالجيل القديم المتشدد الذي لم يدرك بعدُ بأن الدنيا قد تطورت، وبأن الجيل الجديد هو الذي يفقه الحياة، ويعرف كيف يتمتع بها، فالحياة قد تطورت عندهم، لكن تطوّرها صائر دومًا إلى الفساد!! وهكذا يمر جيل بعد جيل

ليعيب كلٌ سابقَه، وبذا يبقى الإفساد مستمراً نظراً للمتغيرات الاجتماعية والحضارية بزعمهم، ولا يخفى على الأريب من أمثالك - أخي القارئ - ما لهذا التوجّه من أثر بالغ في ترسيخ مفهوم نظرية النشوء والارتقاء وأن البقاء للأصلح، فالدنيا في تطور مستمر، فليس يهمّ إن كان التغيير نحو الأسوأ، ولكن المهم هو ديمومة التغيير!! هذا، وسوف أبيّن في طيات بحثي سمات الفن المعاصر وما يقدمه للمجتمع، من ناحية الموضوع، وطريقة العرض، والأسلوب، وقبل الخوض في ذلك كله، كان لا بد من التساؤل عن خلفيات هذا الفن، وأثره في فكر الناس وحياتهم، وعن القائمين عليه، من هم؟ وماذا يريدون؟ ومن الذي أسبغ عليهم لقب "فنانين"؟ وإلى أولئك الذين يوجّهون الفنّ المعاصر ويختطّون له وِجهته نطرح التساؤل التالي ونترسّم الإجابة عنه، متوسّمين بفِطنة القارئ الكريم: ما هي رسالة الفن المعاصر؟ أهي النهوض بالأمة، أم العمل على تدمير مُقوِّماتها الدينية وتقويض دعائم فضائلها؟!! ولعلك أخي الكريم، بقراءتك لفصول هذا الكتاب تخرج بإجابة جليّةٍ وواقعية، وذلك من خلال رصد نزيه متجرد، لواقع الفن التمثيلي المعاصر ولحال القائمين عليه. ****

الفصل الثاني الفن التمثيلي وأثره في الناشئة

الفصل الثاني الفن التمثيلي وأثره في الناشئة لقد أثبتت البرامج المعدّة للناشئة أن لها تأثيرات واضحة ومباشرة على سلوكياتهم، حيث إنهم سرعان ما تبهرهم المتغيرات من الصور، وبريق ألوانها، فتراهم قابعين، وكأن على رؤوسهم الطير، ساعاتٍ مديدة، أمام شاشات التلفزة أو الفيديو، يترقبون الأحداث، فتسلبهم كامل اهتمامهم وتفكيرهم، حتى بعد فترة المشاهدة، ومن ثمّ يتأثر سلوكهم بها - بطريق المحاكاة - سلباً أو إيجاباً. ويعتقد بعضهم أن هذه البرامج قد تُزوّد الناشئة ببعض المعلومات القيّمة، وترقى بمستوى تفكيرهم، والواقع أن اعتقادهم هذا مستلهم من تأثرهم بالأفكار السائدة في الغرب، الذي لا تحكمه ضوابط اعتقادية ولا خلُقية، فما أكثر الدراسات التي تحاول أن تثبت - بشكلٍ أو بآخر- إيجابيات ما يقدّم من برامج للناشئة، " ففي ملخص تقرير الحكومة الأمريكية عام 1982م الذي يتعلق بالتأثيرات المترتبة على مشاهدة البرامج، والذي كان بمثابة محصّلة لجهود ما يقارب خمسة وعشرين عالماً وباحثاً، وقد تضمن التقرير ثلاثة آلاف بحث ودراسة داخل الولايات المتحدة، وبعضها الآخر في أوروبا، استنتج هذا التقرير أن مشاهدة برامج التلفاز تساعد في تنمية القدرة الذهنية على التخيل والابتكار كما أنه قدم لنا دليلاً أكيداً على مقدرة هذه البرامج على غرس القيم الاجتماعية المفيدة في نفوس الناشئة،

وعلى تعويدهم السلوك الاجتماعي المرغوب" (¬1) وهذا لا يعني - بالضرورة - أن البرامج التلفازية ليس لها آثار سلبية على الناشئة على اختلاف معتقداتهم وبيئاتهم، وإن كان بعضهم قد يُرجع هذه السلبيات إلى الناشىء نفسه ... لحالته النفسية والفوارق الفردية بين الناشئة (¬2) . هذا ما تراه الدراسات المذكورة آنفًا التي لا تنطبق أساساً على بيئتنا الإسلامية، فالطفل في البيئة الغربية قد يشترك مع الطفل المسلم، في كونه طفلاً وبمشاعر الطفولة واحتياجاتها، إلا أنه يفترق عنه في بيئته الاجتماعية، ومبادئه الدينية والخلقية، وسُلَّم ترتيب القيم لديه، إلا أن البرامج كلها تؤثر - سلباً أو إيجاباً - في الناشئة على اختلاف مستوياتهم الذهنية والفوارق الفردية والاجتماعية فيما بينهم، وذلك بحسب البرنامج المعروض، وتوجهاته، وخلفيات وضعه وأهداف عرضه. فالبرامج العربية - مثلاً- التي تُقدَّم للناشئة قد تحمل في طياتها توجهات فكرية واعتقادية - في بعض الأحيان - قد تستخفّ بعقلية الناشئ وما أودعه الله فيه من قدرات، حيث أصبح الترفيه هو الغاية، والرعب والخيال، والعنف والعدوان، والحب والجنس، هو محور تلك البرامج التي لا يتفق الكثير منها مع مبادئ التربية الإسلامية، بل إن بعضها الآخر لا يتفق والتصوّرات الإسلامية عن الإنسان والكون والحياة، ومنها أيضاً ما لا يرسّخ الولاء لله تعالى ولرسوله، ذلك- ¬

(¬1) التلفزيون وتربية الطفل المسلم، مطابع الوفاء، المنصورة، عالية الخياط، 1410هـ، ص 11. (¬2) المرجع السابق، ص11، بتصرف.

إن لم نقل- إنه قد يعارض ذلك. ولعل لهذا أسباباً قد تكون مقنعة في ظاهرها، من ذلك: (1) أن القائمين على برامج الناشئة لم يدخلوا هذا المضمار ولم يركبوا هذا المركب الصعب إلا لتحقيق المكاسب الماديّة فقط، بغضّ النظر عن سلامة الأهداف والنتائج. (2) أنهم لم يتفهّموا شخصية الناشئ، بما أودع الله فيه من إمكانات نفسية، وعقلية وسلوكية، فتراهم يقدمون في بعض الأحيان ما يسيء إليه، دون دراية منهم بذلك ولا خبرة. ويحسن الاستشهاد هنا بمقولة فريد التوني: «إذ نلحظ خلوها تقريباً من الأهداف التربوية الإسلامية فهي لا ترمي إلا إلى التسلية والفكاهة، كألف ليلة وليلة، وحكايات السِّحر، وما شاكلها» (¬1) . فالشاطر حسن والإبريق المكسور وغيرهما كثير، كلها من الإنتاج العربي، ومع ذلك فإنها لم تعمق المفاهيم الإسلامية، وإنما تم الاكتفاء بعرضها على أنها تراث فيه ما فيه من الحب والعشق والغرام مع تضمنها أحياناً لبعض الأخلاقيات العامة. بل إننا نرى أن بعض البرامج العربية قد تجنح إلى ترسيخ المبادئ العصبية المنهي عنها، أو الهدامة المناقضة للإسلام وتعاليمه السمحة. ونحب أن ننوّه في هذا المقام بالسياسة الإعلامية المقررة في المملكة العربية السعودية التي أكّدت تأكيداً جازماً على منع كل ما يناقض الشريعة الإسلامية الغراء أو يشوه الفطرة النقية للناشئة (¬2) . ¬

(¬1) انظر: مجلة المجاهد، العددين (33-34) . (¬2) حبذا لو التزم الفنانون بذلك، وترجموا ذلك واقعاً ملموساً يعكس الصورة المشرقة لما قررته هذه السياسة الإعلامية.

وبين يديك أخي القارئ نص المادة الثالثة من أسس الإعلام السعودي: تدأب وسائل الإعلام على خدمة المجتمع، وذلك عن طريق تأصيل قيمه الإسلامية الثمينة، وترسيخ تقاليده العربية الكريمة، والحفاظ على عاداته الخيّرة الموروثة، ومقاومة كل ما من شأنه أن يُفسد نقاءه وصفاءه، وتعنى في دفع عجلة التنمية والتعاون مع المؤسسات المختصة في هذا المجال. أما المادة الرابعة منه فتنص على الآتي: يؤكد الإعلام السعودي على أن الطفل فطرة نقية صافية وتربة خصبة، وأن صورة مجتمع الغد إنما تُلمَح من خلال طفل اليوم، لذا فعليه أن يولي برامج الأطفال التوجيهية والتثقيفية والترفيهية ما تستحقه من جهد واهتمام، ويقيم هذه البرامج على أسس تربوية علمية مدروسة، ويعهد بها إلى ذوي الاختصاص الدقيق في هذا المجال" (¬1) . كل ذلك للحفاظ على فطرة الناشئ السليمة، وليكون رجل المستقبل الذي تبنى عليه الآمال، فهي رسالة ذات هدف عظيم، ومن هنا تبرز ضرورة فهم شخصية الناشئ وتغذيتها روحياً وعلمياً، وكذلك فهم لغته الخاصة، لمخاطبته بها، وتوسيع مداركه في التعامل معه، فنقدم له ما يرقى به نفسياً وعقلياً وسلوكياً. "إنه لا بد أن تكون الرسالة من أجل تنمية روح الطفل وعقله وتوسيع معارفه ومداركه عبر إعطاء المعلومات الصحيحة والمناسبة" (¬2) . ولذلك ينبغي أن تُرسم خطط وبرامجُ تتسم بالسمات الدينية ¬

(¬1) التلفزيون وتربية الطفل المسلم، عالية الخياط، مرجع سابق، ص55-56. (¬2) جريدة "المسلمون" العدد 279.

علاقة الفن التمثيلي بالناشئة

والمعرفية والتربوية، وأن يكون ذلك مترافقاً مع بعض الترفيه المنضبط الذي لا يخالف ديننا ولا تقاليدنا، ليمكن بذلك تنمية مواهب الناشئة وتوجيههم نحو أهداف سامية. كما "ينبغي الاهتمام بوجود إستراتيجية برامجية واضحة الأهداف والمعالم تنطلق من فكر إسلامي صحيح، وتهدف إلى تعميق الولاء لله سبحانه وتعالى في نفس الطفل" (¬1) . ومن الواجب ألاّ نقدم للطفل ما يرغبه هو، لأنه قد يختار ما يضرّه ولا ينفعه، ومن هنا تبدأ مرحلة الضياع، وتظهر الحالات المرضية في الناشئة، بدءاً بالاتكالية وعدم المبالاة، وانتهاءً بغياب الإبداع والابتكار، بل ينبغي أن يقدّم للناشئ ما يجب أن يتعلمه ويفكر فيه ويتعود عليه سلوكاً. فتقدّم له المعلومات الدينية والثقافية والفكرة الوجدانية واللمحة الترفيهية الهادفة، فتنمو لديه بذلك مَلَكة التمييز بين الغثّ والسمين والصحيح والسقيم، ليكون ذلك نَوىً تبنى عليها الآمال في استكمال إنجازات الأمة الإسلامية وحضارتها. علاقة الفن التمثيلي بالناشئة: وفيما يلي سنلقي الضوء على ثلاثة محاور أساسية يمكن من خلالها إيضاح علاقة الفن التمثيلي بالناشئة؛ يتمثل المحور الأول منها في مسرح الناشئة، أما المحور الثاني فيتمثل في ما يقدم لهم من برامج تلفازية وفي مُقدَّمها الأفلام الكرتونية التي تشغل حيزًا مهمًا من وقت الطفل، ومحاولين في المحور الثالث تلمّس أثر الفن على الناشئة، ذلك الأثر المدمر اللاحق بالناشئة من جرّاء تعلقهم به، وبخاصة عند غياب الرقابة الأسرية. ¬

(¬1) جريدة "المسلمون" العدد 279.

المحور الأول: مسرح الناشئة

المحور الأول: مسرح الناشئة: لقد تبارى الفنانون وكُتّابهم في المسرح المعدّ للناشئة في تقديم كل ما يسرّ الطفل ويضحكه، دون النظر إلى القيم والأهداف، ودون مراعاة لشخصية الطفل وإمكاناته، والعمل على تنميتها، فإذا ضحك الطفل بفعل بعض الحركات المؤداة على منصة المسرح، فمعنى ذلك - من وجهة نظرهم- أن العمل المسرحي قد حقق الهدف المتوخى منه، وهذا غاية ما يتمناه كثير من القائمين على مسرح الطفل. فنحن نرى في هذا المسرح شخصيات وهمية، كحيوانات - مثلاً- نراها وهي تتكلم وتشد انتباه الطفل، فيتلقى الطفل معلوماته المسلّمة من حيوانات، وكأن الحيوانات صارت منظِّرة في المبادئ والقيم والأخلاق والسلوك الحميد للإنسان، فما أعجب ما ذهبوا إليه!! وما أشد الشحّ الفكري لدى هذا الإنسان، وما أعظم فيوضات تلك الحيوانات بالمُثُل والعقل، فهل أضحت هي دائرة معارف الناشئة، ومصدر غرس القيم لديه؟! هذا - فيما لو أحسنّا الظن بتضمّن الحوار بينها لقيم نبيلة، وغايات إنسانية سامية!! لكن الواقع يشهد بأن الناشئ لا يلقي بالاً لما يدور من حوار بين هذه الحيوانات، بقدر ما يهتم بحركاتها وصرخاتها، ومناظرها المشوّقة الجذّابة، وبألوانها الزاهية وملابسها المزخرفة، وحيواناتها الناطقة المجسّمة، وإيهام تلبّس الحياة بها، مما يؤثر سلباً في عقيدة الناشئ ويؤدي به إلى التساهل في تقبّل ذلك (¬1) . أما ذاك الانفصام بين طبيعة الحيوانات - واقعًا - وما يراه ¬

(¬1) لا يخفى تجوّز العلماء في شأن الأطفال، وما يعرض لهم كالرسوم المتحركة. ومع هذا التجوز، فإن تعلق الطفل بذلك قد يعوّده على التساهل في شأن التصوير والتجسيم.

الناشئ على خشبة المسرح الحيواني، فقد بات يؤثر سلباً على عقلية الناشئ ذاتها، فالأرنب مثلاً على المسرح تراه ضاحكًا، والذئب يتكلم بفصاحة نادرة، مع تعدد ألوان وأشكال كل منها، بما يخالف واقعها، كل ذلك جعل الناشئ ينتقل بتصوراته إلى عالم متخيّل، لا وجود له، بما يفسّر محاولة بعض الأطفال مباشرة التكلم مع بعض الحيوانات الأليفة بل ومحاورتها، ظناً منهم أنها تتكلم وتضحك كما هو حالها في المسرح، فكم تردد على مسامعنا أسئلة من بعض الناشئة عن الحيوانات الحقيقية: * لماذا لا يتفهم هذا الحيوان فكرتي؟! * لماذا لا يحزن لما ألمّ بي، فيبكي؟! * لماذا لم يخبر أمي عندما وقعت أرضًا؟! * لماذا لم يتقبّل هديتي له ... ؟! ومثل ذلك كثيرٌ ... كثير ... !! فلا شك بأن افتراض قدرة الحيوان على التخاطب، وحلِّ المعضلات، والتحلِّي بالمشاعر النبيلة، كلُّ ذلك كان له أثر سلبي بالغ على القدرات العقلية للطفل، ولو احتج أصحاب هذا الفن بأن وضع هذه القيم بقالب تمثيلي يؤدي دور البطولة فيه حيوانات مصطنعة، هو لافت لنظر الطفل، ومثير لانتباهه، إلا أن ذلك - من وجهة نظرنا- يسبب خللاً في تصورات الأطفال، قد يجعلهم متعلقين بها، ومترسمين خطاها لفترات مقبلة من حياتهم (¬1) . ¬

(¬1) وإذا كانت مصاحبة الحيوان تؤثر في صاحبها وهي صامتة، كالإبل والغنم - كما في الحديث المتفق عليه: «الفخر والخيلاء في أصحاب الإبل، والسكينة والوقار في أهل الغنم» -، فكيف بتأثيرها إذا قدمت له بشكل تمثيلي مُغرٍ منذ الصِّغر، يعتمد على الكذب، وسذاجة الأهداف مع فراغ في المضمون؟!

فالقيّمون على مسرح الطفل لم يراعوا شخصية الطفل الناشئ، ولم يسبروا أغوارها، كما لم يناسبوا بين تفكير الناشئة وأعمارهم، لذلك لا يُتوقع منهم أن يحققوا أهدافاً دينية أو تربوية واضحة، فغالب هؤلاء بالغُ همِّهم تحصيل مكاسب مادية وحسب. تقول الفنانة (الخليجة) منى عيسى - وهي الخبيرة بمسرح الطفل -: "مع الأسف الشديد إن مسرح الطفل يأخذ الآن الطابع التجاري البحت". (¬1) فلم يعد لمسرح الطفل الأهداف الواضحة الملموسة، إذ تخبَّط الفنانون في ماهية أهدافه، وكيفية تحقيقها، وفي ذلك تقول: " لقد خرج هذا المسرح عن طبيعة رسالته والدور الذي يجب أن يقوم به نحو أطفالنا، وتحول إلى مؤسسات تجارية تحرص على انتزاع ضحكات الأطفال" (¬2) . وعلى ذلك، فنحن بأمسّ الحاجة اليوم، إلى أعمال تدخل عالم الناشئ، فتنتشله من هذا الكمّ الهائل من الأعمال المرئية الغثة، التي لا طائل تحتها، علماً بأن محاولات جادة بدأت من قبل مؤسسات إنتاج إسلامية، إلا أنها تبقى غير كافية، وبخاصة أن بعضها ذو نظرة مادية لا تختلف كثيراً عن نظرة سابقيهم من العاملين بهذا المجال. ولذا فإن المسؤولية تتضاعف، وتكاد الأحمال تُنقض ظهر الكاتب ذي الرؤية الإسلامية الواضحة، وأصحاب القلم البنّاء، وأهل الإصلاح الاجتماعي، وهي كذلك عبء على كاهل الفنان الملتزم ذي الحس الديني والثقافي والاجتماعي، الذي بإمكانه أن يتغلغل إلى دخيلة نفس الطفل، وإلى أركان شخصيته، دون عناء يذكر، ¬

(¬1) مجلة زهرة الخليج، العدد: 564. (¬2) العزو السابق.

المحور الثاني: فن العروض الكرتونية (الرسوم المتحركة)

فيصقل روحه بالهدى، ويرتقي بفكره إلى مراقي الفلاح. هذه دعوة لكل من يسعى إلى الرقي الفكري والاجتماعي والسلوكي للناشئة، عسى أن تلقى آذاناً مصغيةً لدى المهتمين منهم بذلك. المحور الثاني: فنّ العروض الكرتونية (الرسوم المتحركة) : لقد أسفرت دراسة للباحثة فاطمة أبو ظريفة " عن أن أفلام الرسوم المتحركة تستحوذ على اهتمام كبير من الأطفال وأن جميع الأطفال يتابعونها بنسبة تامة (100%) " (¬1) . إن فن العرض الكرتوني يستحوذ على اهتمام الناشئة، بل قد أضحى لبّ اهتماماتهم، ذلك بأنهم يشعرون بالمتعة الخيالية وهم يشاهدون ما لم يروه في الواقع، فيتقلبون طوال متابعتهم لها في خيالات تداعب مشاعرهم، وقد تؤثر على أنماط تفكيرهم وسلوكهم مستقبلاً، وذلك بشكل غير إرادي، في عقلهم الباطن، وهذه المتعة قد تقودهم أحياناً إلى خطر محدق، بل إلى تدمير لتوجهاتهم ولحياتهم أحياناً، فهي غزو لهذا الناشئ البريء، غزو لمعتقداته وفكره، غزو لعواطفه وخياله، وغزو لإمكاناته الإبداعية، ولخياله الخصب، وذلك بإغراقه بالإثارة والتشويق، فيضطرب عند ذلك كل شيء في كيانه الإنساني، توصّلاً إلى أعظم ما يملكه الإنسان المسلم وهو العقيدة. ¬

(¬1) أفلام الرسوم المتحركة الأجنبية وأثرها على قيم وسلوك الطفل المسلم في المملكة العربية السعودية - محافظة جدة، فاطمة أحمد أبو ظريفة، دراسة أكاديمية لم تنشر بعد، كلية الإمام الأوزاعي للدراسات الإسلامية، بيروت 1422هـ- 2001م، ص162.

أثر العروض الكرتونية في العقيدة

أثر العروض الكرتونية في العقيدة: إن نظرة الناقد البصير لبعض هذه العروض، توضح له -يقيناً- كثيراً مما ترمي إليه هذه العروض من زعزعة عقائد الناشئة، وغرس مفاهيم دينية منحرفة لديهم، وقد ركزّ العاملون في هذا المجال جهدهم الأكبر على هدم عقيدة التوحيد التي يعتقد بها ناشئة المسلمين، وعلى استساغتهم لكثير مما يتعارض مع مسلّمات الفطرة، ومسلّمات التشريع لدى المسلمين. وقد أثبتت الدراسة السابقة أيضاً، "أن الأفلام الكرتونية- بما تحويه من معتقدات- لها أثر على عقيدة الطفل، وعلى مفهوم الحلال والحرام لديه" (¬1) . وبين يديك -أخي القارئ- بعض نموذجات للفن الكرتوني، وقد عرضت أفلامه في تلفزيونات العالم الإسلامي، تعيث فساداً في عقول أطفالنا، وتحاول إشرابهم مفاهيم غريبة عن فطرهم وعن المسلّمات الدينية لديهم، دون رقيب، اللهم إلا من وازع ديني لغيور على أطفاله، وعين بصيرة مؤمنة. الفن الكرتوني وعقيدة التثليث: "عرض مسلسل كرتوني رآه كثير من ناشئة المسلمين وهو يرمي إلى غرس عقيدة التثليث المنحرفة في قلوب أبنائنا، وهو بعنوان (الإله زيلا) -كما زعموا- ومما تضمّنه: أن أسرة كانت في عُرْض البحر، فاعترضتها وحوش خيالية أصابتها بالرعب والهلع، فلم تلبث هذه الأسرة إلا أن دعت (الإله زيلا) الذي هرع لنجدتها، فأنقذ الأسرة بعد صراع مرير مع تلك الوحوش الخيالية. ¬

(¬1) المرجع السابق، ص 264.

الفن الكرتوني وعبادة الأصنام

ولهذا الإله - بزعمهم - ابن يعايش البشر، فهو واحد منهم يرعاهم ويستجيب لهم، (¬1) هكذا - وبكل وضوح - يعارض هذا المشهد وأمثاله، عقيدة لجوء الناس المسلمين لله الواحد الأحد - سبحانه - إذا ما ألمّ بهم مثل هذا الحدث الجلل، وتتسرب في عرض هذه المسلسلات عقيدة ادعاء الولد لله - تعالى-، تتسرب في لبوس برّاق يبهر عقل المشاهد الناشئ، ويتسلل إلى نفس الطفل ذلك ليؤثر بها كأثر لفيروس استعصى تبيُّنه على العلماء، ومن ثم استحالت معالجته. وفي المقابل يتم تعليم الناشئة بجهد طيب من أهل الذكر، الآياتِ القرآنية، ومنها قوله تعالى: [المَائدة: 73] {مَا كَانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ سُبْحَانَهُ} عندها تتلاطم المفاهيم في عقل الناشئ المسلم، وتتزعزع لديه العقيدة - وهي أثمن ما يحرص عليه - وذلك بأثر جلسة للتسلية والترفيه قد لا يلقي لها الأهل بالاً، بل قد تجدهم يحثون أطفالهم على قضاء أوقات ممتعة في متابعة هذه المسلسلات! الفن الكرتوني وعبادة الأصنام: أما "مغامرات الليث الأبيض"، ومَنْ من الناشئة لا يعرفها، إذ تجلت بحُلّتها المثيرة، وبمشاهدها الأخّاذة، وبإخراجٍ بديع لها، وقد ظهر في أحد عروضها صنم من حجارة، وقف الناس أمامه بذِلّة وخضوع، يتوسّلون إليه ويدعونه عند الكوارث والمصائب، فهم ¬

(¬1) انظر: التلفزيون وتربية الطفل المسلم، عالية الخياط، مرجع سابق، ص 60، (بتصرف) .

من يدبر الكون، في نظر العروض الكرتونية؟!

يعبدونه (¬1) مرّوجين بذلك فعلة معظم الأقوام المعذَّبين، الذين عارضوا دعوة الرسل - عليهم السلام - من لدن نوح عليه السلام، وصولاً إلى مشركي قريش المعاندين لدعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبعد أن اندثرت تلك العقائد الباطلة، عادت تطلّ علينا عبر عروض كرتونية، يتابعها بشغف معظم أطفالنا، فيألفون رؤيتها، وقد تصبح مستساغة لديهم، ليعمل المربون بعدها سنوات طوالاً لانتزاع أثرها وتثبيت المفهوم الإسلامي للعقيدة في نفوسهم. ولا تعجب بعدها، إذا رأيت طفلاً يسجد لدمية أو لحجر طالباً منه تحقيق ما يريد، يقول أحدهم: حصلت لي تجربة شخصية مؤلمة جداً مع طفلي، وهي أني رأيته وهو يسجد لدمية أطفال لكي تتوسط له عندي لأحقق له ما طلبه منّي، وعندما سألته: من علّمك هذا؟ أجابني قائلاً: لقد رأيتها في الفيلم (¬2) . ولا عجب بعد ذلك، إن رأيت طفلاً يحدّث ناراً أو يتوسل إليها لتنفيذ رغباته، فها هي "مغامرات سندباد " في إحدى عروضها تُظهِر عقيدة المجوس، في تقديسهم للنار وتقديمهم القرابين لها، فكيف لنا بعد ذلك كله أن نحصّن أبناءنا من أثر هذا الهدم العقدي، دون ضبط فاعل وتمحيص لما يعرض منها، ليتوافق مع مسلّماتنا الدينية والتربوية. من يدبّر الكون، في نظر العروض الكرتونية؟! عَمِل هذا الفن جاهداً، بأسلوب جذّاب مثير، على تصوير صراعات دائمة في هذا الكون، فتارة يصوّر وجود مخلوقات فضائية ¬

(¬1) المسلمون العدد: 257، بتصرف. (¬2) العزو السابق.

علم الغيب كما يصوره فن العروض الكرتونية

معادية للإنسان، تقوم بغزو كوكبه، لضم الأرض إلى عالمهم، وهذه المخلوقات مفتراة متخيلة لم يُؤثَر علمٌ بها عند أي أمة من الأمم، ولا في أي عقيدة من العقائد - حتى لو كانت محرّفة - وإنما هي خرافات نسجت حولها أسطورة لتوهم الناشئة إيحاءً بأن هناك من يتصرف بهذا الكون وينظّمه، غير الله تعالى، الذي بيده ملكوت كل شيء، وهي قوى متصارعة أو عقلٌ مدبِّر مركزي، وليس الله العظيم الجليل، هذا ما نراه في أفلام غزو الفضاء وحرب النجوم (Space invadors) & (Star wars) التي يُعجب بها الناشئة أيّما إعجاب ويستمتعون بمشاهدتها الساعات الطوال. يقول فريد التوني: "تعمد أفلام مسلسلات غزو الفضاء إلى إلغاء جانب الألوهية، حتى تغرس في نفوس الأبناء الإلحاد والكفر، حيث تفسّر الكون تفسيراً وثنياً صريحاً (¬1) . علم الغيب كما يصوّره فنّ العروض الكرتونية: إن بعض عروض الكرتون تعرض ما سيحدث في المستقبل وكأن منظار القائمين على هذه الأفلام قد تحكّم في علم الغيب، فاطّلع على مجرياته يقيناً، وهاك مثالاً على ذلك: إذا استعرضت الفيلم (صفر صفر واحد) الفضائي المثير سترى فيه: أن بعض المخلوقات الخيالية ستقدم على غزو مقرّ الإنسان (الأرض) مستقبلاً، وسيكون هذا سنة (2999م) تحديداً (¬2) ! وأن أحداث هذا العرض تدور جميعها حول هذا الافتراض الغيبي، وذلك الخيال المفترى، الأمر الذي يتنافى وعقيدتنا الإسلامية في استئثار الله تعالى وحده بعلم ¬

(¬1) مجلة المجاهد العددان: 33-34. (¬2) العزو السابق.

فن العروض الكرتونية وتأصيل عقيدة السحر

الغيب، وذلك كما أخبر سبحانه بقوله: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ} [آل عِمرَان: 179] ، وبقوله تعالى: {قُلْ لاَ يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلاَّ اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ *} [النَّمل: 65] ، والآيات الكريمة في ذلك كثيرة. فنّ العروض الكرتونية وتأصيل عقيدة السّحر: إن هذا الفنّ يعتمد على الخيال، بل على الخيال الجامح، لذلك فإننا نلاحظ كثرة العروض المتعلقة بالسّحر، ذلك أن أثر الأعمال السّحرية يكون - فيما يظهر - خارقًا للأمور التي اعتاد عليها الناس، وتأسيساً عليه، كان السّحر وما يتعلق به من خرافات وخيالات أرضاً خصبة للغاية لهذا النوع من الفنّ، فالسحر هو محاولة تحكم بشؤون البشر، وهو - فيما يظنه بعضهم- مصدر سعادةٍ أو شقاء، وموئل أمن أو مَفْزعًا من خوف. ويصوّر أصحاب هذا الفن قدرة الساحر على أنها مطلقة لا يعجزها شيء، فهو قادر - بزعمهم - على إيجاد ما يريد إيجاده، وعلى إهلاك من يريد إهلاكه، فقد يُخرج من الزهرة طفلاً جميلاً، وقد يجعل من الحيوان إنساناً، ومن الإنسان شجرة، أو أن يخلق أي شيء يريده!! وذلك بخلطه لمركبات كيماوية معينة، وقراءة طلاسم عليها، أو التفوّه بكلمات محدّدة، تعلق في ذهن الطفل، فيجربها هذا الطفل المخدوع بعد ذلك مرات عديدة، فلا يرى لها أي أثر في الواقع، فيقع عندئذٍ فريسة للتناقض بين الواقع والمتخيل، فيعود مرة أخرى ليحقق أحلامه بهذه العروض، فلا يؤمن بعدها بإمكانية الإنتاج في الواقع، مما يتسبب في هدم كثير من إمكانات الأمة، هذا فضلاً عن ثبوت هذه المعتقدات في قلبه وروحه، مما يناقض ما كان يعتقده

من أن عمل السحر كفر، ومن استقرار بُغضِ السحرة في قلبه، ومن اعتقاد وجوب قتلهم حدّاً، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «حدُّ السَّاحِرِ ضربةٌ بالسيفِ» (¬1) . تروي إحداهن فتقول: في الموعد المحدد نادت الطفلة الكبرى أختها الصغرى بلهفة: تعالي، أفلام كرتون ... وجرت الصغيرة لتأخذ مكانها إلى جانب أختها أمام جهاز التلفاز، ودارت أحداث المشهد التالي، مترافقاً بتعليق من المقدّم: تذهب الأم إلى السّاحر وتطلب منه منحها طفلاً.. ويُشفق السّاحر على حالها، لأنها عاقر لا تنجب أطفالاً، ويعطيها حبة قمح، ويقول لها: اغرسيها وانتظري حتى العام القادم.. وفي العام القادم تتحول حبة القمح إلى طفلة جميلة ... ويستمر العرض إلى النهاية وبعدها تستغرب والدة الطفلة المشاهدة سؤال ابنتها: أمي لماذا لا تذهبين إلى السّاحر فتطلبين منه أن يعطيك طفلة جميلة مثل هذه؟ وحين همّت الأم بالإجابة، ردّت عليها أختها: الساحر لا يعطي أطفالاً، الله فقط هو الذي يعطي الأطفال.. وتردّ الصغيرة: ألم تري كيف أعطى السّاحر طفلة جميلة لتلك السيدة؟ وتجيبها الأخت الكبرى: ولكن هذا السّاحر قد مات وليس موجوداً الآن.. وتقول الأم: ولكن ما لبث أن دبّ القلق في نفسي على أطفالي من هذه الأفلام الموجّهة إليهم (¬2) . هذا هو فنّ العروض الكرتونية - غالبًا - فهو لا يخدم عقيدةً ولا خُلقاً ولا هدفاً، اللهم إلا تدمير شخصية الناشئة ومسْخها ودفعها ¬

(¬1) أخرجه الترمذي؛ كتاب: الحدود، باب: ما جاء في حد الساحر، برقم (1460) عن جندب رضي الله عنه. قال الترمذي: والصحيح عن جندب موقوف، والعمل على هذا الحديث عند بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم. اهـ. (¬2) المجتمع، العدد: 868.

ماذا عن العنف والعروض الكرتونية

نحو الهاوية، ونحو العنف والسلوك الإجرامي، ونحو الانحراف العقدي والخلقي. ماذا عن العنف والعروض الكرتونية؟ إن كثيراً من هذه العروض يقوم على صراعات متتالية تكاد لا تنتهي إلا بانتهاء العرض، وذلك في إطار إثارات متتابعة تشد انتباه المشاهدين، وتخطف أبصارهم، حيث نرى الخداع والحيل، والكذب، والثأر والانتقام، والصراع المستمر بين المخلوقات، ويشهد لذلك عروض من أكثر العروض الكرتونية شهرة، مثل (توم وجيري) ممثلاً لصراع لا ينقطع بين قط وفأر وبوسائل متعددة متنوعة، و (بوبّاي) وتنافسه الدائم مع بحّار آخر على امرأة، وغيرها كثير مثل البطة (دفي دك) و (تاوتاو) والأرنب (باغني) ، والقاسم المشترك بينها جميعاً: اعتماد العنف والصراع وسيلة لتحقيق المبتغى، مما يؤصّل اعتماد تلك الوسيلة لدى الناشئ في حياته اليومية الواقعية. ومع ذلك كله، فإننا قد نجد بعض الناس لا يسلّمون إلا بوجهة نظر علماء الغرب، ولهؤلاء أسوق ما ورد في تقرير لرابطة التربويين البريطانيين: "إن مثل هذه الأفلام لها تأثير سيّئ على سلوك الأطفال، حيث إن الشخصيات المستخدمة في هذه الأفلام تشجع الأطفال على العنف، وتُغذّي في نفوسهم وتفكيرهم الرغبة في العدوان" (¬1) . ويقول د. توم راديكي، وهو أمريكي مختص بعلم النفس، بعد ¬

(¬1) المجتمع، العدد: 940.

أن رصد هو والفريق المتعاون معه برامج التلفزيون، يقول: إن العلاقة وثيقة بين ما يشاهده الطفل من مشاهد العنف وما يقدم على ارتكابه من جرائم، وإن هناك تناسباً طردياً بين معدّل مشاهدة برامج العنف ومعدّل الانحراف لدى الصغار، - أي: يزداد الانحراف أو يضعف متناسباً مع ازدياد أو قلة مشاهدة هذه البرامج -، ويتابع الدكتور توم قوله: إن مشاهدة العنف تقلل حساسية الناس إزاءه فلا يبدو ارتكاب الجرائم أمراً مخيفاً، وإن 50% من مشاهدي الأحداث العنيفة يكونون أكثر ميلاً لأن يفقدوا السيطرة على أعصابهم ولأن يتورطوا في أعمال عنيفة (¬1) . وإن كانت هذه الدراسات قد أجريت في بعض بلاد الغرب وأُخذ فيها بعين الاعتبار الاحتياجات السلوكية لناشئتهم، فكانت نتائجها على النحو السابق ذكره، فكيف بالناشئة المسلمين الذين لا تناسبهم هذه الأفلام لا نفسياً ولا سلوكياً ولا دينياً، فخطرها إذاً كبير، يجب أن نحذره ونحمي أولادنا منه عاجلاً غير آجل، فهذه الأفلام على فرض أنها قد تحدثت عن فضيلة واحدة فهي في المقابل تغرس في النفوس رذائل كثيرة، وطباعاً غير متناسبة مع ما يجب أن يكون عليه الحال في المجتمع المسلم (¬2) . إن الواقع يشهد معاناتنا - ولو بنسبة أقل مما يقع في الغرب- من العنف في بيوتنا ومدارسنا، فهل هذا من مسلّمات بيئتنا وعاداتنا؟ وهل منشأ هذا ديننا الإسلامي العظيم الذي يأمر بالرِّفْق في الأمر ¬

(¬1) العزو السابق. (¬2) المسلمون العدد: 279.

الخيال في عروض الكرتون

كلّه؟ وفي الحديث: «إن الرّفق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا ينزع من شيء إلا شانه» (¬1) . إن السلوك العدواني سرعان ما ينطبع في مخيلة الناشئ، لأن العنف في الأصل مرتبط بالأفعال وحركات الجسم، الأمر الذي يثير الناشئ فيعمد إلى تقليده، فيتغلب ذلك في كثير من الأحيان- على ما يتلقفه نظرياً من المربين، فيقع عندها في نوع من الانفصام الحاد في شخصيته بين القدوة العملية والأقوال النظرية. ومن الجدير بالذكر هنا، أن الناشئة في العالم العربي والإسلامي - حسب إحدى الإحصائيات - يقضون ما معدله من 35 إلى 40 ساعة أسبوعياً أمام التلفاز (¬2) وأغلب هذه الفترة تكون مخصصة للفن الكرتوني بكل سلبياته التي ذكرتها. وما المتوقع من أبنائنا بعد هذا التلقين السيىء المستمر، والتوجيه العقدي والسلوكي المنحرف، أتراهم سيعيشون توازناً نفسياً في عقائدهم؟ واستقراراً فكرياً في توجهاتهم؟ وهدوءاً عاطفياً في سلوكياتهم؟ الخيال في عروض الكرتون: يُعدّ التخيّل مادة أولية خِصبة يعتمد عليها الفن الكرتوني، وقد يكون سهلاً ماتعاً، منطلقاً من الواقع الفكري للناشئ، إلا أنه بالمقابل قد يكون خيالاً جامحاً مرتكزاً على المبالغة والتهويل مما يسبب عدم اتزان فكري لدى الناشئ، وهذا ما يجعله مشتت المفاهيم مضطرب السلوك، فتنتكس موازين المعرفة لديه. ¬

(¬1) أخرجه مسلم؛ كتاب: البر والصلة والآداب، باب: فضل الرفق، برقم (2594) ، عن عائشة رضي الله عنها. (¬2) المجتمع، العدد: 940.

وقد أظهرت دراسة متخصصة أن الخيال في أفلام الرسوم المتحركة يؤثر على حيز المعلومات والثقافة لدى الطفل، كما يشككه في هذا المجال في معلوماته التي يكتسبها في بيته ومدرسته (¬1) . فما يُتوقع بعد ذلك من ناشئ يرى الشمس تبكي؟! تقول الطفلة وفاء: أنا لا أحب الشمس أبداً ... لأنها عندما توفيت أمي لم تبك ... أما عندما يتوفى الكلب أو القط في الأفلام فإنها تبكي (¬2) لقد فهمت هذه الفتاة، بل تعمّق في معرفتها أن الشمس تبكي وتحزن! أما خالد فقد كان يقضي الساعات الطوال، وهو يشاهد أفلام الكرتون، وكان والده يزوده بكل جديد منها، وفي ذات يوم اعتلى خالد أرفف المكتبة المنزلية، ثم ألقى بنفسه على أخيه الصغير، وهو يصرخ بكلمة وردت في الفيلم، مما تسّبب له بإصابة خطيرة في العمود الفقري، وصار عُرضةً بعدها للإصابة بشلل دائم (¬3) . ما أصاب خالداً هو الاعتماد الذهني على الخيال بل الذي لم يبن على واقع الطفل المحيط، فتمثّل له حقيقة نظرية أراد أن يطبقها في أرض الواقع، ولما باشر ذلك كانت الكارثة، فكثيراً ما نرى في هذه العروض إنساناً، وهو يطير في السماء وبلا أجنحة!! وآخر يقفز من فوق رؤوس الجبال الشاهقة!! أو تنشق الأرض ثم يخرج منها إنسان ضخم، أو يغوص في البحار بلا حافظة أوكسجين، ثم يتكلم ويتنفس في الأعماق، كل هذا قد يجعل الناشئ مضطرباً في تصوراته ¬

(¬1) أفلام الرسوم المتحركة الأجنبية وأثرها على قيم وسلوك الطفل المسلم، فاطمة أحمد أبو ظريفة، مرجع سابق، ص 264. (¬2) المسلمون العدد:257. (¬3) العزو السابق.

