الفقيه والمتفقه للخطيب البغدادي

الخطيب البغدادي

§الْفَقِيهُ وَالْمُتَفَقِّهُ لِلْخَطِيبِ الْبَغْدَادِيِّ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَبِهِ نَسْتَعِينُ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي شَيَّدَ مَنَارَ الدِّينِ وَأَعْلَامَهُ، وَأَوْضَحَ لِلْخَلْقِ شَرَائِعَهُ وَأَحْكَامَهُ، وَبعَثَ صَفْوَتَهُ وَخَصَائِصَ أَوْلِيَائِهِ الْمُصْطَفَيْنَ لِتَبْلِيغِ رِسَالَتِهِ مِنْ أَنْبِيَائِهِ يَدْعُونَ إِلَى تَوْحِيدِهِ، وَتَرْكِ مَا خَالَفَهُ مِنَ الْمِلَلِ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ، وَخَتَمَ الدَّعْوَةَ بِنَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَيِّدِ الْمُرْسَلِينَ وَفَضَّلَهُ عَلَى مَنْ سَبَقَ وغَبَرَ مِنَ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ، وَجَعَلَ شَرِيَعَتَهُ مُؤَيَّدَةً إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَوَكَّلَ بِحِفْظِهَا مِنَ الصِّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ مَنْ تَقُومُ بِهِ الْحُجَّةُ، وَتَرْتَفِعُ بِقَوْلِهِ الشُّبْهَةُ، وَهُمُ الْفُقَهَاءُ الَّذِينَ أَلْزَمَهُمْ حِرَاسَةَ شَرِيعَتِهِ، وَالتَّفَقَّهَ فِي دِينِهِ فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ} [سورة: آل عمران، آية رقم: 79] وَقَالَ سُبْحَانَهُ: {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينَ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} [سورة: التوبة، آية رقم: 122] فَجَعَلَهُمْ فِرْقَتَيْنِ أَوْجَبَ عَلَى إِحْدَاهُمَا الْجِهَادَ فِي سَبِيلِهِ، وَعَلَى الْأُخْرَى التَّفَقُّهَ فِي دِينِهِ لِئَلَّا يَنْقَطِعَ جَمِيعُهُمْ إِلَى الْجِهَادِ فَتَنْدَرِسَ الشَّرِيعَةُ وَلَا يَتَوَفَّرُوا عَلَى طَلَبِ الْعِلْمِ فَيَغْلِبَ الْكُفَّارُ عَلَى الْمِلَّةِ، فَحَرَسَ بَيْضَةَ الْإِسْلَامِ بْالْمُجَاهِدِينَ وَحَفَظَ شَرِيعَةَ الْإِيمَانِ بْالْمُتَعَلِّمِينَ وَأمَرَ بِالرُّجُوعِ إِلَيْهِمْ فِي النَّوَازِلِ وَمَسْأَلَتِهِمْ عَنِ الْحَوَادِثِ، فَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [سورة: النحل، آية رقم: 43] وَقَالَ تَعَالَى {وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ} [سورة: النساء، آية رقم: 83] وَقَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} [سورة: النساء، آية رقم: 59] وَبَيَّنَ أَنَّ الْعُلَمَاءَ هُمُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ فَقَالَ: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [سورة: فاطر، آية رقم: 28] وَجَعَلَهُمْ خُلَفاَءَ فِي أَرْضِهِ، وَحُجَّتَهَ عَلَى عِبَادِهِ وَاكْتَفَى بِهِمْ عَنْ بَعْثِهِ نَبِيًّا وَإِرْسَالِ نَذِيرٍ، وَقَرَنَ شَهَادَتَهُمْ بِشَهَادَتِهِ وَشَهَادَةِ مَلَائِكَتِهِ، فَقَالَ {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ} [سورة:] وَقَالَ: {هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} [سورة: الزمر، آية رقم: 9] ثُمَّ بَيَّنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسُنَّتِهِ فَرْضَ الْعِلْمِ عَلَى أُمَّتِهِ وَحَثَّ عَلَى تَعَلُّمِ الْقُرْآنِ وَأَحْكَامِهِ وَالسُّنَنِ وَمُوجِبَاتِهَا، وَالنَّظَرِ فِي الْفِقْهِ وَاسْتِنْبَاطِ الدَّلَائِلِ وَاسْتِخْرَاجِ الْأَحْكَامِ، وَأَنَا أَذْكُرُ مِمَّا رُوِيَ عَنْهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي ذَلِكَ مَا يَحْدُو ذَا الرَّأْيِ الْأَرْشَدِ، وَالطَّرِيقِ عَلَى التَّفَقُّهِ فِي دِينَ اللَّهِ، وَالنَّظَرِ فِي أَحْكَامِهِ وَالِاجْتِهَادِ فِي تَعَلُّمِ ذَلِكَ وَحِفْظِهِ وَدِرَاسَتِهَ، وَأَذْكُرُ مِنْ أُصُولِ الْفِقْهِ وَتَثْبِيتِ الْحِجَاجِ وَمَحْمُودِ الرَّأْيِ وَمَذْمُومِهِ وَكَيْفِيَّةِ الِاجْتِهَادِ وَتَرْتِيبِ أَدِلَّتِهِ وَالْآدَابِ الَّتِي يَنْبَغِي أَنْ يَتَخَلَّقَ بِهَا الْفَقِيهُ وَالْمُتَفَقِّهُ وَاسْتِعْمَالُهُمَا الْهُدَى وَالْوَقَارِ وَالْخُشُوعِ وَالْإِخْبَاتِ فِي تَعَلُّمِهِمَا وَتَعْلِيمِهِمَا وَمِمَّا يَلْزَمُ الْفَقِيهَ الْمُجْتَهِدَ وَالْمُتَفَقِّهَ الْمُسْتَرْشِدَ، وَيَجِبُ عَلْيِهِمَا، وَيُسْتَحَبُّ لَهُمَا، وَيُكْرَهُ مِنْهُمَا مَا يَتَبَيَّنُ نَفْعُهُ لِمَنْ فَهِمَهُ وَوُفِّقَ لِلْعَمَلِ بِهْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى

باب ذكر الروايات عن النبي صلى الله عليه وسلم في فضل التفقه والأمر به والحث عليه والترغيب فيه قوله عليه السلام: من يرد الله به خيرا يفقهه الدين

§بَابُ ذِكْرِ الرِّوَايَاتِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي فَضْلُ التَّفَقُّهِ وَالْأَمْرِ بِهِ وَالْحَثِّ عَلَيْهِ وَالتَّرْغِيبِ فِيهِ قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ الدِّينَ

أنا أَبُو الْحُسَيْنِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ , أنا أَبُو عَلِيٍّ إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ , نا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ هُوَ الصَّغَانِيُّ وَنَا أَبُو نُعَيْمٍ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ إِسْحَاقَ الْحَافِظُ بِأَصْبَهَانَ إِمْلَاءً , قثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ خَلَّادٍ وَأَنَا أَبُو عَلِيٍّ الْحَسَنُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ شَاذَانَ الْبَزَّازُ , أنا أَبُو سَهْلٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زِيَادٍ الْقَطَّانُ قَالَا: نا مُحَمَّدُ بْنُ غَالِبٍ , قَالَا: نا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَيُّوبَ , نا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ , عَنِ الْأَعْمَشِ , عَنْ أَبِي وَائِلٍ , عَنْ عَبْدِ اللَّهِ , قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: §«مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينَ»

أنا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عُمَرَ الْمُقْرِئُ , أنا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْآجُرِّيُّ بِمَكَّةَ , أنا أَبُو مُسْلِمٍ إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْكَشِّيُّ , نا سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ الشَّاذَكُونِيُّ , وَأَنَا أَبُو الْفَرَجِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ شَهْرَيَارَ الْأَصْبَهَانِيُّ بِهَا , أنا أَبُو الْقَاسِمِ سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ أَيُّوبَ الطَّبَرَانِيُّ , نا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَبَانَ السَّرَّاجُ الْبَغْدَادِيُّ , نا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْقَوَارِيرِيُّ , قَالَا: نا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ , نا مَعْمَرٌ , - وَقَالَ الْأَصْبَهَانِيُّ: عَنْ مَعْمَرٍ , - عَنِ الزُّهْرِيِّ , عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ , عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ , قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: §«مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينَ»

أنا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْفَقِيهُ السَّرْخَابَاذِيُّ بِالرَّيِّ، أنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَيُّوبَ بْنِ مَاسِيٍّ، أنا يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ الْقَاضِي، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، وَأنا أَبُو الْحُسَيْنِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ الْقَاسِمِ التَّمِيمِيُّ بِدِمَشْقَ , أنا الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ يُوسُفُ بْنُ الْقَاسِمِ الْمَيَانِجِيُّ , أنا أَبُو يَعْلَى أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْمُثَنَّى الْمَوْصِلِيُّ , أنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمِنْهَالِ , -[74]- أَخُو حَجَّاجٍ الْأَنْمَاطِيُّ قَالَا: نا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ , حَدَّثَنَا مَعْمَرُ , وَقَالَ التَّمِيمِيُّ: عَنْ مَعْمَرٍ , عَنِ الزُّهْرِيِّ , عَنْ سَعِيدٍ , - زَادَ التَّمِيمِيُّ: ابْنِ الْمُسَيِّبِ , ثُمَّ اتَّفَقَا - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ , قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالَ السَّرْخَابَاذِيُّ: عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ -: §«إِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدٍ خَيْرًا فَقَّهَهُ فِي الدِّينِ»

أنا أَبُو نُعَيْمٍ الْحَافِظُ , نا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ فَارِسٍ , نا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ الْعَبْدِيُّ , حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ , وَأَخْبَرَنِي أَبُو مُحَمَّدٍ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ الْجَوْهَرِيُّ , أنا أَبُو الْفَضْلِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ يَعْقُوبَ الْهَاشِمِيُّ , نا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ الْغَضَائِرِيُّ , بِحَلَبَ , نا مَنْصُورُ بْنُ أَبِي مُزَاحِمٍ , قَالَا: نا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ , - زَادَ الْجَوْهَرِيُّ: الْمَدَنِيُّ , ثُمَّ اتَّفَقَا - عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِنْدٍ , عَنْ أَبِيهِ , عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ , عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَفِي حَدِيثِ الْجَوْهَرِيِّ: عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: §«مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ»

أنا أَبُو الْفَرَجِ عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ عُمَرَ بْنِ بُرْهَانٍ الْغَزَّالُ الْبَغْدَادِيُّ , بِصُورٍ أنا أَبُو حَفْصٍ عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ النَّاقِدُ , نا أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سُلَيْمَانَ بْنِ الْأَشْعَثِ سَنَةَ إِحْدَى وَثَلَاثِ مِائَةٍ. وَأَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْحَذَّاءُ , أنا أَبُو حَفْصٍ عُمَرُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عُثْمَانَ الْوَاعِظُ , نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سُلَيْمَانَ , وَأَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ أَحْمَدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ رَوْحٍ النَّهْرَوَانِيُّ بِهَا , أنا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مَاهَبْزَذِ الْأَصْبَهَانِيُّ , نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سُلَيْمَانَ بْنِ الْأَشْعَثِ , نا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ الْمِصْرِيُّ , نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ , أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ ,؛ أَنَّ عَبَّادَ بْنَ سَالِمٍ , حَدَّثَهُ , أَنَّ سَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَهُ , عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ , عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ , قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: §«مَنْ يُرِدِ اللَّهَ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ» هَذَا لَفْظُ حَدِيثِ ابْنِ بُرْهَانٍ

وَقَالَ الْحَذَّاءُ: عَنْ عَبَّادِ بْنِ سَالِمٍ , عَنْ سَالِمٍ. وَقَالَ ابْنُ رَوْحٍ: إِنَّ سَالِمًا حَدَّثَهُ , عَنِ ابْنِ عُمَرَ , عَنْ عُمَرَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «§مَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يُفَقِّهْهُ»

أنا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بِشْرَانَ -[76]- الْوَاعِظُ , أنا أَبُو مُحَمَّدٍ دَعْلَجُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ دَعْلَجٍ الْمُعَدِّلُ , نا مُحَمَّدُ بْنُ أَيُّوبَ , نا سُلَيْمَانُ بْنُ زَيْدٍ , هُوَ مَوْلَى بَنِي هَاشِمٍ , نا عَلِيُّ بْنُ يَزِيدَ يَعْنِي الصُّدَائِيَّ - عَنْ أَبِي شَيْبَةَ , عَنْ أَنَسٍ , قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: §«مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ»

أَخْبَرَنِي أَبُو الْحُسَيْنِ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ بْنِ أَحْمَدَ السُّكَّرِيُّ , نا أَبُو عُمَرَ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَبَّاسِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ زَكَرِيَّا بْنِ حَيَوَيْهِ الْخَزَّازُ قَالَ: قُرِئَ عَلَى جَعْفَرِ بْنِ أَحْمَدَ الْمَرْوَزِيِّ وَأَنَا أَسْمَعُ , قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْحَسَنِ إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ يَحْيَى بْنِ حَمَّادٍ بِالْكُوفَةِ , نا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلِ بْنِ غَزْوَانَ الضَّبِّيُّ , عَنْ أَبَانَ بْنِ أَبِي عَيَّاشٍ , عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ , قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: §«مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ , وَيُلْهِمْهُ رُشْدَهُ»

أنا الْحَسَنُ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ شَاذَانَ , أنا أَبُو سُلَيْمَانَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ الْحَرَّانِيُّ , نا الْفَضْلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْعَطَّارُ , نا سُلَيْمُ بْنُ -[77]- مَنْصُورِ بْنِ عَمَّارٍ , نا أَبِي , نا الْمُنْكَدِرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ , قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: §«إِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِأَهْلِ بَيْتٍ خَيْرًا فَقَّهَهُمْ فِي الدِّينِ , وَرَزَقَهُمُ الرِّفْقَ فِي مَعِيشَتِهِمْ , وَوَقَّرَ صَغِيرُهُمْ كَبِيرَهُمْ»

أنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ غَالِبٍ الْفَقِيهُ الْخُوَارِزْمِيُّ الْمَعْرُوفُ: بِالْبُرْقَانِيِّ قَالَ: قَرَأْنَا عَلَى عُمَرَ بْنِ نُوحٍ الْبَجَلِيِّ , وَقَرَأْتُهُ عَلَى أَبِي حَفْصٍ عُمَرَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الزَّيَّاتِ , أَخْبَرَكُمْ جَعْفَرٌ الْفِرْيَابِيُّ , حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. وَأَنَا الْبُرْقَانِيُّ قَالَ: وَقَرَأْتُ عَلَى أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ بْنِ حَسْنُوَيْهِ , أَخْبَرَكُمُ الْحُسَيْنُ بْنُ إِدْرِيسَ , نا عُثْمَانُ هُوَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ قَالَا: نا زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ , أَخْبَرَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ قَالَ: حَدَّثَنِي رَبِيعَةُ بْنُ يَزِيدَ الدِّمَشْقِيُّ , عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرٍ الْيَحْصِبِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ مُعَاوِيَةَ يَقُولُ عَلَى مِنْبَرِ دِمَشْقَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: §«مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ»

أنا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحُسَيْنُ بْنُ عُمَرَ بْنِ بُرْهَانٍ الْغَزَّالُ , -[78]- نا أَبُو عَمْرٍو عُثْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الدَّقَّاقُ , نا أَحْمَدُ بْنُ الْخَلِيلِ الْبَغَوِيُّ , وَأَنَا الْحَسَنُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ , أنا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْأَدَمِيِّ الْقَارِئُ , نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَسَنِ الْهَاشِمِيُّ , قَالَا: نا يَحْيَى بْنُ إِسْحَاقَ , نا ابْنُ لَهِيعَةَ , عَنْ جَعْفَرِ بْنِ رَبِيعَةَ , عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ يَزِيدَ , عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرٍ الْيَحْصِبِيِّ , قَالَ: سَمِعْتُ مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ , يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: §«مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ»

أنا أَبُو الْحُسَيْنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بِشْرَانَ الْمُعَدِّلُ , أنا عُثْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الدَّقَّاقُ , نا حُسَيْنُ بْنُ أَبِي مَعْشَرٍ , أَخْبَرَنَا وَكِيعٌ , عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ , عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ , قَالَ: قَالَ مُعَاوِيَةُ عَلَى الْمِنْبَرِ: «اللَّهُمَّ §لَا مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ , وَلَا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ , وَلَا يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ مِنْكَ الْجَدُّ , مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ» سَمِعْتُ هَؤُلَاءِ الْكَلِمَاتِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمِنْبَرِ

أنا الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ أَحْمَدَ الْحَرَشِيُّ الْحِيرِيُّ بنَيْسَابُورَ , نا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ بْنِ يُوسُفَ الْأَصَمُّ , أنا الْعَبَّاسُ بْنُ الْوَلِيدِ بْنِ مَزْيَدٍ الْبَيْرُوتِيُّ , قَالَ: أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ شُعَيْبِ بْنِ شَابُورَ , عَنْ عُتْبَةَ بْنِ أَبِي حَكِيمٍ الْهَمْدَانِيِّ , عَنْ مَكْحُولٍ , أَنَّهُ حَدَّثَهُ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ , قَالَ - وَهُوَ يَخْطُبُ عَلَى الْمِنْبَرِ -: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " يَا أَيُّهَا النَّاسُ: إِنَّمَا §الْعِلْمُ بِالتَّعَلُّمِ , وَالْفِقْهُ بِالتَّفَقُّهِ , ومَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ , وَإِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ , وَلَنْ تَزَالَ أُمَّةٌ مِنْ أُمَّتِي عَلَى الْحَقِّ ظَاهِرِينَ عَلَى النَّاسِ لَا يُبَالُونَ مَنْ خَالَفَهُمْ , وَلَا مَنْ نَاوَأَهُمْ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ ظَاهِرُونَ "

أنا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ رِزْقٍ الْبَزَّازُ , أنا عُثْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ الدَّقَّاقُ , نا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ الْمُنَادِي , نا أَبُو بَدْرٍ , نا عُثْمَانُ بْنُ حَكِيمٍ , وَأَنَا الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ الْحِيرِيُّ , حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْأَصَمُّ , نا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي دَاوُدَ الْمُنَادِي , نا شُجَاعُ بْنُ الْوَلِيدِ , عَنْ عُثْمَانَ بْنِ حَكِيمٍ الْأَنْصَارِيِّ , عَنْ زِيَادِ بْنِ أَبِي زِيَادٍ , - مَوْلَى -[80]- الْحَارِثِ بْنِ عَيَّاشٍ - قَالَ: قَالَ مُعَاوِيَةُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ عَلَى هَذِهِ الْأَعْوَادِ: «اللَّهُمَّ §لَا مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ , وَلَا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ , وَلَا يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ مِنْكَ الْجَدُّ , مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ الْخَيْرَ» - وَقَالَ الْحِيرِيُّ: خَيْرًا - يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ "

أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ الْقَاسِمِ النَّرْسِيُّ , أنا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الشَّافِعِيُّ , نا مُعَاذُ بْنُ الْمُثَنَّى , ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَوَّارِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَبُو السَّوَّارِ الْعَنْبَرِيُّ نا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ , نا جَبَلَةُ بْنُ عَطِيَّةَ , عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَيْرِيزٍ , عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ , قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: §«إِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدٍ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ»

أنا أَبُو الْفَرَجِ عَبْدُ السَّلَامِ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ الْقُرَشِيُّ بِأَصْبَهَانَ , أنا أَبُو الْقَاسِمِ سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ أَيُّوبَ الطَّبَرَانِيُّ , نا أَبُو زُرْعَةَ الدِّمَشْقِيُّ , نا عَلِيُّ بْنُ عَيَّاشٍ , وَأَبُو الْيَمَانِ , قَالَا: نا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ , عَنْ رَاشِدِ بْنِ دَاوُدَ , عَنْ أَبِي أَسْمَاءَ , عَنْ مُعَاوِيَةَ , قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: §«مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ»

أنا أَبُو سَعِيدٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى بْنِ الْفَضْلِ بْنِ شَاذَانَ الصَّيْرَفِيُّ بنَيْسَابُورَ، نا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْأَصَمُّ , نا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ الْعُطَارِدِيُّ، نا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ بُرْقَانَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ الْأَصَمِّ، عَنْ مُعَاوِيَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: §«مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ»

أنا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عُمَرَ الْمُقْرِئُ، أنا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْآجُرِيُّ، نَا الْفِرْيَابِيُّ , نا أَبُو مَسْعُودٍ الْمِصِّيصِيُّ , نا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ شَقِيقٍ , أنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ , أنا يُونُسُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: سَمِعْتُ مُعَاوِيَةَ، يَخْطُبُ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: §«مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ»

أنا الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ الْحِيرِيُّ , نا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْأَصَمُّ , نا الْعَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدٍ الدُّورِيُّ , نا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُونُسَ , نا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ , عَنْ جَرَادِ بْنِ مُجَالِدٍ , عَنْ رَجَاءِ بْنِ حَيْوَةَ , قَالَ: كَانَ مُعَاوِيَةُ يَنْهَى عَنِ الْحَدِيثِ , يَقُولُ: لَا تُحَدِّثُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَسَمِعْتُهُ يَوْمًا , يَقُولُ عَلَى الْمِنْبَرِ - مَا سَمِعْتُ مِنْهُ , قَطُّ غَيْرَهُ - يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: §«إِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدٍ خَيْرًا فَقَّهَهُ فِي الدِّينِ»

أنا عَبْدُ السَّلَامِ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ الْقُرَشِيُّ , أنا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ الطَّبَرَانِيُّ , نا أَبُو زُرْعَةَ الدِّمَشْقِيُّ , نا عَلِيُّ بْنُ عَيَّاشٍ الْحِمْصِيُّ , نا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ , عَنْ صَفْوَانَ بْنِ عَمْرٍو , عَنْ أَيْفَعَ بْنِ عَبْدٍ , عَنْ مُعَاوِيَةَ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: §«مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ»

أنا أَبُو الْقَاسِمِ طَلْحَةُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الصَّقْرِ الْكَتَّانِيُّ , نا أَبُو سُلَيْمَانَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْحَرَّانِيُّ , نا الْفَضْلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْعَطَّارُ , بِأَنْطَاكِيَّةَ , نا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ , نا الْوَلِيدُ يَعْنِي ابْنَ مُسْلِمٍ - نا مَرْوَانُ بْنُ جُنَاحٍ , عَنْ يُونُسَ بْنِ مَيْسَرَةَ بْنِ حَلْبَسٍ , قَالَ: سَمِعْتُ مُعَاوِيَةَ , -[83]- يُحَدِّثُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: §«الْخَيْرُ عَادَةٌ , وَالشَّرُّ لَجَاجَةٌ , وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ»

أنا أَبُو أَحْمَدَ عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ الْحَرْبِيُّ , أنا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحُسَيْنُ بْنُ أَحْمَدَ الْهَرَوِيُّ , نا أَبُو أَيُّوبَ سُلَيْمَانُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ الْخُزَاعِيُّ , نا مُحَمَّدُ بْنُ الْوَزِيرِ , نا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ , نا مَرْوَانُ بْنُ جُنَاحٍ , عَنْ يُونُسَ بْنِ مَيْسَرَةَ بْنِ حَلْبَسٍ , قَالَ: سَمِعْتُ مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ , عَلَى هَذَا الْمِنْبَرِ - يَعْنِي: مِنْبَرَ دِمَشْقَ - يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: §«الْخَيْرُ عَادَةٌ , وَالشَّرُّ لَجَاجَةٌ , وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ»

أنا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ رِزْقَوَيْهِ الْبَزَّازُ , نا عُثْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَلِيٍّ الْخَزَّازُ , نا أَبُو الْأَزْهَرِ مُحَمَّدُ بْنُ عَاصِمٍ , نا هَارُونُ بْنُ مُسْلِمٍ الْعِجْلِيُّ , نا الْقَاسِمُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ , عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ , عَنْ أَبِيهِ , قَالَ: خَطَبَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ -[84]-: §« 19 - مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ , يَا أَيُّهَا النَّاسُ تَفَقَّهُوا»

أنا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْجَوْهَرِيُّ , أنا أَبُو الْحُسَيْنِ مُحَمَّدُ بْنُ الْمُظَفَّرِ بْنِ مُوسَى الْحَافِظُ , نا أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ الصُّوفِيُّ , حَدَّثَنَا سُوَيْدٌ هُوَ ابْنُ سَعِيدٍ , حَدَّثَنِي الْوَلِيدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُوقَرِيُّ , عَنْ ثَوْرِ بْنِ يَزِيدَ , عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ , عَنْ مُعَاوِيَةَ ,؛ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: §«مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ , وَمَنْ لَمْ يُبَالِ بِهِ لَمْ يُفَقِّهْهُ»

أنا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ رِزْقَوَيْهِ , وَأَبُو الْحُسَيْنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بِشْرَانَ قَالَا: أنا عُثْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ الدَّقَّاقُ , نا حُسَيْنُ بْنُ أَبِي مَعْشَرٍ , أنا وَكِيعٌ , وَأَنَا الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ الْحِيرِيُّ , نا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْأَصَمُّ , نا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ الْعُطَارِدِيُّ , نا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ , كِلَاهُمَا عَنِ الْأَعْمَشِ , عَنْ تَمِيمِ بْنِ سَلَمَةَ , - زَادَ وَكِيعٌ: السُّلَمِيَّ , ثُمَّ اتَّفَقَا - عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ , قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ - وَفِي حَدِيثِ الْحِيرِيِّ: عَنْ عَبْدِ اللَّهِ -[85]- قَالَ: §«مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ» مَوْقُوفٌ

أنا ابْنُ رِزْقُوَيْهِ , وَابْنُ بِشْرَانَ قَالَا: أنا عُثْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ , نا الْحُسَيْنُ بْنُ أَبِي مَعْشَرٍ , أنا وَكِيعٌ , عَنِ الْأَعْمَشِ , عَنْ أَبِي سُفْيَانَ , عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ , قَالَ: §«مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ وَيُلْهِمْهُ رُشْدَهُ»

ذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم: تجدون الناس معادن خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا

§ذِكْرُ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: تَجِدُونَ النَّاسَ مَعَادِنَ خِيَارُهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ خِيَارُهُمْ فِي الْإِسْلَامِ إِذَا فَقِهُوا

أنا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ السُّكَّرِيُّ , أنا أَبُو عَلِيٍّ إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ , نا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ , نا عَبْدُ الرَّزَّاقِ , أنا مَعْمَرٌ , عَنِ الزُّهْرِيِّ , عَنْ أَبِي سَلَمَةَ , عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ , قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: §«تَجِدُونَ النَّاسَ مَعَادِنَ , خِيَارُهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ خِيَارُهُمْ فِي الْإِسْلَامِ إِذَا فَقِهُوا»

أنا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ السَّرَّاجُ بنَيْسَابُورَ , أنا أَبُو عَمْرٍو إِسْمَاعِيلُ بْنُ نُجَيْدِ بْنِ حَمْدَانَ السُّلَمِيُّ , نا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَوَّارٍ , أنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ , نا الْمُغِيرَةُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ , عَنْ أَبِي الزِّنَادِ , عَنِ الْأَعْرَجِ , عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ , أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: §«النَّاسُ مَعَادِنُ , خِيَارُهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ خِيَارُهُمْ فِي الْإِسْلَامِ إِذَا فَقِهُوا»

أنا أَبُو عَمْرٍو عُثْمَانُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ بْنِ دَوَسْتٍ الْعَلَّافُ , أنا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الشَّافِعِيُّ , نا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْجُعْفِيُّ , نا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبَانَ , نا سُفْيَانُ , عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ , عَنْ جَابِرٍ , قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: §«النَّاسُ مَعَادِنُ خِيَارُهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ خِيَارُهُمْ فِي الْإِسْلَامِ إِذَا فَقِهُوا»

أنا الْقَاضِي أَبُو الْقَاسِمِ عَلِيُّ بْنُ الْمُحْسِنِ بْنِ عَلِيٍّ التَّنُوخِيُّ , أنا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ زَيْدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ مَرْوَانَ الْكُوفِيُّ , نا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ الْعِجْلِيُّ , نا جُبَارَةُ , نا حَمَّادُ بْنُ شُعَيْبٍ , عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ , عَنْ جَابِرٍ , قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: §«خِيَارُهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ , خِيَارُكُمْ فِي الْإِسْلَامِ إِذَا فَقِهُوا»

فضل مجالس الفقه على مجالس الذكر

§فَضْلُ مَجَالِسِ الْفِقْهِ عَلَى مَجَالِسِ الذِّكْرِ

أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ يُوسُفَ الصَّيَّادُ , أنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ بْنِ خَلَّادٍ الْعَطَّارُ , نا الْحَارِثُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي أُسَامَةَ التَّمِيمِيُّ , نا مُحَمَّدُ بْنُ بَكَّارٍ , نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ , عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زِيَادِ بْنِ أَنْعَمَ الْأَفْرِيقِيِّ , عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَافِعٍ , عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ , قَالَ: دَخَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَسْجِدَ قَالَ: فَرَأَى مَجْلِسَيْنِ , أَحَدُ الْمَجْلِسَيْنِ يَذْكُرُونَ اللَّهَ وَيَرْغَبُونَ إِلَيْهِ , وَالْآخَرُونَ يَتَعَلَّمُونَ الْفِقْهَ , فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: §«كِلَا الْمَجْلِسَيْنِ عَلَى خَيْرٍ , وَأَحَدُهُمَا أَفْضَلُ مِنْ صَاحِبِهِ , أَمَّا هَؤُلَاءِ , فَيُدْعَوْنَ اللَّهَ , وَيَرْغَبُونَ إِلَيْهِ , فَإِنْ شَاءَ أَعْطَاهُمْ , وَإِنْ شَاءَ مَنَعَهُمْ , وَأَمَّا هَؤُلَاءِ فَيَعْمَلُونَ , وَيُعَلِّمُونَ الْجَاهِلَ , وَإِنَّمَا بُعِثْتُ مُعَلِّمًا» فَجَلَسَ مَعَهُمْ كَذَا فِي كِتَابِي عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَافِعٍ , وَهُوَ خَطَأٌ , صَوَابُهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ رَافِعٍ , وَكَذَلِكَ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ , وَحِبَّانُ بْنُ مُوسَى , وَالْحُسَيْنُ بْنُ الْحَسَنِ الْمَرْوَزِيَّانِ , عَنِ ابْنِ الْمُبَارَكِ

أَخْبَرَنَاهُ أَبُو نُعَيْمٍ الْحَافِظُ , نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ فَارِسٍ , نا يُونُسُ بْنُ حَبِيبٍ , نا أَبُو دَاوُدَ , نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ , -[89]- عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زِيَادٍ , عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ رَافِعٍ , عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو , قَالَ: دَخَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَسْجِدَ , وَقَوْمٌ يَذْكُرُونَ اللَّهَ , وَقَوْمٌ يَتَذَاكَرُونَ الْفِقْهَ , فَقَالَ النَّبِيُّ , صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: §«كِلَا الْمَجْلِسَيْنِ عَلَى خَيْرٍ , أَمَّا الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ , وَيَسْأَلُونَ رَبَّهُمْ , فَإِنْ شَاءَ أَعْطَاهُمْ , وَإِنْ شَاءَ مَنَعَهُمْ , وَهَؤُلَاءِ يُعَلِّمُونَ النَّاسَ وَيَتَعَلَّمُونَ , وَإِنَّمَا بُعِثْتُ مُعَلِّمًا , وَهَذَا أَفْضَلُ» فَقَعَدَ مَعَهُمْ

أنا أَبُو الْحَسَنِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ الْعَتِيقِيُّ بِبَغْدَادَ , وَأَبُو الْفَرَجِ عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ عُمَرَ بْنِ بُرْهَانٍ بِصُورٍ قَالَا: أنا أَبُو يَعْقُوبَ إِسْحَاقُ بْنُ سَعْدِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ سُفْيَانَ النَّسَوِيُّ , نا جَدِّي , نا حَبَّانُ بْنُ مُوسَى , أنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ , عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زِيَادِ بْنِ أَنْعَمَ , عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ رَافِعٍ , عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو , قَالَ: دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَسْجِدَ , فَرَأَى مَجْلِسَيْنِ , أَحَدُهُمَا يَدْعُونَ اللَّهَ , وَيَرْغَبُونَ إِلَيْهِ , وَالْآخَرُ يَتَعَلَّمُونَ الْفِقْهَ , فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: §«كِلَا الْمَجْلِسَيْنِ عَلَى خَيْرٍ , وَأَحَدُهُمَا أَفْضَلُ مِنْ صَاحِبِهِ , أَمَّا هَؤُلَاءِ فَيُدْعَوْنَ اللَّهَ وَيَرْغَبُونَ إِلَيْهِ , فَإِنْ شَاءَ أَعْطَاهُمْ , وَإِنْ شَاءَ مَنَعَهُمْ , وَأَمَّا هَؤُلَاءِ فَيَتَعَلَّمُونَ وَيُعَلِّمُونَ الْجَاهِلَ , وَإِنَّمَا بُعِثْتُ مُعَلِّمًا , هَؤُلَاءِ أَفْضَلُ» ثُمَّ جَلَسَ مَعَهُمْ أنا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْجَوْهَرِيُّ , نا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَبَّاسِ الْخَزَّازُ , -[90]- نا يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ صَاعِدٍ , نا الْحُسَيْنُ بْنُ الْحَسَنِ الْمَرْوَزِيُّ , أنا ابْنُ الْمُبَارَكِ , عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زِيَادِ بْنِ أَنْعَمِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ رَافِعٍ , عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو , قَالَ: دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَسْجِدَ , فَذَكَرَ نَحْوَهُ تَابَعَ جَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ ابْنَ الْمُبَارَكِ عَلَى رِوَايَتِهِ هَكَذَا عَنِ ابْنِ أَنْعَمَ بِهِ وَرَوَاهُ أَبُو يُوسُفَ يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْقَاضِي , عَنِ ابْنِ أَنْعَمَ , عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ , عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو

كَذَلِكَ أنا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ طَلْحَةَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْمُقْرِئُ , أنا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ صَالِحٍ الْأَبْهَرِيُّ الْفَقِيهُ الْمَالِكِيُّ , نا أَبُو عَرُوبَةَ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَوْدُودٍ بِحَرَّانَ , نا جَدِّي: عَمْرُو بْنُ أَبِي عَمْرٍو , نا أَبُو يُوسُفَ الْقَاضِي , نا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زِيَادِ بْنِ أَنْعَمَ , عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ , عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ , قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَإِذَا فِي الْمَسْجِدِ مَجْلِسَانِ: مَجْلِسٌ يَتَفَقَّهُونَ وَيَتَعَلَّمُونَ , وَمَجْلِسٌ يَدْعُونَ اللَّهَ وَيَسْأَلُونَهُ , فَقَالَ: §«كِلَا الْمَجْلِسَيْنِ إِلَى خَيْرٍ , أَمَّا هَؤُلَاءِ فَيُدْعَوْنَ اللَّهُ , وَيَسْأَلُونَهُ , وَأَمَّا هَؤُلَاءِ فَيَتَعَلَّمُونَ وَيُفَقِّهُونَ الْجَاهِلَ , هَؤُلَاءِ أَفْضَلُ , بِالتَّعْلِيمِ أُرْسِلْتُ» ثُمَّ قَعَدَ مَعَهُمْ

أنا الْقَاضِي أَبُو الْعَلَاءِ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ يَعْقُوبَ الْوَاسِطِيُّ , نا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْبِرْتِيُّ , بِوَاسِطَ , نا يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ صَاعِدٍ , نا لُوَيْنٌ , نا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ , عَنْ يَزِيدَ الرَّقَاشِيِّ , عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ , قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: §«لَأَنْ أَجْلِسَ مَعَ قَوْمٍ يَذْكُرُونَ اللَّهَ مِنْ غُدْوَةٍ إِلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ , أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ , وَمِنَ الْعَصْرِ إِلَى غُرُوبِهَا أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ كَذَا وَكَذَا» وَقَالَ: نا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ , عَنِ الْمُعَلَّى بْنِ زِيَادٍ , عَنْ يَزِيدَ الرَّقَاشِيِّ , قَالَ: كَانَ أَنَسٌ إِذَا حَدَّثَ هَذَا الْحَدِيث , أَقْبَلَ عَلَيَّ وَقَالَ: «وَاللَّهِ مَا هُوَ بِالَّذِي تَصْنَعُ أَنْتَ وَأَصْحَابُكَ , وَلَكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَتَعَلَّمُونَ الْقُرْآنَ وَالْفِقْهَ»

أنا أَبُو سَعِيدٍ الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَسْنُوَيْهِ الْكَاتِبُ بِأَصْبَهَانَ , نا أَبُو جَعْفَرٍ أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ مَعْبَدٍ السِّمْسَارُ , نا أَبُو بَكْرِ بْنُ النُّعْمَانِ , نا ابْنُ -[92]- الْأَصْبَهَانِيِّ , نا عَفِيفُ بْنُ سَالِمٍ , وَأَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ يَحْيَى بْنِ جَعْفَرِ بْنِ عَبْدَكُويَهْ , إِمَامُ الْمَسْجِدِ الْجَامِعِ بِأَصْبَهَانَ أَيْضًا , أنا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ بُنْدَارٍ الْمَدِينِيُّ , نا أَحْمَدُ بْنُ مَهْدِيٍّ , نا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ الْأَصْبَهَانِيِّ , أنا عَفِيفُ بْنُ سَالِمٍ , عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ , عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {§وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ} [الكهف: 28] قَالَ: «مَجَالِسُ الْفِقْهِ» وَفِي حَدِيثِ أَحْمَدَ بْنِ مَهْدِيٍّ قَالَ: «هِيَ مَجَالِسُ الْفِقْهِ»

ذكر الرواية أن حلق الفقه هي رياض الجنة

§ذِكْرُ الرِّوَايَةِ أَنَّ حِلَقَ الْفِقْهِ هِيَ رِيَاضُ الْجَنَّةِ

حَدَّثَنِي أَبُو طَالِبٍ يَحْيَى بْنُ عَلِيِّ بْنِ الطَّيِّبِ الْعِجْلِيُّ الدَّسْكَرِيُّ لَفْظًا بِحُلْوَانَ , نا جِبْرِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَلَانِسِيُّ الْعَدْلُ , بِهَمَذَانَ , حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ بْنِ عَامِرٍ السَّمَرْقَنْدِيُّ , نا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ , نا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ , عَنْ نَافِعٍ , عَنْ سَالِمٍ , عَنِ ابْنِ عُمَرَ , قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «§إِذَا مَرَرْتُمْ بِرِيَاضِ الْجَنَّةِ فَارْتَعُوا» قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ: وَمَا رِيَاضُ الْجَنَّةِ؟ قَالَ: «حَلَقُ الذِّكْرِ»

أنا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُعَدِّلُ , أنا أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ صَفْوَانَ الْبَرذَعِيُّ , نا أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي الدُّنْيَا , نا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْجُشَمِيُّ , نا زَائِدَةُ بْنُ أَبِي الرُّقَادِ , حَدَّثَنِي زِيَادٌ النُّمَيْرِيُّ , عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ , قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -[94]-: «§إِذَا مَرَرْتُمْ بِرِيَاضِ الْجَنَّةِ فَارْتَعُوا» قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ: وَأَنَّى لَنَا بِرِيَاضِ الْجَنَّةِ فِي الْأَرْضِ؟ قَالَ: «حَلَقُ الذِّكْرِ , فَإِنَّ لِلَّهِ سَيَّارَاتٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ يَطْلُبُونَ حَلَقَ الذِّكْرِ , فَإِذَا أَتَوْا عَلَيْهِمْ حَفُّوا بِهِمْ»

أنا أَبُو الْفَرَجِ عَبْدُ السَّلَامِ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ الْقُرَشِيُّ , أنا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ الطَّبَرَانِيُّ , نا أَبُو زُرْعَةَ الدِّمَشْقِيُّ , وَكَتَبَ إِلَيَّ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي نَصْرٍ الدِّمَشْقِيُّ , وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ الْقَطَّانُ النَّيْسَابُورِيُّ , عَنْهُ قَالَ: أنا أَبُو الْمَيْمُونِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَاشِدٍ الْبَجَلِيُّ , أنا أَبُو زُرْعَةَ , نا أَبُو عَبْدِ الْمَلِكِ بْنُ الْفَارِسِيِّ , نا يَزِيدُ بْنُ سَمُرَةَ أَبُو هَزَّانَ , أَنَّهُ سَمِعَ عَطَاءً الْخُرَاسَانِيَّ , يَقُولُ: §«مَجَالِسُ الذِّكْرِ , هِيَ مَجَالِسُ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ» وَهَذَا آخِرُ حَدِيثٍ الطَّبَرَانِيِّ , وَزَادَ ابْنُ رَاشِدٍ: «كَيْفَ تَشْتَرِي وَتَبِيعُ , وَتُصَلِّي وَتَصُومُ , وَتُنْكَحُ وَتُطَلِّقُ , وَتَحُجُّ , وَأَشْبَاهُ هَذَا»

أنا أَبُو سَعِيدٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى الصَّيْرَفِيُّ , نا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْأَصَمُّ , نا أَبُو عُثْمَانَ سَعِيدُ بْنُ عُثْمَانَ الْحِمْصِيُّ -[95]- بِحِمْصَ , نا عُبَيْدُ بْنُ جُنَادٍ , - صَدُوقٌ - وَثَنَا عَطَاءُ بْنُ مُسْلِمٍ الْحَلَبِيُّ , عَنْ زَيْدٍ الْعَمِّيِّ , عَنِ الْقَاسِمِ يَعْنِي ابْنَ مُحَمَّدٍ عَنْ عَبْدَ اللَّهِ يَعْنِي ابْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «§إِذَا مَرَرْتُمْ بِرِيَاضِ الْجَنَّةِ فَارْتَعُوا» - يَعْنِي: حَلَقَ الذِّكْرِ - «أَمَا إِنِّي لَا أَقُولُ حِلَقَ الْقُصَّاصِ وَلَكِنْ حِلَقَ الْفِقْهِ» كَذَا رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ الْأَصَمُّ بِهَذَا الْإِسْنَادِ , وَعَلَى هَذَا اللَّفْظِ , وَرُوِي عَنْ مُوسَى بْنِ مَرْوَانَ الرَّقِّيِّ عَنْ عَطَاءِ بْنِ مُسْلِمٍ بِخِلَافِهِ

أَنَاهُ أَبُو الْقَاسِمِ عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي عُثْمَانَ الدَّقَّاقُ , أنا أَبُو الْحُسَيْنِ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْبَوَّابِ , نا أَبُو مُحَمَّدٍ بْنُ الرَّبِيعِ الْأَنْمَاطِيُّ , نا عُمَرُ بْنُ شَبَّةَ , نا مُوسَى بْنُ مَرْوَانَ , نا عَطَاءُ بْنُ مُسْلِمٍ , عَنْ زَيْدِ بْنِ حِبَّانَ , عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ الْوَلِيدِ , قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: §«إِذَا مَرَرْتُمْ بِرِيَاضِ الْجَنَّةِ فَارْتَعُوا - أَمَا إِنِّي لَا أَعِنِّي حِلَقَ الْقُصَّاصِ وَلَكِنِّي أَعْنِي حِلَقَ الْفِقْهِ»

أنا الْقَاضِي أَبُو الْعَلَاءِ الْوَاسِطِيُّ , أنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ حَمْدَانَ بْنَ مَالِكٍ الْقَطِيعِيُّ , نا بِشْرُ بْنُ مُوسَى , نا مُعَاوِيَةُ بْنُ عَمْرٍو , عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ , عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ الْوَلِيدِ , - أُرَاهُ: عَنِ الضَّحَّاكِ , - قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: §«إِذَا مَرَرْتُمْ بِرِيَاضِ الْجَنَّةِ فَارْتَعُوا - أَمَا إِنِّي لَا أَعِنِّي حِلَقَ الْقُصَّاصِ , وَلَكِنْ حِلَقَ الْفِقْهِ»

وَعَنْ أَبِي إِسْحَاقَ , قَالَ: قَالَ سُفْيَانُ: وَقَالَ الضَّحَّاكُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: {§بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ} [آل عمران: 79] قَالَ: «هُوَ هَذَا» يَعْنِي: مَجْلِسَهُمْ يَتَفَقَّهُونَ

فضل التفقه على كثير من العبادات

§فَضْلُ التَّفَقُّهِ عَلَى كَثِيرٍ مِنَ الْعِبَادَاتِ

أنا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَلِيِّ بْنِ أَحْمَدَ الْوَرَّاقُ الْأَزَجِيُّ , نا عَلِيُّ بْنُ عَمْرٍو الْحَرِيرِيُّ , نا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ التِّنِّيسِيُّ , نا إِسْمَاعِيلُ بْنُ حَمْدَوَيْهِ الْبِيكَنْدِيُّ , نا إِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ , قَالَ: نا بَقِيَّةُ بْنُ الْوَلِيدِ , عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ , عَنْ أَبِي صَالِحٍ , عَنِ الضَّحَّاكِ بْنِ مُزَاحِمٍ , عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ , قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: §«مَنْ خَرَجَ يَطْلُبُ بَابًا مِنَ الْعِلْمِ , لِيَرُدَّ بِهِ ضَالًّا إِلَى هُدًى , أَوْ بَاطِلًا إِلَى حَقٍّ , كَانَ كَعِبَادَةِ مُتَعَبِّدٍ أَرْبَعِينَ عَامًا» رَوَاهُ غَيْرُهُ عَنْ بَقِيَّةَ عَنِ السَّرِيِّ بْنِ عَبْدِ الْحَمِيدِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ

أنا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْهَرِيُّ , وَأَبُو الْقَاسِمِ التَّنُوخِيُّ , قَالَا: أنا الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ الْجِرَاحِيُّ , نا مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى بْنِ سَهْلٍ الْبَرْبَهَارِيُّ , نا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سُوَيْدٍ الْجُذُوعِيُّ , بِالْبَصْرَةَ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَخَمْسِينَ وَمِائَتَيْنِ , نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُذَيْنَةَ , نا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُجَاهِدٍ , عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ , عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: §«لَا خَيْرَ فِي قِرَاءَةٍ إِلَّا بِتَدَبُّرٍ , وَلَا عِبَادَةٍ إِلَّا بِفِقْهٍ , وَمَجْلِسُ فِقْهٍ خَيْرٌ مِنْ عِبَادَةِ سِتِّينَ سَنَةً»

أنا الْحَسَنُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ , أنا أَبُو سَهْلٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زِيَادٍ الْقَطَّانُ , نا إِبْرَاهِيمُ بْنُ إِسْحَاقَ السَّرَّاجُ , وَأَنَا الْحَسَنُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ , أنا أَبُو الْحَسَنِ أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ نَيْخَابٍ الطِّيبِيُّ , نا صَالِحُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُوسَى الْأَزَاذْوَارِيُّ , قَالَا: نا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى , نا خَارِجَةُ , عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَطَاءٍ , عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ , عَنْ أَبِي سَلَمَةَ , - زَادَ صَالِحُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ , ثُمَّ اتَّفَقَا - عَنْ أَبِيهِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: §«يَسِيرُ الْفِقْهِ خَيْرٌ مِنْ كَثِيرِ الْعِبَادَةِ , وَخَيْرُ أَعْمَالِكُمْ أَيْسَرُهَا»

أنا أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ الْقَاهِرِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عِتْرَةَ الْمَوْصِلِيُّ , أنا أَبُو هَارُونَ مُوسَى بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ هَارُونَ الْأَنْصَارِيُّ الزُّرَقِيُّ , نا مُحَمَّدُ بْنُ بَسَّامٍ , نا حَمْدُونُ الدَّشْتَكِيُّ , نا أَبِي , عَنْ خَارِجَةَ يَعْنِي ابْنَ مُصْعَبٍ وَأَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ رِزْقٍ , نا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ جَعْفَرٍ النَّيْسَابُورِيُّ , أنا أَبُو نُعَيْمٍ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَدِيٍّ , نا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الطَّلْقِيُّ , أنا مُحَمَّدُ بْنُ خَالِدٍ الرَّازِيُّ , نا -[99]- خَارِجَةُ , عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ , عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدٍ , عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ , عَنْ أَبِيهِ , أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: §«يَسِيرُ الْفِقْهِ خَيْرٌ مِنْ كَثِيرِ الْعِبَادَةِ» وَقَالَ ابْنُ عِتْرَةَ: «مِنْ كَثِيرٍ مِنَ الْعِبَادَةِ» ثُمَّ اتَّفَقَا: «وَخَيْرُ أَعْمَالِكُمْ أَيْسَرُهَا»

أنا أَبُو الْقَاسِمِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى بْنِ مُوسَى الْبَزَّازُ , أنا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ الْمِصْرِيُّ , نا أَبُو الْوَلِيدِ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ يَحْيَى بْنِ بُكَيْرٍ , نا أَبِي , نا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ , عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ أَسِيدٍ , عَنِ ابْنِ رَجَاءِ بْنِ حَيْوَةَ , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو , قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: §«قَلِيلُ الْفِقْهِ خَيْرٌ مِنْ كَثِيرِ الْعِبَادَةِ , وَكَفَى بِالْمَرْءِ فِقْهًا إِنْ عَبَدَ اللَّهَ وَكَفَى بِالْمَرْءِ جَهْلًا إِذَا أُعْجِبَ بِرَأْيِهِ , إِنَّمَا النَّاسُ رَجُلَانِ , فَمُؤْمِنٌ وَجَاهِلٌ , فَلَا تُؤْذِيَنَّ الْمُؤْمِنَ , وَلَا تُجَاوِرُ الْجَاهِلَ»

أنا أَبُو الْقَاسِمِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْهَيْثَمِ الْأَصْبَهَانِيُّ بِهَا , نا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ أَيُّوبَ الطَّبَرَانِيُّ , نا يَحْيَى بْنُ عُثْمَانَ بْنِ صَالِحٍ الْمِصْرِيُّ , حَدَّثَنَا نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ , نا عَبْدُ الْعَزِيزِ الدَّرَاوَرْدِيُّ , عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ , عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: §«تَعَلَّمُوا الْعِلْمَ , فَإِنَّ تَعَلُّمَهُ حَسَنَةٌ , وَدِرَاسَتَهُ تَسْبِيحٌ , وَالْبَحْثَ عَنْهُ جِهَادٌ , وَتَعَلُّمَهُ مِمَّنْ يَعْلَمُهُ صَدَقَةٌ , وَبَذْلَهُ لِأَهْلِهِ قُرْبَةٌ , وَهُوَ مَنَارُ سَبِيلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ , وَالْآنِسُ فِي الْوَحْدَةِ , وَالصَّاحِبُ فِي الْغُرْبَةِ , وَالدَّلِيلُ فِي الظُّلْمَةِ , وَالْمُحَدِّثُ فِي الْخَلْوَةِ , وَالسِّلَاحُ عَلَى الْأَعْدَاءِ , يَرْفَعُ اللَّهُ بِهِ أَقْوَامًا فَيَجْعَلُهُمْ فِي الْخَيْرِ قَادَةً , وَفِي الْهُدَى أَئِمَّةً يُقْتَدَى بِهِمْ , وَتُرْمَقُ أَعْمَالُهُمْ , وَتَرْغَبُ الْمَلَائِكَةُ فِي إِخَائِهِمْ , فَبِأَجْنِحَتِهَا تَمْسَحُهُمْ , وَكُلُّ رَطْبٍ وَيَابِسٍ يَسْتَغْفِرُ لَهُمْ , حَتَّى حَيَّتَانُ الْبَحْرِ , وَهَوَامُّ الْأَرْضِ , وَسِبَاعُ الرَّمَلِ , وَنُجُومُ السَّمَاءِ , أَلَا إِنَّ الْعِلْمَ حَيَاةُ الْقُلُوبِ مِنَ الْعَمَى , وَنُورُ الْبَصَرِ مِنَ الظُّلَمِ , بِهِ يُطَاعُ اللَّهُ , وَبِهِ يُعْبَدُ اللَّهُ , وَبِهِ يُحْمَدُ اللَّهُ , وَبِهِ تُوصَلُ الْأَرْحَامُ , وَبِهِ يُعْرَفُ الْحَلَالُ مِنَ الْحَرَامِ , هُوَ إِمَامُ الْعَقْلِ , وَالْعَمَلُ تَابِعُهُ , يُلْهِمُهُ اللَّهُ السُّعَدَاءَ , وَيَحْرِمُهُ الْأَشْقِيَاءَ , وَلَا خَيْرَ فِي عِبَادَةٍ بِغَيْرِ تَفَقُّهٍ , وَلَا خَيْرَ فِي قِرَاءَةٍ بِغَيْرِ تَعَبُّدٍ -[101]- وَتَدَبُّرٍ , وَالْقَلِيلُ مِنَ التَّفَقُّهِ خَيْرٌ مِنْ كَثِيرِ عِبَادَةٍ , وَلَمَجْلِسُ سَاعَةٍ فِي تَفَقُّهٍ خَيْرٌ مِنْ عِبَادَةِ سَنَةٍ»

أنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ عُمَرَ بْنِ بُرْهَانٍ الْغَزَّالُ , أنا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ لُؤْلُؤٍ الْوَرَّاقُ , نا أَبُو سَعِيدٍ عَبْدُ الْكَبِيرِ بْنُ عُمَرَ الْخَطَّابِيُّ , نا أَبُو بَدْرٍ هُوَ عَبَّادُ بْنُ الْوَلِيدِ الْغُبَرِيُّ حَدَّثَنِي حَجَّاجُ بْنُ نُصَيْرٍ , نا هِلَالُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحَنَفِيُّ , عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي مَيْمُونَةَ , عَنْ أَبِي سَلَمَةَ , عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ , وَأَبِي ذَرٍّ قَالَا: بَابٌ مِنَ الْعِلْمِ نَتَعَلَّمُهُ أَحَبُّ إِلَيْنَا مِنْ أَلْفِ رَكْعَةٍ تَطَوُّعًا , وَبَابٌ مِنَ الْعِلْمِ نُعَلِّمُهُ عُمِلَ بِهِ , أَوْ لَمْ يُعْمَلْ أَحَبُّ إِلَيْنَا مِنْ مِائَةِ رَكْعَةٍ تَطَوُّعًا وَقَالَا: سَمِعْنَا النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: §«إِذَا جَاءَ الْمَوْتُ طَالِبَ الْعِلْمِ , وَهُوَ عَلَى هَذِهِ الْحَالِ , مَاتَ وَهُوَ شَهِيدٌ»

أنا أَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي حَسْنُوَيْهِ الْأَصْبَهَانِيُّ , نا أَبُو جَعْفَرٍ أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ مَعْبَدٍ السِّمْسَارُ , نا يَحْيَى بْنُ مُطَرِّفٍ , نا سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ , قَالَ: أَخْبَرَنِي شَيْخٌ , لَنَا , يُقَالُ لَهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْأَزْدِيُّ , عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُطَرِّفٍ , عَنْ إِسْمَاعِيلَ , عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ , عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ , قَالَ: §«لَأَنْ أَعْلَمَ بَابًا مِنَ الْعِلْمِ فِي أَمْرٍ وَنَهْيٍ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ سَبْعِينَ غَزْوَةً فِي سَبِيلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ»

وَأَنَا أَبُو سَعِيدٍ , قَالَ: نا أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ مَعْبَدٍ , نا أَبُو الْهَيْثَمِ يَحْيَى بْنُ مُطَرِّفٍ , نا سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ , نا فُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ , عَنْ هِشَامٍ عَنِ الْحَسَنِ , قَالَ: §«لَأَنْ أَتَعَلَّمَ بَابًا مِنَ الْعِلْمِ , فَأُعَلِّمُهُ مُسْلِمًا أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ تَكُونَ لِي الدُّنْيَا كُلُّهَا , أَجْعَلُهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى»

وَقَالَ يَحْيَى بْنُ مُطَرِّفٍ , نا مُحَمَّدُ بْنُ بُكَيْرٍ , نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ , عَنْ مَعْمَرٍ , قَالَ: بَلَغَنَا عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ , قَالَ: §«مُذَاكَرَةٌ لِلْعِلْمِ سَاعَةً , خَيْرٌ مِنْ قِيَامِ لَيْلَةٍ»

أنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ يَزْدَادَ الْقَارِئُ , أنا عَبْدُ اللَّهِ -[103]- بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ الْأَصْبَهَانِيُّ , بِهَا , نا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الْفَرْقَدِيُّ , نا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَمْرٍو , نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ , عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ قَالَ: قَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ: §«لَأَنْ أَذْكُرَ الْفِقْهَ سَاعَةً أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ قِيَامِ لَيْلَةٍ»

أنا الْحَسَنُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ , أنا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ نَيْخَابٍ الطِّيبِيُّ , نا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ زِيَادٍ , نا أَبُو نُعَيْمٍ ضِرَارُ بْنُ صُرَدٍ , نا الْمُعْتَمِرُ , حَدَّثَنِي أَبِي , قَالَ: قَالَ رَجُلٌ لِأَبِي مِجْلَزٍ وَهُمْ يَتَذَاكَرُونَ الْفِقْهَ وَالسُّنَّةَ: لَوْ قَرَأْتَ عَلَيْنَا سُورَةً مِنَ الْقُرْآنِ , فَقَالَ: §«مَا أَنَا بِالَّذِي أَزْعُمُ أَنَّ قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ أَفْضَلُ مِمَّا نَحْنُ فِيهِ»

حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ الْبُرْقَانِيُّ , قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى مُحَمَّدِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْحَجَّاجِيُّ , أُخْبِرُكُمْ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ خُزَيْمَةَ , نا الْحُسَيْنُ بْنُ سَلَمَةَ بْنِ أَبِي كَبْشَةَ , نا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ , نا حُمَيْدٌ الْكِنْدِيُّ , قَالَ: سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ أَبِي كَثِيرٍ , يَقُولُ: §«تَعْلِيمُ الْفِقْهِ صَلَاةٌ , وَدِرَاسَةُ الْقُرْآنِ صَلَاةٌ»

وَكَتَبَ إِلَيَّ أَبُو نَصْرٍ عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ -[104]- الْمُرِّيُّ مِنْ دِمَشْقَ , أَنَّ أَبَا سُلَيْمَانَ مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ الرِّبْعِيَّ حَدَّثَهُمْ قَالَ: نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْبَغَوِيُّ , بِبَغْدَادَ قَالَ: حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ هَانِئٍ , قَالَ: قُلْتُ لِأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ: أَيُّ شَيْءٍ أَحَبُّ إِلَيْكَ , أَجْلِسُ بِاللَّيْلِ أَنْسَخُ , أَوْ أُصَلِّي تَطَوُّعًا؟ قَالَ: §«إِذَا كُنْتَ تَنْسَخُ , فَأَنْتَ تَعَلَّمُ بِهِ أَمْرَ دِينِكَ , فَهُوَ أَحَبُّ إِلَيَّ»