العروض الكرتونية والخرافة

الفكرية، بل في معرفته للبيئة من حوله وقد يتسبب ذلك في إكسابه شعوراً بالاضطراب والخوف، بل شعوراً بعقدة نقص، لا يمكنه التخلص منها إلا بممارسة واقعية لما يتخيّل!! العروض الكرتونية والخرافة: إن هذه العروض تبتكر شخصيات لا وجود لها في أرض الواقع، ثم تُسبِغ عليها قدراتٍ خرافية هائلة، تجعل قلوب الناشئة تتعلق بها، وأذهانهم تتصور وجودها حقيقة، مثل جريندايزر وسوبرمان، وغيرها، وقد سئل الأطفال يوماً عن تسمية شخصية تاريخية كانت مثالاًً أعلى للبطولة والشجاعة، فبادر أحدهم مجيباً: إنه جريندايزر!! أما الآخر، فهو يحب جُنكر الشخصية القوية الجبارة (¬1) . تقول منى عيسى: إن المطلوب هو إنتاج برامج تلفازية تتحدث عن البطولات العربية وعن أهم الشخصيات العربية والإسلامية.. وأن تُقدَّم للناشئة في شكل جذّاب، المطلوب أن نقدّم لأطفالنا تاريخهم (¬2) . إن تاريخنا الإسلامي حافل - ولا شك - بشخصيات كانت مثالاً يحتذى في المعرفة والسلوك والتضحية والبطولة، فكانوا نبراساً لجميع الأمم، ومضرب مثل للبشرية، والغريب حقاً أن يُبعد هؤلاء عن وجدان الناشئة وأذهانهم، ومن ثَمّ يوجهون لشخصيات لا وجود لها، ويفخرون بها ويحذون حذوها. ¬

(¬1) المسلمون العدد:257. (¬2) مجلة زهرة الخليج، العدد 564.

البوكيمون قمة الخرافة

البوكيمون قمة الخرافة: (البوكيمون) عرض لمسلسل كرتوني أُنتج في اليابان، وهو مخصص للأطفال، وقد انتشر بشكل مذهل في الآونة الأخيرة، في أنحاء شتى من العالم، وهو يُعرض مدبلجاً إلى اللغة العربية الفصحى (وهذا إنصافاً قد يُعدّ من إيجابياته) في عالمنا العربي، وقد غزا عقول أطفالنا وقلوبهم، حتى أمسى مالئ دنياهم، وشاغل أفئدتهم، وحديث ساعتهم، ومن ثم صارت صور أبطاله تباع وتشترى بمبالغ ليست متوقعة، فصار الأطفال يقامرون بهذه البطاقات فيما بينهم. حتى لقد استفتى الناس العلماء في حكمه، فقضت الفتاوى بتحريمه لما له من الأضرار المحققة على عقائد أطفالنا، وتعويدهم المقامرة. فما قصة "البوكيمون"؟! هي مجسّمات كرتونية لحيوانات متخيَّلة، غريبة الشكل، ومختلفة الأحجام، ومتنوعة القدرات لها قوى خارقة، يعيش بعضها في الغابات، وبعضها الآخر في الكهوف، وبعضها في الأنهار، وهناك ما يقارب مئة وخمسين (150) نوعاً منها، تدور أحداث قصصها في أرض مجهولة يعيش فيها الإنسان والبوكيمون، يقوم فيها البطل "آش" بتدريب بيكاتشو البوكيمون البطل المستحوذ الأول على عقول الصغار وقلوبهم. وقد اخترع هذه الكائنات الكرتونية شاب ياباني يبلغ من العمر 34 سنة، استطاع بمساعدة صديقين له الترويج لهذه الشخصية الكرتونية بعدما عكف ست سنوات من أجل إخراجها من حيّز الأفكار إلى حيز الواقع!! المشغول لا يُشغل: إن اقتحام البوكيمون بهذه السرعة الهائلة للسوق الإعلامية العربية

أمر متوقع، لا غرابة فيه، وذلك لكونها شبه فارغة من أي منتج قيم قد يستحوذ على مشاعر الطفل، ويحوز إعجابه، وذلك بغض النظر عن جودته أو رداءته، أو عن قيمته التربوية، سواء أكانت بنّاءة أم هدامة، فالسوق الإعلامية العربية أفقر ما تكون في مجال الرسوم المتحركة، والكوب الفارغ يُملأ ولو بالهواء، ولا أنكر أبداً أن هناك بعض المحاولات الجادّة في هذا المجال التي تحاول إظهار محاسن البيئة العربية وتمثُّل القيم الإسلامية؛ من أمثال "الفاتح"، و "عين جالوت" و"رحلة الخلود" ونحوها، إلاّ أنها تظل شبيهة بخطوات طفل يحبو في أشهره الأولى وهو ينافس عدّاءً قد حاز قصب السَّبْق مراراً وتكراراً. وانطلاقاً من هذا المفهوم فإننا ندعو لقيام محاولات أكثر جدية وإتقاناً، تكون مبنية على أسس علمية وتربوية في هذا المجال، كما ندعو رجال الأعمال العرب والمستثمرين إلى خوض غمار هذه التجربة، حيث إن السوق العربية - من وجهة نظرنا- يمكنها استيعاب هذه المنتجات ذات الطابع العربي والإسلامي المتأصل. وقد علمتنا تجربة (مستر ديزني) أن النجاح لا يكمن في اختراع الشخصية الكرتونية وحسب، بل في غزوها لعالم الطفل؛ فتصل إلى ملابسه وألعابه، وكراريسه وأدواته المكتبية وأطباق طعامه وأكواب شرابه، حتى الحلويات المخصصة له، وعالمه الخاص بأكمله. وهذا يشجع هؤلاء المستثمرين على القيام بصناعات ملحقة بهذا المنتج الكرتوني، قد تدرّ عليهم أرباحاً طائلة، ويكون سبيلاً ناجعاً لنشر القيم الطيبة والسلوك الحميد لدى أطفالنا. إن تحول الصناعة الكرتونية واستدارة دفتها من الوجهة الأمريكية إلى اليابانية يحدونا-

وبقوة- إلى الاعتقاد بأن عالم ديزني يمكن أن يُقْهَر بشيء من الإتقان، والعزيمة على منافسته. فما المانع من الاستفادة من هاتين التجربتين الرائدتين في هذا المجال؟! أما القول بأن يُمنع الأطفال من متابعة الرسوم المتحركة، فقد يولّد ذلك لديهم رغبة جامحة لتلك المتابعة "فكل ممنوع مرغوب"، فضلاً عن أنه يصعب ذلك، فقد غزا التلفاز كثيراً من الدُّور، فاستحكم في عقول ساكنيها، وسلب عليهم ألبابهم، وقد ملأت صور أبطال الرسوم كل الأسواق والمطاعم وألواح الإعلان، ونحن نتساءل هنا: ألا يمكن إيجاد بديل مثير لأطفالنا، يكون أكثر لصوقاً بتاريخنا ومعتقداتنا وبيئتنا العربية والإسلامية المحافظة؟! وليكن الغزو أخيراً غزواً عربيّاً إسلامياً أصيلاً لعقول صغارنا وقلوبهم. إنه من المستغرب حقاً أن نطالب الناس بمنع أولادهم من أمور قارب شيوعها شيوع الماء والهواء؟! إنهم إن منعوهم منها فسيتحيّنون الفرص المناسبة لها، فالتلفاز قد انتشر انتشار النار في الهشيم، وأكياس الشيبس المملوءة بكروت البوكيمون قد امتلأ بها كثير من المحالّ التجارية والمطاعم العالمية التي تروج بضاعتها عبر أبطال الكرتون، فلا يجد الأهل بُدّاً - والحال كذلك - من إرضاء أطفالهم، بل إن الواقع يشهد بأن الأولاد هم الذين يقسرون أهلهم قسرًا على اللحاق بعالمهم، وإرضاء توجهاتهم. وحيال وضع كهذا، كان لابدّ من السعي والمثابرة لإيجاد البدائل؛ فبدلاً من أن يصبح البوكيمون - وأمثاله مما قد يستجدّ - هو المستحوذ الأول والرئيس على عقول أطفالنا وحياتهم، فمن الممكن بشيءٍ من المجهود إيجاد بديل آخر فيه إثارة؛ يكون أكثر

كرتون الحب والغرام

قرباً من حياتنا الواقعية وبيئتنا العربية الإسلامية المحافِظة. كرتون الحب والغرام: يعمد هذا النوع من الفن الكرتوني إلى غرس روح التفلّت من القيم النبيلة في العلاقة بين الجنسين، حيث يتم التركيز فيه على التبرّج والرقص والخلاعة، فها هي ذي السنفورة الجميلة تأخذ بألباب السنافر الذكور، وها هم أولاء يتنافسون لمراقصتها أو تقبيلها، وها هي ذي القطة الفاتنة تتمايل لتثيره وتغويه مستخدمة شتى صنوف الإغراء ووسائل الغواية. أما حفلات الفن الكرتوني فهي تعكس واقع بعض الناس غير المتلائم مع بيئتنا، ويحاول هذا الفن تعميمه على مجتمعاتنا، فترى الحفلات الصاخبة المبتذلة تقدم للناشئة عبر هذا النوع من الفن على أنها مثال يحتذى، أو- على الأقل- أن يُعدّ ذلك أمراً اعتيادياً يمكن تمثُّله مستقبلاً عند سنوح أول فرصة. هذه المناظر المثيرة، وأمثالها تنبّه في الطفل العواطف الخاصة والمشاعر الحميمة، التي تكون عادة بين الرجل والمرأة، وليت الأمر اقتصر على هذا الحد، إنما هذا التنبيه للغريزة قد انتقل إلى الحيوانات والجمادات؛ فكل شيء يمكن أن يحبّ ويُقبّل ويبادل الغرام حتى السيارات والدراجات والفواكه والنجوم والشجر والأزهار، وهذا تنبيه للغريزة مبكّر جداً، وله تأثيره السلبي المدمّر على سلوك الطفل وأخلاقه (¬1) . المحور الثالث: أثر الفن على الناشئة: لقد أبدع الله الإنسان وخلقه في أحسن تقويم، وجعله خليفة في ¬

(¬1) التلفزيون وتربية الطفل المسلم، عالية الخياط، مرجع سابق، ص62. بتصرف.

الأرض، ثم إن هذا المخلوق السامي يمر بطفولة وضّح سماتها رسولنا عليه الصلاة والسلام فقال: «كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهوّدانه وينصّرانه ويمجّسانه» . (¬1) فقد أودع الله فيه فطرة نقية صافية لا تشوبها شائبة، وهي فطرة التوحيد، والمشاعر النبيلة، والسلوك الحسن القويم، لذلك فقد ألقى الإسلام مسؤولية كبرى على الآباء والأمهات والمربيّن، للحفاظ على هذه الفطرة، التي بها نستشعر براءة الأطفال وحسن نياتهم، ولحمايتها من شوائب الانحراف، لتكون دائماً نقية موحّدة خيّرة، ولكن هل تحمّل هؤلاء الأمانة وأدَّوْها؟ إن الطفل يتقبل - بلا تردّد ولا تمحيص- كلَّ ما يقدَّم له من معتقدات وسلوكيات ومشاعر، فلو اتفق أنك سألت طفلاً عن سبب كونه مسلماً أو نصرانياً أو يهودياً او مجوسياً، فإنه سيجيب بتلقائية: لأن والديه كذلك، فيبقى الطفل المسلم محتفظاً - ولله الحمد - بموافقة الفطرة عند الإدراك لمعنى العقائد، وينحرف الآخرون عن فطرهم، وتجتالهم الشياطين إلى الشرك والعقائد المنحرفة. ولكن ذلك لا يمنع من تأثر الناشئ المسلم - في خضم الحياة اليومية - بموجات من الاضطراب قد تشوّه فطرته ومشاعره وخياله، فترمي به في وادٍ فكري سحيق، ولو تتبعنا سبب تلك الاضطرابات الفكرية والسلوكية لوجدنا الفن وتوابعه من أهم الأسباب الكامنة من وراء ذلك، تؤثر في الطفل دون أن يدري، طابعة في ذاكرته الندية ¬

(¬1) متفق عليه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: أخرجه البخاري؛ كتاب: الجنائز، باب: إذا أسلم الصبي فمات، هل يصلّى عليه، برقم (1358) ، ومسلم كتاب القدر، باب: معنى كل مولود يولد على الفطرة، برقم (2658) .

أولا - التقليد

آثاراً وندباتٍ حقيقية تتحول واقعاً ملموساً في مستقبله، فلا يلتفت بعدها إلى قضايا أمته وآمالها وآلامها، وطموحاتها العليا، فتكون سبباً في انحراف قوام النبتة- موضع العناية - فلا تستقيم بعدها، ولا تثمر، ولا يتذوّق الناس حلاوة ثمارها. قد يدّعي بعض أهل الفن والمنتفعين به، أن الفن قد يقدّم خيراً للناشئة، لكني سأعرض لك - أخي القارئ - بعض الأخطار السلوكية التي قد يتعرض لها الناشئة من خلال متابعتهم للأفلام والبرامج المتنوعة. أولاً - التقليد: إن الناشئ يتمتع عادةً بمقدرة متميزة على التعامل مع كل ما يسمعه أو يشاهده، ثم إنه يتلقى ما يتلقاه تحت تأثير العرض المشوّق المصحوب بالصوت والصورة، فيستخدم أهم حواسّه الإدراكية من سمع وبصر في محاولة فهم لما يشاهده، ثم ينطبع معظم ما يراه في ذاكرته، ويبقى راسخاً فيها إلى أن تظهر بعد حين في سلوكياته الظاهرة وانفعالاته العاطفية متمثلة، كما رآها تماماً أو ممتزجة بغيرها، وقد تظهر فيما يقرب أو يبعد من الزمن. والتقليد يمكن تقسيمه إلى ثلاثة أنواع هي: أ - التقليد الانفعالي: ويقصد به التفاعل النفسي مع الفنانين والفنانات، وهم يؤدون أدواراً متعددة، تتخللها مواقف الغضب والرضا، والحزن والفرح، والانتقام والتسامح، والخوف والإقدام، والكره والحب، والصدق والكذب، كل هذا وغيره من الانفعالات الموصوفة بالتمثيل، تنتقل إلى الناشئ، وغالباً ما يُقبِل الناشئ على تصوّر السلبيات لأنها أكثر

ب - التقليد اللفظي

إثارة، فتراه إذا مرّ بمواقف الغضب أظهر الغضب على طريقة الفنان أو الفنانة، فينثر شعره أو يكسر مرآة بيته أو يمزق ملابسه أو يرمي بكتابه بعيداً على الأرض، وإذا حزن أو خاف أو أحب أو أبغض ... قلّد في ذلك كلِّه انفعالاتِهم، وقد يؤدي دورهم تماماً، وكأنه لا يعيش الواقع وإنما يعيش التمثيل فيتقمّص شخصياتهم الانفعالية، وقد يستمر هذا التقليد الانفعالي ليكون سمة بارزة ثابتة في شخصية الناشئ، وقد تكون هذه الانفعالات مخالفةً للآداب والعادات، وقد تكون أيضاً مخالفة للشرع المطهّر وتعاليمه، وعندها يكون الفن قد غرس نبتة مُرّة في أرض خصبة، في حين أن الإسلام علّمنا كيف نملك أنفسنا عند المشاعر المختلفة من حزنٍ أو فرح، أو حبٍ أو بغض أو غير ذلك، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من كظم غيظاً وهو يستطيع أن يُنفِّذه دعاه الله على رؤوس الخلائق يوم القيامة حتى يخيّره في أيّ الحور شاء» (¬1) . ويعلمنا عليه الصلاة والسلام أن الغضب لا يكون إلا إذا انتُهكت لله حرمةٌ، وقد كان صلى الله عليه وسلم أشد الناس غضباً لذلك، فأين أهل الفن من هذه التعاليم النبوية السامية؟! هلاّ علّموها الناشئة من خلال أعمالهم حتى تتكون لديهم انفعالات مهذّبة تدل على الرصانة والخلق الكريم. ب - التقليد اللفظي: هذا النوع من التقليد هو الأكثر لصوقاً بالناشئة، فقد يردد بعضهم مع الممثل العبارات والكلمات المناسبة وغير المناسبة، وهذه الألفاظ قد تدخل معجم الناشئ اللغوي فتصبح جزءاً لا يتجزأ ¬

(¬1) أخرجه الترمذي؛ كتاب: أبواب صفة القيامة، باب فيه أربعة أحاديث ... ، برقم (2493) ، عن أنس رضي الله عنه. قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب.

من شخصيته اللغوية المتلفَّظة، ولو لحين، لذلك يحرص المعنيون بشؤون التعليم لدى الأطفال على استخدام اللغة العربية الفصحى، بمفرداتها البسيطة المحببّة إليهم، وذلك لتحبيب المعلومة إليهم، وتقريب فهمها لديهم. إن المقدار الهائل من الأفلام والمسلسلات وتنوّع ثقافات الفنّانين وبيئاتهم، كل تلك العوامل قد تصيب الناشئ باضطرابات لفظية سببها البعد عن الفصحى والإفراط في العامّيّة بأنواعها، وهذا لا يثري ملكة الناشئ اللفظية بل يزيد بالضرورة من تعثر نموه اللغوي، ويؤثر سلباً على الثروة اللغوية لديه، بالمقابل فإن الاهتمام البالغ المفترض بلغة القرآن، وهي اللغة الأم التي تفهمها كل الشعوب المسلمة هو الطريق الأمثل والأقرب للإثراء اللغوي ولتثبيت التربية السليمة لدى الناشئة في آن. وقد يكون - بعمد أو بغير عمد - التركيز على اللهجات العامية سبباً رئيساً لإبعاد الناشئة عن لغة القرآن الكريم والسنة المطهرة، ومن ثَم إبعادهم - بهذا التجهيل بالعربية الفصحى - عن دينهم. وقد ترى بعض الناشئة يحتارون في فهم جملة رُكّبت كلماتها من الفصحى - حتى المبسطة منها - وقد لا يدركون معانيها إلا بالشرح والتقريب وضرب الأمثلة. وبعضهم الآخر إذا طلبت منه التعبير عن فكرة ما باللغة العربية الميسرة تراه قد تعثر، لضحالة المفردات والتراكيب اللغوية لديه، بل قد تجد منهم من يسخر من تلميذ نابغةٍ فَرِحٍ باعتماده اللغة الفصحى في جميع الأحيان، يسخرون منه لينثني بسرعة إلى ما أَلِفُوه من لهجات عامية روّجها أهل الفن، وهؤلاء لو تحدث أحدهم الفصحى

- في مشهد تمثيلي - تراه يلوي لسانه ويفتح شدقَيْه ويفغر فاه موحياً بذلك لسامعيه بأن هذه اللغة العظمى قد علاها غبار الزمن، وعفا عليها ولم تعد متناسبة وحضارة العصر. فهل - بعد ذلك كله - يكون الفن قد أدى دوره في بناء شخصيّة الناشئ اللفظية من خلال اللغة العربية الأم؟! إنه - إنصافاً - لم يفعل ذلك إلا نادراً وفي بعض المسلسلات التاريخية، فالقائمون على الفن لا يهمّهم الرقيّ بالمشاهد وتنمية قدراته الفكرية والسلوكية، وإنما الذي يعنيهم بالمقام الأول، هو تحقيق الإثراء من خلال تقديم التسلية والفكاهة، ولو كان ذلك على حساب المستوى الثقافي للأمة. تقول إحدى المربيات: " أشعر أن 50% مما يقدمه التلفاز ليس من صالح المتلقين، وذلك بغض النظر عن فئاتهم، كما أشعر بضرورة إعادة العمل من قبل منتجي البرامج ومن يبتاعونها منهم، لإيجاد البدائل الفضلى لنوعية البرامج والمسلسلات.... إن أطفالي يستخدمون ويرددون بعض الألفاظ والمصطلحات المكتسبة من التلفاز، سواء أكانت مناسبة أم غير مناسبة" (¬1) . لذا فإن الاعتقاد السائد لدى عامة الناس بأن كل ما يقدمه الفنانون هو ذو قيمة أدبية أو علمية أو اجتماعية، أمر غير مسلّم به، بل على النقيض من ذلك، فإن غالب ما يقدّمونه مسيء للقيم، بل إنك قد تجد- أحياناً- ألفاظاً تخدش الحياء، عند انفعال الممثل غضباً أو حزناً أو فرحاً. ¬

(¬1) مجلة الشريعة العدد 281.

جـ - التقليد الحركي

جـ - التقليد الحركي: عندما يقوم أحد الممثلين بحركات للتهريج والإضحاك، فإن هذه الحركات تنطبع بمخيلة الطفل فتجده يؤدي الحركات نفسها وبنفس راضية، ويقوم بدور الممثل دون أن يعي أن هذه الحركات قد تترك أثراً في شخصيّته. فكم نعجب - نحن الكبار- من بعض الممثلين والممثلات وهم يؤدون أعمالاً، فلا نتردد بعدها في إنهاء تلك المهزلة الفنية، بإغلاق جهاز التلفاز، وذلك من بعد محاولات عديدة في البحث عن برنامج يُبثّ ذي قيمة أدبية أو ثقافية، أما الناشئ فإنه لا يدرك أبعاد ما يرى، وقد لا تشدّه إلا الحركات ذاتها دون فهم للحوار ومدى أهمية موضوعه، فتنطبع تلك الحركات في ذاكرته مجردة من كل ما ترمي إليه - هذا إن كانت ترمي إلى شيء - ولك بعدها أن تتصوّر ذلك الكمّ الهائل من السلوكيات الرعناء في الأفلام والمسلسلات، وكيف سيقلّدها هذا الناشئ، ومن تُراه سيقلّد!! لقد ظهر أحد الممثلين المشهورين - في مسلسل عربي محلي- وهو يؤدي دوره وقد لازمته فيه حركات يتعمّدها، تشابه حركات المعتوهين،، وصار الناشئة يقلّدونه ويتبارون في تقليده حتى أيامنا هذه مع أن المسلسل قد تم عرضه في رمضان 1418هـ. هذا النوع من التقليد لا بدّ من أن يترك أثراً سلبياً في سلوك الناشئ على مر الأيام، وعندئذٍ سيتأكد الفنان بأنّ ما قدّمه لم يكن ناجعاً إلا في نظره، وأنه كان بهدف الإثراء الشخصي وحسب، وأنه قد قدّم - بفنه هذا - خدمة كبرى لمن يعمدون إلى إفساد توجّهات شباب الأمة الخيّرة، والحادية بهم للتنافس مع سائر الأمم.

ثانيا - اكتساب العادات السيئة

ثانياً - اكتساب العادات السيئة: إن متابعة الناشئة لكثير من الأفلام والمسلسلات، دونما نظر إلى حقيقة موضوعها، بل لمجرد الإثارة الناتجة عن مشاهد العنف والمطاردة، يجعل الناشئ يألف هذه العادات السيئة، والقيم السلبية، دون تمييز بين المَظْهر والمَخْبر، ودون اهتمام، إلا بالمشاهد بعيداً عن الحوار وموضوعه، وبعيداً عن التمييز بين القيم السلبية والإيجابية، وبعيداً عن الحقيقة والمجاز، مما يرسّخ في ذهنه كل ما هو مثير ولو كان سيئاً، "فتتحول القيم السلبية والعادات الشاذة في نظرهم إلى أمور مألوفة مرغوبة يعجب بها الطفل وقد يقلدها دون أن يفهمها الفهم الصحيح، ودون رؤية نقدية لها مما يجعل خطرها فادحاً" (¬1) . إن ذلك لا يعني - قطعاً - بأن هذه الأفلام قد خلت تماماً من أي فائدة، لكن الناشئ قد لا يركز على ذلك، ولا يستوعبه كما يجب في خضم الأحداث المتلاحقة للمعروض، وبخاصة إذا كان ذلك بعيداً عن توجيه الأهل، فما الغاية إذا ً من عرض مثل هذه الأفلام والمسلسلات للناشئة؟! في بعض المسلسلات البدوية مثلاً، نرى قيماً سلبية تدور حولها موضوعات المسلسلات كالغدر والخديعة وحب الانتقام، والعصبية الجاهلية وموروثاتها، ونحو ذلك مما رسخ في المجتمع البدوي الجاهلي، ثم جاء الإسلام للقضاء عليه، واستبداله بقيم ربانية عظمى، كالصدق والوفاء والتسامح مما جعل المؤمنين إخوة ومما رسخ مفهوم التفاضل بالتقوى بين الناس، قال تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ ¬

(¬1) التلفزيون وتربية الطفل المسلم، عالية الخياط، مرجع سابق،، ص71.

إِخْوَةٌ} [الحُجرَات: 10] . وقال عزّ وجل: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ *} [الحُجرَات: 13] . فكل هذه القيم العظيمة وغيرها كثير لا تعني عند أهل الفن شيئاً، لأنها لا تثير المشاهد كما تفعل القيم الشريرة، فيتم عند ذلك الإلحاح على السلوك الشرير بكل أنواعه، ومع تكرار هذه السلوكيات والمشاهد تترسخ لدى الناشئ انحرافات فكرية ثم سلوكية لا تحمد عقباها قد تُفقِده بعدها القدرةَ على التمييز بين الحسن والقبيح، وبين الخير والشر، حتى ولو جعل المُخرِجُ النصر في نهاية المطاف للخير ولكل ما هو حسن، فإن ذلك قد لا يجدي نفعاً ما دامت السلوكيات الشريرة قد دخلت دائرة التفكير لدى الناشئ طوال عرض المسلسل، الذي قد يستمر لمئات الحلقات!! *****

الفصل الثالث الفن التمثيلي والمرأة

الفصل الثالث الفن التمثيلي والمرأة المرأة التي رفع الإسلام قَدْرها، وخلّصها من القهر والظلم والامتهان، فجعلها مكرمة مصونة، بعد أن ذاقت كل ألوان الاضطهاد في الجاهلية، وبعد أن بِيعت مع المتاع، ووُرِّثت مع المال، المرأة التي جعلها الإسلام مدرسة للفضيلة والخُلق الحسن، تربي العامل الكادح، والقائد الفذّ، والمفكر الذي يحمل همّ الأمة، والأديب الذي يصوغ عقول أبنائها بسمو أدبه، والمؤرخ المؤتمن على حركة التاريخ المجسِّدة لدحض الحق للباطل، وهي التي تربي وتربي ... ، فتحمل بذلك أشرف رسالة، هي الأم التي تورّث الأجيال القيم والمبادئ السامية، والزوجة الصالحة التي تقيم أركان الأسرة على تقوى من الله، وهي الأخت الناصحة الحانية، وهي البنت التي تورق وتزهر في واحة الإيمان. هذه المرأة هي المقصود غزوها، إن أسوار نفسها تُقتَحم فكرياً ودينياً وسلوكياً من خلال هذا الفن، وقد أدرك أهله ومن يقف وراءهم أهمية المرأة ومكانتها في المجتمع بعامّة، وفي المجتمع المسلم بخاصة، فهي التي تقوده إلى المعالي إن صلحت وتقوده في الوقت عينه إلى المهالك إن فسدت، وهي الأساس الأهم للأسرة بل للمجتمع بأسره، ومن خلالها أيضاً يتم إفساد ذلك كله فيما بعد (¬1) . ¬

(¬1) وصدق حافظ إبراهيم بقوله: الأم مدرسة إذا أعددتها أعددت شعباً طيب الأعراق والأخت مزرعة إذا أفسدتها أنبتَّ نخلاً سيىء الأعذاق

لذلك فقد استطالت مخالب أهل الانحلال للنيل من المرأة الطَّهور، وصاروا ينوّعون في أسلحتهم؛ فتارة يخاطبون عاطفتها الفطرية، لصرفها عما خُلقت عليه من العفه والطهارة، فيثيرونها بأساليب متنوعة تنتهي بها غالباً إلى الضياع، وتارةً يخاطبون عقلها لحملها على اعتقاد ما يخالف دينها وتقاليدها، وإرساء بعض القيم التافهة في تفكيرها، لتكون المتمردة على كل ما يرضي الله ويحقق الفوز بأسرة كريمة، وتارة يُنشّطون مكامن الضعف البشري المادي لديها، لتكون نزّاعة إلى الهوى وزخرف الدنيا، ولو كان ثمن ذلك عزّة زوجها وأبيها، وعفّة نفسها ونقائها. فمَن هؤلاء الذين يريدون للمرأة كل هذا؟ إنهم - ولا شك - دعاة التغريب والإفساد والانحلال، ربيبو التهويد، ممن مردوا على النفاق واتبعوا أهواءهم، الذين أهانوا المرأة فجعلوها مرتعاً خِصباً للرذيلة والدسائس والخيانة، ومسلكاً أقرب للوصول إلى الأهداف الرخيصة المشبوهة، لكن هؤلاء حين أدركوا ما تتمتع به المرأة المسلمة من حصانة إيمانية راسخة، سارعوا إلى الالتفاف الفني عليها، محاولين طمس عقيدتها، وكسر شموخها إلايماني، وتفتيت كيانها المتماسك، ليخلعوا بذلك عنها لباس العفة والطهارة والقيم الإنسانية، وليلبسوها ثوب التمرد على شرع الله وعلى القيم الاجتماعية المسلمة، عبر مسرب الفن بشتى صنوفه. ودونك - إن ارتبت في قولي - المسلسلات التي تستهين بالحجاب وتمجّد الاختلاط، وتُرغّب بالتمرد على الزوج والأسرة، وتدعو إلى إقامة علاقات مشبوهة مع الجنس الآخر، تشاهدها المرأة

الأساليب التي اتبعها أهل الفن لإفساد المرأة؟

المسلمة كل يوم، فتتدرج بها من الرفض المطلق لهذه المحرمات، إلى عدم المعارضة لها، ومن ثم إلى القبول والرضا بها، ومن بعدها إلى الاعتقاد بأحقية كلِّ ما يُعرَض، وفي نهاية المطاف التردّي التامّ في مهاوي الهوى، فكم من البيوت انهارت وكم من أسر تناثر عِقدها، جرّاء تأثر المرأة المسلمة بالفن المدمّر. يقول أحد الأزواج عن زوجه ومدى تأثرها بالفن: إنها تعلّمت منه كل سلبيات الزوجة، وتأثرت بكل ما شاهدته، لقد كانت في بادئ الأمر طيعة هادئة تحب الحوار فتحولت بعدها إلى نمرة مفترسة تصرّ على رأيها، حتى ولو كان خاطئاً!! كانت تعرف أنها امرأة عليها واجبات ولها حقوق كما شرع لها الإسلام، فأصبحت تحدثني عن حقوق المرأة كما يفهمها الغرب وينادي بها العلمانيون في الشرق (¬1) . الأساليب التي اتبعها أهل الفن لإفساد المرأة؟ أولاً: جعل المرأة عنواناً للحب والجنس: لقد عمد أهل الفن إلى استغلال المرأة باسم الفن فخدشوا بذلك حياءها، وجعلوها نبع إثارة لا يتوقف، بنظراتها المغرية وبنبرة صوتها الخاضعة، وبسائر مفاتنها، وذلك لتحقيق أهداف هابطة لا صلة للإنسانية بها. فدمروا الأخلاق والسلوكيات من خلال التعلق بالحب والهوى، فتعلقت المرأة عمومًا بذلك - وبخاصة من كانت في سن المراهقة منهن - حتى صار إنشاء علاقات غرامية مع الجنس الآخر أمراً حتماً لازماً لتحقق الحب وكسب ثقة صديقاتهن والتفاخر بذلك لديهن، وقد اكتسبن - في الواقع - خبرة عملية من الفن، ¬

(¬1) المسلمون، العدد 281 بتصرف.

وذلك بعرضه لأساليب التعارف ولطرق ترتيب لقاءات، ونصب الشباك للإيقاع بالجنس الآخر بعبارات جذّابة مغرية وحركات فاتنة. تقول الفنانة نسرين: "أعمالنا الفنية تعلّم الناس عصيان الوالدين، وتعلم البنت المراهقة كيف تقابل شاباً بغير علم أهلها" (¬1) . ترى ما المتوقع من المرأة المسلمة - والمراهقة بخاصة - عندما تسمع كلمات بطل المسلسل الغزلية العابقة بالإثارة تُشنّف آذان محبوبته؟ وما شعورها وهي تسمع الفنان يقول للفنانة: مواهبك مدفونة تحت الهُدوم (الملابس) ؟ إن التكرار المملّ لهذه العبارات على مسامع النساء، يجعلهن أسيرات لهذا السلوك، حيث يزداد إعجابهنَّ مرة بعد مرة بالكلمات المعسولة، فتنزلق أقدامهن في مهاوي الشقاء والرذيلة والخيانة، عند أول واقع يصادفهن مشابه لما ألِفْن سماعه. ناهيك عن مظاهر العري والإغراء الجنسي الهابط والمسمى فناً!! نعم، هو فن إلا أنه فنٌ رخيص مبتذل يدل ولا شك على افتقار هذه الأعمال إلى أفكار بناءة وقيم نبيلة، وعلى الإفلاس الفكري والعجز الفني لصانعه، فضلاً عما فيه من إيذانٍ بحرب ضروس على القيم الدينية والأخلاقية. "يتساءل ضياء الدين بيبرس في مؤتمر نوقشت فيه آفاق النقد السينمائي في التسعينات بقوله: إذا اقتضى الأمر المفاضلة بين طاعة ¬

(¬1) الدعوة، العدد 1290.

ثانيا: اتخاذ المرأة وسيلة لترويج السلع

الله وضرورة توظيف جسد المرأة لخدمة الفن الدرامي فأي الطريقين على السينما أن تختار؟! ويتابع تساؤله قائلاً: هل لا بد من التعري وتحدي شريعة الله لزرع قيم نبيلة؟ أو أن تعرية الممثلات في المسرح والسينما هو في الحقيقة عجز فني؟ " (¬1) . إنه عجزٌ فني إن قُصد به الفن، ولكن الحقيقة جلية، فالتعري رسالة موجّهة لكل بيت ولكل امرأة مسلمة لتدمير كل فضيلة دينية وقيمة اجتماعية نبيلة. إن المرأة المسلمة وهي تسمع وترى هذه المشاهد الرخيصة، تراها ولا شك تدخل في صراع بين واقعها الفاضل وواقع الفن المُشين وأهله. صراعات يومية متتالية بين الحق والباطل حتى يجد الانحراف أخيراً مكاناً له في عقلية المرأة وسلوكها؟ ثانياً: اتخاذ المرأة وسيلة لترويج السلع: تقدم الإعلانات عن السلع التجارية نماذج إغرائية من فتيات مراهقات، وقد جعلن العمل في الإعلانات بوابة الدخول لعالم الفن، وحتى تثبت الفتاة جدارتها فإنها تقوم باستعراض مواهبها الفاتنة، حتى لو أدى ذلك إلى استغلال تلك المواهب في سبيل الإعلان عن صابون مثلاً، أو حفائظ للأطفال، أو مبيدات حشرية!! إنه إسفافٌ بالمرأة - أي إسفافٍ - واستهانة بمكانتها السامية في المجتمع، ووضع لها في مكان لا يليق بها، حيث امتزجت مكانة المرأة وعفتها وجسدها بالسلع فصار المشاهد يسأل: أهذا الإعلان ¬

(¬1) الدعوة، العدد 1290.

ثالثا: تشويه صورة المرأة المسلمة للتنفير منها

للسلعة أم للجنس المصحوب بالأزياء المبتذلة ومستحضرات التجميل (الماكياج) ؟! لقد أكّدت دراسة علمية أن 85% من إعلانات تلفاز قُطْر عربي وأجهزة إعلام أخرى في هذا القطر، تعتمد على صورة الأنثى الجذّابة المثيرة للترويج وتضرب على وتر الجنس الحساس (¬1) . وكما لا يخفى أن من أثر هذه الإعلانات المروّجة اندفاع المرأة المعاصرة إلى الإسراف والاستهلاك الزائد للسلع، متأثرة بذلك المقدار الهائل منها، وهي تركز على جعل المرأة مستهلِكةً لشتى صنوف البضائع غَيوراً شديدة الغَيْرة من صديقاتها، لترهق بذلك كاهل الرجل (الزوج) ، بما يسهم إسهامًا فاعلاً في إعراض كثير من الشباب بدورهم عن الزواج ومسؤولياته. ثالثاً: تشويه صورة المرأة المسلمة للتنفير منها: لقد صوّر الفنّ المرأة المسلمة وكأنها الجهل بعينه، أو التعصّب المقيت، أو أنها المرأة المتدينة انطلاقاً من العادات والتقاليد وحسب، ولم يقدّمها على أنها المربّية التي تُعدّ الرجال والمؤتمنة على أشرف رسالة. تقول الداعية زينب الغزالي: إن صورة المرأة المسلمة التي تظهر في المسلسلات - حتى الإسلامية منها - هي صورة شوهاء لا تمثّل من قريب ولا من بعيد المرأة المسلمة، لأنها تظهر في المسلسل صورة امرأة جاهلية تحارب الإسلام وأسسه ونظمه، وقد رأيت ذلك وشاهدته في مسلسل (محمد رسول الله) (¬2) . ¬

(¬1) المسلمون، العدد 365. (¬2) المسلمون، العدد 826.

رابعا: توجيه اهتمام المرأة نحو الأناقة النسائية

وبهذا ينطبع في أذهان النساء عامة كلُّ ما هو مشوّه عن المرأة المسلمة. وترى سعاد الجار الله (من الكويت) أن الصورة المشوهة للمرأة العربية المحافظة تغرس في المُشاهِد تصوّراً سلبياً تجاه المرأة ومن ذلك: (1) أن المرأة لا تتحلّى بقيم أخلاقية ثابتة تنبثق من دينها. (2) أن شخصيتها ضعيفة مقلّدة للمرأة الغربية وأن نظرتها للأمور مادية. (3) أنها لا تستشعر أهمية دورها في الأسرة والمجتمع، فهي تلهث من أجل تحقيق ذاتها نتيجة لتأثرها بمفاهيم غربية تتنافى مع مفهوم «كلكم راعٍ، وككلم مسؤول عن رعيته» (¬1) . كما أنها تبدو كدمية جميلة يمكن أن تكون وسيلة للهو والعبث والمتعة، (¬2) وهذا غزو فكري خطير يقصد به تشويه الصورة الإنسانية للمرأة بعامة، كما صورتها الإسلامية بخاصة. رابعاً: توجيه اهتمام المرأة نحو الأناقة النسائية: تتبارى الفنانات في تقديم كل ما هو مستجدّ في عالم الأزياء، فيعرضن كل ما يبهج النفوس الضعيفة، وبشتى الألوان والمقاييس، ومن الملحوظ أن ذلك المرض قد استوطن في نفوس أهل الفن، فما من فنانة إلا لديها مئات من الفساتين وتوابعها، وعندما تنكشف ¬

(¬1) متفق عليه؛ من حديث ابن عمر رضي الله عنهما: أخرجه البخاري؛ كتاب: الجمعة، باب: الجمعة في القرى والمدن، برقم (893) ، ومسلم؛ كتاب: الإمارة، باب: فضيلة الإمام العادل، برقم (1829) . (¬2) المسلمون، العدد 826.

خصوصيات بعضهن تجد العجب العجاب من سوء السريرة وشراسة السلوك! فما الداعي لكل هذا العبث؟ لقد أَذن الإسلام للمرأة بالتجمّل وجعل لذلك ضوابط لا تتخلف، كي لا تكون فتنة، فندب لها القرار في المنزل، ومنعها من التبرّج، قال تعالى: [الأحزَاب: 33] {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلاَ تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى} ، وحذّرها من التعطر، عند الخروج من المنزل، حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «المرأة عورة فإذا خرجت استشرفها الشيطان» (¬1) ، و «إذا استعطرت المرأة فمرت على القوم ليجدوا ريحها فهي كذا وكذا» (¬2) ، ولعن من تشبهت منهن بالرجال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لعن الله المتشبهين من الرجال بالنساء، والمتشبهات من النساء بالرجال» (¬3) ، بل إنّ ثياب الشهرة والخيلاء منهي عنها بقوله صلى الله عليه وسلم: «من جر ثوبه من الخيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة» ، (¬4) وبقوله صلى الله عليه وسلم: «من لبس ثوب شهرة في الدنيا ألبسه الله ثوب مذلة يوم القيامة» (¬5) . والإسراف والتبذير وكسر قلوب الفقراء، كل ذلك من المنهيات، وهي موجودة - وبوضوح - عند أهل الفن، ولقد حذا حذوهم في ¬

(¬1) أخرجه الترمذي؛ كتاب: الرضاع، باب: استشراف الشيطان المرأة إذا خرجت، برقم (1173) عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنهما. وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح غريب. (¬2) أخرجه أبو داود؛ كتاب: الترجّل، باب: في طيب المرأة للخروج، برقم (4173) ، عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه. (¬3) أخرجه البخاري؛ كتاب: اللباس، باب: المتشبهون بالنساء والمتشبهات بالرجال، برقم (5885) ، عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما. (¬4) أخرجه مسلم؛ كتاب: اللباس والزينة، باب: تحريم جر الثوب خيلاء، برقم (2085) ، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما. (¬5) أخرجه أحمد في المسند؛ في مسند المكثرين، من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما برقم (5664) .

خامسا: دعوة المرأة إلى تحقيق الذات

ذلك بعض اللائي اندثر كيانهن الخاص انبهاراً بالفنانات، فصرن عديمات الشخصية، ووقعن في حب التقليد الأعمى، فأرهقن أنفسهن بمتابعة (الموضات) وجعلن الأسواق مرتعاً لهن، بما ضاعف الأعباء المالية على الزوج، وأخيراً - وأسفاه - خرجن عن سنن الدين والحياء بأثر من الفن الرخيص. يقول الشيخ محمد الغزالي رحمه الله: "وما قيمة ثوب وسيم على خُلق دميم، وما معنى أن تكون المرأة قبيحة الباطن جميلة الظاهر، لذلك أوصى القرآن الكريم بلباس التقوى فهو أشرف وأزكى" (¬1) . قال تعالى: [الأعرَاف: 26] {وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ} خامساً: دعوة المرأة إلى تحقيق الذات: لقد حرّض الفن المرأة على رفض واقعها المصون وما خُلِقت له، فحبب إليها كثرة الخروج من بيتها لِتُحقق ذاتها - بزعمهم- ولتنطلق إلى الحياة العملية في شتى المجالات، حتى المعمارية منها والصناعية وشتى الأعمال المهنية التي لا تتناسب وخِلْقتها وكرامتها، وقد أدى ذلك- كما هو مشاهد- إلى إحداث خلل بالغ في أداء رسالتها في رعاية بيت زوجها، فتبدأ بذلك المآسي الاجتماعية المتتالية التي تؤثر ابتداء بالأولاد، ثم بالزوج والأسرة، وانتهاء بالمجتمع كله. إن المرأة التي قُدِر عليها رزقُها، أو ألجأتها الضرورة للعمل لتكون عَضُداً لزوجها، أو لتعيل أطفالها من بعده، أو لتسد ثغرة في الوظائف المختصة بالمرأة في المجتمع، هذه وأمثالها لسن بالطبع محلاً للنقد هنا، إلا أن الأمر متوجه لمن تأثر منهن بالفنانات ¬

(¬1) مجلة سيدتي، العدد 441.

سادسا: إظهار الرجل بمظهر المتسلط

وبأفكارهن، فخرجت عن رسالتها المرسومة لها، وعن المسار الصحيح لدورها، ابتغاء غرض دنيوي، فلتنظر هذه التي فتنت بأهل الفن، كم ذاقت المرأة الغربية والعربية التي ترسّمت خطاها، كم ذاقت ذلاً ومهانة واستغلالاً بأبشع الصور، حتى صارت سلعة رخيصة بأيدي التجار، وأشبه بأَمَةٍ، وبألعوبة بأيدي أرباب الأعمال، فهل ترضى المرأة بهذا المصير، الذي لا نرضاه نحن لها؟! سادساً: محاولة إظهار الرجل - دوماً - بصورة المتسلط المنتزع من المرأة حقوقها، وذلك لإضعاف المعنى الحق للقوامة. سابعاً: تشويه مقومات بناء الأسرة المستقرة؛ وحث المرأة على مخالفة هدي الإسلام، كالقرار في البيت، والقيام بتربية الأولاد، والمتوخى من ذلك - ولا ريب - هدم البيوت وتفتيت الأسرة. ثامناً: المحاربة المستميتة لمسلّمات شرعية، كإباحة تعدد الزوجات، وفرضية الحجاب، ووجوب ترك الاختلاط بالرجال الأجانب، ما يؤدي بالضرورة إلى تشويه الصورة النقية للإسلام في أذهان العامة، بل إشغال أهل الذكر من المسلمين، في إثبات شرعية هذه الأمور، وتبيان الحكمة منها، عسى أن يتم إقناع المجتمعات بذلك فيما بعد.

الفصل الرابع الفن التمثيلي وترسيخ المفاهيم

الفصل الرابع الفن التمثيلي وترسيخ المفاهيم إن المناحي السلبية للأعمال الفنية تكاد لا تحصى، إلا أن أخطر تلك السلبيات هو محاولة غرس مفاهيم منحرفة متعلقة بالدين والإنسان والحياة، يسعى الأخطبوط الفني طويل الأذرع لنشرها في المجتمعات، هادفاً بذلك إلى تشويه صورة الإسلام النقية، وإلى النيل من شخصية معتنقيه وتشكيكهم به. وسنتناول في ثنايا هذا الفصل بعضاً من تلك المفاهيم والسلوكيات، التي يحاول غرسها أهل الفن، وقد اهتموا بها من خلال أعمالهم الفنية المختلفة اهتماماً بالغاً. أولاً: غرس مفاهيم دينية خاطئة عن: أ- القرآن الكريم: الذي هو كلام الله العظيم، وقد جعله الله رسالة ومنهجاً خالداً للبشرية جمعاء. لقد تعامل أهل الفن معه بنوع من التضليل والتحريف الفكري، وأوحَوا للمتابع لأعمالهم بأن هذا القرآن قد صار من التراث القديم، وبأنه لا يصلح لتنظيم شؤون البشر وقيادتهم، فجعلوا تلاوته كأنها من الطقوس الدينية المتعارف عليها في مناسبات معينة، فالقرآن لا يتلى ولا يُسمع إلا عندالمصائب، حتى لقد صار القرآن في حس المشاهد كأنه نذير شؤم، والعياذ بالله. وهذا تشويه واضح وخطير لمفهوم شمولية هذا الكتاب لكل

ب - مفهوم الزوجة الثانية

مجالات الحياة، بل عزل تام لهذا المنهج العظيم عن شؤون الناس الحياتية كلها. وفي مسلسل عُرض مؤخراً عنوانه (الرجل الآخر) رأت الممثلة في المنام أنها تسمع قرآناً يُتلى وقبوراً فاستيقظت متشائمة يائسة من العثور على والدها المفقود. ونشاهد بعض الممثلين وهم يرددون آيات قرآنية في غير مواضعها، وبطريقة مزرية ليحاول كاتب السيناريو بذلك نزع عظمة القرآن الكريم من قلوب المسلمين. ب - مفهوم الزوجة الثانية: لقد شرع الإسلام تعدد الزوجات بضوابط معلومة، وذلك لحكم جليلة عديدة منها: زيادة النسل، والقضاء على العنوسة عند النساء، ونحو ذلك. أما جهود أهل الفن فقد جاءت منصبّة - بكثافة لا نظير لها- في اتجاه معاكس لما شرعه الله تعالى، فكل المسلسلات التي تناولت هذا الموضوع تؤكد على أن الزواج الثاني مُخفِق دوماً، لذلك يجب تجنّبه ومحاربته بلا هوادة، فهو سبب أكيد في تشريد الأطفال والفقر وزيادة معدلات الطلاق ... ، إلى آخر قائمة السلبيات التي يصفون بها التعدد، وبالمقابل- وياللعجب- فإنهم يفضّلون العشيقة (الزانية) على التعدد، ثم يعدّون ذلك تحرراً وتقدماً، أما التعدد المشروع فرجعية وتخلّف. ويستمر الفن في إشاعة هذه المغالطات الفكرية استرضاءً للزوجة الأولى من جهة، وكسباً لودِّ الجماهير النسائية اللاتي - وهن غير مَلوماتٍ في ذلك - لا يحبِّذْن فكرة التعدد لطبع الغَيرة لديهن، فبدل أن يقوم الفن بمحاولة بيان ضوابط التعدد، وحِكَمه، فإنه يشوه

جـ- الأنبياء عليهم السلام والصحابة رضي الله عنهم

صورته أكثر فأكثر لدى النساء، وإن تعجب حقاً، فاعجب من امرأة قد باتت راضية - بما أملاه الفن عليها - باتخاذ زوجها خليلة، فتصبر على ذلك وتدعو له بالصلاح وتمام الهداية، فإن تزوج بخليلته دعت عليه وصممت على الانفصال عنه!! وهذا - ولاشك - امتداد لجهود اليهود الدؤوبة في تفكيك المجتمع المسلم، وليس آخرها ما رأيناه من مقررات مؤتمر المرأة العالمي، وفيها دعوة صريحة للإباحية، وحث على تحديد النسل، فلصالح مَنْ مثل هذه المقررات؟! جـ- الأنبياء عليهم السلام والصحابة رضي الله عنهم: لقد قام الممثل العالمي جون جوجت بتمثيل شخصية رسول الله نوح عليه السلام، وقد أنتجت هذا الفيلم شركة إنتاج عالمية، فبنت سفينة ضخمة جداً، يقال إنها أكبر من سفينة (تيتانك) الشهيرة، (¬1) وحشروا فيها من كل زوجين اثنين ليكون جون جوجت هو نوح عليه السلام قائد هذه السفينة التي يحشر فيها المؤمنين ومن كلٍّ زوجين اثنين من الحيوانات، إن قيام ممثل بتمثيل شخصية رسول من رسل الله ليس قطعاً من معاني التكريم، وإنما هو مساس - ولا شك- بذات الرسول ومكانته في قلوب المؤمنين. وهكذا صارت شخصيات الأنبياء والرسل عليهم السلام عرضة للتجسيد وباباً للكسب المادي، فلماذا المساس بالرسل وهم الذين أعلى الله مكانتهم واصطفاهم برسالاته وبكلامه، وجعلهم للناس قدوة؟! وليس بمستغرب - بعد ذلك - أن يقوم الفنانون بتمثيل ¬

(¬1) مجلة «نصف الدنيا» بتصرف.

شخصيات الصحابة رضوان الله عليهم، وكم تجد في ذلك من مفارقات مقيتة، فالممثل الذي يمثل الأدوار المنحرفة هو نفسه الذي يمثل دور نبي أو صحابي، والممثلة الفاتنة في بعض الأفلام هي عينها من يمثل دور صحابية جليلة، وهذا ينبئ عن التناقضات الخطيرة التي يعيشها أهل الفن في حياتهم اليومية وفي أدوارهم التمثيلية، ثم إنهم بعد ذلك يبثون هذه التناقضات إلى المشاهد، وأكثر ما يؤثر هذا على الناشئة الأبرياء. وفي فيلم (تلك الليلة) تظهر طقوس الدين النصراني، حيث يصوّر هذا الفيلم الراهب (الأب توما) وصراعاته النفسية المريرة بين الفضيلة والرذيلة، حتى يسقط أخيراً في الهاوية. والملحوظ في الفيلم ظهور السيد المسيح عليه السلام بشكل خيالي كالطيف، وهذا اعتداء صارخ على نبي الله المسيح عليه السلام، واستخفاف واضح من أهل الفن بالأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام. وقد نادى بعض المفكرين والممثلين إلى تمثيل شخصيات الصحابة ومن هؤلاء الدكتور أحمد شلبي، والممثل عبد الله غيث وغيرهما، وبيّنوا أن ذلك لن يكون إلا بضوابط كمعرفة سلوك الممثل وتاريخه، والنصوص الموضوعة الهادفة إلى التعريف بالصحابة رضوان الله عليهم والاقتداء بهم، ومكان التصوير.... وغير ذلك. إلا أن الأزهر الشريف - وبعد نقاش مطوّل في حكم المسألة - أصدر موافقته على تمثيل شخصيات الصحابة الكرام باستثناء الخلفاء الراشدين الأربعة وبقية المُبشَّرين بالجنة، وآل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم.

د- العلماء والمشايخ

وقد اتسمت تلك الجلسة بالمناقشات الحادة، وذلك بسبب تباين الآراء، وخشية امتهان مكانة الصحابة رضوان الله عليهم. في حين أن فتوى واضحةً صريحة قد صدرت في تحريم تمثيل شخصيات الأنبياء عليهم السلام وأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من قِبَل المجلس التأسيسي لرابطة العالم الإسلامي (¬1) . د- العلماء والمشايخ: إننا نلحظ من خلال بعض المسلسلات والأفلام القصد إلى تقديم العلماء والمشايخ بصورة لا تتناسب ألبتة ومكانتهم الدينية والاجتماعية، فهم ورثة الأنبياء، ومصابيح الهدى، وبهم يُعرف الدين. وكم بذل أهل الفن جهداً لتشويه صورة العلماء في أذهان الناس، فالعالم في المسلسلات والأفلام همّه الأكبر الإسراف في المأكل والمشرب، وكلامه غالباً ما يكون مثاراً للسخرية ولباسه مدعاة للازدراء، ونظرته إلى الحياة الدنيا تُجانِب بوضوح توجهات الإسلام، فالمال هو أول اهتماماته، وفتاويه تأتي مفصلة على قياس حال السائل، هذا ما يريد الفن غرسه في أذهان الناس، رامين من وراء ذلك إلى تشويه القدوة المفترضة، ومن ثم إبعادهم عنها، ثم عن الدين كله. ولكن هيهات، فالأمة الإسلامية لديها ضوابط شرعية، تفرق بها بين الحق والباطل، وتميز بها بين الغث والسمين. ¬

(¬1) انظر الفتوى رقم (1) في ملحق الفتاوى.

و - التطرف والتعصب

هـ- العبادات خاصة بالمسنين (للكبار فقط) !! كذلك يحاول الفن غرس مفهوم خاطئ في عقول شباب أمتنا الإسلامية، إذ حصر عبادة الله في كبار السن فقط أو في من تجاوز سن الشباب، أما الشباب فيُترك لهم العنان لتحقيق ملذاتهم الدنيوية تامة غير منقوصة، ثم أمّلهم الفنّ بالتوبة بعد تقدم السن، جازماً لهم بقبولها بحج أو عمرة، ضامناً لهم الحياة المديدة التي تتحقق بها شهواتهم جميعها. فكثيراً ما تجد انفصالاً حاداً في التفكير والنظرة إلى الحياة بين الآباء والأبناء، بمعنى أن الأب في الفيلم هو الذي يصلي في المسجد ويقرأ القرآن ويذكر الله، أما الشاب ففي وادٍ آخر، وادي الملذات والشهوات، مع أن رسول الإسلام صلى الله عليه وسلم قد ذكر الشابّ الصالح من السبعة الذين يظلهم الله تحت ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله بقوله صلى الله عليه وسلم «وشاب ينشأ في عبادة ربه» (¬1) . بل إن دعوة الإسلام بأكملها قامت على كواهل الشباب، وإن المستقرئ لحياة الصحابة رضي الله عنهم يعلم يقيناً أن غالبهم كان من الشباب، والمعلوم في الأمم الجادة أن دورة الإنتاج المعنوي والحسي في آنٍ معاً تكون معتمدة اعتماداً شبه تام على عنصر الشباب فيها. والتطرف والتعصب: حمل الفن راية المعاداة للمتدينين المتمسكين بالإسلام عقيدة وشريعة، وأخذ أهله يروّجون بإخلاص تام لما استجد مؤخراً من ¬

(¬1) متفق عليه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: أخرجه البخاري؛ كتاب الأذان، باب: من جلس في المسجد ينتظر الصلاة، وفضل المساجد، برقم (660) ، ومسلم؛ كتاب: الزكاة باب: فضل إخفاء الصدقة، برقم (1031) .

وجوب استخدام مصطلحات يسمون بها أهل التدين، ما سمع آباؤنا بها ولا أَلِفوها. فكل من حافظ على الصلوات الخمس هو متطرف، والمرأة المحجبة متعصبة، ومن جهر بالحق صار متخلفاً، أو على الأقل يعاني عقدة نقص أو انفصام شخصية، أو عدم انسجام مع متطلّبات مجتمعه المتحضِّر. ونحن هنا لسنا في صدد التحامل على أحد فمن فمك أدينك، وعلى نفسها جنت براقش، فها هي ذي الأفلام والمسرحيات تمثل هذا النهج: فعادل إمام قد جعل معركته الكبرى هي معركة التصدي للتطرف، فبعد الانتهاء من مسرحيته (الواد سيد الشغال) وقف يقول: لم آتِ إلى هنا (أسيوط في صعيد مصر، وقد عرف أهلها بالتدين) ، لأتحدى أفراداً لكن لأتحدى فكراً منحرفاً متطرفاً، ويتابع قوله: والدي كان شديد التدين حافظاً للقرآن، فالدين في قلوبنا جميعاً، فهو ضد التطرف أو التعصب، ومن يقول: إن الفن حرام لا يفهم ما الفن الذي لا يمكن أن يُوظَّف لشيء سيىء. اهـ. قائل هذا الكلام كان في المسرحية يوزّع القبلات المحرّمة ويسخر من الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ومن الدين والمؤمنين!! وبعدها نراه وقد ظهر في فيلم (إرهاب وكباب) ليشوّه الكثير من الحقائق، وهذا مثال لبعض أعمال أهل الفن الذين يؤكدون بلسان حالهم سعيهم الحثيث لتحقيق خطط حكماء - بل جهلاء- صهيون بتفريق الأمة المسلمة وعزل المتمسكين بدينهم عن أفراد المجتمع ليتم محاصرة الدين في الزوايا ودور العبادة، وليتحول بعدها طقوساً كهنوتية يرددها قوم منبوذون يعانون من عقد ليس أقلها عقدة النقص

ز- ساعة الاحتضار

تجاه تفوق المتغربين، ولكن أنى لهم ذلك وقد امتلأت أرجاء المجتمعات بنماذج لشباب وشابات التزموا دينهم، ثم حداهم ذلك للتفوق علمياً وعملياً، فصاروا قطب الرحى في ازدهار مجتمعاتهم وتفوّقها في مجالات الفكر والتقدم. ز- ساعة الاحتضار: لقد اقتحم أهل الفن أسوار الاحتضار وحِمى سكرات الموت، فلم يتركوا الإنسان يموت إلا على طريقتهم الخاصة، متعلقاً بالدنيا آملاً بملذاتها، ودونك فيلم (أوراق البحر) الذي يحكي قصة كاتبٍ يُحتضر، والاحتضار مِفصل هام للغاية في مراحل الوجود الإنساني، فهو تهيئة للانتقال من الدنيا إلى الآخرة، وفيه سكرات الموت، وما أدراك ما سكرات الموات! ولنر الآن ماذا فعل أهل الفن؟ الكاتب يُحتَضر، وهو في الاحتضار يسترجع حياته السابقة بما فيها من آلام وآمال، وصداقة وحب.... ثم في النهاية يكتشف زيف هذه العلاقات والمشاعر، وهنا يحاول التعلق بالأمل من جديد، فتفتح له حياة مستجدة، ويشرع في علاقة حب مع فتاة ليعوض زيف ما فاته من علاقات وليحقق ما فاته من شهوات في الدنيا!! كل هذا يدور والرجل يُحتضر ويلفظ أنفاسه الأخيرة، وكأن كاتب سيناريو الفيلم لا يؤمن بما يكون حال الاحتضار، كما لا يؤمن بالبعث وبما يكون بعده من حساب وجزاء. أخي القارئ الكريم: هذا غيض من فيض المفاهيم الهدامة التي يرسخها الفن، والشبهات التي يثيرها حول مقوّمات المجتمع المسلم

ثانيا: الفن والسلوك الاجتماعي

بغية زعزعة أركانه المتينة، وإلغاء مفاهيمه المثلى، وهدم كيانه الثابت. ثانياً: الفن والسلوك الاجتماعي: ظهرت آثار الفن بوضوح في السلوكيات الاجتماعية التي تأثرت سلباً بالفن، وذلك من خلال عرض المشكلات الاجتماعية دون تقديم حل ناجعٍ لها، وتصوير كل الانحرافات السلوكية وإشاعتها عبر معروض الشاشة، لترسخ في أذهان الناشئة فتكون بذلك إحدى الدوافع الرئيسة للجريمة، مثل جرائم الجنس والسرقة والمخدرات وغيرها، ولقد طالت مؤخراً مناحي التربية والتعليم وكل سلوكيات المجتمع. أ- السلوك التربوي في المدارس: شاعت خلال الأعوام الماضية موجة من السلوكيات المستهجنة في صروح التربية والتعليم، حيث اتسعت باطّراد دائرة المشاغبات وعدم المبالاة وعدم المسؤولية في المدارس والجامعات، كيف لا، ونحن نرى الطلبة يشاهدون بشغف مسرحية مثل (مدرسة المشاغبين) فما برحوا يترسّمون خطا أهلها في النيل من المدرّس والمدرسة والعلم عبثاً واستخفافاً، حتى استحالت المبالغة في تصوير انحراف سلوك الطلبة في هذه المسرحية حقيقة واقعةً في كثير من مدارس الوطن العربي!! من ناحية أخرى فقد رأينا في المسلسلات كيف يتعامل المدرّس مع الطالب المتأخر دراسياً المتمرد على قوانين المدرسة، وكيف يتعامل معه كلٌ من أسرته وأصدقائه، وردّة الفعل عنده تجاه كل هؤلاء؛ فإما المواجهة العنيفة، التي يقابلها الطالب بالمِثْل أو

ب- الجريمة والعنف

بالهروب النفسي أو الجسدي، أو بالانحراف الاجتماعي أو الخلقي، وهذا بفعل تأثُّره بتعميم الفن لتلك الممارسات أو الإيحاء بها، ومن هنا ندرك خطورة بعض المعالجات الفنية غير المتخصصة تربوياً، والتي تزيد الطين بلّة، وتصب الزيت فوق النار، فتزداد بها الهوة بين القيمين على التربية والتعليم من أهل ومربين من جهة، وبين المتلقين المتمردين على أي ضابط سلوكي والمعادين لأي توجه علمي، وكأنما هناك صراع فطري بينهم!! هذا وإن رأينا بعض الإيجابيات التربوية في بعض المسلسلات لكنها سرعان ما تمرّ مرّ السحاب، ليمكث في ذاكرة الناس - والطلاب بخاصة - كل ما هو سيّئ، فالفن يعد دروساً لا يمكن مخالفتها، تُلقّن للشباب، وهذا ما يؤثر سلباً على العملية التربوية ومن ثَمّ على التقدم الحضاري للأمة. ب- الجريمة والعنف: إن من أخطر الأفلام تلك التي تعرض للعنف وللجريمة، والتي يظهر فيها كيفية التخطيط للجريمة، وكيف يحمي المجرمون أنفسهم، وكيف يدافع عنهم محامون يبرئونهم بحفنة من المال، مرتكبين جرماً أكبر في حق المجتمع والقيم. وقد يُعرض كل هذا بقصد التحذير منه، ولكن الحقيقة المرّة أن هذه الأفلام والمسلسلات تقدم في الواقع دروساً عملية مشاهدة ليتم تطبيقها فيما بعد، من قِبَل ضعاف النفوس، وقد يكون ما يُعرض هو من واقع بعض المحاكمات غير النزيهة، وصورة حية لبعض ما يكون في المجتمع، إلا أن عرض ذلك قد يؤدي إلى إشاعة الجريمة والعنف وتوسيع دائرة التعريف بهما، الأمر الذي لا تحمد عقباه. ومثال ذلك حادثة اغتصاب فتاة المعادي في القاهرة، فمنذ أن

بدأ ذيوع نبأ هذه الحادثة أعلن أكثر من مخرج سينمائي عن عزمهم على تقديم أفلام تتناول هذا الحادث الغريب، وقد طلع علينا - حتى الآن - خمسة أفلام تصوّر ما حدث، منها فيلما (المغتصبون) و (الاغتصاب) ، حيث يقول مخرج هذا الفيلم الأخير: "إن سبب انتشار هذه النوعية من الأفلام هو كثرة حوادث الاغتصاب في الفترة الأخيرة، فمن لم يستطعْ عملها بنفسه سَعِد بمشاهدتها في فيلم سينمائي"!! (¬1) . وهذا المخرج يغالط الواقع، فانتشار مثل هذه الأفلام يسبب كثرة الجرائم، فهي التي تهيئ الجو النفسي لمثل هذه الجرائم، وهذا ما أوضحته الدراسات الجادة المتخصصة، فقد أظهرت إحدى الإحصائيات التي قامت بها باحثة في المركز القومي للبحوث الجنائية في مصر أن 98.1% من الذين قاموا بجرائم اغتصاب كانوا تحت تأثير الأفلام الجنسية والمخدرات (¬2) . ولا أدّل على هذه الحقيقة من كلمات صادقة للتائبة شادية إذ تقول: "يؤسفني أن أقول إن كثيراً من أفلامنا تتعمد إشاعة العنف والإثارة بدعوى مقاومتها.." (¬3) . كما أرجع لواء في الشرطة المصرية أسباب ارتكاب الجرائم بأشكالها كافة إلى أفلام الفيديو والتلفزيون التي تدخل البلاد بمنأى عن أي رقابة، وهذه الأفلام تعرض مشاهد مخلّة بالآداب وتعرض لتفاصيل ارتكاب الجريمة فتغرس في نفوس المنحرفين ¬

(¬1) مجلة أكتوبر، العدد 7-8. (¬2) المسلمون، العدد 164. (¬3) المسلمون، العدد 195.

جـ- الجريمة في الأفلام الأجنبية

مبادئ التقليد (¬1) . جـ- الجريمة في الأفلام الأجنبية: لقد بلغت الأفلام الأجنبية مبلغاً في الكثرة تعذّر معه السيطرة عليها فلم يكد يخل بيت منها، وأكثرها من أفلام العنف والجريمة، وقد رأينا سقوط بعض شباب الغرب في الجريمة بسبب هذه الأفلام وقد أثرت - في الوقت عينه - تأثيراً بالغاً على شباب أمتنا. ومصداق ذلك ما نشرته الصحف اللندنية عن جريمة اغتصاب وقتل حدثت في مدينة برمنجهام كان بطلها (ريتشارد لوماس) البالغ من العمر 17 سنة والذي ارتكب جريمتَي اغتصاب وقتلٍ بعد مشاهدته فيلم للممثلة (جين فوندا) بعنوان (صباح جديد) هذا الفيلم الذي يمثل كيفية اغتصاب سيدة وقتلها في بانيو (مغطس) الحمام. وقد تحوّل الشاب (ريتشارد) إلى مجرم بعد رؤيته لهذا الفيلم، وقال المدعي العام في هذه القضية: إن مثل هذه الأفلام تدمّر عقول الأطفال والشباب وتتسبب في حدوث جرائم بشعة، وطالب المسؤولين بتشديد الرقابة على مثل هذه الأفلام (¬2) . لقد أدرك مفكرو الغرب خطورة هذه الأفلام، وهم ليس لديهم الوازع الديني ليزجرهم عن عرضها، فمتى سندرك بتعاليم ديننا ما أدركوه بمحض تفكيرهم؟! د - الفن وعالم المخدرات: إن عالم المخدرات ليس ببعيد عن عالم الجريمة، فبينهما اتصال ¬

(¬1) الشرق الأوسط، العدد 4918. (¬2) الصباحية، العدد، 594.

وثيق، فالجريمة والمخدرات توأمان، يؤثر أحدهما بالآخر، وإن المرء ليدرك مدى سعي أهل الفن للدعاية للمخدرات - وإن ادَّعوا قصد التحذير منها - وذلك من خلال أساليب اعتمدتها الأفلام والمسلسلات بطرق متنوعة هاك بعضها: (1) تصوير تجار المخدرات بأنهم يعيشون في بذخ ورفاهية. (2) أن المخدرات هي الطريق الوحيد الأمثل لحل المشكلات وتحقيق السعادة. (3) تناول موضوع المخدرات من حيث طرق تهريبها وترويجها وتناولها. وتقول التائبة من الفن شادية: المخدرات كارثة كبيرة لا نعاني منها وحدنا وإنما تعاني منها كل دول العالم، وعلى الرغم من ذلك فإننا نجد أفلامنا تصوّر مجتمعنا المسلم وكأنه ساحة للمخدرات. إن بعض الأفلام يغوي الشباب ويسوّل له بأن الأسلوب الأسهل لإنهاء المشكلات هو الإدمان! وإن بعض الأفلام تصوّر بطل الفيلم يتاجر أو يشرب المخدرات ويعيش حياته كلها في سعادة تامة. وحتى لا يتهم المشاهدون الفيلم بتشجيع المخدرات نرى المخرج في النهاية يحرص على أن يموت البطل أو يقتل أو يلقى القبض عليه، إنها حقاً طريقة ساذجة (¬1) . وقد تناولت مجلة «المجتمع» هذه القضية في الكويت وبيَّّنت أن من أهم أسباب الانحراف والإدمان على المخدرات هي وسائل الإعلام: من صحافة، وتلفاز، وفيديو، وسينما، بما تقدم من أفلام ¬

(¬1) جريدة المسلمون، العدد 195.

هابطة وأخرى مشجّعة على تناول المخدرات والانحرافات السلوكية (¬1) . وهكذا ظهرت في المجتمعات الإسلامية سلوكيات منحرفة، وانتشرت لتكون معول هدم في كيان المجتمع والأسرة والفرد، وإن الأعمال الفنية - في غالبها - تعتمد الجريمة والعنف والمخدرات، والدعارة والانحلال الخلقي، وتفكك الأسرة والعنف العائلي، كل هذه تعتمدها أسساً لنشر الرذيلة والفساد في مجتمعاتنا، ابتغاء حطام الدنيا دونما نظر إلى مصلحة المجتمعات العليا، ومستوى أفرادها الثقافي والحضاري. ¬

(¬1) مجلة المجتمع، العدد 924.

الفصل الخامس دور الإعلام في ترويج الفن

الفصل الخامس دور الإعلام في ترويج الفن يُعدّ الإعلام بحقٍّ بوابة العبور للأعمال الفنية على تنوعها، وهو الفيصل في الحكم بنجاح أي عمل فني أو إخفاقه، وبهذا يكون الإعلام الأداة الأكثر فاعلية لنشر الفن، ومن ثمّ فهو المصدر الذي يتم من خلاله تغذية فكر المجتمع، فالإذاعة والسينما والتلفزيون والصحف والمسرح تبث ما يحلو لها ليتم - بسرعة - تلقُّف الناس لذلك، فينغرس بعدها في عقولهم وسلوكياتهم. ومن الملحوظ بوضوح أن الإعلام بشتى وسائله وفي أكثر حالاته، لا يلتزم بمبادئ حميدة، ولا بأخلاقيات سامية، ولا بعادات وتقاليد طيبة، وإن أي إعلام لا ينطلق من مفاهيم ومبادئ ثابتة، معتمدة ابتداءً على مبادئ دينية، سوف يصبح - لا شك - عامل هدم عقدي وفكري وسلوكي، وسيكون الخصم الأكثر شراسة لهذه المبادئ. ونحن نرى ذلك بوضوح، حين صار الفن وأهله الشغل الشاغل لوسائل الإعلام المختلفة، وكأن الإعلام قد تفرّغ لبث الأعمال الفنية المتنوعة، فمن غناء متواصل لمغنين لا يكادون ينفدون، إلى عرض مسلسلات لا تكاد تنتهي حلقاتها مستوردة ومحلية، ثم لمسرحيات الأطفال، التي لا غاية لها سوى التهريج لهم، وإيهامهم بأن الحيوانات قد فاقت الإنسان في التفكير فصارت مُوجِّهة لسلوكياته،

أولا: دور وسائل الإعلام في ترويج الفن

ناهيك عن مسرحيات الكبار التي تعتمد أساساً على محاولة إضحاك الحضور أو إثارتهم، بمشاهد راقصة تعبيرية، دون اهتمام بجوهر العمل المسرحي الهادف.، ثم لنفترض أنك تخطيت - بنجاح تام- هذا الوجه من الإعلام (الفني) ، فإنك لن تستطيع الإفلات حتماً من قبضة الإعلام الفني بوجهه الآخر فتجد نفسك بمواجهة مقابلات مع فنانين، تقص عليك تفصيل سيرة حياتهم، وتعتمد آراءهم في شتى مناحي الحياة الاجتماعية، وكأن أحدهم قد صار قائداً ملهماً فذاً لا ترد آراؤه، تتلقفها الناشئة على أنها من المسلّمات البدهيات، هذا هو الدور الذي يضطلع به الإعلام المعاصر، لقد تخلى عن رسالته السامية في تعريف الأمة بحضارتها وجوانب شخصيتها وتطلعاتها، لينساق فيضطلع بدور تشويه الحقائق الدينية والفكرية، وطمس مفاخر الأمة الإسلامية، والمضي بها نحو الهاوية. ولتوضيح دور الإعلام في ترويج الفن، فإننا سنتناول علاقة الفن بوسائل الإعلام المختلفة من صحافة ومسرح وإذاعة وتلفاز، وسيبرز لنا بصورة تلقائية الدور اليهودي والغربي في ترويج الفن، ولا يخفى على منصف كونهم المحرك الأساس في معظم وسائل الإعلام المختلفة. أولاً: دور وسائل الإعلام في ترويج الفن: أ - الصحافة والفن: إن من لديه اهتمام بمتابعة العمل الصحفي يمكنه ملاحظة الارتباط الوثيق بين الفن والإعلام الصحفي، حيث أنشئت في بعض الدول مؤسسات صحفية تعنى بشؤون الفن وأخباره لتجعله جزءاً من الحياة اليومية للناس.

ففي أثناء الاحتلال البريطاني لمصر مثلاً، أنشأ النصارى مجلات فنية لا تعبر عن شخصية الأمة، بل إنها تستخفّ بها وتحول مسارها عن سبيل الفضيلة والاستقامة، وكان من رواد هذه الصحافة (روز اليوسف) والدة إحسان عبد القدوس، و (التابعي) الذي كان له اليد الطولى في صحافة الفضائح الأخلاقية في مصر (¬1) . كانت هذه نقطة البداية، ثم أخذت الصحافة المحلية بعد ذلك تصدر مجلات متخصصة ترمي من خلالها إلى إحداث ثغرات في سلوك المجتمع المسلم، وذلك بنشر أخبار الفنانين والفنانات بأساليب هابطة، وقد أسهمت فعلاً في الإسفاف بالمستوى الفكري للأمة، عندما جعلت كثيراً من المسلمين يتخذون أهل الفن أبطالاً وعظماء يُقتدى بهم. ومثال ذلك مجلة «حواء» و «الكواكب» ، وفي لبنان مجلّتَا «الشبكة» و «الموعد» . وقد تتابع صدور المجلات الفنية بعد ذلك حتى كادت تملأ المكتبات وتغطي الأرصفة، وإليك بعض أسمائها: «فنون» ، «نجوم الفن» ، «سينما 2000» ، «كل الناس» ، «الجديدة» ، «حواء» ، «نورا» ، «الجميلة» ، «أبعاد فنية» ..... وغيرها عشرات. وكلها تدور حول موضوعات متشابهة تقريباً فهي تدور في فلك الفن، فتنشر صور الفنانين وخصوماتهم واهتماماتهم بسفساف الأمور، وأسعار حفلات النجوم، والألبومات الجديدة لهم، ومقابلات متكررة مملة بموضوعاتها لكن لأسماء مختلفة من الفنانين! ¬

(¬1) المجتمع، العدد 825.

صفحات فنية: من اللافت للنظر كثرة الصفحات الفنية في الصحف والمجلات العربية، ففي دراسة تناولت المجلات الكويتية مادة لها، اتضح أن الصحف والمجلات تُفرد 10% من صفحاتها للفن وأخبار الفنانين (وذلك باستثناء الإعلانات الفنية) وهي نسبة كبيرة تكاد تفوق الصفحات الدينية في الصحف والمجلات نفسها، كما أن الملاحق تكاد تكون مخصصة للفن وصور المتبرجات وشبه العاريات، وقد تبين أن نسبة الصفحات الفنية في بعض المجلات كانت كالآتي: اليقظة 46% النهضة 33% مرآة الأمة 31% صوت الخليج 18% وما زالت أعداد الصفحات الفنية هذه في تزايد مستمر. هذا هو الواقع الإعلامي الموجّه لأمتنا، ولو قارنّا هذه النسب مع نسب الصفحات الفنية في بعض المجلات السياسية في أمريكا لوجدنا ما يأتي: مجلة يو إس نيوز 1.3% مجلة تايم 1.8% مجلة نيوزويك 1.8% أي أقل من 2% من عدد صفحات المجلة السياسية، وهي نسبة معقولة جداً إذا ما قورنت بما سبق (¬1) . فما الداعي لهذا الاهتمام البالغ بالفن وأهله في صحافة الوطن العربي؟ وما المسوّغ لهذا التوجه الذي لا يعكس شخصية الأمة ولا ¬

(¬1) المجتمع، العدد 825 بتصرف.

ب - المسرح والفن

يبرز معالمها؟ ب - المسرح والفن: كانت هوية المسرح العربي منذ بداياته غربية المضمون، إذ دأب ذلك المسرح الناشئ على ترويج الأدب الغربي بعرض المسرحيات الفرنسية والإنجليزية، وكان الرواد الأوائل لهذا المسرح من دعاة التغريب لهذه الأمة. وتحت عنوان (المسرح في مصر) تقول مجلة الوطن العربي: إن أول من أدخل الفن المسرحي للبلاد العربية هو مارون النقاش، وقد اقتبس هذا الفن المسرحي من إيطاليا التي سافر إليها سنة 1846م، ثم جاء إلى مصر وأسس المسرح هناك، ومن الرواد أيضاً: يعقوب صنوع وجورج أبيض وفرح أنطون (¬1) . وقد هوى جورج أبيض ذات مرة على أرض المسرح المصري أيام الاستعمار الإنجليزي وهو يصيح (تحيا فرنسا- تحيا فرنسا) ، وكان يمثل آنئذٍ دور بطل فرنسي. أما يوسف وهبي (النصراني الماسوني) فقد كان مولعاً بالأدب الإنجليزي، لذلك أخذ يعرضه مسرحياً في مصر وأنشأ مسرح رمسيس خاصة لهذا الغرض (¬2) . وهذه المسرحيات تعرض لأخلاقيات وقيم وأفكار تغريبية، وتروج لها حتى تمكنت بشكل كبير من إلغاء مفاهيم الأمة الدينية والفكرية وأثرت في سلوكيات المجتمع المسلم تأثيراً بالغاً. ¬

(¬1) مجلة المجتمع، العدد 887. (¬2) المجتمع، العدد 825 بتصرف.