تفضيل الفقهاء على العباد

§تَفْضِيلُ الْفُقَهَاءِ عَلَى الْعُبَّادِ

أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عُمَرَ الْمُقْرِئُ , أنا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْآجُرِيُّ , نا أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ مُوسَى بْنِ زَنْجُوَيْهِ الْقَطَّانُ , نا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ الدِّمَشْقِيُّ , نا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ , عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَطَاءٍ , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ , قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: §«فَضْلُ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ كَفَضْلِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ عَلَى سَائِرِ الْكَوَاكِبِ , وَإِنَّ الْعُلَمَاءَ لَهُمْ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ , إِنَّ الْأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا , وَلَكِنَّهُمْ وَرَّثُوا الْعِلْمَ , فَمَنْ أَخَذَ» - يَعْنِي: بِهِ - «أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ»

أنا أَبُو الطَّاهِرِ عَبْدُ الْغَفَّارِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ الْمُؤَدِّبُ , أنا عُمَرُ بْنُ أَحْمَدَ الْوَاعِظُ , نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ سَعِيدٍ الطَّالْقَانِيُّ , نا -[106]- عَمَّارُ بْنُ عَبْدِ الْمَجِيدِ , نا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ الرَّازِيُّ , عَنْ أَبِي الْعَبَّاسِ جَعْفَرِ بْنِ هَارُونَ الْوَاسِطِيِّ , عَنْ سَمْعَانَ بْنِ الْمَهْدِيِّ , عَنْ أَنَسٍ , قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَسَأَلَهُ عَنِ الْعُبَّادِ وَالْفُقَهَاءِ , فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ: الْعُبَّادُ أَفْضَلُ عِنْدَ اللَّهِ أَمِ الْفُقَهَاءُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: §«فَقِيهٌ أَفْضَلُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ أَلْفِ عَابِدٍ»

أنا الْحَسَنُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ , أنا أَبُو سُلَيْمَانَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْحَرَّانِيُّ , نا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ قُتَيْبَةَ , نا صَفْوَانُ بْنُ صَالِحٍ , نا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ , عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ , عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ , قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «§لَوْ أَنَّ هَذِهِ وَقَعَتْ عَلَى هَذِهِ» - يَعْنِي: السَّمَاءَ عَلَى الْأَرْضِ - «وَزَالَ كُلُّ شَيْءٍ مِنْ مَكَانِهِ , مَا تَرَكَ الْعَالِمُ عِلْمَهُ , وَلَوْ فُتِحَتِ الدُّنْيَا عَلَى عَابِدٍ , لَتَرَكَ عُبَادَةَ رَبِّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى»

أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ , أنا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ نَيْخَابٍ , نا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ السَّرِيُّ , نا أَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ اللَّهَبِيُّ , حَدَّثَنِي أَبُو ضَمْرَةَ أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ قَالَ: حَدَّثَنِي الْمُغِيرَةُ , عَنِ ابْنِ أَبِي رَوَّادٍ , قَالَ: قَالَ رَجُلٌ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: رَجُلَانِ أَحَدُهُمَا مُقْبِلٌ عَلَى عُبَادَةِ رَبِّهِ , وَالْآخَرُ لَا يَزِيدُ عَلَى الْفَرَائِضِ إِلَّا أَنَّهُ يُعَلِّمُ النَّاسَ؟ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: §«فَضْلُ هَذَا الْعَالِمِ , كَفَضْلِي عَلَى أَدْنَى رَجُلٍ مِنْكُمْ» قُلْتُ: وَلَا تَصِحُّ الْعِبَادَةُ إِلَّا بَعْدَ التَّفَقُّهِ

أنا أَبُو سَعِيدٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى الصَّيْرَفِيُّ , نا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْأَصَمُّ , نا هَارُونُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْأَصْبَهَانِيُّ , نا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ , عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ النَّضْرِ الْحَارِثِيِّ , قَالَ: كَانَ الرَّبِيعُ بْنُ خُثَيْمٍ يَقُولُ: §«تَفَقَّهْ ثُمَّ اعْتَزِلْ»

أنا أَبُو الْحُسَيْنِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ , وَأَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ دَاوُدَ الرَّزَّازُ قَالَا: أنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ سَلْمَانَ بْنِ الْحَسَنِ النِّجَادِ , نا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّائِغُ , نا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ هَانِئٍ أَبُو نُعَيْمٍ النَّخَعِيُّ , نا الْعَلَاءُ بْنُ كَثِيرٍ , عَنْ نَافِعٍ , قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى ابْنِ عُمَرَ , فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَلِّمْنِي شَيْئًا أَنَالُ بِهِ خَيْرًا قَالَ: «§تَفَقَّهْ فِي الدِّينِ» قَالَ: مَا أُرَاهُ فَهِمَ عَنِّي فَعَاوَدَهُ قَالَ: إِنَّمَا -[108]- أَسْأَلُكَ أَنْ تُعَلِّمَنِيَ شَيْئًا أَنَالُ بِهِ خَيْرًا قَالَ ابْنُ عُمَرَ: «وَيْحَ الْآخَرِ , أَلَيْسَ الْفِقْهُ فِي الدِّينِ خَيْرًا مِنْ كَثِيرِ الْعَمَلِ؟ إِنَّ قَوْمًا لَزِمُوا بُيُوتَهُمْ فَصَامُوا وَصَلَّوْا , حَتَّى يَبِسَتْ جُلُودُهُمْ عَلَى أَعْظُمِهُمْ , لَمْ يَزْدَادُوا بِذَلِكَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا بُعْدًا»

أنا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْحِنَّائِيُّ , وَأَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي طَاهِرٍ الدَّقَّاقُ قَالَا: نا أَحْمَدُ بْنُ سَلْمَانَ النِّجَادُ , نا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سُلَيْمَانَ , حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ يُونُسَ , حَدَّثَنَا الْمُحَارِبِيُّ , عَنْ بَكْرِ بْنِ خُنَيْسٍ , عَنْ ضِرَارِ بْنِ عَمْرٍو , قَالَ: §«إِنَّ قَوْمًا تَرَكُوا الْعِلْمَ , وَمُجَالَسَةَ أَهْلِ الْعِلْمِ , وَاتَّخِذُوا مَحَارِيبَ فَصَامُوا وَصَلَّوْا , حَتَّى بَلِيَ جِلْدُ أَحَدِهِمْ عَلَى عَظْمِهِ , وَخَالَفُوا السُّنَّةَ فَهَلَكُوا , فَلَا وَالَّذِي لَا إِلَهَ غَيْرُهُ , مَا عَمِلَ عَامِلٌ قَطُّ عَلَى جَهْلٍ إِلَّا كَانَ مَا يُفْسِدُ أَكْثَرُ مِمَّا يُصْلِحُ»

نا أَبُو طَالِبٍ يَحْيَى بْنُ عَلِيٍّ الدَّسْكَرِيُّ , أنا يُوسُفُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ السَّهْمِيُّ , بِجُرْجَانَ , نا أَبُو نُعَيْمٍ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَدِيٍّ , نا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ , نا فَهْدُ بْنُ عَوْفٍ , نا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ , نا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ , عَنْ رَجُلٍ , مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ , عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ , قَالَ: §«مَنْ عَمِلَ عَلَى غَيْرِ عِلْمٍ , كَانَ مَا يُفْسِدُ أَكْثَرَ مِمَّا يُصْلِحُ»

أنا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي طَاهِرٍ , نا أَحْمَدُ بْنُ سَلْمَانَ النِّجَادُ , حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سُلَيْمَانَ , نا يَحْيَى , عَنْ شَرِيكٍ , عَنْ نُصَيْرِ بْنِ هُرَيْمٍ الْمُحَارِبِيِّ , عَنْ مُطَرِّفِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الشِّخِّيرِ , وَأَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْجَوْهَرِيُّ , أنا أَبُو عُبَيْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عِمْرَانَ بْنِ مُوسَى الْمَرْزَبَانِيُّ , نا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى الْمَكِّيُّ , نا مُحَمَّدُ بْنُ الْقَاسِمِ بْنِ خَلَّادٍ , قَالَ: قَالَ مُطَرِّفُ بْنُ -[110]- عَبْدِ اللَّهِ: §«الْعِلْمُ أَفْضَلُ مِنَ الْعَمَلِ , أَلَا تَرَى أَنَّ الرَّاهِبَ يَقُومُ اللَّيْلَ , فَإِذَا أَصْبَحَ» - وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ: حَتَّى إِذَا أَصْبَحَ - «أَشْرَكَ»

ذكر الرواية أنه يقال للعابد: ادخل الجنة ويقال للفقيه: اشفع

§ذِكْرُ الرِّوَايَةِ أَنَّهُ يُقَالُ لِلْعَابِدِ: ادْخُلِ الْجَنَّةَ وَيُقَالُ لِلْفَقِيهِ: اشْفَعْ

أنا عَبْدُ الْغَفَّارِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ , أنا عُمَرُ بْنُ أَحْمَدَ الْوَاعِظُ , نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ سَعِيدٍ الطَّالْقَانِيُّ , نا عَمَّارُ بْنُ عَبْدِ الْمَجِيدِ , نا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ الرَّازِيُّ , عَنْ أَبِي الْعَبَّاسِ جَعْفَرِ بْنِ هَارُونَ الْوَاسِطِيِّ , عَنْ سَمْعَانَ بْنِ الْمَهْدِيِّ , عَنْ أَنَسٍ , قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " §إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى لِلْعَابِدِ: ادْخُلِ الْجَنَّةَ , فَإِنَّمَا كَانَتْ مَنْفَعَتُكَ لِنَفْسِكَ , وَيُقَالُ لِلْعَالِمِ: اشْفَعْ تُشَفَّعْ , فَإِنَّمَا كَانَتْ مَنْفَعَتُكَ لِلنَّاسِ "

حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْخَفَّافُ بِلَفْظِهِ , وَابْنُهُ أَبُو طَاهِرٍ أَحْمَدُ بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ، قَالَ مُحَمَّدٌ: نا، وَقَالَ ابْنُهُ أَحْمَدُ: أنا أَبُو الْحُسَيْنِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْقَاسِمِ بْنِ سَهْلٍ الصَّوَّافُ الْفَقِيهُ , بِالْمَوْصِلِ , نا مُوسَى بْنُ مُحَمَّدٍ , نا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ يَعْنِي الدُّورِيَّ نا مُحَمَّدُ بْنُ مَرْوَانَ , عَنِ ابْنِ جَرِيجٍ , عَنْ عَطَاءٍ , عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ , قَالَ -[112]-: §" إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ , يُؤْتَى بِالْعَابِدِ وَالْفَقِيهِ , فَيُقَالُ - يَعْنِي: لِلْعَابِدِ - ادْخُلِ الْجَنَّةَ , وَيُقَالُ لِلْفَقِيهِ: اشْفَعْ "

ذكر الرواية عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ما عبد الله تعالى بشيء أفضل من فقه في دين

§ذِكْرُ الرِّوَايَةِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: مَا عُبِدَ اللَّهُ تَعَالَى بِشَيْءٍ أَفْضَلَ مِنْ فِقْهٍ فِي دِينٍ

أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ رِزْقَوَيْهِ الْبَزَّازُ , نا أَبُو الْعَبَّاسِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ حَمَّادٍ الْعَسْكَرِيُّ , - إِمْلَاءً فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَثَلَاثِينَ وَثَلَاثِمِائَةٍ - نا إِبْرَاهِيمُ بْنُ حَرْبِ بْنِ عُمَرَ الْعَسْكَرِيُّ , نا عِيسَى بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْبِرَكِيُّ , نا يُوسُفُ بْنُ خَالِدٍ , عَنْ مَسْلَمَةَ بْنِ قَعْنَبٍ وَحَدَّثَنِي أَبُو مُحَمَّدٍ الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ الْخَلَّالُ , نا الْقَاضِي الْحَسَنُ بْنُ عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ الْجِرَاحِيُّ , نا إِسْمَاعِيلُ بْنُ يُونُسَ بْنِ يَاسِينَ , نا إِسْحَاقُ بْنُ أَبِي إِسْرَائِيلَ , نا يُوسُفُ بْنُ خَالِدٍ , وأنا الْحَسَنُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ , أنا أَبُو عَلِيٍّ حَامِدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْهَرَوِيُّ , نا مُحَمَّدُ بْنُ صَالِحٍ الْأَشَجُّ , نا عِيسَى بْنُ زِيَادٍ الدَّوْرَقِيُّ قَالَا: نا مَسْلَمَةُ بْنُ قَعْنَبٍ , عَنْ نَافِعٍ , عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «§مَا عُبِدَ اللَّهُ بِشَيْءٍ» - وَقَالَ الْخَلَّالُ: فِي شَيْءٍ - «أَفْضَلَ مِنْ فِقْهٍ فِي دِينٍ»

أَخْبَرَنِي أَبُو الْحُسَيْنِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ , أنا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ الْمُقْرِئُ النَّقَّاشُ , نا الْحَسَنُ بْنُ -[114]- مَنْصُورٍ الرُّمَّانِيُّ , نا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ نَجْدَةَ الْحَوْطِيُّ , حَدَّثَنَا بَقِيَّةُ , عَنْ إِسْمَاعِيلَ الْكِنْدِيِّ , عَنْ لَيْثٍ , عَنْ مُجَاهِدٍ , عَنِ ابْنِ عُمَرَ , قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: §«أَفْضَلُ الْعِبَادَةِ الْفِقْهُ»

أَخْبَرَنِي أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ , حَدَّثَنَا طَاهِرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَهْلَوَيْهِ النَّيْسَابُورِيُّ , نا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الزَّاهِدُ الْجُلُودِيُّ , نا إِسْحَاقُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْخَشَكُ , نا حَفْصٌ يَعْنِي ابْنَ عَبْدِ اللَّهِ - نا الْمُعَلَّى , عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ , عَنِ الشَّعْبِيِّ , عَنِ ابْنِ عُمَرَ , قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: §«أَفْضَلُ الْعِبَادَةِ الْفِقْهُ , وَأَفْضَلُ الدِّينِ الْوَرَعُ»

أَخْبَرَنِي عَلِيُّ بْنُ يَحْيَى بْنِ جَعْفَرٍ الْإِمَامُ , أنا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ الطَّبَرَانِيُّ , نا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ الْمُنْذِرِ الْقَزَّازُ الْبَصْرِيُّ , نا هَانِئُ بْنُ يَحْيَى نا يَزِيدُ بْنُ عِيَاضٍ , نا صَفْوَانُ بْنُ سُلَيْمٍ , عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ , عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ , قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -[115]-: §«مَا عُبِدَ اللَّهُ تَعَالَى بِمِثْلِ التَّفَقُّهِ فِي الدِّينِ»

أنا الْقَاضِي أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُثْمَانَ الْبَجَلِيُّ , أنا أَبُو مُحَمَّدٍ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ نُصَيْرٍ الْخُلْدِيُّ , نا أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ صَبِيحٍ , بِالْكُوفَةِ قَالَ: وَجَدْتُ فِي كِتَابِ جَدِّي , نا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عُثْمَانَ الْأَزْدِيُّ , نا الْحَسَنُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: §«مَا عُبِدَ اللَّهُ بِشَيْءٍ أَفْضَلَ مِنَ الْفِقْهِ فِي الدِّينِ»

أَخْبَرَنِي أَبُو الْقَاسِمِ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عُثْمَانَ الْأَزْهَرِيُّ الصَّيْرَفِيُّ , حَدَّثَنَا أَبُو الْمُفَضَّلِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الشَّيْبَانِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ الْمُوسَائِيُّ , أَخْبَرَنِي أَبِي إِسْحَاقُ بْنُ الْعَبَّاسِ قَالَ: حَدَّثَنِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ

جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ , قَالَ: حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ جَعْفَرٍ , عَنْ أَخِيهِ مُوسَى , عَنْ أَبِيهِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ , عَنْ أَبِيهِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ , عَنْ أَبِيهِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ , عَنْ أَبِيهِ الْحُسَيْنِ , عَنْ أَبِيهِ عَلِيٍّ , أَنَّ رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ: أَيُّ الْعَمَلِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: «الْعِلْمُ بِاللَّهِ , وَالْفِقْهُ فِي دِينِهِ» فَظَنَّ الرَّجُلُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , لَمْ يَفْهَمْ قَوْلَهُ , فَسَأَلَهُ الثَّانِيَةَ , فَقَالَ لَهُ مِثْلَ قَوْلِهِ الْأَوَّلِ , فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ: أَسْأَلُكَ عَنِ الْعَمَلِ فَتُخْبِرُنِي عَنِ الْعِلْمِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «نَعَمْ , إِنَّ §الْعِلْمَ يَنْفَعُكَ مَعَهُ قَلِيلُ الْعَمَلِ وَكَثِيرُهُ , وَإِنَّ الْجَهْلَ لَا يَنْفَعُكَ مَعَهُ قَلِيلُ الْعَمَلِ وَلَا كَثِيرُهُ»

أنا أَبُو سَعْدٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدَ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَفْصِ بْنِ الخَلِيلٍ الْمَالِينِيُّ , أنا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ حَيَّانَ , نا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ أَبِي عَاصِمٍ النَّبِيلُ , نا أَبُو سُفْيَانَ عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ مُطَرِّفٍ السُّرُوجِيُّ , نا أَبُو عُبَيْدِ اللَّهِ الْعُذْرِيُّ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَحْيَى , عَنْ يُونُسَ , عَنِ الزُّهْرِيِّ , عَنْ أَنَسٍ , قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -[117]-: §«حُسْنُ الْعِبَادَةِ الْفِقْهُ» كَذَا قَالَ لَنَا الْمَالِينِيُّ , فِي رِوَايَتِهِ أَبُو عُبَيْدِ اللَّهِ الْعُذْرِيِّ , وَرَوَاهُ غَيْرُ وَاحِدٍ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ , قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْعُذْرِيُّ

أَنَاهُ أَبُو سَعْدٍ الْمَالِينِيُّ , نا أَبُو الْحُسَيْنِ مُحَمَّدُ بْنُ الْمُظَفَّرِ بْنِ مُوسَى الْحَافِظُ , نا عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَطَرٍ , نا مُحَمَّدُ بْنُ عَوْفٍ , نا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ مُطَرِّفِ السُّرُوجِيُّ , نا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْعُذْرِيُّ وَاسْمُهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَحْيَى , عَنْ يُونُسَ , وَأَنَاهُ أَبُو طَالِبٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْفَتْحِ الْحَرْبِيُّ , أنا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ عُمَرَ بْنِ أَحْمَدَ الْحَافِظُ الدَّارَقُطْنِيُّ , نا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْفَارِسِيُّ , نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ جَابِرٍ الْمِصِّيصِيُّ , نا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ مُطَرِّفٍ , نا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْعُذْرِيُّ , رَجُلٌ مِنْ بَنِي عُذْرَةَ , عَنْ يُونُسَ الْأَيْلِيِّ , عَنِ الزُّهْرِيِّ , عَنْ أَنَسٍ , - زَادَ الْحَرْبِيُّ: ابْنَ مَالِكٍ , ثُمَّ اتَّفَقَا - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: §«خَيْرُ دِينِكُمْ أَيْسَرُهُ وَخَيْرُ الْعِبَادَةِ الْفِقْهُ»

أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدٍ -[118]- الْحَرْبِيُّ , نا أَحْمَدُ بْنُ سَلْمَانَ بْنِ الْحَسَنِ النِّجَادُ , نا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْأَنْمَاطِيُّ , نا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي الْحَوَارِي , أنا مَرْوَانُ بْنُ مُحَمَّدٍ , عَنْ عَطَّافِ بْنِ خَالِدٍ الْمَخْزُومِيِّ , عَنْ صَالِحِ بْنِ مُحَمَّدٍ اللَّيْثِيِّ، وَكَانَ جَلِيسًا لِسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، قَالَ: كَانَ فِتْيَةٌ مِنْ بَنِي لَيْثٍ يَخْتَلِفُونَ إِلَى مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , يَصُومُونَ وَيَقُومُونَ بَيْنَ الْأُولَى وَالْعَصْرِ , فَقُلْتُ لِسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ: يَا أَبَا مُحَمَّدٍ , مَا يَمْنَعُنَا أَنْ نَفْعَلَ مَا يَفْعَلُ هَؤُلَاءِ اللَّيْثِيُّونَ؟ هَذَا وَاللَّهِ حَقُّ الْعِبَادَةِ، قَالَ: فَقَالَ لِي سَعِيدٌ: «§اسْكُتْ، فَإِنَّ عِبَادَةَ اللَّهِ لَيْسَتْ بِالصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ , وَلَكِنْ بِالْفِقْهِ فِي دِينِهِ، وَالتَّفَكُّرِ فِي أَمْرِهِ»

أنا أَبُو الْحَسَنِ بْنُ رِزْقَوَيْهِ , وَأَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ , قَالَا: أنا عُثْمَانُ بْنُ مُحَمَّدٍ الدَّقَّاقُ , نا حُسَيْنُ بْنُ أَبِي مَعْشَرٍ , أنا وَكِيعٌ , عَنْ يَاسِينَ بْنِ مُعَاذٍ , عَنْ عَبْدِ الْقَوِيِّ , عَنْ مَكْحُولٍ , قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: §«مَا عُبِدَ اللَّهُ تَعَالَى بِمِثْلِ الْفِقْهِ»

أَخْبَرَنِي أَبُو طَالِبٍ مَكِّيُّ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ الْحَرِيرِيُّ -[119]- قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو شَاكِرٍ عُثْمَانُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَجَّاجٍ الْبَزَّازُ , نا أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ بْنِ إِسْحَاقَ الْمَنْبِجِيُّ , - بِمَدِينَةِ مَنْبِجَ - نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ خَبِيقٍ الْأَنْطَاكِيُّ , حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ أَسْبَاطِ , عَنْ يَاسِينَ الزَّيَّاتِ , عَنْ عَبْدِ الْقَوِيِّ , عَنْ مَكْحُولٍ , قَالَ: §«مَا عُبِدَ اللَّهُ بِشَيْءٍ أَفْضَلَ مِنَ الْفِقْهِ , إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ , وَدَوَابَّ الْأَرْضِ , وَحِيتَانَ الْبَحْرِ يَسْتَغْفِرُونَ لِمُعَلِّمِ الْخَيْرِ وَالْمُتَعَلِّمِ»

أنا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُعَدِّلُ , أنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ , ثنا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ , نا عَبْدُ الرَّزَّاقِ , أنا مَعْمَرٌ , عَنِ الزُّهْرِيِّ , قَالَ: §«مَا عُبِدَ اللَّهُ بِمِثْلِ الْفِقْهِ»

ذكر الرواية عن النبي صلى الله عليه وسلم: أن فقيها واحدا أشد على الشيطان من ألف عابد

§ذِكْرُ الرِّوَايَةِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّ فَقِيهًا وَاحِدًا أَشَدُّ عَلَى الشَّيْطَانِ مِنْ أَلْفِ عَابِدٍ

أنا الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحَرَشِيُّ , نا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْأَصَمُّ , نا يَزِيدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الصَّمَدِ الدِّمَشْقِيُّ , نا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ , نا الْوَلِيدُ , وَأَنَا أَبُو مَنْصُورٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُثْمَانَ السَّوَّاقُ , وَأَبُو عَبْدِ اللَّهِ أَحْمَدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الْقِصْرِيُّ , - قَالَ أَحْمَدُ: نا , وَقَالَ , مُحَمَّدٌ: - أنا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَيُّوبَ بْنِ مَاسِيٍّ الْبَزَّازُ , نا إِسْحَاقُ بْنُ خَالَوَيْهِ , نا عَلِيُّ بْنُ بَحْرٍ , نا الْوَلِيدُ هُوَ ابْنُ مُسْلِمٍ , نا أَبُو سَعْدٍ رَوْحُ بْنُ جَنَاحٍ , عَنْ مُجَاهِدٍ , أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ , يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَفِي حَدِيثِ السَّوَّاقِ: عَنْ مُجَاهِدٍ , عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ , عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: §«فَقِيهٌ وَاحِدٌ أَشَدُّ عَلَى الشَّيْطَانِ مِنْ أَلْفِ عَابِدٍ»

أنا أَبُو نُعَيْمٍ الْحَافِظُ , نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ فَارِسٍ , نا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْعَبْدِيُّ , نا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ , نا الْوَلِيدُ , وَأَنَا أَبُو أَحْمَدَ عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ الْحَرْبِيُّ , أنا الْحُسَيْنُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْهَرَوِيُّ , نا أَبُو أَيُّوبَ سُلَيْمَانُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ الْخُزَاعِيُّ , حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْوَزِيرِ يَعْنِي الدِّمَشْقِيَّ نا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ , نا رَوْحُ بْنُ جُنَاحٍ , عَنْ مُجَاهِدٍ , عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ , قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: §«فَقِيهٌ وَاحِدٌ أَشَدُّ عَلَى إِبْلِيسَ مِنْ أَلْفِ عَابِدٍ»

أنا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي الْحُسَيْنِ بْنِ بِشْرَانَ الْمُعَدِّلُ , أنا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ الْيَقْطِينِيُّ بِانْتِقَاءِ أَبِي الْحَسَنِ الدَّارَقُطْنِيِّ , نا عُمَرُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ سِنَانٍ , نا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ , نا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ , نا رَوْحُ بْنُ جَنَاحٍ , عَنِ الزُّهْرِيِّ , عَنْ سَعِيدٍ , عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ , قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: §«فَقِيهٌ وَاحِدٌ أَشَدُّ عَلَى الشَّيْطَانِ مِنْ أَلْفِ عَابِدٍ» قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: كَذَا فِي أَصْلِ أَبِي جَعْفَرٍ هَذَا الْحَدِيثُ بِهَذَا الْإِسْنَادِ وَهَذَا الْمَتْنِ قُلْتُ: وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمَحْفُوظُ عَنْ رَوْحٍ , عَنْ مُجَاهِدٍ , عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ , وَمَا أَرَى الْوَهْمَ وَقَعَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ إِلَّا مِنَ الْيَقْطِينِيِّ , وَاللَّهُ -[122]- أَعْلَمُ , وَذَلِكَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ سِنَانٍ عِنْدَهُ , عَنْ هِشَامِ بْنِ عَمَّارٍ , عَنِ الْوَلِيدِ , عَنْ رَوْحٍ , حَدِيثٌ فِي ذِكْرِ الْبَيْتِ الْمَعْمُورِ , عَنِ الزُّهْرِيِّ , عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ

أَنَاهُ أَبُو سَعْدٍ الْمَالِينِيُّ , فِيمَا أَذِنَ أَنْ نَرْوِيَهُ عَنْهُ , أنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَدِيٍّ الْحَافِظُ , نا أَبُو الْعَلَاءِ الْكُوفِيُّ , وَعُمَرُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ سِنَانٍ الْمَنْبِجِيُّ , وَالْحُسَيْنُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ الْقَطَّانُ وَأَنَاهُ عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ عُمَرَ بْنِ بُرْهَانٍ الْغَزَّالُ - قِرَاءَةً عَلَيْهِ - , نا عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ النَّاقِدُ , نا أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ بْنِ مُوسَى الْقَطَّانُ قَالُوا: نا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ , حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ , نا أَبُو سَعْدٍ رَوْحُ بْنُ جَنَاحٍ , عَنِ الزُّهْرِيِّ , عَنْ سَعِيدٍ , عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ , عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " §فِي السَّمَاءِ الدُّنْيَا بَيْتٌ يُقَالُ لَهُ: الْبَيْتُ الْمَعْمُورُ , حِيَالَ الْكَعْبَةِ , وَفِي السَّمَاءِ الرَّابِعَةِ نَهْرٌ , يُقَالُ لَهُ: الْحَيَوَانُ , فَيَدْخُلُهُ جِبْرِيلُ كُلَّ يَوْمٍ , فَيَنْغَمِسُ فِيهِ الْغَمْسَةَ , ثُمَّ يَخْرُجُ فَيَنْتَفِطُ انْتِفَاضَةً , فَيَخِرُّ عَلَيْهِ سَبْعُونَ أَلْفِ قَطْرَةٍ , فَيَخْلُقُ اللَّهُ مِنْ كُلِّ قَطْرَةٍ مَلَكًا يُؤْمَرُوا أَنْ يَأْتُوا الْبَيْتَ الْمَعْمُورَ , فَيَلِجُونَ فِيهِ , فَيَقِفُونَ ثُمَّ يَخْرُجُونَ مِنْهُ , فَلَا يَعُودُونَ إِلَيْهِ أَبَدًا , يُوَلَّى عَلَيْهِمْ أَحَدُهُمْ , يُؤْمَرُ أَنْ يَقِفَ بِهِمْ مِنَ السَّمَاءِ مَوْقِفًا , يُسَبِّحُونَ اللَّهَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ " -[123]- وَاللَّفْظُ لِلْمَالِينِيِّ , فَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ هَذَا الْحَدِيثُ , وَحَدِيثُ مُجَاهِدٍ , عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ , كَانَا فِي كِتَابِ ابْنِ سِنَانٍ , عَنْ هِشَامٍ , يَتْلُو أَحَدُهُمَا الْآخَرَ , فَكَتَبَ الْيَقْطِينِيُّ إِسْنَادَ أَبِي هُرَيْرَةَ , ثُمَّ عَارَضَهُ سَهْوٌ , أَوْ زَاغَ نَظَرُهُ , فَنَزَلَ إِلَى مَتْنِ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ , فَتَرَكَّبَ مَتْنُ هَذَا عَلَى إِسْنَادِ هَذَا وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ عُمَرَ بْنِ سِنَانٍ وَالْيَقْطِينِيِّ ثِقَةٌ مَأْمُونٌ بَرِيءٌ مِنْ تَعَمُّدِ الْخَطَأِ , وَلَا أَعْرِفُ لِحَدِيثِ الْيَقْطِينِيِّ وَجْهًا غَيْرَ هَذَا التَّأْوِيلِ , وَاللَّهُ أَعْلَمُ

أنا أَبُو سَعْدٍ الْمَالِينِيُّ , - قِرَاءَةً عَلَيْهِ - أنا أَبُو أَحْمَدَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَدِيٍّ الْحَافِظُ , بِجُرْجَانَ , نا أَبُو أَيُّوبَ مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ مِهْرَانَ بِالْأَبَلَةِ , حَدَّثَنَا شَيْبَانُ , نا أَبُو الرَّبِيعِ السَّمَّانُ , عَنْ أَبِي الزِّنَادِ , عَنِ الْأَعْرَجِ , عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ , قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: §«لِكُلِّ شَيْءٍ دِعَامَةٌ , وَدِعَامَةُ الْإِسْلَامِ الْفِقْهُ فِي الدِّينِ , وَلَفَقِيهٌ أَشَدُّ عَلَى الشَّيْطَانِ مِنْ أَلْفِ عَابِدٍ»

أنا الْحَسَنُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ , أنا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ مَخْلَدٍ الْجَوْهَرِيُّ , نا أَحْمَدُ بْنُ الْهَيْثَمِ الْبَزَّازُ , نا هَانِئُ بْنُ يَحْيَى , نا يَزِيدُ بْنُ عِيَاضٍ , نا صَفْوَانُ بْنُ سُلَيْمٍ , عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ -[124]- يَسَارٍ , عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ , قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: §«مَا عُبِدَ اللَّهُ بِشَيْءٍ أَفْضَلَ مِنْ فِقْهٍ فِي الدِّينِ»

قَالَ: فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: §" لَأَنْ أَفْقَهُ سَاعَةً أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أُحْيِيَ لَيْلَةً أُصَلِّيَهَا حَتَّى أُصْبِحَ , وَالْفَقِيهُ أَشَدُّ عَلَى الشَّيْطَانِ مِنْ أَلْفِ عَابِدٍ , وَلِكُلِّ شَيْءٍ دِعَامَةٌ , وَدِعَامَةُ الدِّينِ الْفِقْهُ

أنا الْحُسَيْنُ بْنُ عُمَرَ بْنِ بُرْهَانٍ الْغَزَّالُ , ومُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ , قَالَا: نا عُثْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ الدَّقَّاقُ , نا مُحَمَّدُ بْنُ خَلَفٍ الْمَرْوَزِيُّ , - وَقَالَ ابْنُ الْفَضْلِ مُحَمَّدُ بْنُ خَلَفِ بْنِ عَبْدِ السَّلَامِ - نا سَلْمُ بْنُ الْمُغِيرَةِ الْأَزْدِيُّ , حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ , عَنْ عَاصِمِ بْنِ أَبِي النَّجُودِ , عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ , عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ , قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: §«إِنَّ الْفَقِيهَ أَشَدُّ عَلَى الشَّيْطَانِ مِنْ أَلْفِ وَرِعٍ , وَأَلْفِ مُجْتَهِدٍ , وَأَلْفِ مُتَعَبِّدٍ»

أنا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عُمَرَ الصَّابُونِيُّ , أنا أَبُو

سُلَيْمَانَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْحَرَّانِيُّ , أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ شُعَيْبٍ الْمَدَائِنِيُّ - بِمِصْرَ - قَالَ: قَالَ الْمُزَنِيُّ يَعْنِي أَبَا إِبْرَاهِيمَ إِسْمَاعِيلَ بْنَ يَحْيَى - رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: " §إِنَّ الشَّيَاطِينَ قَالُوا لِإِبْلِيسَ: يَا سَيِّدَنَا مَا لَنَا نَرَاكَ تَفْرَحُ بِمَوْتِ الْعَالِمِ , مَا لَا تَفْرَحُ بِمَوْتِ الْعَابِدِ , وَالْعَالِمُ لَا تُصِيبُ مِنْهُ , وَالْعَابِدُ تُصِيبُ مِنْهُ؟ قَالَ: انْطَلِقُوا , فَانْطَلَقُوا إِلَى عَابِدٍ فَأَتَوْهُ فِي عِبَادَتِهِ فَقَالُوا: إِنَّا نُرِيدُ أَنْ نَسْأَلَكَ فَانْصَرَفَ , فَقَالَ لَهُ إِبْلِيسُ: هَلْ يَقْدِرُ رَبُّكَ أَنْ يَجْعَلَ الدُّنْيَا فِي جَوْفِ بَيْضَةٍ , فَقَالَ: لَا أَدْرِي , فَقَالَ: أَتَرَوْنَهُ كَفَرَ فِي سَاعَةٍ , ثُمَّ جَاءُوا إِلَى عَالِمٍ فِي حَلْقَتِهِ يُضَاحِكُ أَصْحَابَهُ وَيُحَدِّثُهُمْ , فَقَالَ: إِنَّا نُرِيدُ أَنَّ نَسْأَلَكَ , فَقَالَ: سَلْ , فَقَالَ: هَلْ يَقْدِرُ رَبُّكَ أَنْ يَجْعَلَ الدُّنْيَا فِي جَوْفِ بَيْضَةٍ؟ قَالَ: نَعَمْ قَالَ: وَكَيْفَ؟ قَالَ: يَقُولُ: كُنْ فَيَكُونُ , فَقَالَ: أَتَرَوْنَ ذَلِكَ لَا يَعْدُو نَفْسَهُ , وَهَذَا يُفْسِدُ عَلَيَّ عَالَمًا كَثِيرًا "

تأويل قول الله تعالى: أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم أنهم الفقهاء

§تَأْوِيلُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء: 59] أَنَّهُمُ الْفُقَهَاءُ

أنا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُعَدِّلُ , أنا دَعْلَجُ بْنُ أَحْمَدَ , نا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْكِنَانِيُّ , نا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدِ الهَمَذَانِيُّ نا القَاسِمُ بْنُ الحَكَمِ قَاضِي هَمَذَانَ نا مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ , عَنْ عَطَاءٍ , عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ , فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {§أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء: 59] قَالَ: «طَاعَةُ اللَّهِ اتِّبَاعُ كِتَابِهِ , وَطَاعَةُ الرَّسُولِ اتِّبَاعُ سُنَّتِهِ» {وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء: 59] قَالَ: «الْعُلَمَاءُ حَيْثُ كَانُوا وَأَيْنَ كَانُوا»

أنا ابْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ , وَعَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ الرَّزَّازُ , قَالَ الْقَطَّانُ: أنا , وَقَالَ الرَّزَّازُ: نا عُثْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ الدَّقَّاقُ , نا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الرَّازِيُّ - زَادَ الرَّزَّازُ: أَبُو يَحْيَى , ثُمَّ اتَّفَقَا - نا مُحَمَّدُ بْنُ حُمَيْدٍ , نا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُخْتَارِ , عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ , عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ , عَنْ جَابِرٍ: {§وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء: 59] قَالَ: " أُولُوا الْفِقْهِ

أنا ابْنُ رِزْقَوَيْهِ , أنا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْكَاتِبُ , نا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْعَبْسِيُّ , أنا وَكِيعُ بْنُ الْجَرَّاحِ , عَنِ الْأَعْمَشِ , عَنْ أَبِي صَالِحٍ , عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ , أَوْ عَنْ كَعْبٍ , - شَكَّ الْأَعْمَشُ - مِثْلَ حَدِيثٍ قَبْلِهِ , عَنْ مُجَاهِدٍ: {§أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء: 59] قَالَ: «الْفُقَهَاءُ»

أنا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْجَوْهَرِيُّ , أنا الْحُسَيْنُ بْنُ عُمَرَ الضِّرَابَ , نا مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُلَيْمَانَ الْبَاغَنْدِيُّ , نا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ , نا وَكِيعٌ , نا الْأَعْمَشُ , عَنْ مُجَاهِدٍ: {§أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء: 59] قَالَ: «الْفُقَهَاءُ»

أنا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ , أنا دَعْلَجُ بْنُ أَحْمَدَ , أنا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ الصَّائِغُ , أَنَّ سَعِيدَ بْنَ مَنْصُورٍ , حَدَّثَهُمْ قَالَ: أنا أَبُو مُعَاوِيَةَ , عَنِ الْأَعْمَشِ , عَنْ مُجَاهِدٍ , قَالَ: §«هُمُ الْفُقَهَاءُ وَالْعُلَمَاءُ»

وَأَخْبَرَنِي الْجَوْهَرِيُّ , أنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْجَرَّاحِ الْخَزَّازُ , نا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ النِّيرِيِّ , نا أَبُو سَعِيدٍ الْأَشَجُّ , حَدَّثَنَا تَلِيدٌ , عَنْ مَنْصُورٍ , عَنْ مُجَاهِدِ: {§أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء: 59] قَالَ: «الْفُقَهَاءُ»

وَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ , نا ابْنُ إِدْرِيسَ , عَنْ لَيْثٍ , عَنْ مُجَاهِدٍ , قَالَ: §«أُولِي الْعِلْمِ وَالْفِقْهِ»

أنا ابْنُ الْفَضْلِ , أنا دَعْلَجٌ , أنا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ , أَنَّ سَعِيدَ بْنَ مَنْصُورٍ , حَدَّثَهُمْ , قَثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ زَكَرِيَّا , عَنْ لَيْثٍ , عَنْ مُجَاهِدٍ , قَالَ: §«أُولِي الْفِقْهِ وَالْعِلْمِ»

أنا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ هِشَامٍ الْفَارِسِيُّ , نا أَبِي , نا أَحْمَدُ بْنُ سَهْلٍ الْأُشْنَانِيُّ , نا الْحُسَيْنُ يَعْنِي ابْنَ عَلِيِّ بْنِ الْأَسْوَدِ الْعِجْلِيَّ، نا يَحْيَى بْنُ آدَمَ , نا مِنْدَلٌ الْعَنَزِيُّ , عَنْ لَيْثٍ , عَنْ مُجَاهِدٍ , فِي قَوْلِهِ: {§أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء: 59] قَالَ: «أُولِي الْعِلْمِ وَالْفِقْهِ»

أنا الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ الْحِيرِيُّ , نا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْأَصَمُّ , نا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الصَّغَانِيُّ , نا مُعَاوِيَةُ بْنُ عَمْرٍو , عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ , عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ , عَنْ مُجَاهِدٍ , قَالَ: «§هُمْ أُولُوا الْفَهْمِ وَالْعِلْمِ» يَعْنِي: {وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء: 59]

قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ: وَكَانَ عَطَاءٌ يَقُولُ: §«هُمْ أُولُوا الْفِقْهِ وَالْعِلْمِ»

وَقَالَ: " §طَاعَةُ الرَّسُولِ: اتِّبَاعُ -[130]- الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ "

أَخْبَرَنِي الْحَسَنُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ , نا عُمَرُ بْنُ أَحْمَدَ الْوَاعِظُ , نا نَصْرُ بْنُ الْقَاسِمِ بْنِ نَصْرٍ , نا إِسْحَاقُ بْنُ أَبِي إِسْرَائِيلَ , قَالَ: نا عَثَّامُ بْنُ عَلِيٍّ , عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ , عَنْ عَطَاءٍ , فِي قَوْلِهِ: {§أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء: 59] قَالَ: «أُولُو الْفِقْهِ وَأُولُوا الْعِلْمِ , وَطَاعَةُ الرَّسُولِ اتِّبَاعُ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ»

أَخْبَرَنَا ابْنُ الْفَضْلِ , أنا دَعْلَجُ , أنا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ , أَنَّ سَعِيدَ بْنَ مَنْصُورٍ , حَدَّثَهُمْ , نا هُشَيْمُ , أنا مَنْصُورٌ , عَنِ الْحَسَنِ , وَأَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ , عَنْ عَطَاءٍ , قَالَا: §«أُولِي الْفِقْهِ وَالْعِلْمِ»

أَخْبَرَنِي مَكِّيُّ بْنُ عَلِيٍّ الْحَرِيرِيُّ , حَدَّثَنِي أَبُو شَاكِرٍ عُثْمَانُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْبَزَّازُ , نا أَبُو الْقَاسِمِ عَلِيُّ بْنُ مُوسَى الْأَنْبَارِيُّ , نا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ , نا سَعِيدُ بْنُ مُحَمَّدٍ , عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ , عَنْ عَطَاءٍ , فِي قَوْلِهِ: {§أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي -[131]- الْأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء: 59] قَالَ: " هُمْ أَهْلُ الْعِلْمِ وَأَهْلُ الْفِقْهِ , وَطَاعَةُ الرَّسُولِ: اتِّبَاعُ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ "

وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ مُوسَى , نا يَعْقُوبُ الدَّوْرَقِيُّ , نا هُشَيْمٌ , أنا مَنْصُورٌ , عَنِ الْحَسَنِ , فِي قَوْلِهِ: {§أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء: 59] قَالَ: «الْعُلَمَاءُ وَالْفُقَهَاءُ»

تأويل قوله تعالى: ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا أنها الفقه

§تَأْوِيلُ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا} [البقرة: 269] أَنَّهَا الْفِقْهُ

أنا أَبُو بَكْرٍ الْبُرْقَانِيُّ , أنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ حَمْدَانَ بْنِ مَالِكٍ الْقَطِيعِيُّ , نا إِدْرِيسُ بْنُ عَبْدِ الْكَرِيمِ الْمُقْرِئٌ , نا خَلُفُ بْنُ هِشَامٍ , نا فُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ , عَنْ لَيْثٍ , عَنْ مُجَاهِدٍ: فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {§وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا} [البقرة: 269] قَالَ: «لَيْسَتْ بِالنُّبُوَّةِ , وَلَكِنِ الْفِقْهُ وَالْعِلْمُ»

أنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ يَزْدَادَ الْقَارِئُ , أنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ الْأَصْبَهَانِيُّ , بِهَا , نا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الْفَرْقَدِيُّ , نا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَمْرٍو , نا جَرِيرٌ , عَنْ لَيْثٍ , عَنْ مُجَاهِدٍ , فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {§يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ} [البقرة: 269] قَالَ: «لَيْسَتْ بِالنُّبُوَّةِ , وَلَكِنِ الْعِلْمُ وَالْقُرْآنُ وَالْفِقْهُ»

أنا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي عُثْمَانَ الدَّقَّاقُ , أنا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ الرَّزَّازُ , نا أَبُو شُعَيْبٍ الْحَرَّانِيُّ , نا -[133]- مَرْوَانُ بْنُ عُبَيْدٍ , نا فَضْلٌ , عَنْ لَيْثٍ , عَنْ مُجَاهِدٍ , فِي قَوْلِهِ: {§يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ} [البقرة: 269] قَالَ: «الْعِلْمُ وَالْفِقْهُ»

أنا ابْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ , أنا أَبُو عَلِيٍّ أَحْمَدُ بْنُ الْفَضْلِ بْنِ خُزَيْمَةَ , نا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْخَزَّازُ , نا فُضَيْلُ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ , نا مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ , عَنْ جُوَيْبِرٍ , عَنِ الضَّحَّاكِ , قَالَ: §«الْقُرْآنُ وَالْفِقْهُ فِيهِ»

أَخْبَرَنِي الْجَوْهَرِيُّ , أنا أَبُو عُمَرَ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَبَّاسِ الْخَزَّازُ , أنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ الزُّهْرِيُّ , قَالَ: سُئِلَ أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ يَحْيَى عَنْ قَوْلِهِ: {§وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ} [البقرة: 129] فَقَالَ: " الْحِكْمَةُ: فِقْهُ الشَّيْءِ " قِيلَ لَهُ: فَالْكِتَابُ غَيْرُ الْحِكْمَةِ؟ فَقَالَ: «لَا يَكُونُ حَكِيمًا , حَتَّى يَعْلَمَ الْقُرْآنَ وَالْفِقْهَ , فَإِنْ عَلِمَ -[134]- أَحَدَهُمَا , لَا يُقَالُ لَهُ حَكِيمٌ حَتَّى يَجْمَعَهُمَا» مَعْنَاهُ: يُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَيُعَلِّمُهُمْ مَعَانِيَهُ

ذكر الرواية , أن الله يبعث يوم القيامة كل عبد على مرتبته التي مات عليها

§ذِكْرُ الرِّوَايَةِ , أَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كُلَّ عَبْدٍ عَلَى مَرْتَبَتِهِ الَّتِي مَاتَ عَلَيْهَا

أنا أَبُو سَعِيدٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى الصَّيْرَفِيُّ , نا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْأَصَمُّ , نا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ الْعُطَارِدِيُّ , نا أَبُو مُعَاوِيَةَ , عَنِ الْأَعْمَشِ , عَنْ أَبِي سُفْيَانَ , عَنْ جَابِرٍ , قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: §«مَنْ مَاتَ عَلَى شَيْءٍ بَعَثَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ»

أنا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ النَّرْسِيُّ , أنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الشَّافِعِيُّ , نا إِسْحَاقُ بْنُ الْحَسَنِ الْحَرْبِيُّ , نا أَبُو نُعَيْمٍ , نا سُفْيَانُ , عَنِ الْأَعْمَشِ , عَنْ أَبِي سُفْيَانَ , عَنْ جَابِرٍ , عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: §«يُبْعَثُ كُلُّ عَبْدٍ عَلَى مَا مَاتَ عَلَيْهِ»

أنا أَبُو الْفَتْحِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي الْفَوَارِسِ الْحَافِظُ , وَأَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ يُوسُفَ الصَّيَّادُ قَالَا: أنا أَحْمَدُ بْنُ -[136]- يُوسُفَ بْنِ خَلَّادٍ , نا الْحَارِثُ بْنُ مُحَمَّدٍ التَّمِيمِيُّ , نا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمُقْرِئُ , نا حَيْوَةُ , حَدَّثَنِي أَبُو هَانِئٍ حُمَيْدُ بْنُ هَانِئٍ الْخَوْلَانِيُّ , أَنَّ أَبَا عَلِيٍّ الْجَنْبِيَّ , حَدَّثَهُ أَنَّهُ , سَمِعَ فَضَالَةَ بْنَ عُبَيْدٍ الْأَنْصَارِيَّ , يُحَدِّثُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: §«مَنْ مَاتَ عَلَى مَرْتَبَةٍ مِنْ هَذِهِ الْمَرَاتِبِ بَعَثَهُ اللَّهُ عَلَيْهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ»

أَخْبَرَنِي أَبُو عَلِيٍّ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ التَّمِيمِيُّ , نا عُمَرُ بْنُ أَحْمَدَ الْوَاعِظُ , نا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ الْهَمَذَانِيُّ , نا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى الطَّلْحِيُّ , نا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ , عَنْ هَارُونَ بْنِ صَالِحٍ الْهَمَذَانِيِّ , عَنِ الْحَسَنِ بْنِ ثَوْبَانَ , عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ , قَالَ: §«يُحْشَرُ النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى أَعْمَالِهِمْ , إِنْ كَانَ زَامِرًا حُشِرَ زَامِرًا , وَإِنْ كَانَ مُغَنِّيًا حُشِرَ مُغَنِّيًا , وَلَا يُعْرَفُ الْعُمَّالُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَّا بِالْأَعْمَالِ فِي أَعْنَاقِهِمْ»

ذكر الرواية أن الله تعالى لا يخلي الوقت من فقيه أو متفقه

§ذِكْرُ الرِّوَايَةِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يُخَلِّي الْوَقْتَ مِنْ فَقِيهٍ أَوْ مُتَفَقِّهٍ

أنا أَبُو الْحُسَيْنِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ , أنا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ دَرَسْتُوَيْهِ النَّحْوِيُّ , نا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ , نا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَحْيَى بْنِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ الْمَخْزُومِيُّ , نا الْجَرَّاحُ بْنُ مَلِيحٍ الْحِمْصِيُّ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ , نا بَكْرُ بْنُ زُرْعَةَ الْخَوْلَانِيُّ , عَنْ أَبِي عِنَبَةَ الْخَوْلَانِيِّ , - وَكَانَ مِمَّنْ أَكَلَ الدَّمَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ , وَصَلَّى الْقِبْلَتَيْنِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: §«لَا يَزَالُ اللَّهُ تَعَالَى يَغْرِسُ فِي هَذَا الدِّينِ غَرْسًا , يَسْتَعْمِلُهُمْ فِيهِ بِطَاعَتِهِ - أَوْ - يَسْتَعْمِلُهُمْ بِطَاعَتِهِ»

أَخْبَرَنِي عَلِيُّ بْنُ يَحْيَى بْنِ جَعْفَرٍ الْأَصْبَهَانِيُّ , أنا سُلَيْمَانُ بْنُ -[138]- أَحْمَدَ الطَّبَرَانِيُّ , نا يَحْيَى بْنُ عُثْمَانَ بْنِ صَالِحٍ , نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ , قَالَ: حَدَّثَنِي اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ , عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلَانَ , عَنِ الْقَعْقَاعِ بْنِ حَكِيمٍ , عَنْ أَبِي صَالِحٍ , عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ , عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: §«لَا يَزَالُ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ عِصَابَةٌ عَلَى الْحَقِّ , لَا يَضُرُّهُمُ خِلَافُ مَنْ خَالَفَهُمْ , حَتَّى يَأْتِيَهُمْ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ عَلَى ذَلِكَ»

ذكر من ارتفع من العبيد بالفقه حتى جلس مجالس الملوك

§ذِكْرُ مَنِ ارْتَفَعَ مِنَ الْعَبِيدِ بِالْفِقْهِ حَتَّى جَلَسَ مَجَالِسَ الْمُلُوكِ

أنا الْقَاضِي أَبُو الْقَاسِمِ التَّنُوخِيُّ , نا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ الرَّازِيُّ , - إِمْلَاءً - , نا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَفْوَةَ الْمِصِّيصِيُّ بِالْمَصِّيصَةِ , نا يُوسُفُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ , نا عَمْرُو بْنُ حَمْزَةَ الْقَيْسِيُّ , نا صَالِحٌ الْمُرِّيُّ , عَنِ الْحَسَنِ , عَنْ أَنَسٍ , أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: §«إِنَّ الْحِكْمَةَ لَتَزِيدُ الشَّرِيفَ شَرَفًا , وَتَرْفَعُ الْعَبْدَ الْمَمْلُوكَ حَتَّى تُجْلِسَهُ مَجَالِسَ الْمُلُوكِ»

أنا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَسْنُوَيْهِ , نا أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ مَعْبَدٍ السِّمْسَارُ , نا أَبُو مُسْلِمٍ مُحَمَّدُ بْنُ حُمَيْدٍ , نا الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ , نا الْعَلَاءُ بْنُ عَمْرٍو الْحَنَفِيُّ , نا يَحْيَى بْنُ زَكَرِيَّا بْنُ أَبِي زَائِدَةَ , نا أَبُو خَلْدَةَ , عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ , قَالَ: كُنْتُ آتِي -[140]- ابْنَ عَبَّاسٍ , وَهُوَ عَلَى سَرِيرِهِ , وَحَوْلَهُ قُرَيْشٌ فَيَأْخُذُ بِيَدِي , فَيُجْلِسُنِي مَعَهُ عَلَى السَّرِيرِ , فَتَغَامَزُنِي قُرَيْشٌ , فَفَطِنَ لَهُمُ ابْنُ عَبَّاسٍ , فَقَالَ: §«كَذَاكَ هَذَا الْعِلْمُ , يَزِيدُ الشَّرِيفَ شَرَفًا , وَيَجْلِسُ الْمَمْلُوكَ عَلَى الْأَسِرَّةِ»

أنا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي جَعْفَرٍ الْقَطِيعِيُّ , نا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَبَّاسِ الْخَزَّازُ , نا أَبُو أَيُّوبَ سُلَيْمَانُ بْنُ إِسْحَاقَ الْجَلَّابُ قَالَ: قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ إِسْحَاقَ الْحَرْبِيُّ: كَانَ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ عَبْدًا أَسْوَدَ لِامْرَأَةٍ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ , وَكَانَ أَنْفُهُ كَأَنَّهُ بَاقِلَاةٌ قَالَ: وَجَاءَ سُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ إِلَى عَطَاءٍ هُوَ وَابْنَاهُ فَجَلَسُوا إِلَيْهِ وَهُوَ يُصَلِّي , فَلَمَّا صَلَّى انْفَتَلَ إِلَيْهِمْ فَمَا زَالُوا يَسْأَلُونَهُ عَنْ مَنَاسِكِ الْحَجِّ وَقَدْ حَوَّلَ قَفَاهُ إِلَيْهِمْ , ثُمَّ قَالَ سُلَيْمَانُ لِابْنَيْهِ: «قَوْمًا» , فَقَامَا , فَقَالَ: «يَا بَنِيَّ §لَا تَنِيَا فِي طَلَبِ الْعِلْمِ , فَإِنِّي لَا أَنْسَى ذُلَّنَا بَيْنَ يَدَيْ هَذَا الْعَبْدِ الْأَسْوَدِ» وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: وَكَانَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَوْقَصُ عُنُقُهُ دَاخِلًا فِي بُدْنِهِ , وَكَانَ مِنْكَبَاهُ خَارِجَيْنِ كَأَنَّهُمَا زَجَّانِ , فَقَالَتْ لَهُ أُمُّهُ: يَا بُنَيَّ لَا تَكُونُ فِي قَوْمٍ , إِلَّا كُنْتَ الْمَضْحُوكَ مِنْهُ الْمَسْخُورَ بِهِ , فَعَلَيْكَ بِطَلَبِ الْعِلْمِ , فَإِنَّهُ يَرْفَعُكَ قَالَ: فَطَلَبَ الْعِلْمَ

قَالَ: فَوَلِيَ قَضَاءَ مَكَّةَ عِشْرِينَ سَنَةً قَالَ: فَكَانَ الخَصْمُ إِذَا جَلَسَ بَيْنَ يَدَيْهِ يَرْعَدُ حَتَّى يَقُومَ قَالَ: وَمَرَّتْ بِهِ امْرَأَةٌ يَوْمًا وَهُوَ يَقُولُ: اللَّهُمَّ أَعْتِقْ رَقَبَتِي مِنَ النَّارِ قَالَ: فَقَالَتْ لَهُ: يَا ابْنَ أَخٍ وَأَيُّ رَقَبَةٍ لَكَ؟

أنا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ , أنا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَبَّاسِ , نا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى الْمَكِّيُّ , نا مُحَمَّدُ بْنُ الْقَاسِمِ بْنِ خَلَّادٍ , قَالَ: كَانَ الْأَوْقَصُ قَصِيرًا دَمِيمًا قَبِيحًا قَالَ: " §فَقَالَتْ لِي أُمِّي وَكَانَتْ عَاقِلَةً: يَا بُنَيَّ إِنَّكَ خُلِقْتَ خِلْقَةً , لَا تَصْلُحُ مَعَهَا لِمُعَاشَرَةِ الْفِتْيَانِ , فَعَلَيْكَ بِالدِّينِ , فَإِنَّهُ يُتِمُّ النَّقِيصَةَ , وَيَرْفَعُ الْخَسِيسَةَ , فَنَفَعَنِي اللَّهُ بِقَوْلِهَا , فَتَعَلَّمْتُ الْفِقْهَ , فَصِرْتُ قَاضِيًا "

أنا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْهَرِيُّ , أنا مُحَمَّدُ بْنُ عِمْرَانَ الْمَرْزَبَانِيُّ , نا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى الْمَكِّيُّ , نا مُحَمَّدُ بْنُ الْقَاسِمِ بْنِ خَلَّادٍ , قَالَ: يُقَالُ: §«لَا خَسِيسَةَ فِي الْإِسْلَامِ , الْفَضْلُ فِي الدِّينِ وَالتَّقْوَى , وَإِذَا اجْتَمَعَ إِلَى ذَلِكَ الشَّرَفُ , فَذَاكَ التَّامُّ الْكَامِلُ»

ذكر أحاديث وأخبار شتى يدل جميعها على جلالة الفقه والفقهاء

§ذِكْرُ أَحَادِيثَ وَأَخْبَارٍ شَتَّى يَدُلُّ جَمِيعُهَا عَلَى جَلَالَةِ الْفِقْهِ وَالْفُقَهَاءِ

أنا أَبُو بِشْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي السَّرِيِّ الْوَكِيلُ , نا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُظَفَّرِ الْحَافِظُ , نا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ الْبُهْلُولِ , حَدَّثَنِي أَبِي , حَدَّثَنِي الْهَيْثَمُ بْنُ مُوسَى الْمَرْوَزِيُّ , وَأَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْجَوْهَرِيُّ , أنا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ لُؤْلُؤٍ الْوَرَّاقُ , نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَاجِيَةَ , حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ بُهْلُولٍ , نا الْهَيْثَمُ بْنُ مُوسَى الْمَرْوَزِيُّ , نا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ الْحُصَيْنِ بْنِ التُّرْجُمَانِ , نا إِسْرَائِيلُ , - وَفِي حَدِيثِ أَبِي بِشْرٍ: عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ الْحُصَيْنِ بْنِ التُّرْجُمَانِ , عَنْ إِسْرَائِيلَ , - عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ , عَنِ الْحَارِثِ , عَنْ عَلِيٍّ , قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: §«الْأَنْبِيَاءُ قَادَةٌ , وَالْفُقَهَاءُ سَادَةٌ , وَمُجَالَسَتُهُمْ زِيَادَةٌ»