جـ - الفن على شاشات التلفزة

كانت هذه بدايات المسرح العربي الذي أُسس بأيد نصرانية، رسمت اتجاهه الفكري التغريبي، وبات ينفث سمومه حتى يومنا هذا، ولا أدّل على ذلك اليوم من تلك المسرحيات الهابطة موضوعاً وتمثيلاً، وما فيها من إسفاف واستخفاف بالعقول، وانحراف بها عن الفكر الموضوعي السليم وعن القيم الدينية والأخلاقية. وما المسرحيات الكوميدية - غير المضحكة! - لعادل إمام ونظيره سمير غانم إلا تجسيد لهذا التوجّه، حيث يتم في أغلبها الهزء بالقيم الإسلامية كاحتجاب المرأة المسلمة، ووقار العلماء، وغير ذلك كثير (¬1) . جـ - الفن على شاشات التلفزة: اتسم التلفاز العربي بتقديم برامج متنوعة عديدة في إطار فني، حيث احتلت هذه البرامج مساحات واسعة من البث (مقابلات مع فنانين وفنانات- مسلسلات- مسرحيات- أفلام وأغاني) وغيرها من البرامج ذات الاهتمام الفني التي ملأت الدنيا وشغلت الناس. هذا الكمّ الهائل من البرامج الفنية يدعونا للتساؤل بحق عن الأسباب الكامنة وراء هذا الاهتمام الخاص بالفن في التلفزيونات العربية، ولعل من أهم هذه الأسباب: (1) أن الإعلام المرئي ينساق وراء رغبات شريحة قليلة من أفراد الأمة لها تطلعات فنية، فيحقق لها ذلك بما يُعرف بالمنوعات وغيرها، حتى إنه قد تبنّى هذه التطلعات الفنية وجعلها محور سياسته الإعلامية. ¬

(¬1) مصداق ذلك - لو شئت - مسرحيات: (الواد سيد الشغال) ، و (جحا يحكم المدينة) وغيرها.

ثانيا: دور الإعلام في صناعة الفنانين

وبذلك يكون قد أغفل فئات قد تكون هي الشريحة الكبرى في المجتمع، ولها اهتمامات أرفع مستوى حضارياً، ثقافية وعلمية وحوارية متنوعة ذات أهداف إنسانية سامية. (2) جعل التلفاز محطة لتلبية الرغبات، رغبات المشاهدين مهما كانت وتحقيق شعار (الجمهور يريد هذا) و (ما يطلبه المشاهدون) ، مع إغفال القيمة الأدبية والإعلامية لما يطلبونه، فلم يعد التلفاز هو الموجّه والمثقّف والمساهم في التقدم، وذلك على الرغم من وجود أكثرية في المجتمعات العربية تستهجن هذا المقدار الجمّ من العرض الفني. (3) الدوافع السياسية التي تلقي بثقلها المهلك على كاهل الإعلام بعامة، وعلى التوجهات الفكرية للإعلام المرئي بخاصة. (4) قابلية الإعلام العربي للانسجام مع عولمة السياسات الإعلامية الثقافية وما تُعِدّه من خطط وما تقدمه من برامج. هذه بعض الأسباب - غير المقبولة - التي جعلت الإعلام المرئي يجيّش كل الطاقات للأمور الفنية، ويعرض لتفصيلات أمورها. هذا مع العلم بأن هذا النوع من الإعلام قد لا يخلو من برامج نظيفة ومأمونة وهادفة، لكنها قليلة فيما لو قورنت بما يتاح من فرص كثيرة للبرامج الفنية. ثانياً: دور الإعلام في صناعة الفنانين: إن للإعلام دوراً بارزاً في صناعة أي فنان أو فنانة، وذلك بكثرة عرض أفلامه، وتكرار إجراء المقابلات معه، والإيحاء بأنه الإنسان المرهف الحس دومًا، ذو الخُلق الكريم الراقي، والمتفاعل مع

أهل الفن وواقعهم

قضايا الأمة ومشكلاتها، وهو الذي يسعى جاهدًا لحلها عبر الفن!! ويتابع الإعلام بكل وسائله أخبار ذلك الفنان حتى غير ذات البال منها، ويعرّف الناس بحياته ودقائقها التي يحب الإفصاح عنها، ليظهر بأنه الإنسان المثالي والقدوة، فهو القمة في كل شيء، أَوَليس فناناً؟! أهل الفن وواقعهم: إن الواقع يفصح عن خلاف ما سبق، فقد عُرف أهل الفن باستخفافهم بالدين الإسلامي وبالمبادئ الحميدة، وقد سقطت أقنعة الكثيرين منهم ليؤكدوا لنا أنهم وسط الحفلات الماجنة والمخدرات والدعارة والقتل، وأنهم يعيشون حياة يملؤها القلق والاضطراب. فهل تريد أن تعرف عن ماجدة الخطيب مثلاً؟ إنها المتهمة بالتحشيش وبالقتل (¬1) . وهل تريد أن تعرف عن سيد درويش الموسيقار الكبير، أو عن مجدي وهبة، أو فاروق الفيشاوي؟ إنهم مدمنو مخدرات!! أما الفنانة لوسي الراقصة التي ترتدي بدلة رقص شفافة، لا تغطي إلا نظير بعض أوراق التوت من جسمها - تقريباً- فإنها تقول: أنا فتاة محترمة وبنت عائلة (¬2) . إنها انحرافات ومغالطات وانغماس في الرذيلة، بلبوس ماكر خدّاع. هذا واقع عامة أهل الفن، فلصالح من يخدعنا الإعلام العربي؟ ¬

(¬1) الحياة، العدد 11048 بتصرف. (¬2) النخبة، العدد 99.

الفنانون أولا

الفنانون أولاً: إليك أخي المسلم هذه المقارنة لتدرك من خلالها مدى الاهتمام بأهل الفن من قِِِبَل الإعلام العربي: بثت وكالات الأنباء وكذا الصحافة العربية نبأ وقوع حادث سيارة للممثلة (شريهان) ، وما إن انتشر الخبر حتى جُنّدت الصحافة الرسمية في أكبر دولة عربية لمتابعة أخبار الحادث وتفصيلاته ورصد حالتها الصحية وكيفية علاجها، وتم تكليف العديد من الأطباء لعلاجها وبحث إمكانية إرسالها للمعالجة في الخارج. كل هذا الاهتمام والتقدير لممثلة تظهر مفاتن جسدها على شاشات التلفزة، وقد تولت الصحف الرئيسة نشر أخبارها على وجه صفحاتها الأولى. وفي الصحف نفسها التي نشرت أخبار شريهان نجد خبراً في الزوايا مفاده أن إسحاق شامير يتطاول على سيد المرسلين عليه الصلاة والسلام بالشتم والسب ويقوم جنوده بتمزيق المصحف الشريف وإهانته واستخدام أوراقه في الحمامات!! هذا الخبر الأخير - على أهميته البالغة وخطورته القصوى - لم يُنشر إلا في زوايا الصحف، فهل بات كتاب الله تعالى لا يستحق نظير ما تستحقه الممثلة شريهان من الاهتمام؟! (¬1) . أهل الفن مُقدَّمون على أهل العلم!! يقول الدكتور حلمي القاعود: "إن الجريمة التي يرتكبها أهل الفن في حق أوطانهم وأمتهم وشعوبهم لا يمكن السكوت عنها، وبخاصة أن بعض الحكومات ¬

(¬1) المجتمع، العدد 921 بتصرف.

ثالثا: السيطرة اليهودية على وسائل الإعلام

والشعوب العربية والإسلامية تنفق على أهل الفن قبل إنفاقها على أهل العلم، وتحتفي بأهل الفن قبل احتفائها بأهل الأدب والفكر، وتغدق عليهم من الاهتمام والرعاية ما لا تلقاه طائفة أخرى في المجتمع قد تكون أكثر إفادة وأكثر إنتاجاً وأكثر أهمية لمجموع الناس. ثم إن أهل الفن قد تحققت لهم الشهرة كما لم تتحقق لكبار الأدباء والعلماء والمثقفين، ويستطيع مطرب ناشئ أو ممثلة مبتدئة أو زمّار صاعد أن يجد أبواب الإعلام مفتوحة أمامه على مصاريعها آناء الليل وأطراف النهار.. في الوقت الذي لا يجد فيه كبار الموهوبين الراسخين من الفئات الأخرى إلا فرصاً ضئيلة ونادرة كي يواجهوا الجمهور أو يعرضوا أنفسهم عليه" (¬1) . وهنا يعاد عرض السؤال الكبير: لماذا كل هذا الاهتمام بالفنانين والفنانات؟ ومَنْ وراء ذلك؟ ثالثاً: السيطرة اليهودية على وسائل الإعلام: سعى اليهود دائماً لامتلاك وسائل الإعلام وذلك منذ عشرات السنين، مريدين بذلك تسخيرها لتحقيق أهدافهم الدينية (المنحرفة) وسياساتهم (الصهيونية) ، ولحشد التأييد العالمي لطموحاتهم التوسعية. وقد عبّر الحاخام اليهودي (راشورون) في خطاب ألقاه بمدينة (براغ) عام 1869م عن شدة اهتمام اليهود بالإعلام قائلاً: "إذا كان الذهب هو قوتنا الأولى للسيطرة على العالم فإن الصحافة ينبغي أن ¬

(¬1) مجلة الدعوة، 1290.

أ - سيطرة اليهود على الصحافة

تكون هي قوتنا الثانية" (¬1) . ولقد أتقن اليهود - للأسف - خططاً إعلامية رسمها مؤتمرهم الصهيوني الأول في (بال) الذي عقد سنة 1897م - في سويسرا - بقيادة الصحفي اليهودي ثيودور هرتزل، وقد نصت مقررات المؤتمر على ما يلي: (1) إن القنوات الإعلامية التي يجد فيها الفكر الإنساني ترجماناً له يجب أن تكون خالصة في أيدينا. (2) إن أي نوع من أنواع النشر والطباعة يجب أن تكون تحت سيطرتنا. (3) الأدب والصحافة هما أعظم قوتين إعلاميتين، ويجب أن تكونا تحت سيطرتنا. (4) يجب ألاّ يكون لأعدائنا وسائل صحفية يعبّرون بها عن آرائهم، وإذا وُجِدت فلا بد من التضييق عليها بجميع الوسائل (¬2) . وانطلقوا في بعض دول العالم لتنفيذ ما خططوا له فأسسوا صحفاً يهودية، وامتلكوا شركات سينمائية وإنتاجية ومسارح لتحقيق أهدافهم المنظورة المستقبلية. أ - سيطرة اليهود على الصحافة: لقد تمكن اليهود من السيطرة على كُبريات الصحف العالمية، ففي بريطانيا مثلاً سيطروا على صحيفة (التايمز) و (الصنداي تايمز) لليهودي (روبرت ميردوخ) ، و (الديلي إكسبرس) و (الأوبزرفر) ، وفي ¬

(¬1) النفوذ اليهودي في الأجهزة الإعلامية والمؤسسات الدولية، فؤاد بن سيد عبد الرحمن الرفاعي، دار المجتمع للنشر والتوزيع، الكويت، ص 2. (¬2) المجتمع، العدد 853.

ب - سيطرة اليهود على دور السينما

أمريكا على صحيفة (نيويورك تايمز) و (الواشنطن بوست) و (الديلي نيوز) و (صن تايم) ومجلة (فاريتي) الفنية - وفي فرنسا على صحيفة (لوفيغارو) و (لوكوتيريان) ومجلة (نوفوكاييه) و (الأكسبريس) (¬1) . وغير هذه المجلات والصحف كثير وكثير، ويكفي أن تعلن إسرائيل أن الصهيونية لها في العالم (889) صحيفة، لنعرف مدى نفوذ الصهيونية على الصحافة في الدول الغربية (¬2) . وفي هذا العدد الكبير من الصحف يُترك للفن مساحات رحبة لتوجيه الرأي العام وإفساد الشعوب. ب - سيطرة اليهود على دُور السينما: ومع امتداد نفوذ اليهود في الدول الكبرى، أخذوا يتملكون شركات الإنتاج السينمائي العالمية مثل: (شركة فوكس) التي يمتلكها اليهودي وليام فوكس. و (شركة غولدين) التي يمتلكها اليهودي صاموئيل غولدين. و (شركة وارنر إخوان) ويمتلكها اليهودي هارني وارنر وإخوانه. وتشير الإحصاءات إلى أن أكثر من 90% من مجموع العاملين في الحقل السينمائي الأمريكي إنتاجاً وإخراجاً وتمثيلاً وتصويراً ومونتاجاً هم من اليهود (¬3) . ولعل من أبلغ ما قيل في وصف السيطرة الصهيونية على صناعة ¬

(¬1) النفوذ اليهودي في الأجهزة الإعلامية والمؤسسات الدولية، فؤاد بن سيد عبد الرحمن الرفاعي، مرجع سابق، ص 27 - 28 - 29. (¬2) الإعلام اليهودي المعاصر وأثره في الأمة الإسلامية، يوسف محيي الدين أبو هلالة، ص 71. (¬3) النفوذ اليهودي في الأجهزة الإعلامية والمؤسسات الدولية، فؤاد بن سيد عبد الرحمن الرفاعي، مرجع سابق، ص 37.

جـ- اليهود وإنتاج الأفلام المسيئة للعرب وللمسلمين

السينما الأمريكية، هو ما ورد في مقال نشرته صحيفة (الأخبار المسيحية الحرة) عام 1938م قالت فيه: "إن صناعة السينما في أمريكا هي يهودية بأكملها، ويتحكم اليهود فيها دون أن ينازعهم في ذلك أحد، ويطردون منها كل من لا ينتمي إليهم أو لا يصانعهم، وجميع العاملين فيها هم إما من اليهود، أو من صنائعهم" (¬1) . وها هم أولاء اليهود يمسكون بزمام الأمور في هوليوود مدينة الفن العالمية، وفي بريطانيا يملك اللورد (لفونت) اليهودي (280) داراً للسينما، ويقوم بنفسه بمشاهدة أي فيلم قبل عرضه، وقد منع عرض فيلم عن هتلر، وهو من تمثيل إليك غينيس المؤيّد للصهيونية بحجة أن الفيلم لم يكن عنيفاً ضد الهتلرية بالشكل الذي يُرضيه (¬2) . ومن هنا ندرك سيطرة اليهود على هذا الشريان الحيوي المهم، حتى لقد جعلوه طوع إرادتهم وسخروه للوصول إلى أهدافهم، فنشروا الأفلام الجنسية الإباحية وأساؤوا للعرب ومجّدوا اليهودية ودافعوا عنها. جـ- اليهود وإنتاج الأفلام المسيئة للعرب وللمسلمين: لقد دأب اليهود على الإساءة للعرب وللمسلمين، وذلك كلما سنحت لهم الفرصة لذلك - ومعظم الفرص سانحة لهم - فأخذوا يصورون العربي على أنه رجل شهوة وملذات ولا يعرف من الرجولة إلا هذا، مثل فيلم (الليالي العربية) الذي أنتج عام 1905م، وفيلم ¬

(¬1) النفوذ اليهودي في الأجهزة الإعلامية والمؤسسات الدولية، فؤاد بن سيد عبد الرحمن الرفاعي، مرجع سابق، ص 37. (¬2) المصدر السابق، ص 41.

د - ترويج اليهود لأفلام تمجد اليهودية

(الشيخ) وقد أنتج عام 1921م (¬1) . أما فيلم (الهدية) فهو من أشد الأفلام إساءة للمسلمين العرب، وهو من إنتاج اليهودي البريطاني روبرت غولد سميث، ويروي الفيلم قصة عدد من أمراء العرب الذين يصطحبون عشرات من حريمهم المحجبات إلى باريس حيث ينطلق الأمراء في بعثرة ملايينهم لاصطياد العاهرات.. ومنهن بطلة الفيلم اليهودية، وفي الوقت نفسه يغلقون أبواب غرف الجناح الضخم في الفندق على نسائهم (الحريم) ولا يسمحون لهن بالخروج من غرفهن، وحين يخطئ خادم عجوز في قرع باب جناح (الحريم) فإنهن يُدخلنه ويوصدن الباب، ثم يهاجمنه ويجبرنه على تعاطي الفاحشة معهن جميعاً.. ويجري كل ذلك وسط قهقهة المشاهدين الذين قد انطلت عليهم خدعة الخبث الصهيوني عبر هذا الفيلم وأمثاله، وقد نجحوا بذلك في تشويه صورة المسلم العربي في فكره وعاطفته (¬2) وهناك أفلام أخرى مثل (أمريكا..أمريكا) و (الحريم) وكلها مسيئة للعرب وللمسلمين. د - ترويج اليهود لأفلام تُمَجِّد اليهودية: وهي أفلام كثيرة ترمي إلى تحسين صورة اليهودي في العالم، وإلى استجداء الشعوب للتعاطف مع اليهود. وأول فيلم جاهر بالدعاية لليهودية هو فيلم (لحن الحياة) وقد ظهر في أوائل الثلاثينات، كما ظهر فيلم (ملك الملوك) في سنة (1937م) والذي ألحّ على تأكيد براءة اليهود من دم المسيح، وفيلم ¬

(¬1) المجتمع، العدد 853. (¬2) النفوذ اليهودي في الأجهزة الإعلامية والمؤسسات الدولية، فؤاد بن سيد عبد الرحمن الرفاعي، مرجع سابق، ص 42.

هـ- سيطرة اليهود على المسرح

(عبر النيران) و (رجل الماراثون) . وقد قام أحد الأثرياء العرب - من حيث يدري أو لا يدري - بتمويل فيلم مملوء بالدعاية السافرة لليهودية وهو فيلم (عربات النار) (¬1) . هـ- سيطرة اليهود على المسرح: واستطالت مخالب اليهود للإمساك بمقدرات المسرح، حيث إنه الوسيلة المثلى لعرض الفكر المساند لليهودية. وكان الدافع لذلك عرض مسرحية شكسبير (تاجر البندقية) في بريطانيا، والتي استثارت مشاعر اليهود لأنها تفضح مكرهم، فهبُّوا للسيطرة على المسارح في بريطانيا وقد نجحوا في ذلك، حتى لم تعد مسرحية (تاجر البندقية) تجد مسرحاً واحداً في بريطانيا طولها وعرضها، يقبل أن تعرض المسرحية على منصته، وهكذا أوقف اليهود المدّ الثقافي المناهض لليهودية من جهة وبثوا الدعاية للصهيونية من جهة أخرى، مع تشويه المبادئ الإسلامية والسلوكيات العربية فقدموا مسرحية (القشعريرة) التي تدور أحداثها حول رجل عربي (محمد العربي) - انظر إلى بالغ المكر في اختيار الاسم - الذي يبذر أمواله لإشباع شهواته من خمر ونساء (¬2) . ومن طامّات سيطرة اليهود على الأعمال المسرحية، تجرؤهم على عرض المسرحيات الإباحية لإفساد الشعوب، ومسرحية (هير) أكبر شاهد على ذلك، حيث يظهر فيها الممثلون والممثلات عراة ويمارسون الفاحشة أمام جموع الجماهير (¬3) - والعياذ بالله تعالى - ¬

(¬1) المجتمع، العدد 853. (¬2) النفوذ اليهودي في الأجهزة الإعلامية والمؤسسات الدولية، فؤاد بن سيد عبد الرحمن الرفاعي، مرجع سابق، ص 58، بتصرف. (¬3) المصدر السابق، ص 59، بتصرف.

و - سيطرة اليهود على محطات التلفزة العالمية

وكما أنهم امتلكوا العمل المسرحي فقد امتلكوا كذلك أغلب المسارح في العالم. وسيطرة اليهود على محطات التلفزة العالمية: لقد برزت جهود اليهود المكثفة في سيطرتهم على شبكات التلفزيون الأمريكية حيث تُعدّ أكبر وأقوى شبكات للتلفزيون في العالم، وقد سيطر عليها اليهود سيطرة شبه تامة، ففي الولايات المتحدة ما يقارب مائة (100) شبكة تلفزيونية، وتُعدّ الشبكات الثلاث المسماة: (A.B.C و C.B.S و N.B.S) أشهر شبكات تلفزيونية ليس في أمريكا فحسب بل في العالم كله، وكلها أمريكية إلا أنها تقع تحت نفوذ الصهيونية العالمية، وكذلك شركة كانون الأمريكية وشركة (I.T.V) البريطانية المتخصصتان بالإنتاج التلفزيوني، وتُعدّ هذه الشركات بمجملها هي الموجّه السياسي لأفكار ومواقف حوالي 250 مليون أمريكي، بالإضافة إلى مئات الملايين في دول العالم (¬1) . ولهذه الشبكات سياسات وخطط في إنتاج وتقديم البرامج والأفلام المتنوعة وتوزيعها على تلفزيونات دول العالم، بل إن هذه الشبكات توجه الكثير من التلفزيونات العالمية بما يتناسب والمبادئ الصهيونية في السيطرة على العالم كله، وفي إشاعة الرذيلة، وتمجيد اليهودية، والحطِّ من مكانة المسلمين والعرب. ومن أمثلة ذلك: فيلم (إسرائيل لماذا؟) وفيلم (القرصان) الذي يُظهر العرب بصورة مشينة، ومسلسل (تعلم اللغة الإنكليزية) الذي عرضه التلفزيون البريطاني، وتدور حلقات هذا المسلسل حول خليط ¬

(¬1) المجتمع، العدد 853، بتصرف.

رابعا: دور الإعلام في ترويج الفن الغربي

من الناس ينتمون إلى شعوب مختلفة، ويجمعهم صف دراسي واحد في إحدى مدارس تعليم اللغة الإنجليزية للأجانب، وقد حرص مخرج المسلسل اليهودي، على أن يحشر في الفيلم طالباً باكستانياً مسلماً وآخر هندياً من طائفة السيخ، ولا يترك هذا الأخير مناسبة إلا وجّه بها إهاناته للمسلم الباكستاني، بصورة يقصد بها الإساءة للإسلام، وقد تم عرض هذا المسلسل - للأسف - في كثير من تلفزيونات العرب (¬1) . ونحن عندما نستعرض سيطرة اليهود على السينما والمسرح والتلفزيون فإنما نريد أن نبرهن بذلك على أن الفن المعاصر مثخن بجراحاته تحت براثن سياسات يهودية دولية، وأن الأفلام والمسلسلات ليست إلا صدى لها، سواء أعلم بذلك القائمون على الفن أم لم يعلموا. فما نراه من تكريس لمفاهيم وأفكار وسلوكيات دخيلة على مجتمعاتنا، تنافي شريعتنا الغراء، كالاستهزاء بالدين والمتمسكين به، والدعوة إلى فصل الدين عن الدولة، والدعوة إلى وحدة الأديان، وإلى تحرير المرأة وإلى عولمة الثقافات، وإشاعة الرذيلة ... كل هذا مما يسعى إليه اليهود الخبثاء بكل وسائلهم لتغريب المسلمين عن دينهم ودعوتهم للتنكرّ لحضارة الإسلام العظمى. رابعاً: دور الإعلام في ترويج الفن الغربي: إن إعلامنا العربي المرئي (سينما وتلفزيون) ما فتىء يقدم الفن الغربي بكل مجالاته السياسية والاجتماعية والثقافية والترفيهية، وهو ¬

(¬1) النفوذ اليهودي في الأجهزة الإعلامية والمؤسسات الدولية، فؤاد بن سيد عبد الرحمن الرفاعي، مرجع سابق، ص 55، بتصرف.

أ - التبعية للغرب

بذلك- أي الفن الغربي- قد تمكن من ترويج أفكاره المنحرفة في المجتمعات المسلمة مما حقق له فوزاً ساحقاً عليها، في المقابل نرى الفن العربي قد استجمع كل أسباب الضعف، عبر مخاطبته الغرائز، وتكريسه لدوافع الإجرام والانحلال. أ - التبعية للغرب: إن مؤسسات الإعلام العربية لا يمكنها - بإنتاجها الفني الضحل - أن تغطي فترات الإرسال التي قد تطول وتطول حتى تصل في بعض التلفزيونات العربية إلى 24 ساعة يومياً، ولا يمكنها تغطية ذلك إلا باستيراد هذا الكمّ الهائل من الأفلام والمسلسلات الغربية والشرقية والمكسيكية، والذي أنتج كثير منها خصيصاً لأبناء الأمة المسلمة، ليتشرّبوا أنماط حياة وطرائق سلوك بعض الأمم الأخرى، وأفكارها الاجتماعية المنحرفة. وبهذا يحقق الإعلام العربي ما يصبو إليه الغرب من ترويج لبضاعته الفنية الغثة. وتتجلى التبعية للغرب في أتم صورة في استيراد دول المشرق العربي أفلامها من أمريكا وبريطانيا، في حين تستورد دول المغرب العربي أفلامها من فرنسا، والمنظومة الفرانكوفونية، فتستقي الدول العربية بذلك ما يصبه الغرب في تلفزيوناتها صبّاً، دون رقابة تذكر ولا ناقد بصير. وفي كل يوم يعرض فيلم أجنبي واحد على الأقل في أي تلفزيون عربي، فتصوّر كم يعرض في سنة كاملة (360) فيلماً أجنبياً مضافاً إليها البرامج الترفيهية وعروض السحر وأصناف

ب - استهلاك تلفزيوني

الملهيات الأخرى (¬1) . ب - استهلاك تلفزيوني: وقد جاء في إحدى الدراسات ما يوضح استهلاك تلفزيونات دول الخليج خلال سنوات (1979م-1980م-1981م) ، (1399هـ -1400هـ -1401هـ) على النحو التالي: (1) متوسط البرامج المحلية لم يتجاوز 7.4%. (2) البرامج الأمريكية بلغت 62.81% من مجموع نسبة البرامج الأجنبية المستوردة. (3) نسبة البرامج المستوردة من البلاد العربية لا تتعدى 22.14% (¬2) . ولقد رأينا في هذه الأفلام كل أنواع الغزو النفسي والفكري والاجتماعي، من أفلام الكاوبوي الهمجية، والأفلام الغربية العنيفة، والترفيهية أحياناً. ونحن نرى بوضوح ذلك الغزو الفكري، فهذه البرامج: (1) لا تعبِّر عن واقعنا الإسلامي والعربي، فهناك هوّة سحيقة بين ما تعرضه وما يعانيه الناس في حياتهم اليومية فهي تعرض للواقع الغربي فقط. (2) وهي تعمل على مسخ أبناء الأمة فكرياً وثقافياً وعقدياً. (3) كما أنها تلحّ على تفوّق الرجل الغربي، بينما تشوه صورة الرجل العربي عند الأمم الأخرى. ¬

(¬1) المجتمع، العدد 928، بتصرّف. (¬2) المجتمع، العدد 825.

خامسا: العولمة والإعلام والفن

(4) وهي كذلك تنمي عقدة النقص في شخصية المشاهد العربي، لما يراه من التقدم الذي أحرزه الغرب، حتى إنه ليصاب بالإحباط أحياناً. خامساً: العولمة والإعلام والفن: ليست العولمة أمراً جديداً بل هي قديمة قِدم التاريخ، إلا أنها كانت سابقاً تأخذ حيزاً من الثقافات والسياسات المتنوعة، كما كانت محصورة ضمن أقاليم محدودة متجاورة، فقد كان كل إقليم يحاول التأثير على الإقليم الآخر ثقافياً وسياسياً وعسكرياً، لذلك فقد كانت الأقاليم المتقاربة أكثر تجاذباً وتفاعلاً إيجاباً أو سلباً من الأقاليم المتباعدة. إلا أن مفهوم العولمة اليوم لم يعد مقتصراً على إقليم دون آخر، بل العولمة في هذا العصر تعني تعميم كل شيء ثقافي وسياسي واجتماعي.. وعلى كل دول العالم دون استثناء. لذلك فقد دأبت الدول الكبرى على الهيمنة على صناعة السينما العالمية فصدّرت الكثير من أفلامها. "ولو ألقينا نظرة سريعة على ما تعرضه أكثر التلفزيونات العربية لراعنا ما يعرض فيها ولرأينا العجب العجاب؛ إذ إن معدل ما يعرض من الأفلام الأجنبية في أكثر هذه الدول هو فيلم واحد أو أكثر في اليوم على أقل تقدير، ناهيك عن المسلسلات والسهرات والبرامج الترفيهية" (¬1) . إن تصدير الأفلام الغربية إلى الدول الإسلامية لم يكن يوماً لأجل كسبٍ مادي فقط، وإنما لأجل هدف معنوي خطير، وهو: ¬

(¬1) مجلة المجتمع، العدد 928 بتصرف..

تغريب الشعوب الإسلامية وهدم معتقداتها وتضليلها، ومن ثَمَّ صياغتها صياغة غربية تتوافق مع منطلقات وتوجهات الغرب بعيداً عن شريعة الله الخالدة، وعندئذٍ تترسخ التبعية التامة للغرب. وقد أشار إلى هذا الهدف الخبيث المستشرق وليم جيفر بلجراف حين قال: "متى توارى القرآن ومكة والمدينة عن بلاد العرب، يمكننا حينئذ أن نرى العربي يندرج في سبيل الحضارة الغربية ". بل إن مستشار الأمن القومي الأمريكي السابق زبيغنيو بريجنسكي دعا في أحد كتبه إلى تصدير نمط الحياة الأمريكية كالجينز وموسيقا البوب والجاز والهمبرغر وغيرها إلى بلاد العالم، وذلك كجزء من حرب الحضارة الغربية ضد الحضارات والثقافات الأخرى. وهي الأمور التي أشادت بها مجلة أمريكية مرموقة مثل تايم، وعدّت أنها أحسن ما في أمريكا وأفضل ما قدمته للعالم (¬1) . ويقول الدكتور عدلي رضا في أطروحته عن التلفزيون المصري: "إن ما يُقدَّم فكرياً من خلال دراما المسلسلات يجعلنا تحت سيطرة الغزو الفكري، حيث إن أغلب ما يقدّم هو أعمال أمريكية في قالب مصري". ويقول بخصوص الاستيراد: "تأتي الولايات المتحدة الأمريكية في مقدمة الدول التي تعتمد عليها مصر في استيراد الأفلام والمسلسلات حيث تبلغ نسبتها 92.77% من حجم المستورد" (¬2) . ومن هنا أخذ الغرب وأتباعه يصنعون ممثلين ومخرجين عالميين لتلبية متطلبات التغريب، وقد موّلوا كثيراً من الأفلام التي تخدم ¬

(¬1) مجلة المجتمع، العدد 825. (¬2) مجلة المجتمع، العدد 825.

الفضائيات والعولمة

أهدافهم، وقد أقيمت المهرجانات الدولية السينمائية والفنية بعامة لتكريم من يسهم في تغريب الأمة عن معتقداتها وخصوصياتها، مثل مهرجان القاهرة الدولي، ومهرجان القارات الثلاث، وغيرهما. الفضائيات والعولمة: لقد عمّقت الفضائيات مفهوم العولمة فتقحّمت على كثير من المسلمين بيوتهم، لتؤدي هدف الغرب بكل حرية وجرأة، وكانت هذه الفضائيات ترجمة واقعية للعولمة، مع أنها ليست كل العولمة، فنرى في الفضائيات: عولمة الأخلاق، وعولمة الثقافة، وعولمة الحياة الاجتماعية، وعولمة الجنس، وعولمة الرذيلة، وذلك من خلال مقدار يكاد لا ينفد من البرامج والأفلام والمسلسلات. ويستغل الغرب ذو القدرات التقنية المذهلة، والمعلوماتية المتطورة، يستغل الإعلامَ العربي والإسلامي فيملي عليه أفكاره المنحرفة مؤثّراً بذلك على أفراد المجتمعات الإسلامية، وبخاصة الشباب منهم. وترى الدكتورة ثناء العاصي أستاذة التربية بجامعة طنطا: «أننا أصبحنا اليوم نواجه مشكلات اجتماعية ونفسية عديدة في تربية أطفالنا أمام الثقافات والعادات التي يفرضها علينا العالم الخارجي من خلال قنواته الفضائية المختلفة، ومن ثَمّ فإننا نحتاج إلى تنشئة أطفالنا بأسلوب يواكب العصر، ويحميهم من الأفكار والسلوكيات الشاذة» (¬1) . وفي الفترة الأخيرة ظهرت بعض القنوات الفضائية الأجنبية التي ¬

(¬1) مجلة حواء، ص15.

تروج للدعارة وتدعو لممارسة الجنس عبر الهاتف، ومن المؤسف أن هذه القنوات الغربية تقوم ببث سمومها دون اعتماد رموز التقاط بث معينة (تشفير) ، مما ساعد على رواجها ليس في البيوت فحسب، بل داخل المقاهي في الأحياء الشعبية أيضاً، فكانت النتيجة انسياق بعض الشباب وراء هذه القنوات، ومن هؤلاء طالب جامعي أدمن على مشاهدتها.. فسرق خط تلفون جاره وأجرى مكالمات دولية مع هذه القنوات بلغت قيمتها 60 ألف جنيه (¬1) . وفي دراسة أعدها مكتب الخدمة الاجتماعية بمنطقة أبو ظبي التعليمية تبين فيها أن نسبة 90% من الطلاب المتأخرين دراسياً يقضون معظم أوقاتهم في متابعة الأفلام (الخارجة عن الآداب) والصور العارية وحلقات المصارعة الحرة التي تعرضها القنوات الفضائية الأجنبية، ويُعدّ هذا هو السبب الرئيس والأساس في تدهور مستوى التحصيل الدراسي والسلوكي لديهم (¬2) . متى يتوقف هذا السيل الجارف؟ وكيف تدرأ الأمة الإسلامية عن نفسها هذا الخطر الداهم؟ إن الأمر يحتاج إلى كوادر وإمكانات كبيرة، تعمل على إنشاء فضائيات إسلامية متخصصة في المجال الإعلامي مجازةٍ من قبل أهل العلم، لتقدم موضوعات غنية ثقافياً وتربوياً، ولتعمل على تحصين أفراد المجتمع بالعقيدة الصحيحة، وعلى إيجاد البدائل المشروعة عن كل ما هو دخيل، فلا نأخذ من تيار العولمة إلا ما يوافق عقيدتنا الإسلامية وخصائص مجتمعاتنا المحافظة. ¬

(¬1) العزو السابق. (¬2) مجلة زهرة الخليج، العدد 995.

الفصل السادس صور من حياة أهل الفن

الفصل السادس صور من حياة أهل الفن تعرفنا في الفصل السابق على الدور الكبير الذي يضطلع به الإعلام بوسائله المختلفة في صناعة الفنانين وتقديمهم للجمهور نجوماً وأبطالاً لهم المكانة السامية المرموقة في حياة الأمة، إلا أن هذا الإعلام قد تعمّد إغفال الجوانب المظلمة والتصرفات المشينة الصادرة عن كثير من أهل هذا الوسط الآسن، وإن المتابع لدخيلة أخبار هؤلاء يروعه حقاً ما لَحِق بكثير منهم من انحطاط سلوكي، وتدهور أخلاقي. وسترى أخي القارئ الكريم - في طيات هذا الفصل - صوراً متفرقة تعكس جوانب من حياة الفنانين وسلوكياتهم، وقد وقع الكثير منهم ضحية الإغراءات والشهوات والشهرة الكاذبة، ودخلوا عالم المنكرات والمحرمات والرذيلة، عالم الدعارة والتجسس والإدمان وكل ما قد يوصف بالدناءة، وما زالوا قابعين في عالمهم المظلم هذا، - إلا من رحم ربي- لا يريدون الخروج منه إلى النور وإلى الحقيقة الإيمانية التي ضلوا عنها عقوداً من الزمن، فتراهم دائماً يعيشون حياةً ملؤُها القلق والاضطراب، فالوسط الفني لمن ولجه يُعدّ بيئة خِصبة لكل رذيلة وخيانة، بدءاً من الغيبة والنميمة، وانتهاء بالمخدرات والدعارة والتجسس، فلا تُكتشف شبكة دعارة ولا وكر تجسس أو مخدرات إلا وُجِدتْ فيه لمسات فنان أو فنانة!! نعم، إن للدعارة نصيبًا مهمًا عند أهل الفن، كما أن نشاطهم في

أولا: الفن وترويج الإدمان

التجسس لمصلحة أعداء الأمة مشهود له! أما الإدمان فحدّث ولا حرج، فكم ضُبط مدمنون، فمنهم من ضبط وهو على خشبة المسرح، ومنهم من مات بسبب المخدرات وأخبارهم في هذا ملأت الدنيا وشغلت الناس. إنهم أناس يلهثون وراء شهواتهم وأهوائهم، وقد استسلموا لأعداء الله فصاروا بعيدين عن دين الله وعن كل فضيلة. نسأل الله العافية. أولاً: الفن وترويج الإدمان: كثيرة هي الأفلام التي تعالج مشكلة المخدرات في الظاهر ولكنها في الحقيقة تُسهم - بشكل فاعلٍ - في تعليم المشاهد كيفية تعاطي المخدرات وتُعلِمه بأساليب ترويجها، ولا غرابة في ذلك، إذ إن بعض أهل الفن غارقون في المخدرات فهل يُجنى العنب من الشوك، أم هل يُطلب الماء من النار؟! وهاك أخي القارئ بعضاً من قصصهم في هذا المجال. ابن البلد تقتله المخدرات: ممثل مشهور لقدم تاريخه الفني فقد رآه كل الناس على شاشات التلفاز وهو يؤدي دور (ابن البلد) النزيه. ذات ليلة تعاطى كمية كبيرة من المخدرات فأردته صريعاً على الأرض (¬1) . أسرة مخدرات فنية: وهذا فنان لم ينطلق بعد في المجال الفني، فما زال غضاً في ¬

(¬1) أهل الفن وتجارة الغرائز، حلمي محمد القاعود، مؤسسة آسام للنشر، الرياض، 1412هـ - 1992م، ص 145 بتصرّف.

رجل شرطة ومدمن مخدرات

طريقه الفني، لكنه سرعان ما أصبح من أهل الثراء حتى إنه قد امتلك ملهىً من أكبر الملاهي على النيل، إن هذا الممثل له علاقة وثيقة بتاجر مخدرات وقد أخذ يوقع بالفنانين ويدير لهم جلسات (الكَيْف والشمّ) حتى صار عددهم يُقدّر بالعشرات. وتلك فنانة شابة جعلت من بيت أبيها وكراً للساقطين والساقطات في تعاطي المخدرات، وعندما سئلت عن ذلك قالت: إنها عرفت طريق المخدرات بعد حرمانها من رعاية الأب والأم بعد انفصالهما وانشغال كل واحد منهما بأعماله الفنية، فالأم بدورها فنانة أيضاً! (¬1) . رجل شرطة ومدمن مخدرات: إنه رجل الشرطة النزيه الذي يؤدي دوره بكل براعة، وفي أغلب المسلسلات والأفلام، هذا الذي يحمي العباد والبلاد من شر تعاطي المخدرات، نجده وقد حكم عليه بالسجن مدة سنة ونصف في قضية مخدرات، ثم بعد خروجه نراه وقد استمر في الاتصال بتجار المخدرات والتعامل معهم، حتى لقد نال قسطاً وافراً من الشهرة في الوسط الفني فهو وسيط هام بين تجار المخدرات وأهل الوسط الفني المهتمين بالمخدرات (¬2) . وماذا بعد المسرحية؟ وهذه ممثلة ومطربة مشهورة تؤدي أدوارها المسرحية، ثم ما إن تنتهي من ذلك حتى تسارع إلى تاجر المخدرات الذي تتعامل معه، وعندما تصل إلى منطقته يكفيها أن تمد يدها من نافذة سيارتها ليتم ¬

(¬1) أهل الفن وتجارة الغرائز، حلمي محمد القاعود، مرجع سابق، ص 143 بتصرّف. (¬2) أهل الفن وتجارة الغرائز، حلمي محمد القاعود، مرجع سابق، ص 141 بتصرف.

نابغة في الموسيقا وشام للكوكايين

حقنها بأي نوع تريده من المخدرات. (¬1) إنها فنانة تؤدي دورها بأمانة!! نابغة في الموسيقا وشامٌّ للكوكايين: قد يستغرب القارئ أن يكون الموسيقار الكبير ورائد النهضة الموسيقية في العالم العربي (سيد درويش) هو مدمن مخدرات، ولكن هذه هي الحقيقة، فمنذ عشرات السنين كان سيد يتعاطى هذا السم القاتل بدعوى طلب الإبداع ولكنها خدعة خدع بها. وتوفي سيد درويش وتضاربت الأقوال حول وفاته.. هل مات مسموماً؟ أم مات نتيجة تعاطيه جرعة زائدة من الكوكايين؟ (¬2) . مجدي وهبة قبل وفاته: ذكرت مجلة الكواكب ما وقع لمجدي كما يلي: بدأت حكاية مجدي وهبة مع الجريمة في إحدى ليالي الربيع عام 1989م، (1409هـ) عندما ألقت مباحث الجيزة القبض عليه فوق كوبري 6 أكتوبر، ووجهت إليه تهمة تعاطي المخدرات في قضية (أحمد الكحلاوي) الشهيرة التي اتهم فيها أيضاً عدد من الفنانين، وأفرجت النيابة عنه بعدُ بكفالة (1000 جنيه) .. .. وبعدها بحوالي سبعة أشهر - وتحديداً في 3 نوفمبر من العام نفسه- تم القبض عليه مرة أخرى وهو يقود سيارته تحت نفق العروبة بمصر الجديدة ووجهت إليه النيابة تهمة تعاطي المخدرات والاتجار بها. وبعد سبعين يوماً أصدر المستشار (..........) حكماً ببراءته من القضية الثانية. ¬

(¬1) المرجع نفسه، ص 145 بتصرّف. (¬2) مجلة الرياضة والشباب، العدد 559.

مأساة السندريللا!

وسافر مجدي بعدها إلى الغردقة هروباً ممن حوله ومات هناك بعد أن ساءت حالته مما تعرض له (¬1) . مأساة السندريللا! الممثلة العريقة ذات الصيت الشائع في جميع أنحاء العالم العربي، إنها سعاد حسني، سعاد التي ألقت بنفسها (أو ألقي بها) ، من على شرفة بعد عزلة لها دامت خمسَ عشرة سنة تصارع فيها مرضاً عضالاً نادر الحدوث، سبّب لها تشوهاً جلدياً أخفت وجهها سنواتٍ بسببه، لتظل في أعين جماهير السينما - سندريللا الشاشة العربية - ذلك اللقب الخدّاع الذي أسبغ عليها، وقد تسبب هذا المرض النادر في بدانة زائدة لها، فأدى بها القلق والاضطراب من هذه النهاية الفنية البائسة إلى الانتحار، والأغرب من ذلك هو الجنازة المشهودة لها، والتي حضرها الملايين. وتحت عنوان مأساة نجمة انطفأت قهراً، قالت سعاد حسني (¬2) : ثلاثون عاماً من حياتي تهاوت فجأة لأنني أشعلت حطب الأحلام الممنوعة لعشرات الملايين، وهل يمكن لامرأة عربية أعطت بلا حدود أن تموت منفية في لندن الباردة، وتكون منفية عن العاطفة أيضاً؟ لقد قدمت أكثر من 80 فيلماً احترقت فيها كالشموع فلم تشفع لي بمساعدة حتى " ذوي القربى". هذه باختصار قصة سعاد محمد حسني البابا. وقد رثاها الشاعر الدكتور غازي القصيبي في قصيدة بعنوان سعاد (¬3) !! ¬

(¬1) مجلة الكواكب، العدد 2573 بتصرّف. (¬2) انظر، مجلة السيدة الأولى العدد 23 يوليو 2001، بتصرف. (¬3) القصيدة مثبتة في المقال المشار إليه من العدد نفسه، وختامها: لم يخجل الغروب وهو يقتل الأميرة!!

إدانة مخرج بجرم حيازة المخدرات

إدانة مخرج بجرم حيازة المخدرات: ضبطت شعبة مباحث مكافحة المخدرات المخرج السينمائي أحمد يحيى في وكر لتعاطي الهيروين بمنطقة الساحل، وأثبتت الفحوص والتحاليل المخبرية تعاطيه الهيروين مع محاسب قانوني يتردد على شقته بصفة دائمة، وبرغم ذلك - وفي أثناء وجوده في حجرة الحبس الانفرادي - عثر معه على علبة سجائر بداخلها (تذكرة هيروين) . ثم قضت المحكمة ببراءة المخرج من التعاطي، ولكنها أدانته بجرم حيازة الهيروين، وقضت بحبسه سنتين مع الشغل وغرامة عشرة آلاف جنيه (¬1) . حاتم. . نادم: حاتم ذو الفقار، الفنان المعروف، ضُُبط في قضية تعاطي مخدرات عام 1987م، (1407هـ) وأحيل إلى محكمة الجنايات التي أصدرت حكمها بالسجن سنة مع الشغل والنفاذ. ثم ضُبط بعد ذلك سنة 1993م، (1413هـ) وسنة 1995م، (1415هـ) وحصل على البراءة في القضيتين، وفي سنة 1996م، (1416هـ) ضُبط وتم حفظ القضية لعدم كفاية الأدلة، وقد وُجّهت إليه عدة تهم منها التعاطي والاتجار واستخدام المنزل مخزناً للمخدرات. يقول حاتم عن تجربته: (الله يرحم أيام الحشيش، أنا بدأت بالحشيش ثم الحبوب وهجرتها لأنها تجلب النعاس ... ويضيف قائلاً: إن البودرة المنتشرة في مصر ليست نقية 100%) !! (¬2) . ¬

(¬1) مجلة الكواكب، العدد 2573 بتصرّف. (¬2) مجلة الكواكب، العدد 2573.

قتلها ذبحا، لأنها لم تزوده بالمخدرات

قتلها ذبحاً، لأنها لم تزوّده بالمخدرات: عثرت أجهزة الأمن بالإسكندرية على جثة راقصة شرقية مذبوحة داخل شقتها بمنطقة الرمل وقد كانت الجثة في حالة تعفّن، حيث تبين قيام طبّال بقتلها انتقاماً منها لقيامها بتمزيق عقد زواجهما العرفي وطردها له من شقتها بعد أن قادته إلى دوامة إدمان الهيروين، وقد أبلغته عن رغبتها في السفر إلى بعض الدول العربية لإحياء عدة حفلات راقصة، فقام بارتكاب الجريمة ثم سرق مصوغاتها الذهبية وما كان بحوزتها من مخدرات، ثم فرّ هارباً، لكن أجهزة الأمن تمكنت من القبض عليه (¬1) . أمضى عقوبته وخرج: سعيد صالح نجم الكوميديا خرج من سجن الحضرة بالإسكندرية، وذلك بعد أن أمضى عقوبته بتهمة تعاطي المخدرات، حيث تم القبض عليه مع زملائه في أحد أوكار المخدرات، وأمرت النيابة بالقاهرة بحبسه، ثم أفرجت عنه، وقد تم القبض عليه والإفراج عنه مرات عدة، وفي المرة الأخيرة حكم عليه بالسجن في سجن الحضرة بالإسكندرية (¬2) . ثانياً: الفن والشذوذ والرذيلة: قميص النوم: نجم فني استعراضي متعدد المواهب، حتى إنه قد أتقن موهبة الشذوذ، فبإمكانه إتقان كل الرذائل ما دام فناناً! يستعرض أمام جمهوره كل ما يستطيع استعراضه ليغري زبائنه، وفي أوكار الرذيلة ¬

(¬1) مجلة الصدى، بتصرّف. (¬2) مجلة سيدتي، العدد 819 بتصرّف.

شذوذ مقابل مليون جنيه

يلبس قمصان النوم النسائية مع بعض الماكياج. لا حرج عليه، إنه فنان!! (¬1) . شذوذ مقابل مليون جنيه: وإن تعجب فاعجب لحال مطرب عربي سمع به كثير من الناس، وأعجبوا بأغنياته العاطفية! وهو يقيم إقامة شبه دائمة في عاصمة الفن والغناء.. القاهرة، وعندما أراد تطليق زوجته طلبت منه مليون جنيه ليس مقابل الطلاق، وإنما من أجل إخفاء شذوذه الجنسي!! (¬2) . تفضِّل الشذوذ على الزواج: وهذه فنانة ترفض الزواج من الراغبين بها زوجةً شرعية، لتعيش حياتها الخاصة المملوءة بالشذوذ والانحراف، مع أن المتقدمين لها هم من الشخصيات المشهورة! ومع ذلك فإنها تفضّل ممارسة السّحاق مع ممثلة صغيرة ترافقها دائماً (¬3) . فنان يغتصب فتاة: وهذه فتاة لا يزيد عمرها عن خمس عشرة سنة كانت تستمع إلى الغناء باستمرار ثم أعجبت بالمطرب المرهف (أ - ج) الذي كان يقدم أجمل الأغاني وأشهرها على مسارح الأردن، وتحاول الفتاة بعد ذلك الوصول إلى المطرب لكي تعبّر له عن إعجابها، حتى تمكنت من التعرف على صديقين له، تم بعدها أخذها إلى شقة خاصة ومن ثَمَّ الاعتداء عليها، ثم نقلت إلى مكان آخر لتلتقي ¬

(¬1) فضائح الزعيم، أنيس الدغيدي، دار الشباب العربي، القاهرة. ص 112 - 113، بتصرف. (¬2) العزو السابق. (¬3) مجلة سيدتي، العدد: 819 بتصرّف.

خيانة بخيانة والبادئ أظلم

بالفنان القدير، صاحب المواهب، نجم النجوم ليتم الاعتداء عليها من قبل الفنان واثنين آخرَيْن، وصدر حكم المحكمة الكبرى بالسجن مدة خمس سنوات على المطرب (أ - ج) ، وذلك بعد إدانته باغتصاب فتاة قاصر لا يزيد عمرها عن خمس عشرة سنة، أما البقية فتراوحت الأحكام عليهم بين خمسة أعوام وثلاثة عشر عاماً، وبعد صدور الحكم مباشرة أصيب المطرب بحالة إغماء حيث لم يتمالك نفسه وسقط مغشياً عليه في قفص الاتهام، ويقول بعض محبّيه إن ما حدث هو مؤامرة لإبعاد هذا المطرب عن الساحة الفنية!! (¬1) . أخي القارىء وكأني بك تتوالى الأسئلة على قلبك وفكرك: أيصل الحد بإعجاب المراهقين بأهل الفن إلى هذا الحد؟! أيصل الإهمال بالقائمين على الأسرة إلى هذا الحد؟! أم هل يصل التماس الأعذار لفنان من محبيه إلى هذا الحد؟! نعم، إن فتح باب الفن على مصراعيه ليلجه كل والج، وليتصدره كل وصولي، يمكن أن يفضي إلى أكثر من ذلك!! خيانة بخيانة والبادئ أظلم: راقصة بإحدى فرق الفنون الشعبية.. اكتشفت خيانة زوجها وهو من خارج الوسط الفني مع زميلة لها في الفرقة نفسها، وكانت الزميلة هي التي ترتب للّقاءات الغرامية، حيث تقوم بالحصول على فرص عمل للزوجة في الملاهي الليلية لتنفرد هي بالزوج. الزوجة قررت عقب اكتشافها خيانة زوجها أن تقيم علاقة مع جار لها في العمارة نفسها وأصبح مرافقاً لها في كل سهراتها وفي ¬

(¬1) مجلة أسرتي، العدد 1410 بتصرّف.

شبكات فنية لترويج المخدرات والدعارة

أثناء الرقص وبعده في الملاهي!! (¬1) . شبكات فنية لترويج المخدرات والدعارة: فنانات ومخرجة: تقوم الفنانات دائماً بأداء الأدوار المختلفة، وتقمّص الشخصية التمثيلية كاملة، بكل أبعادها الفكرية والنفسية والعاطفية والشكلية مع كل ما يتعلق بها، ويأتي هنا دور المخرجة للتوجيه والتصحيح وتفهيم الممثلة شخصية الدور، وهذا ما تم بالفعل في شبكة دعارة كانت عناصرها فنانات مرموقات تترأسهن مخرجة برامج تلفزيونية لها خبرتها في الإخراج، وهذا ليس مسلسلاً وإنما هو حقيقة واقعية حدثت سنة 1995م، (1415هـ) والمتهم فيها فنانات وطالبات جامعيات وفتيات إعلانات. وتتزعم هذه الشبكة المخرجة التلفزيونية (ت- ص) . حيث سجّلت مباحث الآداب 95 مكالمة تليفونية للمخرجة مع تلك العناصر والزبائن الذين كانوا من رجال الأعمال من شتى البلاد العربية (¬2) . زوجة منتج ورئيسة شبكة: زوجة منتج تترأس شبكة تضم أسماء كبارٍ في عالم الفن، تبين من خلال التحقيق أن هذه الشبكة تديرها سيدة تدعى (ل-م) وهي زوجة المنتج السينمائي (ك - ص - أ) ومعها في الشبكة نفسها الممثلة (ع. ر) وممثلة سينمائية أخرى معروفة. وكانت المسؤولة عن الشبكة تتفق مع رجال أعمال على تدبير ¬

(¬1) مجلة حريتي، العدد 503. (¬2) بنات الليل وانحرافات الكبار، هشام فاضل، ط4، 1997م، القاهرة، ص 98 بتصرّف.

راقصة برتبة وزير

لقاءات حمراء مع ممثلات وراقصات شهيرات وكان زوجها المنتج السينمائي يساعدها في عملها المشين هذا. وتم ضبط الشبكة على مراحل عدة، وقد حكمت المحكمة بعدها على أعضائها بأحكام متنوعة تتناسب والجرم الذي قامت به كلٌ من المتهمات (¬1) . راقصة برتبة وزير: فنانة راقصة ترقص أمام كبار القوم لتدخل قلوبهم وجيوبهم وأسرارهم إنها الراقصة (ع - ش) ، التي ذلّت لها الرقاب وصنعت بالكبار ما لا تستطيع فعله جيوش جرارة بأكملها، وجمعت بين تكاملات شبكة الفساد؛ بين تجار السلاح والمخدرات والدعارة، حتى إنها قد استطاعت جمع شمل الأعداء منهم، فهي زعيمة لشبكة ضمّت الكثير من الفتيات والفنانات، وقد تم القبض عليها في وكر دعارة، ولم تكن مبالية إذ ذاك، فهي تعرف كل المتنفِّذين في الشرطة والدفاع والاقتصاد ... إنها أخطبوط على شكل امرأة، لقد كانت على يقين بأنها ستخرج، وبالفعل ما إن تبلّغ كبار القوم بنبأ اعتقالها حتى دق جرس الهاتف ليأمر المتحدث بإطلاق سراحها مقابل كفالة مالية تقدر بـ 500 جنيه مصري فقط!! هكذا هو التقدير الحق لأهل الفن!! (¬2) . حالة طرد: اتخذ مجلس إدارة إحدى النقابات قراراً بفصل مطربة معروفة ¬

(¬1) فضائح الزعيم، أنيس الدغيدي، مرجع سابق، ص 68-69. بتصرّف. (¬2) بنات الليل وانحرافات الكبار، هشام فاضل، مرجع سابق، ص 54، بتصرّف.

صعود إلى أسفل

لضبطها في إحدى قضايا الآداب مؤخراً، وتضم الشبكة خمس عشرة فتاة من بينهن ثلاث فتيات شاركن في أعمال تلفازية (¬1) . صعود إلى أسفل! فتاة إعلانات، إنها الممثلة (ج- ص) التي كانت تحلم بالتمثيل وبالسينما، وبأن تكون نجماً تملأ الدنيا بشهرتها. وتمر الأيام وتتعرف على مخرج إعلانات وقّع معها عقداً لمدة سنتين وعملت بعض الوقت معه وقدمت عدة إعلانات، وعندما دعاها إلى حفلة خاصة جداً! رفضت، فعاقبها بالحرمان من العمل في الإعلانات ومن الشهرة المبتغاة، وظلت الممثلة عدة شهور دون عمل، ثم جاءها من يقنعها بالتنازل والهبوط الأخلاقي لترتقي في عالم الفن! وذهبت إليه بقدميها تسارع الخُطا، وما إن دخلت شقته حتى رحب بها هو وصديقه المنتج وباتت ليلتها ترقص عارية وتقدم نفسها وعفتها وشرفها لقمةً سهلة على مائدة الفن، وسرعان ما فتح أمامها باب المجد الفني على مصراعيه، وصارت هي المرجوّة المفضّلة عنده وعند أصدقائه أصحاب الشركات الإنتاجية، ثم أدركت أنها ضمن شبكة كبيرة لترويج الدعارة، ومن ثمّ تم القبض عليها (¬2) . ثالثاً: حقائق مثيرة: الفنّ رعاية صليبية لأهداف يهودية: كثيرة هي المهرجانات التي تقام للسينما في البلاد العربية، ومن الغريب حقاً أن يُكرّم الكاثوليك بصفتهم "كاثوليك أهل الفن"، وأن يقام مهرجان خاص لذلك تحت إشراف صليبي في مصر يحتضن ¬

(¬1) المرجع نفسه، ص 70. (¬2) بنات الليل وانحرافات الكبار، هشام فاضل، مرجع سابق، ص 152، بتصرّف.

أهل الفن ويدفعهم إلى المزيد من الإفساد في الأرض. فالمطران ايجبديو سامبيري مطران اللاتين والأب صموئيل فايز رئيس رهبنة الفرنسيسكان، هما اللذان يكرمان أهل الفن في (المهرجان الكاثوليكي المصري للسينما الـ 48) (¬1) . ألم يلفت نظرك - أخي القارئ - الرقم 48؟ إن لذلك دلالة واضحة على طول الباع ورسوخ القدم للصليبية في المجال الفني. وإليك بعض أسماء هذه المهرجانات: (1) مهرجان القاهرة السينمائي الدولي. (2) مهرجان الإسكندرية السينمائي. (3) المهرجان الكاثوليكي المصري للسينما. (4) مهرجان الأفلام الروائية في القاهرة. (5) مهرجان الأغنية. (6) مهرجان دمشق الدولي. (7) مهرجان بيروت الدولي 2000، وغيرها كثير. وتعرض هذه المهرجانات أفلاماً مختارة تتجاوز في معظمها حدود الفضيلة والحشمة، وتوزع فيها جوائز قيمة على الممثلين والمخرجين، وذلك بحسب ما يقدمه كلٌّ منهم من جرأة في تحدّيه للدين وللقيم الفاضلة. ولكن مَن وراء هذه المهرجانات؟ يقول الدكتور حلمي القاعود: (ثمة ناحية أخرى تتعلق بالمهرجانات الفنية تلك، وهي ذلك ¬

(¬1) مجلة الشبكة، العدد 2296 بتصرف.

أسماء الفنانين المزيفة

الحضور اليهودي الذي يعلن عن نفسه بخفوت أحياناً، وبصوت عالٍ في أكثر الأحيان، ولا أبرئ مهرجانات العالم العربي من ذلك الحضور اليهودي - بأي صورة - على الأقل في الأفلام أو المسرحيات التي تجعل اليهودي مظلوماً وضحية ويستحق العطف أو يستحق الإعجاب، وبخاصة حين يظهر في صورة (السوبرمان) الذي يواجه عناء لا يتحمله البشر ثم ينتصر في النهاية، وفي المقابل يبدو العربي الذي يرمز من خلاله للمسلم عادة، يظهر في صورة متوحشة أو سلبية على أحسن الفروض) (¬1) . أسماء الفنانين المزيفة: إن أغلب أهل الفن يعمدون إلى تغيير أسمائهم التي تسمّوا بها منذ الولادة ويتسمَّون بأسماء مزيفة أكثر رقة وأسرع انتشاراً. وقد يكون هذا من صنيع شركات الإنتاج الفني، ولكن يرى بعضُ مَن سبروا هذا العالم الفني، بأن بعض الفنانين غيّروا أسماءهم لنيل القبول عند الجمهور ولكسب عواطفهم والتغلغل في المجتمعات الإسلامية، وهذا ما يفعله الكثير من الفنانين اليهود والنصارى. فالاسم الحقيقي مثلاً للمطربة النصرانية فيروز هو نهاد وديع والتي غنت لمكة المكرمة. ويذهب بعضهم الآخر إلى أبعد من ذلك، إذ يعتقدون أن تغيير الأسماء إلى أسماء إسلامية إنما هو خطة محكمة لبث أفكار مسمومة وآراء شيطانية في أوساط المجتمعات الإسلامية بأسماء إسلامية أكثر قبولاً، وقد يكون هذا ضمن خطة يهودية ونصرانية للنيل من الإسلام ¬

(¬1) أهل الفن وتجار الغرائز، حلمي محمد القاعود، مرجع سابق، ص 87.

هوليوود العربية

ومن القيم الأخلاقية للمسلمين، فالمخرج يوسف شاهين النصراني أخذ يدس السم وينشر أفكاره الشيطانية بعد أن تسمى بأسماء المسلمين وقد حُظرت بعض أفلامه مثل المهاجر والمصير لجرأتها في الباطل وتعارضها مع تعاليم الإسلام الحنيف، ولم يتم تكريمه من قِبَل الغربيين - من نيل الأوسكار وغيرها - إلا جزاء ما قدمه من أفلام تعارض الإسلام وتبث الرذيلة والمجون. وإليك بعض الأسماء الحقيقية والمزيفة لبعض الفنانين: الممثلة لبلبة اسمها الحقيقي: نيوشكا مانوك كوبليان، وليلى طاهر: شرويت، وإيمان: إليزابيث طوروس سركيسيان، وسالي: ماريا انترنيوس، ونادية لطفي: بولا شفيق، وشريفة فاضل: فوقيه محمود، ونجوى فؤاد: عواطف محمد عجمي، ونور الشريف: محمد جابر، ومعالي زايد: معالي عبد الله المنياوي، وغسان مطر: عرفات داود، وحنان شوقي: سيدة أمين أحمد، وبوسي: صافيناز مصطفى قدري (¬1) . وصباح اللبنانية: جانيت فغالي، وشويكار: شويكار طوب صقال (¬2) . هوليوود العربية: في كثير من اللقاءات تحدثت فنانات أجنبيات عن تعرضهن لتحرشات بأساليب متنوعة من قبل المتنفذين في الحقل السينمائي، وبخاصة في هوليوود والتي يسعى العاملون بها إلى الفنانات الصاعدات والشهيرات على المستوى العالمي، ونظراً - لأن الحال ¬

(¬1) مجلة فواصل، العدد 69. (¬2) موسوعة الممثل في السينما المصرية، محمود قاسم ويعقوب وهبي، (1927 - 1997م) ، ص 196.

تحرشات فنية

من بعضه والكلّ في الهوى سوى- فقد انتشرت هذه التحرّشات في الوسط الفني العربي، حتى إن بعضهن قد تصبح داعرة قبل أن تفتح لها أبواب الفن، فكثيراً ما يستغل بعض المنتجين الفنانات لإشباع غرائزهم الدنيا مقابل النجاح والشهرة والمال (¬1) . تحرّشات فنية: شيماء هي أصغر فنانة عربية، ومع ذلك فقد اعتزلت الفن وارتدت الحجاب، وقد أمضت قبلها عشر سنوات في الوسط الفني كانت مملوءة بالأحداث، وشاركت في العديد من المسرحيات في الكويت منذ عام 1996م، (1416هـ) . وبعد اعتزالها قالت شيماء: كانت الواقعة الأصعب التي جعلتني أخرج بلا عودة من هذا المجال - وتقريباً بلا تفكير أو لحظة ندم واحدة - هي أن فناناً (كبيراً) تعاملت معه في بعض الأعمال، وكانت علاقتنا عبارة عن علاقة تلميذة صغيرة مع أستاذ كبير، ولكني فوجئت به يحاول احتكاري ويتدخل في أدق خصوصياتي، ويتصرف طوال فترة العمل تصرفات تثير شبهات رخيصة عن علاقتنا، دون أن يلقى استجابة مني، وكان خوفي من الله حصني الأكبر، وكانت أمي إلى جواري دائماً وبقيت سنتين أقاوم بسلاح الإيمان ولم أسقط في المستنقع الآسن والحمد لله ... لقد أصبت بصدمة من هذه الأحداث في مجال كنت أحبه وكنت أظن أن نجومه الكبار على مستوى القِيَم، ولكني وجدت شيئاً مختلفاً تماماً من خلال التعامل اليومي. وتتابع شيماء قائلة: إن الفن مجال صعب جداً على أي إنسان يريد أن يحتفظ بأخلاقه ومبادئه، وهو عالم مملوء بالشائعات ¬

(¬1) مجلة الجديدة، العدد 660.

معاناة فنانة

والمشكلات والحقد، والتنافس المذموم والكذب والنميمة والنفاق، عالم مملوء بالتنازلات غير المحدودة، إذا دخلته امرأة فلا بد أن تقدم تنازلاً، وأي تنازل؟ تصور امرأتين تتصارعان على خطف دور ما في عمل ما، ثم تصور مدى التنازلات التي قد تقدمها الواحدة، تنازلاً تلو الآخر حتى تصبح رخيصة وتباع بأبخس الأثمان من أجل دور ما في عمل ما، لقد شاهدت هذه الأنماط ماثلة أمامي!! هذا عالمٌ، الداخل فيه مفقود والخارج منه مولود، عالم يستحيل أن تحتفظ الفتاة فيه بأخلاقها وتعيش حياتها الطبيعية (¬1) . معاناة فنانة: تقول الممثلة الكويتية عبير أحمد: إن معاناتها مع أهل الفن لم تدم طويلاً لأنها تزوجت بعد عام تقريباً من انخراطها في المجال الفني، وبخصوص المواقف التي تعرضت لها قبل الزواج قالت: قبل كل شيء يجب ألا نعمّم الكلام على كل العاملين في الوسط الفني! إذ توجد مجموعة كبيرة من الممثلين والمخرجين ممن يقدّرون الفن ويقدّسون رسالته. ثم استدركت: ولكن هذا لا يمنع من وجود من يسيء إلى العاملين في هذا الحقل، وذلك من خلال تصرفاته غير المسؤولة، فمنذ دخولي مجال التمثيل وأنا أتعامل مع الفئتين. وبخصوص حدوث تصرفات سببت لها الضيق قالت عبير: هناك ممثلون يحاولون استخفاف دمهم ويتقربون إلى الممثلات والشابات عن طريق كيل عبارات الإطراء والمديح لهن بهدف الوصول إلى أهدافهم، وذات مرة تقرب إليَّ أحدهم وأخذ يمتدح أدائي وقال لي: ¬

(¬1) مجلة الأسرة، العدد 77.

رابعا: التجسس في حياة أهل الفن

أنت أفضل ممثلة شابة ومن ثَمّ عرَّج بالكلام عن جمالي وقوامي فعرفت كم هو إنسان سخيف يحاول أن يستغل الفنّ لغاية في نفسه. وعندما رأَوْا زوجي معي تغير الوضع، إذ أصبحت لي هيبة وإن كان (قليلو الذوق) ما زالوا لا يتورّعون عن إلقاء عباراتهم السخيفة (¬1) . رابعاًً: التجسس في حياة أهل الفن: كاميليا (ليليان كوهين) : فنانة يهودية تحولت إلى فنانة سينمائية مرموقة في مصر، ساعدها جمالها ورعاية النجم السينمائي (أ - س) لها، فشقّت طريقها في المجتمع المصري بكل سهولة وإبداع، وصار لها علاقاتها الخاصة، والخاصة جداً مع وجهاء القوم، من سياسيين ورجال أعمال الذين أغرقوها بالمال وبالهدايا الثمينة - بالطبع - لقاء ما تقدمه لهم من متعة وفتنة. ثم ذاع صيتها بعد ذلك ليصل إلى مسامع الملك فاروق الذي طلبها لنفسه، وما هي إلا أيام حتى دخلت القصر المنيف الذي حلمت به كثيراً. وبدأت طريقها مع الملك فقدمت له المتعة وبأحدث طرق الغواية والدلع. وسعت الفنانة اليهودية بكل وسائلها المسلطة على قلب الملك وعقله كي يتزوجها فتنجب منه ولي العهد الذي يتولى بعد أبيه الملك على مصر ومقدّراتها، ولكن شاء الله ألاّ يتم هذا الزواج، إذ تحطمت الطائرة التي تقلّها إلى مكان عرسها في قبرص، ¬

(¬1) مجلة الجديدة، العدد 660.

الفنانة أسمهان

وماتت الفنانة اليهودية قبل زواجها المشؤوم. وتنكشف الأسرار ليتبين بعد ذلك أن كاميليا ما أتت إلى مصر وما دخلت عالم الفن إلا بأمر من الوكالة اليهودية، وليست كاميليا هي الفنانة اليهودية الوحيدة بل هناك ليلى مراد التي أدت دوراً بارزاً في مصر، وكذلك راقية إبراهيم وأختها نجمة إبراهيم (¬1) . الفنانة أسمهان: اسم ملأ حياة الناس وشغل مسامعهم، إنها الفنانة الدرزية أسمهان، شقيقة الموسيقار فريد الأطرش، فهي من عائلة مرموقة متنفذة لها مكانتها، وتعدّ حاكمة للدروز في سورية. انتقلت أسمهان مع أسرتها إلى مصر، حيث بدأت هناك بالغناء في الحفلات الخاصة والعامة وعلى المسارح، ومثّلت في عدة أفلام وصار لها علاقاتها الخاصة حتى بلغت رئيس الوزراء (حسنين باشا) ، وذلك في عهد الملك فاروق، وما إن اتسعت علاقاتها تلك حتى تصيّدتها المخابرات البريطانية للعمل معها وللتجسس على كبار القوم في مصر، وقد أدت دورها المرسوم لها بدقة، كما ينبغي. لقد اتصل بها رئيس مركز الاستخبارات البريطانية بالوكالة في مصر المستر نابيير وأقنعها بالسفر إلى سورية في مهمة سرية لإقناع عشيرتها وزوجها الأول حسن الأطرش حاكم الدروز، إقناعه بالتعاون مع القوات البريطانية التي تنوي الدخول إلى سورية ولبنان، وبخاصة أن للدروز قوة تقارب ثلاثين ألف فارس في ¬

(¬1) مخاطر دولة الفنانين وسنوات الوهم، صابر شوكت، دار الجنتل للنشر والتوزيع، 1996م، ص 22 وما بعدها بتصرّف.

فنانات في خدمة إسرائيل

منطقة السويداء (¬1) . إن المخابرات البريطانية لم تجد أفضل من أسمهان للقيام بهذه المهمة، فهي درزية بل من أميرات الدروز، فأغدقت عليها المال والمناصب! ومنحتها رتبة فخرية هي رتبة ميجر وتعني رائداً، وذلك للحصول على بعض الامتيازات، تخوّلها سرعة التحرك والمرونة فيه. وفي يوم 14/7/1944م تموت الفنانة أسمهان فجأة مع صديقتها ماري قلادة، عندما كانتا في طريقهما إلى رأس البر في نزهة بسيارة استوديو مصر الفني، حيث غرقت بهما السيارة في ترعة عمقها ثلاثة أمتار بعد انحرافها إلى يمين الطريق. وهنا تضاربت الإجابات عن السؤال اللغز، من قتل أسمهان؟ أقتلتها المخابرات البريطانية؟ أم قتلها زوجها الأخير أحمد سالم الذي أودعته السجن بعد فضيحتها مع حسنين باشا؟ (¬2) . إنها فنانة كانت ضالعة بالتجسس لحساب دولة أجنبية، وقد جعلت من الفن خدعة تستر بها وجهها الحقيقي. فنانات في خدمة إسرائيل!! نقلت جريدة "الوفد" المصرية عن برنامج تلفزيوني إسرائيلي، أن الفنانات المصريات المشهورات: نادية لطفي، ومريم فخر الدين، وهند رستم، وبرلنتي عبد الحميد، كل منهن قد تعاونت مع جهاز المخابرات الإسرائيلي الموساد، وذلك في الخمسينات والستينات، فلقد ورد خلال هذا البرنامج حوار هاتفي بين مقدّم ¬

(¬1) أسمهان ضحية الاستخبارات، سعيد الجزائري، رياض الريس للكتب، لندن، 1990م، ص 111 بتصرّف. (¬2) المرجع السابق، ص 218 وما بعدها بتصرف.

خامسا: مواقف معبرة

البرنامج وأحد ضيوفه من الجمهور، وكان الضيف ضابطاً من الجيش الإسرائيلي يدعى ميشيل، وقد تلقى مكالمة من مشاهدة قدمت نفسها بوصفها نيللي يهودا مؤكدة أنها عملت معه خلال عملها في السينما، وأشارت في مكالمتها إلى تورط الفنانات المصريات مع جهاز الموساد (¬1) . خامساً: مواقف معبّرة: (اتق الله) : تقول الفنانة أصالة والتي تسعى لتحسين صورة الفنانة العربية في أذهان الناس: هذه الفكرة لها قصة في حياتي.. يوماً ما وأنا في مطار إحدى الدول تابعني شخص.. انتظرته وهو قادم نحوي فبادرني قائلاً: أنت أصالة؟ قلت نعم. قال: اتق الله!! وتركني وذهب.. فأصابتني هذه الجملة بصدمة، وتساءلت بيني وبين نفسي: إلى هذا الحد صورة الفنان سيئة في أذهان الناس؟ وسألت زوجي: لماذا يعتقد الناس أننا لسنا أتقياء؟ ومن أين أتت القناعة لهذا الرجل بأنني لا أعرف الله؟ برغم أن الله يعلم وحده ما بيني وبينه ويعلم أني أتقيه وأخشاه في كل حين ولا أتوانى عن ذكره وقراءة القرآن وحمده وشكره ... ومن ذلك الوقت أخذت عهداً على نفسي أن أتحمل مسؤولية تحسين تلك الصورة السيئة عن الفن والفنانين لدى الناس. وعندما سألتها مجلة (الإذاعة والتلفزيون) عن الأمومة قالت: أعترف بأنني أم مخفقة جداً، وهذا يؤرّقني ويعذّب وجداني، لأنني لا أستطيع أن أعطي أولادي حقهم ... ولكن ما يواسيني هو ¬

(¬1) مجلة الشبكة العدد 2296.

الفن حرام في رمضان فقط

أنني أشعر بأن كل أطفال الدنيا أولادي!! (¬1) . الفنّ حرام في رمضان فقط! الفنانة الراقصة (فيفي عبده) تقوم خلال شهر رمضان الكريم بتجميد كل أنشطتها الفنية وتقضي كل وقتها في العبادة والصلاة وتأدية الواجبات الدينية والعائلية ... ولكن ماذا بعد رمضان؟! إن هذا التناقض واقع عند كثير من أهل الفن، مما يدل على شعورهم الباطن باكتسابهم الآثام بفنهم، ومحاولة التخلص منها في موسم الخير رمضان. جنازة ورقصة! سألت (مجلة الفن) الراقصة (دينا) : ما الصورة التي تتمنين على ذاكرتك أن تنساها؟. قالت: صورة وفاة خطيبي عندما كنت في فرقة الفنون الشعبية، فقد توجّهت في الصباح لحضور جنازته، وفي المساء وقفت لأرقص. منكم.. وإليكم: كثيراً ما يحدث أن يشبّ الأولاد على ما كان عليه الآباء، على ما قيل: وينشأ ناشئ الفتيان فينا ... على ما كان عوّده أبوه ولأهل الفن في هذا أصالة وعراقة.. عمرها 14 سنة، إنها ابنة فنان كوميدي وأمها فنانة ساطعة في عالم الفن، دخل الأب الفنان الشقة فوجد ابنته تتحدث بالهاتف مع شاب وتقول له كلاماً أكبر منها بكثير، كلاماً لا يخلو من الغزل ¬

(¬1) مجلة الإذاعة والتلفزيون، العدد 4312.

الفضائح منشورة

والغرام واللقاء، وقف الكوميدي حزيناً على ابنته وفكّر في أن يترك الفن كلّه من أجل ابنته لأنها تحتاج إلى مراقبة!! (¬1) . الفضائح منشورة: استطاعت الفنانة (شريهان) إقناع السيدة (اعتماد) بالتوقّف عن الكتابة في نشر الفضائح، حيث أصدرت (اعتماد) كتابين تفضح فيهما أهل الفن وبعض المسؤولين، وكانت مستعدة لإصدار الكتاب الثالث والذي يحوي فضائح سرية عن أهل الفن، وبمجرد الإعلان عن هذا الكتاب ثارت عواصف الغضب والاستنكار من الوسط الفني الآسن، فسارعت الفنانة (شريهان) لتقنع الكاتبة صاحبة الأسرار بعدم نشر كتابها، فهذا الوسط الفني فيه من الفضائح ما فيه (¬2) . صراخ بعد سهر: مخرج تلفزيوني يُكتب اسمه على شاشات التلفزة بأجمل الألوان والخطوط، وكأنه من أكابر القوم، فوجئ المحيطون به يصرخ: أين الفنانة فلانة لقد تأخرت كثيراً، وصار يتوعّد بالنقصان من مستحقّاتها و ... و ... ولما دخلت الفنانة القديرة بدلعها لم يتفوه بكلمة بل قالت له: لا تتكلم حتى لا أكشف المستور، ألم تكن ساهراً معي حتى طلوع الفجر، فامتقع لونه وصار باهتاً جداً (¬3) . سادساً: اعترافات واتهامات: قد يصعب على المرء أن يتكلم عن نفسه وعن هفواته، ولكنه في لحظة ضعف أو - بالأحرى - في لحظة تعقل قد يتفوّه بما يعبّر عن ¬

(¬1) مجلة خلود، العدد 237. (¬2) مجلة الشبكة، بتصرّف. (¬3) مجلة خلود، العدد 237.

مأساته النفسية التي يعاني منها، أو عن الحقيقة المرّة التي يحاول التستر عليها. وهناك الكثير من الفنانين الذين تكلموا بإنصاف وبتعقل، فجاءت أقوالهم شاهداً حياً على مآسي أهل الفن ومخازيهم، فماذا قالوا؟ * ... المخرج العالمي مصطفى العقاد: أؤكد أن بعض المخرجين العرب قد شاركوا اليهود في السخرية من الحضارة العربية. ويقول أيضاً متهماً المخرج يوسف شاهين: إن يوسف شاهين قد أساء للإسلام (¬1) . * ... المطرب علي الحجار: الوسط الفني مملوء بأحوال غريبة وأهواء ودوافع شخصية (¬2) . * ... الكوميدي سمير غانم: يعترف بأن له ثلاثمائة فيلم هايف (أي سخيف) (¬3) . * ... الممثلة رغدة: مطلوب طبيب لكل فنان حتى يعيده إلى توازنه النفسي، ولذلك فإن نجوم الخارج (أوروبا وأمريكا) لكل منهم طبيب نفسي يتابعه دائماً (¬4) . * ... المطربة نجاح سلام: أصبح الفن اليوم تجارة وخلاعة، إن كثيراً من المعروض في السوق يسمم أفكار الناس وكأن ¬

(¬1) مجلة فواصل، العدد 69. ويذكر هنا أن العقّاد قد لاقى حتفه مع ابنته مؤخرًا في تفجير ارتكبته أيد آثمة في أحد الفنادق الكبرى بعمّان - رحمه الله وابنتَه - وهو من خدم الإسلام بفيلمين يعدّا بحقٍّ من روائع إخراجات السينما العالمية: الرسالة، وعمر المختار. (¬2) مجلة نادين. (¬3) مجلة المجتمع، العدد 913. (¬4) مخاطر دولة الفنانين وسنوات الوهم، صابر شوكت، مرجع سابق، ص 190.

أصحابه مأجورون لإفساد الناس (¬1) . * ... الممثلة وفاء عامر: أتمنى الزواج من رجل صالح ومتدين ويتقي ربه حتى ولو كان فقيراً (¬2) . * ... الممثلة دلال عبد العزيز: الوسط الفني مملوء بالانحراف والتسيّب (¬3) . * ... المطرب إيمان البحر درويش: عندما أمنع أبنائي عن هذه المعاناة فلا يصح أن يلومني أحد، ولا أحبذ أن يدخل أبنائي المجال الفني (¬4) . * ... كمال الشيخ: إن الأفلام التي أنتجت عن المخدرات لم تسهم في حل المشكلة بل على العكس من ذلك تماماً، لقد أسهمت في انتشارها (¬5) . ¬

(¬1) مجلة أبعاد، العدد 4. (¬2) مجلة نورا، العدد 951. (¬3) مجلة المجالس، العدد 1309. (¬4) مجلة (الإذاعة والتلفزيون) . (¬5) جريدة أكتوبر، العدد 789.