أنا الْحُسَيْنُ بْنُ عُمَرَ الْغَزَّالُ , وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَحْيَى السُّكَّرِيُّ , قَالَا: أنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ , نا عَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ -[143]- التَّرْقُفِيُّ , نا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمُقْرِئُ , نا سَعِيدٌ يَعْنِي ابْنَ أَبِي أَيُّوبَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْوَلِيدِ , عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حُجَيْرَةَ , عَنْ أَبِيهِ , قَالَ: كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ يَقُولُ: §«الْمُتَّقُونَ سَادَةٌ , وَالْفُقَهَاءُ قَادَةٌ , وَمُجَالَسَتُهُمْ زِيَادَةٌ»

أَخْبَرَنِي أَبُو الْفَرَجِ الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ الطَّنَاجِيرِيُّ , نا عُمَرُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عُثْمَانَ الْمَرْوَرُوذِيُّ , نا عَلِيُّ بْنُ الْفَضْلِ بْنِ طَاهِرٍ الْبَخْلِيُّ , نا عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ الْفَضْلِ , أَنَّ جَعْفَرَ بْنَ مُحَمَّدٍ الْعَدَنِيَّ , حَدَّثَهُمْ , عَنِ الْحَكَمِ بْنِ أَبَانَ , عَنْ عِكْرِمَةَ , عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ , قَالَ: §«مَنْ آذَى فَقِيهًا فَقَدْ آذَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَمَنْ آذَى رَسُولَ اللَّهِ فَقَدْ آذَى اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ»

أنا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُعَدِّلُ , أنا الْحُسَيْنُ بْنُ صَفْوَانَ الْبَرْذَعِيُّ , نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي الدُّنْيَا , أنا سُلَيْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْخٍ , نا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَجَّاجِ اللَّخْمِيُّ , أَنَّ زِيَادًا , خَطَبَ النَّاسَ بِالْكُوفَةِ فَقَالَ: " §إِنِّي بِتُّ لَيْلَتِي هَذِهِ مُهْتَمًّا بِثَلَاثَةٍ: بِذِي الشَّرَفِ , وَذِي الْعِلْمِ , وَذِي السِّنِّ , لَا أُوتَى بِرَجُلٍ رَدَّ عَلَى ذِي شَرَفٍ , لَيَضَعَ بِذَلِكَ شَرَفَهُ -[144]- إِلَّا عَاقَبْتُهُ , وَلَا أُوتَى بِرَجُلٍ رَدَّ عَلَى ذِي عِلْمٍ , لَيَضَعَ بِذَلِكَ عِلْمَهُ إِلَّا عَاقَبْتُهُ , وَلَا أُوتَى بِرَجُلٍ رَدَّ عَلَى ذِي شَيْبَةٍ , لِيَضَعَهُ بِذَلِكَ إِلَّا عَاقَبْتُهُ , إِنَّمَا النَّاسُ بِأَعْلَامِهِمْ وَعُلَمَائِهِمْ , وَذَوِي أَسْنَانِهِمْ "

أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ , أنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ , نا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ , حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ , أنا مَعْمَرٌ , عَنْ أَبِي هَارُونَ , قَالَ: كُنَّا حِينَ نَدْخُلُ عَلَى أَبِي سَعِيدٍ , فَيَقُولُ: مَرْحَبًا بِوَصِيَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , حَدَّثَنَا أَنَّهُ §«سَيَأْتِيكُمْ قَوْمٌ مِنَ الْآفَاقِ يَتَفَقَّهُونَ , فَاسْتَوْصُوا بِهِمْ خَيْرًا»

أنا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ أَحْمَدَ الطُّرُقِيُّ الْمُعَدِّلُ بِالْكَرْجِ , نا عُمَرُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَرْدَوَيْهِ -[145]- الْكَرَجِيُّ , نا إِبَاءُ بْنُ جَعْفَرٍ النَّجِيرَمِيُّ , نا أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ الثَّقَفِيُّ , نا أَبُو رَوْحٍ الْهَيْثَمُ بْنُ بَزْرَجَ , نا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَيْسَرَةَ , عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ , قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: §«إِنَّ لِكُلِّ أُمَّةٍ رَهْبَانِيَّةٌ , وَإِنَّ رَهْبَانِيَّةَ أُمَّتِي الْجَمَاعَاتُ وَالْجُمُعَاتُ وَتَعْلِيمُ بَعْضِهِمْ بَعْضًا شَرَائِعَ الدِّينِ»

أنا عَبْدُ الْغَفَّارِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُؤَدِّبُ , أنا عُمَرُ بْنُ أَحْمَدَ الْوَاعِظُ , نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ سَعِيدٍ الطَّالْقَانِيُّ , نا عَمَّارُ بْنُ عَبْدِ الْمَجِيدِ , نا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ الرَّازِيُّ , عَنْ أَبِي الْعَبَّاسِ , جَعْفَرِ بْنِ هَارُونَ , عَنْ سَمْعَانَ بْنِ الْمَهْدِيِّ , عَنْ أَنَسٍ , قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " §أَفْضَلُ الْعِلْمِ: الَّذِي يَحْتَاجُ إِلَيْهِ النَّاسُ " قُلْتُ: وَأَعْظَمُ مَا بِالنَّاسِ الْحَاجَةُ إِلَيْهِ مِنَ الْعُلُومِ: الْفِقْهُ , فَلَا أَعْلَمُ أَفْضَلَ مِنْهُ

أنا أَبُو الْقَاسِمِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى الْبَزَّازُ , أنا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ الْمِصْرِيُّ , نا حُسَيْنُ بْنُ حُمَيْدٍ الْعَكِّيُّ , نا مُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ , عَنْ رَجُلٍ , عَنْ سُفْيَانَ , عَنْ زُبَيْدٍ الْيَامِيِّ , عَنْ مُرَّةَ الْهَمْدَانِيِّ , عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ , قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: §«الْإِيمَانُ عُرْيَانٌ , وَلِبَاسُهُ التَّقْوَى , وَزِينَتُهُ الْحَيَاءُ , وَمَالُهُ الْفِقْهُ , وَثَمَّرْتُهُ الْعِلْمُ»

أنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ عُمَرَ الْغَزَّالُ , أنا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَلَفِ بْنِ بُخَيْتٍ الدَّقَّاقُ الْعُكْبَرِيُّ , نا مُحَمَّدُ بْنُ صَالِحِ بْنِ ذَرِيحٍ , نا أَحْمَدُ بْنُ بُدَيْلٍ , نا عَمْرُو بْنُ حُمَيْدٍ , نا يَحْيَى بْنُ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ أَبِي الزَّعْرَاءِ , عَنْ عَبْدِ اللَّهِ , قَالَ: §«الْإِيمَانُ عُرْيَانٌ , فَلِبَاسُهُ التَّقْوَى , وَزِينَتُهُ الْحَيَاءُ , وَكَنْزُهُ التَّفَقُّهُ»

أنا التَّنُوخِيُّ , نا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمُخْلِصُ , وَأَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الدُّورِيُّ قَالَا: نا أَحْمَدُ بْنُ سُلَيْمَانَ الطُّوسِيُّ , نا الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ , قَالَ: حَدَّثَنِي رَجُلٌ , عَنْ قَيْسِ بْنِ حَفْصٍ الدَّارِمِيِّ , قَالَ: حَدَّثَنِي مَسْعُودُ بْنُ سُلَيْمٍ ,

وَأَنَا أَبُو عَلِيٍّ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْجَازِرِيُّ , نا الْقَاضِي أَبُو الْفَرَجِ الْمُعَافَى بْنُ زَكَرِيَّا الْجُرَيْرِيُّ , نا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ دُرَيْدٍ , نا أَبُو حَاتِمٍ , عَنِ الْعُتْبِيِّ , عَنْ أَبِيهِ , قَالَا: ابْتَنَى مُعَاوِيَةُ بِالْأَبْطَحِ مَجْلِسًا , فَجَلَسَ عَلَيْهِ , وَمَعَهُ ابْنُهُ قَرَظَةُ , فَإِذَا هُوَ بِجَمَاعَةٍ عَلَى رِحَالٍ لَهُمْ , وَإِذَا شَابٌّ مِنْهُمْ قَدْ رَفَعَ عَقِيرَتَهُ يَتَغَنَّى: [البحر الرمل] مَنْ يُسَاجِلْنِي يُسَاجِلْ مَاجِدًا ... أَخْضَرَ الْجِلْدَةِ فِي بَيْتِ الْعَرَبِ قَالَ: مَنْ هَذَا؟ قَالُوا: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ: خَلُّوا لَهُ الطَّرِيقَ , فَلْيَذْهَبْ , ثُمَّ إِذَا هُوَ بِجَمَاعَةٍ فِيهِمْ غُلَامٌ يَتَغَنَّى: [البحر الرمل] بَيْنَمَا يَذْكُرْنَنِي أَبْصَرْتُنِي ... عِنْدَ قِيدِ الْمِيلِ يَسْعَى بِي الْأَغَرُّ قُلْنَ تَعْرِفْنَ الْفَتَى قُلْنَ نَعَمْ ... قَدْ عَرَفْنَاهُ وَهَلْ يَخْفَى الْقَمَرُ قَالَ: وَمِنْ هَذَا قَالُوا: عُمَرُ بْنُ أَبِي رَبِيعَةَ - وَفِي حَدِيثِ التَّنُوخِيِّ: عُمَرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ - قَالَ: خَلُّوا لَهُ الطَّرِيقَ , فَلْيَذْهَبْ قَالَ: ثُمَّ إِذَا هُوَ بِجَمَاعَةٍ , وَإِذَا فِيهِمْ رَجُلٌ - فَقَالَ الْجَازِرِيُّ: رَجُلٌ مِنْهُمْ - يَسْأَلُ , يُقَالُ: رَمَيْتُ قَبْلَ أَنْ أَحْلِقَ , وَحَلَقْتُ قَبْلَ أَنْ أَرْمِيَ؟ - لِأَشْيَاءَ أُشْكِلَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ مَنَاسِكِ الْحَجِّ , فَقَالَ: مِنْ هَذَا؟ قَالُوا: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ , فَالْتَفَتَ إِلَى ابْنِهِ قَرَظَةَ , فَقَالَ: §«هَذَا - وَأَبِيكَ - الشَّرَفُ , هَذَا - وَاللَّهِ - شَرَفُ الدُّنْيَا وَشَرَفُ الْآخِرَةِ»

أنا أَبُو الْحُسَيْنِ , مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ حَسْنُونٍ النَّرْسِيُّ قَالَ: أنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحُسَيْنِ الدَّقَّاقُ , نا ابْنُ مَنِيعٍ , نا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْمَرْوَزِيُّ , نا عَبْدُ الْقُدُّوسِ بْنُ بَكْرِ بْنِ خُنَيْسٍ , - وَكَانَ مِنْ خِيَارِ النَّاسِ - , نا ضِرَارُ بْنُ عَمْرٍو , - قَالَ عَبْدُ الْقُدُّوسِ: لَقِيتُهُ بِمَلْطِيَّةَ قَالَ: وَكَانَ يُقَالُ: مِنْ أَطْوَلِ النَّاسِ حُزْنًا وَأَطْوَلِهِ بُكَاءً - عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي فَرْوَةَ قَالَ: §«أَقْرَبُ النَّاسِ مِنْ دَرَجَةِ النُّبُوَّةِ , أَهْلُ الْعِلْمِ وَأَهْلُ الْجِهَادِ» قَالَ: «فَأَمَّا أَهْلُ الْعِلْمِ , فَدَلُّوا النَّاسَ عَلَى مَا جَاءَتْ بِهِ الرُّسُلُ , وَأَمَّا أَهْلُ الْجِهَادِ فَجَاهَدُوا عَلَى مَا جَاءَتْ بِهِ الرُّسُلُ»

أنا أَبُو نُعَيْمٍ الْحَافِظُ , نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ , نا أَحْمَدُ بْنُ الْقَاسِمِ بْنِ عَطِيَّةَ , نا الدَّامِغَانِيُّ , قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عُيَيْنَةَ , يَقُولُ: §«تَدْرُونَ مَا مَثَلُ الْعِلْمِ , مَثَلُ دَارِ الْكُفْرِ وَدَارِ الْإِسْلَامِ فَإِنْ تَرَكَ أَهْلُ الْإِسْلَامِ الْجِهَادَ جَاءَ أَهْلُ الْكُفْرِ فَأَخَذُوا الْإِسْلَامَ , وَإِنْ تَرَكَ النَّاسُ الْعِلْمَ صَارَ النَّاسُ جُهَّالًا»

أنا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْهَرِيُّ , أنا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ الرَّازِيُّ , نا مُحَمَّدُ بْنُ الْقَاسِمِ الْأَنْبَارِيُّ , أنا أَحْمَدُ بْنُ يَحْيَى , عَنِ ابْنِ الْأَعْرَابِيِّ , قَالَ: قَالَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ -[149]-: §«أَرْفَعُ النَّاسِ عِنْدَ اللَّهِ مَنْزِلَةً مَنْ كَانَ بَيْنَ اللَّهِ وَبَيْنَ عِبَادِهِ , وَهُمُ الْأَنْبِيَاءُ وَالْعُلَمَاءُ»

وَأَنَا الْجَوْهَرِيُّ , أنا أَبُو عُبَيْدِ اللَّهِ الْمَرْزَبَانِيُّ , نا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى الْمَكِّيُّ , نا مُحَمَّدُ بْنُ الْقَاسِمِ بْنِ خَلَّادٍ , قَالَ: قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: §" أَعْظَمُ النَّاسِ مَنْزِلَةً , مَنْ كَانَ بَيْنَ اللَّهِ وَبَيْنَ خَلْقِهِ: الْأَنْبِيَاءُ وَالْعُلَمَاءُ "

حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَلِيٍّ الْأَزَجِيُّ , - لَفْظًا - قَالَ: أَجَازَ لِي أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْمُفِيدُ وَحَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ الْهَمَذَانِيُّ , عَنْهُ , نا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ الصَّبَّاحِ , قَالَ: قَالَ سَهْلٌ يَعْنِي ابْنَ عَبْدِ اللَّهِ التُّسْتَرِيَّ -: §" مَنْ أَرَادَ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى مَجَالِسِ الْأَنْبِيَاءِ , فَلْيَنْظُرْ إِلَى مَجَالِسِ الْعُلَمَاءِ , يَجِيءُ الرَّجُلُ فَيَقُولُ: يَا فُلَانُ إِيشْ تَقُولُ فِي رَجُلٍ حَلَفَ عَلَى امْرَأَتِهِ بِكَذَا وَكَذَا؟ فَيَقُولُ: طُلِّقَتِ امْرَأَتُهُ , وَيَجِيءُ آخَرُ , فَيَقُولُ: مَا تَقُولُ فِي رَجُلٍ حَلَفَ عَلَى امْرَأَتِهِ بِكَذَا وَكَذَا؟ فَيَقُولُ -[150]-: لَيْسَ يَحْنَثُ بِهَذَا الْقَوْلِ , وَلَيْسَ هَذَا إِلَّا لِنَبِيٍّ أَوْ لِعَالِمٍ , فَاعْرِفُوا لَهُمْ ذَلِكَ "

أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ أَحْمَدَ الْأَهْوَازِيُّ , نا أَبُو أَحْمَدَ الْحَسَنُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعِيدٍ الْعَسْكَرِيُّ , نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ , نا أَحْمَدُ بْنُ الصَّلْتِ , نا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ , قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا حَنِيفَةَ يَقُولُ: §«إِنْ لَمْ يَكُنْ أَوْلِيَاءُ اللَّهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ الْفُقَهَاءُ وَالْعُلَمَاءُ , فَلَيْسَ لِلَّهِ وَلِيُّ»

أنا أَبُو الْقَاسِمِ رِضْوَانُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ الدِّينَوَرِيُّ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ أَحْمَدَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحَافِظَ بِهَمَذَانَ يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الرَّازِيَّ يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ الْحَسَنَ بْنَ عَلِيِّ بْنِ دَانِيَارَ , يَقُولُ: سَمِعْتُ الرَّبِيعَ بْنَ سُلَيْمَانَ , يَقُولُ: سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ , يَقُولُ: §«إِنْ لَمْ يَكُنِ الْفُقَهَاءُ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ فِي الْآخِرَةِ فَمَا لِلَّهِ وَلِيُّ»

أَخْبَرَنِي أَبُو الْقَاسِمِ الْأَزْهَرِيُّ , نا الْحَسَنُ بْنُ أَحْمَدَ الصُّوفِيُّ , نا النَّيْسَابُورِيُّ وَهُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ قَالَ: سَمِعْتُ الْمُزَنِيَّ , وَنَا أَبُو طَالِبٍ يَحْيَى بْنُ عَلِيِّ بْنِ الطَّيِّبِ الدَّسْكَرِيُّ لَفْظًا بِحُلْوَانَ , نا أَبُو عَرُوبَةَ مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ النَّصِيبِيُّ , بِجُرْجَانَ , نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ , بِالْمَوْصِلِ قَالَ سَمِعْتُ الْمُزَنِيَّ , يَقُولُ: سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ , يَقُولُ: §«مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ عَظُمَتْ قِيمَتُهُ , وَمَنْ نَظَرَ فِي الْفِقْهِ نَبُلَ مِقْدَارُهُ , وَمَنْ تَعَلَّمَ اللُّغَةَ» - وَقَالَ الدَّسْكَرِيُّ: وَمَنْ نَظَرَ فِي اللُّغَةِ - «رَقَّ طَبْعُهُ , وَمَنْ نَظَرَ فِي الْحِسَابِ» , - وَقَالَ الْأَزْهَرِيُّ: وَمَنْ تَعَلَّمَ الْحِسَابِ - «تَجَزَّلَ رَأْيَهُ , وَمَنْ كَتَبَ الْحَدِيثَ قَوِيَتْ حَجَّتُهُ , وَمَنْ لَمْ يَصُنْ نَفْسَهُ , لَمْ يَنْفَعْهُ عَلِمُهُ»

أنا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ السَّرَّاجُ , قَثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ نُجَيْدٍ السُّلَمِيُّ , نا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَوَّارٍ , أنا قُتَيْبَةُ , حَدَّثَنَا مَالِكٌ , قَالَ: بَلَغَنِي " أَنَّ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ , قَالَ: §سَيَأْتِي قَوْمٌ فُقَهَاءُ عُلَمَاءُ , كَأَنَّهُمْ مِنَ الْفِقْهِ أَنْبِيَاءُ "

أنا الْحَسَنُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ , وَعَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْوَاعِظُ , قَالَا: أنا أَبُو سَهْلٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زِيَادٍ الْقَطَّانُ , وَأَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ النَّرْسِيُّ , أنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الشَّافِعِيُّ , قَالَا: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوْحٍ الْمَدَائِنِيُّ , نا شَبَابَةُ , - زَادَ أَبُو سَهْلٍ - ابْنَ سَوَّارٍ , ثُمَّ اتَّفَقَا - قَالَ: نا أَبُو زَبْرٍ , نا بُسْرُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ , - زَادَ الشَّافِعِيُّ الْحَضْرَمِيَّ , ثُمَّ اتَّفَقَا - عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ الْخَوْلَانِيِّ قَالَ: كَانَ أَبُو الدَّرْدَاءِ يَقُولُ: §«وَمَا نَحْنُ لَوْلَا كَلِمَاتِ الْفُقَهَاءِ»

أنا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ رِزْقٍ , أنا عُثْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ الدَّقَّاقُ , نا حَنْبَلُ بْنُ إِسْحَاقَ , قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ , نا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ , نا أَبِي , عَنْ سِمَاكٍ , عَنْ إِبْرَاهِيمَ , عَنْ عَلْقَمَةَ , أَنَّهُ قَالَ لِأَصْحَابِهِ: «§امْشُوا بِنَا نَزْدَادُ إِيمَانًا» - يَعْنِي: تَفَقُّهًا -

وَقَالَ حَنْبَلٌ: نا مُحَمَّدُ بْنُ الْأَصْبَهَانِيِّ , أنا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ سِمَاكٍ , عَنْ إِبْرَاهِيمَ , عَنْ عَلْقَمَةَ , أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ لِأَصْحَابِهِ: «§امْشُوا بِنَا نَزْدَادُ إِيمَانًا» - يَعْنِي: يَتَفَقَّهُونَ -

أنا الْحُسَيْنُ بْنُ عُمَرَ الْغَزَّالُ , وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَحْيَى السُّكَّرِيُّ , قَالَا: أنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ , نا عَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ التَّرْقُفِّيُّ , نا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمُقْرِئُ , نا كَهْمَسُ بْنُ الْحَسَنِ , عَنْ عَبَّاسٍ الْجُرَيْرِيِّ , عَنِ الْحَسَنِ بْنِ أَبِي الْحَسَنِ , أَنَّهُ قَالَ: §«إِنَّ مِنَ الصَّدَقَةِ , أَنْ تَسْمَعَ بِالْفِقْهِ فَتَحَدَّثَ بِهِ»

أنا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ الْقَاسِمِ بْنِ الْحَسَنِ الشَّاهِدُ - بِالْبَصْرَةِ - , نا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْبَخْتَرِيِّ الْمَادَرَائِيُّ , نا أَحْمَدُ بْنُ حَازِمٍ , أنا عَلِيُّ بْنُ قَادِمٍ , وَأَخْبَرَنِي أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الطَّبَرِيُّ , أنا أَحْمَدُ بْنُ الْفَرَجِ بْنِ مَنْصُورٍ , نا أَبُو عِيسَى مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ , نا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي غَرَزَةَ , نا عَلِيُّ بْنُ قَادِمٍ , نا الرَّبِيعُ بْنُ سَهْلٍ , - زَادَ الْمَادَرَائِيُّ الْفَزَارِيَّ ثُمَّ اتَّفَقَا - عَنْ جُوَيْبِرَ , عَنِ الضَّحَّاكِ , قَالَ: قَالَ عَلِيٌّ: §«إِنَّمَا مَثَلُ الْفُقَهَاءِ كَمَثَلِ الْأَكُفِّ , إِذَا قُطِعَتْ كَفٌّ لَمْ تَعُدْ مِثْلَهَا»

أنا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي نَصْرٍ النَّرْسِيُّ , أنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحُسَيْنِ الدَّقَّاقُ , نا ابْنُ مَنِيعٍ , نا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْمَرْوَزِيُّ , نا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ , عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ , سَمِعَ أَبَا عَمْرٍو الشَّيْبَانِيَّ , يَقُولُ: سَمِعْتُ ابْنَ مَسْعُودٍ , يَقُولُ: §«إِنَّمَا الْعِلْمُ قَبَضَاتٌ , فَإِذَا مَاتَ عَالِمٌ ذَهَبَتْ قَبْضَةٌ»

وَقَالَ إِسْحَاقُ: نا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ , عَنْ عَاصِمٍ , عَنْ أَبِي وَائِلٍ , قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: «§هَلْ تَدْرُونَ كَيْفَ يَنْقُصُ الْإِسْلَامُ؟» قَالَ: قَالُوا: كَمَا يَنْقُصُ صِبْغُ الثَّوْبِ , وَكَمَا يَنْقُصُ سَمْنُ الدَّابَّةِ , وَكَمَا يَقْسُو - الدِّرْهَمُ عَنْ طُولِ الْمُكْثِ قَالَ: «إِنَّ ذَلِكَ مِنْهُ , وَأَكْثَرَ مِنْ ذَاكَ , مَوْتُ الْعُلَمَاءِ» - أَوْ قَالَ: «ذَهَابُ الْعُلَمَاءِ»

أنا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ الرَّزَّازُ , قَالَ: نا حَامِدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْهَرَوِيُّ , أنا مُحَمَّدُ بْنُ صَالِحٍ الْأَشَجُّ , نا يَحْيَى بْنُ نَصْرِ بْنِ حَاجِبٍ , نا هِلَالُ بْنُ خَبَّابٍ , قَالَ: قُلْتُ لِسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ , مَا عَلَامَةُ هَلَاكِ النَّاسِ: قَالَ: §«إِذَا هَلَكَ فُقَهَاؤُهُمْ هَلَكُوا»

أنا أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَلِيِّ بْنِ حَمُّوَيْهِ بْنِ أَبْرَكَ الْهَمَذَانِيُّ , بِهَا , أنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ مُوسَى الشِّيرَازِيُّ , أنا أَبُو الْفَضْلِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ السَّمَرْقَنْدِيُّ , نا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ , نا إِبْرَاهِيمُ بْنُ نَصْرٍ , قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَمِرٍ , قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُثْمَانَ , يَقُولُ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ الْحَسَنِ , مِرَارًا يَقُولُ: §«إِذَا أَفْنَى الرَّجُلُ قُوَّتَهُ وَشَبِيبَتَهُ فِي الْحِسَابَاتِ , فَإِذَا بَلَغَ مِنْهَا الْغَايَةَ الْقُصْوَى فِي نَفْسِهِ , فَوَجَّهَهَا الْمِسَاحَةَ وَالْقِسْمَةَ وَنَحْوَهُمَا , وَقَدْ كَرِهَهَا بَعْضُ الْفُقَهَاءِ» بَلَغَنَا أَنَّ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ قَالَ: الَّذِي يَمْسَحُ لِلنَّاسِ وَيَأْخُذُ عَلَيْهَا أَجْرًا أَنَّهُ لِغَيْرِ طَائِلٍ قَالَ مُحَمَّدٌ: وَأَمَّا نَحْنُ فَلَا نَرَى بَأْسًا أَنْ يُؤَدِّيَ فِيهِ الْأَمَانَةَ , وَيَأْخُذَ عَلَيْهَا الْأَجْرَ وَإِنْ أَفْنَى أَيَّامَهُ وَقُوَّتَهُ وَحِفْظَهُ فِي طَلَبِ الشَّعْرِ , فَإِذَا بَلَغَ فِيهِ الْغَايَةَ الْقُصْوَى فِي نَفْسِهِ , فَقُصَارَاهُ أَنْ يَصِيرَ شَاعِرًا يُطْرِي مَنْ يُعْطِيهِ شَيْئًا أَوْ يُكْرِمُهُ بَلَغَنَا أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ وَعُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ كَانَا يَضْرِبَانِ عَلَى الْهِجَاءِ ضَرْبًا شَدِيدًا , وَيَحْبِسَانِ وَبَلَغَنَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَذَابًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ شَاعِرٌ يَهْجُو قَبِيلَةً بِأَسْرِهَا

فَهُوَ أَبَدًا حَرِيصٌ مُسْتَعْطٍ ذَلِيلٌ , وَمَا عَلَيْهِ مِنَ التَّبِعَةِ فِي الْعَاقِبَةِ أَشَدُّ وَأَدْهَى وَإِنْ أَفْنَى أَيَّامَهُ فِي النَّحْوِ وَالْعَوِيصِ مِنَ الْكَلَامِ فَقُصَارَاهُ أَنْ يَصِيرَ مُؤَدِّبًا , يُؤَدِّبُ أَوْلَادَ الْمُلُوكِ فَهُوَ أَبَدًا فِي الْمَعَاذِيرِ وَالْمُدَارَاةِ وَالْبَلَاءِ , فَرُبَّمَا أَصَابَ مِنْ خَيْرِهِمْ , وَرُبَّمَا طُرِدَ وَحُرِمَ , فَإِنَّ مُعَاشَرَتَهُمْ شَدِيدَةٌ وَإِنْ أَفْنَى أَيَّامَهُ فِي أَحَادِيثِ السَّمَرِ وَالْمَغَازِي , وَأَيَّامِ الْعَرَبِ وَالْأَنْسَابِ , وَنَحْوِ ذَلِكَ , فَإِذَا بَلَغَ مِنْهُ الْغَايَةَ الْقُصْوَى فِي نَفْسِهِ فَقُصَارَاهُ أَنْ يَنْضَمَّ إِلَى بَعْضِ الْمُلُوكِ فَيُسَامِرَهُ , وَيُؤَاتِيَهُ عَلَى أَمْرِهِ , وَيُسَاعِدُهُ عَلَى مَا أَرَادَ طَمَعًا مِنْهُ , فَمَا يُحْرَمُ مِنْ دِينِهِ أَكْثَرُ مِمَّا عَسَى أَنْ يُصِيبَ مِنْ دُنْيَاهُ وَإِنْ أَفْنَى أَيَّامَهُ فِي هَذِهِ الْخُطَبِ وَالرَّسَائِلِ , وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ , فَقُصَارَاهُ أَنْ يَصِيرَ خَطِيبًا , وَقَدْ بَلَغَنَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَا مِنْ خَطِيبٍ يَخْطُبُ إِلَّا عُرِضَتْ عَلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَرَادَ بِهَا مَا عِنْدَ اللَّهِ , أَوْ مَا عِنْدَ النَّاسِ كَانَ سُفْيَانُ يَقُولُ: الْكَلِمَةُ خُطْبَةٌ

قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ: §«وَلَكِنْ مَنْ وُفِّقَ لِهَذَا الْعِلْمِ , الَّذِي فِيهِ الْحَلَالُ وَالْحَرَامُ , وَالْفَرَائِضُ وَالْحُدُودُ وَالْأَحْكَامُ وَمَعَالِمُ الدِّينِ كُلِّهَا , فَطَلَبَهُ فِي شَبِيبَتِهِ قَبْلَ تَرَاكُبِ الْأَشْغَالِ عَلَيْهِ , فَأَدْرَكَ مِنْهُ حَظًّا فَإِنْ أَرَادَ بِهِ الْآخِرَةَ وَوُفِّقَ فِيهِ لِلْخَيْرِ وَالصِّدْقِ أَدْرَكَ بِهِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ , إِنْ شَاءَ اللَّهُ , وَكَانَ مُكْرَمًا مَحْمُودًا عَزِيزًا مُتَّبَعًا شَرِيفًا بَعِيدَ الصَّوْتِ -[157]- مُطَاعًا فِي النَّاسِ , وَإِنْ أَرَادَ بِهِ الدُّنْيَا , وَلَمْ يُوَفَّقْ فِيهِ لِلْخَيْرِ وَالصِّيَانَةِ , وَظَلَفِ النَّفْسِ وَإِلْجَامِهَا عَنْ هَوَاهَا لَمْ يَسْتَغْنِ عَنْهُ النَّاسُ , فَإِنَّهُ لَيْسَ فِي الدُّنْيَا خَلْقٌ يَسْتَغْنِي عَنِ الْعِلْمِ إِلَّا مِنْ رَضِيَ بِالْجَهَالَةِ وَالْخَسَارَةِ , فَإِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُمْ غُنْيَةٌ» - يَعْنِي: عَنْهُ - «فَلَا بُدَّ لَهُمْ مِنْ إِكْرَامِهِ وَمَعْرِفَةِ حَقِّهِ»

أنا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ الْكَرِيمِ بْنُ هَوَازِنَ الْقُشَيْرِيُّ النَّيْسَابُورِيُّ , قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا سَعِيدٍ الشَّحَّامَ , يَقُولُ: " §رَأَيْتُ أَبَا الطَّيِّبِ سَهْلًا الصُّعْلُوكِيَّ فِي الْمَنَامِ , فَقُلْتُ: أَيُّهَا الشَّيْخُ فَقَالَ: دَعِ التَّشَيُّخَ فَقُلْتُ: وَتِلْكَ الْأَحْوَالُ الَّتِي شَاهَدْتُهَا؟ فَقَالَ لِي: لَمْ تُغْنِ عَنَّا فَقُلْتُ: مَا فَعَلَ اللَّهُ بِكَ؟ فَقَالَ: غَفَرَ لِي بِمَسَائِلَ كَانَتْ يَسْأَلُ عَنْهَا الْعُجْزُ "

ذكر ما روي أن من إدبار الدين ذهاب الفقهاء

§ذِكْرُ مَا رُوِيَ أَنَّ مِنْ إِدْبَارِ الدِّينِ ذَهَابَ الْفُقَهَاءِ

أنا أَبُو الْحُسَيْنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بِشْرَانَ الْمُعَدِّلُ , نا عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ مُكْرَمٍ , أنا الْحَارِثُ بْنُ مُحَمَّدٍ التَّمِيمِيُّ , نا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ , أنا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ الْفَزَارِيُّ , نا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ زَحْرَ , عَنْ عَلِيِّ بْنِ يَزِيدَ , عَنِ الْقَاسِمِ , عَنْ أَبِي أُمَامَةَ , قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: §«إِنَّ لِكُلِّ شَيْءٍ إِقْبَالًا وَإِدْبَارًا , وَإِنَّ مِنْ إِقْبَالِ هَذَا الدِّينِ , مَا بَعَثَنِي اللَّهُ لَهُ , حَتَّى إِنَّ الْقَبِيلَةَ لَتَفْقَهُ مِنْ عِنْدِ أَسْرِهَا , أَوْ آخِرِهَا , حَتَّى مَا يَكُونُ مِنْهَا إِلَّا الْفَاسِقُ , أَوِ الْفَاسِقَانِ , فَهُمَا مَقْهُورَانِ مَقْمُوعَانِ ذَلِيلَانِ , إِنْ تَكَلَّمَا أَوْ نَطَقَا قُمِعَا وَقُهِرَا وَاضْطُهِدَا» - ثُمَّ ذَكَرَ - «إِنَّ مِنْ إِدْبَارِ هَذَا الدِّينِ أَنْ تَجْفُوَ الْقَبِيلَةُ مِنْ عِنْدِ أَسْرِهَا , حَتَّى لَا يَبْقَى مِنْهَا إِلَّا الْفَقِيهُ أَوِ الْفَقِيهَانِ فَهُمَا مَقْهُورَانِ مَقْمُوعَانِ ذَلِيلَانِ , إِنْ تَكَلَّمَا أَوْ نَطَقَا قُمِعَا وَقُهِرَا وَاضْطُهِدَا , وَقِيلَ أَتَطْغَيَانِ عَلَيْنَا؟ أَتَطْغَيَانِ عَلَيْنَا؟ حَتَّى تُشْرَبَ الْخَمْرُ فِي نَادِيهِمْ وَمَجَالِسِهِمْ وَأَسْوَاقِهِمْ» وَذَكَرَ بَقِيَّةَ الْحَدِيثِ

أنا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ شُعَيْبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْأَدِيبُ بِالدِّينَوَرِ , نا جِبْرِيلُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ الْعَدْلُ , بِهَمَذَانَ , نا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ بْنِ عَامِرٍ السَّمَرْقَنْدِيُّ , نا أَبُو يَعْقُوبَ إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيُّ , نا عِيسَى بْنُ يُونُسَ , عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زِيَادِ بْنِ أَنْعَمَ الْأَفْرِيقِيِّ , عَنْ حِبَّانَ بْنِ جَبَلَةَ , - كَذَا قَالَ شُعَيْبٌ , وَإِنَّمَا هُوَ حِبَّانُ بْنُ أَبِي جَبَلَةَ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: §«إِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ خَيْرًا أَكْثَرَ فُقَهَاءَهُمْ , وَقَلَّلَ جُهَّالَهُمْ حَتَّى إِذَا تَكَلَّمَ الْعَالِمُ وَجَدَ أَعْوَانًا , وَإِذَا تَكَلَّمَ الْجَاهِلُ قُهِرَ , وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ شَرًّا أَكْثَرَ جُهَّالَهُمْ , وَقَلَّلَ فُقَهَاءَهُمْ , حَتَّى إِذَا تَكَلَّمَ الْجَاهِلُ وَجَدَ أَعْوَانًا , وَإِذَا تَكَلَّمَ الْفَقِيهُ قُهِرَ»

أنا عَبْدُ الْغَفَّارِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُؤَدِّبُ , أنا عُمَرُ بْنُ أَحْمَدَ الْوَاعِظُ , نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ سَعِيدٍ الطَّالْقَانِيُّ , نا عَمَّارُ بْنُ عَبْدِ الْمَجِيدِ , نا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ الرَّازِيُّ , عَنْ أَبِي الْعَبَّاسِ , جَعْفَرِ بْنِ هَارُونَ , عَنْ سَمْعَانَ بْنِ الْمَهْدِيِّ , عَنْ أَنَسٍ , قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -[166]-: " §ارْحَمُوا ثَلَاثَةً: غَنِيَّ قَوْمٍ قَدِ افْتَقَرَ , وَعَزِيزَ قَوْمٍ قَدْ ذَلَّ , وَفَقِيهًا يَلْعَبُ بِهِ الْجُهَّالُ "

أَخْبَرَنِي عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ الرَّزَّازُ , نا عُثْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ الدَّقَّاقُ , نا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْقَطَّانُ , نا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عِيسَى الْعَطَّارُ , نا مُحَمَّدُ بْنُ حِمْيَرَ , عَنْ إِسْمَاعِيلَ يَعْنِي ابْنَ عَيَّاشٍ - قَالَ: وَحَدَّثَنِي طَلْحَةُ بْنُ عَمْرٍو , عَنْ عَطَاءٍ , عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ , فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {§نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا} [الرعد: 41] قَالَ: «ذَهَابُ فُقَهَائِهَا , وَخِيَارِ أَهْلِهَا»

أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ مُحَمَّدٍ الدِّمَشْقِيُّ بِهَا , أنا جَدِّي أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عُثْمَانَ السُّلَمِيُّ , -[167]- أنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ بْنِ بِشْرٍ الْهَرَوِيُّ , أنا مُحَمَّدُ بْنُ حَمَّادٍ الطِّهْرَانِيُّ , أنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ , أنا الثَّوْرِيُّ , عَنْ طَلْحَةَ , عَنْ عَطَاءٍ , عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ , فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {§نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا} [الرعد: 41] قَالَ: «مَوْتُ عُلَمَائِهَا وَفُقَهَائِهَا»

أنا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي نَصْرٍ النَّرْسِيُّ , أنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحُسَيْنِ الدَّقَّاقُ , نا ابْنُ مَنِيعٍ , نا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ , نا عَبْدُ الْوَهَّابِ الثَّقَفِيُّ , نا أَيُّوبُ , عَنْ أَبِي قِلَابَةَ , عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ , قَالَ: " §عَلَيْكُمْ بِالْعِلْمِ , قَبْلَ أَنْ يُقْبَضَ , وَقَبْضُهُ: أَنْ يُذْهَبَ بِأَصْحَابِهِ عَلَيْكُمْ بِالْعِلْمِ , فَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَا يَدْرِي مَتَى يَفْتَقِرُ إِلَيْهِ , أَوْ يُفْتَقَرُ إِلَى مَا عِنْدَهُ , وَإِنَّكُمْ سَتَجِدُونَ أَقْوَامًا يَدْعُونَكُمْ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ , وَقَدْ نَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ عَلَيْكُمْ بِالْعِلْمِ , وَإِيَّاكُمْ وَالتَّبَدُّعَ , وَإِيَّاكُمْ وَالتَّنَطُّعَ , وَإِيَّاكُمْ وَالتَّعَمُّقَ , وَعَلَيْكُمْ بِالْعَتِيقِ "

وجوب التفقه في الدين على كافة المسلمين

§وُجُوبُ التَّفَقُّهِ فِي الدِّينِ عَلَى كَافَّةِ الْمُسْلِمِينَ

أنا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْحِنَّائِيُّ , أنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الصِّدِّيقِ الْمَرْوَزِيُّ , نا أَبُو رَجَاءٍ مُحَمَّدُ بْنُ حَمْدَوَيْهِ , نا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدَةَ يَعْنِي النَّافِقَانِيَّ - نا الصَّبَّاحُ بْنُ مُوسَى , عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ , عَنْ مَكْحُولٍ , عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ , عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ , قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: §«طَلَبُ الْعِلْمِ فَرِيضَةٌ عَلَى كُلِّ مُؤْمِنٍ أَنْ يَعْرِفَ الصَّوْمَ وَالصَّلَاةَ , وَالْحَرَامَ وَالْحُدُودَ وَالْأَحْكَامَ»

أنا الْقَاضِي أَبُو الْقَاسِمِ عَلِيُّ بْنُ الْمُحْسِنِ التَّنُوخِيُّ , وَأَبُو مُحَمَّدٍ الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْخَلَّالُ قَالَا: نا أَبُو الْمُفَضَّلِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الشَّيْبَانِيُّ , نا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ حَفْصٍ , حَدَّثَنَا عَبَّادُ بْنُ يَعْقُوبَ , أنا عِيسَى بْنُ عَبْدِ اللَّهِ , - كَذَا قَالَا وَإِنَّمَا هُوَ أَحْمَدُ بْنُ عِيسَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْعَلَوِيُّ , زَادَ التَّنُوخِيُّ: أَبُو الطَّاهِرِ , ثُمَّ اتَّفَقَا - قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ جَدِّهِ , عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ , عَنِ -[169]- النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: §«طَلَبُ الْفِقْهِ فَرِيضَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ»

حَدَّثَنِي أَبُو رَجَاءٍ هِبَةُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الشِّيرَازِيُّ , أنا الْفَضْلُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ الْأَرْدِسْتَانِيُّ , أنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ فَارِسٍ , نا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ يَزِيدَ الزُّهْرِيُّ , أَخُو رُسْتَةَ , أنا مُحَمَّدُ بْنُ أَبَانَ , نا مُعَلَّى يَعْنِي ابْنَ هِلَالٍ - عَنْ حُمَيْدٍ , عَنْ أَنَسٍ , عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: §«التَّفَقُّهُ فِي الدِّينِ حَقٌّ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ»

أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْخَفَّافُ , نا أَبُو الْقَاسِمِ الْغَازِي الْحَسَنُ بْنُ جَعْفَرٍ الصُّوفِيُّ , نا أَبُو بَكْرٍ , مُحَمَّدُ بْنُ حَمْدُونَ الضَّرِيرُ الْجُرْجَانِيُّ - بِجُرْجَانَ - , نا مُحَمَّدُ ابْنُ عُمَرَ بْنِ الْعَلَاءِ , نا بِشْرُ بْنُ الْوَلِيدِ الْكِنْدِيُّ , نا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ الْحَسَنِ الْهِلَالِيُّ , عَنْ حُمَيْدٍ , عَنْ أَنَسٍ , قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: §«طَلَبُ الْفِقْهِ فَرِيضَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ» -[170]- قَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ: إِنَّمَا عَنَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , بِهَذَا الْقَوْلِ عِلْمَ التَّوْحِيدِ , وَمَا يَكُونُ الْعَاقِلُ مُؤْمِنًا بِهِ , فَإِنَّ الْعِلْمَ بِذَلِكَ فَرِيضَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ , وَلَا يَسَعُ أَحَدًا جَهْلُهُ , إِذْ كَانَ وُجُوبُهُ عَلَى الْعُمُومِ دُونَ الْخُصُوصِ وَقِيلَ مَعْنَاهُ: أَنَّ طَلَبَ الْعِلْمِ فَرِيضَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ , إِذَا لَمْ يَقُمْ بِطَلَبِهِ مِنْ كُلِّ سُقْعٍ وَنَاحِيَةٍ مَنْ فِيهِ الْكِفَايَةُ , وَهَذَا الْقَوْلُ يُرْوَى عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ

أنا أَبُو مُسْلِمٍ جَعْفَرُ بْنُ بَايَ الْفَقِيهُ الْجِيلِيُّ , نا أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يُوسُفَ الْأَسَدِيُّ الْأَصْبَهَانِيُّ , نا الْقَاضِي عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ أَبُو سَهْلٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا الْفَضْلِ جَعْفَرَ بْنَ عَامِرٍ الْبَزَّازَ قَالَ: سَمِعْتُ مُجَاهِدَ بْنَ مُوسَى , فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: طَلَبُ الْعِلْمِ فَرِيضَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ قَالَ: كُنَّا عِنْدَ ابْنِ عُيَيْنَةَ , فَجَرَى ذِكْرُ هَذَا الْحَدِيثِ , فَقَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ

: §«لَيْسَ عَلَى كُلِّ الْمُسْلِمِينَ فَرِيضَةً , إِذَا طَلَبَ بَعْضُهُمْ أَجْزَأَ عَنْ بَعْضٍ مِثْلُ الْجِنَازَةِ إِذَا قَامَ بِهَا بَعْضُهُمْ أَجْزَأَ عَنْ بَعْضٍ , وَنَحْوِ ذَلِكَ» قُلْتُ: وَالَّذِي أَرَادَ ابْنُ عُيَيْنَةَ مَعْرِفَةُ الْأَحْكَامِ الْفِقْهِيَّةِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِفُرُوعِ الدِّينِ , فَأَمَّا الْأُصُولُ الَّتِي هِيَ مَعْرِفَةُ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَوْحِيدُهُ وَصِفَاتُهُ وَصِدْقُ رُسُلِهِ فَمِمَّا يَجِبُ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ مَعْرِفَتُهُ , وَلَا يَصِحُّ أَنْ يَنُوبَ فِيهِ بَعْضُ الْمُسْلِمِينَ عَنْ بَعْضٍ وَقِيلَ: مَعْنَى قَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: طَلَبُ الْعِلْمِ فَرِيضَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ أَنَّ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ فَرْضًا أَنْ يَتَعَلَّمَ مَا لَا يَسَعُهُ جَهْلُهُ مِنْ عِلْمِ حَالِهِ

وَقَدْ بَيَّنَ ذَلِكَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ فَقَالَ: فِيمَا أنا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي نَصْرٍ النَّرْسِيُّ , أنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحُسَيْنِ الدَّقَّاقُ , نا ابْنُ مَنِيعٍ , نا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْمَرْوَزِيُّ , نا حَسَنُ بْنُ الرَّبِيعِ , قَالَ: سَأَلْتُ ابْنَ الْمُبَارَكِ قُلْتُ: طَلَبُ الْعِلْمِ فَرِيضَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ " أَيُّ شَيْءٍ تَفْسِيرُهُ؟ قَالَ: §«لَيْسَ هُوَ الَّذِي تَطْلُبُونَ , إِنَّمَا طَلَبُ الْعِلْمِ فَرِيضَةٌ أَنْ يَقَعَ الرَّجُلُ فِي شَيْءٍ مِنْ أَمْرِ دِينِهِ , يَسْأَلُ عَنْهُ حَتَّى يَعْلَمَهُ»

أنا أَبُو بَكْرٍ , مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ بُكَيْرٍ الْمُقْرِئُ النَّجَّارُ , نا يَحْيَى بْنُ شِبْلِ بْنِ الْعَبَّاسِ الْحُنَيْنِيُّ , نا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْخَالِقِ , نا أَبُو هَمَّامٍ , نا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ شَقِيقٍ , قَالَ: سَأَلْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الْمُبَارَكِ: مَا الَّذِي يَجِبُ عَلَى النَّاسِ مِنْ تَعْلِيمِ الْعِلْمِ؟ قَالَ -[172]-: §«أَنْ لَا يُقْدِمَ الرَّجُلُ عَلَى الشَّيْءِ إِلَّا بِعِلْمٍ , يَسْأَلُ وَيَتَعَلَّمُ , فَهَذَا الَّذِي يَجِبُ عَلَى النَّاسِ مِنْ تَعْلِيمِ الْعِلْمِ» وَفَسِّرْهُ قَالَ: «لَوْ أَنَّ رَجُلًا لَيْسَ لَهُ مَالٌ , لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ وَاجِبًا أَنْ يَتَعَلَّمَ الزَّكَاةَ , فَإِذَا كَانَ لَهُ مِائَتَا دِرْهَمٍ , وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَتَعَلَّمَ كَمْ يُخْرِجُ , وَمَتَى يُخْرِجُ وَأَيْنَ يَضَعُ , وَسَائِرَ الْأَشْيَاءِ عَلَى هَذَا» قُلْتُ: وَهَكَذَا رُوِيَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ , أَنَّهُ أَمَرَ تَاجِرًا بِالْفِقْهِ قَبْلَ التِّجَارَةِ

أَخْبَرَنِي بِذَلِكَ الْحَسَنُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ , نا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ يَعْقُوبَ الْمُقْرِئُ , نا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ كَاسٍ , نا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْعَلَوِيُّ , نا نَصْرُ بْنُ مُزَاحِمٍ الْمِنْقَرِيُّ , حَدَّثَنَا أَبُو خَالِدٍ الْوَاسِطِيُّ , عَنْ زَيْدِ بْنِ عَلِيٍّ , عَنْ آبَائِهِ , عَنْ عَلِيٍّ , أَنَّهُ جَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ , أُرِيدُ أَنْ أَتَّجِرَ , فَقَالَ لَهُ: §«الْفِقْهُ قَبْلَ التِّجَارَةِ , إِنَّهُ مَنْ تَجَرَ قَبْلَ أَنْ يَفْقَهَ ارْتَطَمَ فِي الرِّبَا ثُمَّ ارْتَطَمَ»

أنا أَبُو نُعَيْمٍ الْحَافِظُ , نا أَبُو الْحَسَنِ , أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ مِقْسَمٍ الْبَغْدَادِيُّ , نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ , نا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى , نا ابْنُ وَهْبٍ , عَنْ مَالِكٍ , وَذَكَرَ الْعِلْمَ , فَقَالَ: §«إِنَّ الْعِلْمَ لَحَسَنٌ , وَلَكِنِ انْظُرْ مَا يَلْزَمُكَ مِنْ حِينِ تُصْبِحُ , إِلَى حِينَ تُمْسِي , وَمِنْ حِينِ تُمْسِي , إِلَى حِينِ تُصْبِحُ , فَالْزَمْهُ , وَلَا تُؤْثِرْ عَلَيْهِ شَيْئًا»

أنا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عُمَرَ الْمُقْرِئُ , أنا أَبُو مُحَمَّدٍ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَلِيٍّ الْخُطَبِيُّ , نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ , قَالَ: سَأَلْتُ أَبِي عَنٍ الرَّجُلِ , يَجِبُ عَلَيْهِ طَلَبُ الْعِلْمِ؟ فَقَالَ: §«أَمَّا مَا يُقِيمُ بِهِ الصَّلَاةَ , وَأَمْرَ دِينِهِ مِنَ الصَّوْمِ , وَالزَّكَاةِ , وَذِكْرِ شَرَائِعِ الْإِسْلَامِ» قَالَ: «يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَعْلَمَ ذَلِكَ» قُلْتُ: فَوَاجِبٌ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ طَلَبُ مَا يَلْزَمُهُ مَعْرِفَتُهُ , مِمَّا فَرَضَ اللَّهُ عَلَيْهِ , عَلَى حَسَبِ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ مِنَ الِاجْتِهَادِ لِنَفْسِهِ , وَكُلُّ مُسْلِمٍ بَالِغٍ عَاقِلٍ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى , حُرٍّ وَعَبْدٍ , تُلْزَمُهُ الطَّهَارَةُ وَالصَّلَاةُ وَالصِّيَامُ

فَرْضًا , فَيَجِبُ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ تَعَرُّفُ عِلْمِ ذَلِكَ , وَهَكَذَا يَجِبُ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ , أَنْ يُعْرَفَ مَا يَحِلُّ لَهُ وَمَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ , مِنَ الْمَآكِلِ وَالْمَشَارِبِ وَالْمَلَابِسِ وَالْفُرُوجِ وَالدِّمَاءِ وَالْأَمْوَالِ , فَجَمِيعُ هَذَا لَا يَسَعُ أَحَدًا جَهْلُهُ , وَفَرْضٌ عَلَيْهِمْ أَنْ يَأْخُذُوا فِي تَعَلُّمِ ذَلِكَ , حَتَّى يَبْلُغُونَ الْحُلُمَ وَهُمْ مُسْلِمُونَ , أَوْ حِينَ يُسْلِمُونَ بَعْدَ بُلُوغِ الْحُلُمِ , وَيُجْبِرُ الْإِمَامُ أَزْوَاجَ النِّسَاءِ وَسَادَاتِ الْإِمَاءِ عَلَى تَعْلِيمِهِنَّ مَا ذَكَرْنَا , وَفَرْضٌ عَلَى الْإِمَامِ أَيْضًا , أَنْ يَأْخُذَ النَّاسَ بِذَلِكَ , وَيُرَتِّبَ أَقْوَامًا لِتَعْلِيمِ الْجُهَّالِ , وَيُفْرَضَ لَهُمُ الرِّزْقَ فِي بَيْتِ الْمَالِ , وَيَجِبَ عَلَى الْعُلَمَاءِ تَعْلِيمُ الْجَاهِلِ , لِيَتَمَيَّزَ لَهُ الْحَقُّ مِنَ الْبَاطِلِ

أَخْبَرَنِي عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ الرَّزَّازُ , نا عُثْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ الدَّقَّاقُ , نا أَبُو حَمْزَةَ الْمِرْزَوِيُّ , مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ , نا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ , نا خَارِجَةُ بْنُ مُصْعَبٍ , نا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ الْعَبْدِيُّ , عَنْ رَجُلٍ , سَمَّاهُ , عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ , قَالَ: §«مَا أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقًا مِنْ أَهْلِ الْجَهْلِ بِطَلَبِ الْعِلْمِ , حَتَّى أَخَذَ مِيثَاقًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِبَيَانِ الْعِلْمِ لِلْجُهَّالِ , لِأَنَّ الْعِلْمَ كَانَ قَبْلَ الْجَهْلِ»

ما جاء في تعليم الرجال أولادهم ونساءهم والسادات عبيدهم وإماءهم

§مَا جَاءَ فِي تَعْلِيمِ الرِّجَالِ أَوْلَادَهُمْ وَنِسَاءَهُمْ وَالسَّادَاتِ عَبِيدَهُمْ وَإِمَاءَهُمْ

أنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَهْرَيَارَ الْأَصْبَهَانِيُّ , أنا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ الطَّبَرَانِيُّ , نا دَاوُدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ صَالِحٍ أَبُو الْفَوَارِسِ الْمَرُّوذِيُّ النَّحْوِيُّ , - بِمِصْرَ - , نا زَكَرِيَّا بْنُ يَحْيَى الْخَزَّازُ , نا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبَّادٍ أَبُو مُحَمَّدٍ الزِّمَّانِيُّ , نا سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ , عَنْ قَتَادَةَ , عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ , قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: §«كُلُّكُمْ رَاعٍ , وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ , فَالْأَمِيرُ رَاعٍ عَلَى النَّاسِ , وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ , وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِهِ , وَمَسْئُولٌ عَنْ زَوْجَتِهِ , وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُهُ»

أنا أَبُو سَعِيدٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى بْنِ الْفَضْلِ الصَّيْرَفِيُّ , نا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْأَصَمُّ , نا مُحَمَّدُ بْنُ هِشَامِ بْنِ مِلَاسٍ النُّمَيْرِيُّ , نا حَرْمَلَةُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْجُهَنِيُّ , بِالْمَرْوَةِ الصُّغْرَى بِالْحِجَازِ , حَدَّثَنِي عَمِّي عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ رَبِيعٍ , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ جَدِّهِ , -[176]- عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: §«مُرُوا الصَّبِيَّ بِالصَّلَاةِ ابْنَ سَبْعٍ , وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا ابْنَ عَشْرٍ»

أنا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُعَدِّلُ , أنا دَعْلَجُ بْنُ أَحْمَدَ , نا مُوسَى بْنُ هَارُونَ , نا أَبِي , نا يَعْلَى بْنُ عُبَيْدٍ , نا الْحَاطِبِيُّ - وَهُوَ -: عُثْمَانُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ حَاطِبٍ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ , يَقُولُ لِرَجُلٍ: §«أَدِّبِ ابْنَكَ فَإِنَّكَ مَسْئُولٌ عَنْ وَلَدِكَ , مَا عَلَّمْتَهُ؟ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ بِرِّكَ وَطَاعَتِهِ لَكَ»

أنا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ عِيسَى بْنِ يَحْيَى الْبَلَدِيُّ , أنا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَبَّاسِ بْنِ الْفَضْلِ الْحَنَّاطُ , - بِالْمَوْصِلِ - , نا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي الْمُثَنَّى , نا قَبِيصَةُ بْنُ عُقْبَةَ , عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيُّ , عَنْ مَنْصُورٍ , عَنْ رَجُلٍ , عَنْ عَلِيٍّ: {§قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا} [التحريم: 6] قَالَ: «عَلِّمُوهُمْ أَدِّبُوهُمْ»

أنا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ , أنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ دَرَسْتُوَيْهِ , نا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ , نا أَبُو النُّعْمَانِ , وَيَحْيَى بْنُ يَحْيَى , عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ , عَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ الْخِرِّيتِ , عَنْ عِكْرِمَةَ , قَالَ: كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ §" يَجْعَلُ الْكَبْلَ فِي رِجْلَيَّ عَلَى تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ وَالْفِقْهِ قَالَ أَبُو النُّعْمَانِ: عَلَى تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ

أنا أَبُو سَعِيدٍ الصَّيْرَفِيُّ , نا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْأَصَمُّ , نا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الْوَرَّاقُ , نا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى , نا أَبُو سَعْدٍ الْبَقَّالُ , عَنْ أَنَسٍ: أَنَّ امْرَأَةً , أَتَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ , الْمَرْأَةُ تَرَى فِي الْمَنَامِ مَا يَرَى الرَّجُلُ؟ قَالَ: §«إِذَا كَانَ مِنْهَا مَا يَكُونُ مِنَ الرِّجَالِ فَلْتَغْتَسِلْ» فَقَالَتْ عَائِشَةُ: فَضَحْتِ النِّسَاءَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَهْلًا يَا عَائِشَةُ لَا تَمْنَعِي نِسَاءَ الْأَنْصَارِ يَتَعَلَّمْنَ الْفِقْهَ»

أنا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْهَرِيُّ , وَأَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ قَالَا: أنا مُحَمَّدُ بْنُ زَيْدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ مَرْوَانَ الْكُوفِيُّ , نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَاجِيَةَ , نا أَبُو هَمَّامٍ , نا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ سُلَيْمَانَ , نا أَبُو سَعْدٍ الْبَقَّالُ , عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ , قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: §«رَحِمَ اللَّهُ نِسَاءَ الْأَنْصَارِ يَتَفَقَّهْنَ فِي الدِّينِ»

ذكر ضرب النبي صلى الله عليه وسلم المثل في مراتب من تفقه في الدين

§ذِكْرُ ضَرْبِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَثَلَ فِي مَرَاتِبِ مَنْ تَفَقَّهَ فِي الدِّينِ

أنا أَبُو بَكْرٍ الْبُرْقَانِيُّ , نا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ - لَفْظًا - أنا الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ , نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بَرَّادٍ الْأَشْعَرِيُّ , قَالَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ , وَأَخْبَرَنِي أَبُو يَعْلَى يَعْنِي الْمَوْصِلِيَّ , نا أَبُو كُرَيْبٍ , قَالَ: وَأَنَا الْقَاسِمُ بْنُ زَكَرِيَّا , نا أَبُو كُرَيْبٍ , وإِبْرَاهِيمُ الْجَوْهَرِيُّ , ويُوسُفُ الْمَسْرُوقِيُّ , وقَاسِمُ بْنُ دِينَارٍ , قَالُوا: نا أَبُو أُسَامَةَ , عَنْ يَزِيدَ , عَنْ أَبِي بُرْدَةَ , عَنْ أَبِي مُوسَى , عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: §«إِنَّ مَثَلَ مَا آتَانِي اللَّهُ مِنَ الْهُدَى وَالْعِلْمِ , كَمَثَلِ غَيْثٍ أَصَابَ أَرْضًا كَانَتْ مِنْهَا طَائِفَةٌ طَيِّبَةٌ , قَبِلَتِ الْمَاءَ فَأَنْبَتَتِ الْكَلَأَ وَالْعُشْبَ الْكَثِيرَ , وَكَانَتْ مِنْهَا» - قَالَ الْحَسَنُ: «- أَجَادِبُ -» وَلَمْ يَضْبِطْ أَبُو يَعْلَى وَالْقَاسِمُ هَذَا الْحَرْفَ - «أَمْسَكَتِ الْمَاءَ , فَنَفَعَ اللَّهُ بِهِ النَّاسَ , فَشَرِبُوا مِنْهَا وَسَقَوْا وَزَرَعُوا , وَطَائِفَةٌ أُخْرَى , إِنَّمَا هِيَ قِيعَانٌ لَا تُمْسِكُ مَاءً وَلَا تُنْبِتُ كَلَأً فَذَلِكَ مِثْلُ مَنْ فَقِهَ فِي دِينِ اللَّهِ , وَنَفَعَهُ مَا بَعَثَنِي اللَّهُ بِهِ فَعَلِمَ وَعَمِلَ» - كَذَا قَالَ أَبُو يَعْلَى وَحْدَهُ - «وَمَثَلُ مَنْ لَمْ يَرْفَعْ بِذَلِكَ رَأْسًا , وَلَمْ يَقْبَلْ هَدْيَ اللَّهِ الَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ» , وَقَالَ أَبُو يَعْلَى: «وَأَحَادِبُ» , وَقَالَ الْحَسَنُ -[180]- وَالْقَاسِمُ: «فَعَلِمَ وَعَلَّمَ» قَدْ جَمَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مَرَاتِبَ الْفُقَهَاءِ وَالْمُتَفَقِّهِينَ , مِنْ غَيْرِ أَنْ يَشُذَّ مِنْهَا شَيْءٍ , فَالْأَرْضُ الطَّيِّبَةُ هِيَ مِثْلُ الْفَقِيهِ الضابطِ لِمَا رَوَى , الْفَهِمُ لِلْمَعَانِي , الْمُحْسِنُ لَرَدَّ مَا اخْتُلِفَ فِيهِ إِلَى الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْأَجَادِبُ الْمُمْسِكَةُ لِلْمَاءِ الَّتِي يَسْتَقِي مِنْهَا النَّاسُ , هِيَ مِثْلُ الطَّائِفَةِ الَّتِي حَفِظَتْ مَا سَمِعَتْ فَقَطْ , وَضَبَطَتْهُ وَأَمْسَكَتْهُ , حَتَّى أَدَّتْهُ إِلَى غَيْرِهَا مَحْفُوظًا غَيْرَ مُغَيَّرٍ , دُونَ أَنْ يَكُونَ لَهَا فِقْهٌ تَتَصَرَّفُ فِيهِ , وَلَا فَهْمٌ بِالرَّدِّ الْمَذْكُورِ وَكَيْفِيَّتِهِ , لَكِنْ نَفَعَ اللَّهُ بِهَا فِي التَّبْلِيغِ , فَبَلَغَتْ إِلَى مَنْ لَعَلَّهُ أَوْعَى مِنْهَا , كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: رُبَّ مُبَلَّغٍ أَوْعَى مِنْ سَامِعٍ , وَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ لَيْسَ بِفَقِيهٍ وَمَنْ لَمْ يَحْفَظْ مَا سَمِعَ , وَلَا ضَبَطَ , فَلَيْسَ مِثْلَ الْأَرْضِ الطَّيِّبَةِ , وَلَا مِثْلَ الْأَجَادِبِ , بَلْ هُوَ مَحْرُومٌ , وَمِثْلُهُ مِثْلَ الْقِيعَانِ , الَّتِي لَا تَنْبُتُ -[181]- كَلَأً , وَلَا تُمْسِكُ مَاءً , وَقَدْ قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ: {هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} [الزمر: 9] , وَقَالَ تَعَالَى: {أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى} [الرعد: 19] , وَشَبَّهَ التَّارِكَ لِلْعِلْمِ , رَغْبَةً عَنْهُ وَاسْتِهَانَةً بِهِ وَتَكْذِيبًا لَهُ بِالْكَلْبِ , فَقَالَ تَعَالَى: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا} [الأعراف: 175] إِلَى أَنْ قَالَ: {فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ} [الأعراف: 176] إِلَى آخِرِ الْآيَةِ

ذكر تقسيم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب أحوال الناس في طلب العلم وتركه

§ذِكْرُ تَقْسِيمِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَحْوَالِ النَّاسِ فِي طَلَبِ الْعِلْمِ وَتَرْكِهِ

أنا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ الْأَزْرَقِ الْمَتُّوثِيُّ , أنا أَبُو سَهْلٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زِيَادٍ الْقَطَّانُ , نا أَبُو بَكْرٍ مُوسَى بْنُ إِسْحَاقَ الْأَنْصَارِيُّ , وَأَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ الْحَرْبِيُّ , وَأَبُو نُعَيْمٍ الْحَافِظُ قَالَا: نا حَبِيبُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ دَاوُدَ الْقَزَّازُ , نا مُوسَى بْنُ إِسْحَاقَ , نا أَبُو نُعَيْمٍ ضِرَارُ بْنُ صُرَدٍ , نا عَاصِمُ بْنُ حُمَيْدٍ الْحَنَّاطُ , عَنْ أَبِي حَمْزَةَ الثُّمَالِيِّ , عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جُنْدُبٍ الْفَزَارِيِّ , عَنْ كُمَيْلِ بْنِ زِيَادٍ النَّخَعِيِّ , قَالَ: أَخَذَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ بِيَدِي , فَأَخْرَجَنِي إِلَى نَاحِيَةِ الْجَبَّانِ , فَلَمَّا أَصْحَرَ جَلَسَ ثُمَّ تَنَفَّسَ , ثُمَّ قَالَ: " يَا كُمَيْلُ بْنَ زِيَادٍ , احْفَظْ مَا أَقُولُ لَكَ: §الْقُلُوبُ أَوْعِيَةٌ خَيْرُهَا أَوْعَاهَا النَّاسُ ثَلَاثَةٌ: فَعَالِمٌ رَبَّانِيٌّ , وَمُتَعَلِّمٌ عَلَى سَبِيلِ نَجَاةٍ , وَهَمَجٌ رِعَاعٌ , أَتْبَاعُ كُلِّ نَاعِقٍ يَمِيلُونَ مَعَ كُلِّ رِيحٍ , لَمْ يَسْتَضِيئُوا بِنُورِ الْعِلْمِ , وَلَمْ يَلْجَأُوا إِلَى رُكْنٍ وَثِيقٍ , الْعِلْمُ خَيْرٌ مِنَ الْمَالِ , الْعِلْمُ يَحْرُسُكَ , وَأَنْتَ تَحْرُسُ الْمَالَ , الْعِلْمُ يَزْكُو عَلَى الْعَمَلِ , وَالْمَالُ تَنْقُصُهُ النَّفَقَةُ , الْعِلْمُ حَاكِمٌ , وَالْمَالُ مَحْكُومٌ عَلَيْهِ , وَصَنِيعَةُ الْمَالِ تَزُولُ بِزَوَالِهِ , مَحَبَّةُ الْعَالِمِ دِينٌ يُدَانُ بِهَا , تُكْسِبُهُ الطَّاعَةَ فِي حَيَاتِهِ , وَجَمِيلَ الْأُحْدُوثَةِ بَعْدَ مَوْتِهِ , مَاتَ خُزَّانُ الْأَمْوَالِ وَهُمْ أَحْيَاءٌ , الْعُلَمَاءُ بَاقُونَ , مَا بَقِيَ -[183]- الدَّهْرُ , أَعْيَانُهُمْ مَفْقُودَةٌ , وَأَمْثَالُهُمْ فِي الْقُلُوبِ مَوْجُودَةٌ , هَا إِنَّ هَا هُنَا - وَأَوْمَأَ بِيَدِهِ إِلَى صَدْرِهِ - عِلْمًا , لَوْ أَصَبْتُ لَهُ حَمَلَةً , بَلَى أَصَبْتُهُ لَقِنًا , غَيْرَ مَأْمُونٍ عَلَيْهِ , يَسْتَعْمِلُ آلَةَ الدِّينِ لِلدُّنْيَا , يَسْتَظْهِرُ بِنِعَمِ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ , وَيُحْجِجْهُ عَلَى كِتَابِهِ , أَوْ مُنْقَادًا لِأَهْلِ الْحَقِّ , لَا بَصِيرَةَ لَهُ فِي إِحْيَائِهِ , يَقْتَدِحُ الشَّكُّ فِي قَلْبِهِ , بِأَوَّلِ عَارِضٍ مِنْ شُبْهَةٍ , لَا ذَا , وَلَا ذَاكَ , أَوْ مَنْهُومًا بِاللَّذَّةِ سَلِسُ الْقِيَادِ لِلشَّهَوَاتِ , أَوْ فَمُغْرًى بِجَمْعِ الْأَمْوَالِ , وَالِادِّخَارِ , لَيْسَا مِنْ دُعَاةِ الدِّينِ , أَقْرَبُ شَبَهِهِمَا بِهِمَا الْأَنْعَامُ السَّائِمَةُ , كَذَلِكَ يَمُوتُ الْعِلْمُ بِمَوْتِ حَامِلِيهِ , اللَّهُمَّ بَلَى , لَنْ تَخْلُوَ الْأَرْضُ مِنْ قَائِمٍ لِلَّهِ بِحُجَّةٍ , لِكَيْ لَا تَبْطُلَ حُجَجُ اللَّهِ وَبَيِّنَاتُهُ , أُولَئِكَ الْأَقَلُّونَ عَدَدًا الْأَعْظَمُونَ عِنْدَ اللَّهِ قَدْرًا , بِهِمْ يَدْفَعُ اللَّهُ عَنْ حُجَجِهِ , حَتَّى يُؤَدُّوهَا إِلَى نُظَرَائِهِمْ , وَيَزْرَعُوهَا فِي قُلُوبِ أَشْبَاهِهِمْ , هَجَمَ بِهِمُ الْعِلْمُ عَلَى حَقِيقَةِ الْأَمْرِ , فَاسْتَلَانُوا مَا اسْتَوْعَرَ مِنْهُ الْمُتْرَفُونَ , وَأَنِسُوا بِمَا اسْتَوْحَشَ مِنْهُ الْجَاهِلُونَ , وَصَاحَبُوا الدُّنْيَا بِأَبْدَانَ أَرْوَاحُهَا مُعَلَّقَةٌ بِالْمَحْمَلِ الْأَعْلَى , هَاهَا شَوْقًا إِلَى رُؤْيَتِهِمْ , وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكَ , إِذَا شِئْتَ فَقُمْ " -[184]- هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ أَحْسَنِ الْأَحَادِيثِ مَعْنًى , وَأَشْرَفِهَا لَفْظًا , وَتَقْسِيمُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ , عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ النَّاسَ فِي أَوَّلِهِ تَقْسِيمٌ فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ , وَنِهَايَةِ السَّدَادِ , لِأَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَخْلُو مِنْ أَحَدِ الْأَقْسَامِ الثَّلَاثَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا مَعَ كَمَالِ الْعَقْلِ وَإِزَاحَةِ الْعِلَلِ , إِمَّا أَنْ يَكُونَ عَالِمًا أَوْ مُتَعَلِّمًا أَوْ مُغْفِلًا لِلْعِلْمِ وَطَلَبِهِ , لَيْسَ بِعَالِمٍ وَلَا طَالِبٍ لَهُ فَالْعَالِمُ الرَّبَّانِيُّ: هُوَ الَّذِي لَا زِيَادَةَ عَلَى فَضْلِهِ لِفَاضِلٍ , وَلَا مَنْزِلَةَ فَوْقَ مَنْزِلَتِهِ لِمُجْتَهِدٍ , وَقَدْ دَخَلَ فِي الْوَصْفِ لَهُ بِأَنَّهُ رَبَّانِيٌّ وَصْفُهُ بِالصِّفَاتِ الَّتِي يَقْتَضِيهَا الْعِلْمُ لِأَهْلِهِ , وَيَمْنَعُ وَصْفَهُ بِمَا خَالَفَهَا , وَمَعْنَى الرَّبَّانِيِّ فِي اللُّغَةِ: الرَّفِيعُ الدَّرَجَةِ فِي الْعِلْمِ , الْعَالِي الْمَنْزِلَةِ فِيهِ , وَعَلَى ذَلِكَ حَمَلُوا قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى: {لَوْلَا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ} [المائدة: 63] وَقَوْلَهُ تَعَالَى: {وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ} [آل عمران: 79]

أنا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ هِشَامٍ الْفَارِسِيُّ , نا أَبِي , نا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ , نا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى , أنا ابْنُ عُيَيْنَةَ , وَأَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحُسَيْنُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَحْمَدَ الْمِصْرِيُّ , - بِمَكَّةَ - نا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ فِرَاسٍ الْعَبْقَسِيُّ , نا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدُّبَيْلِيُّ , نا أَبُو عُبَيْدِ اللَّهِ سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمَخْزُومِيُّ , حَدَّثَنَا سُفْيَانُ , عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ , عَنْ مُجَاهِدٍ , قَالَ: " §الرَّبَّانِيُّونَ: الْفُقَهَاءُ , وَهُمْ فَوْقَ الْأَحْبَارِ "

أنا الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ الْحِيرِيُّ , أنا أَبُو مُحَمَّدٍ حَاجِبُ بْنُ أَحْمَدَ الطُّوسِيُّ , نا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ مُنِيبٍ , نا الْفُضَيْلُ يَعْنِي ابْنَ عِيَاضٍ - , عَنْ عَطَاءٍ , عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ , فِي قَوْلِهِ: {§كُونُوا رَبَّانِيِّينَ} [آل عمران: 79] قَالَ: «حُكَمَاءَ فُقَهَاءَ»

أنا ابْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ , أنا دَعْلَجُ بْنُ أَحْمَدَ , أنا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ الصَّائِغُ , أَنَّ سَعِيدَ بْنَ مَنْصُورٍ , حَدَّثَهُمْ قَالَ: نا جَرِيرٌ , عَنْ مَنْصُورٍ , عَنْ أَبِي رَزِينٍ , فِي قَوْلِهِ {§كُونُوا رَبَّانِيِّينَ} [آل عمران: 79] قَالَ: «فُقَهَاءَ عُلَمَاءَ»

قَرَأْتُ عَلَى الْحَسَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ , عَنْ أَبِي عُمَرَ الزَّاهِدِ , مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْوَاحِدِ قَالَ: سَأَلْتُ ثَعْلَبًا عَنْ هَذَا الْحَرْفِ , (رَبَّانِيٍّ) , فَقَالَ: سَأَلْتُ ابْنَ الْأَعْرَابِيِّ , فَقَالَ: §" إِذَا كَانَ الرَّجُلُ عَالِمًا , عَامِلًا , مُعَلِّمًا , قِيلَ لَهُ هَذَا رَبَّانِيُّ , فَإِنْ خَرَمَ عَنْ خِصْلَةٍ مِنْهَا , لَمْ يُقَلْ لَهُ رَبَّانِيُّ وَبَلَغَنِي عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ الْأَنْبَارِيِّ , عَنِ النَّحْوِيِّينَ , أَنَّ الرَّبَّانِيِّينَ , مَنْسُوبُونَ إِلَى الرَّبِّ , وَأَنَّ الْأَلِفَ وَالنُّونَ زِيدَتَا لِلْمُبَالَغَةِ فِي

النَّسَبِ , كَمَا تَقُولُ: لِحْيَانِيُّ جُمَّانِيُّ , إِذَا كَانَ عَظِيمَ اللِّحْيَةِ وَالْجُمَّةِ وَأَمَّا الْمُتَعَلِّمُ عَلَى سَبِيلِ النَّجَاةِ: فَهُوَ الطَّالِبُ بِتَعَلُّمِهِ وَالْقَاصِدُ بِهِ نَجَاتَهُ مِنَ التَّفْرِيطِ فِي تَضْيِيعِ الْفُرُوضِ الْوَاجِبَةِ عَلَيْهِ , وَالرَّغْبَةِ بِنَفْسِهِ عَنْ إِهْمَالِهَا وَإِطْرَاحِهَا , وَالْأَنَفَةِ مِنْ مُجَانَسَةِ الْبَهَائِمِ , وَقَدْ نَفَى بَعْضُ الْمُتَقَدِّمِينَ عَنِ النَّاسِ مَنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَأَمَّا الْقَسَمُ الثَّالِثُ , فَهُمُ الْمُهْمِلُونَ لِأَنْفُسِهِمْ , الرَّاضُونَ بِالْمَنْزِلَةِ الدَّنِيَّةِ وَالْحَالِ الْخَسِيسَةِ , الَّتِي هِيَ فِي الْحَضِيضِ الْأَوْهَدِ , وَالْهُبُوطِ الْأَسْفَلِ , الَّتِي لَا بَعْدَهَا فِي الْخُمُولِ , وَلَا دُونَهَا فِي السُّقُوطِ - نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الْخَذَلَانِ , وَعَدَمِ التَّوْفِيقِ وَالْحِرْمَانِ - وَمَا أَحْسَنَ مَا شَبَّهَهُمُ الْإِمَامُ عَلِيٌّ بِالْهَمَجِ الرَّعَاعِ: وَالهَمَجُ: البَعُوضُ , وَبِهِ يُشَبَّهُ دُنَاةُ النَاسِ وَأَرَاذِلُهُم، وَالرِّعَاعُ: الْمُتَبَدِّدِ الْمُتَفَرِّقِ , وَالنَّاعِقُ: الصَّائِحُ , وَهُوَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ: الرَّاعِي , يُقَالُ: نَعَقَ الرَّاعِي بِالْغَنَمِ يَنْعِقُ: إِذَا صَاحَ بِهَا , وَمِنْهُ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لَا يَسْمَعُ إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ} [البقرة: 171]

أنا الْقَاضِي أَبُو الْقَاسِمِ التَّنُوخِيُّ , أنا أَبُو الْفَضْلِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ الْمَأْمُونِ الْهَاشِمِيُّ , نا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ بَشَّارٍ الْأَنْبَارِيُّ قَالَ: قَرَأْنَا عَلَى أَبِي الْعَبَّاسِ أَحْمَدَ بْنِ يَحْيَى , لِأَبِي الْأَسْوَدِ الدُّؤَلِيِّ: « [البحر البسيط]

§الْعِلْمُ زَيْنٌ وَتَشْرِيفٌ لِصَاحِبِهِ ... فَاطْلُبْ هُدِيتَ فُنُونَ الْعِلْمِ وَالْأَدَبَا لَا خَيْرَ فِيمَنْ لَهُ أَصْلٌ بِلَا أَدَبٍ ... حَتَّى يَكُونَ عَلَى مَا زَانَهُ حَدِبًا كَمْ مِنْ كَرِيمٍ أَخِي عِيٍّ وَطَمْطَمَةٍ ... فَكَمْ لَدَى الْقَوْمِ مَعْرُوفًا إِذَا انْتَسَبَا فِي بَيْتِ مَكْرُمَةٍ آبَاؤُهُ نُجُبٌ ... كَانُوا الرِّؤُوسَ فَأَمْسَى بَعْدَهُمْ ذَنَبًا وَخَامِلٍ مُقْرِفِ الْآبَاءِ ذِي أَدَبٍ ... نَالَ الْمَعَالِيَ بِالْآدَابِ وَالرُّتَبَا أَمْسَى عَزِيزًا عَظِيمَ الشَّانِ مُشْتَهَرًا ... فِي خَدِّهِ صَعَرٌ قَدْ ظَلَّ مُحْتَجَبًا الْعِلْمُ كَنْزٌ وَذُخْرٌ لَا نفادَ لَهُ ... نِعْمَ الْقَرِينُ إِذَا مَا صَاحِبٌ صُحِبَا قَدْ يَجْمَعُ الْمَرْءُ مَالًا ثُمَّ يُحْرَمُهُ ... عَمَّا قَلِيلٍ فَيَلْقَى الذُّلَّ وَالْحَدَبَا وَجَامِعُ الْعِلْمِ مَغْبُوطٌ بِهِ أَبَدًا ... وَلَا يُحَاذِرُ مِنْهُ الْفَوْتَ وَالسَّلَبَا -[188]- يَا جَامِعَ الْعِلْمِ نِعْمَ الذُّخْرُ تَجْمَعُهُ ... لَا تَعْدِلَنَّ بِهِ دُرًّا وَلَا ذَهَبَا»

حَدَّثَنِي الْعَلَاءُ بْنُ حَزْمٍ الْأَنْدَلُسِيُّ , قَالَ: أنا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ بَقَاءٍ الْمِصْرِيُّ , أنا جَدِّي عَبْدُ الْغَنِيِّ بْنُ سَعِيدٍ , قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا الْعَبَّاسِ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُثْمَانَ الْحَكَمِيَّ الْفَقِيهَ , يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ , أَحْمَدَ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ سَلَامَةَ يَقُولُ: كُنْتُ عِنْدَ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي عِمْرَانَ فَمَرَّ بِنَا رَجُلٌ مِنْ بَنِي الدُّنْيَا , فَنَظَرْتُ إِلَيْهِ , وَشُغِلْتُ بِهِ عَمَّا كُنْتُ فِيهِ مَعَهُ مِنَ الْمُذَاكَرَةِ , فَقَالَ لِي: §«كَأَنِّي بِكَ قَدْ فَكَّرْتَ فِيمَا أُعْطِيَ هَذَا الرَّجُلُ مِنَ الدُّنْيَا» , فَقُلْتُ لَهُ: نَعَمْ , فَقَالَ: «هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى خَلَّةٍ؟ هَلْ لَكَ أَنْ يُحَوِّلَ اللَّهُ إِلَيْكَ مَا عِنْدَهُ مِنَ الْمَالِ , وَيُحَوِّلَ إِلَيْهِ مَا عِنْدَكَ مِنَ الْعِلْمِ , فَتَعِيشَ أَنْتَ غَنِيًّا جَاهِلًا , وَيَعِيشُ هُوَ عَالِمًا فَقِيرًا؟» فَقُلْتُ: مَا أَخْتَارُ أَنْ يُحَوِّلَ اللَّهُ مَا عِنْدِي مِنَ الْعِلْمِ إِلَى مَا عِنْدَهُ عَلَى هَذَا

باب بيان الفقه

§بَابُ بَيَانِ الْفِقْهِ

أنا أَبُو الْفَتْحِ أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ النَّحَّاسُ بِحَلَبَ , نا الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ الْأُسَامِيُّ , نا مُوسَى بْنُ الْقَاسِمِ بْنِ مُوسَى بْنِ الْأَشْيَبِ الْقَاضِي , قَالَ: قَالَ ثَعْلَبٌ: أَحْمَدُ بْنُ يَحْيَى النَّحْوِيُّ: " §يُقَالُ فِي فِقْهِ الرَّجُلِ: فَقُهَ إِذَا كَمُلَ , وَفَقِهَ إِذَا شَدَا شَيْئًا مِنَ الْفِقْهِ "

أنا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ , نا أَبُو عُمَرَ , مُحَمَّدُ بْنُ الْعَبَّاسِ الْخَزَّازُ , أنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّكَّرِيُّ , عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيِّ قَالَ: " §الْفِقْهُ فِي اللُّغَةِ الْفَهْمُ , يُقَالُ: فُلَانٌ لَا يَفْقَهُ قَوْلِي , وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ} [الإسراء: 44] , أَيْ لَا تَفْهَمُونَهُ , ثُمَّ يُقَالُ لِلْعِلْمِ: الْفِقْهُ , لِأَنَّهُ عَنِ الْفَهْمِ يَكُونُ , وَلِلْعَالِمِ: فَقِيهٌ , لِأَنَّهُ إِنَّمَا يَعْلَمُ بِفَهْمِهِ , عَلَى مَذْهَبِ الْعَرَبِ فِي تَسْمِيَةِ الشَّيْءِ بِمَا كَانَ لَهُ سَبَبًا "

أَخْبَرَنِي عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ الرَّزَّازُ , نا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ مِقْسَمٍ الْمُقْرِئُ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا الْعَبَّاسِ ثَعْلَبًا , وَقَدْ سُئِلَ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ , تَعَالَى: {§وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا -[190]- كَثِيرًا} [البقرة: 269] قَالَ: «الْفَهْمُ»

أنا عَلِيُّ بْنُ أَبِي عَلِيٍّ الْبَصْرِيُّ: أنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ سُوَيْدٍ الْمُعَدِّلُ , قَالَ: قَالَ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْقَاسِمِ الْأَنْبَارِيُّ: قَوْلُهُمْ: " §رَجُلٌ فَقِيهٌ مَعْنَاهُ: عَالِمٌ , وَكُلُّ عَالِمٍ بِشَيْءٍ فَهُوَ فَقِيهٌ فِيهِ , مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ: مَا يَفْقَهُ وَلَا يَنْقَهُ مَعْنَاهُ: مَا يَعْلَمُ وَلَا يَفْهَمُ , يُقَالُ: نَقَهْتُ الْحَدِيثَ أَنْقَهُهُ: إِذَا فَهِمْتُهُ , وَنَقَهْتُ مِنَ الْمَرَضِ أَنْقَهُ , وَمِنَ الْفِقْهِ قَوْلُهُمْ: قَالَ فَقِيهُ الْعَرَبِ , مَعْنَاهُ: عَالِمُ الْعَرَبِ , وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى {لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ} [التوبة: 122] مَعْنَاهُ: لِيَكُونُوا عُلَمَاءَ بِهِ "

أنا الْحَسَنُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ , أنا أَبُو بَكْرٍ , مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ الْمُقْرِئُ النَّقَّاشُ , نا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الصَّائِغُ , نا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ , نا ابْنُ لَهِيعَةَ , نا عَطَاءٌ هُوَ ابْنُ دِينَارٍ - عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ , وَسُئِلَ عَنِ الْفِقْهِ فِي الدِّينِ، قَالَ: §«الْعِلْمُ بِأَمْرِ اللَّهِ , وَمَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ , وَمَا أَمَرَ مِنَ الْعِلْمِ بِسُنَّةِ نَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَالْمُحَافَظَةِ عَلَى مَا عَلِمْتَ , فَذَلِكَ الْفِقْهُ فِي الدِّينِ»

سَمِعْتُ أَبَا إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمَ بْنَ عَلِيٍّ الْفَقِيهَ الْفَيْرُوزَابَادِيَّ يَقُولُ: الْفِقْهُ: مَعْرِفَةُ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ , الَّتِي طَرِيقُهَا الِاجْتِهَادُ , وَالْأَحْكَامُ الشَّرْعِيَّةُ هِيَ: الْوَاجِبُ , وَالنَّدْبُ , وَالْمُبَاحُ , وَالْمَحْظُورُ , وَالْمَكْرُوهُ , وَالصَّحِيحُ , وَالْبَاطِلُ فَالْوَاجِبُ: مَا تَعَلَّقَ الْعِقَابُ بِتَرْكِهِ , كَالصَّلَوَاتِ الْخَمْسَةِ وَالزَّكَوَاتِ وَرَدِّ الْوَدَائِعِ وَالْغُصُوبِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَالنَّدْبُ: مَا تَعَلَّقَ الثَّوَابُ بِفِعْلِهِ , وَلَا يَتَعَلَّقُ الْعِقَابُ بِتَرْكِهِ , كَصَلَوَاتِ النَّفَلِ , وَصَدَقَاتِ التَّطَوُّعِ , وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْقُرَبِ الْمُسْتَحَبَّةِ وَالْمُبَاحُ: مَا لَا ثَوَابَ فِي فِعْلِهِ , وَلَا عِقَابَ فِي تَرْكِهِ , كَأَكْلِ الطَّيِّبِ , وَلِبْسِ النَّاعِمِ , وَالنَّوْمِ , وَالْمَشْيِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْمُبَاحَاتِ وَالْمَحْظُورُ: مَا تَعَلَّقَ الْعِقَابُ بِفِعْلِهِ كَالزِّنَا وَاللِّوَاطِ , وَالْغَصْبِ , وَالسَّرِقَةِ , وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْمَعَاصِي وَالْمَكْرُوهُ: مَا تَرْكُهُ أَفْضَلُ مِنْ فِعْلِهِ , كَالصَّلَاةِ مَعَ مُدَافَعَةِ الْأَخْبَثَيْنِ , وَالصَّلَاةِ فِي أَعْطَانِ الْإِبِلِ , وَاشْتِمَالِ الصَّمَّاءِ وَغَيْرِ ذَلِكَ , مِمَّا نُهِيَ عَنْهُ عَلَى وَجْهِ التَّنْزِيهِ وَالصَّحِيحُ: مَا تَعَلَّقَ بِهِ النُّفُوذُ , وَحَصَلَ بِهِ الْمَقْصُودُ , كَالصَّلَوَاتِ الْجَائِزَةِ , وَالْبُيُوعِ الْمَاضِيَةِ وَالْبَاطِلُ: مَا لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ النُّفُوذُ , وَلَا يَحْصُلُ بِهِ الْمَقْصُودُ , كَالصَّلَاةِ بِغَيْرِ طَهَارَةٍ , وَبَيْعِ مَا لَا يَمْلِكُ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا لَا يُعْتَدُّ بِهِ مِنَ الْأُمُورِ الْفَاسِدَةِ

باب بيان أصول الفقه أصول الفقه: الأدلة التي يبنى عليها الفقه , وهي: كتاب الله سبحانه , وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم , مما حفظ عنه خطابا وفعلا وإقرارا , وإجماع الأمة من أهل الاجتهاد , فهي ثلاثة أصول , ونحن نذكر كل أصل منها على التفصيل , وكيف يرتب بعضها

§بَابُ بَيَانِ أُصُولِ الْفِقْهِ أُصُولُ الْفِقْهِ: الْأَدِلَّةُ الَّتِي يُبْنَى عَلَيْهَا الْفِقْهُ , وَهِيَ: كِتَابُ اللَّهِ سُبْحَانَهُ , وَسُنَّةُ رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , مِمَّا حُفِظَ عَنْهُ خِطَابًا وَفِعْلًا وَإِقْرَارًا , وَإِجْمَاعُ الْأُمَّةِ مِنْ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ , فَهِيَ ثَلَاثَةُ أُصُولٍ , وَنَحْنُ نَذْكُرُ كُلَّ أَصْلٍ مِنْهَا عَلَى التَّفْصِيلِ , وَكَيْفَ يُرَتَّبُ بَعْضُهَا عَلَى بَعْضٍ , ثُمَّ نَذْكُرُ الْقِيَاسَ , وَمَا يَجُوزُ مِنْهُ وَمَا لَا يَجُوزُ , وَبِاللَّهِ تَعَالَى نَسْتَعِينُ , وَإِيَّاهُ نَسْأَلُ أَنْ يَعْصِمَنَا مِنَ الزَّلَلِ , وَيُوَفِّقَنَا لِصَالِحِ الْقَوْلِ وَالْعَمَلِ بِمَنِّهِ وَلُطْفِهِ

القول في الأصل الأول: وهو الكتاب قال الله تعالى: وإنه لكتاب عزيز لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد وقال الله تعالى: كتاب أنزلناه إليك لتخرج الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم إلى صراط العزيز الحميد وقال تعالى: وأنزلنا إليك

§الْقَوْلُ فِي الْأَصْلِ الْأَوَّلِ: وَهُوَ الْكِتَابُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَإِنَّهُ لِكِتَابٌ عَزِيزٌ لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} [فصلت: 42] وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ} [إبراهيم: 1] وَقَالَ تَعَالَى: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [النحل: 44] وَقَالَ تَعَالَى: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ} [النحل: 89] وَقَالَ تَعَالَى: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نُهْدِي بِهِ مِنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [الشورى: 52]

أنا أَبُو الْحُسَيْنِ , مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ , أنا أَبُو الْحُسَيْنِ , أَحْمَدُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ بَوْيَانَ الْمُقْرِئُ , نا أَبُو جَعْفَرٍ , مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الْوَرَّاقُ , نا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي كَرِيمَةَ الْحَرَّانِيُّ , نا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ , عَنْ أَبِي سِنَانٍ , عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ , عَنْ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ الطَّائِيِّ يَعْنِي عَنِ الْحَارِثِ , عَنْ عَلِيٍّ , - قَالَ: قِيلَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ أُمَّتَكَ سَتُفْتَتَنُ بَعْدَكَ , فَسَأَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , أَوْ سُئِلَ مَا الْمَخْرَجُ مِنْهَا؟ قَالَ -[194]-: §" بِكِتَابِ اللَّهِ الْعَزِيزِ , الَّذِي لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حُمَيْدٍ , مَنِ ابْتَغَى الْعِلْمَ مِنْ غَيْرِهِ , أَضَلَّهُ اللَّهُ , وَمَنْ وَلِي هَذَا الْأَمْرَ مِنْ جَبَّارٍ يَحْكُمُ بِغَيْرِهِ قَصَمَهُ اللَّهُ , هُوَ الذِّكْرُ الْحَكِيمُ , وَالنُّورُ الْمُبِينُ , وَالصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ , فِيهِ خَبَرُ مَا قَبْلَكُمْ , وَنَبَأُ مَا بَعْدَكُمْ , وَحُكْمُ مَا بَيْنَكُمْ , وَهُوَ الْفَصْلُ لَيْسَ بِالْهَزْلِ , وَهُوَ الَّذِي سَمِعَتْهُ الْجِنُّ فَلَمْ تَكَادَ أَنْ قَالُوا: {إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ} [الجن: 2] , لَا يَخْلَقُ عَلَى طُولِ الرَّدِّ , وَلَا تَنْقَضِي عِبَرُهُ , وَلَا تَفْنَى عَجَائِبُهُ " ثُمَّ قَالَ عَلِيٌّ لِلْحَارِثِ: خُذْهَا يَا أَعْوَرُ

أنا أَبُو الْقَاسِمِ عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي عُثْمَانَ الدَّقَّاقُ , وَعَلِيُّ بْنُ الْمُحْسِنِ بْنِ عَلِيٍّ التَّنُوخِيُّ قَالَا: أنا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ الرَّزَّازُ , قَالَ: نا - وَفِي , حَدِيثِ التَّنُوخِيِّ: أنا - جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْفِرْيَابِيُّ , نا مُحَمَّدُ بْنُ حُمَيْدٍ , نا الْحَكَمُ بْنُ بَشِيرِ بْنِ سَلْمَانَ , نا عَمْرُو بْنُ قَيْسٍ الْمُلَائِيُّ , عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ الْجَمَلِيِّ , عَنْ أَبِي -[195]- الْبَخْتَرِيِّ الطَّائِيِّ , عَنِ الْحَارِثِ , - وَقَالَ التَّنُوخِيُّ: عَنِ ابْنِ أَخِي الْحَارِثِ , عَنِ الْحَارِثِ , - عَنْ عَلِيٍّ , قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " قَالَ جِبْرِيلُ: سَتَكُونُ فِي أُمَّتِكَ فِتْنَةٌ , قُلْتُ: مَا الْمَخْرَجُ مِنْهَا يَا جِبْرِيلُ قَالَ: §كِتَابُ اللَّهِ تَعَالَى فِيهِ نَبَأُ مَا قَبْلَكُمْ , وَخَبَرُ مَا بَعْدَكُمْ , وَحُكْمُ مَا بَيْنَكُمْ , مَنْ يَلِي هَذَا الْأَمْرَ مِنْ جَبَّارٍ فَقَضَى فِيهِ بِغَيْرِهِ قَصَمَهُ اللَّهُ , وَمَنْ يَبْتَغِي الْهُدَى فِي غَيْرِهِ أَضَلَّهُ اللَّهُ , هُوَ النُّورُ الْمُبِينُ , وَالذِّكْرُ الْحَكِيمُ , وَالصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ , هُوَ الْفَصْلُ لَيْسَ بِالْهَزْلِ , هُوَ الَّذِي سَمِعَتْهُ الْجِنُّ , فَلَمْ يَتَنَاهَوْا أَنْ قَالُوا: {إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا} [الجن: 1] هُوَ الَّذِي لَا يَخْلَقُ عَلَى طُولِ الرَّدِّ , وَلَا تَنْقَضِي عَجَائِبُهُ " ثُمَّ قَالَ لِلْحَارِثِ: خُذْهَا يَا أَعْوَرُ

أنا أَبُو الْحَسَنِ , مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ رِزْقَوَيْهِ , أنا عُثْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ الدَّقَّاقُ , نا أَحْمَدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ إِسْحَاقَ الْحُلْوَانِيُّ , نا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ الْحِمَّانِيُّ , نا أَبُو خَالِدٍ الْأَحْمَرُ , عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ جَعْفَرٍ , عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ , عَنْ أَبِي شُرَيْحٍ , قَالَ: خَرَجَ عَلَيْنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: §«أَبْشِرُوا أَلَيْسَ تَشْهَدُونَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ؟» -[196]- قَالُوا: نَعَمْ قَالَ: «فَإِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ سَبَبٌ طَرْفُهُ بِيَدِ اللَّهِ تَعَالَى , وَطَرَفُهُ بِأَيْدِيكُمْ , فَتَمَسَّكُوا بِهِ , فَإِنَّكُمْ لَنْ تَضِلُّوا وَلَنْ تَهْلَكُوا بَعْدَهُ أَبَدًا»

أنا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْهَرِيُّ , أنا مُحَمَّدُ بْنُ زَيْدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ مَرْوَانَ الْكُوفِيُّ , أنا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ حَفْصٍ الْخَثْعَمِيُّ , نا عَبَّادُ بْنُ يَعْقُوبَ , أنا ابْنُ فُضَيْلٍ , عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ , عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ , عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ , قَالَ: §" مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ وَاتَّبَعَ مَا فِيهِ هَدَاهُ اللَّهُ مِنَ الضَّلَالَةِ , وَوَقَاهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ سُوءَ الْحِسَابِ , وَذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: {فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى} [طه: 123] "

أنا أَبُو بَكْرٍ الْبَرْقَانِيُّ , أنا أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ حَمْدَانَ الْقَطِيعِيُّ , نا إِدْرِيسُ بْنُ عَبْدِ الْكَرِيمِ الْمُقْرِئُ , نا خَلَفُ بْنُ هِشَامٍ الْبَزَّارُ , نا عَبْدُ الْوَهَّابِ , عَنْ شُعْبَةَ , وإِسْرَائِيلَ , عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ , عَنْ مُرَّةَ -[197]- الْهَمْدَانِيِّ , عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ , قَالَ: §«مَنْ أَرَادَ الْعِلْمَ فَلْيُثَوِّرِ الْقُرْآنَ , فَإِنَّ فِيهِ عِلْمَ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ» إِلَّا أَنَّ إِسْرَائِيلَ قَالَ: خَبَرَ

أنا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْوَاعِظُ , أنا أَبُو حَفْصٍ , عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ الْجُمَحِيُّ - بِمَكَّةَ - نا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ , نا أَبُو نُعَيْمٍ , نا الْأَعْمَشُ , عَنْ مُسْلِمِ بْنِ صُبَيْحٍ , عَنْ مَسْرُوقٍ , قَالَ: §«مَا تَسَاءَلَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ شَيْءٍ إِلَّا وَعِلْمُهُ فِي الْقُرْآنِ وَلَكِنْ قَصُرَ عِلْمُنَا عَنْهُ»

أنا أَبُو الْحَسَنِ بْنُ زِرْقَوَيْهِ , أنا عُثْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ , نا أَحْمَدُ بْنُ يَحْيَى الْحُلْوَانِيُّ , نا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ , نا وَكِيعٌ , عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ رَافِعٍ , عَنْ أَبِي رَافِعٍ , عَنْ رَجُلٍ , عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو , قَالَ: §«مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ فَكَأَنَّمَا اسْتُدْرِجَتِ النُّبُوَّةُ بَيْنَ جَنْبَيْهِ , إِلَّا أَنَّهُ لَا يُوحَى إِلَيْهِ» -[198]- قُلْتُ: وَفِي الْقُرْآنِ الْمُحْكَمُ وَالْمُتَشَابِهُ , وَالْحَقِيقَةُ وَالْمَجَازُ , وَالْأَمْرُ وَالنَّهْيُ , وَالْعُمُومُ وَالْخُصُوصُ , وَالْمُبَيَّنُ وَالْمُجْمَلُ , وَالنَّاسِخُ وَالْمَنْسُوخُ

وَلِهَذَا قَالَ أَبُو الدَّرْدَاءٍ مَا: أنا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُعَدِّلُ , أنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ , نا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ , نا عَبْدُ الرَّزَّاقِ , أنا مَعْمَرٌ , عَنْ أَيُّوبَ , عَنْ أَبِي قِلَابَةَ , عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ , قَالَ: §" لَا تَفْقَهُ كُلَّ الْفِقْهِ , حَتَّى تَرَى لِلْقُرْآنِ وُجُوهًا كَثِيرَةً فَيَحْتَاجُ النَّاظِرُ فِي عِلْمِ الْقُرْآنِ , إِلَى حِفْظِ الْآثَارِ وَدَرْسِ النَّحْوِ وَعِلْمِ الْعَرَبِيَّةِ وَاللُّغَةِ , إِذْ كَانَ اللَّهُ تَعَالَى إِنَّمَا أَنْزَلَهُ بِلِسَانِ الْعَرَبِ , فَقَالَ: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} [يوسف: 2]

أنا الْبُرْقَانِيُّ , أنا أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ حَمْدَانَ , نا إِدْرِيسُ بْنُ عَبْدِ الْكَرِيمِ , نا خَلَفُ بْنُ هِشَامٍ , نا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ , عَنْ يَحْيَى بْنِ عَتِيقٍ , قَالَ: سَأَلْتُ الْحَسَنَ , قُلْتُ: أَرَأَيْتَ الرَّجُلَ يَتَعَلَّمُ الْعَرَبِيَّةَ , يَطْلُبُ بِهَا حُسْنَ الْمَنْطِقِ وَ -[199]- يَلْتَمِسُ أَنْ يُقِيمَ قِرَاءَتَهُ قَالَ: §«حَسَنٌ , فَتَعَلَّمْهَا يَا أَخِي , فَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَقْرَأُ الْآيَةَ , فَيَعِهَا بِوَجْهِهَا , فَيَهْلِكَ فِيهَا»

أنا ابْنُ زَرْقَوَيْهِ , أنا الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ الْجِرَاحِيُّ , نا حَامِدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ شُعَيْبٍ الْبَلْخِيُّ , نا سُرَيْحُ بْنُ يُونُسَ , نا مُحَمَّدُ بْنُ حُمَيْدٍ يَعْنِي أَبَا سُفْيَانَ الْمَعْمَرِيَّ - عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ , عَنْ عَبْدِ الْأَعْلَى , عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ , " عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ , قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: §«مَنْ قَالَ فِي الْقُرْآنِ بِغَيْرِ عِلْمٍ , فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ»

أنا أَبُو طَالِبٍ , عُمَرُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعِيدٍ الزُّهْرِيُّ الْفَقِيهُ , نا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَبَّاسِ الْخَزَّازُ , نا أَبُو بَكْرِ بْنُ الْأَنْبَارِيِّ , نا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى , نا يُوسُفُ بْنُ مُوسَى , نا الْمُعَلَّى بْنُ أَسَدٍ , نا سُهَيْلُ بْنُ أَبِي حَزْمٍ , أَخُو حَزْمٍ , عَنْ أَبِي عِمْرَانَ الْجَوْنِيِّ , عَنْ جُنْدُبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ , -[200]- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: §«مَنْ قَالَ فِي الْقُرْآنِ بِرَأْيِهِ , فَقَدْ أَخْطَأَ» قَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ: حَمَلَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ هَذَا الْحَدِيثَ عَلَى أَنَّ الرَّأْيَ مَعْنِيُّ بِهِ الْهَوَى , مَنْ قَالَ فِي الْقُرْآنِ قَوْلًا يُوَافِقُ هَوَاهُ , لَمْ يَأْخُذْهُ عَنْ أَئِمَّةِ السَّلَفِ , فَأَصَابَ فَقَدْ أَخْطَأَ , لِحُكْمِهِ عَلَى الْقُرْآنِ بِمَا لَا يُعْرَفُ أَصْلُهُ , وَلَا يَقِفُ عَلَى مَذَاهِبِ أَهْلِ الْأَثَرِ وَالنَّقْلِ فِيهِ

باب القول في المحكم والمتشابه

§بَابُ الْقَوْلِ فِي الْمُحْكَمِ وَالْمُتَشَابِهِ

أنا أَبُو الْحَسَنِ بْنُ رِزْقَوَيْهِ , وَأَبُو , عَلِيِّ بْنُ شَاذَانَ قَالَا: أنا أَحْمَدُ بْنُ سَلْمَانَ بْنِ الْحَسَنِ النِّجَادُ , نا أَبُو دَاوُدَ سُلَيْمَانُ بْنُ الْأَشْعَثِ , نا هَنَّادٌ , عَنْ وَكِيعٍ , عَنْ عَلِيِّ بْنِ صَالِحٍ , عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ , عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَيْسٍ , عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ , فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {§آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ} [آل عمران: 7] قَالَ: " هِيَ الَّتِي فِي الْأَنْعَامِ {قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا} [الأنعام: 151] ثَلَاثُ آيَاتٍ "

أنا الْحَسَنُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ , أنا عَبْدُ الْخَالِقِ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْمُعَدِّلُ , نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ ثَابِتٍ الْمُقْرِئُ , حَدَّثَنِي أَبِي , نا الْهُذَيْلُ بْنُ حَبِيبٍ , عَنْ مُقَاتِلِ بْنِ سُلَيْمَانَ: {§هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ} [آل عمران: 7] " يُعْمَلُ بِهِنَّ , وَهُنَّ الْآيَاتُ الَّتِي فِي الْأَنْعَامِ , قَوْلُهُ تَعَالَى: {قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا

حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} [الأنعام: 151] إِلَى ثَلَاثِ آيَاتٍ , آخِرُهُنَّ {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [الأنعام: 155] يَقُولُ: {هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ} [آل عمران: 7] يَعْنِي: أَصْلُ الْكِتَابِ , لِأَنَّهُنَّ فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ مَكْتُوبَاتٌ , وَهُنَّ مُحَرَّمَاتٌ عَلَى الْأُمَمِ كُلِّهَا فِي كِتَابِهِمْ , وَإِنَّمَا سُمِّينَ: أُمَّ الْكِتَابِ لِأَنَّهُنَّ مَكْتُوبَاتٌ فِي جَمِيعِ الْكُتُبِ الَّتِي أَنْزَلَهَا اللَّهُ عَلَى جَمِيعِ الْأَنْبِيَاءِ , وَلَيْسَ مِنْ أَهْلِ دِينٍ إِلَّا وَهُوَ يُوصِي بِهِنَّ , ثُمَّ قَالَ: {وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ} [آل عمران: 7] , يَعْنِي بِالْمُتَشَابِهَاتِ: {الم} [البقرة: 1] , {المص} [الأعراف: 1] , {المر} [الرعد: 1] , {الر} [يونس: 1] , شُبِّهَ عَلَى الْيَهُودِ كَمْ تَمْلِكُ هَذِهِ الْأُمَّةُ مِنَ السِّنِينَ , فَالْمُتَشَابِهَاتُ هَؤُلَاءِ الْكَلِمَاتُ الْأَرْبَعُ , {فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ} [آل عمران: 7] يَعْنِي: مَيلًا عَنِ الْهُدَى , وَهُوَ الشَّكُّ , فَهُمُ الْيَهُودُ , {فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ} [آل عمران: 7] يَعْنِي: ابْتِغَاءَ الْكُفْرِ , {وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ} [آل عمران: 7] , يَعْنِي: مُنْتَهَى مَا يَكُونُ , وَكَمْ يَكُونُ , يُرِيدُ بِذَلِكَ الْمُلْكَ , يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ} [آل عمران: 7] , كَمْ يَمْلِكُونَ مِنَ السِّنِينَ , أُمَّةُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمْلِكُونَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ , إِلَّا أَيَّامًا يَسْلُبُهُمُ اللَّهُ بِالدَّجَّالِ " وَقِيلَ: إِنَّ الْمُحْكَمَ مَا تَعَلَّقَ بِالْأَحْكَامِ وَعِلْمِ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ

أنا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ رِزْقٍ , أنا الْقَاضِي أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْهَمَذَانِيُّ , نا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ الْكِسَائِيُّ , نا آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ , نا ورْقَاءُ , عَنِ ابْنِ -[203]- أَبِي نَجِيحٍ , عَنْ مُجَاهِدٍ , فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {§آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ} [آل عمران: 7] يَقُولُ: «حُكْمُ مَا فِيهَا مِنَ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ وَمَا سِوَى ذَلِكَ» وَقِيلَ: إِنَّ الْآيَاتِ الْمُحْكَمَاتِ هِيَ: النَّاسِخَةُ وَالثَّابِتَةُ الْحُكْمِ , وَالْمُتَشَابِهَاتُ هِيَ: الْمَنْسُوخَةُ الْحُكْمِ وَالْأَمْثَالِ وَالْأَقْسَامِ , وَمَا لَا يَتَعَلَّقُ بِحَلَالٍ وَلَا حَرَامٍ

أنا أَبُو الْقَاسِمِ , طَلْحَةُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الصَّقْرِ الْكَتَّانِيُّ , نا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ الْحَكَمِ الْوَاسِطِيُّ , أنا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُؤَدِّبُ , نا أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلَّامٍ , نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ , عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ , عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ , عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ , فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {§هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ} [آل عمران: 7] قَالَ: " الْمُحْكَمَاتُ: نَاسِخُهُ وَحَلَالُهُ وَحَرَامُهُ وَفَرَائِضُهُ , وَمَا يُؤْمَنُ بِهِ وَيُعْمَلُ بِهِ , وَالْمُتَشَابِهَاتُ: مَنْسُوخُهُ وَمُقَدَّمُهُ , وَمُؤَخَّرُهُ , وَأَمْثَالُهُ وَأَقْسَامُهُ , وَمَا يُؤْمَنُ بِهِ وَلَا يُعْمَلُ بِهِ "

أنا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ رِزْقٍ , أنا أَحْمَدُ بْنُ سَلْمَانَ , نا أَبُو دَاوُدَ , نا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ يَعْنِي ابْنَ ثَابِتٍ الْمَرْوَزِيَّ , نا مُوسَى بْنُ مَسْعُودٍ , وَأَنَا الْحَسَنُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ , أنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الشَّافِعِيُّ , نا إِسْحَاقُ بْنُ الْحَسَنِ الْحَرْبِيُّ , نا أَبُو حُذَيْفَةَ مُوسَى بْنُ مَسْعُودٍ , نا سُفْيَانُ , عَنْ سَلَمَةَ بْنِ نُبَيْطٍ , وجُوَيْبِرَ , - وَقَالَ: ابْنُ رِزْقٍ: أَوْ جُوَيْبِرَ - , عَنِ الضَّحَّاكِ , فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {§هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ} [آل عمران: 7] قَالَ: «النَّاسِخُ» {وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ} [آل عمران: 7] قَالَ: «الْمَنْسُوخُ» وَقِيلَ إِنَّ الْآيَاتِ االْمُتَشَابِهَاتِ , آيَاتٌ مُتَعَارِضَةٌ فِي الظَّاهِرِ , وَبِهَا ضَلَّ أَهْلُ الزَّيْغِ , إِذَا رَأَوْا أَنَّ الْقُرْآنَ يَنْقُضُ بَعْضُهُ بَعْضًا

أنا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ الطَّاهِرِيُّ , أنا أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ سَلْمٍ الْخُتَّلِيُّ , نا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْأَبَّارُ , نا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ , نا يَزِيدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ التُّسْتَرِيُّ , نا ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ , عَنْ عَائِشَةَ , رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: تَلَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذِهِ الْآيَةَ {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ} [آل عمران: 7] فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ: الْآيَةَ كُلَّهَا قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -[205]-: §«إِذَا رَأَيْتُمُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ , فَأُولَئِكَ الَّذِينَ سَمَّاهُمُ اللَّهُ فَاحْذَرُوهُمْ»

أنا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عُمَرَ الْمُقْرِئُ , أنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الشَّافِعِيُّ , نا مُحَمَّدُ بْنُ يُونُسَ , نا مُؤَمَّلُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ , نا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ , قَالَ: سَمِعْتُ أَيُّوبَ , يَقُولُ: §«لَا تَلْقَى أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْبِدَعِ إِلَّا وَهُوَ يُجَادِلُكَ بِالْمُتَشَابِهِ مِنَ الْقُرْآنِ» وَقَدْ سَأَلَ رَجُلٌ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ , عَنْ عِدَّةٍ مِنَ الْآيَاتِ فِي هَذَا النَّوْعِ , فَأَخْبَرَهُ عَبْدُ اللَّهِ بِوُجُوهِهَا

أنا أَبُو بَكْرٍ الْبُرْقَانِيُّ , قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى أَبِي الْعَبَّاسِ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ حَمْدَانَ , حَدَّثَكُمْ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعِيدٍ الْبُوشَنْجِيُّ , نا أَبُو يَعْقُوبَ يُوسُفُ بْنُ عَدِيٍّ , نا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو الرَّقِّيُّ , عَنْ زَيْدِ بْنِ أَبِي أُنَيْسَةَ , عَنِ الْمِنْهَالِ بْنِ عَمْرٍو , عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ , عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ , قَالَ سَعِيدٌ: جَاءَهُ رَجُلٌ , فَقَالَ: يَا ابْنَ عَبَّاسٍ , إِنِّي أَجِدُ فِي الْقُرْآنِ أَشْيَاءَ تَخْتَلِفُ عَلَيَّ , فَقَدْ وَقَعَ ذَلِكَ فِي -[206]- صَدْرِي؟ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: «أَتَكْذِيبٌ؟» فَقَالَ الرَّجُلُ: مَا هُوَ بِتَكْذِيبٍ وَلَكِنِ اخْتِلَافٌ، قَالَ: «فَهَلُمَّ مَا وَقَعَ فِي نَفْسِكَ» فَقَالَ الرَّجُلُ: أَسْمَعُ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: {فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ} [المؤمنون: 101] , وَقَالَ فِي آيَةٍ أُخْرَى: {وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ} [الصافات: 27] , وَقَالَ فِي آيَةٍ أُخْرَى: {وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا} [النساء: 42] , وَقَالَ فِي آيَةٍ أُخْرَى: {وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ} [الأنعام: 23] , فَقَدْ كَتَمُوا فِي هَذِهِ الْآيَةِ، وَفِي قَوْلِهِ: {أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا} [النازعات: 28] , فَذَكَرَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ خَلْقَ السَّمَاءِ قَبْلَ الْأَرْضِ , وَقَالَ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى: {أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ , وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ , ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ} [فصلت: 9] , فَذَكَرَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ خَلْقَ الْأَرْضِ قَبْلَ السَّمَاءِ , وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} [النساء: 96] , {وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا} [النساء: 158] , {وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا بَصِيرًا} [النساء: 134] فَإِنَّهُ كَانَ ثُمَّ انْقَضَى؟ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: «هَاتِ مَا فِي نَفْسِكَ مِنْ هَذَا» فَقَالَ السَّائِلُ: إِذَا أَنْبَأْتَنِي بِهَذَا فَحَسْبِي قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: قَوْلُهُ تَعَالَى: " {§فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا -[207]- يَتَسَاءَلُونَ} [المؤمنون: 101] , فَهَذَا فِي النَّفْخَةِ الْأُولَى , يُنْفَخُ فِي الصُّورِ , فَيَصْعَقُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ , إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ , فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ , ثُمَّ إِذَا كَانَتِ النَّفْخَةُ الْأُخْرَى , قَامُوا فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ، وَأَمَّا قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ} [الأنعام: 23] وَقَوْلُهُ: {وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا} [النساء: 42] , فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَغْفِرُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لِأَهْلِ الْإِخْلَاصِ ذُنُوبَهُمْ , لَا يَتَعَاظَمُ عَلَيْهِ ذَنْبٌ أَنْ يَغْفِرَهُ , وَلَا يَغْفِرُ شِرْكًا , فَلَمَّا رَأَى الْمُشْرِكُونَ ذَلِكَ قَالُوا: إِنَّ رَبَّنَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ وَلَا يَغْفِرُ الشِّرْكَ , تَعَالَوْا نَقُولُ إِنَّا كُنَّا أَهْلَ ذُنُوبٍ , وَلَمْ نَكُنْ مُشْرِكِينَ , فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: أَمَّا إِذْ كَتَمُوا الشِّرْكَ , فَاخْتِمُوا عَلَى أَفْوَاهِهِمْ , فَيُخْتَمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ , فَتَنْطِقُ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلَهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ , فَعِنْدَ ذَلِكَ عَرَفَ الْمُشْرِكُونَ أَنَّ اللَّهَ لَا يَكْتُمُ حَدِيثًا , فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوَا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا} [النساء: 42] وَأَمَّا قَوْلُهُ: {أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا} [النازعات: 27] , فَإِنَّهُ خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ قَبْلَ خَلْقِ السَّمَاءِ , ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ فِي يَوْمَيْنِ آخَرِينَ , ثُمَّ نَزَلَ إِلَى الْأَرْضِ فَدَحَاهَا , وَدَحْيُهَا: أَنْ أَخْرَجَ مِنْهَا الْمَاءَ وَالْمَرْعَى وَشَقَّ فِيهَا الْأَنْهَارَ , وَجَعَلَ فِيهَا السُّبُلَ , وَخَلَقَ الْجِبَالَ وَالرِّمَالَ وَالْأَكْوَامَ وَمَا فِيهَا , فِي يَوْمَيْنِ آخَرَينَ فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا} [النازعات: 30] , وَقَوْلُهُ: {أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ , وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا -[208]- أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ} [فصلت: 9] فَجُعِلَتِ الْأَرْضُ وَمَا فِيهَا مِنْ شَيْءٍ فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ , وَجُعِلَتِ السَّمَاوَاتُ فِي يَوْمَيْنِ وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} [النساء: 96] , {وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا} [النساء: 158] , {وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا بَصِيرًا} [النساء: 134] فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ نَفْسَهُ ذَلِكَ , وَسَمَّى نَفْسَهُ ذَلِكَ , وَلَمْ يَنْحَلْهُ أَحَدًا غَيْرَهُ , وَكَانَ اللَّهُ: أَيْ لَمْ يَزَلْ كَذَلِكَ " ثُمَّ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: «احْفَظْ عَنِّي مَا حَدَّثْتُكَ , وَاعْلَمْ أَنَّ مَا اخْتَلَفَ عَلَيْكَ مِنَ الْقُرْآنِ أَشْبَاهُ مَا حَدَّثْتُكَ , فَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يُنْزِلْ شَيْئًا إِلَّا قَدْ أَصَابَ بِهِ الَّذِي أَرَادَ , وَلَكِنَّ النَّاسَ لَا يَعْلَمُونَ , فَلَا يَخْتَلِفَنَّ عَلَيْكَ الْقُرْآنُ , فَإِنَّ كُلًّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ»

أنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي الْفَتْحِ الْفَارِسِيُّ , أنا أَبُو حَفْصٍ , عُمَرُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ هَارُونَ الْمُقْرِئُ , أنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ بُكَيْرٍ التَّمِيمِيُّ , قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ , يَقُولُ: " §أَصْلُ التَّشَابُهِ: أَنْ يُشْبِهَ , اللَّفْظُ اللَّفْظَ فِي الظَّاهِرِ , وَالْمَعْنَيَانِ مُخْتَلِفَانِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي وَصْفِ ثَمَرِ الْجَنَّةِ: {وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا} [البقرة: 25] , أَيْ: مُتَّفِقُ الْمَنَاظِرِ , مُخْتَلِفُ الطُّعُومِ , وَقَالَ: {تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ} [البقرة: 118] , أَيْ: أَشْبَهَ بَعْضُهَا بَعْضًا فِي الْكُفْرِ وَالْقَسْوَةِ , وَمِنْهُ يُقَالُ: اشْتَبَهَ عَلَيَّ الْأَمْرُ: إِذَا أَشْبَهَ

غَيْرَهُ , فَلَمْ تَكَدْ تُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا , وَشَبَّهْتَ عَلَيَّ: إِذَا أَلْبَسْتَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ , وَمِنْهُ قِيلَ لِأَصْحَابِ الْمَخَارِيقِ: أَصْحَابُ الشَّبَهِ , لِأَنَّهُمْ يُشَبِّهُونَ الْبَاطِلَ بِالْحَقِّ , ثُمَّ قَدْ يُقَالُ لِكُلِّ مَا غَمُضَ وَدَقَّ: مُتَشَابِهِ , وَإِنْ لَمْ تَقَعْ عَلَى الْحِيرَةِ فِيهِ مِنْ جِهَةِ الشَّبَهِ بِغَيْرِهِ , أَلَا تَرَى أَنَّهُ قَدْ قِيلَ لِلْحُرُوفِ الْمُقَطَّعَةِ فِي أَوَائِلِ السُّوَرِ مُتَشَابِهِ , وَلَيْسَ الشَّكُّ فِيهَا وَالْوُقُوفُ عِنْدَهَا لِمُشَاكَلَتِهَا غَيْرِهَا وَالْتِبَاسِهَا بِهَا وَمَثَلُ الْمُتَشَابِهِ (الْمُشْكَلُ) سُمِّي بِذَلِكَ لِأَنَّهُ أَشْكَلَ أَيْ: دَخَلَ فِي شَكْلِ غَيْرِهِ فَأَشْبَهَهُ وَشَاكَلَهُ , ثُمَّ قَدْ يُقَالُ لِمَا غَمُضَ , وَإِنْ لَمْ يَكُنْ غُمُوضُهُ مِنْ هَذِهِ الْجِهَةِ مُشْكِلًا " سَمِعْتُ أَبَا إِسْحَاقَ الْفَيْرُوزَابَادِيَّ , يَقُولُ: وَأَمَّا الْمُتَشَابِهُ فَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِيهِ , فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: هُوَ وَالْمُجْمَلُ وَاحِدٌ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: الْمُتَشَابِهُ مَا اسْتَأْثَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِعِلْمِهِ , وَلَمْ يُطْلِعْ عَلَيْهِ أَحَدًا مِنْ خَلْقِهِ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ قَالَ: الْمُتَشَابِهُ هُوَ: الْقَصَصُ وَالْأَمْثَالُ , وَالْمُحْكَمُ , وَالْحَلَالُ وَالْحَرَامُ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: الْمُتَشَابِهُ: الْحُرُوفُ الْمَجْمُوعَةُ فِي أَوَائِلِ السُّوَرِ , كَـ: {المص} [الأعراف: 1] , {المر} [الرعد: 1] , وَغَيْرِ ذَلِكَ قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ , وَأَمَّا مَا ذَكَرُوهُ , فَلَا يُوصَفْ بِذَلِكَ قُلْتُ: وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ فُورَكٍ: الصَّحِيحُ عِنْدَنَا أَنَّ الْمُحْكَمَ: مَا أُحْكِمَ بَيَانُهُ , وَبَلَغَ بِهِ الْغَايَةَ الَّتِي يُفْهَمُ بِهَا الْمُرَادُ

مِنْ غَيْرِ إِشْكَالٍ وَالْتِبَاسٍ , وَالْمُتَشَابِهُ: هُوَ الَّذِي يَحْتَمِلُ مَعْنَيَيْنِ أَوْ مَعَانِيَ مُخْتَلِفَةً , يُشْبِهُ بَعْضُهَا بَعْضًا عِنْدَ السَّامِعِ فِي أَوَّلِ وَهْلَةٍ , حَتَّى يُمَيِّزَ وَيَتَبَيَّنَ وَيَنْظُرَ وَيَعْلَمَ الْحَقَّ مِنَ الْبَاطِلِ فِيهِ , كَسَائِرِ الْأَلْفَاظِ الْمُحْتَمَلَةِ , الَّتِي يَتَعَلَّقُ بِهَا الْمُخَالِفُونَ لِلْحَقِّ , وَذَهَبُوا عَنْ وَجْهِ الصَّوَابِ فِيهِ قُلْتُ: وَحَكَى الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ: طَاهِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الطَّبَرِيُّ , أَنَّ أَبَا بَكْرٍ مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ الْمَعْرُوفَ بِالصَّيْرَفِيِّ قَالَ: الْمُتَشَابِهُ عَلَى ضَرْبَيْنِ , ضِرْبٌ اسْتَأْثَرَ اللَّهُ بِعِلْمِهِ , وَانْفَرَدَ بِمَعْرِفَةِ تَأْوِيلِهِ , وَضَرْبٌ يَعْلَمُهُ الْعُلَمَاءُ , وَالدَّلِيلُ عَلَى الضَّرْبِ الْأَوَّلِ قَوْلُهُ {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ} [آل عمران: 7] , إِلَى قَوْلِهِ: {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ} [آل عمران: 7] فَنَفَى أَنْ يَكُونَ يَعْلَمُ تَأْوِيلَ الْمُتَشَابِهِ إِلَّا اللَّهُ , وَابْتَدَأَ بَعْدَ ذَلِكَ الْكَلَامَ بِقَوْلِهِ: {وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ} [آل عمران: 7] وَالدَّلِيلُ عَلَى الضَّرْبِ الثَّانِي حَدِيثُ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

أَنَاهُ أَبُو بَكْرٍ الْبُرْقَانِيُّ , أنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ الْهَيْثَمِ الْبُنْدَارُ , نا ابْنُ أَبِي الْعَوَّامِ , نا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ , أنا زَكَرِيَّا , عَنِ الشَّعْبِيِّ , عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ , قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: §«الْحَلَالُ بَيِّنٌ , وَالْحَرَامُ بَيِّنٌ , وَبَيْنَ ذَلِكَ أُمُورٌ مُشْتَبِهَاتٌ لَا يَعْلَمُهَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ» -[211]- فَدُلَّ عَلَى أَنَّ الْقَلِيلَ مِنَ النَّاسِ يَعْلَمُ الْمُشْتَبِهَاتِ قُلْتُ: وَالصَّحِيحُ - وَاللَّهُ أَعْلَمُ - أَنَّ الْمُتَشَابِهَ يَعْلَمُهُ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ , وَلَمْ يُنْزِلِ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ شَيْئًا إِلَّا وَقَدْ جَعَلَ لِلْعُلَمَاءِ طَرِيقًا إِلَى مَعْرِفَتِهِ

يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ: مَا أنا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحُسَيْنُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْقَاسِمِ الْمَخْزُومِيُّ , نا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْبَخْتَرِيِّ الرَّزَّازُ , - إِمْلَاءً - , نا أَبُو عَوْفٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنِ مَرْزُوقِ الْبَزْوَرِيُّ , أنا مَكِّيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ , نا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي حُمَيْدٍ , عَنْ أَبِي الْمَلِيحِ , عَنْ مَعْقِلٍ , قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: §«اعْمَلُوا بِالْقُرْآنِ فَحَلِّلُوا حَلَالَهُ , وَحَرِّمُوا حَرَامَهُ , وَاقْتَدَوْا بِهِ , وَلَا تَكْفُرُوا بِشَيْءٍ مِنْهُ , وَمَا تَشَابَهَ عَلَيْكُمْ , فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ , وَإِلَى أُولِي الْعِلْمِ كَيْ يُخْبِرُوكُمْ» وَقَدْ رُوِيَ فِي الْحُرُوفِ الْمُقَطَّعَةِ مِنْ {كهيعص} [مريم: 1] , أَنَّهَا خَبَرٌ عَنْ -[212]- صِفَاتِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ , فَقِيلَ: الْكَافُ مِنْ كَافٍ , وَالْهَاءُ مِنْ هَادٍ , وَالْيَاءُ مِنْ حَكِيمٍ , وَالْعَيْنُ مِنْ عَلِيمٍ , وَالصَّادُ مِنْ صَادِقٍ , فَكَأَنَّهُ قَالَ: هَذَا الْكِتَابُ مِنْ كَافِّ هَادٍ حَكِيمٍ عَلِيمٍ صَادِقٍ , يُرْوَى ذَلِكَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ , وَكَذَلِكَ {الم} [البقرة: 1] وَ {المر} [الرعد: 1] وَ {الر} [يونس: 1] وَ {المص} [الأعراف: 1] , لَيْسَ مِنْهَا شَيْءٌ إِلَّا وَقَدْ تَكَلَّمَ النَّاسُ فِي تَأْوِيلِهِ وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ} [آل عمران: 7] , فَقَدْ رُوِيَ , عَنْ مُجَاهِدٍ , أَنَّهُ قَالَ: يَعْلَمُونَ تَأْوِيلَهُ , وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ

أنا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُعَدِّلُ , نا عُثْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ الدَّقَّاقُ , نا أَبُو جَعْفَرٍ , مُحَمَّدُ بْنُ غَالِبِ بْنِ حَرْبٍ , نا مُوسَى بْنُ مَسْعُودٍ أَبُو حُذَيْفَةَ , نا شِبْلٌ , عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ , عَنْ مُجَاهِدٍ , قَالَ: §" وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَعْلَمُونَ تَأْوِيلَهُ , وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ قُلْتُ: وَلَوْ لَمْ يَكُنِ الْأَمْرُ هَكَذَا , لَمْ يَكُنْ لِلرَّاسِخِينَ عَلَى الْعَامَّةِ فَضِيلَةٌ , لِأَنَّ الْجَمِيعَ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ؟ فَإِنْ قِيلَ: لَوْ كَانَ الأَمْرُ كَذَلِكَ، لَقَالَ: يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ؟ قُلْنَا: قَدْ يَجُوزُ حَذْفُ وَاوِ النَّسَقِ , وَقِيلَ: إِنَّهُ فِي مَعْنَى الْحَالِ , فَكَأَنَّهُ قَالَ: وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ قَائِلِينَ آمَنَّا بِهِ , كَأَنَّهُمْ يَعْلَمُونَهُ فِي حَالِ إِيمَانِهِمْ بِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ "

باب القول في الحقيقة والمجاز كل كلام مفيد فإنه ينقسم إلى حقيقة ومجاز: فأما الحقيقة , فهو الأصل في اللغة , وحده: كل لفظ استعمل فيما وضع له من غير نقل , فقد يكون للحقيقة مجاز , كالبحر , فإنه حقيقة في الماء المجتمع الكثير , ومجاز في الرجل العالم والفرس

§بَابُ الْقَوْلِ فِي الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ كُلُّ كَلَامٍ مُفِيدٍ فَإِنَّهُ يَنْقَسِمُ إِلَى حَقِيقَةٍ وَمَجَازٍ: فَأَمَّا الْحَقِيقَةُ , فَهُوَ الْأَصْلُ فِي اللُّغَةِ , وَحْدَهُ: كُلُّ لَفْظٍ اسْتُعْمِلَ فِيمَا وُضِعَ لَهُ مِنْ غَيْرِ نَقْلٍ , فَقَدْ يَكُونُ لِلْحَقِيقَةِ مَجَازٌ , كَالْبَحْرِ , فَإِنَّهُ حَقِيقَةٌ فِي الْمَاءِ الْمُجْتَمِعِ الْكَثِيرِ , وَمَجَازٌ فِي الرَّجُلِ الْعَالِمِ وَالْفَرَسِ وَالْجَوَادِ

أنا الْقَاضِي أَبُو عُمَرَ الْقَاسِمُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ عَبْدِ الْوَاحِدِ الْهَاشِمِيُّ , - بِالْبَصْرَةِ - , نا أَبُو الْحَسَنِ , عَلِيُّ بْنُ إِسْحَاقَ الْمَادَرَائِيُّ , نا ابْنُ أَبِي زَكَرِيَّا , حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ الْعَنَزِيُّ , نا أَبُو أُسَامَةَ , عَنِ الْأَعْمَشِ , عَنْ مُجَاهِدٍ , قَالَ: كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ §«يُسَمَّى الْبَحْرَ مِنْ كَثْرَةِ عِلْمِهِ»

أنا أَبُو الْقَاسِمِ , عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ عَلِيٍّ الْفَقِيهُ , نا أَحْمَدُ بْنُ سَلْمَانَ بْنِ الْحَسَنِ النِّجَادُ , نا جَعْفَرٌ الصَّائِغُ , نا فُضَيْلُ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ , نا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ , عَنْ ثَابِتٍ , عَنْ أَنَسٍ , قَالَ: رَكِبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَسًا لِأَبِي طَلْحَةَ , فَلَمَّا نَزَلَ عَنْهُ قَالَ: «§وَجَدْتُهُ بَحْرًا» -[214]- قَالَ لَنَا أَبُو الْقَاسِمِ: هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَتَكَلَّمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَجَازِ , لِأَنَّهُ شَبَّهَ سُرْعَةَ الْفَرَسِ فِي جِرْيِهِ بِالْبَحْرِ وَجَرَيَانِهِ وَهَوْلِهِ وَعِظَمِهِ فَإِذَا وَرَدَ لَفْظٌ حُمِلَ عَلَى الْحَقِيقَةِ بِإِطْلَاقِهِ , وَلَا يُحْمَلُ عَلَى الْمَجَازِ إِلَّا بِدَلِيلٍ , وَقَدْ لَا يَكُونُ لَهُ مَجَازٌ , فَيُحْمَلُ عَلَى مَا وُضِعَ لَهُ وَأَمَّا الْمَجَازُ فَحَدُّهُ: كُلُّ لَفْظٍ نُقِلَ عَمَّا وُضِعَ لَهُ وَقَدْ أَنْكَرَ بَعْضُ النَّاسِ الْمَجَازَ فِي اللُّغَةِ , وَحُكِيَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ مُحَمَّدِ بْنِ دَاوُدَ بْنِ عَلِيٍّ الْأَصْبَهَانِيُّ , أَنَّهُ قَالَ: لَيْسَ فِي الْقُرْآنِ مَجَازٌ وَاحْتَجَّ بِأَنَّ الْعُدُولَ عَنِ الْحَقِيقَةِ إِلَى الْمَجَازِ , إِنَّمَا يَكُونُ لِلضَّرُورَةِ , وَاللَّهُ تَعَالَى لَا يُوصَفُ بِالْحَاجَةِ وَالضَّرُورَةِ , فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فِي كَلَامِهِ مَجَازٌ وَهَذَا غَلَطٌ لِأَنَّ الْمَجَازَ لُغَةُ الْعَرَبِ وَعَادَتُهَا , فَإِنَّهَا تُسَمِّي الشَّيْءَ بِاسْمِ الشَّيْءِ إِذَا كَانَ مُجَاوِرًا لَهُ , أَوْ كَانَ مِنْهُ بِسَبَبٍ , وَتَحْذِفُ جُزْءًا مِنَ الْكَلَامِ طَلَبًا لِلِاخْتِصَارِ , إِذَا كَانَ فِيمَا أُبْقِيَ دَلِيلٌ عَلَى مَا أُلْقِيَ , وَتَحْذِفُ الْمُضَافَ وَتُقِيمُ الْمُضَافَ إِلَيْهِ مَقَامَهُ وَتُعْرِبُهُ بِإِعْرَابِهِ , وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَنْوَاعِ الْمَجَازِ , وَإِنَّمَا نَزَلَ الْقُرْآنُ بِأَلْفَاظِهَا وَمَذَاهِبِهَا وَلُغَاتِهَا , وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ} [الكهف: 77] , وَنَحْنُ نَعْلَمُ ضَرُورَةً أَنَّ الْجِدَارَ لَا إِرَادَةَ لَهُ

أنا الْحَسَنُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ , أنا أَبُو بَكْرٍ , أَحْمَدُ بْنُ كَامِلِ بْنِ خَلَفِ بْنِ شَجَرَةٍ الْقَاضِي , أنا أَبُو الْعَبَّاسِ , أَحْمَدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ ثَعْلَبٍ , -[215]- نا عَلِيُّ بْنُ الْمُغِيرَةِ الْأَثْرَمُ , عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ , مَعْمَرِ بْنِ الْمُثَنَّى فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقَامَهُ} [الكهف: 77] قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: §" لَيْسَ لِلْحَائِطِ إِرَادَةٌ وَلَا لِلْمَوَاتِ وَلَكِنَّهُ إِذَا كَانَ فِي هَذِهِ الْحَالِ فَهُوَ إِرَادَتُهُ , وَهَذَا قَوْلُ الْعَرَبِ فِي غَيْرِهِ: [البحر الوافر] يُرِيدُ الرُّمْحُ صَدْرَ أَبِي بَرَاءٍ ... وَيَرْغَبُ عَنْ دِمَاءِ بَنِي عَقِيلٍ"

أنا أَبُو سَعِيدٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى الصَّيْرَفِيُّ , نا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْأَصَمُّ , نا مُحَمَّدُ بْنُ الْجَهْمِ السَّمُرِيُّ , حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ , فِي قَوْلِهِ تَعَالَى {يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقَامَهُ} [الكهف: 77] , يُقَالُ: كَيْفَ يُرِيدُ الْجِدَارُ أَنْ يَنْقَضَّ؟ قَالَ الْفَرَّاءُ: " §وَذَلِكَ مِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ أَنْ يَقُولُوا: الْجِدَارُ يُرِيدُ أَنْ يَسْقُطَ" وَمِثْلُهُ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ} [الأعراف: 154] , وَالْغَضَبُ لَا يَسْكُتُ , إِنَّمَا يَسْكُتُ صَاحِبُهُ , وَمَعْنَاهُ: سَكَنَ , وَقَوْلُهُ: {فَإِذَا عَزَمَ الْأَمْرُ} [محمد: 21] , إِنَّمَا يَعْزِمُ الْأَمْرَ أَهْلُهُ , وَقَالَ الشَّاعِرُ: [البحر الخفيف] إِنَّ دَهْرًا يَلُفُّ شَمْلِي بِجَمَلِ ... لَزَمَانٌ يَهُمَّ بِالْإِحْسَانِ وَقَالَ الْآخَرُ: [البحر الرجز] شَكَا إِلَيَّ جَمَلِي طُولَ السُّرَى ... صَبْرًا جَمِيلًا فَكِلَانَا مُبْتَلَى

وَالْجَمَلُ لَمْ يَشْكُ , إِنَّمَا تَكَلَّمَ بِهِ عَلَى أَنَّهُ لَوْ نَطَقَ لَقَالَ ذَلِكَ , وَكَذَلِكَ قَوْلُ عَنْتَرَةَ: [البحر الكامل] وَازْوَرَّ مِنْ وَقْعِ الْقَنَا بِلَبَانِهِ ... وَشَكَا إِلَيَّ بِعَبْرَةٍ وَتَحَمْحُمِ قُلْتُ: وَنَحْوُ مَا ذَكَرْنَا , قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا} [يوسف: 82] , وَنَحْنُ نَعْلَمُ بِالضَّرُورَةِ , أَنَّ الْقَرْيَةَ لَا تُخَاطَبُ وَنَحْوُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ} [الدخان: 29]

أنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي الْفَتْحِ , أنا عُمَرُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ هَارُونَ الْمُقْرِئُ , أنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بُكَيْرٌ قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ , يَقُولُ: " §قَدِ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ} [الدخان: 29] , فَذَهَبَ بِهِ قَوْمٌ مَذَاهِبَ الْعَرَبِ فِي قَوْلِهِمْ بَكَتِ الرِّيحُ وَالْبَرْقُ , كَأَنَّهُ يُرِيدُ أَنَّ اللَّهَ حِينَ أَهْلَكَ فِرْعَوْنَ وَقَوْمَهُ وَأَغْرَقَهُمْ , وَأَوْرَثَ مَنَازِلَهُمْ وَجَنَّاتِهِمْ غَيْرَهُمْ , لَمْ يَبْكِ عَلَيْهِمْ بَاكٍ , وَلَمْ يَجْزَعْ جَازِعٌ , وَلَمْ يُوجَدْ لَهُمْ فَقْدٌ وَقَالَ آخَرُونَ: أَرَادَ فَمَا بَكَا عَلَيْهِمْ أَهْلُ السَّمَاءِ وَلَا أَهْلُ الْأَرْضِ , فَأَقَامَ السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ مَقَامَ أَهْلِهِمَا , كَمَا قَالَ: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} [يوسف: 82] أَيْ: أَهْلَ الْقَرْيَةِ , وَقَالَ: {حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا} [محمد: 4] , أَيْ: يَضَعَ

أَهْلُ الْحَرْبِ السِّلَاحَ " قُلْتُ: وَالْمَجَازُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ , يَشْتَمِلُ عَلَى فُنُونٍ: فَمِنْهَا: الِاسْتِعَارَةُ , وَالتَّمْثِيلُ , وَالْقَلْبُ , وَالتَّقْدِيمُ وَالتَّأْخِيرُ , وَالْحَذْفُ , وَالتِّكْرَارُ , وَالْإِخْفَاءُ وَالْإِظْهَارُ , وَالتَّعْرِيضُ , وَالْإِفْصَاحُ , وَالْكِنَايَةُ , وَالْإِيضَاحُ , وَمُخَاطَبَةُ الْوَاحِدِ مُخَاطَبَةَ الْجَمِيعِ , وَمُخَاطَبَةُ الْجَمِيعِ مُخَاطَبَةَ الْوَاحِدِ , وَخِطَابُ الْوَاحِدِ وَالْجَمِيعِ خَطَّابَ الِاثْنَيْنِ , وَالْقَصْدُ بِلَفْظِ الْخُصُوصِ مَعْنَى الْعُمُومِ , وَبِلَفْظِ الْعُمُومِ مَعْنَى الْخُصُوصِ , وَبِجَمِيعِ ذَلِكَ نَزَلَ كِتَابُ اللَّهِ سُبْحَانَهُ , وَقَدْ صَنَّفَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى كِتَابَ الْمَجَازِ فِي الْقُرْآنِ وَرَسَمَ الْعُلَمَاءَ مِنْ بَعْدِهِ فِي ذَلِكَ كُتُبًا , عُرِفَتْ وَاشْتَهَرَتْ , لَا يَتَعَذَّرُ وُجُودُهَا عَلَى مَنْ أَرَادَهَا , إِنْ شَاءَ اللَّهُ

باب القول في الأمر والنهي الأمر هو: قول يستدعي به القائل الفعل ممن هو دونه فأما الأفعال التي ليست بقول فإنها تسمى أمرا على سبيل المجاز , وكذلك ما ليس فيه استدعاء , كالتهديد مثل قوله تعالى: اعملوا ما شئتم , وكالتعجيز مثل قوله: قل فأتوا بعشر سور مثله

§بَابُ الْقَوْلِ فِي الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ الْأَمْرُ هُوَ: قَوْلٌ يَسْتَدْعِي بِهِ الْقَائِلُ الْفِعْلَ مِمَّنْ هُوَ دُونَهُ فَأَمَّا الْأَفْعَالُ الَّتِي لَيْسَتْ بِقَوْلٍ فَإِنَّهَا تُسَمَّى أَمْرًا عَلَى سَبِيلِ الْمَجَازِ , وَكَذَلِكَ مَا لَيْسَ فِيهِ اسْتِدْعَاءٌ , كَالتَّهْدِيدِ مِثْلُ قَوْلِهِ تَعَالَى: {اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ} [فصلت: 40] , وَكَالتَّعْجِيزِ مِثْلِ قَوْلِهِ: {قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ} [هود: 13] , وَكَالْإِبَاحَةِ مِثْلِ قَوْلِهِ: {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا} [المائدة: 2] وَكَذَلِكَ مَا كَانَ مِنَ النَّظِيرِ لِلنَّظِيرِ , وَمَا كَانَ مِنَ الْأَدْنَى لِلْأَعْلَى , فَلَيْسَ بِأَمْرٍ كَقَوْلِنَا: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَإِنَّمَا هُوَ مَسْأَلَةٌ وَرَغْبَةُ الِاسْتِدْعَاءِ عَلَى وَجْهِ النَّدْبِ , لَيْسَ بِأَمْرِ حَقِيقَةٍ , يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ:

مَا أنا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَلِيٍّ الْأَزَجِيُّ , أنا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْمُفِيدُ , نا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْمَعْمَرِيُّ , نا خَلَفُ بْنُ سَالِمٍ , نا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ , نا أَبِي , عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ , قَالَ: وَذَكَرَ مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمٍ , عَنْ عُرْوَةَ , عَنْ عَائِشَةَ , رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: §«فَضْلُ الصَّلَاةِ بِالسِّوَاكِ , عَلَى الصَّلَاةِ بِغَيْرِ سِوَاكٍ سَبْعِينَ ضِعْفًا»

وَأَنَا الْقَاضِي أَبُو عُمَرَ الْهَاشِمِيُّ , نا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ اللُّؤْلُؤِيُّ , نا أَبُو دَاوُدَ , سُلَيْمَانُ بْنُ الْأَشْعَثِ , نا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى , أنا عِيسَى بْنُ يُونُسَ , عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ , عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ , عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ , عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ , قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: §«لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ» فَقَدْ نَدَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , إِلَى السِّوَاكِ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ فِي الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ , وَأَخْبَرَ فِي الْحَدِيثِ الثَّانِي , أَنَّهُ لَمْ يَأْمُرْ بِهِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْمَنْدُوبَ إِلَيْهِ غَيْرُ مَأْمُورٍ بِهِ فِي الْحَقِيقَةِ وَلِلْأَمْرِ صِيغَةٌ فِي اللُّغَةِ تَقْتَضِي الْفِعْلَ , وَقَالَ بَعْضُ الْمُتَكَلِّمِينَ: لَيْسَ لِلْأَمْرِ صِيغَةٌ , وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا قُلْنَاهُ: أَنَّ أَهْلَ اللِّسَانِ قَسَّمُوا الْكَلَامَ , فَقَالُوا - فِي جُمْلَةِ أَقْسَامِهِ -: أَمْرٌ وَنَهْيٌ , فَالْأَمْرُ: قَوْلُكَ: افْعَلْ , وَالنَّهْيُ قَوْلُكَ: لَا تَفْعَلْ فَجَعَلُوا افْعَلْ بِمُجَرَّدِهِ أَمْرًا , فَدَلَّ عَلَى أَنَّ لَهُ صِيغَةً , وَإِذَا تَجَرَّدَتْ صِيغَةُ الْأَمْرِ اقْتَضَتِ الْوُجُوبَ , -[220]- وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ قَوْلُ اللَّهِ سُبْحَانَهُ: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمُ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور: 63] وَقَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ فَدُلَّ عَلَى أَنَّهُ لَوْ أَمَرَ لَوَجَبَ وَشَقَّ وَأَيْضًا:

مَا أنا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ رِزْقٍ , أنا عُثْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ الدَّقَّاقُ , نا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْكَجِّيُّ , نا عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ , نا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ , نا شُعْبَةُ , حَدَّثَنِي خُبَيْبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ , عَنْ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ , عَنْ أَبِي سَعِيدِ بْنِ الْمُعَلَّى , قَالَ: كُنْتُ أُصَلِّي فَدَعَانِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ أُجِبْهُ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ: إِنِّي كُنْتُ أُصَلِّي قَالَ: " §أَلَمْ يَقُلِ اللَّهُ تَعَالَى: {اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ} [الأنفال: 24] وَلِأَنَّ السَّيِّدَ لَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ: اسْقِنِي مَاءً فَلَمْ يَسْقِهِ اسْتَحَقَّ الذَّمِّ , وَلَوْ لَمْ يَقْتَضِ أَمْرُ السَّيِّدِ الْوُجُوبَ , لَمَا اسْتَحَقَّ الْعَبْدُ الذَّمَّ عَلَيْهِ وَإِذَا وَرَدَ الْأَمْرُ مُطْلَقًا بِفِعْلِ شَيْءٍ مِنَ الْأَشْيَاءِ , فَقَدْ ذَكَرَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ: أَنَّهُ يَجِبُ تَكْرَارُ فِعْلِهِ , عَلَى حَسَبِ الطَّاقَةِ وَالْإِمْكَانِ , وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا يَجِبُ فِعْلُهُ أَكْثَرَ مِنْ مَرَّةٍ إِلَّا بِدَلِيلٍ يَدُلُّ عَلَى التَّكْرَارِ

أنا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُعَدِّلُ , أنا أَبُو جَعْفَرٍ , مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ الْبَخْتَرِيِّ الرَّزَّازُ , نا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُنَادِي , نا يُونُسُ بْنُ مُحَمَّدٍ , نا حَمَّادٌ , عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ , قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ , يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا الْقَاسِمِ , صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: §«ذَرُونِي مَا تَرَكْتُكُمْ , فَإِنَّمَا هَلَكَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ , بِكَثْرَةِ سُؤَالِهِمْ وَاخْتِلَافِهِمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ , فَإِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَاجْتَنِبُوهُ , وَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأَتَوْا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ» وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْأَمْرَ الْمُطْلَقَ يَقْتَضِي مَا وَقَعَ عَلَيْهِ الِاسْمُ , أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ لَيَدْخُلَنَّ الدَّارَ لَبَرَّ بِدُخُولِ مَرَّةٍ وَاحِدَةٍ , فَدُلَّ عَلَى أَنَّ الْإِطْلَاقَ لَا يَقْتَضِي أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ وَإِذَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِأَشْيَاءَ عَلَى جِهَةِ التَّخْيِيرِ مِثْلِ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ , فَإِنَّهُ خَيَّرَ فِيهَا بَيْنَ الْعِتْقِ وَالْإِطْعَامِ وَالْكُسْوَةِ , فَالْوَاجِبُ مِنْهَا وَاحِدٌ غَيْرُ مُعَيَّنٍ , وَأَيُّهَا فَعَلَ فَقَدْ فَعَلَ الْوَاجِبَ , وَإِنْ فَعَلَ الْجَمِيعُ سَقَطَ الْفَرْضُ عَنِ الْفَاعِلَ بِوَاحِدٍ مِنْهَا وَالْبَاقِي تَطَوُّعٌ , لِأَنَّهُ لَوْ تَرَكَ الْجَمِيعَ لَمْ يُعَاقَبْ إِلَّا عَلَى وَاحِدٍ مِنْهَا , فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ هُوَ الْوَاجِبُ , وَلَوْ كَانَ الْجَمِيعُ وَاجِبًا , لَعُوقِبَ عَلَى الْجَمِيعِ

أنا الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ الْحِيرِيُّ , نا أَبُو الْعَبَّاسِ , مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْأَصَمُّ , أنا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ , أنا الشَّافِعِيُّ , أنا سَعِيدٌ هُوَ ابْنُ سَالِمٍ الْقَدَّاحُ , عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ , عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ , فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} [البقرة: 196] : «§أَيَّتُهُنَّ شَاءَ» -[222]- وَعَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ قَالَ: كُلُّ شَيْءٍ فِي الْقُرْآنِ أَوْ. . . أَوْ. . . لَهُ أَيَّهُ شَاءَ قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: إِلَّا قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيَهُمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ} [المائدة: 33] فَلَيْسَ بِمُخَيَّرٍ فِيهَا قَالَ الشَّافِعِيُّ: كَمَا قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ وَغَيْرُهُ فِي الْمُحَارَبَةِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَقُولُ وَالنَّهْيُ حَقِيقَةً: الْقَوْلُ الَّذِي يَسْتَدْعِي بِهِ الْقَائِلُ تَرْكَ الْفِعْلِ مِمَّنْ هُوَ دُونُهُ وَلَهُ صِيغَةٌ تَدُلُّ عَلَيْهِ فِي اللُّغَةِ , وَهِيَ قَوْلُهُ: لَا تَفْعَلُ , فَإِذَا تَجَرَّدَتْ صِيغَتُهُ اقْتَضَتِ التَّحْرِيمَ , وَيَجِبَ التُّرْكُ عَلَى الْفَوْرِ وَعَلَى الدَّوَامِ بِخِلَافِ الْأَمْرِ , وَذَلِكَ أَنَّ الْأَمْرَ يَقْتَضِي إِيجَادَ الْفِعْلِ , فَإِذَا فُعِلَ فِي أَيِّ زَمَانٍ فُعِلَ كَانَ مُمْتَثَلًا , وَفِي النَّهْيِ , لَا يُسَمَّى مُنْتَهِيًا إِلَّا إِذَا سَارَعَ إِلَى التُّرْكِ عَلَى الدَّوَامِ , وَإِذَا نُهِيَ عَنْ أَحَدِ شَيْئَيْنِ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينٍ لَهُ , كَانَ ذَلِكَ نَهْيًا عَنِ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا , وَيَجُوزُ لَهُ فِعْلُ أَحَدِهِمَا , لِأَنَّ النَّهْيَ أَمْرٌ بِالتَّرْكِ , كَمَا أَنَّ الْأَمْرَ أَمْرٌ بِالْفِعْلِ , ثُمَّ الْأَمْرُ بِفِعْلِ أَحَدِهِمَا لَا يَقْتَضِي وُجُوبَ فِعْلِهِمَا , فَكَذَلِكَ النَّهْيُ عَنْ فِعْلَ أَحَدِهِمَا لَا يَقْتَضِي وُجُوبَ تَرْكِهِمَا

أنا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْجَوْهَرِيُّ , أنا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَبَّاسِ الْخَزَّازُ , أنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَيْفٍ السِّجِسْتَانِيُّ , نا الرَّبِيعُ بْنُ -[223]- سُلَيْمَانَ , قَالَ: قَالَ الشَّافِعِيُّ: " §أَصْلُ النَّهْيِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّ كُلَّ مَا نُهِيَ عَنْهُ فَهُوَ مُحَرَّمٌ حَتَّى تَأْتِيَ عَلَيْهِ دَلَالَةٌ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ نُهِيَ عَنْهُ لِغَيْرِ مَعْنَى التَّحْرِيمِ , إِمَّا أَرَادَ بِهِ نَهْيًا عَنْ بَعْضِ الْأُمُورِ دُونَ بَعْضٍ , وَإِمَّا أَرَادَ بِهِ النَّهْيَ لِلتَّنْزِيهِ لِلْمَنْهِيِّ وَالْأَدَبِ وَالِاخْتِيَارِ , وَلَا نُفَرِّقُ بَيْنَ نَهْيِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , إِلَّا بِدَلَالَةٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , أَوْ أَمْرٍ لَمْ يَخْتَلِفْ فِيهِ الْمُسْلِمُونَ , فَنَعْلَمُ أَنَّ الْمُسْلِمِينَ كُلَّهُمْ لَا يَجْهَلُونُ سُنَّتَهُ , وَقَدْ يُمْكِنُ أَنْ يَجْهَلَهَا بَعْضُهُمْ "

باب القول في العموم والخصوص العموم: كل لفظ عم شيئين فصاعدا , وقد يكون متناولا لشيئين , كقولك: عممت زيدا وعمرا بالعطاء , وقد يتناول جميع الجنس كقولك: عممت الناس بالعطاء , فأقله ما يتناول شيئين , وأكثره ما يستغرق الجنس وله صيغة إذا تجردت اقتضت العموم

§بَابُ الْقَوْلِ فِي الْعُمُومِ وَالْخُصُوصِ الْعُمُومُ: كُلُّ لَفْظٍ عَمَّ شَيْئَيْنِ فَصَاعِدًا , وَقَدْ يَكُونُ مُتَنَاوِلًا لِشَيْئَيْنِ , كَقَوْلِكَ: عَمَمْتُ زَيْدًا وَعَمْرًا بِالْعَطَاءِ , وَقَدْ يَتَنَاوَلُ جَمِيعَ الْجِنْسِ كَقَوْلِكَ: عَمَمْتُ النَّاسَ بِالْعَطَاءِ , فَأَقَلُّهُ مَا يَتَنَاوَلُ شَيْئَيْنِ , وَأَكْثَرُهُ مَا يَسْتَغْرِقُ الْجِنْسَ وَلَهُ صِيغَةٌ إِذَا تَجَرَّدَتِ اقْتَضَتِ الْعُمُومَ وَاسْتِغْرَاقَ الْجِنْسِ كَدُخُولِ الْأَلِفِ وَاللَّامِ اللَّتَيْنِ لِلتَّعْرِيفِ فِي الْجَمْعِ وَالْجِنْسِ , نَحْوُ قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} [التوبة: 5] وَكَالْأَلْفَاظِ الْمُبْهَمَةِ مِثْلِ: (مَنْ) فِي الْعُقَلَاءِ , وَ (مَا) فِي غَيْرِهِمْ , وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا قَدْ ذَكَرَهُ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ وَذَهَبَ بَعْضُ الْمُتَكَلِّمِينَ إِلَى أَنَّ الْعُمُومَ لَا صِيغَةَ لَهُ فِي لُغَةِ الْعَرَبِ , وَأَنَّ الْأَلْفَاظَ يَجِبُ الْوَقْفُ فِيهَا إِلَى أَنْ يَدُلَّ الدَّلِيلُ عَلَى عُمُومِهَا أَوْ خُصُوصِهَا , فَتَحْمِلُ عَلَيْهِ , وَهَذَا غَلَطٌ , وَدَلِيلُنَا مَا:

أنا أَبُو سَعِيدٍ , مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى الصَّيْرَفِيُّ , حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ , مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْأَصَمُّ , نا أَبُو أُمَيَّةَ الطُّرَسُوسِيُّ , نا مُحَمَّدُ -[225]- بْنُ الصَّلْتِ , نا أَبُو كُدَيْنَةَ , عَنْ عَطَاءٍ , عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ , عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ , قَالَ: " §لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ} [الأنبياء: 98] الْآيَةُ قَالَ الْمُشْرِكُونَ: فَإِنَّ عِيسَى يُعْبَدُ وَعُزَيْرًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ , فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ} [الأنبياء: 101] الْآيَةَ: عِيسَى وَعُزَيْرٌ " فَحَمَلَ الْقَوْمُ لَفْظَةَ: {مَا تَعْبُدُونَ} [الأنبياء: 98] عَلَى الْعُمُومِ , وَلَهُمْ حُجَّةٌ فِي اللُّغَةِ , إِلَى أَنْ بَيَّنَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُمْ مُرَادَهُ بِالْآيَةِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْبَيَانُ سَابِقًا بِأَنَّ عِيسَى وَعُزَيْرًا لَا يُعَذَّبَانِ , وَأَنَّ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ عَارَضُوا بِهِمَا هُمُ الَّذِينَ أَغْفَلُوا النَّظَرَ فِي الْبَيَانِ , وَاللَّهُ أَعْلَمُ

وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَيْضًا مَا: أنا أَبُو بَكْرٍ الْبُرْقَانِيُّ , قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى أَبِي الْعَبَّاسِ بْنِ حَمْدَانَ , حَدَّثَكُمْ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَوَّارٍ , أنا قُتَيْبَةُ , نا اللَّيْثُ , عَنْ عُقَيْلٍ , عَنِ الزُّهْرِيِّ , قَالَ: أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ , عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ , قَالَ: لَمَّا تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَاسْتُخْلِفَ أَبُو بَكْرٍ بَعْدَهُ , وَكَفَرَ مَنْ -[226]- كَفَرَ مِنَ الْعَرَبِ قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ لِأَبِي بَكْرٍ: كَيْفَ تُقَاتِلُ النَّاسَ , وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: §«أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ , فَمَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ عَصَمَ مِنِّي مَالَهُ وَنَفْسَهُ إِلَّا بِحَقِّهِ , وَحِسَابُهُ عَلَى اللَّهِ» فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَاللَّهِ لَأُقَاتِلَنَّ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ , فَإِنَّ الزَّكَاةَ حَقُّ الْمَالِ , وَاللَّهِ لَوْ مَنَعُونِي عِقَالًا كَانُوا يُؤَدُّونَهُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَقَاتَلْتُهُمْ عَلَى مَنْعِهِ فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: فَوَاللَّهِ مَا هُوَ إِلَّا أَنْ رَأَيْتُ اللَّهَ شَرَحَ صَدْرَ أَبِي بَكْرٍ لِلْقِتَالِ فَعَرَفْتُ أَنَّهُ الْحَقُّ فَاحْتَجَّ عُمَرُ عَلَى أَبِي بَكْرٍ , بِعُمُومِ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ أَبُو بَكْرٍ ذَلِكَ , وَإِنَّمَا عَدَلَ إِلَى الِاسْتِثْنَاءِ فَقَالَ: الزَّكَاةُ مِنْ حَقِّهَا وَلِأَنَّ الْعُمُومَ مِمَّا تَدْعُو الْحَاجَةُ إِلَى الْعِبَارَةِ عَنْهُ فِي مُخَاطَبَاتِهِمْ , فَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَكُونُوا قَدْ وَضَعُوا لَهُ لَفْظًا يَدُلُّ عَلَيْهِ , كَمَا وَضَعُوا لِكُلِّ مَا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ مِنَ الْأَعْيَانِ وَإِذَا نَزَلَتْ آيَةٌ عَلَى سَبَبٍ خَاصٍّ , كَانَ حُكْمُهَا عَامًّا كَمَا:

أنا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْقَطَّانُ , أنا دَعْلَجُ بْنُ أَحْمَدَ , أنا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ , أَنَّ سَعِيدَ بْنَ مَنْصُورٍ , حَدَّثَهُمْ قَالَ: نا أَبُو -[227]- عَوَانَةَ , عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْأَصْبَهَانِيِّ , عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَعْقِلٍ , قَالَ: كُنَّا جُلُوسًا فِي الْمَسْجِدِ , فَجَلَسَ إِلَيْنَا كَعْبُ بْنُ عُجْرَةَ فَقَالَ: فِيَّ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ} [البقرة: 196] قَالَ قُلْتُ: كَيْفَ كَانَ شَأْنُكَ؟ قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُحْرِمِينَ , فَوَقَعَ الْقَمْلُ فِي رَأْسِي وَلِحْيَتِي وَشَارِبِي حَتَّى وَقَعَ فِي حَاجِبَيَّ , فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَقَالَ: " §مَا كُنْتُ أَرَى بَلَغَ مِنْكَ هَذَا: ادْعُوا الْحَالِقَ " فَجَاءَ الْحَالِقُ , فَحَلَقَ رَأْسِي , فَقَالَ: «هَلْ تَجِدُ مِنْ نَسِيكَةٍ؟» قُلْتُ: لَا - وَهِيَ شَاةٌ - قَالَ: «فَصُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ , أَوْ أَطْعِمْ ثَلَاثَةَ آصُعٍ بَيْنَ سِتَّةِ مَسَاكِينَ» قَالَ: فَأُنْزِلَتْ فِيَّ خَاصَّةً , وَهِيَ لِلنَّاسِ عَامَّةً وَأَمَّا التَّخْصِيصُ: فَهُوَ تَمْيِيزُ بَعْضِ الْجُمْلَةِ بِالْحُكْمِ , وَلِهَذَا نَقُولُ خَصَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكَذَا وَكَذَا , وَتَخْصِيصُ الْعُمُومِ هُوَ: بَيَانُ مَا لَمْ يُرَدْ بِاللَّفْظِ الْعَامِّ

أنا الْجَوْهَرِيُّ , أنا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَبَّاسِ , أنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَيْفٍ , نا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ , قَالَ الشَّافِعِيُّ: §" أَبَانَ اللَّهُ تَعَالَى لِخَلْقِهِ , أَنَّهُ أَنْزَلَ كِتَابَهُ بِلِسَانِ. نَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَهُوَ لِسَانُ

قَوْمِهِ الْعَرَبِ , فَخَاطَبَهُمْ عَزَّ وَجَلَّ بِلِسَانِهِمْ , عَلَى مَا يَعْرِفُونَ مِنْ مَعَانِي كَلَامِهِمْ , وَكَانُوا يَعْرِفُونَ مِنْ مَعَانِي كَلَامِهِمْ , أَنَّهُمْ يَلْفِظُونَ بِالشَّيْءِ عَامًّا يُرِيدُونَ بِهِ الْعَامَّ , وَعَامًّا يُرِيدُونَ بِهِ الْخَاصَّ , ثُمَّ دَلْهَمْ عَلَى مَا أَرَادَ مِنْ ذَلِكَ فِي كِتَابِهِ وَعَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَأَبَانَ لَهُمْ أَنَّ مَا قَبِلُوا عَنْ نَبِيِّهِ , فَعَنْهُ عَزَّ وَجَلَّ , قَبِلُوا بِمَا فَرَضَ اللَّهُ مِنْ طَاعَةِ رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ مِنْ كِتَابِهِ مِنْهَا: {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ} [النساء: 80] وَقَوْلِهِ: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ} [النساء: 65] الْآيَةِ " قَالَ الشَّافِعِيُّ: " مِمَّا نَزَلَ عَامُّ الظَّاهِرِ مَا دَلَّ الْكِتَابُ عَلَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَرَادَ بِهِ الْخَاصَّ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} [التوبة: 5] إِلَى {فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ} [التوبة: 5] , وَقَالَ تَعَالَى: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ} [الأنفال: 39] فَكَانَ ظَاهِرُ مَخْرَجِ هَذَا عَامًّا عَلَى كُلِّ مُشْرِكٍ , وَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [التوبة: 29] إِلَى: {صَاغِرُونَ} [التوبة: 29] , فَدُلَّ أَمْرُ اللَّهِ بِقِتَالِ الْمُشْرِكِينَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ , حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَلَى أَنَّهُ إِنَّمَا أَرَادَ بِالْآيَتَيْنِ اللَّتَيْنِ ذَكَرَ فِيهِمَا قِتَالَ الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وُجِدُوا حَتَّى يُقِيمُوا الصَّلَاةَ , وَأَنْ يُقَاتَلُوا حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ مَنْ خَالَفَ أَهْلَ الْكِتَابِ مِنَ الْمُشْرِكِينَ , وَكَذَلِكَ دَلَّتْ سَنَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قِتَالِ أَهْلِ الْأَوْثَانِ حَتَّى يُسْلِمُوا , وَقِتَالِ أَهْلِ الْكِتَابِ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ قَالَ: فَهَذَا مِنَ الْعَامِّ

الَّذِي دَلَّ اللَّهُ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ الْخَاصَّ , لَا أَنَّ وَاحِدَةً مِنَ الْآيَتَيْنِ نَاسِخَةً لِلْأُخْرَى , لِأَنَّ لِإِعْمَالِهِمَا مَعًا وَجْهًا , بِأَنْ كَانَ أَهْلُ الشِّرْكِ صِنْفَيْنِ , صِنْفٌ أَهْلُ كِتَابٍ , وَصِنْفٌ غَيْرُ أَهْلِ كِتَابٍ , وَلِهَذَا فِي الْقُرْآنِ نَظَائِرُ , وَفِي السُّنَنِ مِثْلُ هَذَا "

أنا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ , أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ الْكَاتِبُ , أنا أَبُو بَكْرٍ , أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ سَلْمٍ الْخُتَّلِيُّ , أنا أَبُو الْعَبَّاسِ , أَحْمَدُ بْنُ مُوسَى الْجَوْهَرِيُّ , أنا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْمُرَادِيُّ , قَالَ الشَّافِعِيُّ: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {§يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ} [الحج: 73] قَالَ الشَّافِعِيُّ: «فَخَرَجَ اللَّفْظُ عَامًا عَلَى النَّاسِ كُلِّهِمْ , وَبَيِّنٌ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ بِلِسَانِ الْعَرَبِ مِنْهُمْ أَنَّهُ إِنَّمَا يُرَادُ بِهَذَا اللَّفْظِ الْعَامِ الْمُخْرِجِ بَعْضَ النَّاسِ دُونَ بَعْضٍ , لِأَنَّهُ لَا يُخَاطَبُ بِهَذَا إِلَّا مَنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ إِلَهًا , تَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا - لِأَنَّ فِيهِمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَغْلُوبِينَ عَلَى عُقُولِهِمْ وَغَيْرِ الْبَالِغِينَ مَنْ لَا يَدْعُو مَعَهُ إِلَهًا»

أنا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عُمَرَ الْمُقْرِئُ , أنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَلِيٍّ -[230]- الْخُطَبِيُّ , نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ , قَالَ: سَأَلْتُ أَبِي عَنِ الْآيَةِ , إِذَا جَاءَتْ تَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ , عَامَّةً , وَتَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ خَاصَّةً , مَا السَّبِيلُ فِيهَا؟ قَالَ: إِذَا كَانَ لِلْآيَةِ ظَاهِرٌ يُنْظَرُ مَا عَمِلَتْ بِهِ السُّنَّةُ , فَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى ظَاهِرِهَا وَمِنْهُ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ} [النساء: 11] فَلَوْ كَانَتْ عَلَى ظَاهِرِهَا , لَزِمَ كُلَّ مَنْ قَالَ بِالظَّاهِرِ , أَنْ يُوَرِّثَ كُلَّ مَنْ وَقَعَ عَلَيْهِ اسْمُ وَلَدٍ , وَإِنْ كَانَ قَاتِلًا أَوْ يَهُودِيًّا أَوْ نَصْرَانِيًّا أَوْ عَبْدًا فَلَمَّا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: §«لَا يَرِثُ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ , وَلَا الْكَافِرُ الْمُسْلِمَ» كَانَ ذَلِكَ مَعْنَى الْآيَةِ قُلْتُ لِأَبِي: إِذَا لَمْ يَكُنْ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَلِكَ شَيْءٌ مشروعٌ , يُخْبَرُ فِيهِ عَنْ خُصُوصٍ أَوْ عُمُومٍ؟ قَالَ أَبِي: يُنْظَرُ مَا عَمِلَ بِهِ أَصْحَابُهُ , فَيَكُونُ ذَلِكَ مَعْنَى الْآيَةِ , فَإِنِ اخْتَلَفُوا , يُنْظَرُ أَيُّ الْقَوْلَيْنِ أَشْبَهُ بِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , يَكُونُ الْعَمَلُ عَلَيْهِ وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: سَأَلْتُ أَبِي , قُلْتُ: أَتَقُولُ فِي السُّنَّةِ تَقْضِي عَلَى الْكِتَابِ؟ قَالَ: قَدْ قَالَ ذَلِكَ قَوْمٌ مِنْهُمْ مَكْحُولٌ وَالزُّهْرِيُّ -[231]- أَرَى قُلْتُ لِأَبِي: فَمَا تَقُولُ أَنْتَ؟ قَالَ: أَقُولُ: إِنَّ السُّنَّةَ تَدُلُّ عَلَى مَعْنَى الْكِتَابِ؟

حَدَّثَنِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الصُّورِيُّ , أنا الْخَصِيبُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْقَاضِي , أنا أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ حَمْدَانَ الطُّرَسُوسِيُّ , نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَابِرٍ الْبَزَّازُ , قَالَ: سَمِعْتُ جَعْفَرَ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى بْنِ نُوحٍ , يَقُولُ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ عِيسَى بْنِ الطَّبَّاعِ , يَقُولُ: سَمِعْتُ حَمَّادَ بْنَ زَيْدٍ , يَقُولُ: §«إِنَّمَا هُوَ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ , وَالْكِتَابُ أَحْوَجُ إِلَى السُّنَّةِ مِنَ السُّنَّةِ إِلَى الْكِتَابِ» سَمِعْتُ أَبَا إِسْحَاقَ الْفَيْرُوزَابَادِيَّ , يَقُولُ: وَيَجُوزُ التَّخْصِيصُ فِي جَمِيعِ أَلْفَاظِ الْعُمُومِ مِنَ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ وَالْخَبَرِ , وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: لَا يَجُوزُ التَّخْصِيصُ فِي الْخَبَرِ , كَمَا لَا يَجُوزُ النَّسْخُ فِيهِ , وَهَذَا خَطَأٌ , لَأَنَّا قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ التَّخْصِيصَ بَيَانُ مَا لَمْ يَرِدْ بِاللَّفْظِ الْعَامِّ وَهَذَا قَدْ يَصِحُّ فِي الْخَبَرِ كَمَا يَصِحُّ فِي الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ

باب القول في المبين والمجمل أما المبين فهو: ما استقل بنفسه , في الكشف عن المراد , ولم يفتقر في معرفة المراد إلى غيره , وذلك على ضربين: ضرب يفيد بنطقه , وضرب يفيد بمفهومه فالذي يفيد بنطقه هو: النص , والظاهر , والعموم فالنص: كل لفظ دل على الحكم بصريحه

§بَابُ الْقَوْلِ فِي الْمُبَيَّنِ وَالْمُجْمَلِ أَمَا الْمُبَيَّنُ فَهُوَ: مَا اسْتَقَلَّ بِنَفْسِهِ , فِي الْكَشْفِ عَنِ الْمُرَادِ , وَلَمْ يْفَتَقِرْ فِي مَعْرِفَةِ الْمُرَادِ إِلَى غَيْرِهِ , وَذَلِكَ عَلَى ضَرْبَيْنِ: ضِرْبٌ يُفِيدُ بِنُطْقِهِ , وَضَرْبٌ يُفِيدُ بِمَفْهُومِهِ فَالَّذِي يُفِيدُ بِنُطْقِهِ هُوَ: النَّصُّ , وَالظَّاهِرُ , وَالْعُمُومُ فَالنَّصُّ: كُلُّ لَفْظٍ دَلَّ عَلَى الْحُكْمِ بِصَرِيحِهِ , عَلَى وَجْهٍ لَا احْتِمَالَ فِيهِ مِثْلُ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا} , {وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ} [الأنعام: 151] , وَنَحْوُ ذَلِكَ مِنَ الْأَلْفَاظِ الصَّرِيحَةِ فِي بَيَانِ الْأَحْكَامِ وَالظَّاهِرُ: كُلُّ لَفْظٍ احْتَمَلَ أَمْرَيْنِ أَحَدُهُمَا أَظْهَرُ مِنَ الْآخَرِ كَالْأَمْرِ وَالنَّهْيِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ أَنْوَاعِ الْخَطَّابِ الْمَوْضُوعَةِ لِلْمَعَانِي الْمَخْصُوصَةِ الْمُحْتَمِلَةِ لِغَيْرِهَا وَالْعُمُومُ: مَا عَمَّ شَيْئَيْنِ فَصَاعِدًا وَالْفَرَقُ بَيْنَ الْعُمُومِ وَالظَّاهِرِ: أَنَّ الْعُمُومَ: لَيْسَ بَعْضُ مَا يَتَنَاوَلُهُ اللَّفْظُ بِأَظْهَرَ فِيهِ مِنْ بَعْضٍ , وَتَنَاوُلُهُ لِلْجَمِيعِ عَلَى لَفْظٍ وَاحِدٍ , فَيَجِبُ حَمْلُهُ عَلَى عُمُومِهِ , إِلَّا أَنْ يَخُصَّهُ دَلِيلٌ أَقْوَى مِنْهُ , وَأَمَّا الظَّاهِرُ: فَإِنَّهُ يَحْتَمِلُ مَعْنَيَيْنِ , إِلَّا أَنَّ أَحَدَهُمَا أَظْهَرُ وَأَحَقُّ بِاللَّفْظِ مِنَ الْآخَرِ , فَيَجِبُ

حَمْلُهُ عَلَى أَظْهَرِهِمَا , وَلَا يَجُوزُ صَرْفُهُ عَنْهُ إِلَّا بِمَا هُوَ أَقْوَى مِنْهُ , فَكُلُّ عُمُومٍ ظَاهِرٌ , وَلَيْسَ كُلُّ ظَاهِرٍ عُمُومًا وَأَمَّا الضَّرْبُ الَّذِي يُفِيدُ بِمَفْهُومِهِ فَهُوَ: فَحْوَى الْخِطَابِ , وَلَحْنُ الْخِطَابِ , وَدَلِيلُ الْخِطَابِ فَفَحَوْى الْخِطَابِ: مَا دَلَّ عَلَيْهِ اللَّفْظُ مِنْ جِهَةِ التَّنْبِيهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} [الإسراء: 23] , فِيهِ تَنْبِيهٌ عَلَى النَّهْيِ عَنْ ضَرْبِهِمَا وَسَبِّهِمَا , لِأَنَّ الضَّرْبَ وَالسَّبَّ أَعْظَمُ مِنَ التَّأْفِيفِ وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ} [آل عمران: 75] , فِيهِ تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّهُ يُؤَدِّي مَا كَانَ دُونَ الْقِنْطَارِ , فَفِي هَذِهِ الْآيَةِ نَبَّهَ بِالْأَعْلَى عَلَى الْأَدْنَى , وَفِي الْآيَةِ الْأُولَى نَبَّهَ بِالْأَدْنَى عَلَى الْأَعْلَى وَزَعَمَ بَعْضُ أَهْلِ اللُّغَةِ: أَنَّ فَحْوَى الْخِطَابِ اشْتُقَّ مِنْ تَسْمِيَتِهِمُ الْأَبْزَارَ فَحًّا , يُقَالُ: فَحَّ قِدْرُكَ يَا هَذَا , فَسُمِّيَ فَحْوَى لِأَنَّهُ: يُظْهِرُ اللَّفْظَ كَمَا يُظْهِرُ الْأَبْزَارُ طَعْمَ الطَّبِيخِ وَرَائِحَتَهُ وَأَمَّا لَحْنُ الْخِطَابِ فَهُوَ: مَا دَلَّ عَلَيْهِ اللَّفْظُ مِنَ الضَّمِيرِ الَّذِي لَا يَتِمُّ الْكَلَامُ إِلَّا بِهِ مِثْلُ قَوْلِهِ تَعَالَى: {اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا} [البقرة: 60] وَمَعْنَاهُ: فَضَرَبَ فَانْفَجَرَتْ وَمِنْ ذَلِكَ أَيْضًا: حَذْفُ الْمُضَافِ , وَإِقَامَةُ الْمُضَافِ إِلَيْهِ مَقَامَهُ: كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} [يوسف: 82] وَمَعْنَاهُ: اسْأَلْ أَهْلَ الْقَرْيَةِ وَلَا خِلَافَ أَنَّ هَذَا , كَالْمَنْطُوقِ بِهِ فِي الْإِفَادَةِ وَالْبَيَانِ