الفصل السابع توبة واعتراف وندم

الفصل السابع توبة واعتراف وندم لا شيء يفوق روعة توبة المسلم من ذنب ارتكبه، وكم يكون مكرماً إذا ما اعترف بذنبه أو بتقصيره في حق الله تعالى، وما أجلّ أن يتغلغل نور الهداية الربانية إلى قلبه، فيجلو ذلك القلب من صدأ المعصية، ويصقله بحب الله وذكره وطاعته. إن التوبة ما هي إلا رجوع إلى الفطرة التي فطر الله الناس عليها، وأوبة إلى الاستقامة، ونبذ لكل أدران الجاهلية العمياء وما فيها من سلوكيات خاطئة وأفكار منحرفة. لقد قوي هذا المسلم على نفسه وعلى شيطانه عندما تحرر من قيودهما، لينطلق بعدها في قبسات نورانية وليحلق في معانٍ إيمانية متجددة، وليرتقي في مراقي الفلاح والحسنات. وعندما يكون التائب فناناً أو فنانة، فإننا نلحظ الإرادة الفطرية الفاعلة الناشطة، وقد تغلبت على الشهوات والأنانيات والمال والمتاع، وانتصرت على كل الإغراءات الشيطانية الشريرة التي ترمي إلى تثبيت جذور الباطل وزلزلة الحق. وعندما يدرك أحدنا خطورة هذا الصراع، فإنه يدرك عندئذ كم عانى الفنانون والفنانات وهم في طريقهم للخروج من مراتع الفسق والضلال ومراحل الأزمات التي صاحبتهم، وبراثن التحديات التي واجهتهم، ليكونوا في عداد الناجين إن شاء الله.

(1) شمس البارودي

إنه عنفوان الفطرة وثورة الإيمان الكامن في الأعماق وتوفيق الله تعالى في أولاها وأخراها، والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم. ولعلنا في هذا المقام نستعرض مقتطفات من حياة بعض التائبين والتائبات من أهل الفن وليس لنا هدف إلا تمثل العبرة ومراجعة الذات وكشف النقاب عن ذلك الوسط الفني وهمومه. وسأقدم لك أخي القارئ مجموعة من الصراعات والتحولات التي يتعرض لها أهل الفن وهم في طريقهم إلى الرحمن الرحيم، وذلك من خلال رحلة التائبات بعد صراعات مريرة، متأرجحات بين صرخات الإيمان والضمير وبين ضلالات الشياطين. (1) شمس البارودي (¬1) : إنها أول من خرج من الظلمات إلى النور، وأول من لامس النور قلبه، هي أول من مَلَك القرآن الكريم كيانه، حتى إنها قد دمعت عيناها من خشية الله. تلك هي الشمس التي أشرقت على أهل الفن، وأنارت لهن طريق التوبة، وهي التي برهنت على أن باب التوبة مفتوح دائماً وبأن التوبة قريبة من كل إنسان. هي التي أعطت المثل الطيب في فن التوبة والثبات على درب الهدى، لقد أبدت الأخت شمس تحدياً للباطل ذكّرنا بأصالة المسلم، وصبره على المحن والبلايا. لقد بعثت في نفوسنا مواجهة الباطل بكل غروره وتطاوله. ¬

(¬1) التائبون إلى الله، إبراهيم الحازمي، دار الشريف، الرياض، 1418هـ - 1998م، ج1، ص208 بتصرّف.

أغراها الفن: كانت تصلي في بداية نشأتها، ولكن بدون انتظام فتقترب من النور وتبتعد، درست الدين في المدرسة، لكن المقرّر لم يكن مهماً كبقية المواد الدراسية. دخلت معهد الغفران ولم تكمل دراستها فيه فقد أغراها التمثيل ببريقه حيث الشهرة والأزياء ... شعرت بأنها دُفِعت إليه دفعاً، فلم يكن الفنّ حلمها ولا أملها وكانت تشعر بأن في أعماقها ما يجعلها ترفض هذا العمل. لقد شعرت بأن جمالها هو الشيء الوحيد الذي يستغل في عملها الفني، ولذلك أبت أن تستغل من أجل جمالها فقط، فرفضت الكثير من الأدوار التي تلح على إبراز جمالها الذي وهبه الله لها. وتحولت بعد ذلك لتمثل مع زوجها الأستاذ والفنان التائب حسن يوسف أدواراً أقرب لنفسها فأعطت بعداً أكبر لموهبتها. محطات على الطريق: وأخذت في هذه الفترة تواظب على أداء الصلوات الخمس، والصلاة لا ريب في أنها تنهى عن الفحشاء والمنكر، فبدأت عندئذ تشعر برغبة في ارتداء الحجاب وتحركت بوادر الخير في نفسها، ولكن المحيطين بها حاولوا ثنيها باستمرار عن ذلك، إنهم شياطين الإنس. كانت تقرأ كتب سارتر وبرجون وفرويد وغيرهم، فقد ملأت مكتبتها بأمثال هذه الكتب، ثمّ تركت هذه المطالعات دون سبب ظاهر وانكبّت على تلاوة كتاب الله وما أعظمه وأجلّه من كتاب.

ثم رغبت بعدها في أداء العمرة وتحقّق لها ذلك سنة 1982م، (1402هـ) وذلك بعد عودتها من باريس - مدينة الأزياء الراقية - حيث اشترت الكثير منها، وعند وصولها إلى حرم المسجد النبوي الشريف بدأت الغشاوة تنحسر عن قلبها فعكفت، على كتاب الله تتلوه آناء الليل وأطراف النهار أملاً في إنهاء ختمة في الحرمين الشريفين، لكنها كانت تقرأ بلا فهم وكأن أحداً يمنعها منه. سألتها مرافقات لها هل ستتحجبين؟ فردّت: لا أعرف وهذا يعود لزوجي. لم يتبدّد الظلام بعد ولكن نهايته كانت قد أوشكت. وتؤدي شمس العمرة عن أختها المتوفاة رحمها الله تعالى، وبعد أداء العمرة لم تنم تلك الليلة، وشعرت بضيق رهيب في صدرها، وكأنما روحها تصَّعَّد في السماء من ثقل الخطايا والأوزار التي كادت أن تخنقها. إن مباهج الدنيا التي تمتعت بها، صارت سلاسل تطوّق قلبها، إنها إرهاصات نهاية تلك الرحلة المظلمة: رحلة البعد عن الله. دموع التوبة: طلبت شمس من والدها أن يصحبها إلى الحرم: مأوى الأفئدة الباحثة عن الهدى، وبدأت الطواف وقبّلت الحجر الأسود حجر الجنة ولسانها يلهج بالدعاء ... اللهم قوِّ إيماني وثبتني على الحق، وتنهمر دموعها نديّة صادقة من عيون تتطلع إلى رحمة الرحمن، وتبكي وتبكي بصمت دون انقطاع فهي لحظة وداع للغفلة ولقاء مع الهدى. وتقرأ الفاتحة في صلاتها خلف مقام إبراهيم عليه السلام، وكأنها تقرؤها أول مرّة، وقد شعرت بجلالها: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ

(2) حسن يوسف

نَسْتَعِينُ *اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} ، آيات بديعات تهز كيان شمس، وتُشهِد الحجر على توبتها. وما إن حان أذان الفجر حتى أصبحت إنسانة أخرى، فقد استضاء قلبها بالإيمان وامتد شعاعه إلى جوارحها ليتجلى الحياء عندها بكل معانيه، وتتجسد الحشمة لديها بكل طهارتها، وتحتجب شمس عن الظلام وتسطع في طريق الهدى وفي حبّ الله تعالى. وماذا بعد التوبة؟ وتلازم شمس طلب العلم ومجالسة الداعيات الطاهرات، وتتسع بعدها دائرة ثقافتها الدينية والدَّعوية، وهذا ما سهّل عليها القيام بأعباء الدعوة إلى الله حيث كانت تعقد لقاءات دورية للفنانات التائبات والفتيات الملازمات لها في عدد من المساجد. وكتبت كتاباً تحكي فيه قصة هداية الله لها. سمَّتْه (رحلتي من الظلمات إلى النور) . (2) حسن يوسف (¬1) : ويتقلب حسن في زهوٍ بين المال والشهرة، ويتمتع بزهرة من الحياة الدنيا ... فهو رائد من رواد الفن، عرف بأدواره الشقيّة، حبّ ... معاكسات ... مطاردات شبابية ... وكل هذه الأدوار لا تنمّ عن شخصيته المتزنة الوديعة. ويشاء الله سبحانه وتعالى أن يُدعى لأداء العمرة ممن أراد له الخير. لقاء النور: ويزور حسن حرم المسجد النبوي الشريف، يدخله في وقت ¬

(¬1) من محاضرة ألقاها حسن يوسف، تسجيلات الدعوة بالرياض.

العشاء، ويقلب ناظرَيْه هنا وهناك بانتباه شديد لما يرى ... إنه يرى البهاء والجلال، يرى الوجوه النيّرة. ويجلس حسن إلى جانب شيخ مهيب ذي لحية بيضاء، يشتغل بذكر الله تعالى، ويتضرع إليه، ولم يلتفت ذلك الشيخ إلى حسن ... وتقام الصلاة ... حي على الصلاة ... حي على الفلاح ويصلي حسن مع المسلمين.... ولكن ماذا بعد الصلاة؟ ينظر الشيخ إلى حسن فيعرفه ويستغرب وجوده بجانبه ... وينطق لسان الشيخ ويقول.. يقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ... مَنِ الشيطان؟ مَنِ الرجيم؟ وتدخل تلك الكلمات أذن حسن كالسهم المحمي، ويمسك بالشيخ قائلاً: هل أنا شيطان؟ هل تعرفني؟ ويقول الشيخ: رأيتك في بعض أعمالك تعلم الشباب الشقاوة ... أنت تأكل من حرام وتشرب من حرام وتلبس من حرام. وتبدأ علاقة حسن بالشيخ، ويصير للشيخ مثل ظله لا يفارقه إلا خارج المسجد، ينهل من حكمته ونُصحه. متى القرار؟ وهنا يجد حسن نفسه أمام الأمر الواقع، أيستمر في أكل الحرام أم ماذا يعمل؟ ويستمر في عمله الفني بعد العمرة، فالقرار صعب، فهو مصدر رزقه ورزق أولاده. ويتابع أعماله الفنية، وتتدخل زوجته العفيفة شمس البارودي لتضيء في وجهه ومضات من نور ... ماذا تمثل؟ ولمن تمثل؟ تمثل مع الفنانة فلانة وتعصي الله ... ودبت بعدها كراهية هذا العمل في نفسه.

(3) شادية

فصار حسن يتصور نفسه وكأنه يسير إلى حبل المشنقة، كلما همّ بتصوير مشهد تمثيلي، أو كأنه ينتظر حكم قاضٍ قد اعتلى منصة المحكمة، ليصدر عليه حكماً بإعدامه. اتخاذ القرار: ويجلس بعدها مع الشيخ الشعراوي رحمه الله، يأخذ من فيض علمه وحكمته فيقول له: عليك يا حسن بأن تستغل موهبتك فيما يرضي الله وينفع الناس، ويتخذ حسن القرار الذي لا رجعة عنه ... قرار التوبة والخروج من متاهات الفن وضلالاته. وتهدأ نفس الأخ حسن وتقرّ عينه، بعد أن كانت لا تنام إلا بالمهدئات، فهنيئاً له هذه العودة الحميدة، ويتوب الله على من تاب. وماذا بعد التوبة: ويأخذ حسن على عاتقه خدمة الدعوة الإسلامية، فصار يلقي محاضراتٍ هنا وهناك، يحذر الشباب فيها من الأفلام وأشرطة الفيديو، فقد توصّل - بعد دراسة مستفيضة - إلى أن من وراء هذه الأفلام والمسلسلات التي تقدّم للناس، مخططاً مرسوماً لتخريب عقول الشباب ودعوةً إلى انحرافهم. فنصح الشباب بعدم مشاهدة هذه الأعمال المفسدة. وأخذ يقدّم أعمالاً متميزة ملتزمة للأطفال وللشباب فقدم مسلسل (مشرق النور) و (جند الخير) و (قطار المستغفرين) . (3) شادية (فاطمة) : كانت تعيش حياتها جارية وراء اللهو والعبث، وراء سراب الفن، ووصلت إلى كل ما تحلم به من شهرة وتألق فني ومال

وسياحة، لكنها عاشت حياة القلق والاضطراب إلى أن رأت النور والهداية. ماذا تعرف عن شادية؟ إنها فاطمة كمال شاكر من مواليد مصر 1931م، لم تكمل تعليمها لكنها تجيد اللغتين التركية والإنجليزية، إضافة طبعاً إلى العربية. تزوجت أكثر من مرة، ففي المرة الأولى عماد حمدي، وفي الثانية عزيز فتحي، وفي الثالثة صلاح ذو الفقار (¬1) . قدمت خلال طريقها الفني الذي دام 40 عاماً (180) فيلماً و (900) أغنية، ومسرحيةً واحدة. وصلت شادية إلى القمة وكانت (مرحة الشاشة العربية) ، بل ولُقِّبت في أحد أفلامها بـ (معبودة الجماهير) ، واطوّفت بأرجاء المعمورة، فزارت بلاد العالم بأسرها ما خلا روسيا. رحلة التوبة (¬2) : هذه رحلة شادية كما ترويها لجريدة "المسلمون": ذات ليلة- قبل عشر سنوات- بدأت الفكرة تسيطر على عقلي، وبدأت أحاسيسي كلها تستيقظ وتطالبني بالنجاة.. وأنا أمضي في طريقي مفتونة بأنين داخلي يتردد في كل جوارحي ... فكرة الاعتزال ملأت قلبي وعقلي.. وبدأت رغبتي في الصلاة تزداد بشكل منتظم. ¬

(¬1) موسوعة الممثل في السينما المصرية (1927 - 1977م) ، محمود قاسم ويعقوب وهبي، دار الأمين، القاهرة، 1417هـ - 1997م، ص183. (¬2) التائبون إلى الله، إبراهيم الحازمي، مرجع سابق، ج3 ص 67-68 بتصرّف.

لا بد من العودة ولا بد من النجاة ... هذه رغبة أبي وأمي برغم أنهما يخفيانها عني ... هذه رغبتي الحقيقية والكامنة داخلي، لماذا لا أعود؟ وحين انتهى اليوم الأول من عرض مسرحية (ريّا وسكينة) ، وعدت إلى منزلي، دخلت حجرتي مسرعة، واستيقظت أمي على صوت أنين ونحيب، وقد استمر أنيني ونحيبي حتى أعلن المؤذن (الصلاة خير من النوم) . الفجر الجميل: وكنت في كل ليلة أعود فيها إلى المنزل أسارع إلى الصلاة وأبدأ في قراءة القرآن الكريم انتظاراً للموعد الجميل مع الفجر، وكنت في كل ليلة أبكي بشدة، تسألني أمي عن السبب؟ فلا أجيب لأنني لا أعرف ماذا يحدث، وفي ذات ليلة استحلفتني أمي أن أخبرها عن سبب بكائي، فخرجت مني جملة واحدة، لا أدري كيف خرجت، جملة لن أنساها طوال حياتي قلت لها: (عايزة أحج) ، ضمتني أمي إلى صدرها وسمعتني وأنا أدعو الله قائلة: (يا رب أحج) . قرار الاعتزال: قررت بعدها الاعتزال والذهاب على الفور إلى بيت الله الحرام بمكة المكرمة لتأدية العمرة. لا أتذكر عناوين أغنياتي: كنت أنوي - منذ سنوات بعيدة - إجراء عملية جراحية، وكنت أقوم بتأجيلها في كل عام، لكنني في هذه المرة قررت أن أسافر إلى أمريكا لإجراء هذه العملية، وطوال وجودي في أمريكا كنت أصلي، وفوجئت بمقدرة عجيبة لدي على حفظ آيات الله بسهولة ويسر. شعرت بعدها بأنني أزحت من فوق أكتافي هموماً وأحزاناً علقت

بي سنوات طوالاً، شعرت بحلاوة التوبة، وروعة الإيمان بالله، صرت أحفظ الآيات بسهولة ويسر، وفي الوقت نفسه لا أتذكر شيئاً من ماضيّ الفنيّ، حتى عناوين الأغاني التي كنت أرددها وأحفظها عشرات المرات!! أصبحت إنسانة أخرى، لقد دخل الإيمان في قلبي وغمرني تماماً، استغرقت العملية اثنتي عشرة ساعة، كنت قبلها وفي أثنائها في منتهى السعادة؛ هدوء واطمئنان وراحة لم أشعر بمثلها طوال حياتي ... انتهت العملية وعدت إلى مصر، ثم ذهبت إلى مكة المكرمة ودخلت بيت الله الحرام ومتعت عينيّ برؤية الكعبة المشرفة وارتويت من زمزم وبدأت رحلة إيماني. نسيت أنني فنانة: أقسم لكم أنني نسيت بعدها عملي، نسيت كل الأغاني والأفلام، نسيت كل شيء يربطني بحياتي الفنية، انتهت رحلة الضياع وبدأت رحلة الإيمان. لكم أن تتخيلوا إنسانة لها أربعون سنة من العمل المتواصل في مجال الفن ثم تنسى بعد هذه الحقبة المتطاولة كل أغانيها وأفلامها، لقد نسيتُ حتى ما كنت أعمل! نفحة إلهية: وجئت من العمرة، وراودوني مراراً كي أعود إلى المسرح فرفضت بشدة، وكانت العروض الفنية تُعدّ بالمئات ولكنني اتخذت القرار، مع أني لم أمانع من أداء أغنية دينية. وتصف لنا مشاعرها بعد أداء الأغنية فتقول:

بالرغم من فرحة الناس بالأغنية لأنها دينية وتدعو إلى قيم أخلاقية، فقد شعرت بعدها بالقلق والتوتر والرغبة الشديدة في العودة إلى مكة المكرمة مرة ثانية لتأدية العمرة. وجاءت نفحة إلهية أخرى تمثلت في عدم مقدرتي على حفظ أي أغنية دينية جديدة، وانصرفت للترتيب لبداية رحلتي الإيمانية وارتديت الحجاب. نصيحة الشيخ الشعراوي: واتصلت شادية بالشيخ الشعراوي رحمه الله تعالى ليأخذ بيدها إلى التزام طريق النور. وقال الشيخ نصيحته: اسمعي يا ابنتي سيقابلك الناس بوجوه مختلفة، سيغيظونك بالكلمات تلميحاً أو تصريحاً، وبعضهم سيحاول تذكيرك بعملك وجذبك إليه مرة أخرى، كل هؤلاء أصدقاء الشيطان، لا تلتفتي إليهم، ولا تعيريهم اهتماماً، ولكن هناك آخرين - وهم الأغلبية بإذن الله تعالى - سيفرحون وسيفرحون لك. وتحققت توقعات الشيخ الناصح، وكنت سعيدة تماماً وفرحتي أكبر من أعمالي كلها، التي قالوا عنها أمجاداً. أنا الآن في قمة السعادة، وأتمنى لكم أن تشعروا بها، والتحقت شادية (فاطمة) بركب التائبات، غفر الله لها. من أقوالها: - ... خلال رحلة العمر الطويلة زرت جميع بلاد العالم ما عدا روسيا، وبالرغم من ذلك فإنني لم أجد أعظم من مكة المكرمة والمدينة المنورة فقد ملكَتَا كياني، حتى أصبح حبهما يجري في دمي.

(4) مديحة كامل

- ... إن كل الأعمال التي يسميها بعض الناس أمجاداً لا تساوي شيئاً أمام عمل واحد أرضيت فيه ربي سبحانه وتعالى. - ... أقول للفنانين والفنانات: حاولوا دائماً ألا تقعوا ضحية لبريق الشهرة وتنسوا تماماً ذلك اليوم الذي ستأتون فيه مجردين من الألقاب، ومن كل شيء. وماذا بعد التوبة؟ انطلقت فاطمة تشق طريقها بعد ذلك في العمل الصالح وحضور مجالس العلم والإيمان في مسجد الدكتور مصطفى محمود، ودعتها هذه التوبة إلى القيام ببعض الأعمال الخيرية منها: (1) مساعدة الفقراء. (2) التبرع ببناء مسجد ومستوصف ومجمع خيري. (3) إقامة مدرسة لتحفيظ القرآن الكريم. (4) عمل مونتاج لأشرطة (كاسيت) تحتوي على تلاوة مرتلة للقرآن الكريم كاملاً مع تفسيره باللغة الإنجليزية، ومن ثَمّ توزيعه على المراكز الإسلامية. تقبّل الله توبتها وغفر لها وأدخلها الجنة. (4) مديحة كامل (¬1) : عَلَم من أعلام الفن في مصر، أمضت خمسة وعشرين عاماً في الفن، ومرت بكثير من مراحل الإحباط والتقلب، حتى في حياتها الأسرية، ولم يُعرف عنها إلا زواج واحد من مساعد مخرج يدعى شريف حمودة. ¬

(¬1) المسلمون، العدد 375 بتصرّف.

البنت الصالحة: وقد عُرف عن مديحة تصوير المشاهد الساخنة الجريئة، كما فعلت في فيلمها الأخير (المزاج) الذي اشتهر بمشاهده الفاضحة، وما إن وصلت تعليقات الناس إلى مسامع (ميرهان) الابنة المحجبة المثقفة لمديحة حتى انطلقت إلى أمها غاضبةً معاتبة. وصارت الابنة تتودد مراراً إلى أمها وتدعوها إلى نبذ الجاهلية بما فيها من إسفاف وانحراف. دخلت الأم بعدها في حالة التفكير ومراجعة الذات. ويشاء الله عزّ وجلّ أن ينتقل أخوها الأصغر الذي لم تتجاوز سنه العشرين من العمر إلى الدار الآخرة، وكان لهذا الحدث أثره البالغ في حياة مديحة. ثم تدخل والدتها المستشفى لترقد في العناية المركزة مدة شهرين متتابعين ليكون هذا الحدث محطة تأمل وأمل. ويدخل شهر الخير والرحمة (شهر رمضان المبارك) لتجد مديحة فيه واحة من الطمأنينة والسكينة، وتحاول ابنتها إسماعها آيات من الذكر الحكيم لتكون انطلاقة في درب النور، وتستجيب مديحة لرغبة ابنتها، ويحتدم الصراع الداخلي، وتستمر (ميرهان) في أداء رسالتها لإخراج والدتها من مستنقع الفن الآسن. مجلس الإيمان: أقنعت ميرهان والدتها بالذهاب إلى مسجد الدكتور مصطفى محمود، حيث التائبات من أهل الفن، وحيث النور ومجالس الإيمان، وتدخل المسجد واضعة على رأسها تاج الحشمة والحياء

وتفاجأ الحاضرات بمديحة كامل صاحبة الأفلام الساخنة تدخل عليهن تريد التوبة، تريد الآخرة، فيكبّرن فَرِحاتٍ برحمة الله أكبر ... الله أكبر، تكبيراً يُؤذِنُ بنجاة فنانة أمضت عشرات السنين في تِيه الفن. اعتذار: وتعتذر مديحة كامل عن كل الأدوار والعقود الفنية وتعلن اعتزالها وتوبتها. ويبدأ الساقطون من أهل الفن بعرض إغراءاتهم على طبق من ذهب لثنيها عن السير في طريق الحق، ولكن ماذا تجدي كل الإغراءات مع مَنْ عرفت الإيمان وذاقت حلاوته. وماذا بعد التوبة: تفرّغت مديحة بعدها للعبادة وكان لها أداء متميّز في تلاوة كتاب الله، وتعمقت في الفقه، وانطلقت تدعو لفهم الإسلام وتحكي تجربتها وآلامها. وصارت تسعى لخدمة المحتاجين، وشاركت بالمشروعات الخيرية، وأدت الحج ثلاث مرات. رحلَتْ تائبةً صائمة: لقد قررت أن تقضي عمرها في التقرب إلى الله وأن تكون من إمائه الصالحات، ومع حلول شهر رمضان المبارك، شهر الرحمة والمغفرة، تستيقظ مديحة على أذان الفجر فتنوي الصيام وتتوضأ وتصلي وتقرأ ما تيسر لها من كتاب الله، ثم تنام نومتها الأخيرة وترحل إلى الدار الآخرة بسبب هبوط في الدورة الدموية. لقد رحلت إلى ربها تائبة صائمة، غفر الله لها وأدخلها فسيح جنته.

(5) نورا

(5) نورا (¬1) : استمر النور الرباني يتغلغل ويمتد حتى لامس شَغاف قلوبٍ تشبّعت بالجاهلية والضياع. وعادت نورا، واسمها الحقيقي "شاهيناز قدري"، عادت إلى طريق الله الحق، عن عقيدة وإيمان فليس في الفن ما يغري، بدأت نورا تقترب من التوبة منذ أن كانت تمثل دورها في مسلسل (بنات زينب) . ماذا تقول عن رحلتها الإيمانية، تقول شاهيناز: إنها لحظة كانت من أعظم لحظات حياتي، عدت فيها من غربتي، وولدت فيها من جديد حينما ذهبت مع صديقة لي لمقابلة عالم جليل، وكان من المقرّر أن يمتد اللقاء مدة ساعة، لكنه امتد ساعات سمعت فيها- مع غيري من المسلمين والمسلمات- ما لم أسمعه من قبل ... وارتعدت فرائصي واهتزّ كياني وأنا أسمع كلمات الشيخ عن الإسلام والمعصية والتوبة، والطريق الخطأ والطريق الصواب، فعدت مع صديقتي إلى منزلي وأنا أرتعش، وأحسست بزلزال رهيب في أنحاء جسمي ... وفي اليوم الثاني - على الفور- توجهت إلى مسجد الدكتور مصطفى محمود حيث الداعية الكبيرة شمس البارودي، وهناء ثروت، وجلست أقرأ القرآن وأتفقه في دين الله والسنة المطهرة، وداومت على ذلك بصفة مستمرة ودون انقطاع. وفي لحظة روحانية قررت وحسمت أمري بأن أكون مسلمة مؤمنة تائبة إلى ربها، وأن أقطع كل صلتي بالتمثيل. ¬

(¬1) التائبون إلى الله، إبراهيم الحازمي، مرجع سابق، ج1 ص 149 بتصرّف.

وتخلّصت - والحمد لله- من كل ارتباطاتي الفنية مع المخرجين والمنتجين وكل ما يتعلق بالفن بلا رجعة، فمن يعرف طريق الله فلن يجد له بديلاً. رمضان بعد التوبة: في أول رمضان تعيشه شاهيناز بعد التوبة تقول: أحس -والحمد لله - بالاستقرار النفسي والراحة الذهنية، بعيداً عن جو الفنّ، وبرنامجي الأساسي في رمضان هو القيام بدوري الأسري وقراءة وِِِِِِِِِِِِِرْد ثابت من القرآن أو سماعه بصوت الشيخ الحصري يرحمه الله. كما ألتقي مع أخواتي من الفنانات الملتزمات، وأتمنى أن أوفّق في أداء العمرة في العشر الأواخر من الشهر المبارك. أقوالها بعد التوبة: تقول شاهيناز في ردّها على الشبهة التي يثيرها بعضهم، وهي أن توبة الفنانين تكون نتيجة لتهديد من جهات ما: أنا عن نفسي رجعت إلى الله وتبت وندمت خوفاً منه - سبحانه - واقتناعاً بما أفعل وليس خوفاً من تهديد أحد مطلقاً، ولا يخفى علينا نحن جميعاً الحملة المسعورة لهذه الأقلام المشبوهة التي تخشى الإسلام. وإجابة عن سؤال متعلقٍ بواقع تجربتها الفنية، وهل الفن بما هو عليه الآن حرام؟! قالت: إن الفن - والله تعالى أعلم - بالنسبة للنساء حرام؛ حرام لأن المرأة عورة، وفنّ هذه الأيام فنّ مبتذل فيه إسفاف ... ولن يكون رسالة مطلقاً ... فهو بعيد كل البعد عن الإسلام.

(6) هالة الصافي

(6) هالة الصافي: من عالم الصَّخب إلى عالم السكينة، ومن عالم الفساد إلى عالم التقوى والاحتشام. هكذا انتقلت (هالة الصافي) إلى عالمها الجديد حيث التقوى والعمل الصالح، وتبرّأت من كل سنواتها الفنّية وكرهتها حتى اسمها الفنّي (هالة) وعادت إلى اسمها (سهير حسن عابدين) . كانت من ألمع نجوم الرقص الشرقي في مصر، فصارت من ألمع نجوم التوبة والعفة في العالم الإسلامي كلّه. إلى طريق التوبة (¬1) : كانت سهير تدرك بأن طريقها محفوف بالأخطاء بل هو الخطأ بعينه، تريد أن تشعر بالندم وتتوب، ولكن الأبواب تبقى مغلقة بلا إرادة أو عزيمة، حتى جاء أمرالله. عادت من عملها قبل فجر يوم الجمعة، مضطربة، تبحث عن الطمأنينة والسكينة. توضأت وصلّت ركعتين لله، ودعت الله بأن يهديها ويتوب عليها، ونامت قبل الفجر، فرأت فيما يرى النائم أنها تجري في شارع شبه عارية، ثم وصلت إلى مسجد كبير فرأت الكعبة من بعد ... كيف تصل إليها وهي بملابس غير محتشمة. رأت رجلاً ذا هيبة ووقار يجثو على ركبتيه ... أشار إليها بالدخول فدخلت وأمرها بالصلاة، ولكن كيف تصلي وهي بملابسها تلك، ¬

(¬1) الأسرة، العدد77 ص 60-62 بتصرّف.

خلع عباءته وسترها بها وصلّت لله خاشعة ... وماذا بعد الصلاة ... ناولته العباءة فلم يأخذها، وطلب منها ألاّ تخلعها أبداً. ثم سألت الحاضرين معها من هذا الرجل؟ فأجابوها: إنه رسول الله صلى الله عليه وسلم. استيقظت تبكي ... وتبكي، وحانت صلاة الفجر، فصلّت وقرأت القرآن.. وهنا أعلنت التوبة لله وتركت وراءها سنوات الخطيئة، سنوات كلها خديعة وسراب. ونزلت من بيتها محجّبة إلى مسجد المغفرة المجاور لأداء صلاة الجمعة، وسط فرحة الأهل والجيران. لن أبيع توبتي: وبعد التوبة انهالت العروض الفنية، للعمل داخل البلاد وخارجها، بمبالغ خيالية، إنها إغراءات شيطانية تريد منها العودة إلى مراتع السوء، وقد كانت سهير مقتنعة تماماً بأن ذلك هو اختبار لصدقها مع ربها. أقوالها بعد التوبة: - ... الرقص حرام ... حرام ... حرام. - ... الفن بشكله الحالي ليس فيه ما يفيد الناس أو يخدم قضايا الوطن والأمة الإسلامية، هذا بالإضافة إلى كونه يشيع الفساد والرذيلة. - ... المرأة لها المنزل والأمومة، أما الرجل فله العمل خارج المنزل، فإذا كان لا بد من ممارسة المرأة لعمل مشروع، فلا

(7) شيماء (الشاذلي)

بد لها حينئذٍ من أن ترتدي الزيّ الإسلامي. - ... أتمنى إنشاء قناة تلفزيونية على غرار إذاعة القرآن الكريم. عملها بعد اعتزال الفن: تقوم سهير (هالة سابقاً) بحضور مجالس العلم، وقد أقامت مدرسة لتعليم مبادئ الإسلام كان لها الأثر البالغ في نفوس الناشئة. (7) شيماء (الشاذلي) (¬1) : هي أصغر فنانة تعتزل الفن، وتتوب إلى اللَّه تعالى، وترتدي الحجاب، نالت من الشهرة الشيء الكثير وهي لم تتجاوز السابعة عشرة بعدُ من عمرها، اشتركت في الكثير من الأعمال مثل مسرحية (استجواب) و (عالمكشوف) و (الغجرية) . تقول شيماء أحمد الشاذلي متحدثةً عن أسباب اعتزالها: هناك عوامل قوية جعلتني أفكر منذ فترة في ترك هذا المجال، وأهم هذه العوامل متعلق بهذا المجال نفسه كبيئة وكعاملين داخله وكطبيعة عمل، وهي تتضافر جميعها في تحويله إلى (جهنم) وكان قراري الفرار من جهنم، كنت أظن أن المسألة تحقيق هواية وأداء أعمال فنية، ولكني وجدت أن تحقيق الهواية ومواصلة السير في هذا المضمار، تحفّهما أخطار مهلكة للمرأة أو للرجل، للشاب أو للفتاة، على السواء. وكان قرار الاعتزال: هذا عالمٌ الداخل فيه مفقود والخارج منه مولود، عالم يستحيل فيه أن تحتفظ الفتاة بأخلاقها وأن تعيش حياتها الطبيعية. ¬

(¬1) مجلة الجديدة، العدد: 660.

نخبة من أقوال التائبين والتائبات

وماذا بعد الاعتزال؟ تقول شيماء: شجّعني كبار الفنانات وهنأنَنِِي على الحجاب، وعندما اتخذت قرار الحجاب كنت مرتبطة لحسن حظي بعمل للأطفال كنت أقدّمه بلا حجاب، وعندما تحدثت مع المسؤولين عن إنتاج البرنامج - وهم من أمانة الأوقاف الكويتية - وبأنني سأرتدي الحجاب ولن أستطيع الوفاء بالعقد دون حجاب رحّبوا بذلك، بل وسَعِِِدوا به. وتقول شيماء: أنا الآن متفرغة لدراستي تماماً، أقضي أوقات فراغي في قراءة القرآن وقصص الأنبياء وبعض الكتب الدينية الأخرى، وأحاول الدخول في مجال الكتابة فأسجل أفكاري وخواطري، كما أعيش كأي فتاة في كنف أسرة ترعاني وبين صديقات الدراسة، وقبل كل ذلك وبعده في كنف الله ومعيته، فمن يلجأ إليه سبحانه فلن يضيع. نخبة من أقوال التائبين والتائبات: هالة الصافي: الرقص كله فجور، وأما تسميته بالمشاعر فكذب رخيص. أحسست بالفرق الهائل بين حياتي سابقاً ولاحقاً، فقد صار لحياتي الآن قيمة ومعنى. وتقول عزة ابنة هالة: في السابق لم أكن أشعر بحنان الأمومة، فقد كانت أمي مشغولة دوماً عني بعملها في حفلات الرقص في الملاهي والفنادق، وحالياً فإنني أجد أمي معي، نصلي معاً، ونقرأ القرآن معاً، نسعى في عمل الخير معاً، فهي لي أم وأخت وصديقة، أجد عندها كل العطف

الذي أريده (¬1) . أفراح الحصري: في سراييفو رحّبوا بي بصفتي ابنة للشيخ الحصري رحمه اللَّه وليس لأنني ياسمين الخيام (¬2) . شيماء: أقول لكل فتاة تقف على باب الفن: أنت داخلة إلى حفرة من حفر جهنم لن تخرجي منها بسهولة. كنت أسأل: ماذا سأستفيد بعد كل هذه الشهرة والنجومية؟! والثمن ضياع ديني وتشويه سمعتي، وأخيراً قررت.. فليذهب الفن إلى الجحيم (¬3) . سهير البابلي: إن الفنان حين يتعب في عمله ويدعو الله بأن يوفقه في عمله هو مثل الحرامي الذي يدعو الله بالتوفيق حين يتوجه للسرقة. حسن يوسف: حينما ابتعدت عن الوسط الفني وبدأت أدرس الحركة الفنية التي تقدم هذه النوعية (الهابطة) من الأفلام أيقنت تماماً بأن وراءها مخططاً مرسوماً لتخريب عقول الشباب وإبعادهم عن الدين ودفعهم إلى الانحراف (¬4) . ¬

(¬1) الأسرة، العدد 67. (¬2) المصدر السابق. [وياسمين الخيام هو الاسم الفني لها] . (¬3) الأسرة، العدد 77. (¬4) من محاضرة، بعنوان «توبة الممثل حسن يوسف من الفن والسينما» ، تسجيلات الدعوة الإسلامية بالرياض.

رسالة العائدات إلى الله

حملات مسعورة: يريد بعض الإعلاميين إطفاء جذوة الحق والفضيلة في قلوب التائبات من الفنانات وكأنهم لا يدركون أنهم بهذا يحاربون ربّ الأرباب سبحانه وتعالى الذي أمر بالتوبة، ووعد التائبين بالمغفرة، في آيات كريمة عدة. منها قوله تعالى: {إِلاَّ مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا *} [الفُرقان: 70] . لقد تصاعدت الحرب الشرسة على صفحات بعض الجرائد والمجلات مثل «روز اليوسف» «وصباح الخير» وغيرهما، هذه المجلات التي ما زالت تفتّ في عَضُد المجتمع المسلم، هادفة في ذلك إلى استئصال الإسلام. وقد قابلت ثلة من الفنانات التائبات ذلك برسالة صدق وإصرار على الحق. تقول الرسالة (¬1) : لما كانت الحملة الشرسة الموجّهة إلينا - نحن الفنانات السابقات اللاتي اعتزلن الفن - قد ازدادت شراسة، ولما لم يبق عند بعض المغرضين إلا التعرض لنا والتقوّل علينا.. ولما كنا نحتسب أجرنا عند الله ونصبر ونترفع عن الرد، فقد جرّأ هذا الموقف بعضهم فازدادت القصص الملفقة حتى كان آخرها الادعاء بأننا قد أخذنا أجراً للطاعة، وقبضنا الملايين من أجل التخلي عن السفور والتبرج ... ؟ ولما منَّ الله علينا بالبصيرة علمنا أنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور، فلقد تركنا الدنيا بزينتها ومتعها الرخيصة الزائلة، وانشغلنا بعمارة الآخرة ... ولقد أخذنا وعداً ¬

(¬1) مجلة المجتمع، العدد 1015.

بالفعل، ولكنه وعد من رب العالمين بالجنة التي وعد بها عباده الطائعين، ومن أوفى بعهده من الله؟ ... نعم لقد تاجرنا مع الله، فربحت تجارتنا {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ} [التّوبَة: 111] ، ونحن نعلنها صراحة - ولكل من سيتقول علينا-: إننا لم نعد ولن نعود إلى ما كنا عليه أبداً بفضل الله ولو كره الكارهون.. ونحن نسأل من أغضبهم حجابنا: ما قولكم في الطبيبة والمهندسة والمحامية والطالبة وطوائف المجتمع كافة اللاتي ارتدين الحجاب وعدن إلى الله، ونسألهم ممن قبض هؤلاء ليتحجّبن؟!. اتقوا الله فعمّا قريب سوف تلقونه، وتُسألون عما كنتم تقولون ولن ندعو لكم إلا بالهداية، أذاقكم الله من طعم طاعته ما ذقناه وثبّتنا الله به على طريقه حتى نلقاه وهو راضٍ عنا، والحمد الله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله. التوقيع: العائدات إلى الله نسرين- مديحة كامل- شهيرة - أميرة - هالة الصافي - ... هالة فؤاد - كامليا العربي - شمس البارودي.

وتقول التائبة شمس البارودي: إن الحملات التي أتعرض لها شيء عجيب ومثير للدهشة، لقد بدأت تلك الحملات بعد أن هداني الله بفضله وعظمته. أخذوا يعرضون أفلامي التي تبرّأت منها، ورأيتها ذنباً سأظل طيلة عمري أبكي ندماً عليه، لدرجة أنه بعد حجابي واعتزالي الفن بشهور، كانت جميع دور العرض في مصر، وفي البلاد العربية أيضاً، تعرض الأفلام التي تبرأت منها، ظنوا أنهم بذلك يحاربونني، ولكنني أقول لهم: إنكم لا تحاربونني أنا، بل تحاربون الله. إن حيائي هو زينتي، واحتشامي هو رأس مالي، وقد نشرت أكثر من إعلان بالصحف أرجوهم فيه أن يحرقوا هذه الأفلام بعد أن تبت إلى الله سبحانه وتعالى وكانوا يردّون على ذلك بزيادة الحرب ضدي، ففوّضت أمري إلى الله. يقول الدكتور حلمي القاعود: توالى إعلان التوبة من قبل آخرين وأخريات إيماناً منهم بأن الواقع الفني الراهن هو إساءة صارخة للدين والمجتمع والأمة وابتذال فاضح لا همَّ له إلا تلويث الفكر والشعور والوجدان، ومؤامرة رخيصة للنيل من الدين الإسلامي (وحده!) ومن قيم الأمة وتراثها ومجدها، وبعد ذلك تحويل المسلمين إلى قطيع من الباحثين عن إشباع حاجاتهم بكل طرق الحرام. كان لا بد لأهل المنهج التجاري التآمري الخبيث وأصحاب المصالح الشيطانية والأفكار الإجرامية أن يتحدوا، وأن يأخذوا المبادرة للتشنيع على الظاهرة ومهاجمتها، وَلَيِّ أعناق الحقائق،

حوار هادئ مع الداعية زينب الغزالي

والتدليس بالباطل، لإيهام الناس بأن التوبة عن الفن المبتذل والتمثيل الرخيص والأعمال الهابطة، رجعية وتخلف وردّة عن ركب الحضارة والتمدُّن والتقدم!! وليس ذلك فحسب بل حاولوا أن ينالوا من الإسلام وعلمائه والصحوة الإسلامية واتهامهم بأنهم ضد الإنسان وسعادته وحريته وانطلاقه إلى آفاق العلم والمدنيّة (¬1) . حوار هادئ مع الداعية زينب الغزالي: أجرت هذا الحوار جريدة "المسلمون" وسألت الداعية زينب ما يلي: س: ... الداعية زينب الغزالي كيف ترَيْن توبة الفنانات بعامة وعدم استمرارهن في طريق الفن والتمثيل؟ ج: ... الله سبحانه وتعالى لم يقل أنا أقبل تائباً وأرد تائباً، ولم يقل إنه يقبل كل التائبين، فهو يحبّ التوابين ويحبّ المتطهرين، وهو سبحانه لم يصنّف المعصية التي تقبل التوبة فيها والمعصية التي لا تقبل فيها، لأن التوبة ملغية لكل الذنوب ومطهرة من كل الآثام، فهؤلاء أصفهن بالطيبات لأنهن أصبحن طيبات عندما تبن، وإن شاء الله لا ترد توبتهن ولا ترفض، والمفترض أيضاً أن تُستقبل بمعايشة طيبة وبرفق شديد وبمودة من أهل العلم وأهل المعرفة وأهل الصلاح والتقوى. س: ... ولكن بعض المغرضين يشكّّك في مصداقية توبتهن؟ ج: ... ليس لأي كائن من البشر أن يشكّك في صدق توبة عبد من عباد الله، فنحن لنا ظاهر الخلق وليس لنا باطن الخلق، لنا ¬

(¬1) مجلة الدعوة، العدد 1297.

الظاهر ولنا النطق الذي سمعناه، وأتساءل عن حجّة الذين يشكّكون في صدق التوبة وأجيب: لا حجّة لهم على الإطلاق، حجّتهم واهية وباطلة وليس لها سند ولا دليل. س: ... بعض التائبات ما زلن يعملن سواء في الإنشاد الديني أو المسرح الإسلامي، فهل هناك تعارض بين توبتهن وارتدائهن الحجاب واستمرارهن في ذلك العمل؟ ج: ... المرأة المسلمة عليها أن تتقيد بشرع الله في ملبسها وصلاتها وصومها وزكاتها، ولذلك فإنني أدعو التائبات إلى قراءة شريعة الله للتعرف على ما أمر به الله وما نهى عنه، وحينئذ سيعرفن ما يجب أن يقمن به وما وجب أن يمتنعن عنه، وسيعرفن ما الذي يوافق الدين الإسلامي وما الذي يخالفه، وما يتفق وصدق التوبة وما يتعارض معها، وإن شاء الله يصلن إلى الطريق الصحيح المستقيم.

الخاتمة

الخاتمة والآن - أخي القارئ - هذا أوان ختام هذه الصفحات، التي أردت بتسطيرها أن تكون لَبِنة في صرح الحقيقة المُرَّة، تلك الحقيقة التي ما انفكت تتلبس لأمتنا بلَبُوس خادع؛ وتتشكل لها في صور متعددة، وتتقرب إليها بأسماء محببَّة برَّاقة؛ فمَن من أهل الإنصاف لا يحث على تجسد الإبداع الإنساني الفذِّ بصورة (الفن) ؟! ومن منهم يجرؤ أن يستخف بإمكانات الشباب الواصلة بهم إلى مراتب النجوم؟! فهذا نحَّات مبدع، وآخر ممثل معجزة، وثالث مغن عندليب، وذاك شاعر عقمت النساء أن يلدن بمثله، وتلك مغنية تشدو بما يشبه رنيم الملائكة - بزعمهم -، وأخرى قد تسنَّمَتْ سُدَّة الإعلان المسموع والمرئي، فلم يَفُتْها الترويجُ لمنتَجُ، كما يسعى لاسترضاء خاطرها كلُّ منتِج، كل ذلك وغيره قد انحطّ على رؤوسنا سيلاً جارفًا باسم (الفن) !! حقًا، لقد شوّه هؤلاء المتصدِّرون - زورًا - للفن، تلك المواهب التي أودعها الله الإنسانَ، فأعملوا فيها معاول الهدم، مستخفِّين بها، مستَخْفين دومًا بستار الحداثة والتجديد؛ ففي كل عَقْد من الزمن ثمة جيل جديد يتحتم عليه نبذ ما كان عليه آباؤهم من أثارة من علم أو بقية من فضيلة، حتى رأينا - بفضل هذا الفن المزعوم - أجيالاً من الشباب قد تعاقبت، لا همَّ لأحدهم سوى التنكر لكل ما كان قديمًا، ولو كان ذلك السابق الفضيلةَ بعينها أو الحكمة بروحها! فلا تلفى أحدَهم بعدها إلا متلقفًا لأخبار أهل

الفن، مستمسكًا بأهداب إنجازاتهم، متتبعًا لأقوالهم، متبنيًا فكرهم؛ فالفنان عنده هو المثال والقدوة، أفلم يُكرِمه المُكرِمون، ويُسبِغوا عليه أوصاف الكمال؟ فهو إذًا - ولا ريب - طيب السريرة، نيِّر الفكر، مرهف الإحساس، أضف إلى ذلك أنه مجلبة لكل مسرة وحبور؛ مفتَّحة له أبواب الثروة والوجاهة! فهل تعجب بعدها إذا رأيت جحافلَ من الشباب والشابات تهرع إلى سبيل الفن، تترسم خطى أهله، وتحاول جهدها اللحاق بركبهم؟ ثم إذا ما عجز أحدهم عن السمو إلى النجومية، هيؤوا له - على وجه العَجَل - «أكاديميات» استوردوها، تأخذ بيده لتدله على معالم الطريق، ولتذكي فيه روح التنافس لبلوغ نهايته وإحراز قصب السبق فيه، فما الذي يرتجيه زيادة على ذلك؟ لقد حيزت إليه فرصة العمر التي لا تتكرر، أما هم فهمُّهم يتجه وجهة مغايرة تماماً، فالمبتغى عندهم استغلال مواهب الشاب - ولو كانت غير ملفتة غالبًا - للتنافس مع أقرانه، ليتم بعدها امتصاص ما في جيوب المشجعين، وتحقيق أرباح خيالية قد لا يجنى مثلُها من أي مشروع آخر! وبذلك تخسر الأمة - مرة تلو أخرى - العنصر الأهم في مقومات نهضتها، إنها الفئة الشابة التي تقوم على كاهلها حضارات الأمم. ونحن مع كوننا قد حاولنا في ثنايا هذا الكتاب تلمس بعض آثار هذا الفن، ورصد جزء من الجهود الهدامة المتخفية بستاره، وتسليط الضوء على عموم حال أهله، وتسجيل إعلان توبة بعضهم، إلا أنه لا مناص لنا من الاعتراف بأن هذا الجهد المتواضع قد اقتصر على تشخيص هذه الآفة؛ وذلك من وجهة نظري، كمتابع يملك أدوات التشخيص، حيث سجلت الواقع بدقائقه، لكن - ولكوني غير

مختص - فإنني لا أمتلك أدوات تكفل تحويل مسار هذا الواقع نحو المأمول منه، أو حتى التخطيط المختص لذلك، لكني على يقين من معرفتي لما يجب أن يكون عليه هذا المأمول الذي ينبغي أن نسعى جميعًا لتحقيقه، فأنا آمل أن يتصدى المتخصِّصون في مجال الفن لهذه المهمة، واضعين نصب أعينهم أن كل إنسان مسلم يريد أن يسمع ويشاهد ويطالع فنًا جميلاً ومبدعًا، ويكون هذا الفن - في الوقت ذاته - محافظًا ومبرزًا لمزايا وجوهرِ ما يدعو إليه ديننا الحنيف، وما نتمسك به من أخلاقيات سامية، وما نتمتع به من إرث حضاري وتاريخ مشرف ضارب في أعماق الزمن، هذا ما آمله من الفن، وهو عين ما ننتظر من المختصين العملَ على تحقيقه؛ بحيث يقصي من طريقه كل ألوان الهبوط والإسفاف المحيطة بنا. هذا هو سبيل الإصلاح العملي الذي نراه، فإن واقع الفن وسيله الجارف لا ينتظر منا تشخيصًا وحسب، فهو يطالعنا في كل يوم، بل ربما في كل ساعة، ببدعة فيه مستجِدَّة، ترغِّب شبابنا وتستميل أهواءهم، حتى إن المرء ليحار بعدها متسائلاً: هل عَدِم شباب أمتنا هواية إلا صنوف الفن؟! فإذا ما أمعن الفكر وجد أن الأمر غير مقتصر على إظهار الهوايات ورعاية المواهب بغية إدخال المسرة على القلوب فحسب، لكن الفن في عصرنا قد تحول - جزمًا - إلى حِرفة منظمة تُدار بعناية فائقة، لا همّ لصانعيها سوى تثبيط الهمم وإفساد الأمم، فضلاً عن تكديس الثروات، ولو اتسعت لذلك الذِّمم! ولا شك بأن هؤلاء قد أتقنوا عمل ذلك، وحققوا كثيرًا مما سعَوا إليه، فكيف لنا - والحال هذه - أن نعمل على نقل هذا الفن من واقعه إلى ما يفترض به من دور رائد في صياغة توجهات الأمة، والعمل

على رفعة شأنها؟ إن الأمر يحتاج منا إلى تضافر جهود عملية، إضافة إلى كشف زيفه ومآرب صانعيه بوقع الكَلِم وحجة العلم؛ لذا، فإني أدعو القيمين على وسائل الإعلام في بعض المجتمعات الإسلامية لمزيد من إنصاف حضارة الإسلام، وذلك بمنح قيمه ومبادئه حيزًا كافياً فيما تتلقاه الأمة، وتتغذى به عقولها بل وقلوبها. لقد حرصت الأمم التي سادت في عصرنا على خصوصيات إعلام مجتمعاتهم، وعلى قدسية إرثهم الديني والفكري، فما المعيب - ونحن نقلدهم حَذْو القُذَّة بالقُذَّة - أن نقتدي بهم أيضًا في المحافظة على ما عندنا كما حافظوا هم على ما عندهم؟! أما أهل الفن، فلهم نقول: أنتم أعلم الناس بحالكم، ونحن نُكبِر في بعضكم الرجوع عن سبيل الغيِّ، لكن المأمول منكم أن تجدُّوا في ممارسة ما ينطبق عليه حقًا وصف «الفن» من رقي ومهارة، فتقدموا للأمة صناعة فن راق هادف، يحافظ على إرثها الحضاري، ويؤكد تميز قدراتها، ولْتَجْنوا بعد ذلك - مع منتجي أعمالكم - ما كُتِب لكم من رزق، فتكسبوا بذلك خيري الدنيا والآخرة. كما أدعو رجالَ الأعمال الجادِّين في توجهاتهم إلى الكشف عن مخبوء كنز إدارة الأعمال الفنية؛ وذلك بتبني مشاريع ذات جدوى اقتصادية، وتكون - في الوقت نفسه - مؤطرة بإطار القيم الإسلامية، يحولون فيها درب هذا النتاج الغث اللَّفاء إلى نتاج إنساني راق هادف، ويضيقون بذلك السبيلَ أمام أولئك المتربصين بالأمة المستخِفِّين بإمكاناتها والمستنفدين لخيراتها، والمستَخْفين بستار خادع واهٍ يسمونه فنًا، يحاولون من ورائه دك حصونها الدينية

والفكرية، وإن لكم - يا رجال الأعمال - قدوة بما شهده عالم البث الفضائي مؤخراً من قنوات قدمت برامج هادفة وأعمالاً فنية راقية، لاقت استحسانًا منقطع النظير لدى عموم شرائح المجتمعات الإسلامية. هذا، ولا يفوتني - في هذا المقام - أن أناشد الأسرة الإسلامية في مجتمعاتنا لتمارس دورًا فاعلاً في حسن الرعاية لأبنائها، ولتحافظ على حقها في تحصين النشء المسلم من سهام التغريب، ومعاول الإلحاد والتهويد، وألاّ تدع أفلاذ أكبادها فريسة سائغة للأفكار الهدامة الغريبة على مجتمعاتنا، بل تكون لهم عونًا على فهم الواقع من حولهم على أساس من هدي الإسلام القويم. وإن مما يجدر ذكره - ختامًا - أن هذا البحث الذي جاء مختصًا بجانب الفن التمثيلي، والذي تم التركيز فيه على بيان واقع أهل هذا الفن، ما هو إلا لَبِنَة تؤسس لأمرين، أولهما: ضرورة أن يستكمل أهل الاختصاص من الباحثين دراسة سائر جوانب الأعمال الفنية، فهي لا تقل أهمية - بحالٍ - عن جانب التمثيل، والآخر: أن تكون هذه الدراسة حافزًا يفتح الباب أمام الجادين المختصين من: أهل الإعلام، وأهل المسرح، وكُتَّاب الأعمال الفنية، لإجراء دراسات نظرية، بل وميدانية؛ يتم التواصل فيها مع القيمين على وسائل الإعلام، وكذلك العاملين في الحقل الفني؛ منتجين، ومخرجين، بل وفنانين في شتى المجالات، وذلك بغرض إحداث نقلة عملية نوعية في مسار تلك الأعمال الفنية، لتكون هادفة ترقى إلى مستوى (الفن) ، وتحقق المأمول منها في المحافظة على إرث الأمة الحضاري، وخدمة أبنائها، والضنِّ بهم عن محاولات التزييف والإفساد.

أسأل الله تعالى أن يجعل عملي هذا خالصًا لوجهه الكريم، وأن ينفع به كل النفع، وأن يُبرم لهذه الأمة أمر رَشَد يُعَزّ فيه أهل طاعته، ويُذَلّ فيه أهل معصيته، ويُؤمر فيه بالمعروف، ويُنهى فيه عن المنكر، إنه سبحانه وليُّ ذلك والقادر عليه، وصلَّى الله وسلَّم على نبيِّنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. وآخر دعوانا أنِ الحمد لله رب العالمين.

ملحق الفتاوى

ملحق الفتاوى

(1) تحريم تمثيل النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة رضي الله عنهم

(1) تحريم تمثيل النبيِّ صلى الله عليه وسلم والصحابة رضي الله عنهم للشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين. وبعد: فقد اطلعت على ما نشرته مجلة المجتمع الكويتية في عددها 162 الصادر بتاريخ 9/7/1393هـ تحت عنوان (فيلم محمد رسول الله) وقد تضمن الخبر المذكور أنه خلال الأيام الماضية تم التوقيع على عقد تأسيس الشركة العربية للإنتاج السينمائي العالمي، وتولى التوقيع ممثلو حكومات ليبيا والكويت والمغرب والبحرين، وأن الشركة المذكورة تعاقدت مع المخرج مصطفى عقاد لإنتاج فيلم عن النبي صلى الله عليه وسلم حياته وتعاليمه (بالسينما سكوب) والألوان، يستمر عرضه ثلاث ساعات ويخرج بعشرين لغة عالمية بما فيها العربية. وذلك بالاستناد إلى قصة أقرها الأزهر والمجلس الشيعي الأعلى واشترك في صياغتها توفيق الحكيم وعبد الحميد جودة السحار وعبد الرحمن الشرقاوي. انتهى الخبر المذكور. ولكون ذلك فيما نعتقد أمراً منكراً، وحدثاً خطيراً يترتب عليه مفاسد كبرى، وأضرار عظيمة واستهانة بالمصطفى صلى الله عليه وسلم وتعريض لذاته الشريفة إلى التلاعب بها والاستهزاء والتنقص - رأيت الإسهام في إنكار هذا المنكر، والإهابة بالدول الأربع الموافِقة على إخراجه بالرجوع عن ذلك تعظيماً للنبي صلى الله عليه وسلم، واحتراماً له، واحترازاً عن تعريض ذاته الشريفة للتنقص والاستهانة والسخرية.

ومعلوم أن الرجوع إلى الحق خير من التمادي في الباطل، وقد عرض هذا الموضوع على المجلس التأسيسي لرابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة فقرر تحريم إخراج فيلم عن النبي صلى الله عليه وسلم، وتحريم تمثيل الصحابة رضي الله عنهم، وذلك في المادة السادسة من قراره المتخذ في دورته الثالثة عشرة المنعقدة خلال المدة من 1 إلى 13 شعبان 1391هـ، وهذا نص المادة المذكورة: 1 - ... يقرر المجلس التأسيسي بالإجماع تحريم إخراج فيلم محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لما فيه من تمثيله صلى الله عليه وسلم بآلة التصوير الكاميرا مشيرة إليه وإلى موضعه وحركاته وسائر شؤونه بالتحديد، وتمثيل بعض الصحابة رضي الله عنهم في مواقف عديدة ومشاهد مختلفة وهو محرم بالإجماع. 2 - ... يوصي المجلس الأمانة العامة للرابطة بإبلاغ هذا القرار لجميع الدول الإسلامية، والمنظمات الإسلامية، والجمعيات الدينية في البلاد العربية والإسلامية، ووزارات الإعلام، ومشيخة الأزهر، ومجمع البحوث الإسلامية بالأزهر، والمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية بالقاهرة، والصحف، والإذاعات في البلاد الإسلامية كافة. 3 - ... يوصي المجلس الأمانة العامة لرابطة العالم الإسلامي، بإخطار مخرج هذا الفيلم بهذا القرار جواباً على طلبه الأخير بإخراج الفيلم وإنذاره بأن الأمانة العامة للرابطة ستتخذ الإجراءات القانونية ضد كل من يحاول الاعتداء على قدسية وحرمة صاحب الرسالة العظمى صلى الله عليه وسلم، وحرمة أصحابه الأكرمين في أي جهة من العالم.

4 - ... يوصي المجلس الأمانة العامة لرابطة العالم الإسلامي بوضع رسالة في حرمة إخراج فيلم عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن أصحابه رضوان الله عليهم أجمعين تضم ما أجرته الأمانة العامة للرابطة بشأنه في جميع مراحله، وما صدر فيه من قرارات في المجلس التأسيسي لرابطة العالم الإسلامي والمنظمات الإسلامية الأخرى، وما صدر بشأنه من القرارات والفتاوى في البلاد الإسلامية عامة، ونشر ذلك في البلاد الإسلامية تبصرة وتنويراً وإرشاداً وتحذيراًَ. 5 - ... يشكر المجلس الأمانة العامة لرابطة العالم الإسلامي على ما قامت به من جهود موفقة في هذا الموضوع الخطير. انتهى. كما قررت هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية منع تمثيل الصحابة رضي الله عنهم والنبي صلى الله عليه وسلم من باب أولى وذلك بقرارها برقم 13 وتاريخ 16/4/1393هـ الآتي نصه: (الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: فإن هيئة كبار العلماء في دورتها الثالثة المنعقدة من 1-7/1/1393هـ قد اطلعت على خطاب المقام السامي برقم 44/93 في 1/1/1393هـ الموجه إلى الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد والذي جاء فيه ما نصه: نبعث إليكم مع الرسالة الواردة إلينا من طلال بن الشيخ محمود البني المكي مدير عام شركة لونا فيلم من بيروت بشأن اعتزام الشركة عمل فيلم سينمائي يصور حياة (بلال) مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم ونرغب

إليكم بعد الاطلاع عليها عرض الموضوع على كبار العلماء لإبداء رأيهم فيه وإخبارنا بالنتيجة، وبعد اطلاع الهيئة على خطاب المقام السامي، وما أعدته اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء على ذلك وتداول الرأي قررت ما يلي: 1- ... إن الله سبحانه أثنى على الصحابة، وبيّن منزلتهم العالية ومكانتهم الرفيعة، وفي إخراج حياة أي واحد منهم على شكل مسرحية أو فيلم سينمائي منافاة لهذا الثناء الذي أثنى الله عليهم به، وتنزيل لهم من المكانة العالية التي جعلها الله لهم وأكرمهم بها. 2- ... إن تمثيل أي واحد منهم سيكون موضعاً للسخرية والاستهزاء، ويتولاه أناس غالباً ليس للصلاح والتقوى مكان في حياتهم العامة والأخلاق الإسلامية، مع ما يقصده أرباب المسارح من جعل ذلك وسيلة إلى الكسب المادي وأنه مهما حصل من التحفظ فسيشتمل على الكذب والغيبة كما يضع تمثيل الصحابة رضوان الله عليهم في أنفس الناس وضعاً مزرياً فتتزعزع الثقة بأصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم، وتخف الهيبة التي في نفوس المسلمين من المشاهدين، وينفتح باب التشكيك على المسلمين في دينهم والجدل والمناقشة في أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، ويتضمن ضرورة أن يقف أحد الممثلين موقف أبي جهل وأمثاله ويجري على لسانه سب بلال وسب الرسول صلى الله عليه وسلم وما جاء به الإسلام، ولا شك بأن هذا منكر، كما يتخذ هدفاً لبلبلة أفكار المسلمين نحو عقيدتهم وكتاب ربهم وسنة نبيهم محمد صلى الله عليه وسلم. 3- ... ما يقال من وجود مصلحة وهي إظهار مكارم الأخلاق ومحاسن

الآداب مع التحري للحقيقة وضبط السيرة وعدم الإخلال بشيء من ذلك بوجه من الوجوه رغبة في العبرة والاتعاظ فهذا مجرد فرض وتقدير، فإن من عرف حال الممثلين وما يهدفون إليه عرف أن هذا النوع من التمثيل يأباه واقع الممثلين ورواد التمثيل وما هو شأنهم في حياتهم وأعمالهم. 4- ... من القواعد المقررة في الشريعة أن ما كان مفسدة محضة أو راجحة فإنه محرم، وتمثيل الصحابة على تقدير وجود مصلحة فيه فمفسدته راجحة، فرعاية للمصلحة وسداً للذريعة وحفاظاً على كرامة أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم منع ذلك، وقد لفت نظر الهيئة ما قاله طلال من أن محمداً صلى الله عليه وسلم وخلفاءه الراشدين هم أرفع من أن يظهروا صورة أو صوتاً في هذا الفيلم، لفت نظرهم إلى أن جرأة أرباب المسارح على تصوير بلال وأمثاله من الصحابة إنما كان لضعف مكانتهم ونزول درجتهم في الأفضلية عن الخلفاء الأربعة، فليس لهم من الحصانة والوجاهة ما يمنع من تمثيلهم وتعريضهم للسخرية والاستهزاء في نظرهم فهذا غير صحيح؛ لأن لكل صحابي فضلاً يخصه وهم مشتركون جميعاً في فضل الصحبة وإن كانوا متفاوتين في منازلهم عند الله جل وعلا، هذا القدر المشترك بينهم وهو فضل الصحبة يمنع من الاستهانة بهم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين. انتهى. ولكل ما تقدم وما سوف يفضي إليه الإقدام على هذا الأمر من الاستهانة بالنبي صلى الله عليه وسلم وبأصحابه رضي الله عنهم وتعريض سيرته وأعماله وسيرة أصحابه وأعمالهم للتلاعب والامتهان من قِبَل الممثلين وتجار السينما يتصرفون فيها كيف شاؤوا، ويبرزونها على الصفة التي تلائمهم بغية

التكسب والاتجار من وراء ذلك، ولما في هذا العمل الخطير من تعريض النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم للاستهانة والسخرية، وجرح مشاعر المسلمين، فإني أكرر استنكاري بشدة لإخراج الفيلم المذكور. وأطلب من جميع المسلمين في الأقطار كافة استنكارهم لذلك، كما أرجو من جميع الحكومات والمسؤولين بذل جهودهم لوقف إخراجه، وفي إبراز سيرته صلى الله عليه وسلم وسيرة أصحابه رضي الله عنهم بالطرق التي درج عليها المسلمون من عهده صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا ما يكفي ويشفي ويغني عن إخراج هذا الفيلم. وأسأل الله عز وجل أن يوفق المسلمين جميعاً وحكوماتهم لكل ما فيه صلاح المسلمين في العاجل والآجل، ولكل ما فيه تعظيم نبيهم صلى الله عليه وسلم التعظيم الشرعي اللائق به وبأصحابه الكرام، والحذر من كل ما يفضي إلى التنقص لهم أو السخرية منهم أو يعرضهم لذلك، إنه جواد كريم وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد وآله وصحبه (¬1) . ¬

(¬1) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة، ج1، سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله، ص415 - 417.

(2) حكم ((طاش ما طاش))

(2) حكم ((طاش ما طاش)) بيان للَّجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وبعد: - فنظراً لكثرة التشكيات والاستفتاءات على مدى ست سنوات متواليات من عام 1416هـ إلى عام 1421هـ بشأن مسلسلات (طاش ما طاش) لما فيها من مخالفات للشرع المطهر والآداب والقيم، ويمكن إجمال ما لاحظه الناصحون والمستفتون على المسلسلات المذكورة على النحو الآتي: 1- ... السخرية بأهل الخير والصلاح وإلصاق المعايب بهم. 2- ... خروج المرأة مع الرجال الأجانب وما يتبع ذلك من اختلاط وتبرج وسفور وخضوع بالقول وغير ذلك. 3- ... العمل على توهين الأخذ بأحكام الشرع المطهر والترغيب فيما نهى عنه، كترك الحجاب وإبداء الزينة للأجانب وقيادة المرأة للسيارة والسفر إلى بلاد الكفر وإلى البلاد التي تشتهر بالرذيلة وتحارب الفضيلة. 4- ... لمزه المتصفين بالغيرة على محارمهم ونسائهم. 5- ... إثارة الشهوات في مشاهد بشعة تقتل الحياء وتقضي على العفة. 6- ... القيام بأفعال فيها رعونة وسخرية وخرم مروءة كالتزيي باللحى المصطنعة ونحوها. 7- ... تناول عادات بعض البلدان والمناطق ومحاكاة لهجاتهم على

وجه التحقير لأهلها وإظهار معايبهم. وإنه بعد دراسة اللجنة لتلك الاستفتاءات واطلاعها على رصد موثق لهذا المسلسل فإن اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء تبين لعموم المسلمين ما يلي: أولاً: يحرم إنتاج هذه المسلسلات وبيعها وترويجها وعرضها على المسلمين لأمور منها: 1- ... اشتماله على الاستهزاء ببعض أمور الدين والسخرية ممن يعمل بها. وهذا أمر في غاية الخطورة على من ينتجها ويخشى عليهم من سوء عاقبتها الوخيمة. 2- ... اشتماله على ما يعارض الشرع المطهر، وحمل الناس على الخروج على أحكام دينهم وشريعة ربهم وذلك من خلال: ترسيخ العلاقات غير المشروعة بين النساء والرجال الأجانب، وعيب الغيرة على المحارم، والتهاون بالحجاب وغير ذلك. 3- ... اشتماله على الدعاية للبلاد التي تظهر فيها شعائر الكفر، والبلاد التي اشتهرت بالفساد الأخلاقي. 4- ... اشتماله على ما يثير النعرات والعصبيات الجاهلية عن طريق السخرية بالعادات واللهجات، وهذا ينافي مقاصد الشرع المطهر من الحث على المحبة والألفة والإخاء والصفاء بين المسلمين والبعد عن أسباب الشحناء والبغضاء، قال الله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ *يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلاَ نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلاَ تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلاَ تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ

بِئْسَ الإِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ *} [الحُجرَات: 10-11] . 5- ... إفضاؤه إلى نشر الرذيلة، وطمس معالم الفضيلة، وإشاعة الفساد، ومحبة المنكرات والاستئناس بها. ثانياً: تحرم مشاهدة هذه المسلسلات والجلوس عندها لما فيها من المنكرات وتعدي حدود الله، قال الله تعالى في وصف عباده المتقين: {وَالَّذِينَ لاَ يَشْهَدُونَ الزُّورَ} [الفُرقان: 72] ، أي: لا يحضرون القول والفعل والمحرم وأعياد الكفار، وقال سبحانه: {وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلاَ تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ *} [الأنعَام: 68] . قال أهل العلم: المراد بالخوض في آيات الله: التكلم بما يخالف الحق؛ من تحسين المقالات الباطلة، والدعوة إليها، ومدح أهلها، والإعراض عن الحق، والقدح فيه وفي أهله. وفي الآية دليل على أن مجالسة أهل المنكر لا تحل. وقال الله جل وعلا: {وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَىءُ بِهَا فَلاَ تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ} [النِّسَاء: 140] . قال أهل العلم: ويدخل في عموم الآية حضور مجالس المعاصي والفسوق التي يستهان فيها بأوامر الله ونواهيه. ثالثاً: تحرم الدعاية لهذه المسلسلات وتشجيعها والإعلان عنها بأية وسيلة لأن ذلك من التعاون على الإثم والعدوان وقد نهى الله سبحانه عن ذلك فقال جل وعلا: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِّرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُوا عَلَى الإِْثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [المَائدة: 2] ،

والواجب هو الإنكار على هؤلاء وبغضهم في الله حتى يتوبوا إلى الله تعالى ويقلعوا عن معصيته. رابعاً: إن تخصيص الكلام في هذا المسلسل (طاش ما طاش) لا يعني سلامة غيره من المسلسلات بل الحكم يتعدى إلى كل مسلسل يشتمل على مخالفة للشرع المطهر، وانتهاك لحرمات الله، وإفساد للأخلاق، وقتل للغيرة الدينية، وتحطيم للمروءة الإنسانية، ودعوة إلى الانحراف بشتى أنواعه. خامساً: يجب على أهل الإسلام أن تكون حياتهم جِدّاً لا هزلاً وأن يشتغلوا بما ينفعهم في دينهم ودنياهم، وأن يجتنبوا كل ما فيه إضعاف لدينهم، وتوهين لقوتهم، وإهدار لأوقاتهم، وحط لأقدارهم وتمكين لعدوهم منهم.. وإن الحياة لثمينة فليربأ أهل الإسلام عن عمارتها بالباطل وسفاسف الأمور، وليقوموا بحق الله عليهم من التمسك بهذا الدين، وحماية حرماته، وتربية شبابه على الحق والفضيلة وإبعادهم عن العبث والفساد والرذيلة، والواجب على القائمين بإعداد هذه المسلسلات التوبة إلى الله. نسأل الله جل وعلا أن يصلح أحوال الجميع وأن يهدينا جميعاً سواء السبيل إنه سميع قريب مجيب وبالله التوفيق (¬1) . وصلّى الله على نبيّنا محمّد وعلى آله وصحبه وسلّم. ¬

(¬1) بيان اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، برقم 21685 تاريخ 7/9/1421هـ.

(3) الآثار السيئة للعبة «البوكيمون»

(3) الآثار السيئة للعبة «البوكيمون» للشيخ عبد الله بن جبرين رحمه الله الحمد لله وحده وصلّى الله وسلّم على محمّد وآله وصحبه وبعد. فقد رفع إلينا بعض الغيورين دراسة مفصلة حول اللعبة التي تسمى (البوكيمون) وبعد قراءتها والاطلاع على ما فيها تبين لنا أن هذه اللعبة أو الأضحوكة التي شرح الكاتب شأنها وذكر بعد ذلك نماذج من صورها تعد من آلات اللهو واللعب وتدخل في الميسر الذي حرمه الله تعالى وقرنه بالخمر فتكون محرمة إذا كانت لمجرد اللهو الباطل، فقد ورد في الحديث عن بُريدة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من لعب بالنردشير فكأنما صبغ يده في لحم خنزير ودمه» رواه مسلم، وعن أبي موسى رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من لعب بالنرد فقد عصى الله ورسوله» رواه مالك وأحمد وأبو داود، ولأحمد عن أبي عبد الرحمن الخطمي مرفوعاً «مثل الذي يلعب بالنرد ثم يقوم فيصلي مثل الذي يتوضأ بالقيح ودم الخنزير ثم يقوم فيصلي» والنرد هو آلة اللعب، وقال عطاء ومجاهد: كل شيء من القمار فهو من الميسر حتى لعب الصبيان بالجوز، وفي لفظ: حتى الكعاب والجوز والبيض التي تلعب بها الصبيان، ذكر هذه الآثار ابن كثير عند تفسير قول الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَْنْصَابُ وَالأَْزْلاَمُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [المَائدة: 90] ، وحيث إن هذه اللعبة يتخذها الأولاد للكسب والأخذ من بعضهم لبعض فإنها من الميسر وهو القمار، وهكذا اتخاذها لمجرد اللعب واللهو الذي

(4) حكم أفلام «البوكيمون» وألعابها

هو لهو الحديث الذي يضل عن سبيل الله، وهكذا ما ذكر من تأثيرها على العقول والأديان والعقائد، فعلى هذا يجب أن تحرق هذه الكروت وأن يتعهد على التجار بعدم استيرادها وعدم بيعها لما لها من الأثر الفعال في أولاد المسلمين، والله أعلم (¬1) . وصلّى الله على محمّد وآله وصحبه وسلّم. (4) حكم أفلام «البوكيمون» وألعابها بيان للَّجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده ... وبعد، فقد وردت إلى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء أسئلة كثيرة مسجلة لدى الأمانة العامة لهيئة كبار العلماء ومنها (مسجل برقم 7180 في 11/11/1421هـ ومسجل برقم 7246 وتاريخ 17/11/1421هـ) وغيرهما، وكان نص أحدها مايلي: (انتشرت بين طلاب المدارس في الفترة الأخيرة لعبة تعرف بـ (البوكيمون) مرتبطة بالشخصيات الكرتونية في أفلام البوكيمون، هذه اللعبة التي استحوذت على عقول شريحة كبيرة من أبنائنا الطلاب فأسرت قلوبهم وأصبحت شغلهم الشاغل ينفقون ما لديهم من نقود في شراء بطاقاتها - يتراوح سعرها بين 10 و 600 ريال بل إن ¬

(¬1) فتوى العلاّمة عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين هي، بتاريخ 1/12/1421هـ، وعليها توقيعه.

بعضها يصل إلى 2000 أو 3000 ريال للكرت الواحد - يقضون معظم أوقاتهم في متابعة تطوراتها والبحث عن جديدها في كل مكان ولرواجها ولشدة الإقبال عليها أصبح لها أسواق خاصة وأماكن محددة لبيعها وشرائها وتبادلها، حتى وصل الأمر لإقامة مباريات لهذه البطاقات يتنافس فيها عدد كبير من الطلاب لكسب المزيد منها، والأدهى من ذلك كله أن عدداً ليس بالقليل من الآباء والأمهات أصبح مهتماً بتطورات هذه اللعبة ولا يبخل على أبنائه بتقديم الدعم والمساندة، بل أصبحت هذه الكروت تستخدم للثواب والعقاب بعدما اقتنعوا أن هذه اللعبة لها مفعول عجيب في التأثير في أبنائهم. ولإيضاح بعض الحقائق عن هذه اللعبة وما تخفيه من أخطار جسيمة سواء أكانت عقدية أم تربوية أم سلوكية تؤذي بشكل مباشر فئة معينة من أبنائنا أحببت أن أبين في هذا التقرير الموجز لمحة عن هذه اللعبة مع الإلحاح على مخاطرها العقدية المفجعة وآثارها التربوية السلبية محاولاً بعون الله أن أضع أمام الغيورين والمهتمين بتربية طلابنا تربية عقدية سليمة بعض ما وصلت إليه من خلال متابعتي لهذه اللعبة بعد أن استفحل أمرها في مجتمعنا. ما البوكيمون؟ نشأتها: لعبة البوكي أو ما يعرف بالبوكيمون قدمت من أقصى بلاد الشرق وتحديداً من اليابان، وتعود الفكرة إلى التسعينات عندما تخيل رجل ياباني اسمه ساتوشي تاجيري وهو من المهتمين بجمع أنواع الحشرات، تخيل هذا الرجل أن العالم سوف يغزوه عدد هائل من الحشرات والحيوانات الغريبة الأشكال قادمة من الفضاء ومن ثم يبدأ

الإنسان بالتقاطها، وهذه الحشرات والوحوش قابلة للتطور والارتقاء نحو الأفضل وفي كل مرحلة يتغير شكلها، فمثلاً الحيوان ذو الرأس الواحد قد يتطور ويصبح له ثلاثة رؤوس أو قد يخرج له أيد وأرجل في مرحلة ما، هذه الفكرة راقت لشركة يابانية عملاقة تدعى (ننتندو Nintendo) حيث تبنت الفكرة فطورتها وجندت لها إمكانيات هائلة واستقطبت عدداً كبيراً من المصممين والرسامين للقيام برسم نماذج لهذه اللعبة وفرضت رقابة مشددة على عملهم حيث إنها منعت الصحفيين من الدخول إلى الأماكن التي تصمم بها هذه الرسوم (كما حصل ذلك مع إحدى محطات التلفزيون الأمريكية التي أرادت إجراء تقرير عن تصميم هذه الرسوم) ، وما لبثت هذه اللعبة حتى انتشرت انتشار النار في الهشيم في معظم أرجاء العالم وحققت الشركة المنتجة أرباحاً خيالية بلغت مليارات الدولارات، وأنشأت لها مقرات في كثير من عواصم العالم وأصبحت لها مطبوعات ودوريات وأشرطة فيديو وتبنت بث برامجها محطات تلفزيونية عديدة، واستحدث لها مواقع عديدة على شبكة المعلومات (الإنترنت) . طريقة لعب البوكيمون: لقد وضع منتجو البوكيمون قواعد وضوابط محددة لممارسة هذه اللعبة مراعين في ذلك منهج الاستمرارية إذ يبقى اللاعب يبحث عن الجديد لاهثاً بلا نهاية. وهي تأخذ عدة أشكال منها المعقد والتي يستخدم فيها الزهر والأوسمة ولها طاولة معينة وهي تحتاج إلى وقت طويل لتعلم مهاراتها. ومنها ما هو المبسط والتي تتلخص باستحواذ الكرت القوي على الكرت الأقل قوة، وما يميز الكرت القوي أنه يحتوي على رموز وإشارات وأرقام معينة ترفع من قيمته.