وَأَمَّا دَلِيلُ الْخِطَابِ فَهُوَ: أَنْ يُعَلَّقَ الْحُكْمُ عَلَى إِحْدَى صِفَتِي الشَّيْءِ , فَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَا عَدَاهَا بِخِلَافِهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ} , فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ الْعَدْلَ , إِنْ جَاءَ بِنَبَإٍ لَمْ يُتَبَيَّنْ وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 6] , فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمَبْتُوتَاتِ غَيْرَ الْحَوَامِلِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِنَّ الْإِنْفَاقُ وَأَمَّا الْمُجْمَلُ فَهُوَ: مَا لَا يُعْقَلُ مَعْنَاهُ مِنْ لَفْظِهِ , وَيَفْتَقِرُ فِي مَعْرِفَةِ الْمُرَادِ إِلَى غَيْرِهِ مِثَالُ ذَلِكَ: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} [الأنعام: 141] وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أُمِرْتُ أَنَّ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ , فَإِذَا قَالُوهَا عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلَّا بِحَقِّهَا» , فَالْحَقُّ الْمَذْكُورُ فِي الْآيَةِ , وَالْمَذْكُورُ فِي الْحَدِيثِ , كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَجْهُولُ الْجِنْسِ وَالْقَدْرِ , فَيَحْتَاجُ إِلَى الْبَيَانِ

أنبا الْحَسَنُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ , أنا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْبَغَوِيُّ , أنا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ , قَالَ: قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: الْقَاسِمُ بْنُ سَلَّامٍ: §" السُّنَّةُ هِيَ الْمُفَسِّرَةُ لِلتَّنْزِيلِ , وَالْمُوضِحَةُ لِحُدُودِهِ وَشَرَائِعِهِ , أَلَا تَرَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَنْزَلَ فِي كِتَابِهِ حِينَ ذَكَرَ الْحُدُودَ , فَقَالَ: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} , فَجَعَلَهُ حُكْمًا

عَامًّا فِي الظَّاهِرِ , عَلَى كُلِّ مَنْ زَنَا , ثُمَّ حَكَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فِي الثَّيِّبَيْنِ بِالرَّجْمِ , وَلَيْسَ هَذَا بِخِلَافِ الْكِتَابِ , وَلَكِنَّهُ لَمَّا فَعَلَ ذَلِكَ عَلِمَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى إِنَّمَا عَنَى بِالْآيَةِ الْبِكْرَيْنِ دُونَ غَيْرِهِمَا وَكَذَلِكَ لَمَّا ذَكَرَ الْفَرَائِضَ , فَقَالَ: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} [النساء: 11] , فَكَانَتِ الْآيَةُ شَامِلَةٌ لِكُلِّ أَحَدٍ فَلَمَّا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا يَرِثُ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ , وَلَا الْكَافِرُ الْمُسْلِمَ , لَمْ يَكُنْ هَذَا بِخِلَافِ التَّنْزِيلِ , وَلَكِنْ عَلِمَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى إِنَّمَا عَنَى بِالْمُوَارَثَةِ أَهْلَ الدِّينِ الْوَاحِدِ دُونَ أَهْلِ الدِّينَيْنِ الْمُخْتَلِفَيْنِ , وَكَذَلِكَ لَمَّا ذَكَرَ الْوُضُوءَ فَقَالَ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلِكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} , ثُمَّ مَسَحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْخُفَّيْنِ وَأَمَرَ بِهِ , تَبَيَّنَ لَنَا أَنَّ اللَّهَ إِنَّمَا عَنَى بِغُسْلٍ الأَرْجُلِ , إِذَا كَانَتِ الْأَقْدَامُ بَادِيَةً , لَا خِفَافَ عَلَيْهَا , وَكَذَلِكَ شَرَائِعُ الْقُرْآنِ كُلُّهَا , إِنَّمَا نَزَلَتْ جُمَلًا حَتَّى فَسَّرَتْهَا السُّنَّةُ

أنا الْقَاضِي أَبُو عُمَرَ الْقَاسِمُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ عَبْدِ الْوَاحِدِ الْهَاشِمِيُّ , أنا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحُسَيْنُ بْنُ يَحْيَى بْنِ عَيَّاشٍ الْمَتُّوثِيُّ , نا عَلِيُّ بْنُ مُسْلِمٍ , نا أَبُو دَاوُدَ , نا شُعْبَةُ , وهَمَّامٌ , عَنْ

قَتَادَةَ: أَنَّ عِكْرِمَةَ , أَنْكَرَ مَسَحَ الْخُفَّيْنِ , فَقُلْتُ لَهُ: إِنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ بَلَغَنِي أَنَّهُ كَانَ يَمْسَحُ قَالَ: §«ابْنُ عَبَّاسٍ إِذَا خَالَفَ الْقُرْآنَ لَمْ يُؤْخَذْ عَنْهُ» قَالَ هَمَّامٌ فِي هَذَا الْحَدِيثِ: عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: قُلْتُ لِعِكْرِمَةَ: لَوْلَا ابْنُ عَبَّاسٍ مَا سَأَلَكَ أَحَدٌ عَنْ شَيْءٍ قُلْتُ: كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَعْلَمَ بِكِتَابِ اللَّهِ مِنْ عِكْرِمَةَ , وَإِنَّمَا مَسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ لِثُبُوتِ ذَلِكَ عِنْدَهُ , أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَلَهُ , وَحَمَلَ الْآيَةَ الَّتِي أَشَارَ إِلَيْهَا عِكْرِمَةُ عَلَى مَا ذَكَرَ أَبُو عُبَيْدٍ , أَنَّ الْمُرَادَ بِغَسْلِ الْأَرْجُلِ إِذَا لَمْ تَكُنْ مَسْتُورَةً بِالْخِفَافِ , أَنَّ سُنَّةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَّرَتْ كِتَابَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ

أنا الْحَسَنُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ , وَعُثْمَانُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْعَلَّافُ , قَالَا: أنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الشَّافِعِيُّ , نا مُحَمَّدُ بْنُ الْفَرَجِ الْأَزْرَقُ , حَدَّثَنَا الْوَاقِدِيُّ , نا مَعْمَرٌ , عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ , عَنْ أَبِي نَضْرَةَ , عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ , أَنَّهُمْ تَذَاكَرُوا عِنْدَهُ الْأَحَادِيثَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَقَالَ رَجُلٌ عِنْدَ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ: دَعَوْنَا مِنَ الْحَدِيثِ , وَهَاتُوا كِتَابَ اللَّهِ تَعَالَى , فَقَالَ عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ: «إِنَّكَ لَأَحْمَقُ , §أَتَجِدُ فِي كِتَابِ اللَّهِ الصَّلَاةَ مُفَسَّرَةً , فِي كِتَابِ اللَّهِ الصِّيَامُ مُفَسَّرٌ؟ , الْكِتَابُ أَحْكَمَهُ وَالسُّنَّةُ فَسَّرَتْهُ»

أنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْعَتِيقِيُّ , وَعَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ الْحُسَيْنِ الْغَزَّالُ , قَالَا: أنا إِسْحَاقُ بْنُ سَعْدِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ سُفْيَانَ النَّسَوِيُّ , نا جَدِّي , نا حَبَّانُ بْنُ مُوسَى , أنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ , عَنْ مَعْمَرٍ , عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدِ بْنِ جُدْعَانَ , عَنْ أَبِي نَضْرَةَ , عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ: أَنَّ رَجُلًا , أَتَاهُ فَسَأَلَهُ عَنْ شَيْءٍ , فَحَدَّثَهُ , فَقَالَ الرَّجُلُ: حَدِّثُوا عَنْ كِتَابِ اللَّهِ , وَلَا تُحَدِّثُوا عَنْ غَيْرِهِ , فَقَالَ: " إِنَّكَ امْرُؤٌ أَحْمَقُ , §أَتَجِدُ فِي كِتَابِ اللَّهِ , أَنَّ صَلَاةَ الظُّهْرِ أَرْبَعٌ لَا يُجْهَرُ فِيهَا؟ - وَعَدَّ الصَّلَوَاتِ , وَعَدَّ الزَّكَاةَ وَنَحْوَهَا ثُمَّ قَالَ: أَتَجِدُ هَذَا مُفَسَّرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ؟ إِنَّ كِتَابَ اللَّهِ قَدْ أَحْكَمَ ذَلِكَ , وَالسُّنَّةُ تُفَسِّرُ ذَلِكَ "

أنا أَبُو الْحُسَيْنِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عُثْمَانَ التَّمِيمِيُّ بِدِمَشْقَ , أنا يُوسُفُ بْنُ الْقَاسِمِ الْمِنَانْجِيُّ , أنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي حَاتِمٍ , نا عَمَّارُ بْنُ خَالِدٍ , نا عَبْدُ الْوَهَّابِ الثَّقَفِيُّ , عَنْ عَنْبَسَةَ الْغَنَوِيِّ , عَنِ الْحَسَنِ: أَنَّ رَجُلًا , قَالَ لِعِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ: يَا أَبَا نُجَيْدٍ , إِنَّكُمْ لَتُحَدِّثُونَا بِأَحَادِيثَ , اللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِهَا , حَدِّثُونَا بِالْقُرْآنِ قَالَ: §" الْقُرْآنُ وَاللَّهِ نَعَمْ , أَرَأَيْتَ لَوْ رَفَعْنَا إِلَيْهِ , وَقَدْ وَجَدْتَ فِي الْقُرْآنِ -[238]- {أَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} [البقرة: 43] , ثُمَّ لَمْ نَرَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , كَيْفَ سَنَّ لَنَا , كَيْفَ نَرْكَعُ , كَيْفَ كُنَّا نَسْجُدُ , كَيْفَ كُنَّا نُعْطِي زَكَاةَ أَمْوَالِنَا قَالَ: فَأَفْحَمَ الرَّجُلُ "

أنا الْحَسَنُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ , أنا أَبُو سُلَيْمَانَ , مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ الْحَرَّانِيُّ , نا الْفَضْلُ بْنُ الْحُبَابِ , نا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ , نا عُقْبَةُ بْنُ خَالِدٍ , عَنِ الْحَسَنِ , قَالَ: بَيْنَمَا نَحْنُ عِنْدَ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ قَالَ لَهُ رَجُلٌ: يَا أَبَا نُجَيْدٍ , حَدِّثْنَا بِالْقُرْآنِ , قَالَ: " §أَلَيْسَ تَقْرَأُ {أَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} [البقرة: 43] , أَكُنْتُمْ تَعْرِفُونَ مَا فِيهَا , وَمَا رُكُوعُهَا وَسُجُودُهَا , وَحُدُودُهَا , وَمَا فِيهَا؟ أَكُنْتَ تَدْرِي كَمِ الزَّكَاةُ فِي الْوَرِقِ وَالذَّهَبِ وَالْإِبِلِ وَالْبَقَرِ , وَأَصْنَافِ الْمَالِ؟ شَهِدْتَ وَوَعَيْتَ فَرْضَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فِي الزَّكَاةِ كَذَا وَكَذَا " قَالَ الرَّجُلُ: أَحْيَيْتَنِي يَا أَبَا نُجَيْدٍ , أَحْيَاكَ اللَّهُ كَمَا أَحْيَيْتَنِي قَالَ: فَمَا مَاتَ ذَلِكَ الرَّجُلُ حَتَّى كَانَ مِنْ فُقَهَاءِ الْمُسْلِمِينَ

باب القول في الناسخ والمنسوخ

§بَابُ الْقَوْلِ فِي النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ

أنا أَبُو الْحَسَنِ , مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ رِزْقٍ , وَأَبُو عَلِيٍّ الْحَسَنُ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ شَاذَانَ قَالَا: أنا أَحْمَدُ بْنُ سَلْمَانَ بْنِ الْحَسَنِ النِّجَادُ , نا أَبُو دَاوُدَ , سُلَيْمَانُ بْنُ الْأَشْعَثِ نا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ , نا شُعْبَةُ , - قَالَ أَبُو دَاوُدَ , وَنَا ابْنُ كَثِيرٍ , أنا شُعْبَةُ , - عَنْ أَبِي حُصَيْنٍ , عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ , قَالَ: مَرَّ عَلِيٌّ بِقَاصٍّ يَقُصُّ , فَقَالَ: «§تَعْلَمُ النَّاسِخَ وَالْمَنْسُوخَ؟» قَالَ: لَا قَالَ: «هَلَكْتَ وَأَهْلَكْتَ» سَمِعْتُ أَبَا إِسْحَاقَ الْفَيْرُوزَابَادِيَّ يَقُولُ: النَّسْخُ فِي اللُّغَةِ , يُسْتَعْمَلُ فِي الرَّفْعِ وَالْإِزَالَةِ , يُقَالُ: نَسَخَتِ الشَّمْسُ الظِّلَّ , وَنَسَخَتِ الرِّيَاحُ الْآثَارَ , إِذَا أَزَالَتْهَا , وَيُسْتَعْمَلُ فِي النَّقْلِ , يُقَالُ: نَسَخْتُ الْكِتَابَ , إِذَا نَقَلْتُ مَا فِيهِ وَإِنْ لَمْ تُزِلْ شَيْئًا عَنْ مَوْضِعِهِ -[245]- وَأَمَّا فِي الشَّرْعِ: فَهُوَ عَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ فِي اللُّغَةِ , وَهُوَ الْإِزَالَةُ وَحَدُّهُ: الْخِطَابُ الدَّالُّ عَلَى ارْتِفَاعِ الْحُكْمِ الثَّابِتِ بِالْخِطَابِ الْمُتَقَدِّمِ عَلَى وَجْهٍ لَوْلَاهُ لَكَانَ ثَابِتًا بِهِ مَعَ تَرَاخِيهِ عَنْهُ وَلَا يَلْزَمُ مَا سَقَطَ عَنِ الْإِنْسَانِ بِالْمَوْتِ , فَإِنَّ ذَاكَ لَيْسَ بِنَسْخٍ , لِأَنَّهُ لَيْسَ بِخِطَابٍ , وَلَا يَلْزَمُ رَفْعُ مَا كَانُوا عَلَيْهِ كَشُرْبِ الْخَمْرِ وَغَيْرِهِ , فَإِنَّهُ لَيْسَ بِنَسْخٍ , لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ بِخِطَابٍ , وَلَا يَلْزَمُ مَا أَسْقَطَهُ بِكَلَامٍ مُتَّصِلٍ كَالِاسْتِثْنَاءِ وَالْغَايَةِ , كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} [البقرة: 187] , فَإِنَّهُ لَيْسَ بِنَسْخٍ , لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَرَاخٍ عَنْهُ قُلْتُ: وَالنَّسْخُ فِي الْقُرْآنِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ: نَسْخُ الْحُكْمِ دُونَ الرَّسْمِ , وَنَسْخُ الرَّسْمِ دُونَ الْحُكْمِ , وَنَسْخُ الرَّسْمِ وَالْحُكْمِ مَعًا فَأَمَّا نَسْخُ الْحُكْمِ دُونَ الرَّسْمِ: فَمِثْلُ: الْوَصِيَّةِ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ , وَمِثْلُ عِدَّةِ الْوَفَاةِ , فَإِنَّ حُكْمَ ذَلِكَ مَنْسُوخٌ , وَلَفْظُهُ ثَابِتٌ فِي الْقُرْآنِ

أنا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ رِزْقٍ , وَالْحَسَنُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ , قَالَا: أنا أَحْمَدُ بْنُ سَلْمَانَ , نا أَبُو دَاوُدَ , نا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ هُوَ الْمَرْوَزِيُّ حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ حُسَيْنِ بْنِ وَاقِدٍ , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ يَزِيدَ النَّحْوِيِّ , عَنْ عِكْرِمَةَ , عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: {§إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةَ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ} [البقرة: 180] -[246]- , «فَكَانَتِ الْوَصِيَّةُ كَذَلِكَ , حَتَّى نَسَخَتْهَا آيَةُ الْمِيرَاثِ»

أنا طَلْحَةُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الصَّقْرِ الْكَتَّانِيُّ , نا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَكَمِ الْوَاسِطِيُّ , أنا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُؤَدِّبُ , أنا أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلَّامٍ , قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ: حَدَّثَنَا عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ , عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ , عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ , فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: " {§وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ} [البقرة: 240] غَيْرَ إِخْرَاجٍ قَالَ: كَانَ الرَّجُلُ إِذَا مَاتَ وَتَرَكَ امْرَأَتَهُ , اعْتَدَّتْ فِي بَيْتِهِ يُنْفَقْ عَلَيْهَا مِنْ مَالِهِ , ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} [البقرة: 234] قَالَ: فَهَذِهِ عِدَّةُ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا إِلَّا أَنْ تَكُونَ حَامِلًا , فَعِدَّتُهَا أَنْ تَضَعَ -[247]- وَأَمَّا نَسْخُ الرَّسْمِ دُونَ الْحُكْمِ: فَمِثْلُ آيَةِ الرَّجْمِ

أنا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ التَّمِيمِيُّ , وَالْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْجَوْهَرِيُّ , قَالَا: أنا أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ حَمْدَانَ , نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ , حَدَّثَنِي أَبِي , نا عَبْدُ الرَّحْمَنِ هُوَ ابْنُ مَهْدِيٍّ , نا مَالِكٌ , عَنِ الزُّهْرِيِّ , عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ , عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ , قَالَ: قَالَ عُمَرُ: §" إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى بَعَثَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ الْكِتَابَ , فَكَانَ مِمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْهِ آيَةُ الرَّجْمِ , فَقَرَأْنَاهَا وَعَقَلْنَاهَا وَوَعَيْنَاهَا , فَأَخْشَى أَنْ يَطُولَ بِالنَّاسِ عَهْدٌ , فَيَقُولُونَ: إِنَّا لَا نَجِدُ آيَةَ الرَّجْمِ فَتُتْرَكُ فَرِيضَةٌ أَنْزَلَهَا اللَّهُ , وَإِنَّ الرَّجْمَ فِي كِتَابِ اللَّهِ حَقٌّ عَلَى مَنْ زَنَا , إِذَا أُحْصِنَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ إِذَا قَامَتِ الْبَيِّنَةُ , أَوْ كَانَ الْحَبَلُ أَوِ الِاعْتِرَافُ "

أنا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْمُعَدِّلُ , أنا عُثْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ الدَّقَّاقُ , نا الْحَسَنُ بْنُ سَلَّامٍ السَّوَّاقُ , نا أَبُو نُعَيْمٍ الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ , نا خَالِدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْأَنْصَارِيُّ , حَدَّثَنِي أَبُو رَجَاءٍ الْعُطَارِدِيُّ , قَالَ: قَالَ عُمَرُ: §" إِيَّاكُمْ أَنْ تُخْدَعُوا عَنْ آيَةِ الرَّجْمِ , فَإِنَّ نَبِيَّكُمْ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , قَدْ رَجَمَ وَرَجَمَ أَبُو بَكْرٍ وَرَجَمْتُ , وَلَوْلَا أَنْ يَقُولَ النَّاسُ زَادَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فِي كِتَابِ اللَّهِ لَكَتَبْتُهَا , إِنِّي قَرَأْتُهَا فِي كِتَابِ اللَّهِ: (الشَّيْخُ وَالشَّيْخَةُ فَارْجُمُوهُمَا) " وَأَمَّا نَسْخُ الرَّسْمِ وَالْحُكْمِ مَعًا فَمِثْلُ مَا

أنا أَبُو الْقَاسِمِ الْأَزْهَرِيُّ , وَالتَّنُوخِيُّ , قَالَا: أنا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ لُؤْلُؤٍ الْوَرَّاقُ , حَدَّثَنَا هَيْثَمُ بْنُ خَلَفٍ الدُّورِيُّ , نا إِسْحَاقُ بْنُ مُوسَى الْأَنْصَارِيُّ , نا مَعْنُ بْنُ عِيسَى , نا مَالِكٌ , عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ , عَنْ عَمْرَةَ , عَنْ عَائِشَةَ , أَنَّهَا قَالَتْ: " §كَانَ فِيمَا أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى مِنَ الْقُرْآنِ: (عَشْرُ رَضَعَاتٍ مَعْلُومَاتٌ يُحَرِّمْنَ) نُسِخْنَ بِخَمْسٍ مَعْلُومَاتٍ , فَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَهِيَ مِمَّا يُقْرَأُ مِنَ الْقُرْآنِ " قُلْتُ: فَكَانَتِ الْعَشْرُ مَنْسُوخَةَ الرَّسْمِ وَالْحُكْمِ

بيان وجوه النسخ يجوز النسخ إلى غير بدل , كعدة المتوفى عنها زوجها , فإنها كانت سنة , ثم نسخ منها ما زاد على أربعة أشهر وعشر إلى غير بدل ويجوز النسخ إلى بدل , كنسخ القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة

§بَيَانُ وُجُوهِ النَّسْخِ يَجُوزُ النَّسْخُ إِلَى غَيْرِ بَدَلٍ , كَعِدَّةِ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا , فَإِنَّهَا كَانَتْ سَنَةً , ثُمَّ نُسِخَ مِنْهَا مَا زَادَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ إِلَى غَيْرِ بَدَلٍ وَيَجُوزُ النَّسْخُ إِلَى بَدَلٍ , كَنَسْخِ الْقِبْلَةِ مِنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ إِلَى الْكَعْبَةِ

أنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ السُّكَّرِيُّ , أنا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ نُصَيْرٍ الْخُلْدِيُّ , نا أَبُو عُلَاثَةَ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ خَالِدِ بْنِ فَرُّوخَ التَّمِيمِيُّ , نا أَبِي عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ , نا يُونُسُ بْنُ رَاشِدٍ , عَنْ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ , عَنْ عِكْرِمَةَ , عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ , قَالَ: §" أَوَّلُ مَا نُسِخَ مِنَ الْقُرْآنِ كَمَا ذُكِرَ لَنَا , وَاللَّهُ أَعْلَمُ شَأْنُ {وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلَّوْا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} [البقرة: 115] , فَاسْتَقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَصَلَّى نَحْوَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَتَرَكَ الْبَيْتَ الْعَتِيقَ , ثُمَّ صَرَفَهُ اللَّهُ تَعَالَى إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ , فَقَالَ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ: {وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا} [البقرة: 142] , يَعْنُونَ بَيْتَ الْمَقْدِسِ فَنَسَخَهَا وَصَرَفَهُ إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ , فَقَالَ: {وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} [البقرة: 150] -[250]- " وَيَجُوزُ النَّسْخُ إِلَى أَخَفِّ مِنَ الْمَنْسُوخِ , كَنَسْخِ وُجُوبِ مُصَابَرَةِ الْوَاحِدِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ لِلْعَشْرَةِ مِنَ الْمُشْرِكِينَ فِي الْجِهَادِ , لِمَا عَلِمَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ ضِعْفِ الْمُسْلِمِينَ , فَنَسَخَ ذَلِكَ , بِأَنْ أَلْزَمَ كُلَّ مُسْلِمٍ لِقَاءَ رَجُلَيْنِ مِنْ أَهْلِ الشِّرْكِ

أنا طَلْحَةُ بْنُ عَلِيٍّ الْكَتَّانِيُّ , نا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَكَمِ , أنا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُؤَدِّبُ , نا أَبُو عُبَيْدٍ , نا حَجَّاجٌ , عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ , وَعُثْمَانَ بْنِ عَطَاءٍ , عَنْ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ , عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ , فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {§إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا} قَالَ: نَسَخَهَا قَوْلُهُ تَعَالَى: {الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا} [الأنفال: 66] إِلَى قَوْلِهِ: {وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ} [البقرة: 249] " وَيَجُوزُ النَّسْخُ إِلَى مَا هُوَ أَغْلَظُ مِنَ الْمَنْسُوخِ , كَصَوْمِ شَهْرِ رَمَضَانَ , كَانَ الْإِنْسَانُ مُخَيَّرًا فِيهِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْفِطْرِ وَالِافْتِدَاءِ , ثُمَّ نُسِخَ إِلَى انْحِتَامِ الصَّوْمِ لِمَنْ قَدِرَ عَلَيْهِ

أنا ابْنُ رِزْقَوَيْهِ , وَابْنُ شَاذَانَ قَالَا: أنا أَحْمَدُ بْنُ سَلْمَانَ , نا أَبُو دَاوُدَ , نا قُتَيْبَةُ , نا بَكْرٌ يَعْنِي ابْنَ مُضَرَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ , عَنْ بُكَيْرٍ يَعْنِي ابْنَ الْأَشَجِّ، عَنْ يَزِيدَ , مُولِي سَلَمَةَ , عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ , قَالَ -[251]-: §لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينَ} [البقرة: 184] , «كَانَ مِنَّا مَنْ أَرَادَ أَنْ يُفْطِرَ وَيَفْتَدِيَ حَتَّى نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ الَّتِي بَعْدَهَا» وَيَجُوزُ النَّسْخُ مِنَ الْحَظْرِ إِلَى الْإِبَاحَةِ , كَمَا كَانَ اللَّهُ تَعَالَى حَرَّمَ عَلَيْهِمْ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ الْمُبَاشَرَةَ بِاللَّيْلِ بَعْدَ صَلَاةِ الْعِشَاءِ وَبَعْدَ النَّوْمِ , ثُمَّ أَبَاحَهَا لَهُمْ

أنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَحْيَى السُّكَّرِيُّ , أنا جَعْفَرٌ الْخُلْدِيُّ , أنا أَبُو عُلَاثَةَ , مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ خَالِدٍ , نا أَبِي , نا يُونُسُ بْنُ رَاشِدٍ , عَنْ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ , عَنْ عِكْرِمَةَ , عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ , فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {§كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ} [البقرة: 183] " يَعْنِي بِذَلِكَ أَهْلَ الْكِتَابِ , فَكَانَ كِتَابُهُ عَلَى أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , أَنَّ الرَّجُلَ كَانَ يَأْكُلُ وَيَشْرَبُ وَيَنْكِحُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَنْ يُصَلِّيَ الْعَتَمَةَ أَوْ يَرْقُدَ , فَإِذَا صَلَّى الْعَتَمَةَ أَوْ رَقَدَ مُنِعَ ذَلِكَ , إِلَى مِثْلِهَا مِنَ الْقَابِلَةِ , فَنَسَخَتْهَا هَذِهِ الْآيَةُ: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ} [البقرة: 187] "

أنا أَبُو مَنْصُورٍ , مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْبَزَّازُ -[252]- بِهَمَذَانَ , نا أَبُو الْفَضْلِ صَالِحُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْحَافِظُ - لَفْظًا - نا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ , مُحَمَّدُ بْنُ حَمْدَانَ بْنِ سُفْيَانَ الطَّرَائِفِيُّ , نا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ , قَالَ قَالَ: الشَّافِعِيُّ: §" إِنَّ اللَّهَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ , خَلَقَ الْخَلْقَ لَمَّا سَبَقَ فِي عِلْمِهِ مِمَّا أَرَادَ بِخَلْقِهِمْ وَبِهِمْ , لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ وَأَنْزَلَ عَلَيْهِمُ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً , وَفَرَضَ فِيهِ فَرَائِضَ أَثْبَتَهَا وَأُخْرَى نَسَخَهَا , رَحْمَةً لِخَلْقِهِ بِالتَّخْفِيفِ عَنْهُمْ وَبِالتَّوْسِعَةِ عَلَيْهِمْ , زِيَادَةً فِيمَا ابْتَدَأَهُمْ بِهِ مِنْ نِعَمِهِ , وَأَثَابَهُمْ عَلَى الِانْتِهَاءِ إِلَى مَا أَثْبَتَ عَلَيْهِمْ جَنَّتَهُ وَالنَّجَاةَ مِنْ عَذَابِهِ , فَعَمَّتْهُمْ رَحْمَتُهُ فِيمَا أَثْبَتَ وَنَسَخَ , فَلَهُ الْحَمْدُ عَلَى نِعَمِهِ , وَأَبَانَ لَهُمْ أَنَّهُ إِنَّمَا نَسَخَ مَا نَسَخَ مِنَ الْكِتَابِ بِالْكِتَابِ , وَأَنَّ السُّنَّةَ لَا نَاسِخَةَ لِلْكِتَابِ , وَإِنَّمَا هِيَ تَبَعٌ لِلْكِتَابِ , بِمِثْلِ مَا نَزَلَ بِهِ نَصًّا , وَمُفَسِّرَةٌ مَعْنَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْهُ جُمَلًا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنَّ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} [يونس: 15] " قَالَ الشَّافِعِيُّ: " فَأَخْبَرَ اللَّهُ أَنَّهُ فَرَضَ عَلَى نَبِيِّهِ اتِّبَاعَ مَا يُوحَى إِلَيْهِ , وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ تَبْدِيلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِهِ , وَفِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي} [يونس: 15] , بَيَانُ مَا وَصَفْتُ مِنْ أَنَّهُ لَا يَنْسَخُ كِتَابَ اللَّهِ إِلَّا كِتَابُهُ , كَمَا كَانَ الْمُبْتَدِئُ بِفَرْضِهِ وَهُوَ الْمُزِيلُ الْمُثْبِتُ لِمَا شَاءَ مِنْهُ , جَلَّ ثَنَاؤُهُ , وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ لِأَحَدٍ مِنْ خَلْقِهِ -[253]- وَكَذَلِكَ قَالَ: {يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ} [الرعد: 39] " قُلْتُ: قَدْ بَيَّنَ الشَّافِعِيُّ , أَنَّ الْكِتَابَ لَا يُنْسَخُ إِلَّا بِالْكِتَابِ , وَأَمَّا السُّنَّةُ هَلْ تَجُوزُ أَنْ تُنْسَخَ بِالْكِتَابِ؟ فِي ذَلِكَ قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ لَا يَجُوزُ , لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ السُّنَّةَ بَيَانًا لِلْقُرْآنِ فَقَالَ تَعَالَى: {لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النحل: 44] فَلَوْ جُوِّزَ نَسْخُ السُّنَّةِ بِالْقُرْآنِ , يُجْعَلُ الْقُرْآنُ بَيَانًا لِلسُّنَّةِ

أنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْكَاتِبُ , أنا أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ سَلْمٍ الْخُتَّلِيُّ , أنا أَحْمَدُ بْنُ مُوسَى الْجَوْهَرِيُّ , أنا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ , قَالَ: قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَإِنْ قَالَ: " §هَلْ تُنْسَخُ السُّنَّةُ بِالْقُرْآنِ؟ قِيلَ: لَوْ نُسِخَتِ السُّنَّةُ بِالْقُرْآنِ , كَانَتْ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فِيهِ سُنَّةٌ تُبَيِّنُ أَنَّ سُنَّتَهُ الْأُولَى مَنْسُوخَةٌ بِسُنَّتِهِ الْآخِرَةِ حَتَّى تَقُومَ الْحُجَّةُ عَلَى النَّاسِ , بِأَنَّ الشَّيْءَ يُنْسَخُ بِمِثْلِهِ وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّهُ يَجُوزُ نَسْخُ السُّنَّةِ بِالْقُرْآنِ , وَهُوَ الصَّحِيحُ , وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ مَا: "

أنا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ التَّمِيمِيُّ , أنا أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ حَمْدَانَ , نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ , نا أَبِي , نا يَحْيَى هُوَ ابْنُ سَعِيدٍ -[254]- الْقَطَّانُ نا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ , حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ أَبِي سَعِيدٍ , عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ , عَنْ أَبِيهِ , قَالَ: §" حُبِسْنَا يَوْمَ الْخَنْدَقِ عَنِ الصَّلَوَاتِ , حَتَّى كَانَ بَعْدُ الْمَغْرِبِ هُوَيًّا , وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَنْزِلَ فِي الْقِتَالِ مَا نَزَلَ , فَلَمَّا كُفِينَا الْقِتَالَ , وَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا} [الأحزاب: 25] أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِلَالًا فَأَقَامَ الصَّلَاةَ فَصَلَّاهَا كَمَا يُصَلِّيهَا فِي وَقْتِهَا , ثُمَّ أَقَامَ الْعَصْرَ فَصَلَّاهَا كَمَا يُصَلِّيهَا فِي وَقْتِهَا , ثُمَّ أَقَامَ الْمَغْرِبَ فَصَلَّاهَا كَمَا يُصَلِّيهَا فِي وَقْتِهَا " وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: نا أَبِي , نَاهُ أَبُو خَالِدٍ الْأَحْمَرُ , عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ , فَذَكَرَهُ بِإِسْنَادِهِ وَمَعَنَاهُ , وَزَادَ فِيهِ قَالَ: وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ تَنْزِلَ صَلَاةُ الْخَوْفِ {فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا} [البقرة: 239]

أنا الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ الْحِيرِيُّ , نا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْأَصَمُّ , نا أَحْمَدُ بْنُ حَازِمٍ الْغِفَارِيُّ , أنا جَعْفَرٌ يَعْنِي ابْنَ عَوْنٍ - عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ , عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ , عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ , -[255]- قَالَ: §" يَوْمَ الْخَنْدَقِ حِينَ حَبَسُوا النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الصَّلَاةِ قَبْلَ أَنْ يَنْزِلَ: {فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا} [البقرة: 239] "

أنا الْقَاضِي أَبُو حَامِدٍ , أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْإِسْتِوَائِيُّ , نا عَلِيُّ بْنُ عُمَرَ بْنِ أَحْمَدَ الْحَافِظُ , نا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ , نا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْوَلِيدِ بْنِ حَمَّادٍ , نا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ حَمَّادٍ , نا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ بْنِ سَعِيدٍ , عَنْ عَمِّهِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ قَالَ: حَدَّثَنِي الْحَسَنُ يَعْنِي ابْنَ عُمَارَةَ - عَنِ الْحَكَمِ , عَنْ مُجَاهِدٍ , ومِقَسِّمٍ , عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ , أَنَّهُ ذَكَرَ عِنْدَهُ قَوْلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِضُبَاعَةَ: «§حُجِّي وَاشْتَرِطِي» فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هَذَا مَنْسُوخٌ قِيلَ لَهُ: وَمَا نَسَخَ هَذَا؟ قَالَ: قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [البقرة: 196] وَالنَّسْخُ لَا يَجُوزُ إِلَّا فِيمَا يَصِحُّ وقُوعُهُ عَلَى وَجْهَيْنِ , كَالصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ وَغَيْرِهِمَا مِنَ الْعِبَادَاتِ الشَّرْعِيَّةِ , فَأَمَّا مَا لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ إِلَّا عَلَى وَجْهٍ وَاحِدٍ , مِثْلُ التَّوْحِيدِ وَصِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى الذَّاتِيَّةِ , كَعِلْمِهِ وَقُدْرَتِهِ , وَمَا عَدَا ذَلِكَ مِنْ صِفَاتِهِ , فَلَا يَصِحُّ فِيهِ النَّسْخُ , وَكَذَلِكَ مَا أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ مِنْ أَخْبَارِ الْقُرُونِ الْمَاضِيَةِ , وَالْأُمَمِ السَّالِفَةِ ,

فَلَا يَجُوزُ فِيهَا النَّسْخُ , وَهَكَذَا مَا أَخْبَرَ عَنْ وقُوعِهِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ كَخُرُوجِ الدَّجَّالِ , وَيَأْجُوجِ وَمَأْجُوجِ , وَطُلُوعِ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا , وَنُزُولِ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ إِلَى الْأَرْضِ وَنَحْوِ ذَلِكَ , فَإِنَّ النَّسْخَ فِيهِ لَا يَجُوزُ وَلَا يَجُوزُ نَسْخُ إِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ , لِأَنَّ الْإِجْمَاعَ لَا يَكُونُ إِلَّا بَعْدَ مَوْتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَالنَّسْخُ لَا يَجُوزُ بَعْدَ مَوْتِهِ وَلَا يَجُوزُ نَسْخُ الْقِيَاسِ: لِأَنَّ الْقِيَاسَ تَابِعٌ لِلْأُصُولِ , وَالْأُصُولُ ثَابِتَةٌ فَلَا يَجُوزُ نَسْخُ تَابِعِهَا

الكلام في الأصل الثاني من أصول الفقه وهو سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم السنة: ما رسم ليحتذى , ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: " من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها ولا فرق بين أن يكون هذا المرسوم واجبا , أو غير واجب , يدل عليه ما

§الْكَلَامُ فِي الْأَصْلِ الثَّانِي مِنْ أُصُولِ الْفِقْهِ وَهُوَ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ السُّنَّةُ: مَا رُسِمَ لِيُحْتَذَى , وَلِهَذَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ هَذَا الْمَرْسُومُ وَاجِبًا , أَوْ غَيْرَ وَاجِبٍ , يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّهُ صَلَّى عَلَى جِنَازَةٍ فَجَهَرَ فِيهَا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَقَالَ: إِنَّمَا فَعَلْتُ هَذَا لِتَعْلَمُوا أَنَّهَا سُنَّةٌ يَعْنِي: قِرَاءَةَ الْفَاتِحَةِ , وَهِيَ وَاجِبَةٌ فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَقَدْ غَلَبَ عَلَى أَلْسِنَةِ الْفُقَهَاءِ , أَنَّهُمْ يُطْلِقُونَ السُّنَّةَ , فِيمَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ , فَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ فِي حَدِّ السُّنَّةِ: أَنَّهُ مَا رُسِمَ لِيُحْتَذَى اسْتِحْبَابًا

أنا الْحَسَنُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ , أنا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ النَّقَّاشُ , نا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الصَّائِغُ , نا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ , نا ابْنُ لَهِيعَةَ , نا عَطَاءٌ هُوَ ابْنُ دِينَارٍ , عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ , وَسُئِلَ , عَنِ السُّنَّةِ , قَالَ: §" السُّنَّةُ مَا سَنَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الدِّينِ مَا لَمْ يَنْزِلْ بِهِ كِتَابٌ , فَأَمَّا

مَا بُيِّنَ فِي الْكِتَابِ , فَذَلِكَ أَمْرُ اللَّهِ وَقَضَاؤُهُ , فَيُقَالُ: هَذَا كِتَابُ اللَّهِ. وَسُنَّةُ نَبِيِّهِ " قُلْتُ: فَالسُّنَّةُ مَا شَرَعَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأُمَّتِهِ فَيَلْزَمُ اتِّبَاعُهُ فِيهِ , لِأَنَّ اللَّهَ أَوْجَبَ طَاعَتَهُ عَلَى الْخَلْقِ , فَقَالَ تَعَالَى: {وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ , وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [آل عمران: 132] وَقَالَ تَعَالَى: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا} [النساء: 69] وَقَالَ: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ} [المائدة: 92] وَقَالَ: {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا} [النساء: 80] , وَقَالَ: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [الحشر: 7]

أنا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْهَمَذَانِيُّ , نا صَالِحُ بْنُ أَحْمَدَ الْحَافِظُ , نا مُحَمَّدُ بْنُ حَمْدَانَ الطَّرَائِفِيُّ , نا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ , قَالَ: قَالَ الشَّافِعِيُّ: §" فَرَضَ اللَّهُ عَلَى النَّاسِ اتِّبَاعَ وَحْيِهِ وَسُنَنَ رَسُولِهِ , فَقَالَ فِي كِتَابِهِ: {وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ

إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [البقرة: 129] , وَقَالَ: {كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ} [البقرة: 151] , وَقَالَ: {لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} [آل عمران: 164] , وَقَالَ: {وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ} وَقَالَ اللَّهُ: {أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا} [النساء: 113] وَقَالَ: {وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا} [الأحزاب: 34] الْآيَةَ " قَالَ الشَّافِعِيُّ: " فَذَكَرَ اللَّهُ الْكِتَابَ وَهُوَ الْقُرْآنُ , وَذَكَرَ الْحِكْمَةَ , فَسَمِعْتُ مَنْ أَرْضَى مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْقُرْآنِ يَقُولُ: الْحِكْمَةُ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " قَالَ الشَّافِعِيُّ: «وَهَذَا يُشْبِهُ مَا قَالَ - وَاللَّهُ أَعْلَمُ - لِأَنَّ الْقُرْآنَ ذُكِرَ وَأَتْبَعَهُ الْحِكْمَةَ , وَذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى مَنَّهُ عَلَى خَلْقِهِ بِتَعْلِيمِهِمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ , فَلَمْ يَجُزْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ - أَنْ يُقَالَ الْحِكْمَةُ هَا هُنَا إِلَّا سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَذَلِكَ أَنَّهَا مَقْرُونَةٌ مَعَ كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ»

أنا أَبُو الطَّيِّبِ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ الْقُرَشِيُّ , أنا -[260]- عُمَرُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ هَارُونَ الْمُقْرِئُ , أنا عُثْمَانُ بْنُ عَبْدُوَيْهِ بْنِ عَمْرٍو , نا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَفَّانَ , نا أَسْبَاطُ بْنُ مُحَمَّدٍ , عَنْ أَبِي بَكْرٍ يَعْنِي الْهُذَلِيَّ - عَنِ الْحَسَنِ , فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {§وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ} [البقرة: 129] قَالَ: " الْكِتَابُ: الْقُرْآنُ , وَالْحِكْمَةُ: السُّنَّةُ "

أنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَحْيَى السُّكَّرِيُّ , أنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ , أنا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ , نا عَبْدُ الرَّزَّاقِ , أنا مَعْمَرٌ , عَنْ قَتَادَةَ: {§وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ} [الأحزاب: 34] قَالَ: «الْقُرْآنُ وَالسُّنَّةُ»

أنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْكَاتِبُ , أنا أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ سَلْمٍ , أنا أَحْمَدُ بْنُ مُوسَى الْجَوْهَرِيُّ , أنا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ , قَالَ: قَالَ الشَّافِعِيُّ -[261]-: §" وَقَدْ سَنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ كِتَابِ اللَّهِ , وَسَنَّ فِيمَا لَيْسَ فِيهِ بِعَيْنِهِ نَصُّ كِتَابٍ , وَكُلُّ مَا سَنَّ فَقَدْ أَلْزَمَنَا اللَّهُ اتِّبَاعَهُ , وَجَعَلَ فِي اتِّبَاعِهِ طَاعَتَهُ , وَفِي الْعُنُودِ عَنِ اتِّبَاعِهَا مَعْصِيَتَهُ , الَّتِي لَمْ يَعْذُرْ بِهَا خَلْقًا , وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ تَرْكِ اتِّبَاعِ سُنَنِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَخْرَجًا , وَمَا سَنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا لَيْسَ لِلَّهِ فِيهِ حُكْمٌ , فَبِحُكْمِ اللَّهِ سَنَهُ , وَكَذَلِكَ أَخْبَرَنَا اللَّهُ تَعَالَى فِي قَوْلِهِ {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [الشورى: 52] "

أنا الْقَاضِي أَبُو عُمَرَ الْقَاسِمُ بْنُ جَعْفَرٍ الْهَاشِمِيُّ , نا أَبُو عَلِيٍّ , مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَمْرٍو اللُّؤْلُؤِيُّ , نا أَبُو دَاوُدَ , سُلَيْمَانُ بْنُ الْأَشْعَثِ , نا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَنْبَلٍ , وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ النُّفَيْلِيُّ , قَالَا: نا سُفْيَانُ , عَنْ أَبِي النَّضْرِ , عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَافِعٍ , عَنْ أَبِيهِ , عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: §" لَا أَلْفَيَنَّ أَحَدَكُمْ مُتَّكِئًا عَلَى أَرِيكَتِهِ يَأْتِيهِ الْأَمْرُ مِنْ أَمْرِي مِمَّا أُمِرْتُ بِهِ أَوْ نَهَيْتُ عَنْهُ , فَيَقُولُ: لَا نَدْرِي , مَا وَجَدْنَا فِي كِتَابِ اللَّهِ اتَّبَعْنَاهُ "

أنا أَبُو الْفَرَجِ عَبْدُ السَّلَامِ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ الْقُرَشِيُّ , أنا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ أَيُّوبَ الطَّبَرَانِيُّ , نا أَبُو يَزِيدَ الْقَرَاطِيسِيُّ , نا أَسَدُ بْنُ مُوسَى , نا مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ , حَدَّثَنِي الْحَسَنُ بْنُ جَابِرٍ , وَأَنَا أَبُو عَمْرٍو , عُثْمَانُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ الْعَلَّافُ - وَاللَّفْظُ لَهُ - , نا أَبُو بَكْرٍ , أَحْمَدُ بْنُ سَلْمَانَ بْنِ الْحَسَنِ النِّجَادُ - إِمْلَاءً - , نا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ السُّلَمِيُّ , نا أَبُو صَالِحٍ , نا مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ , حَدَّثَنِي ابْنُ جَابِرٍ , أَنَّهُ سَمِعَ الْمِقْدَامَ , صَاحِبَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: حَرَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَشْيَاءَ يَوْمَ خَيْبَرَ , مِنْهَا الْحِمَارُ الْأَهْلِيُّ , وَقَالَ: " §يُوشِكُ بِالرَّجُلِ مُتَّكِئٌ عَلَى أَرِيكَتِهِ يُحَدَّثُ بِحَدِيثِي فَيَقُولُ: بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ كِتَابُ اللَّهِ , فَمَا وَجَدْنَا فِيهِ مِنْ حَلَالٍ أَحْلَلْنَاهُ , وَمَا وَجَدْنَا فِيهِ مِنْ حَرَامٍ حَرَّمْنَاهُ , أَلَا وَإِنَّ مَا حَرَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , مِثْلُ مَا حَرَّمَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ "

أنا الْحُسَيْنُ بْنُ عُمَرَ بْنِ بُرْهَانٍ الْغَزَّالُ , وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ السُّكَّرِيُّ , قَالَا: أنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ , نا -[263]- عَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ التَّرْقُفِيُّ , نا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُبَارَكِ , قَالَ: نا - وَفِي , حَدِيثِ السُّكَّرِيِّ: حَدَّثَنِي - يَحْيَى بْنُ حَمْزَةَ , قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْوَلِيدِ الزُّبَيْدِيُّ , عَنْ مَرْوَانَ بْنِ رُؤْبَةَ , أَنَّهُ حَدَّثَهُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي عَوْفٍ الْجُرَشِيِّ , عَنِ الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِي , كَرِبَ الْكِنْدِيِّ , عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «§أُوتِيتُ الْكِتَابَ وَمَا يَعْدِلُهُ» - يَعْنِي: مِثْلَهُ - " يُوشِكُ شَبْعَانُ عَلَى أَرِيكَتِهِ يَقُولُ: بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ هَذَا الْكِتَابُ , فَمَا كَانَ فِيهِ مِنْ حَلَالٍ أَحْلَلْنَاهُ , وَمَا كَانَ مِنْ حَرَامٍ حَرَّمْنَاهُ , أَلَا لَا يَحِلُّ ذُو نَابٍ مِنَ السِّبَاعِ وَلَا الْحِمَارُ الْأَهْلِيُّ وَلَا اللُّقَطَةُ مِنْ مَالِ مُعَاهَدٍ إِلَّا أَنْ يَسْتَغْنِيَ عَنْهَا , وَأَيُّمَا رَجُلٌ أَضَافَ قَوْمًا فَلَمْ يُقْرُوهُ , فَإِنَّ لَهُ أَنْ يَعْقُبَهُمُ بِمِثْلِ قِرَاهُ "

أنا عَبْدُ السَّلَامِ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ , أنا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ الطَّبَرَانِيُّ , نا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ بْنِ نَجْدَةَ , نا أَبُو الْمُغِيرَةِ , قَالَ سُلَيْمَانُ: وَنَا أَبُو زُرْعَةَ هُوَ الدِّمَشْقِيُّ , نا أَبُو الْيَمَانِ , وَعَلِيُّ بْنُ عَيَّاشٍ , قَالَ: وَنَا بِشْرُ بْنُ مُوسَى , نا الْحَسَنُ بْنُ مُوسَى الْأَشْيَبُ , - قَالُوا: نا حَرِيزُ بْنُ عُثْمَانَ , وَأَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي طَاهِرٍ الدَّقَّاقُ , نا أَحْمَدُ بْنُ سَلْمَانَ النِّجَادُ , نا أَبُو دَاوُدَ , سُلَيْمَانُ بْنُ الْأَشْعَثِ , نا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ نَجْدَةَ , نا أَبُو عَمْرِو بْنُ كَثِيرِ بْنِ دِينَارٍ , عَنْ حَرِيزِ بْنِ عُثْمَانَ , عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي عَوْفٍ الْجُرَشِيِّ , عَنِ الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِي كَرِبَ , -[264]- عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «§أَلَا إِنِّي أُوتِيتُ الْكِتَابَ وَمِثْلَهُ مَعَهُ» زَادَ الطَّبَرَانِيُّ: أَلَا إِنِّي أُوتِيتُ الْقِرَانَ وَمِثْلَهُ مَعَهُ ثُمَّ اتَّفَقَا: " أَلَا يُوشِكُ رَجُلٌ شَبْعَانُ عَلَى أَرِيكَتِهِ يَقُولُ: عَلَيْكُمْ بِهَذَا الْقُرْآنِ , فَمَا وَجَدْتُمْ فِيهِ مِنْ حَلَالٍ فَأَحِلُّوهُ , وَمَا وَجَدْتُمْ مِنْ حَرَامٍ فَحَرِّمُوهُ , أَلَا لَا يَحِلُّ لَكُمُ الْحِمَارُ الْأَهْلِيُّ , وَلَا كُلُّ ذِي نَابٍ مِنَ السِّبَاعِ , وَلَا لُقَطَةُ مُعَاهَدٍ " - وَقَالَ الطَّبَرَانِيُّ: لُقَطَةُ مَالِ مُعَاهَدٍ - «إِلَّا أَنْ يَسْتَغْنِيَ عَنْهَا صَاحِبُهَا , وَمَنْ نَزَلَ بِقَوْمٍ , فَعَلَيْهِمْ أَنْ يُقْرُوهُ , فَإِنْ لَمْ يُقْرُوهْ فَلَهُ أَنْ يُطَالِبَهُمْ» - وَقَالَ النِّجَادُ: أَنْ يَعْقُبَهُمُ - وَقَالَا جَمِيعًا: «بِمِثْلِ قِرَاهُ»

أنا أَبُو الْقَاسِمِ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ النَّجَّارُ , أنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُلَيْمَانَ الْمُخَرِّمِيُّ , نا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَيُّوبَ الدَّقَّاقُ , وَأَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ الْجَوْهَرِيُّ , أنا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ لُؤْلُؤٍ الْوَرَّاقُ , نا عُمَرُ بْنُ أَيُّوبَ السَّقَطِيُّ , قَالَا: نا دَاوُدُ بْنُ رُشَيْدٍ , نا بَقِيَّةُ بْنُ الْوَلِيدِ , عَنْ مَحْفُوظِ بْنِ مَيْسُورٍ النُّمَيْرِيِّ , عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ , عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ , قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -[265]-: " §يُوشِكُ أَحَدُكُمْ أَنْ يَقُولَ: هَذَا كِتَابُ اللَّهِ مَا كَانَ فِيهِ حَلَالًا أَحْلَلْنَاهُ , وَمَا كَانَ فِيهِ مِنْ حَرَامًا حَرَّمْنَاهُ , أَلَا مَنْ بَلَغَهُ عَنِّي حَدِيثٌ , فَكَذَّبَ بِهِ فَقَدْ كَذَّبَ ثَلَاثَةً: كَذَّبَ اللَّهَ , وَرَسُولَهُ وَكَذَّبَ الَّذِي جَاءَ بِهِ " لَفْظُ حَدِيثِ النِّجَادِ

حَدَّثَنِي مَسْعُودُ بْنُ ناصرٍ السَّجَرِيُّ , أنا عَلِيُّ بْنُ بُشْرَى السِّجِسْتَانِيُّ , نا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْآبِرِيُّ , أَخْبَرَنِي أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْأَزْهَرِ , قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ مُوسَى يَعْنِي الزَّمَنَ - يَقُولُ: سَمِعْتُ الْمُعْتَمِرَ بْنَ سُلَيْمَانَ , يَقُولُ سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ: §«أَحَادِيثُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَالتَّنْزِيلِ»

وَقَالَ ابْنُ الْأَزْهَرَ: سَمِعْتُ أَبَا مُوسَى , يَقُولُ: §«سُنَنُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَنَا مِثْلُ كَلَامِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ»

باب القول في سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم التي ليس فيها نص كتاب , هل سنها بوحي أم بغير وحي قال بعض أهل العلم: لم يسن رسول الله صلى الله عليه وسلم سنة إلا بوحي , واحتج من قال هذا بظاهر قول الله تعالى: وما ينطق عن الهوى , إن هو إلا وحي يوحى

§بَابُ الْقَوْلِ فِي سُنَنِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّتِي لَيْسَ فِيهَا نَصُّ كِتَابٍ , هَلْ سَنَّهَا بِوَحْيٍ أَمْ بِغَيْرِ وَحْيٍ قَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ: لَمْ يَسُنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَنَةَ إِلَّا بِوَحْيٍ , وَاحْتَجَّ مَنْ قَالَ هَذَا بِظَاهِرِ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى , إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم: 4]

أنا الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ , أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحَرَشِيُّ , نا أَبُو الْعَبَّاسِ , مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْأَصَمُّ , أنا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ , أنا الشَّافِعِيُّ , أنا مُسْلِمُ بْنُ خَالِدٍ , عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ , عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ , عَنْ أَبِيهِ: §«أَنَّ عِنْدَهُ , كِتَابًا مِنَ الْعُقُولِ نَزَلَ بِهِ الْوَحْيُ , وَمَا فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ صَدَقَةٍ وَعُقُولٍ فَإِنَّمَا نَزَلَ بِهِ الْوَحْيُ» وَقِيلَ لَمْ يَسُنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , شَيْئًا قَطُّ إِلَّا بِوَحْيِ اللَّهِ , فَمِنَ الْوَحْيِ مَا يُتْلَى وَمِنْهُ مَا يَكُونُ وَحْيًا إِلَى رَسُولِهِ فَيُسَنُّ بِهِ

أنا الْحَسَنُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ , أنا أَبُو سَهْلٍ , أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زِيَادٍ الْقَطَّانُ , نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي مُسْلِمٍ الْحَرَّانِيُّ , حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ , نا عِيسَى بْنُ يُونُسَ , نا الْأَوْزَاعِيُّ , عَنْ حَسَّانَ بْنِ عَطِيَّةَ , قَالَ: §«كَانَ جِبْرِيلُ يَنْزِلُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالسُّنَّةَ كَمَا يَنْزِلُ -[267]- عَلَيْهِ بِالْقُرْآنِ»

أَخْبَرَنِي أَبُو يَعْلَى مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْفَرَّاءُ الْحَنْبَلِيُّ , نا عِيسَى بْنُ عَلِيِّ بْنِ عِيسَى الْوَزِيرُ , نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ , نا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ صَالِحٍ , نا عِيسَى بْنُ يُونُسَ , عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ , عَنْ حَسَّانَ بْنِ عَطِيَّةَ , قَالَ: §«كَانَ جِبْرِيلُ يَنْزِلُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالسُّنَّةِ كَمَا يَنْزِلُ عَلَيْهِ بِالْقُرْآنِ يُعَلِّمُهُ إِيَّاهَا , كَمَا يُعَلِّمُهُ الْقُرْآنَ»

أَخْبَرَنِي أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ نَصْرِ السُّتُورِيُّ , نا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَكَرِيَّا الْبَزَّازُ , نا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سِنِينَ الْخُتَّلِيُّ , قَالَ: نا عِمْرَانُ بْنُ هَارُونَ , نا رَوَّادُ بْنُ الْجَرَّاحِ أَبُو عِصَامٍ الْعَسْقَلَانِيُّ , قَالَ: سَمِعْتُ الْأَوْزَاعِيَّ , يَقُولُ: §«كَانَ جِبْرِيلُ يَنْزِلُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالسُّنَّةِ كَمَا يَنْزِلُ بِالْقُرْآنِ» وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: جَعَلَ اللَّهُ لِرَسُولِهِ أَنْ يَسُنَّ مَا يَرَى أَنَّهُ مَصْلَحَةٌ -[268]- لِلْخَلْقِ , وَاسْتَدَلَّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ} [النساء: 105] قَالَ: وَإِنَّمَا خَصَّهُ اللَّهُ بِأَنْ يَحْكُمَ بِرَأْيِهِ , لِأَنَّهُ مَعْصُومٌ , وَأَنَّ مَعَهُ التَّوْفِيقُ وَاسْتَدَلَّ مِنَ السُّنَّةِ بِمَا

أنا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ الْمَحَامِلِيُّ , أنا أَبُو سَهْلٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْقَطَّانُ , نا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ الْقَاضِي , نا عَلِيٌّ هُوَ ابْنُ الْمَدِينِيِّ , نا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ , نا الْأَوْزَاعِيُّ , حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ , عَنْ أَبِي سَلَمَةَ , عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ , قَالَ: لَمَّا فَتَحَ الَّلهُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةُ , قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِمْ , فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: §«إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى حَبَسَ عَنْ مَكَّةَ الْفِيلَ , وَسَلَّطَ عَلَيْهَا رَسُولَهُ وَالْمُؤْمِنِينَ , وَإِنَّمَا أُحِلَّتْ لِي سَاعَةٌ مِنَ النَّهَارِ , ثُمَّ هِيَ حَرَامٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ , لَا يُعْضَدُ شَجَرُهَا وَلَا يُنَفَّرُ صَيْدُهَا , وَلَا تَحِلُّ لُقَطَتُهَا إِلَّا لِمُنْشِدٍ , وَمَنْ قُتِلَ لَهُ قَتِيلٌ فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ , إِمَّا أَنْ يَفْدُوَ وَإِمَّا أَنْ يَقْتُلَ» فَقَامَ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ أَبُو شَاهٍ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ , فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ , اكْتُبُوا لِي , فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اكْتُبُوا لِأَبِي شَاهٍ» قَالَ: فَقَامَ عَبَّاسٌ - أَوْ قَالَ: قَالَ عَبَّاسٌ -: يَا رَسُولَ اللَّهِ: إِلَّا الْإِذْخِرَ , فَإِنَّهُ لِقُبُورِنَا وَلِبُيُوتِنَا , فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِلَّا الْإِذْخِرَ» -[269]- قَالَ الْوَلِيدُ: فَقُلْتُ لِلْأَوْزَاعِيِّ: مَا قَوْلُهُ: اكْتُبُوا لِأَبِي شَاهٍ؟ قَالَ: يَقُولُ: اكْتُبُوا لَهُ خُطْبَتَهُ الَّتِي سَمِعَهَا مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: فَرَأَى النَّبِيُّ لِلَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , مِنَ الْمَصْلَحَةِ إِجَابَةُ الْعَبَّاسِ إِلَى إِبَاحَةِ قَطْعِ الْإِذْخِرِ وَأَبَى مَنْ ذَهَبَ إِلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ هَذَا الْمَذْهَبَ , وَقَالَ: إِنَّمَا أَمَرَ أَنْ يَحْكُمَ بِمَا أُرَاهُ تَعَالَى مِنَ الْوُجُوهِ الْمُنَزَّلَةِ عَلَيْهِ فِي الْكِتَابِ فَهَذَا مَعْنَى الْآيَةِ وَأَمَّا قِصَّةُ الْعَبَّاسِ , فَإِنَّهُ إِنَّمَا سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُرَاجَعَةَ رَبِّهِ فِي الْإِذْخِرِ , كَمَا طَلَبَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , لَيْلَةَ الْمِعْرَاجِ مُرَاجَعَةَ رَبِّهِ فِي تَخْفِيفِ الصَّلَاةِ عَنْ أُمَّتِهِ فَرُدَّتْ مِنْ خَمْسِينَ إِلَى خَمْسٍ , وَكَمَا أُمِرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَقْرَأَ عَلَى حَرْفٍ فَرَاجَعَ فِيهِ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ حَتَّى رُدَّ إِلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ قَالَ , فَإِنْ قِيلَ: قَدْ كَانَ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَوَّابُ الْعَبَّاسِ فِي الْحَالِ بِلَا زَمَانٍ بَيْنَ السُّؤَالِ وَبَيْنَ الْجَوَابِ يَكُونُ فِيهِ الْوَحْيُ بِذَلِكَ الْجَوَابِ , فَإِنَّا نَقُولُ: يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ فِي لَطِيفِ قُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى مَجِيءُ الْوَحْيِ بِالْجَوَابِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ , وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ جِبْرِيلُ حَاضِرًا , فَأَلْقَى -[270]- جِبْرِيلُ إِلَيْهِ الْجَوَابَ فِي الْحَالِ , كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , لِلَّذِي سَأَلَهُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ إِنْ قُتِلْتُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ صَابِرًا مُحْتَسِبًا مُقْبِلًا غَيْرَ مُدْبِرٍ يُكَفِّرُ اللَّهُ عَنِّي خَطَايَايَ؟ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: نَعَمْ فَلَمَّا وَلَّى دَعَاهُ فَقَالُ لَهُ: «إِلَّا أَنْ يَكُونَ عَلَيْكَ دَيْنٌ كَذَلِكَ قَالَ لِي جِبْرِيلُ» وَرُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِحَسَّانَ بْنِ ثَابِتٍ فِي هِجَائِهِ الْمُشْرِكِينَ: «اهْجُهُمْ وَجِبْرِيلُ مَعَكَ» فَإِذَا كَانَ جِبْرِيلُ مَعَ حَسَّانَ لِمُهَاجَاتِهِ قُرَيْشًا , فَبِأَنْ يَكُونَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي خُطْبَتِهِ الَّتِي يُخْبِرُ فِيهَا عَنِ اللَّهِ تَعَالَى بِشَرَائِعِ الدِّينِ أَوْلَى وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ: أَلْقَى فِي رَوْعِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلُّ مَا سِنَّهُ وَاحْتُجَّ بِالْحَدِيثِ الَّذِي:

أناه الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ الْحِيرِيُّ , نا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْأَصَمُّ , أنا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ , أنا الشَّافِعِيُّ , أنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ , عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي عَمْرٍو , مَوْلَى الْمُطَّلِبِ , عَنِ الْمُطَّلِبِ بْنِ حَنْطَبٍ , أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: §«مَا تَرَكْتُ شَيْئًا مِمَّا أَمَرَكُمُ اللَّهُ بِهِ إِلَّا وَقَدْ أَمَرْتُكُمْ بِهِ , وَلَا تَرَكْتُ شَيْئًا مِمَّا نَهَاكُمُ اللَّهُ عَنْهُ إِلَّا وَقَدْ نَهَيْتُكُمْ عَنْهُ , وَإِنَّ الرُّوحَ الْأَمِينَ قَدْ نَفَثَ -[271]- فِي رَوْعِيَ أَنَّهُ لَنْ تَمُوتَ نَفْسٌ حَتَّى تَسْتَوْفِيَ رِزْقَهَا فَأَجْمِلُوا فِي الطَّلَبِ» وَقَالَ آخَرُونَ: مَا سَنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , مِنْ سُنَّةٍ إِلَّا وَلَهَا أَصْلٌ فِي كِتَابِ اللَّهِ , فَسُنَّتُهُ فِيمَا لَمْ يَرِدْ فِيهِ بِعَيْنِهِ نَصُّ الْكِتَابِ بَيَانٌ لِلْكِتَابِ

أنا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى الْهَمَذَانِيُّ , نا صَالِحُ بْنُ أَحْمَدَ الْحَافِظُ , نا مُحَمَّدُ بْنُ حَمْدَانَ الطَّرَائِفِيُّ , نا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ , قَالَ: قَالَ الشَّافِعِيُّ: §" فَلَمْ أَعْلَمْ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ مُخَالِفًا فِي أَنَّ سُنَنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ ثَلَاثَةِ وُجُوهٍ , فَاجْتَمَعُوا مِنْهَا عَلَى وَجْهَيْنِ , وَالْوَجْهَانِ يَجْتَمِعَانِ وَيَتَفَرَّعَانِ: أَحَدُهُمَا: مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ نَصِّ كِتَابٍ , فَبَيَّنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , مِثْلُ نَصِّ الْكِتَابِ وَالْآخَرُ: مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ جُمْلَةَ كِتَابٍ , فَبَيَّنَ عَنِ اللَّهِ تَعَالَى مَعْنَى مَا أَرَادَ وَهَذَانِ الْوَجْهَانِ اللَّذَانِ لَمْ يَخْتَلِفُوا فِيهِمَا وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ: مَا سَنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا لَيْسَ فِيهِ نَصُّ كِتَابٍ , فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: جَعَلَ اللَّهُ لَهُ بِمَا افْتَرَضَ مِنْ طَاعَتِهِ وَسَبَقَ فِي عِلْمِهِ مِنْ تَوْفِيقِهِ لِرِضَاهُ , أَنْ يَسُنَّ فِيمَا لَيْسَ نَصَّ كِتَابٍ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: لَمْ يَسُنَّ سُنَّةً قَطُّ إِلَّا وَلَهَا أَصْلٌ فِي الْكِتَابِ , كَمَا كَانَتْ سُنَّتُهُ لِتَبْيِينِ عَدَدِ الصَّلَاةِ وَعَمَلِهَا عَلَى أَصْلِ جُمْلَةِ فَرَضِ الصَّلَاةِ وَكَذَلِكَ مَا سَنَّ مِنَ الْبُيُوعِ وَغَيْرِهَا مِنَ الشرائعِ , لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} [النساء: 29] وَقَالَ {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: 275] , فَمَا أَحَلَّ وَحَرَّمَ , فَإِنَّمَا بَيَّنَ فِيهِ عَنِ اللَّهِ , كَمَا بَيَّنَ الصَّلَاةَ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: بَلْ جَاءَتْهُ بِهِ رِسَالَةُ اللَّهِ , فَأَثْبَتَتْ سُنَّتَهُ بِفَرْضِ اللَّهِ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: أُلْقِيَ فِي رَوْعِهِ كُلُّ مَا سَنَّ , وَسُنَّتُهُ: الْحِكْمَةُ الَّذِي أُلْقِيَ فِي رَوْعِهِ عَنِ اللَّهِ "

قَالَ الشَّافِعِيُّ: «وَأَيُّ هَذَا كَانَ فَقَدْ بَيَّنَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ فَرَضَ فِيهِ طَاعَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَلَمْ يَجْعَلْ لِأَحَدٍ مِنْ خَلْقِهِ عُذْرًا بِخِلَافِ أَمْرٍ عَرَفَهُ مِنْ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ»

ذكر الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن سنته لا تفارق كتاب الله عز وجل

§ذِكْرُ الْخَبَرِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنَّ سُنَّتَهُ لَا تُفَارِقُ كِتَابَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ

أنا أَبُو الْحُسَيْنِ عَلِيٌّ , وَأَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ الْمَلِكِ أنبا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بِشْرَانَ , قَالَا: أنا أَبُو أَحْمَدَ حَمْزَةُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْعَبَّاسِ , نا عَبْدُ الْكَرِيمِ بْنُ الْهَيْثَمِ , نا الْعَبَّاسُ بْنُ الْهَيْثَمِ , نا صَالِحُ بْنُ مُوسَى الطَّلْحِيُّ , عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ رُفَيْعٍ , عَنْ أَبِي صَالِحٍ , عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ , قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: §«إِنِّي قَدْ خَلَّفْتُ فِيكُمْ مَا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُمَا مَا أَخَذْتُمْ بِهِمَا أَوْ عَمِلْتُمْ بِهِمَا كِتَابَ اللَّهِ وَسُنَّتِي , وَلَنْ يَفْتَرِقَا حَتَّى يَرِدَا عَلَى الْحَوْضِ»

أنا أَبُو طَالِبٍ , مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ غَيْلَانَ الْبَزَّازُ , نا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الشَّافِعِيُّ , نا أَبُو قَبِيصَةَ , مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عُمَارَةَ بْنِ الْقَعْقَاعِ بْنِ شُبْرُمَةَ الضَّبِّيُّ , نا دَاوُدُ بْنُ عَمْرٍو , نا صَالِحُ بْنُ مُوسَى الطَّلْحِيُّ , عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ رُفَيْعٍ , عَنْ أَبِي صَالِحٍ , عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ , قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: §«خَلَّفْتُ فِيكُمْ شَيْئَيْنِ لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُمَا كِتَابَ اللَّهِ وَسُنَّتِي , وَلَنْ يَتَفَرَّقَا حَتَّى يَرِدَا عَلَيَّ الْحَوْضَ»

أنا أَبُو طَالِبٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْبَيْضَاوِيُّ , أنا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَبَّاسِ الْخَزَّازُ , نا أَبُو بَكْرِ بْنُ الْمُجَدَّدِ , نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ , حَدَّثَنِي شُعَيْبٌ هُوَ ابْنُ إِبْرَاهِيمَ التَّمِيمِيُّ نا سَيْفٌ يَعْنِي ابْنَ عُمَرَ - عَنْ أَبَانَ بْنِ إِسْحَاقَ الْأَسَدِيِّ , عَنِ الصَّبَّاحِ بْنِ مُحَمَّدٍ , عَنْ أَبِي حَازِمٍ , عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ , قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , عَلَيْنَا فِي مَرَضِهِ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ , وَنَحْنُ فِي صَلَاةِ الْغَدَاةِ , فَذَهَبَ أَبُو بَكْرٍ لِيَتَأَخَّرَ , فَأَشَارَ إِلَيْهِ مَكَانَكَ , وَصَلَّى مَعَ النَّاسِ , فَلَمَّا انْصَرَفَ , حَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: " يَا أَيُّهَا النَّاسُ , إِنِّي قَدْ §تَرَكْتُ فِيكُمُ الثَّقَلَيْنِ: كِتَابَ اللَّهِ وَسُنَّتِي فَاسْتَنْطِقُوا الْقُرْآنَ بِسُنَّتِي , وَلَا تُعْسِفُوهُ , فَإِنَّهُ لَنْ تَعْمَى أَبْصَارُكُمْ , وَلَنْ تَزُلْ أَقْدَامُكُمْ , وَلَنْ تُقْصَرَ أَيْدِيكُمْ مَا أَخَذْتُمْ بِهِمَا "

باب القول في السنة المسموعة من النبي صلى الله عليه وسلم والمسموعة من غيره عنه السنة على ضربين: ضرب يؤخذ من النبي صلى الله عليه وسلم مشافهة وسماعا , فهذا يجب على كل أحد من المسلمين قبوله واعتقاده , على ما جاء به من وجوب وندب , وإباحة وحظر , ومن لم يقبله

§بَابُ الْقَوْلِ فِي السُّنَّةِ الْمَسْمُوعَةِ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمَسْمُوعَةِ مِنْ غَيْرِهِ عَنْهُ السُّنَّةُ عَلَى ضَرْبَيْنِ: ضِرْبٌ يُؤْخَذُ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُشَافَهَةً وَسَمَاعًا , فَهَذَا يَجِبُ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ قَبُولُهُ وَاعْتِقَادُهُ , عَلَى مَا جَاءَ بِهِ مِنْ وُجُوبٍ وَنَدْبٍ , وَإِبَاحَةٍ وَحَظْرٍ , وَمَنْ لَمْ يَقْبَلْهُ فَقَدْ كَفَرَ , لِأَنَّهُ كَذَّبَهُ فِي خَبَرِهِ , وَمَنْ كَذَّبَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا أَخْبَرَ بِهِ فَقَدِ ارْتَدَّ , وَتَجِبُ اسْتِتَابَتُهُ , فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قُتِلَ وَضَرْبٌ: يُؤْخَذُ خَبَرًا عَنْهُ , وَالْكَلَامُ فِيهِ فِي مَوْضِعَيْنِ , أَحَدُهُمَا: فِي إِسْنَادِهِ , وَالْآخَرُ: فِي مَتْنِهِ فَأَمَّا الْإِسْنَادُ: فَضِرْبَانِ: تَوَاتُرٌ , وَآحَادٌ فَأَمَّا التَّوَاتُرُ: فَضِرْبَانِ: أَحَدُهُمَا: تَوَاتُرٌ مِنْ طَرِيقِ اللَّفْظِ , وَالْآخَرُ تَوَاتُرٌ مِنْ طَرِيقِ الْمَعْنَى فَأَمَّا مِنْ طَرِيقِ الْمَعْنَى فَأَمَّا التَّوَاتُرُ مِنْ طَرِيقِ اللَّفْظِ: فَهُوَ مِثْلُ الْخَبَرِ بِخُرُوجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ مَكَّةَ إِلَى الْمَدِينَةِ , وَوَفَاتِهِ بِهَا , وَدَفْنِهِ فِيهَا , وَمَسْجِدِهِ , وَمِنْبَرِهِ , وَمَا رُوِيَ مِنْ تَعْظِيمِهِ الصَّحَابَةَ , وَمُوَالَاتِهِ لَهُمْ , وَمُبَايَنَتِهِ لِأَبِي جَهْلٍ , وَسَائِرِ الْمُشْرِكِينَ , وَتَعْظِيمِهِ الْقُرْآنَ , وَتَحَدِّيهِمْ بِهِ , وَاحْتِجَاجِهِ بِنُزُولِهِ , وَمَا رُوِيَ مِنْ عَدَدِ الصَّلَوَاتِ وَرَكَعَاتِهَا وَأَرْكَانِهَا

وَتَرْتِيبِهَا , وَفَرْضِ الزَّكَاةِ وَالصَّوْمِ وَالْحَجِّ , وَنَحْوِ ذَلِكَ وَأَمَّا التَّوَاتُرُ مِنْ طَرِيقِ الْمَعْنَى: فَهُوَ أَنْ يَرْوِيَ جَمَاعَةٌ كَثِيرُونَ يَقَعُ الْعِلْمُ بِخَبَرِهِمْ , كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ حُكْمًا غَيْرَ الَّذِي يَرْوِيهِ صَاحِبُهُ , إِلَّا أَنَّ الْجَمِيعَ يَتَضَمَّنُ مَعْنًى وَاحِدًا , فَيَكُونُ ذَلِكَ الْمَعْنَى بِمَنْزِلَةِ مَا تَوَاتَرَ بِهِ الْخَبَرُ لَفْظًا , مِثَالُ ذَلِكَ: مَا رَوَى جَمَاعَةٌ كَثِيرَةٌ عَمَلَ الصَّحَابَةِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ , وَالْأَحْكَامُ مُخْتَلِفَةٌ , وَالْأَحَادِيثُ مُتَغَايِرَةٌ , وَلَكِنَّ جَمِيعَهَا يَتَضَمَّنُ الْعَمَلَ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ الْعَدْلِ , وَهَذَا أَحَدُ طُرُقِ مُعْجِزَاتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَإِنَّهُ رُوِيَ عَنْهُ تَسْبِيحُ الْحَصَى فِي يَدَيْهِ , وَحَنِينُ الْجِذْعِ إِلَيْهِ , وَنَبْعُ الْمَاءِ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِهِ , وَجَعْلُهُ الطَّعَامَ الْقَلِيلَ كَثِيرًا , وَمَجُّهُ الْمَاءَ مِنْ فَمَهِ فِي الْمَزَادَةِ , فَلَمْ يَنْقُصْهُ الِاسْتِعْمَالُ , وَكَلَامُ الْبَهَائِمِ لَهُ , وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِمَّا يَكْثُرُ تَعْدَادُهُ إِذَا ثَبَتَ هَذَا , فَإِنَّ عَدَدَ الْجَمَاعَةِ الَّذِينَ يَقَعُ الْعِلْمُ بِخَبَرِهِمْ غَيْرُ مَعْلُومٍ , وَلَا دَلِيلَ عَلَى عَدَدِهِمْ مِنْ طَرِيقِ الْعَقْلِ وَلَا مِنْ طَرِيقِ الشَّرْعِ , لَكِنَّا نَعْلَمُ أَنَّ الْعَدَدَ الْقَلِيلَ لَا يُوجِبُ خَبَرُهُمُ الْعِلْمَ , وَخَبَرُ الْعَدَدِ الْكَثِيرِ يُوجِبُهُ , وَيَجِبَ أَنْ يَكُونُوا قَدْ عَلِمُوا مَا أَخْبَرُوا بِهِ ضَرُورَةً , وَأَنْ يَكُونُوا عَلَى صِفَةٍ لَا يَقَعُ مِنْهُمُ الْكَذِبُ اتِّفَاقًا , وَلَا تَوَاطُؤًا بِتَرَاسُلٍ , أَوْ حَمْلِ حَامِلٍ بِرَغْبَةٍ أَوْ رَهْبَةٍ , لَأَنَا نَعْلَمُ أَنَّ الْعِلْمَ لَا يَقَعُ بِخَبَرِ جَمَاعَةٍ يَجُوزُ عَلَيْهِمْ ذَلِكَ وَخَبَرُ الْآحَادِ: مَا انْحَطَّ عَنْ حَدِّ التَّوَاتُرِ , وَهُوَ ضِرْبَانِ: مُسْنَدٌ , وَمُرْسَلٌ

فَأَمَّا الْمُسْنَدُ فَضِرْبَانِ: أَحَدُهُمَا: يُوجِبُ الْعِلْمَ , وَهُوَ عَلَى أَوْجُهٍ: مِنْهَا: خَبَرُ اللَّهِ سُبْحَانَهُ , وَخَبَرُ رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَمِنْهَا: أَنْ يَحْكِيَ رَجُلٌ بِحَضْرَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا وَيَدَّعِيَ عِلْمَهُ فَلَا يُنْكِرُهُ عَلَيْهِ فَيُقْطَعُ بِهِ عَلَى صِدْقِهِ وَمِنْهَا: أَنْ يَحْكِيَ رَجُلٌ شَيْئًا بِحَضْرَةِ جَمَاعَةٍ كَثِيرَةٍ , وَيَدَّعِيَ عِلْمَهُمْ بِهِ فَلَا يُنْكِرُونَهُ , فَيُعْلَمُ بِذَلِكَ صِدْقُهُ وَمِنْهَا: خَبَرُ الْوَاحِدِ الَّذِي تَلَقَّتْهُ الْأُمَّةُ بِالْقَبُولِ فَيُقْطَعُ بِصِدْقِهِ سَوَاءٌ عَمِلَ بِهِ الْكَلُّ أَوْ عَمِلَ بِهِ الْبَعْضُ , وَتَأَوَّلَهُ الْبَعْضُ فَهَذِهِ الْأَخْبَارُ تُوجِبُ الْعَمَلَ وَيَقَعُ بِهَا الْعِلْمُ اسْتِدْلَالًا وَأَمَّا الضَّرْبُ الثَّانِي مِنَ الْمُسْنَدِ: فَمِثْلُ الْأَخْبَارِ الْمَرْوِيَّةِ فِي كُتُبِ السُّنَنِ الصِّحَاحِ , فَإِنَّهَا تُوجِبُ الْعَمَلَ , وَلَا تُوجِبُ الْعِلْمَ , وَقَالَ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ الْبِدَعِ: لَا يَجُوزُ الْعَمَلُ بِهَا , وَنَحْنُ نَذْكُرُ الْحِجَّةَ عَلَيْهِمْ وَفَسَادَ مَقَالَتِهِمْ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ وَمَعُونَتِهِ

باب القول في وجوب العمل بخبر الواحد العدل قال الله سبحانه فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون

§بَابُ الْقَوْلِ فِي وُجُوبِ الْعَمَلِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ الْعَدْلِ قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ {فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمِهِمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} [التوبة: 122]

أنا الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ الْحِيرِيُّ , نا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْأَصَمُّ , نا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الصَّغَانِيُّ , نا مُعَاوِيَةُ بْنُ عَمْرٍو , عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ , عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَطَاءٍ , عَنْ أَبِيهِ , عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ , وَأَنَا طَلْحَةُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الصَّقْرِ , نا أَبُو مُحَمَّدٍ , جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَكَمِ الْوَاسِطِيُّ , أنا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُؤَدِّبُ , نا أَبُو عُبَيْدٍ , نا حَجَّاجٌ , عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ , وَعُثْمَانُ بْنُ عَطَاءٍ , عَنْ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ , عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ , فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {§فَانْفِرُوا ثُبَاتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعًا} [النساء: 71] , وَفِي قَوْلِهِ: {انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا} [التوبة: 41] قَالَ: " نَسَخَتْهَا: {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} [التوبة: 122] قَالَ: تَنْفِرُ طَائِفَةٌ , وَتَمْكُثُ طَائِفَةٌ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: فَالْمَاكِثُونَ هُمُ الَّذِينَ يَتَفَقَّهُونَ فِي الدِّينِ , وَيُنْذِرُونَ إِخْوَانَهُمْ , إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ مِنَ الْغَزْوِ , بِمَا نَزَلَ مِنْ قَضَاءِ اللَّهِ وَكِتَابِهِ وَحُدُودِهِ " -[280]- وَاللَّفْظُ لِحَدِيثِ أَبِي عُبَيْدٍ

أنا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْقَطَّانُ , أَنا دَعْلَجُ بْنُ أَحْمَدَ , أنا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ الصَّائِغُ , أَنَّ سَعِيدَ بْنَ مَنْصُورٍ , حَدَّثَهُمْ قَالَ: نا سُفْيَانُ , عَنْ سُلَيْمَانَ الْأَحْوَلِ , عَنْ عِكْرِمَةَ , قَالَ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ: " لَمَّا نَزَلَتْ: {§إِلَّا تُنَفِّرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ} [التوبة: 39] قَالَ الْمُنَافِقُونَ: قَدْ بَقِيَ مِنَ النَّاسِ نَاسٌ لَمْ يَنْفِرُوا فَهَلَكُوا , وَكَانَ قَوْمٌ تَخَلَّفُوا لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ , وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ , فَنَزَلَ الْعُذْرُ لِأُولَئِكَ {فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ} [التوبة: 122] , وَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِي أُولَئِكَ {وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا اسْتُجِيبَ لَهُ حَجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ} [الشورى: 16] " قُلْتُ: ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى الطَّائِفَةَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ , وَاسْمُ الطَّائِفَةِ يَقَعُ عَلَى الْقَلِيلِ وَعَلَى الْكَثِيرِ , فَوَجَبَ أَنْ يَثْبُتَ الْحُكْمُ بِمَنْ وَقَعَ عَلَيْهِ هَذَا الِاسْمُ , وَقَرَنَ اللَّهُ تَعَالَى الْحَذَرَ بِالْإِنْذَارِ فِي قَوْلِهِ: {لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} [التوبة: 122] وَمَعْنَاهُ: وَاجِبٌ عَلَيْهِمْ أَنْ يَحْذَرُوا كَمَا قَالَ: {لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} [البقرة: 187] وَ {لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ} [الأنعام: 65] وَ {لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ} [الأنبياء: 31] إِيجَابًا عَلَيْهِمْ أَنْ يَتَّقُوا , وَأَنْ يَفْقَهُوا , وَأَنْ يَهْتَدُوا وَقَالَ سُبْحَانَهُ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا -[281]- قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} [الحجرات: 6] فَأَمَرَ اللَّهُ بِالتَّثَبُّتِ فِي خَبَرِ الْفَاسِقِ وَبَيَّنَ أَنَّ ذَلِكَ لِئَلَّا يُصَابَ قَوْمٌ بِجَهَالَةٍ فَيُصْبِحُ مَنْ قَضَى بِخَبَرِ الْفَاسِقِ نَادِمًا , وَفِي ذَلِكَ دَلَالَةٌ وَاضِحَةٌ عَلَى إِمْضَاءِ خَبَرِ الْعَدْلِ , وَالْفَرَقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ خَبَرِ الْفَاسِقِ , وَلَوْ كَانَا سِيَّيْنِ فِي التَّثَبُّتِ لَبَيَّنَهُ عَزَّ وَجَلَّ

أنا أَبُو طَالِبٍ عُمَرُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعِيدٍ الْفَقِيهُ , أنا أَبُو إِسْحَاقَ , إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَتْحِ الْجِلِّيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو ذَرٍّ الْخَضِرُ بْنُ أَحْمَدَ الطَّبَرِيُّ قَالَ: قَالَ أَبِي: أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ أَبِي أَحْمَدَ الطَّبَرِيُّ الْمَعْرُوفُ بِابْنِ الْقَاصِّ: §" لَا خِلَافَ بَيْنَ أَهْلِ الْفِقْهِ فِي قَبُولِ خَبَرِ الْآحَادِ , إِذَا عُدِّلَتْ نَقَلَتُهُ وَسَلِمَ مِنَ النَّسْخِ حُكْمُهُ , وَإِنْ كَانُوا مُتَنَازِعِينَ فِي شَرْطِ ذَلِكَ , وَإِنَّمَا دَفَعَ خَبَرَ الْآحَادِ بَعْضُ أَهْلِ الْكَلَامِ لِعَجْزِهِ - وَاللَّهُ أَعْلَمُ - عَنْ عَلِمَ السُّنَنِ , زَعَمَ أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ مِنْهَا إِلَّا مَا تَوَاتَرَتْ بِهِ أَخْبَارُ مَنْ لَا يَجُوزُ عَلَيْهِ الْغَلَطُ وَالنِّسْيَانُ , وَهَذَا عِنْدَنَا مِنْهُ ذَرِيعَةٌ إِلَى إِبْطَالِ سُنَنِ الْمُصْطَفَى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ مَا شَرَطَ مِنْ ذَلِكَ صِفَةُ الْأُمَّةِ الْمَعْصُومَةِ , وَالْأَمَةُ إِذَا تَطَابَقَتْ عَلَى شَيْءٍ وَجَبَ الْقَوْلُ بِهِ وَإِنْ لَمْ يَأْتِ خَبَرٌ وَالثَّانِي: أَنَّهُ لَوْ طُولِبَ بِسُنَّةٍ يَتَحَاكَمُ إِلَيْهَا الْمُتَنَازِعَانِ تَوَاتَرَتْ عَلَيْهَا أَخْبَارُ نَقَلَتِهَا وَسَلِمَتْ مِنْ خَوْفِ النِّسْيَانِ طُرُقُهَا لَمْ يَجِدْ إِلَيْهَا سَبِيلًا , وَكَانَتْ شُبْهَتُهُ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ وَجَدَ أَخْبَارَ السُّنَنِ آخِرَهَا عَمَّنْ لَا يَجُوزُ عَلَيْهِ الْغَلَطُ وَالنِّسْيَانُ , وَهُوَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَكَذَلِكَ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ أَوَّلُهَا

وَأَوْسَطُهَا عَنْ قَوْمٍ لَا يَجُوزُ عَلَيْهِمُ الْغَلَطُ وَالنِّسْيَانُ " قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ: " فَكَانَ مَا اعْتَذَرَ بِهِ ثَانِيًا أَفْسَدَ مِنْ جُرْمِهِ أَوَّلًا وَأَقْبَحَ , وَذَلِكَ أَنَّ آخِرَ هَذِهِ الْأَخْبَارِ عَمَّنْ صَحَّتْ نُبُوَّتُهُ وَصَدَّقَتِ الْمُعْجِزَاتُ قَوْلَهُ , فَيَلْزَمُهُ عَلَى قَوَدِ اعْتِلَالِهِ أَنْ لَا يَقْبَلَ مِنَ الْأَخْبَارِ إِلَّا مَا رَوَتِ الْأَنْبِيَاءُ عَنِ الْأَنْبِيَاءِ , وَقَدْ نَطَقَ الْكِتَابُ بِتَصْدِيقِ مَا اجْتَبَيْنَاهُ مِنْ تَصْدِيقِ خَبَرِ الْآحَادِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} [التوبة: 122] وَاسْمُ الطَّائِفَةِ عِنْدَ الْعَرَبِ قَدْ يَقَعُ عَلَى دُونِ الْعَدَدِ الْمَعْصُومِ مِنَ الزَّلَلِ , وَقَدْ يَلْزَمُ الْوَاحِدَ فَأَكْثَرَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا} [الحجرات: 9] , وَقَالَ: {وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [النور: 2] , فَصَحَّ أَنَّ هَذَا الِاسْمَ , وَاقِعٌ عَلَى الْعَدَدِ الْقَلِيلِ وَفِيمَا تَلَوْنَا وَجْهَانِ مِنَ الْحُجَّةِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ أَمْرَ اللَّهِ إِيَّاهُمْ بِذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ عَلَى الْمُنْذَرِينَ قَبُولَهُ , كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: 2] , {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ} [البقرة: 282] فَكَانَ ذَلِكَ دَلِيلًا عَلَى قَبُولِ قَوْلِهِمَا وَالْوَجْهُ الثَّانِي: قَوْلُهُ: {لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} [التوبة: 122] , فَلَوْلَا قِيَامُ الْحِجَّةِ عَلَيْهِمْ مَا اسْتَوْجَبُوا الْحَذَرَ , وَمَعْنَى قَوْلِهِ: {لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} [التوبة: 122] إِيجَابًا لِلْحَذَرِ بِهِ - وَاللَّهُ

أَعْلَمُ - نَظِيرَ قَوْلِهِ: {بَلْ هُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكِ لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ} [السجدة: 3] إِيجَابًا لِلِاهْتِدَاءِ عَلَيْهِمْ بِذَلِكَ وَقَالَ تَعَالَى: {إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} [الزخرف: 3] فَوَجَبَ عَلَى الْعِبَادِ أَنْ يَعْقِلُوا عَنِ الْقُرْآنِ خِطَابَهُ حُجَّةً لِلَّهِ عَلَيْهِمْ وَحُجَّةً أُخْرَى: قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} [الحجرات: 6] الْآيَةُ , فَكَانَ فِي أَمْرِ اللَّهِ بِالتَّثَبُّتِ فِي خَبَرِ الْفَاسِقِ دَلَالَةٌ وَاضِحَةٌ مِنْ فَحْوَى الْكَلَامِ عَلَى إِمْضَاءِ خَبَرِ الْعَدْلِ , وَالْفَرَقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ خَبَرِ الْفَاسِقِ , فَلَوْ كَانَا سِيَّيْنِ فِي التَّوَقُّفِ عَنْهُمَا لَأَمَرَ بِالتَّثَبُّتِ فِي خَبَرِهِمَا , حَتَّى يَبْلُغَ حَدَّ التَّوَاتُرِ الَّذِي يَجِبُ عِنْدَ الْمُخَالِفِينَ الْقَوْلَ بِهِ عَلَى مَذْهَبِهِمْ , كَمَا رَتَّبَ فِي الشَّهَادَاتِ , وَفَصَلَ بَيْنَهُمَا بِأَنْ جَعَلَ الشَّهَادَاتِ مَنُوطَةً بِأَعْدَادِهَا , وَأَطْلَقَ الْأَخْبَارَ إِطْلَاقًا , وَقَوْلُهُ: {أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ} [الحجرات: 6] دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ إِنْفَاذَنَا لِقَبُولِهِ فِي خَبَرِ الْعَدْلِ إِصَابَةٌ بِعِلْمٍ لَا بِجَهْلٍ لَهُ وَلِئَلَّا نُصْبِحَ عَلَى مَا فَعَلْنَا نَادِمِينَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ "

أنا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْجَوْهَرِيُّ , أنا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَبَّاسِ الْخَزَّازُ , أنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَيْفِ بْنِ سَعِيدٍ السِّجِسْتَانِيُّ , أنا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ , قَالَ: قَالَ الشَّافِعِيُّ -[284]-: " §فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَأَيْنَ الدَّلَالَةُ عَلَى قَبُولِ خَبَرِ الْوَاحِدِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قِيلَ لَهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ: كَانَ النَّاسُ مُسْتَقْبِلِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ , ثُمَّ حَوَّلَهُمُ اللَّهُ إِلَى الْبَيْتِ الْحَرَامِ , فَأَتَى أَهْلُ قُبَاءَ آتٍ وَهُمْ فِي الصَّلَاةِ , فَأَخْبَرَهُمْ: أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ عَلَى رَسُولِهِ كِتَابًا , وَأَنَّ الْقِبْلَةَ حُوِّلَتْ إِلَى بَيْتِ اللَّهِ الْحَرَامِ , فَاسْتَدَارُوا إِلَى الْكَعْبَةِ وَهُمْ فِي الصَّلَاةِ وَأَنَّ أَبَا طَلْحَةَ وَجَمَاعَةً كَانُوا يَشْرَبُونَ الشَّرَابَ فَضِيخَ بُسْرٍ , وَلَمْ يُحَرَّمْ يَوْمَئِذٍ مِنَ الْأَشْرِبَةِ شَيْءٌ , فَأَتَاهُمْ آتٍ فَأَخْبَرَهُمْ أَنَّ الْخَمْرَ قَدْ حُرِّمَتْ فَأَمَرُوا أُنَاسًا فَكَسَّرُوا جِرَارَ شَرَابِهِمْ ذَلِكَ , وَلَا أَشُكُّ أَنَّهُمْ لَا يُحَدِّثُونَ مِثْلَ هَذَا إِلَّا ذَكَرُوهُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , إِنْ شَاءَ اللَّهُ , وَيُشْبِهُ أَنْ لَوْ كَانَ قَبُولُ خَبَرِ مَنْ أَخْبَرَهُمْ وَهُوَ صَادِقٌ عِنْدَهُمْ , مِمَّا لَا يَجُوزُ لَهُمْ قَبُولُهُ , أَنْ يَقُولَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قَدْ كُنْتُمْ عَلَى قِبْلَةٍ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ أَنْ تَتَحَوَّلُوا عَنْهَا إِذْ كُنْتَ حَاضِرًا مَعَكُمْ حَتَّى أُعْلِمَكُمْ أَوْ يُعْلِمَكُمْ جَمَاعَةٌ أَوْ عَدَدٌ يُسَمِّيهِمْ لَهُمْ , وَيُخْبِرُهُمْ أَنَّ الْحِجَّةَ تَقُومُ عَلَيْهِمْ بِمِثْلِهَا , لَا بِأَقَلَّ مِنْهَا , إِنْ كَانَتْ لَا تَثْبُتُ عِنْدَهُ بِوَاحِدٍ , وَالْفَسَادُ لَا يَجُوزُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَلَا عِنْدَ عَالِمٍ , وَهِرَاقَهُ حَلَالٍ فَسَادٌ , وَلَوْ لَمْ تَكُنِ الْحُجَّةُ أَيْضًا تَقُومُ عَلَيْهِمْ بِخَبَرِ مَنْ أَخْبَرَهُمْ بِتَحْرِيمِ الْخَمْرِ لَأَشْبَهَ أَنْ يَقُولَ لَهُمْ: قَدْ كَانَ لَكُمْ حَلَالًا , وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْكُمْ إِفْسَادُهُ حَتَّى أُعْلِمَكُمْ أَنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُ أَوْ -[285]- يَأْتِيَكُمْ عَدَدٌ يَحُدُّهُمْ لَهُمْ بِخَبَرٍ عَنِّي بِتَحْرِيمِهِ وَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمَّ سَلَمَةَ أَنْ تُعَلِّمَ امْرَأَةً أَنْ تُعَلِّمَ زَوْجَهَا إِنْ قَبَّلَهَا وَهُوَ صَائِمٌ لَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ وَلَوْ لَمْ يَرَ الْحُجَّةَ تَقُومُ عَلَيْهِ بِخَبَرِهَا , إِذَا صَدَّقَهَا لَمْ يَأْمُرْهَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ بِهِ وَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُنَيْسًا الْأَسْلَمِيَّ أَنْ يَغْدُوَ عَلَى امْرَأَةِ رَجُلٍ , فَإِنِ اعْتَرَفَتْ رَجَمَهَا , فَاعْتَرَفَتْ فَرَجَمَهَا , وَفِي ذَلِكَ إِمَاتَةُ نَفْسِهَا بِاعْتِرَافِهَا عِنْدَ أُنَيْسٍ , وَهُوَ وَاحِدٌ وَأَمَرَ عَمْرَو بْنَ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيَّ , أَنْ يَقْتُلَ أَبَا سُفْيَانَ , وَقَدْ سَنَّ عَلَيْهِ إِنْ عَلِمَهُ أَسْلَمَ لَمْ يَحِلَّ لَهُ قَتْلُهُ , وَقَدْ يُحْدِثُ الْإِسْلَامَ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَهُ عَمْرُو بْنُ أُمَيَّةَ وَأَمَرَ أُنَيْسًا أَوْ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُنَيْسٍ , أَنْ يَقْتُلَ خَالِدَ بْنَ سُفْيَانَ الْهُذَلِيَّ فَقَتَلَهُ وَمِنْ سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَوْ أَسْلَمَ أَنْ لَا يَقْتُلَهُ وَكُلُّ هَؤُلَاءِ فِي مَعَانِي وُلَاتِهِ , وَهُمْ وَاحِدٌ وَاحِدٌ يُمْضُونَ الْحُكْمَ بِأَخْبَارِهِمْ " قَالَ الشَّافِعِيُّ -[286]-: " وَبَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , بِعُمَّالِهِ وَاحِدًا وَاحِدًا , وَرُسُلِهِ وَاحِدًا وَاحِدًا , وَإِنَّمَا بَعَثَ بِعُمَّالِهِ لِيَخْبُرُوا النَّاسَ بِمَا أَخْبَرَهُمْ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ شَرَائِعِ دِينِهِمْ , وَيَأْخُذُوا مِنْهُمْ مَا أَوْجَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ , وَيُعْطُوهُمْ مَا لَهُمْ , وَيُقِيمُوا عَلَيْهِمُ الْحُدُودَ , وَيُنَفِّذُوا فِيهِمُ الْأَحْكَامَ , وَلَمْ يَبْعَثْ مِنْهُمْ وَاحِدًا إِلَّا مَشْهُورًا بِالصِّدْقِ عِنْدَ مَنْ بَعَثَهُ إِلَيْهِ , وَلَوْ لَمْ تَقُمِ الْحُجَّةُ عَلَيْهِمْ بِهِمْ - إِذْ كَانُوا فِي كُلِّ نَاحِيَةٍ وَجَّهَهُمْ إِلَيْهِمْ أَهْلَ صِدْقٍ عِنْدَهُمْ - مَا بَعَثَهُمْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ , وَبَعَثَ أَبَا بَكْرٍ وَالِيًا عَلَى الْحَجِّ وَكَانَ فِي مَعْنَى عُمَّالِهِ , ثُمَّ بَعَثَ عَلِيًّا بَعْدَهُ , بِأَوَّلِ سُورَةِ بَرَاءَةٍ , فَقَرَأَهَا فِي مَجْمَعِ النَّاسِ فِي الْمَوْسِمِ , وَأَبُو بَكْرٍ وَاحِدٌ , وَعَلِيٌّ وَاحِدٌ , وَكِلَاهُمَا بَعَثَهُ بِغَيْرِ الَّذِي بَعَثَ بِهِ صَاحِبَهُ , وَلَمْ تَكُنِ الْحُجَّةُ تَقُومُ عَلَيْهِمْ بِبَعْثَتِهِ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا - إِذْ كَانَا مَشْهُورَيْنِ عِنْدَ عَوَامِّهِمْ بِالصِّدْقِ , وَكَانَ مَنْ جَهِلَهُمَا مِنْ عَوَامِّهِمْ وَجَدَ مَنْ يَثِقُ بِهِ مِنْ أَصْحَابٍ يُعْرَفُ صِدْقُهُمَا - مَا بَعَثَ وَاحِدًا مِنْهُمَا فَقَدْ بَعَثَ عَلِيًّا بِعَظِيمٍ , نَقْضِ مُدَدٍ وَإِعْطَاءِ مُدَدٍ , وَنَبْذٍ إِلَى قَوْمٍ , وَنَهْيٍ عَنْ أُمُورٍ وَأَمْرٍ بِأُخْرَى , وَمَا كَانَ لِأَحَدٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ بَلَّغَهُ عَلِيٌّ: أَنَّ لَهُ مُدَّةَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ أَنْ يَعْرِضَ لَهُمْ فِي مُدَّتِهِمْ , وَلَا مَأْمُورَ بِشَيْءٍ وَلَا مَنْهِيَّ عَنْهُ بِرِسَالَةِ عَلِيٍّ أَنْ يَقُولَ لَهُ: أَنْتَ وَاحِدٌ , وَلَا تَقُومُ عَلَيَّ الْحُجَّةُ بِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَكَ إِلَيَّ بِنَقْضِ شَيْءٍ جَعَلَهُ لِي , وَلَا بِإِحْدَاثِ شَيْءٍ لَمْ يَكُنْ لِي وَلَا لِغَيْرِي , وَلَا بِنَهْيٍ عَنْ أَمْرٍ , لَمْ أَعْلَمْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْهُ , وَلَا بِإِحْدَاثِ أَمْرٍ أَعْلَمُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحْدَثَهُ , وَمَا يَجُوزُ هَذَا لِأَحَدٍ فِي شَيْءٍ قَطَعَهُ عَلَيْهِ عَلِيٌّ بِرِسَالَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَلَا أَعْطَاهُ -[287]- إِيَّاهُ , وَلَا أَمَرَهُ بِهِ وَلَا نَهَاهُ عَنْهُ , بِأَنْ يَقُولَ لَمْ أَسْمَعْهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , أَوْ لَمْ يَنْقِلْهُ إِلَيْهِ عَدَدٌ , فَلَا أَقْبَلُ فِيهِ خَبَرَكَ وَأَنْتَ وَاحِدٌ , وَلَا كَانَ لِأَحَدٍ وَجَّهَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامِلًا يَعْرِفُهُ أَوْ يُعَرِّفُهُ لَهُ مَنْ يُصَدِّقُهُ فَصَدَّقَهُ أَنْ يَقُولَ لَهُ الْعَامِلُ: عَلَيْكَ أَنْ تُعْطِيَ كَذَا أَوْ تَفْعَلَ كَذَا , أَوْ يُفْعَلَ بِكَ كَذَا , فَيَقُولُ: لَا أَقْبَلُ هَذَا مِنْكَ لِأَنَّكَ وَاحِدٌ حَتَّى أَلْقَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , لَا عَنْ خَبَرِكَ , وَقَدْ يُمْكِنُ أَنْ تَغْلَطَ , أَوْ يُحَدِّثُنِيهِ عَامَّةٌ يَشْتَرِطُ فِي عَدَدِهِمْ وَإِجْمَاعِهِمْ عَلَى الْخَبَرِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَشَهَادَتَهِمْ مَعًا أَوْ مُتَفَرِّقِينَ , ثُمَّ لَا يَذْكُرُ أَحَدٌ مِنْ خَبَرِ الْعَامَّةِ عَدَدًا أَبَدًا إِلَّا وَفِي الْعَامَّةِ عَدَدٌ أَكْثَرُ مِنْهُ , وَلَا مِنَ اجْتِمَاعِهِمْ حِينَ يُخْبِرُونَ تَفَرُّقَهُمْ شَيْئًا إِلَّا أَمْكَنَ فِي زَمَانِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , أَوْ بَعْضِ زَمَانِهِ حِينَ كَثُرَ أَهْلُ الْإِسْلَامِ فَلَا يَكُونُ لِتَثْبِيتِ الْأَخْبَارِ غَايَةٌ أَبَدًا يُنْتَهَى إِلَيْهَا , ثُمَّ لَا يَكُونُ هَذَا لِأَحَدٍ مِنَ النَّاسِ , أَجْوَزَ مِنْهُ لِمَنْ قَالَ هَذَا , وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ ظَهْرَانَيْهِمْ لِأَنَّهُ يُدْرِكُ لِقَاءَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَيُدْرِكُ ذَلِكَ لَهُ أَبُوهُ وَإِخْوَتَهُ وَقَرَابَتَهُ وَمَنْ يُصَدِّقُهُ فِي نَفْسِهِ وَيُفَضِّلُ صِدْقَهُ بِالنَّظَرِ لَهُ , فَإِنَّ الْكَاذِبَ قَدْ يُصَدِّقُ مَنْ نَظَرَ لَهُ , فَإِذَا لَمْ يَجُزْ هَذَا لِأَحَدٍ يُدْرِكُ لِقَاءَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَيُدْرِكُ خَبَرَ مَنْ يُصَدِّقُ مِنْ أَهْلِهِ وَالْعَامَّةِ عَنْهُ كَانَ لِمَنْ جَاءَ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , مِمَّنْ لَا يَلْقَاهُ فِي الدُّنْيَا أَوْلَى أَنْ لَا يَجُوزَ "

أنا الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ الْحِيرِيُّ , نا أَبُو الْعَبَّاسِ , مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْأَصَمُّ , أنا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ , أنا الشَّافِعِيُّ , أَخْبَرَنِي أَبُو -[288]- حَنِيفَةَ بْنُ سِمَاكِ بْنِ الْفَضْلِ , قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ , عَنِ الْمَقْبُرِيِّ , عَنْ أَبِي شُرَيْحٍ الْكَعْبِيِّ , أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ عَامَ الْفَتْحِ: " §مَنْ قُتِلَ لَهُ قَتِيلٌ فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ: إِنْ أَحَبَّ أَخَذَ الْعَقْلَ , وَإِنْ أَحَبَّ فَلَهُ الْقَوَدُ " فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: فَقُلْتُ لِابْنِ أَبِي ذِئْبٍ , أَتَأْخُذُ بِهَذَا يَا أَبَا الْحَارِثِ؟ فَضَرَبَ صَدْرِي وَصَاحَ عَلَيَّ صِيَاحًا مُنْكَرًا , وَنَالَ مِنِّي , وَقَالَ: أُحَدِّثُكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ وَتَقُولُ: تَأْخُذُ بِهِ؟ وَذَلِكَ الْفَرْضُ عَلَيَّ وَعَلَى مَنْ سَمِعَهُ , إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى اخْتَارَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ النَّاسِ فَهَدَاهُمْ بِهِ وَعَلَى يَدَيْهِ , وَاخْتَارَ لَهُمْ مَا اخْتَارَ لَهُ عَلَى لِسَانِهِ , فَعَلَى الْخَلْقِ أَنْ يَتَّبِعُوهُ طَائِعِينَ أَوْ دَاخِرِينَ , لَا مَخْرَجَ لِمُسْلِمٍ مِنْ ذَلِكَ قَالَ: وَمَا سَكَتَ عَنِّي حَتَّى تَمَنَّيْتُ أَنْ يَسْكُتَ

أنا الْجَوْهَرِيُّ , أنا عُمَرُ بْنُ أَحْمَدَ الْوَاعِظُ , نا يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ صَاعِدٍ , نا الْحُسَيْنُ بْنُ الْحَسَنِ الْمَرْوَزِيُّ , نا عَبْدُ اللَّهِ يَعْنِي ابْنَ الْمُبَارَكِ - أنا يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ , عَنِ ابْنِ شِهَابٍ , قَالَ: بَلَغَنَا عَنْ رِجَالٍ , مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّهُمْ كَانُوا يَقُولُونَ -[289]-: §«الِاعْتِصَامُ بِالسُّنَنِ نَجَاةٌ»

أنا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ بِكْرَانَ الْفَوِيُّ بِالْبَصْرَةِ , نا أَبُو عَلِيٍّ الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُثْمَانَ الْفَسَوِيُّ , نا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ , نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ , حَدَّثَنِي اللَّيْثُ , حَدَّثَنِي يُونُسُ , عَنِ ابْنِ شِهَابٍ , قَالَ: بَلَغَنَا عَنْ رِجَالٍ , مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ , أَنَّهُمْ كَانُوا يَقُولُونَ: §«الِاعْتِصَامُ بِالسُّنَنِ نَجَاةٌ , وَالْعِلْمُ يُقْبَضُ قَبْضًا سَرِيعًا , فَنَعْشُ الْعِلْمِ ثَبَاتُ الدِّينِ وَالدُّنْيَا , وَذَهَابُ ذَلِكَ كُلَّهُ فِي ذَهَابِ الْعِلْمِ»

أَخْبَرَنِي عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَلِيٍّ الْوَرَّاقُ , ومُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ مُحَمَّدٍ الشَّوْكِيُّ , قَالَا: نا عُمَرُ بْنُ أَحْمَدَ الْوَاعِظُ , نا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ , نا الْفَضْلُ بْنُ زِيَادٍ , قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ , وَهُوَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ يَقُولُ: §«مَنْ رَدَّ حَدِيثَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهُوَ عَلَى شَفَا هَلَكَةٍ»

حَدَّثَنِي أَبُو سَعِيدٍ , مَسْعُودُ بْنُ ناصرِ بْنِ أَبِي زَيْدٍ السِّجْزِيُّ , أنا عَلِيُّ بْنُ بُشْرَى السِّجِسْتَانِيُّ , قَالَ: نا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْآبِرِيُّ , -[290]- قَالَ سَمِعْتُ الْإِمَامَ , مُحَمَّدَ بْنَ إِسْحَاقَ بْنِ خُزَيْمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ مَا لَا أُحْصِي مِنْ مَرَّةٍ: §«أَنَا عَبْدٌ لِأَخْبَارِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ»

وصف الخبر الذي يلزم قبوله ويجب العمل به لا يقبل خبر الواحد , حتى تثبت عدالة رجاله , واتصال إسناده وثبوت العدالة , أن يكون الراوي بعد بلوغه وصحة عقله ثقة مأمونا جميل الاعتقاد غير مبتدع مجتنبا للكبائر متنزها عن كل ما يسقط المروءة من المجون والسخف والأفعال

§وَصْفُ الْخَبَرِ الَّذِي يَلْزَمُ قَبُولُهُ وَيَجِبُ الْعَمَلُ بِهِ لَا يُقْبَلُ خَبَرُ الْوَاحِدِ , حَتَّى تَثْبُتَ عَدَالَةُ رِجَالِهِ , وَاتِّصَالُ إِسْنَادِهِ وَثُبُوتُ الْعَدَالَةِ , أَنْ يَكُونَ الرَّاوِي بَعْدَ بُلُوغِهِ وَصِحَّةِ عَقْلِهِ ثِقَةً مَأْمُونًا جَمِيلَ الِاعْتِقَادِ غَيْرَ مُبْتَدَعٍ مُجْتَنِبًا لِلْكَبَائِرِ مُتَنَزِّهًا عَنْ كُلِّ مَا يُسْقِطُ الْمُرُوءَةَ مِنَ الْمُجُونِ وَالسُّخْفِ وَالْأَفْعَالِ الدَّنِيئَةِ , وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَكُونَ مُدَلِّسًا فِي رِوَايَتِهِ , وَيَكُونَ ضَابِطًا حَالَ الرِّوَايَةِ مُحَصِّلًا لِمَا يَرْوِيهِ , وَيَكُونَ شَيْخُهُ الَّذِي سَمِعَ مِنْهُ عَلَى هَذِهِ الصُّفَّةِ وَكَذَلِكَ حَالُ شَيْخِ شَيْخِهِ وَمَنْ بَعْدَهُ مِنْ رِجَالِ الْإِسْنَادِ إِلَى الصَّحَابِيِّ الَّذِي رَوَى الْحَدِيثَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَإِنْ كَانَ فِي الْإِسْنَادِ رَجُلٌ ثَبَتَ فِسْقُهُ أَوْ جُهِلَ حَالُهُ , فَلَمْ يُعْرَفْ بِالْعَدَالَةِ وَلَا بِالْفِسْقِ لَمْ يَصِحَّ الِاحْتِجَاجُ بِذَلِكَ الْحَدِيثِ هَذَا الْكَلَامُ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي اتَّصَلَ سَنَدُهُ وَأَمَّا الْمُرْسَلُ: فَهُوَ مَا انْقَطَعَ إِسْنَادُهُ , وَهُوَ أَنْ يَرْوِيَ الْمُحَدِّثُ عَمَّنْ لَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ , أَوْ يَرْوِيَ عَمَّنْ سَمِعَ مِنْهُ مَا لَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ , وَيَتْرُكَ اسْمَ الَّذِي حَدَّثَهُ بِهِ فَلَا يَذْكُرُهُ , فَلَا يَخْلُو مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ: إِمَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ مَرَاسِيلِ الصَّحَابَةِ أَوْ غَيْرِهِمْ فَإِنْ كَانَ مِنْ مَرَاسِيلِ الصَّحَابَةِ قُبِلَ وَوَجَبَ الْعَمَلُ بِهِ لِأَنَّ الصَّحَابَةَ مَقْطُوعٌ بِعَدَالَتِهِمْ , فَإِرْسَالُ بَعْضِهِمْ عَنْ بَعْضٍ صَحِيحٌ

وَإِنْ كَانَ مِنْ مَرَاسِيلِ غَيْرِ الصَّحَابَةِ , لَمْ يُقْبَلْ لِأَنَّ الْعَدَالَةَ شَرْطٌ فِي صِحَّةِ الْخَبَرِ , وَالَّذِي تَرَكَ تَسْمِيَتَهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عَدْلًا وَيَجُوزُ أَنْ لَا يَكُونَ عَدْلًا , فَلَا يُحْتَجُّ بِخَبَرِهِ حَتَّى يُعْلَمَ

أنا الْجَوْهَرِيُّ , أنا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَبَّاسِ , أنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَيْفٍ , نا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ , قَالَ: قَالَ الشَّافِعِيُّ: §«لَا يُقْبَلُ إِلَّا حَدِيثٌ ثَابِتٌ , كَمَا لَا يُقْبَلُ مِنَ الشُّهُودِ إِلَّا مَنْ عَرَفْنَا عَدْلَهُ , فَإِذَا كَانَ الْحَدِيثُ مَجْهُولًا أَوْ مَرْغُوبًا عَمَّنْ حَمَلَهُ كَانَ كَمَا لَمْ يَأْتِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِثَابِتٍ»

باب أوصاف وجوه السنن ونعوتها قد مضى الكلام في الإسناد , والكلام ها هنا في المتن وجملته: أن في سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم , مثل ما في كتاب الله من الحقيقة والمجاز , والخاص والعام , والمجمل والمبين , والناسخ والمنسوخ ونحن نورد من كل معنى ذكرناه شيئا

§بَابُ أَوْصَافِ وُجُوهِ السُّنَنِ وَنُعُوتِهَا قَدْ مَضَى الْكَلَامُ فِي الْإِسْنَادِ , وَالْكَلَامُ هَا هُنَا فِي الْمَتْنِ وَجُمْلَتُهُ: أَنَّ فِيَ سُنَنِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , مِثْلُ مَا فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ , وَالْخَاصِّ وَالْعَامِّ , وَالْمُجْمَلِ وَالْمُبَيَّنِ , وَالنَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ وَنَحْنُ نُورِدُ مِنْ كُلِّ مَعْنًى ذَكَرْنَاهُ شَيْئًا يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى مَا سِوَاهُ , إِنْ شَاءَ اللَّهُ فَمِنَ الْمَجَازِ مَا:

أنا أَبُو الْقَاسِمِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى السُّمَيْسَاطِيُّ - بِدِمَشْقَ - , أنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ الْوَلِيدِ الْكِلَابِيُّ , أنا أَبُو الْحَسَنِ , أَحْمَدُ بْنُ عُمَيْرِ بْنِ يُوسُفَ بْنِ جُوصَا , نا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى , أنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ , أَنَّ مَالِكًا , أَخْبَرَهُ: قَالَ ابْنُ جُوصَا: وَنَا عِيسَى بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْغَافِقِيُّ , قَالَ: أنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْقَاسِمِ , حَدَّثَنِي مَالِكٌ , عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ , قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا الْحُبَابِ , سَعِيدَ بْنَ يَسَارٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ , يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: §«أُمِرْتُ بِقَرْيَةٍ تَأْكُلُ الْقُرَى يَقُولُونَ يَثْرِبُ وَهِيَ الْمَدِينَةُ , تَنْفِي النَّاسَ كَمَا يَنْفِي الْكِيرُ خَبَثَ الْحَدِيدِ» -[294]- قَالَ يُونُسُ: قَالَ لَنَا ابْنُ وَهْبٍ: قُلْتُ لِمَالِكٍ: مَا تَأْكُلُ الْقُرَى؟ قَالَ: تُفْتَحُ الْقُرَى

أنا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عُمَرَ الْمُقْرِئُ , أنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَلِيٍّ الْخُطَبِيُّ , نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ , قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ , فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «§أُمِرْتُ بِقَرْيَةٍ تَأْكُلُ الْقُرَى» قَالَ: تَفْسِيرُهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ: تُفْتَحُ الْقُرَى , فُتِحَتْ مَكَّةُ بِالْمَدِينَةِ وَمَا حَوْلَ الْمَدِينَةِ بِهَا , لَا أَنَّهَا تَأْكُلُ أَكْلًا , إِنَّمَا تُفْتَحُ الْقُرَى بِالْمَدِينَةِ قُلْتُ: قَوْلُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أُمِرْتُ بِقَرْيَةٍ» , عَلَى مَعْنَى أُمِرْتُ بِالْهِجْرَةِ إِلَى قَرْيَةٍ , وَقَوْلُهُ: «تَأْكُلُ الْقُرَى» بِمَعْنَى: يَأْكُلُ أَهْلُهَا الْقُرَى , كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَضَرَبَ اللَّهُ مِثْلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً} [النحل: 112] يَعْنِي: قَرْيَةً كَانَ أَهْلُهَا مُطْمَئِنَّيْنَ , وَكَانَ ذِكْرُ الْقَرْيَةِ فِي هَذَا كِنَايَةً عَنْ أَهْلِهَا , وَأَهْلُهَا الْمُرَادُونَ بِهَا لَا هِيَ , وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ} [النحل: 112] وَالْقَرْيَةُ لَا صُنْعَ لَهَا , وَقَوْلُهُ: {فَكَفَّرْتُ بِأَنْعُمِ اللَّهِ} [النحل: 112] وَالْقَرْيَةُ: لَا كُفْرَ لَهَا وَقَوْلُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: تَأْكُلُ الْقَرْيَةَ بِمَعْنَى: تَقْدِرُ عَلَيْهَا , كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا} [النساء: 10] لَيْسَ يَعْنِي بِذَلِكَ أَكَلَتَهَا دُونَ مُحْتَجِبِيهَا عَنِ الْيَتَامَى لَا بِأَكْلٍ لَهَا , وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَنْ يَكْبُرُوا} [النساء: 6] يَعْنِي تُغْلَبُوا عَلَيْهَا إِسْرَافًا عَلَى أَنْفُسَكُمْ -[295]- وَبِدَارًا أَنْ يَكْبُرُوا , فَيُقِيمُوا الْحُجَّةَ عَلَيْكُمْ بِهَا فَيَنْتَزِعُوهَا مِنْكُمْ لِأَنْفُسِهِمْ , فَكَانَ الْأَكْلُ فِيمَا ذَكَرْنَا يُرَادُ بِهِ الْغَلَبَةُ عَلَى الشَّيْءِ , فَكَذَلِكَ فِي الْحَدِيثِ وَحَدِيثٍ آخِرَ