المحاذير الشرعية في هذه اللعبة 1 - القمار والميسر: حيث إنها تشتمل على القمار المحرم إذ يتنافس اثنان بعدد من الكروت المختلفة الأثمان لكل كرت منها قيمة متعارف عليها ويكون أحدهما يملك كرتاً قوياً يكسب كروت الشخص الآخر الأقل قوة، فإذا لم يرد الطرف الخاسر أن يفقد الكرت فإنه يدفع بدلاً عنه قيمته وقد يزيد في السعر حسبما يحدده الكاسب. وهذه إحدى صور المقامرة في الجاهلية حيث كان الرجل يقامر غيره على ماله وأهله فأيهما كسب أخذ مال الآخر وحتى أهله بسبب هذه المقامرة، وهذا مذكور عند تفسير قوله تعالى: [المَائدة: 90] . وهذه المقامرة هي ما يقع من الطلاب في مدارسنا من خلال هذه اللعبة حيث يقامر الطالب بكروته ذات القيمة المالية، والكاسب يأخذ كروت صاحبه ذات القيمة المالية وإذا أراد الخاسر أن يُبقي على كروته وجب عليه أن يدفع مقابلها قيمة مالية ليبُقي عليها. 2 - تبنيها لنظرية التطور والارتقاء: لعل أهم ما يجعل المرء يستنكر هذه اللعبة هو أنها تتبنى نظرية النشوء والارتقاء التي نادى بها (داروين) والتي تقوم على تطور المخلوقات والتي تُرجع أصل الإنسان إلى سلسلة من الكائنات الحية المتطورة التي كان من آخرها القرد. والعجيب أن كلمة تطور أصبحت كثيرة التردد على ألسنة الأطفال حيث إنك تسمع من الطلاب أن هذا الحيوان الموجود في الكرت قد تطور وأصبح بشكل مختلف ويتابعون تطوره بشغف شديد.

3 - اشتمالها على رموز وشعارات لديانات ولمنظمات منحرفة: إن المتأمل لبعض هذه البطاقات يُصدم ويتفطر قلبه مما يراه ويجده من رموز وشعارات وصور جزئية مشوهة ذات مدلولات خطيرة جداً تثبت أن هذه اللعبة لم تنشأ بهدف التسلية والترفيه كما يزعم منتجوها ومروجوها، بل إن وراءها أصابع خفية ومنظمة تعمل بدقة لنشر أفكارها المنحرفة عبر الكثير من هذه الرموز والشعارات الموجودة في هذه اللعبة والتي تستخدمها أكثر الحركات الهدامة في العالم، إذ تترك هذه الرمزية مساحة واسعة للمناورة على من يريدون تضليله حيث يفسرون له الأمور وفق ما يهوى وما يحب لجعلها عالقة في الأذهان وليتعلق بها من يستخدمها، وهذا ما حدث فعلاً لدى شريحة كبيرة من أبنائنا ولعلي أورد هنا بعض المقتطفات عما تعطيه المنظمات المنحرفة من أهمية للرموز والرسوم والشعارات فهم يقولون: (إن السر ينتقل عبر الكلمة والصورة والكتاب. والكتابة هي شعائر وهي لم تنشر إلا بصورة جزئية مشوهة) ومن هذه الرموز: أ - النجم السداسي: حيث قلَّ أن تجد كرتاً يخلو من هذا النجم الذي لا يخفى على الجميع ارتباطه بالصهيونية العالمية، كما أنه يُمثل شعار دولة إسرائيل ورمزها المقدس. كما أنه الرمز الأول للمنظمات الماسونية في العالم. ب - الصليب: يوجد في هذه اللعبة العديد من الصلبان المختلفة الأشكال وهو الشعار المقدس لدى النصارى. ج - المثلثات والزوايا: وهي رموز لها مدلولات هامة عند الكثير من المنظمات المنحرفة كالماسونية.

د - رموز من المعتقد الشنتوي: الشنتوية عقيدة سكان اليابان التي تقوم على تعدد الآلهة فالشمس والأرض والكثير من الحيوانات والنباتات مقدسة لديهم وهي تأخذ صفة الآلهة. وقد احتوت اللعبة على الكثير من هذه الصور) . انتهى. وقد سأل السائلون عن حكم تلك اللعبة التي تسمى: «البوكيمون» . وحيث إن هذه اللعبة تشتمل على عدد من المحاذير الشرعية التي منها - الشرك بالله باعتقاد تعدد الآلهة، ومنها الميسر الذي حرمه الله بنص القرآن وجعله قريناً للخمر والأنصاب في قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَْنْصَابُ وَالأَْزْلاَمُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ *إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسَرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاَةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} [المَائدة: 90-91] . ومنها ترويج شعارات الكفر والدعاية لها وترويج الصور المحرمة، وأكل المال بالباطل. لهذه المحاذير وغيرها فإن اللجنة الدائمة ترى تحريم هذه اللعبة، وتحريم الأموال الحاصلة بسبب اللعب بها لأنها ميسر وهو القمار المحرم، وتحريم بيعها وشرائها لأن ذلك وسيلة موصلة إلى ما حرم الله ورسوله، وتوصي اللجنة جميع المسلمين بالحذر منها ومنع أولادهم من تعاطيها واللعب بها محافظة على دينهم وعقيدتهم وأخلاقهم.. وبالله التوفيق (¬1) . وصلّى الله على نبيّنا محمّد وآله وصحبه وسلّم. ¬

(¬1) فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء برقم (21758) وتاريخ 3/12/1421هـ.

(5) حكم بيع السلع المروجة للبوكيمون وشراؤها

(5) حكم بيع السلع المروِّجة للبوكيمون وشراؤها بيان للَّجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده.. وبعد: فقد اطلعت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء على ما ورد إلى سماحة المفتي العام من المستفتي / عبد الرحمن حمد السالم والمُحال للجنة من الأمانة العامة لهيئة كبار العلماء برقم (6304) وتاريخ 20/10/1421هـ وقد سأل المستفتي عما يلي: (لا يخفى على علمائنا الأفاضل ما تتعرض له الأمة الإسلامية والعربية من غزو فكري مكثف يهدف إلى التغريب وإلى زعزعة الثوابت والأسس لدى الأمة وإلى نقل ثقافات وخرافات وأساطير العالم المتقدم بشتى صوره ومفاهيمه إلى شعوب هذه المنطقة وأفرادها بل إلى استنزاف أموال تلك الشعوب مقابل الظفر بتلك الترهات والخرافات. ولقد كان للطفل المسلم النصيب الأكبر فهو يتعرض إلى سيل كبير جارف من تلكم الثقافات الدخيلة يتلقاها من خلال الشاشة والقنوات الفضائية فيما يسمى بأفلام الكرتون، ويساهم في إكمال دور تلك القنوات وتفعيلها المحلات التجارية بالتعاون مع الشركات الأجنبية، والتي تقوم بتجسيد علاقة الطفل مع تلك النماذج والشخصيات عملياً بإغراق الأسواق بأنواع السلع الخاصة بالأطفال، لعب، أدوات، وحقائب مدرسية، ملصقات ... إلخ، صور وأسماء وشعار الشخصيات الكرتونية بعرض جذاب مغرٍ يندفع الآباء إلى شرائها تحت إلحاح أطفالهم دون الالتفات واللامبالاة بأثر تلك الشعارات

والأسماء، والصور على شخصية الأطفال وثقافاتهم واهتماماتهم. ومما انتشر في هذه الأيام بشكل ملحوظ وخطير "بوكيمون" الفيلم الكرتوني المدبلج الذي يحكي قصة مخلوقات عجيبة وغريبة وخيالية تقوم بأعمال خارقة تتطور وتتشكل من شكل إلى آخر، ثم طرحت في الأسواق منتجات وسلع " بوكيمون " الباهظة الثمن على شكل كرات وكروت يلعب بها الأطفال وحلويات وملصقات وحقائب وأدوات مدرسية تحمل صورة تلك الشخصيات وشعاراتها والأشكال التي وصلت إليها بعد تطورها. والسؤال: ما حكم بيع وشراء وتبادل هذه السلع والمنتجات الخاصة بهذا الفيلم وهذه الشخصيات؟ وما توجيه المشائخ الكرام إزاء هذه المنتجات؟ وما حكم مشاهدة مثل هذه الأفلام؟ وجزاكم الله عنا وعن الإسلام والمسلمين خير الجزاء وصلّى الله على نبيّنا محمّد وعلى آله وصحبه أجمعين) . الجواب: وبعد دراسة اللجنة للاستفتاء أجابت بأنّه لا يجوز بيع وشراء السلع والمنتجات الخاصة بالفيلم المذكور، لأن ذلك من أكل المال بالباطل ومن التعاون على الإثم والعدوان، وتربية الأطفال على اللهو واللعب، وترويج الصور المحرمة وغير ذلك من المحاذير، فيجب التحذير من هذا العمل والتعاون معه، وبالله التوفيق (¬1) . وصلّى الله على نبيّنا محمّد وآله وصحبه وسلّم ¬

(¬1) فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء برقم (21790) وتاريخ 3/1/1422هـ.

(6) حكم مشاهدة المسلسلات التلفزيونية

(6) حكم مشاهدة المسلسلات التلفزيونية للشيخ صالح الفوزان حفظه الله السؤال: ما حكم مشاهدة المسلسلات التي تذاع بالتلفزيون؟ الجواب: على المسلم أن يحفظ وقته فيما يفيده وينفعه في دنياه وآخرته؛ لأنه مسؤول عن هذا الوقت الذي يقضيه؛ بماذا استغله؟ قال تعالى: {أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ} [فَاطِر: 37] . وفي الحديث: أن المرء يسأل عن عمره فيما أفناه ... (¬1) . ومشاهدة المسلسلات ضياع للوقت؛ فلا ينبغي للمسلم الانشغال بها، وإذا كانت المسلسلات تشتمل على منكرات؛ فمشاهدتها حرام، وذلك مثل النساء السافرات والمتبرجات، ومثل الموسيقا والأغاني، ومثل المسلسلات التي تحمل أفكاراً فاسدة تخل بالدين والأخلاق، ومثل المسلسلات التي تشتمل على مشاهد ماجنة تفسد الأخلاق؛ فهذه الأنواع من المسلسلات لا تجوز مشاهدتها (¬2) . (7) المطبوعات والأفلام التي تدعو للانحراف للشيخ محمد عبد الله الخطيب حفظه الله السؤال: ما نظرة الإسلام في ظاهرة المطبوعات والأفلام التي ¬

(¬1) سنن الترمذي، أبو عيسى محمد بن عيسى بن سَوْرة الترمذي، مرجع سابق، كتاب (38) ، باب (1) ، رقم الحديث (2417) ، ج4 ص 612، وقال: هذا حديث حسن صحيح. (¬2) المنتقى من فتاوى الشيخ صالح بن فوزان الفوزان، ج3، ص346.

تدعو للانحراف؟ الجواب: إذا تضمن الفيلم أو المجلة لفظاً (نابياً) أو جملة ساقطة أو منظراً خليعاً من شأنه أن يثير الغرائز أو يتطاول على الفضائل أو يحث على الرذيلة فكل هذا حرام وفساد وشر، وقد توعد الله عزّ وجلّ من يقوم بهذا العمل فقال: {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ *} [النُّور: 19] ، إن الكلمة أو الصورة سلاح ذو حدين إذا أحسن الناس استخدام هذه الأدوات في الإصلاح انتفعت الأمة وارتقى المجتمع فيكون ذلك في هذه الحالة خيراً وبركة، أما إذا أسيء استخدامه من قبل بعضهم فإنه يكون بمثابة معول هادم لكل الخصائص والمقومات للفرد والمجتمع، وهنا يكون بلاء ووباء ويسبب الكثير من العلل والبلايا، وانحرافات الشباب وإغراق بعضهم في المعاصي دليل على ذلك. والمسلم الصادق - مهما كان عمله - يتمنى من صميم قلبه أن تنتفع المجتمعات الإسلامية بالوسائل الإعلامية الحديثة، وأن تكون وسيلة لبناء الفرد وحماية الأسرة وتوجيه الجميع إلى الصلاح والفلاح.. يقول الله سبحانه وتعالى لبيان أثر الكلمة الطيبة في حياة الناس: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طِيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ *تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ *} [إبراهيم: 24-25] . أما الصورة الأخرى فهي الكلمة السيئة والعمل الخبيث فقد قال الحق سبحانه وتعالى فيه: {وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ *} [إبراهيم: 26] .

(8) حكم تجارة أشرطة الفيديو المفسدة

بصّرنا الله بالصواب وهدانا إليه، ونحن أمة في أشد الحاجة إلى شبابها النافع الجاد. اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه (¬1) . (8) حكم تجارة أشرطة الفيديو المفسدة للشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله السؤال: ما حكم تجارة أشرطة الفيديو.. التي أقل ما فيها أن تظهر فيها النساء سافرات، وتمثل فيها قصص الغرام والهيام؟ وهل مال التاجر حرام؟ وماذا يجب عليه؟ وكيف يتخلص من هذه الأشرطة والأجهزة؟ وجزاكم الله خيراً. الجواب: هذه الأشرطة يحرم بيعها واقتناؤها وسماع ما فيها والنظر إليها؛ لكونها تدعو إلى الفتنة والفساد.. والواجب إتلافها والإنكار على من تعاطاها؛ حسماً لمادة الفساد، وصيانة للمسلمين من أسباب الفتنة. والله ولي التوفيق (¬2) . ¬

(¬1) فتاوى حول الدين والدنيا، محمد عبد الله الخطيب، دار التوزيع والنشر الإسلامية، القاهرة، 1409هـ - 1989م، ص 109. (¬2) الشيخ ابن باز - مجلة الدعوة - العدد (1037) .

(9) حكم الموسيقا والغناء

(9) حكم الموسيقا والغناء للشيخ محمد عبد الله الخطيب حفظه الله السؤال: ما حكم الأغاني ودخول السينما ومشاهدة التمثيليات وسماع الموسيقا ... ؟ الجواب: هناك إجماع بين المؤرخين على أن اللهو بصوره المختلفة هو من أخطر الأسباب التي تعرض الأمم للهلاك والزوال. وصدق الله العظيم: {وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا *} [الإسرَاء: 16] . ولو درسنا تاريخ الأمم ما وجدنا أمة أغرقت في الترف إلا زالت وهلكت. والإسلام لا يحرم الطيبات، ولا يكبت مشاعر الإنسان وغرائزه، وقد خلقه الله وفطره على الميل إلى الطيبات. فتراه ينشرح صدره ويرتاح حين يشاهد منظراً جميلاً أو حديقة منسقة أو جدولاً رقراقاً تلعب أمواجه، كما ينشط حين يشم رائحة زكية أو وردة فواحة. والقرآن لا يكتفي بالدعوة إلى اتخاذ الزينة والتمتع بالطيبات فحسب ولكنه يستنكر أن يحرم أحد هذا، قال تعالى {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ} [الأعرَاف: 32] وقال سبحانه: {يَابَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلاَ تُسْرِفُوا إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ *} [الأعرَاف: 31] . ومن قديم عرف الإنسان الأناشيد يرددها وهو يكافح ليستعين بها على الأعمال الشاقة، والعرب كانوا يستعينون «بالحداء» في أسفارهم

بقصد أنس النفس، وحث الإبل على السير. والمسلمون من الرعيل الأول كانوا يرددون وهم يحفرون الخندق حول المدينة هذا النشيد: والله لولا الله ما اهتدينا ... ولا تصدقنا ولا صلينا فأنزلن سكينة علينا ... وثبت الأقدام إن لاقينا ويرى الرسول صلى الله عليه وسلم نسوة من نساء الأنصار في زفاف عروس فيأمر السيدة عائشة أن ترسل معهن من يردد هذا النشيد: أتيناكم أتيناكم ... فحيونا نحييكم ولولا الحبة السمراء ... ما جئنا بواديكم وما استقبل به الأنصار رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم دخوله المدينة (¬1) وهو النشيد الخالد: طلع البدر علينا ... من ثنيات الوداع وجب الشكر علينا ما دعا لله داع أيها المبعوث فينا جئت بالأمر المطاع جئت شرفت المدينة ... مرحباً ياخير داع أناشيد أو أغانٍ كلها عفة ونقاء وطهارة، اللفظ طيّب والمعنى في غاية السمو، يطرب لها القلب وتستريح لها النفس. فهذه الصور وأمثالها أقرها الإسلام واستحبها في المناسبات السارة كأيام العيد والعرس وقدوم الغائب. وفي وقت الوليمة والعقيقة بعد ¬

(¬1) يقول ابن القيم رحمه الله: والصحيح أن ذلك حين عاد الرسول من غزوة تبوك، لأن ثنيات الوداع إنما هي من ناحية الشام، لا يراها القادم من مكة إلى المدينة. (زاد المعاد ج3 ص 551) .

ولادة المولود، واتفق الفقهاء على إباحة ما كان في هذا المستوى لإثارة الشوق إلى الحج، وفي تحريض المجاهدين على القتال. وفي حديث السيدة عائشة: «إن أبا بكر رضي الله عنه دخل عليها وعندها جاريتان في أيام منى - عيد الأضحى - تغنيان وتضربان. والنبي صلى الله عليه وسلم متغش بثوبه. فانتهرهما أبو بكر، فكشف النبي صلى الله عليه وسلم عن وجهه وقال: دعهما يا أبا بكر فإنها أيام عيد» (¬1) . وذلك هو موقف الإسلام من الغريزة: موقف الاعتدال والقصد، من غير قضاء عليها ولا مصادرة لها، ولكنه يوجهها إلى الاستقامة ويهذبها ويقف بها عند حد الاعتدال. فيأخذ الإنسان القدر الذي يحتاجه وينفعه في حدود الانضباط بالشرع وأحكامه التي حددت هذا المجال. الفن الفاسد: 1 - ... إن السماع الدائم للموسيقى يجعل النفس البشرية في حالة ارتخاء مستمر، فتقوى بها نوازع الهوى والإخلاد إلى الراحة وكراهية التكاليف والمشقات، وهذا خطر من الأصل على وجود الأمة وشعورها بواجبها، واستعدادها للتضحية له، وهذه أول عقوبة فطرية تترتب على هذا الانحراف. 2 - ... الموسيقا ذروة اللهو. واللهو ذروة الحياة الدنيا، فاستغراق الإنسان في الموسيقا والأنغام وإقباله الدائم عليها يجعله في موضع عمل ينصرف عن الآخرة ومشاعره مخدرة وكل همه الدنيا. وأما ما يستدل به بعضهم على حِل الأغاني والموسيقا مما قرؤوه ¬

(¬1) متفق عليه، من حديث عائشة رضي الله عنها؛ أخرجه البخاري، كتاب: العيدين، باب: إذا فاته العيد يصلي ركعتين برقم (987) . ومسلم؛ كتاب: صلاة العيدين، باب الرخصة في اللعب الذي لا معصية فيه أيام العيد، برقم (892) .

في بعض الكتب مثل كتاب الأغاني فلا يصح، فهو كتاب أدب لا يصلح دليلاً على الحل والحرمة، وما ورد فيه وفي أمثاله لا يحتج به، ودين الله هو الحجة على الناس، وكل مخلوق يؤخذ من كلامه ويرد إلا المعصوم صلى الله عليه وسلم. 3 - ... وقت المسلم هو أثمن وأغلى من أن يُنفق في هذه التفاهات، لأن العمر هو الزمن وهو أغلى شيء في الحياة وكل شيء له عوض إلا العمر، والحسن البصري يقول: «ما من يوم ينشق فجره إلا وينادي فيه ملك: يا ابن آدم أنا خلق جديد وعلى عملك شهيد فتزوّد مني فإني لا أعود إلى يوم القيامة» . 4 - ... إن وقت الإنسان في العادة موزع بين العمل والإنتاج والنوم والطعام وغيره. وما يتبقى بعد ذلك من الوقت ينبغي أن يصرفه الإنسان على إصلاح ذات نفسه، باستكماله فضائلها وكمالاتها. ومجتمع يقضي وقت فراغه في مثل هذا يرجى له خير. أما إذا شغلت أوقات الفراغ هذه بوسائل اللهو والتسلية والباطل، أصبح الإنسان يعيش حياة الحيوان التي ليس للمخلوق فيها هدف سوى طعامه وشرابه ومتعته. والبحث عما يؤدي إلى هذا. قال تعالى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ} [محَمَّد: 12] . 5 - ... فإذا أضيف إلى هذا كله الغناء الذي ينبع عن تصور فاسد، وعن عواطف خسيسة، وعن فكر رديء، وعن مشاعر منحرفة، فإن هذا كله قتل للأمة وروحها ومسخ لحقيقتها. اهـ. إن ما قرره العلماء من حرمة لهذه الآفات التي نراها - وقد

ارتبطت تاريخياً وواقعياً بالترف ومجالس الشرب - لهي الحقيقة التي لا تقبل الجدال. وفي عصرنا هذا قوي سلطان ما يسمى بالفنون على النفوس واتسع وانتشر، لانتشار الشاشة الصغيرة في البيوت والنوادي والملاهي فيكفي أن يحرك الإنسان مفتاحاً صغيراً ليرى ويسمع ما شاء من أقوال وأفعال ومشاهد أكثرها مسخ وانتكاس عن الفطرة وانقلاب في الموازين، لا ضوابط ولا رقابة بل كلهم يتسابقون في أن يصبحوا حديث المراهقين والمراهقات ليحققوا أكبر قدر من المال والشهرة، إسفاف في ألفاظ الأغنية وميوعة في الحركة واتخاذ الجنس وسيلة للجذب، دُور للعرض مكدسة بالشباب وغير الشباب في اختلاط وتبرج. كلها حيل ماكرة لجذب الشباب إلى الباطل. وتدريبهم على الاستخفاف والاستهزاء والتجريح، وكأنما أغلقت كل السبل وسُدت كلّ الأبواب أمام الفنانين والمؤلفين والمخرجين ولم يبق إلا مستوى الحب الرخيص والاستهانة بكل القيم. والواقع يشهد على صدق ما نقول. أين العمل الفني الهادف، الذي نتوصل إليه بالوسائل النظيفة مع تقدير الآداب العامة. وتقدير أخلاق هذه الأمة وعقيدتها، وإسلامها، أما غير هذا مما نرى ونشاهد في واقعنا فهذا هو الذي حذرنا منه الرسول صلى الله عليه وسلم حين قال: «ليشربن ناس من أمتي الخمر يسمونها بغير اسمها، يعزف على رؤوسهم بالمعازف والمغنيات، يخسف الله بهم الأرض، ويجعل منهم القردة والخنازير» . (¬1) وليس بضروري أن يكون مسخ هؤلاء مسخاً للشكل والصورة، ¬

(¬1) أخرجه ابن ماجه؛ كتاب: الفتن، باب: العقوبات، برقم (4020) ، عن أبي مالك الأشعري رضي الله عنه.

وإنما هو مسخ النفس والروح، وحلول البلادة والجبن فيحملون بين ضلوعهم نفس القردة وروح الخنازير، من كثرة إدمانهم الشر وحرصهم على الفساد وجرأتهم على الله عز وجل. وفي ضوء المقاييس التي قدمناها نستطيع أن نفهم حكم الإسلام في دخول السينما ومشاهدة المسرح وسماع الأغنية، والانشغال بالموسيقا، والضوابط لكل حالة ونظرة الإسلام إلى الإنسان وتقديره لوقته وحرصه على سلامة عقيدته وإيمانه، وقد يعجب بعض الناس من هذا ويقول إن هذه الأشياء من المقومات الكبرى لدى سائر الأمم المتحضرة في هذا العصر. ونقول: إن الإسلام لم يقف من هذه الأشياء هذا الموقف إلا لأنها مستوردة من حضارة غير حضارته، ونابعة من تصور غير تصوره. وللإسلام منطلق حضاري آخر مستقل بذاته لا يتفق أبداً ومنطلقات هذه الحضارة التي فرضت على الأمة الإسلامية نتيجة للغزو الثقافي، ثم حدث التقليد الأعمى، فللفن في الإسلام مضمون آخر نابع من العقيدة الإسلامية، مضمون يتناسق مع أدب المسلم وعفته وأخلاقه وحدوده الشرعية، مضمون هادف يربي بالكلمة وبالنشيد وبالتمثيلية وبالموقف، يربي الرجل والمرأة ويبث فيهما أخلاق الإسلام ويربيهما على طبيعة الجهاد والكفاح والإيثار والبذل، والتضحية والوفاء، ورحمة الصغير وتوقير الكبير، فن إسلامي لا علاقة له بهذا العري وهذا الانتكاس وهذه البهيمية، وهذا التبجح الذي بلغ الذروة في كل مكان. قال تعالى: [الذّاريَات: 53-54] {أَتَوَاصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ *فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَمَا أَنْتَ بِمَلُومٍ *} (¬1) . ¬

(¬1) فتاوى حول الدين والدنيا، محمد عبد الله الخطيب، مرجع سابق، ص 110 - 114.

(10) حكم الأغاني التي تصدر في الإذاعات والحفلات

(10) حكم الأغاني التي تصدر في الإذاعات والحفلات للشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله السؤال: ما حكم الأغاني التي تصدر في الإذاعات والحفلات؟ الجواب: هي منقسمة إلى قسمين: الأول: ما اشتمل على حكم ومواعظ وحماسة ونصائح ونحو ذلك مما لا غرام فيه، ولا يشتمل على صوت مزمار ونحوه - فهذا لا محذور فيه، لما فيه من المصلحة. الثاني: ما فيه غرام، ويشتمل على صوت مزمار وما أشبه ذلك - فهو حرام، والأصل في ذلك الكتاب والسنة. أما أدلة (الكتاب) فأربعة: أولاً: قول الله تعالى: {وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ} [الإسرَاء: 64] ، فسّره ابن عباس وغيره بالغناء. وجه الدلالة أن الله جل وعلا بيَّن في هذه الآية: أن الغناء طريق من الطرق التي يسلكها إبليس لإغواء الأمة، وقد تسلط بهذا وبغيره، بدليل قوله تعالى: {لأََحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلاَّ قَلِيلاً} [الإسرَاء: 62] ، وهذا القليل هو المذكور في قوله تعالى: {قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لأَُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ *إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ *} [ص: 82-83] ، وقد بين تعالى أنه ظفر بهم بقوله تعالى: {وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلاَّ فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ *} [سَبَإ: 20] . وقد وقع في هذا كثير من أهل هذا الزمان، فنعوذ بالله من زيغ القلوب. {رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ *} [آل عِمرَان: 8] .

ثانياً: قال تعالى: {وَالَّذِينَ لاَ يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا *} [الفُرقان: 72] . قال محمد بن الحنفية ومجاهد: «الزور» هنا الغناء. وجه الدلالة أن الله تعالى بيَّن من أوصاف المؤمنين أنهم إذا مروا بالزور وهو الغناء مروا مر الكرام، ومفهوم ذلك أن استعماله ليس من أوصاف المؤمنين، فيكون حراماً. ثالثاً: قال تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ *} [لقمَان: 6] . قال الواحدي: أكثر المفسرين على أن المراد (بلهو الحديث) الغناء قاله ابن عباس في رواية سعيد بن جبير ومقسم عنه، وقاله عبد الله بن مسعود في رواية أبي الصهباء عنه، وهو قول مجاهد، وعكرمة. وجه الدلالة أن الله جل وعلا بين أن بعضاً (من الناس يشتري لهو الحديث) وهو الغناء من أجل إضلال الناس، وإذا كان الغناء سبباً من أسباب الضلالة فلا شك في تحريمه. رابعاً: قال تعالى: {أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ *وَتَضْحَكُونَ وَلاَ تَبْكُونَ *وَأَنْتُمْ سَامِدُونَ *} [النّجْم: 59-61] . قال عكرمة: عن ابن عباس " السمود " الغناء في لغة حِمْير، يقال: اسمدي لنا أي غني لنا. قال عكرمة: كانوا إذا أسمعوا القرآن غنَّوا، فنزلت. وجه الدلالة أن الله تعالى استفهم منهم استفهام إنكار وتوبيخ وتقريع وذكر في سياق هذا أن من أوصافهم الذميمة السمود وهو الغناء، فهذا يدل على أنه محرم، إذ لو كان مشروعاً أو باقياً على البراءة الأصلية لما ذمهم على فعله.

وأما "السنة" فنقتصر على دليل واحد، وهو ما رواه البخاري في الصحيح معلقاً بصيغة الجزم (¬1) ، ورواه أبو داود وابن ماجَهْ في السنن، وأبو بكر الإسماعيلي في المستخرج على الصحيح مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ليكونن من أمتي قوم يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف» وتقرير الاستدلال من ثلاثة أوجه: الأول: أن الحديث سيق لذم هذا الصنف من الناس الذين يتجاوزون حدود الله، ومنها هذه الأمور التي منها المعازف، وأكد ذلك باللام في صدر الكلام، وبالنون المؤكدة، ولو كان مباحاً لما ذمهم. الثاني: أنه قال: «يستحلون» ففهم من هذا أن حرمته متقررة. والمعازف هي آلات الملاهي على اختلاف أنواعها، قاله غير واحد من أئمة اللغة: كابن منظور وصاحب القاموس. الثالث: أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قَرَن المعازف بما ذكره معها وهي محرمة، فتكون المعازف مساوية لها في أصل الحكم الذي هو التحريم من (باب دلالة الاقتران) . وأما أقوال الأئمة، فقد قال عبد الله ابن الإمام أحمد: سألت أبي عن الغناء فقال: الغناء ينبت النفاق في القلب، لا يعجبني. وأما الشافعي فقد صرح أصحابه العارفون بمذهبه أنه يقول بتحريمه. وأما الإمام مالك - لما سئل - عنه فقال: إنما يفعله عندنا الفساق. وأما الإمام أبو حنيفة فيقول مالك عنه: وأما أبو حنيفة فإنه يكرهه، ويجعله من الذنوب. قلت: والمراد بالكراهة هنا كراهة ¬

(¬1) هو موصول على قول الجمهور.

(11) حكم تجارة أشرطة الغناء

التحريم، يدل عليه أنه يجعله من الذنوب، ولا يكون من الذنوب إلا إذا كان حراماً (¬1) . (11) حكم تجارة أشرطة الغناء للشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله السؤال: تعلمون - حفظكم الله - ما عمت به البلوى في هذا الزمان من انتشار المحلات المتخصصة في بيع أشرطة الغناء بشتى أصنافها، والمطلوب بيان حكم المتاجرة بهذه الأشرطة؟ علماً بأنها تشتمل على ما يأتي: 1 - المعازف والمزامير بشتى أنواعها. 2 - الدعوة إلى المجون والفساد والفسق ونشر الرذيلة بين الجنسين. 3 - الكلام الساقط والغزل الفاحش. - وما حكم شراء وسماع هذه الأشرطة؟ - وما حكم المال العائد من بيع هذه الأشرطة والمتاجرة فيها؟ - وما حكم تأجير المحلات لبائعي هذه النوعية من الأشرطة؟ - وهل يتحمل مؤجر المحل والبائع فيه إثم المشترين لهذه الأشرطة أم لا؟ - أفتونا مأجورين، وجزاكم الله خيراً. ¬

(¬1) فتاوى المرأة المسلمة، اعتنى بها أشرف عبد المقصود، ج2 ص968 - 971، وفتوى للشيخ محمد بن إبراهيم هذه صادرة عن الإفتاء 13626 - 1 في 21/11/1388هـ.

الجواب: إذا كانت هذه الأشرطة تشتمل على ما ذكرتموه من المعازف والمزامير بشتى أنواعها والدعوة إلى المجون والفساد والفسق ونشر الرذيلة بين الجنسين والكلام الساقط والغزل الفاحش؛ فإنه لا يستريب عاقل - فضلاً عن مؤمن بالله واليوم الآخر يخشى عقاب الله ويرجو ثوابه - بأن شراء هذه الأشرطة وسماعها حرام منكر؛ لأنها مدمرة للأخلاق والمجتمع، معرضة للأمة أن تحل بها العقوبات العامة والخاصة. والواجب على من عنده شيء من هذه الأشرطة أن يتوب إلى الله تعالى وأن يمحو ما فيها من ذلك؛ لينسخ فيها شيئاً مفيداً. أما المال العائد من بيعها والمتاجرة فيها؛ فهو مال حرام لا يحل لصاحبه - لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إنَّ اللهَ إذا حَرَّمَ شيئاً حَرَّمَ ثمنَهُ» (¬1) . وأما تأجير المحلات لبائعي هذه النوعية من الأشرطة فهو حرام أيضاً، والأجرة المأخوذة على ذلك حرام؛ لأن هذا من التعاون على الإثم والعدوان الذي نهى الله عنه بقوله: {وَلاَ تَعَاوَنُوا عَلَى الإِْثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المَائدة، من الآية: 2] . وأما إثم المشترين فعليهم، ولا يبعد أن ينال البائع ومؤجِّر المحل شيء من إثمهم من غير أن ينقص من إثم المشترين شيئاً. والله أعلم (¬2) . ¬

(¬1) أحمد (1/293) ، وأبو داود (3488) ، وابن حبان في «صحيحه» (4938) ، الدارقطني (3/7) ، والطبراني في «الكبير» 12/200 (12887) . وصححه الألباني؛ كما في: «صحيح سنن أبي داود» (2978) . (¬2) الشيخ ابن عثيمين - فتوى عليها توقيعه.

(12) حكم نظر المرأة للرجل من خلال التليفزيون

(12) حكم نظر المرأة للرجل من خلال التليفزيون للشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله السؤال: ما حكم نظر المرأة للرجل من خلال التليفزيون أو النظرة الطبيعية في الشارع؟ الجواب: نظر المرأة للرجل لا يخلو من حالين سواء أكان في التليفزيون أم في غيره: 1 - نظرة بشهوة وتمتع فهذا محرم لما فيه من المفسدة والفتنة. 2 - نظرة مجردة لا شهوة فيها ولا تمتع فهذه لا شيء فيها على الصحيح من أقوال أهل العلم، وهي جائزة لما ثبت في الصحيحين: «أن عائشة رضي الله عنها كانت تنظر إلى الحبشة وهم يلعبون، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يسترها عنهم» وأقرها على ذلك. ولأن النساء يمشين في الأسواق وينظرن إلى الرجال وإن كن متحجبات، فالمرأة تنظر الرجل وإن كان هو لا ينظرها، ولكن بشرط ألا تكون هناك شهوة وفتنة فإن كانت شهوة أو فتنة فالنظرة محرمة في التليفزيون وغيره (¬1) . ¬

(¬1) فتاوى المرأة المسلمة، اعتنى بها أشرف عبد المقصود، ج2 ص973.

فهرس المراجع

فهرس المراجع أولاً: الكتب: 1. أدباء العرب في الأندلس وعصر الانبعاث، بطرس البستاني، دار صادر، بيروت، ط 3. 2. أسمهان ضحية الاستخبارات، سعيد الجزائري، رياض الريس للكتب، لندن، 1990م. 3. الأصول الجمالية للفن الحديث، حسن محمد حسن، دار الفكر العربي. 4. الإعلام اليهودي المعاصر وأثره في الأمة الإسلامية، يوسف محيى الدين أبو هلاله، مكتبة الرسالة الحديثة، عمّان، 1408هـ - 1987م. 5. أفلام الرسوم المتحركة الأجنبية وأثرها على قيم وسلوك الطفل المسلم في المملكة العربية السعودية بمحافظة جدة، فاطمة أحمد أبوظريفة، دراسة غير منشورة، كلية الإمام الأوزاعي للدراسات الإسلامية، بيروت، 1422هـ - 2001م. 6. أهل الفن وتجارة الغرائز، حلمي محمد القاعود، مؤسسة آسام للنشر، الرياض، 1412هـ - 1992م. 7. إيقاف النبيل على حكم التمثيل، عبد السلام آل عبد الكريم، دار العاصمة، الرياض، 1411هـ. 8. بنات الليل وانحرافات الكبار، هشام فاضل، ط4، 1997م، القاهرة. 9. التائبون إلى الله، إبراهيم الحازمي، دار الشريف، الرياض، 1418هـ - 1998م.

10. تاريخ الأدب، أحمد حسن الزيات، دار الرسالة، بيروت، 1374هـ. 11. التلفزيون وتربية الطفل المسلم، عالية الخياط، مطابع الوفاء، المنصورة، 1410هـ - 1990م. 12. حكم ممارسة الفن في الشريعة الإسلامية، صالح بن أحمد الغزالي، دار الوطن، الرياض، 1417هـ. 13. سنن ابن ماجه، أبو عبد الله محمد بن يزيد بن ماجَهْ القزويني [207-275هـ] ، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، دار الريان للتراث، دم، دت. 14. سنن أبي داود، سليمان بن أشعث أبو داود السجستاني، فهرسة كمال يوسف الحوت، دار الجنان، 1409هـ ـ. 15. سنن الترمذي، أبو عيسى محمد بن عيسى بن سورة الترمذي [209 - 279هـ] ، تحقيق أحمد محمد شاكر، مكتبة ومطبعة مصطفى الحلبي، ط2، 1398هـ. 16. الشريعة الإسلامية والفنون، أحمد القضاة، دار الجيل / دار عمار، بيروت / عمان، 1408هـ 1988م. 17. صحيح البخاري، محمد بن إسماعيل البخاري [194-256هـ] ، اعتنى به أبو صهيب الكرمي، بيت الأفكار الدولية، 1419هـ - 1998م. 18. صحيح مسلم، مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري [206-261هـ] ، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء الكتب العربية، القاهرة، دت. 19. فتاوى المرأة المسلمة، اعتنى بها أشرف عبد المقصود، مكتبة طبرية، الرياض، 1415هـ - 1995م. 20. فتاوى حول الدين والدنيا، محمد عبد الله الخطيب، دار التوزيع والنشر الإسلامية، القاهرة، 1409هـ - 1989م.

ثانيا: المحاضرات:

21. فضائح الزعيم، أنيس الدغيدي، دار الشباب العربي، القاهرة. 22. لسان العرب، ابن منظور، دار المعارف، القاهرة. 23. مجموع فتاوى ومقالات متنوعة، الشيخ عبد العزيز بن باز. 24. مخاطر دولة الفنانين وسنوات الوهم، صابر شوكة، دار الجنتل للنشر والتوزيع، 1996م. 25. مختار الصحاح، محمد بن أبي بكر الرازي، المركز العربي للثقافة والفنون، بيروت. 26. مسند الإمام أحمد بن حنبل، أحمد بن حنبل الشيباني [164-241 هـ] ، بيت الأفكار الدولية، 1419هـ - 1998م. 27. المعجم الأدبي، جبور عبد النور، دار العلم للملايين، بيروت، ط2، 1984م. 28. المعجم المفصل في اللغة والأدب، أميل بديع يعقوب وميشال عاصي، دار العلم للملايين، بيروت، 1987م. 29. موسوعة الممثل في السينما المصرية (1927 - 1997م) ، محمود قاسم ويعقوب وهبي، دار الأمين، القاهرة، 1417هـ - 1997م. 30. النفوذ اليهودي في الأجهزة الإعلامية والمؤسسات الدولية، فؤاد بن سيد عبد الرحمن الرفاعي، دار المجتمع للنشر والتوزيع، الكويت. ثانياً: المحاضرات: (1) محاضرة بعنوان توبة الممثل حسن يوسف من الفن والسينما، تسجيلات الدعوة الإسلامية بالرياض. (2) أنيس عبد المعطي، السينما وتشويه المرأة، تسجيلات الآثار الإسلامية بجدة، رقم الشريط 9774. (3) محاضرة بعنوان: الأفلام وخطرها على المجتمع، تسجيلات التقوى الإسلامية، رقم الشريط (8492) .

ثالثا: الصحف والمجلات:

ثالثاً: الصحف والمجلات: (1) جريدة أكتوبر. (2) جريدة الأنباء. (3) جريدة الأهرام. (4) جريدة الحياة. (5) جريدة الشرق الأوسط. (6) جريدة المسلمون. (7) جريدة النخبة. (8) جريدة الهدف الكويتية. (9) جريدة الوفد. (10) مجلة أسرتي. (11) مجلة أكتوبر. (12) مجلة الإذاعة والتلفزيون. (13) مجلة الأسرة. (14) مجلة الجديدة. (15) مجلة الدعوة. (16) مجلة الرياضة والشباب. (17) مجلة الشبكة. (18) مجلة الشريعة. (19) مجلة الصباحية (20) مجلة الصدى. (21) مجلة الكواكب. (22) مجلة المجالس. (23) مجلة المجاهد. (24) مجلة المجتمع. (25) مجلة النخبة. (26) مجلة حريتي. (27) مجلة حواء. (28) مجلة حياة الناس. (29) مجلة خلود. (30) مجلة زهرة الخليج. (31) مجلة سيدتي. (32) مجلة فواصل. (33) مجلة نصف الدنيا. (34) مجلة نادين. (35) مجلة السيدة الأولى.

§1/1