أنا الْقَاضِي أَبُو عُمَرَ الْقَاسِمُ بْنُ جَعْفَرٍ الْهَاشِمِيُّ , نا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ اللُّؤْلُؤِيُّ , نا أَبُو دَاوُدَ , نا يَحْيَى بْنُ عُثْمَانَ بْنِ سَعِيدٍ الْحِمْصِيُّ , نا أَبُو الْمُغِيرَةِ , قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَالِمٍ , حَدَّثَنِي الْعَلَاءُ بْنُ عُتْبَةَ , عَنْ عُمَيْرِ بْنِ هَانِئٍ الْعَنْسِيِّ , قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ , يَقُولُ: كُنَّا قُعُودًا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَذَكَرَ الْفِتَنَ , فَأَكْثَرَ فِي ذِكْرِهَا , حَتَّى ذَكَرَ فِتْنَةَ الْأَحْلَاسِ , فَقَالَ قَائِلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ: وَمَا فِتْنَةُ الْأَحْلَاسِ؟ قَالَ: §" هِيَ هَرَبٌ وَحَرْبٌ , ثُمَّ فِتْنَةُ السَّرَّاءِ دَخَنُهَا مِنْ تَحْتِ قَدَمَيْ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي يَزْعُمُ أَنَّهُ مِنِّي , وَلَيْسَ مِنِّي , وَإِنَّمَا أَوْلِيَائِي الْمُتَّقُونِ , ثُمَّ يَصْطَلِحُ النَّاسُ عَلَى رَجُلٍ كَوَرِكٍ عَلَى ضِلْعٍ , ثُمَّ فِتْنَةُ الدُّهَيْمَاءِ , لَا تَدَعُ أَحَدًا مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ إِلَّا لَطَمَتْهُ لَطْمَةً , فَإِذَا قِيلَ انْقَبَضَتْ تَمَادَتْ , يُصْبِحُ الرَّجُلُ فِيهَا مُؤْمِنًا , وَيُمْسِي كَافِرًا , حَتَّى يَصِيرَ النَّاسُ إِلَى فُسْطَاطَيْنِ: فُسْطَاطِ إِيمَانٍ لَا نِفَاقَ فِيهِ , وَفُسْطَاطِ نِفَاقٍ لَا إِيمَانَ فِيهِ , فَإِذَا كَانَ ذَلِكُمْ فَانْتَظِرُوا الدَّجَّالَ مِنْ يَوْمِهِ أَوْ غَدِهِ قَوْلُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فِتْنَةُ الْأَحْلَاسِ» وَالْأَحْلَاسُ: جَمْعُ حِلْسٍ , وَإِنَّمَا -[296]- شَبَّهَهَا بِالْحِلْسِ لِظُلْمَتِهَا وَالْتِبَاسِهَا , أَوْ لِأَنَّهَا تَرْكُدُ وَتَدُومُ فَلَا تُقْلِعُ , يُقَالُ: فُلَانٌ حِلْسُ بَيْتِهِ إِذَا كَانَ يُلَازِمُ قَعْرَ بَيْتِهِ لَا يَبْرَحُ , وَيُقَالُ: هُمْ أَحْلَاسُ الْخَيْلِ: إِذَا كَانُوا يَلْزَمُونَ ظُهُورَهَا وَالدَّخَنُ: الدُّخَانُ , يُرِيدُ أَنَّهُ سَبَبُ إِثَارَتِهَا وَهَيْجِهَا وَقَوْلُهُ: كَوَرِكٍ عَلَى ضِلَعٍ يُرِيدُ - وَاللَّهُ أَعْلَمُ - أَنَّهُمْ يَجْتَمِعُونَ عَلَى رَجُلٍ غَيْرِ خَلِيقٍ لِلْمُلْكِ وَلَا مُسْتَقِلٍّ بِهِ , لِأَنَّ الْوَرِكَ لَا يَسْتَقِلَّ عَلَى الضِّلَعِ وَلَا يُلَائِمُهَا , وَإِنَّمَا يُقَالُ فِي بَابِ الْمُشَاكَلَةِ هُوَ كَرَأْسٍ عَلَى جَسَدٍ أَوْ كَفٍّ فِي ذِرَاعٍ وَنَحْوِهِمَا مِنَ الْكَلَامِ وَالدُّهَيْمَاءُ: تَصْغِيرُ الدَّهْمَاءِ , وَلَعَلَّهُ صَغَّرَهَا عَلَى طَرِيقِ الْمَذَمَّةِ , وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَحَدِيثٌ آخَرُ

أَخْبَرَنِيهِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ دَاوُدَ الرَّزَّازُ , نا أَحْمَدُ بْنُ سَلْمَانَ بْنِ الْحَسَنِ النِّجَادُ , قَالَ: قُرِيءَ عَلَى الْحَسَنِ بْنِ مُكْرَمٍ , وَأَنَا أَسْمَعُ , قَالَ: قَرَأْنَا عَلَى قَيْسِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْبَصْرِيُّ , عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ , عَنْ مَنْصُورٍ , عَنْ رِبْعِيٍّ , عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ نَاجِيَةَ , عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ , قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: §«تَدُورُ رَحَا الْإِسْلَامِ فِي خَمْسٍ وَثَلَاثِينَ أَوْ سِتٍّ وَثَلَاثِينَ أَوْ سَبْعٍ وَثَلَاثِينَ , فَإِنْ يَهْلَكُوا فَسَبِيلُ مَنْ يَهْلَكُ , وَإِنْ يَقُمْ لَهُمْ دِينُهُمْ يَقُمُ لَهُمْ -[297]- سَبْعِينَ عَامًا» قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ: مِمَّا مَضَى أَوْ مِمَّا بَقَّى؟ قَالَ: «مِمَّا بَقَّى» قَوْلُهُ: تَدُورُ رَحَا الْإِسْلَامِ , مِثْلُ يُرِيدُ أَنَّ هَذِهِ الْمُدَّةَ إِذَا انْتَهَتْ حَدَثَ فِي الْإِسْلَامِ أَمْرٌ عَظِيمٌ يَخَافُ لِذَلِكَ عَلَى أَهْلِهِ الْهَلَاكَ , يُقَالُ لِلْأَمْرِ إِذَا تَغَيَّرَ وَاسْتَحَالَ: قَدْ دَارَتْ رَحَاهُ , وَهَذَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ إِشَارَةٌ إِلَى انْقِضَاءِ مُدَّةِ الْخِلَافَةِ وَقَوْلُهُ: يَقُمْ لَهُمْ دِينُهُمْ أَيْ مُلْكُهُمْ وَسُلْطَانُهُمْ وَالدِّينُ: الْمُلْكُ وَالسُّلْطَانُ , وَمِنْهُ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ} [يوسف: 76] , وَكَانَ بَيْنَ مُبَايَعَةِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ إِلَى انْقِضَاءِ مُلْكِ بَنِي أُمَيَّةَ مِنَ الْمَشْرِقِ نَحْوًا مِنْ سَبْعِينَ سَنَةً

باب من العام والخاص إذا تعارض لفظان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم , وكان أحدهما عاما والآخر خاصا مثل ما:

§بَابٌ مِنَ الْعَامِّ وَالْخَاصِّ إِذَا تَعَارَضَ لَفْظَانِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَكَانَ أَحَدُهُمَا عَامًّا وَالْآخَرُ خَاصًّا مِثْلُ مَا:

أنا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُعَدِّلُ , أنا أَبُو عَلِيٍّ إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ , نا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَفَّانَ الْعَامِرِيُّ الْكُوفِيُّ , نا يَحْيَى بْنُ آدَمَ , نا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ , عَنْ أَبَانَ , عَنْ أَنَسٍ , قَالَ: §«فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فِيمَا سَقَتِ السَّمَاءُ الْعُشْرَ , وَفِيمَا سُقِيَ بِالدَّوَالِي وَالسَّوَاقِي وَالْقِرَبِ وَالنَّاضِحِ نِصْفَ الْعُشْرِ»

ثُمَّ أنا الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ الْحِيرِيُّ , نا أَبُو الْعَبَّاسِ , مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْأَصَمُّ , نا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَفَّانَ الْعَامِرِيُّ , نا يَحْيَى بْنُ آدَمَ , نا سُفْيَانُ بْنُ سَعِيدٍ , عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ , عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حَبَّانَ , عَنْ يَحْيَى بْنِ عُمَارَةَ , عَنْ أَبِي سَعِيدٍ , عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: §«لَا صَدَقَةَ فِي حَبٍّ وَلَا تَمْرٍ دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ» -[299]- فَحَدِيثُ أَنَسٍ عَامٌ يُوجِبُ الصَّدَقَةَ فِي قَلِيلِ مَا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنَ الزَّرْعِ وَالثَّمَرِ وَفِي كَثِيرِهِ , وَحَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ خَاصٌّ فِي أَنَّ الصَّدَقَةَ إِنَّمَا تَجِبُ فِيمَا بَلَغَ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ فَصَاعِدًا , وَأَمَّا مَا قَصُرَ عَنْ ذَلِكَ فَلَا صَدَقَةَ فِيهِ وَالْوَاجِبُ فِي مِثْلِ هَذَا أَنْ يُقْضَى بِالْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ لِقُوَّتِهِ , فَإِنَّ الْخَاصَّ يَتَنَاوَلُ الْحُكْمَ بِلَفْظٍ لَا احْتِمَالَ فِيهِ , وَالْعَامُّ يَتَنَاوَلُهُ بِلَفْظٍ مُحْتَمَلٍ , فَوَجَبَ أَنْ يُقْضَى بِالْخَاصِّ عَلَيْهِ وَأَمَّا إِذَا كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ اللَّفْظَيْنِ عَامًّا مِنْ وَجْهٍ وَخَاصًّا مِنْ وَجْهٍ فَيُمْكِنُ أَنْ يُخَصَّ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا عُمُومُ الْآخَرِ , مِثْلُ:

مَا أنا الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ الْحِيرِيُّ , نا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْأَصَمُّ , أنا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ , أنا الشَّافِعِيُّ , أنا مَالِكٌ , عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حَبَّانَ , عَنِ الْأَعْرَجِ , عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ §«نَهَى عَنِ الصَّلَاةِ بَعْدَ الْعَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ , وَعَنِ الصَّلَاةِ بَعْدَ الصُّبْحِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ»

وَأَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ السُّكَّرِيُّ , أنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الشَّافِعِيُّ , نا إِسْحَاقُ بْنُ الْحَسَنِ , وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ -[300]- إِسْحَاقَ , قَالَا: نا الْقَعْنَبِيُّ , عَنْ مَالِكٍ , عَنْ نَافِعٍ , عَنِ ابْنِ عُمَرَ , أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: §«لَا يَتَحَرَّ أَحَدُكُمْ فَيُصَلِّيَ عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَلَا عِنْدَ غُرُوبِهَا»

وَأَنَا أَبُو طَالِبٍ , عُمَرُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْفَقِيهُ , أنا أَبُو بَكْرٍ , مُحَمَّدُ بْنُ غَرِيبٍ الْبَزَّازُ , أنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ الْجَعْدِ الْوَشَّاءُ , نا سُوَيْدُ بْنُ سَعِيدٍ , عَنْ مَالِكٍ , عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ , عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ , عَنْ عَبْدِ اللَّهِ الصُّنَابِحِيّ , أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: §«إِنَّ الشَّمْسَ تَطْلُعُ وَمَعَهَا قَرْنُ الشَّيْطَانِ , فَإِذَا ارْتَفَعَتْ فَارَقَهَا , فَإِذَا اسْتَوَتْ قَارَنَهَا , فَإِذَا زَالَتْ فَارَقَهَا , فَإِذَا تَدَلَّتْ لِلْغُرُوبِ قَارَنَهَا , فَإِذَا غَرَبَتْ فَارَقَهَا» وَنَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الصَّلَاةِ فِي تِلْكَ السَّاعَاتِ -[301]- فَكَانَ النَّهْيُ فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ ظَاهِرُهُ الْعُمُومُ , وَأَنَّهُ لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يُصَلِّيَ صَلَاةً مِنَ الصَّلَوَاتِ فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ , ثُمَّ جَاءَ لَفْظٌ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَارِضُ مَا ذَكَرْنَا فِي حَدِيثٍ:

أَنَاهُ أَبُو بَكْرٍ الْبُرْقَانِيُّ قَالَ: قُرِئَ عَلَى عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ جَعْفَرٍ الْخُرْقِيُّ وَأَنَا أَسْمَعُ , حَدَّثَكُمُ الْقَاسِمُ بْنُ زَكَرِيَّا , نا ابْنُ الْمُثَنَّى , نا عَبْدُ الْأَعْلَى قَالَ قَاسِمٌ: وَنَا بُنْدَارٌ , نا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ قَالَ: وَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ , نا عُقْبَةُ بْنُ خَالِدٍ قَالَ: وَنَا هَارُونُ , نا عَبْدَةُ قَالَ: وَنَا يُوسُفُ , نا أَبُو أُسَامَةَ , قَالُوا: نا سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ , عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: §" مَنْ نَسِيَ صَلَاةً أَوْ نَامَ عَنْهَا فَكَفَّارَتُهَا أَنْ يُصَلِّيَهَا إِذَا ذَكَرَهَا فَكَانَ ظَاهِرُ هَذَا الْحَدِيثِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَنَ ذَكَرَ صَلَاةً كَانَ نَسِيَهَا أَوْ نَامَ عَنْهَا , فَإِنَّ عَلَيْهِ أَنْ يُصَلِّيَهَا فِي أَيِّ وَقْتٍ كَانَ وَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالنَّهْيِ عَنِ الصَّلَاةِ فِي الْأَوْقَاتِ الْمُقَدَّمِ ذِكْرُهَا مَا لَا سَبَبَ لَهُ مِنَ الصَّلَوَاتِ بِدَلِيلِ حَدِيثِ أَنَسٍ -[302]- وَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِحَدِيثِ أَنَسٍ أَنَّ مَنْ ذَكَرَ أَنَّ عَلَيْهِ صَلَاةً نَسِيَهَا أَوْ نَامَ عَنْهَا فَلْيُصَلِّهَا فِي غَيْرِ الْأَوْقَاتِ الَّتِي جَاءَ النَّهْيُ عَنِ الصَّلَاةِ فِيهَا , فَالْوَاجِبُ فِي مِثْلِ هَذَا , أَنْ لَا يُقَدَّمَ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ إِلَّا بِدَلِيلٍ شَرْعِيٍّ مِنْ غَيْرِهِمَا يَدُلُّ عَلَى الْخُصُوصِ مِنْهُمَا , أَوْ تَرْجِيحٍ يَثْبُتُ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ , وَإِنَّا نَظَرْنَا فِي الْأَحَادِيثِ فَوَجَدْنَا فِيهَا مَا يَحْصُلُ بِهِ الْحُكْمُ الْفَاصِلُ فِيمَا قَدَّمْنَا

أنا الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ الْحِيرِيُّ , نا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْأَصَمُّ , أنا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ , أنا الشَّافِعِيُّ , أنا سُفْيَانُ , عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي لَبِيدٍ , قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا سَلَمَةَ , قَالَ: قَدِمَ مُعَاوِيَةُ الْمَدِينَةَ فَبَيْنَا هُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ , إِذْ قَالَ: يَا كَثِيرُ بْنَ الصَّلْتِ , اذْهَبْ إِلَى عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ , فَسَلْهَا عَنْ صَلَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعَصْرِ قَالَ أَبُو سَلَمَةَ: فَذَهَبْتُ مَعَهُ , وَبَعَثَ ابْنُ عَبَّاسٍ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الْحَارِثِ بْنِ نَوْفَلٍ مَعَنَا , فَقَالَ: اذْهَبْ فَاسْمَعْ مَا تَقُولُ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَ: فَجَاءَهَا فَسَأَلَهَا , فَقَالَتْ لَهُ عَائِشَةُ: لَا عِلْمَ لِي , وَلَكِنِ اذْهَبْ إِلَى أُمِّ سَلَمَةَ فَسَلْهَا قَالَ: فَذَهَبْتُ مَعَهُ إِلَى أُمِّ سَلَمَةَ فَقَالَتْ: دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ بَعْدَ الْعَصْرِ , فَصَلَّى عِنْدِي رَكْعَتَيْنِ , لَمْ أَكُنْ أَرَاهُ يُصَلِّيهِمَا فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَقَدْ صَلَّيْتَ صَلَاةً لَمْ أَكُنْ أَرَاكَ تُصَلِّيهَا؟ فَقَالَ: «إِنِّي كُنْتُ §أُصَلِّي الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الظُّهْرِ , وَإِنَّهُ قَدِمَ عَلَيَّ وَفْدُ بَنِي تَمِيمٍ ,

أَوْ صَدَقَةٌ , فَشَغَلُونِي عَنْهَا فَهُمَا هَاتَانِ الرَّكْعَتَانِ»

أنا الْقَاضِي أَبُو عُمَرَ الْهَاشِمِيُّ , نا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ اللُّؤْلُؤِيُّ , نا أَبُو دَاوُدَ , نا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ , نا ابْنُ نُمَيْرٍ , عَنْ سَعْدِ بْنِ سَعِيدٍ , قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ , عَنْ قَيْسِ بْنِ عَمْرٍو , قَالَ: رَأَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا يُصَلِّي بَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ رَكْعَتَيْنِ , فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «§صَلَاةُ الصُّبْحِ رَكْعَتَانِ» فَقَالَ الرَّجُلُ: إِنْ لَمْ أَكُنْ صَلَّيْتُ الرَّكْعَتَيْنِ اللَّتَيْنِ قَبْلَهُمَا فَصَلَّيْتُهُمَا الْآنَ , فَسَكَتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

أنا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْبَصْرِيُّ , نا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ -[304]- بْنِ عُثْمَانَ الْفَسَوِيُّ , نا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ , نا أَبُو بَكْرٍ الْحُمَيْدِيُّ , وَالْحُمَانِيُّ , وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ , قَالُوا: نا سُفْيَانُ , نا أَبُو الزُّبَيْرِ , أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ بَابَاهِ , يُحَدِّثُ عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ , أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «يَا بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ أَوْ يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ , §إِنْ وَلِيتُمْ مِنْ هَذَا الْأَمْرِ شَيْئًا , فَلَا تَمْنَعُوا أَحَدًا طَافَ بِهَذَا الْبَيْتِ , وَصَلَّى أَيَّ سَاعَةٍ مِنْ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ» قِيلَ لِلْحُمَيْدِيِّ: إِنْ شَاءَ قَالَ: لَا أَعْرِفُ شَيْئًا

أنا أَبُو الْقَاسِمِ الْأَزْهَرِيُّ , وَالتَّنُوخِيُّ , قَالَا: أنا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ لُؤْلُؤٍ الْوَرَّاقُ , نا هَيْثَمُ بْنُ خَلَفٍ , نا إِسْحَاقُ بْنُ مُوسَى الْأَنْصَارِيُّ , نا مَعْنٌ , نا مَالِكٌ , عَنْ عَامِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ , عَنْ عَمْرِو بْنِ سُلَيْمٍ الزُّرَقِيِّ , عَنْ أَبِي قَتَادَةَ السُّلَمِيِّ , أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: §«إِذَا دَخَلَ أَحَدُكُمُ الْمَسْجِدَ فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ يَجْلِسَ»

أنا الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ الْحِيرِيُّ , نا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْأَصَمُّ , أنا الرَّبِيعُ , أنا الشَّافِعِيُّ , أنا سُفْيَانُ , عَنْ عَمْرٍو يَعْنِي ابْنَ دِينَارٍ , عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ , عَنْ رَجُلٍ , مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ فَعَرَّسَ , فَقَالَ: §«أَلَا رَجُلٌ صَالِحٌ يَكْلَؤُنَا اللَّيْلَةَ , لَا نَرْقُدُ عَنِ الصَّلَاةِ» فَقَالَ بِلَالٌ: أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: فَاسْتَنَدَ بِلَالٌ إِلَى رَاحِلَتِهِ وَاسْتَقْبَلَ الْفَجْرَ قَالَ: فَلَمْ يَقْرَعُوا إِلَّا بِحَرِّ الشَّمْسِ فِي وُجُوهِهِمْ , فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا بِلَالُ» , فَقَالَ بِلَالٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَخَذَ بِنَفْسِي الَّذِي أَخَذَ بِنَفْسِكَ قَالَ: فَتَوَضَّأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ , ثُمَّ اقْتَادُوا شَيْئًا قَالَ: ثُمَّ صَلَّى الْفَجْرَ فَدَلَّتْ هَذِهِ الْأَحَادِيثُ أَنَّ النَّهْيَ عَنِ الصَّلَوَاتِ فِي الْأَوْقَاتِ الَّتِي تَقَدَّمَ ذِكْرُهَا مُنْصَرِفٌ إِلَى الصَّلَوَاتِ الَّتِي لَا أَسْبَابَ لَهَا , فَأَمَّا صَلَاةٌ وَجَبَ عَلَى الْإِنْسَانِ فَنَسِيَهَا , أَوْ نَامَ عَنْهَا , أَوْ جِنَازَةٌ حَضَرَتْ لَمْ يُصَلِّ عَلَيْهَا , أَوْ رَكْعَتَا الطَّوَافِ بِالْبَيْتِ الْحَرَامِ , أَوْ رَكْعَتَا الدُّخُولِ إِلَى الْمَسْجِدِ , أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ مِنَ الْأَسْبَابِ الَّتِي نُسِبَتِ الصَّلَاةُ إِلَيْهَا , أَوْ عُلِّقَتْ عَلَيْهَا , فَلَا تُكْرَهُ فِي أَيِّ وَقْتٍ فُعِلَتْ بِدَلِيلِ مَا ذَكَرْنَاهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

أنا أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرٍ الْقَطِيعِيُّ , وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي عَلِيٍّ الْبَصْرِيُّ , قَالَا: أنا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْبَرْذَعِيُّ , أنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي حَاتِمٍ

الرَّازِيُّ , نا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْمِصْرِيُّ , قَالَ: قُلْتُ لِلشَّافِعِيِّ: إِنَّ عَلِيَّ بْنَ مَعْبَدٍ أَخْبَرَنَا بِإِسْنَادِهِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , أَنَّهُ أَجَازَ بَيْعَ الْقَمْحِ فِي سُنْبُلِهِ إِذَا ابْيَضَّ , فَقَالَ: §«أَمَّا هَذَا فَغَرَرٌ , لِأَنَّهُ يَحُولُ دُونَهُ , فَلَا يُرَى فَإِنْ ثَبَتَ الْخَبَرُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُلْنَا بِهِ وَكَانَ خَاصًّا مُسْتَخْرَجًا مِنْ عَامٍّ , كَمَا أَجَزْنَا بَيْعَ الصُّبْرَةِ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ لِأَنَّهُ غَرَرٌ , فَلَمَّا أَجَازَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , أَجَزْنَاهَا كَمَا أَجَازَهَا , وَكَانَ خَاصًّا مُسْتَخْرَجًا مِنْ عَامٍّ , لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ وَأَجَازَ هَذَا , وَكَذَلِكَ أَجَازَ بَيْعَ الشِّقْصِ مِنَ الدَّارِ وَجَعَلَ لِصَاحِبِهِ الشُّفْعَةَ وَإِنْ كَانَ الْأَسَاسُ مِنْهَا مُغَيَّبًا لَا يُرَى , وَخَشَبًا فِي الْحَائِطِ لَا يُرَى , فَلَمَّا أَجَازَ ذَلِكَ أَجَزْنَاهُ كَمَا أَجَازَهُ , وَإِنْ كَانَ فِيهِ غَرَرٌ وَكَانَ خَاصًّا مُسْتَخْرَجًا مِنْ عَامٍّ»

أنا أَبُو سَعِيدٍ , مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى الصَّيْرَفِيُّ , نا أَبُو الْعَبَّاسِ , مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْأَصَمُّ , أنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ الْمِصْرِيُّ , نا إِسْحَاقُ بْنُ بَكْرٍ , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ جَعْفَرِ بْنِ رَبِيعَةَ , -[307]- عَنْ عِرَاكِ بْنِ مَالِكٍ , عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمِ بْنِ شِهَابٍ , عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ , عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ , أَنَّ رَجُلًا , أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ وَقَعَ بِامْرَأَتِهِ فِي رَمَضَانَ , فَقَالَ: «§هَلْ تَجِدُ رَقَبَةً» ؟ قَالَ: لَا قَالَ: «هَلْ تَسْتَطِيعُ صِيَامَ شَهْرَيْنِ؟» قَالَ: لَا قَالَ: «فَأَطْعِمْ سِتِّينَ مِسْكِينًا» قَالَ: وَلَا أَجِدُ قَالَ: فَأَعْطَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَمْرًا فَأَمَرَهُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهِ قَالَ: فَذَكَرَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَاجَتَهُ , فَأَمَرَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ هُوَ هَذَا الْحَدِيثُ يَشْتَمِلُ عَلَى حُكْمَيْنِ: أَحَدُهُمَا: عَامٌّ , وَهُوَ وُجُوبُ الْكَفَّارَةِ عَلَى مَنْ وَطِئَ امْرَأَتَهُ فِي رَمَضَانَ , وَوُجُوبُهَا عَلَى التَّرْتِيبِ الَّذِي ذُكِرَ وَالثَّانِي: خَاصٌّ: وَهُوَ إِذْنُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلرَّجُلِ فِي أَخْذِ ذَلِكَ , وَلَيْسَ يَجُوزُ ذَلِكَ لِأَحَدٍ غَيْرِهِ

أنا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ , أنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ دَرَسْتُوَيْهِ , نا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ , نا ابْنُ نُمَيْرٍ , وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ , قَالَا: نا عِيسَى بْنُ يُونُسَ , عَنِ الْأَعْمَشِ , عَنْ إِبْرَاهِيمَ , قَالَ: §«إِنِّي لَأَسْمَعُ الْحَدِيثَ , فَآخُذُ بِمَا يُؤْخَذُ بِهِ وَأَدَعُ سَائِرَهُ»

ذكر ما يجوز التخصيص به وما لا يجوز الأدلة التي يجوز التخصيص بها ضربان: متصل ومنفصل فأما المتصل: فهو: الاستثناء , والشرط , والتقييد بالصفة فأما الاستثناء: فلا يصح إلا أن يكون متصلا بالمستثنى منه وأما الشرط: فهو ما لا يصح المشروط إلا به , وقد يثبت

§ذِكْرُ مَا يَجُوزُ التَّخْصِيصُ بِهِ وَمَا لَا يَجُوزُ الْأَدِلَّةُ الَّتِي يَجُوزُ التَّخْصِيصُ بِهَا ضِرْبَانِ: مُتَّصِلٌ وَمُنْفَصِلٌ فَأَمَّا الْمُتَّصِلُ: فَهُوَ: الِاسْتِثْنَاءُ , وَالشَّرْطُ , وَالتَّقْيِيدُ بِالصِّفَةِ فَأَمَّا الِاسْتِثْنَاءُ: فَلَا يَصِحُّ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مُتَّصِلًا بِالْمُسْتَثْنَى مِنْهُ وَأَمَّا الشَّرْطُ: فَهُوَ مَا لَا يَصِحُّ الْمَشْرُوطُ إِلَّا بِهِ , وَقَدْ يَثْبُتُ بِدَلِيلٍ مُنْفَصِلٍ , كَاشْتِرَاطِ الْقُدْرَةِ عَلَى الْعِبَادَاتِ , وَاشْتِرَاطِ الطَّهَارَةِ فِي الصَّلَاةِ , وَقَدْ يَكُونُ مُتَّصِلًا بِالْكَلَامِ , كَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ} [النساء: 92] {فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا} [المجادلة: 4] وَقَدْ يَكُونُ بِلَفْظِ الْغَايَةِ , كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ} [التوبة: 29] وَأَمَّا تَقْيِيدُ الْعَامِّ بِالصِّفَةِ: فَمِثْلُ قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} [النساء: 92] وَلَوْ أَطْلَقَ الرَّقَبَةَ لَعَمَّ الْمُؤْمِنَةَ وَالْكَافِرَةَ , فَلَمَّا قَالَ: {مُؤْمِنَةٍ} [البقرة: 221] وَجَبَ التَّخْصِيصُ فَإِنْ وَرَدَ الْخِطَابُ مُطْلَقًا حُمِلَ عَلَى إِطْلَاقِهِ , وَإِنْ وَرَدَ فِي مَوْضِعٍ مُطْلَقًا وَفِي مَوْضِعٍ مُقَيَّدًا: فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ فِي حُكْمَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ مِثْلُ: أَنْ يُقَيَّدَ الصِّيَامُ بِالتَّتَابُعِ وَيُطْلَقُ الْإِطْعَامُ , لَمْ يُحْمَلْ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ بَلْ يُعْتَبَرُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِنَفْسِهِ , لِأَنَّهُمَا لَا يَشْتَرِكَانِ فِي لَفْظٍ وَلَا مَعْنًى , وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ فِي حُكْمٍ وَاحِدٍ وَسَبَبٍ وَاحِدٍ , مِثْلُ أَنْ يَذْكُرَ الرَّقَبَةَ فِي كَفَّارَةِ الْقَتْلِ مُقَيَّدَةً بِالْإِيمَانِ , ثُمَّ يُعِيدُ ذِكْرَهَا فِي الْقَتْلِ مُطْلَقَةً , كَانَ

الْحَكَمُ لِلْمُقَيَّدِ , لِأَنَّ ذَلِكَ حُكْمٌ وَاحِدٌ اسْتَوْفَى بَيَانَهُ فِي أَحَدِ الْمَوْضِعَيْنِ وَلَمْ يَسْتَوْفِهِ فِي الْمَوْضِعِ الْآخَرِ وَأَمَّا الْمُنْفَصِلُ مِنَ الْأَدِلَّةِ الَّتِي يَجُوزُ التَّخْصِيصُ بِهَا فَضِرْبَانِ: أَحَدُهُمَا: مِنْ جِهَةِ الْعَقْلِ , وَالْآخَرُ: مِنْ قِبَلِ الشَّرْعِ فَأَمَّا الَّذِي مِنْ جِهَةِ الْعَقْلِ , فَضِرْبَانِ أَيْضًا أَحَدُهُمَا: مَا يَجُوزُ وُرُودُ الشَّرْعِ بِخِلَافِهِ , وَهُوَ مَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْلُ مِنْ بَرَاءَةِ الذِّمَّةِ , فَهَذَا لَا يَجُوزُ التَّخْصِيصُ بِهِ , لِأَنَّ ذَلِكَ إِنَّمَا يُسْتَدَلُّ بِهِ لِعَدَمِ الشَّرْعِ , فَإِذَا وَرَدَ الشَّرْعُ سَقَطَ الِاسْتِدْلَالُ بِهِ وَصَارَ الْحُكْمُ لِلشَّرْعِ وَالثَّانِي: مَا لَا يَجُوزُ وُرُودُ الشَّرْعِ بِخِلَافِهِ , مِثْلُ مَا دَلَّ عَلَيْهِ الْعَقْلُ مِنْ نَفْيِ الْخَلْقِ عَنْ صِفَاتِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ , فَيَجُوزُ التَّخْصِيصُ بِهَذَا , وَلِأَجْلِ ذَلِكَ خَصَّصْنَا قَوْلَهُ تَعَالَى: {ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} [الأنعام: 102] وَقُلْنَا: الْمُرَادُ بِهِ مَا خَلَا الصِّفَاتِ , لِأَنَّ الْعَقْلَ قَدْ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ تَعَالَى لَا يَجُوزُ أَنْ يَخْلُقَ صِفَاتَهُ , فَخَصَّصْنَا الْعُمُومَ بِهِ وَأَمَّا الْأَدِلَّةُ الَّتِي يَجُوزُ التَّخْصِيصُ بِهَا مِنْ جِهَةِ الشَّرْعِ فَوُجُوهٌ: نُطْقُ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ , وَمَفْهُومُهُمَا وَأَفْعَالُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَإِقْرَارُهُ , وَإِجْمَاعُ الْأُمَّةِ , وَالْقِيَاسُ فَأَمَّا الْكِتَابُ , فَيَجُوزُ تَخْصِيصُ الْكِتَابِ بِهِ , كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ} [المائدة: 5] خُصَّ بِهِ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ} [البقرة

: 221] وَيَجُوزُ تَخْصِيصُ السُّنَّةِ بِهِ , وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: لَا يَجُوزُ ذَلِكَ وَالدَّلِيلُ عَلَى جَوَازِهِ هُوَ أَنَّ الْكِتَابَ مَقْطُوعٌ بِصِحَّةِ طَرِيقِهِ , وَالسُّنَّةُ غَيْرُ مَقْطُوعٌ بِطْرِيقِهَا , فَإِذَا جَازَ تَخْصِيصُ الْكِتَابِ بِالْكِتَابِ فَتَخْصِيصُ السُّنَّةِ بِهِ أَوْلَى وَأَمَّا السُّنَّةُ: فَيَجُوزُ تَخْصِيصُ الْكِتَابِ بِهَا , لِأَنَّ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ دَلِيلَانِ , أَحَدُهُمَا خَاصٌّ , وَالْآخَرُ عَامٌّ , فَقُضِيَ بِالْخَاصِّ مِنْهُمَا عَلَى الْعَامِّ , كَمَا لَوْ كَانَا مِنَ الْكِتَابِ وَيَجُوزُ تَخْصِيصُ السُّنَّةِ بِالسُّنَّةِ مِنْ لَفْظِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِعْلِهِ , وَيَجُوزُ التَّخْصِيصُ بِإِقْرَارِهِ كَمَا رَأَى الْمُصَلِّي رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ بَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ فَأَقَرَّهُ عَلَيْهِ , وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَرَى مُنْكَرًا مِنْ أَحَدِ فَيُقِرَّهُ عَلَيْهِ وَيَجُوزُ التَّخْصِيصُ بِإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ لِأَنَّهُ أَقْوَى مِنْ كَثِيرٍ مِنَ الظَّوَاهِرِ , فَإِذَا جَازَ التَّخْصِيصُ بِالظَّوَاهِرِ فَالْإِجْمَاعُ بِذَلِكَ أَوْلَى وَيَجُوزُ التَّخْصِيصُ بِالْقِيَاسِ , لِأَنَّ الْقِيَاسَ يَتَنَاوَلُ الْحُكْمَ فِيمَا يَخُصُّهُ بِلَفْظٍ غَيْرِ مُحْتَمَلٍ , فَخُصَّ بِهِ الْعُمُومُ كَلَفْظِ الْخَاصِّ وَلَا يَجُوزُ تَخْصِيصُ الْعُمُومِ بِالْعُرْفِ وَالْعَادَةِ , لِأَنَّ الشَّرْعَ لَمْ يُوضَعْ عَلَى الْعَادَةِ , وَإِنَّمَا وُضِعَ - فِي قَوْلِ بَعْضِ النَّاسِ - عَلَى حَسَبِ الْمَصْلَحَةِ , وَفِي قَوْلِ الْبَاقِينَ عَلَى مَا أَرَادَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ , وَذَلِكَ لَا يَقِفُ عَلَى الْعَادَةِ

ذكر القول في اللفظ الوارد على سبب اللفظ الوارد على سبب , لا يجوز إخراج السبب منه , لأنه يؤدي إلى تأخير البيان عن وقت الحاجة إليه , وذلك لا يجوز , وهل يدخل فيه غيره أم لا؟ ينظر فإن كان اللفظ لا يستقل بنفسه كان ذلك مقصورا على ما فيه من السبب , ويصير الحكم

§ذِكْرُ الْقَوْلِ فِي اللَّفْظِ الْوَارِدِ عَلَى سَبَبٍ اللَّفْظُ الْوَارِدُ عَلَى سَبَبٍ , لَا يَجُوزُ إِخْرَاجُ السَّبَبِ مِنْهُ , لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إِلَى تَأْخِيرِ الْبَيَانِ عَنْ وَقْتِ الْحَاجَةِ إِلَيْهِ , وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ , وَهَلْ يَدْخُلُ فِيهِ غَيْرُهُ أَمْ لَا؟ يُنْظَرُ فَإِنْ كَانَ اللَّفْظُ لَا يَسْتَقِلُّ بِنَفْسِهِ كَانَ ذَلِكَ مَقْصُورًا عَلَى مَا فِيهِ مِنَ السَّبَبِ , وَيَصِيرُ الْحُكْمُ مَعَ السَّبَبِ كَالْجُمْلَةِ الْوَاحِدَةِ فَإِنْ كَانَ لَفْظُ السَّائِلِ عَامًّا , مِثْلُ: إِنَّ قَالَ: أَفْطَرْتُ , وَذَلِكَ فِي رَمَضَانَ , فَأَجَابَهُ بِأَنْ قَالَ: أَعْتِقْ , حُمِلَ الْجَوَابُ عَلَى الْعُمُومِ فِي كُلِّ مُفْطِرٍ بِأَيِّ سَبَبٍ كَانَ الْفِطْرُ , كَأَنَّهُ قَالَ: مَنْ أَفْطَرَ فَعَلَيْهِ الْعِتْقُ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى لَا مِنْ جِهَةِ اللَّفْظِ , وَذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَسْتَفْصِلْ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَخْتَلِفُ الْحُكْمُ , وَلَمَّا نَقَلَ السَّبَبَ وَهُوَ الْفِطْرُ , فَحَكَمَ فِيهِ بِالْعِتْقِ صَارَ كَأَنَّهُ عَلَّلَ بِذَلِكَ , لِأَنَّ السَّبَبَ فِي الْحُكْمِ تَعْلِيلٌ وَإِنْ كَانَ لَفْظُ السَّائِلِ خَاصًّا: مِثْلَ: إِنْ قَالَ: جَامَعْتُ فَأَجَابَهُ بِأَنْ قَالَ: أَعْتِقْ , حُمِلَ الْجَوَابُ عَلَى الْخُصُوصِ فِي الْمُجَامِعِ , لَا يَتَعَدَّى إِلَى غَيْرِهِ مِنَ الْمُفْطِرِينَ , فَكَأَنَّهُ قَالَ: مَنْ جَامَعَ فِي رَمَضَانَ فَعَلَيْهِ الْعِتْقُ وَأَمَّا إِذَا كَانَ الْجَوَابُ يَسْتَقِلَّ بِنَفْسِهِ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِلسُّؤَالِ اعْتُبِرَ حُكْمُ

اللَّفْظِ , فَإِنْ كَانَ خَاصًّا حُمِلَ عَلَى خُصُوصِهِ , وَإِنْ كَانَ عَامًّا حُمِلَ عَلَى عُمُومِهِ , وَلَا يُخَصُّ بِالسَّبَبِ الَّذِي وَرَدَ فِيهِ مِثَالُ ذَلِكَ فِي عُمُومِهِ

مَا أنا الْقَاضِي أَبُو عُمَرَ الْهَاشِمِيُّ , نا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ اللُّؤْلُؤِيُّ , نا أَبُو دَاوُدَ , نا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ , وَالْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ , ومُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْأَنْبَارِيُّ , قَالُوا: نا أُسَامَةُ , عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ كَثِيرٍ , عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ , عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ , عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ , أَنَّهُ قِيلَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَتَوَضَّأُ مِنْ بِئْرِ بُضَاعَةٍ , وَهِيَ بِئْرٌ يُطْرَحُ فِيهَا الْحَيْضُ وَلَحْمُ الْكِلَابِ وَالنَّتْنُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: §«الْمَاءُ طَهُورٌ وَلَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ» وَإِنَّمَا وَجَبَ أَنْ يُحْمَلَ هَذَا عَلَى الْعُمُومِ فِي الْمِيَاهِ كُلِّهَا لِأَنَّ الْحِجَّةَ فِي قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , دُونَ السَّبَبِ , فَوَجَبَ أَنْ يُعْتَبَرَ عُمُومُهُ وَأَمَّا خُصُوصُ اللَّفْظِ فَمِثَالُهُ أَنْ يُسْأَلَ عَنْ قَتْلِ النِّسَاءِ الْكَوَافِرِ فَيَقُولُ -[313]- اقْتُلُوا الْمُرْتَدَّاتِ , فَيَجِبُ قَتْلُ الْمُرْتَدَّاتِ بِاللَّفْظِ , وَلَا يَجُوزُ قَتْلُ غَيْرِ الْمُرْتَدَّاتِ مِنَ الْحَرْبِيَّاتِ لِجِهَتَيْنِ , إِحْدَاهُمَا: مِنْ طَرِيقِ دَلِيلِ الْخِطَابِ , وَالثَّانِيَةُ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , لَمَّا عَدَلَ عَنِ الِاسْمِ الْعَامِّ إِلَى الِاسْمِ الْخَاصِّ , دَلَّ عَلَى أَنَّهُ قَصَدَ الْمُخَالَفَةَ بَيْنَ الْمُرْتَدَّاتِ وَبَيْنَ الْحَرْبِيَّاتِ , وَهَذَا كَمَا قُلْنَا فِي حَدِيثِ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ الَّذِي:

أَنَاهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ الطَّبَرِيُّ , وَأَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ الْقُرَشِيُّ قَالَا: أنا عَلِيُّ بْنُ عُمَرَ الْحَافِظُ , نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ , نا خَلَفُ بْنُ هِشَامٍ , حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ , عَنْ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْجَعِيِّ , عَنْ رِبْعِيِّ بْنِ حِرَاشٍ , عَنْ حُذَيْفَةَ , قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: §«جُعِلَتِ الْأَرْضُ كُلُّهَا لَنَا مَسْجِدًا , وَجُعِلَتْ تُرْبَتُهَا لَنَا طَهُورًا , وَجُعِلَتْ صُفُوفُنَا مِثْلَ صُفُوفِ الْمَلَائِكَةِ» إِنَّ التَّيَمُّمَ بِغَيْرِ التُّرَابِ لَا يَجُوزُ , لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , عَلَّقَ عَلَى عُمُومِ اسْمِ الْأَرْضِ كَوْنَهَا مَسْجِدًا , وَعَلَّقَ عَلَى نَوْعٍ مِنْهَا خَاصٍّ كَوْنَهُ طَهُورًا , فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ قَصَدَ الْمُخَالَفَةَ بَيْنَ الْمَسْجِدِ وَالطُّهُورِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ

باب من المجمل والمبين

§بَابٌ مِنَ الْمُجْمَلِ وَالْمُبَيَّنِ

أنا أَبُو بَكْرٍ الْبُرْقَانِيُّ , قَالَ: قَرَأْنَا عَلَى أَبِي بَكْرٍ أَحْمَدَ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ حَمْدَانَ بْنِ مَالِكٍ الْقَطِيعِيِّ: حَدَّثَكُمْ عَبْدُ اللَّهِ هُوَ ابْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ , حَدَّثَنِي أَبِي , نا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ , نا شُعْبَةُ , عَنْ سِمَاكٍ , عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ , قَالَ: مَرِضَ ابْنُ عَامِرٍ قَالَ: فَجَعَلُوا يُثْنُونَ عَلَيْهِ , وَابْنُ عُمَرَ سَاكِتٌ , فَقَالَ: أَمَا إِنِّي لَسْتُ بِأَغَشِّهِمْ لَكَ , لَكِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: §«إِنَّ اللَّهَ لَا يَقْبَلُ صَلَاةً بِغَيْرِ طُهُورٍ , وَلَا صَدَقَةً مِنْ غُلُولٍ»

أنا أَبُو إِسْحَاقَ , إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْفَقِيهُ الْأَرْمَوِيُّ - بنَيْسَابُورَ - , أنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ الْفَقِيهُ , - بنَيْسَابُورَ - أنا الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ , نا أُمَيَّةُ بْنُ بِسْطَامٍ , نا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ , نا رَوْحُ بْنُ الْقَاسِمِ , عَنْ إِسْمَاعِيلَ ابْنَ أُمَيَّةَ , عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَيْفِي عَنْ أَبِي مِعْبِد، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ , أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا بَعَثَ مُعَاذًا إِلَى الْيَمَنِ قَالَ: §«إِنَّكَ تَقْدُمُ عَلَى قَوْمٍ أَهْلِ كِتَابٍ , فَلْيَكُنْ أَوَّلَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ عُبَادَةُ اللَّهِ , فَإِذَا عَرَفُوا اللَّهَ فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللَّهَ فَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي يَوْمِهِمْ وَلَيْلَتِهِمْ , فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ , فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللَّهَ فَرَضَ عَلَيْهِمْ -[315]- زَكَاةً , تُؤْخَذُ مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ , فَإِذَا أَطَاعُوا بِهَا فَخُذْ مِنْهُمْ , وَتَوَقَّ كَرَائِمَ أَمْوَالِ النَّاسِ»

أنا الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ الْحِيرِيُّ , نا أَبُو الْعَبَّاسِ , مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْأَصَمُّ , أنا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ , أنا الشَّافِعِيُّ , أنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي فُدَيْكٍ , عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ , عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ , عَنْ أَبِي شُرَيْحٍ الْكَعْبِيِّ , أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: §«مَنْ قُتِلَ لَهُ قَتِيلٌ فَأَهْلُهُ بَيْنَ خِيَرَتَيْنِ إِنْ أَحَبُّوا فَلَهُمُ الْعَقْلُ , وَإِنْ أَحَبُّوا فَلَهُمُ الْقَوَدُ» هَذِهِ الْأَحَادِيثُ الثَّلَاثَةُ مُجْمَلَةٌ , لِأَنَّ الطُّهُورَ وَالزَّكَاةَ وَالْعَقْلَ - وَهُوَ الدِّيَةُ - أُمُورٌ لَا تُعْقَلُ وَلَا تُعْرَفُ أَحْكَامُهَا مِنْ لَفْظِ الْأَحَادِيثِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا , بَلْ تَحْتَاجُ فِي بَيَانِهَا إِلَى غَيْرِهَا

أنا أَبُو الْفَتْحِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي الْفَوَارِسِ الْحَافِظُ , أنا أَبُو

مُحَمَّدٍ , عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ الْجَوْهَرِيُّ , نا أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ الدِّمَشْقِيُّ , قَالَ قَالَ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُعْتَزِّ: §«الْبَيَانُ تُرْجُمَانُ الْقُلُوبِ , وَصَقِيلُ الْعُقُولِ , وَمُجَلِّي الشُّبْهَةِ , وَمُوجِبُ الْحُجَّةَ , وَالْحَاكِمُ عِنْدَ اخْتِصَامِ الظُّنُونِ , وَالْفَارُوقُ بَيْنَ الشَّكِّ وَالْيَقِينِ , وَهُوَ مِنْ سُلْطَانِ الرُّسُلِ الَّذِي انْقَادَ بِهِ الْمُسْتَصْعَبُ , وَاسْتَقَامَ الْأَصْيَدُ , وَبُهِتَ الْكَافِرُ وَسَلِمَ الْمُمْتَنِعُ حَتَّى أَثْبَتَ الْحَقَّ بِأَبْصَارِهِ , وَجَلَا زَيْغُ الْبَاطِلِ مِنْ غِمَارِهِ , وَخَيْرُ الْبَيَانِ مَا كَانَ مُصَرِّحًا عَنِ الْمَعْنَى , لِيُسْرِعَ الْفَهْمُ تَلَقُّفَهُ , وَمُوجَزًا لِيَخِفَّ عَنِ الْحِفْظِ حَمْلُهُ» سَمِعْتُ أَبَا إِسْحَاقَ الْفَيْرُوزَابَاذِيَّ يَقُولُ: الْبَيَانُ هُوَ الدَّلِيلُ الَّذِي يُتَوَصَّلُ بِصَحِيحِ النَّظَرِ فِيهِ إِلَى مَا هُوَ دَلِيلٌ عَلَيْهِ قَالَ: وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: هُوَ إِخْرَاجُ الشَّيْءِ مِنْ حَيِّزِ الْإِشْكَالِ إِلَى حَيِّزِ التَّجَلِّي قُلْتُ: وَيَقَعُ الْبَيَانُ: بِالْقَوْلِ , وَبِمَفْهُومِ الْقَوْلِ , وَبِالْفِعْلِ , وَبِالْإِقْرَارِ وَبِالْإِشَارَةِ , وَبِالْكِتَابَةِ , وَبِالْقِيَاسِ فَأَمَّا الْبَيَانُ بِالْقَوْلِ فَنَحْوُ مَا:

أنا عَلِيُّ بْنُ الْقَاسِمِ الْبَصْرِيُّ , نا عَلِيُّ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْبَخْتَرِيِّ الْمَادَرَائِيُّ , نا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ ابْنَ الْمُنَادِيُّ , نا أَبُو بَدْرٍ شُجَاعُ بْنُ الْوَلِيدِ , نا زُهَيْرٌ , نا أَبُو إِسْحَاقَ , عَنِ الْحَارِثِ , عَنْ عَلِيٍّ , -[317]- أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: §" هَاتُوا صَدَقَةَ الْعُشُورِ: مِنْ كُلِّ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا , وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ حَتَّى تَتِمَّ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ , فَإِذَا كَانَتْ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ فَفِيهَا خَمْسَةُ دَرَاهِمَ " وَأَمَّا الْبَيَانُ بِمَفْهُومِ الْقَوْلِ: فَقَدْ يَكُونُ تَنْبِيهًا كَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} [الإسراء: 23] : فَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ الضَّرْبَ أَوْلَى بِالْمَنْعِ , وَقَدْ يَكُونُ دَلِيلًا

كَمَا أنا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُعَدِّلُ , أنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ , نا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُنَادِي , نا يُونُسُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُؤَدِّبُ , نا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ , قَالَ: أَخَذْتُ هَذَا الْكِتَابَ مِنْ ثُمَامَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ , عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: أَنَّ أَبَا بَكْرٍ كَتَبَ لَهُ: إِنَّ هَذِهِ فَرَائِضُ الصَّدَقَةِ الَّتِي فَرَضَ اللَّهُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ بِهَا رَسُولَهُ , وَذَكَرَ الْحَدِيثَ إِلَى أَنَّ قَالَ: §«وَفِي صَدَقَةِ الْغَنَمِ فِي سَائِمَتِهَا , إِذَا كَانَتْ أَرْبَعِينَ فَفِيهَا شَاةٌ إِلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ» فَقَوْلُهُ: «فِي سَائِمَتِهَا» دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا زَكَاةَ فِي الْمَعْلُوفَةِ , وَهَذَا هُوَ دَلِيلُ الْخِطَابِ , وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّ مِثْلَ هَذَا الْقَوْلِ لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَا عَدَاهُ بِخِلَافِهِ , وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ مَا ذَكَرْنَاهُ

مَا أنا الْحَسَنُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ , أنا أَبُو سَهْلٍ , أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زِيَادٍ الْقَطَّانُ , نا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ الْعُطَارِدِيُّ , نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِدْرِيسَ , عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ , عَنِ ابْنِ أَبِي عَمَّارٍ , عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بَابَيْهِ , عَنْ يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ , قَالَ: قُلْتُ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ {فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا} [النساء: 101] مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَقَدْ أَمِنَ النَّاسُ؟ فَقَالَ: عَجِبْتُ مِمَّا عَجِبْتَ مِنْهُ , فَسَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَقَالَ: §«صَدَقَةٌ تَصَدَّقَ اللَّهُ بِهَا عَلَيْكُمْ , فَاقْبَلُوا صَدَقَتَهُ»

وَأَنَا أَبُو نُعَيْمٍ الْحَافِظُ , نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ , نا يُونُسُ بْنُ حَبِيبٍ , نا أَبُو دَاوُدَ , نا شُعْبَةُ , عَنِ الْأَعْمَشِ , قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا وَائِلٍ , يُحَدِّثُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ , قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَلِمَةً وَقُلْتُ أُخْرَى قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: §«مَنْ مَاتَ وَهُوَ يَجْعَلُ لِلَّهِ نِدًّا دَخَلَ النَّارَ» قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: وَأَنَا أَقُولُ: مَنْ مَاتَ وَهُوَ لَا يَجْعَلُ لِلَّهِ نِدًّا أَدْخَلَهُ اللَّهُ الْجَنَّةَ وَلَمْ يَقُلْ عَبْدُ اللَّهِ هَذَا إِلَّا مِنْ نَاحِيَةِ دَلِيلِ الْخِطَابِ وَكَذَلِكَ تَعَجُّبُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَسُؤَالُهُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْآيَةِ إِنَّمَا هُوَ مِنْ نَاحِيَةِ دَلِيلِ الْخِطَابِ , فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لُغَةُ الْعَرَبِ , وَلِأَنَّ تَقْيِيدَ -[324]- الْحُكْمِ بِالصِّفَةِ يُوجِبُ تَخْصِيصَ الْخِطَابِ , فَاقْتَضَى بِإِطْلَاقِهِ النَّفْيَ وَالْإِثْبَاتَ كَالِاسْتِثْنَاءِ , هَذَا الْكَلَامُ فِيهِ , إِذَا كَانَ الْحُكْمُ مُعَلَّقًا عَلَى صِفَةٍ فِي جِنْسٍ , فَأَمَّا إِذَا عُلِّقَ الْحُكْمُ عَلَى مُجَرَّدِ الِاسْمِ مِثْلَ أَنْ تَقُولَ: فِي الْغَنَمِ زَكَاةٌ , فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَدُلُّ عَلَى نَفْيِ الزَّكَاةِ عَمَّا عَدَا الْغَنَمَ

أَمَّا الْبَيَانُ بِالْفِعْلِ: فَمِثْلُ مَا: أنا عُثْمَانُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ الْعَلَّافُ , أنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الشَّافِعِيُّ , نا مُوسَى بْنُ الْحَسَنِ , نا أَبُو نُعَيْمٍ , نا سُفْيَانُ , عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَيَّاشِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ , عَنْ حَكِيمِ بْنِ حَكِيمِ بْنِ عَبَّادِ بْنِ حُنَيْفٍ , عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ , عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: §«أَمَّنِي جِبْرِيلُ عِنْدَ الْبَيْتِ مَرَّتَيْنِ , فَصَلَّى بِي الظُّهْرَ حِينَ زَالَتِ الشَّمْسُ عَلَى مِثْلِ قَدْرِ الشِّرَاكِ , ثُمَّ صَلَّى بِي الْعَصْرَ حِينَ كَانَ كُلُّ شَيْءٍ قَدْرَ ظِلِّهِ , وَصَلَّى بِي الْمَغْرِبَ حِينَ أَفْطَرَ الصَّائِمُ , ثُمَّ صَلَّى بِي الْعِشَاءَ حِينَ غَابَ الشَّفَقُ , ثُمَّ صَلَّى بِي الْفَجْرَ حِينَ حُرِّمَ الطَّعَامُ وَالشَّرَابُ عَلَى الصَّائِمِ , ثُمَّ صَلَّى بِي الظُّهْرَ مِنَ الْغَدِ حِينَ كَانَ كُلُّ شَيْءٍ بِقَدْرِ ظِلِّهِ , ثُمَّ صَلَّى بِي الْعَصْرَ حِينَ كَانَ كُلُّ شَيْءٍ مِثْلَيْ ظِلِّهِ , ثُمَّ صَلَّى بِي الْمَغْرِبَ حِينَ أَفْطَرَ الصَّائِمُ لِوَقْتٍ وَاحِدٍ , ثُمَّ صَلَّى بِي الْعِشَاءَ حِينَ ذَهَبَ ثُلُثُ اللَّيْلِ الْأَوَّلِ ثُمَّ صَلَّى بِي الْفَجْرَ» - قَالَ أَبُو نُعَيْمٍ: لَا أَحْفَظُ مَا قَالَ فِي الْفَجْرِ - " ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَيَّ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ إِنَّ هَذَا وَقْتُكَ وَوَقْتُ الْأَنْبِيَاءِ قَبْلَكَ , وَالْوَقْتُ فِيمَا بَيْنَ هَذَيْنِ الْوَقْتَيْنِ " -[325]- وَبِمَثَابَةِ مَا ذَكَرْنَا , مَنَاسِكُ الْحَجِّ , فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , بَيَّنَهَا بِفِعْلِهِ

أَمَّا الْبَيَانُ بِالْإِقْرَارِ: فَنَحْوُ: مَا أنا أَبُو نُعَيْمٍ الْحَافِظُ , نا أَبُو عَلِيٍّ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَسَنِ الصَّوَّافُ , نا بِشْرُ بْنُ مُوسَى , نا الْحُمَيْدِيُّ , نا سُفْيَانُ , نا سَعْدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ قَيْسٍ الْأَنْصَارِيُّ , عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ , عَنْ قَيْسٍ جَدِّ سَعْدٍ قَالَ: رَآنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَأَنَا أُصَلِّي رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ بَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ , فَقَالَ: «§مَا هَاتَانِ الرَّكْعَتَانِ يَا قَيْسُ؟» قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي لَمْ أَكُنْ صَلَّيْتُ رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ , فَهُمَا هَاتَانِ الرَّكْعَتَانِ , فَسَكَتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهَذَا فِيهِ بَيَانٌ أَنَّ الصَّلَاةَ الَّتِي لَهَا سَبَبٌ جَائِزَةٌ بَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ , وَقَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ

أَمَّا الْبَيَانُ بِالْإِشَارَةِ: فَنَحْوُ -[326]-: مَا أنا الْحَسَنُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ , أنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْقَطَّانُ , نا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ الْقَاضِي , نا أَبُو مُصْعَبٍ , نا مَالِكٌ , عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ , عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ , أَنَّهُ قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُشِيرُ إِلَى الْمَشْرِقِ وَيَقُولُ: «هَا , §إِنَّ الْفِتْنَةَ هَا هُنَا مِنْ حَيْثُ يَطْلُعُ قَرْنُ الشَّيْطَانِ»

أَمَّا الْبَيَانُ بِالْكِتَابَةِ فَنَحْوُ: مَا أنا أَبُو سَعِيدٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى الصَّيْرَفِيُّ , نا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْأَصَمُّ , نا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ , بَحْرُ بْنُ نَصْرِ بْنِ سَابِقٍ الْخَوْلَانِيُّ , نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ , قَالَ أَخْبَرَنِي يُونُسُ , عَنِ ابْنِ شِهَابٍ , قَالَ: قَرَأْتُ كِتَابَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَمْرِو بْنِ حَزْمٍ حِينَ بَعَثَهُ عَلَى نَجْرَانَ , وَكَانَ الْكِتَابُ عِنْدَ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ , فَكَتَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِ: " §هَذَا بَيَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: 1]- فَكَتَبَ الْآيَاتِ حَتَّى بَلَغَ - {إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ} [آل عمران: 199]- ثُمَّ كَتَبَ: - هَذَا كِتَابُ الْجَرَّاحِ: فِي النَّفْسِ مِائَةٌ مِنَ الْإِبِلِ , وَفِي الْأَنْفِ إِذَا أَوْعَى جَدْعَهُ مِائَةٌ مِنَ الْإِبِلِ , وَفِي الْعَيْنِ خَمْسُونَ مِنَ الْإِبِلِ , وَفِي الْأُذُنِ خَمْسُونَ مِنَ الْإِبِلِ , وَفِي الرِّجْلِ خَمْسُونَ مِنَ الْإِبِلِ , وَفِي كُلِّ أُصْبُعٍ مِمَّا هُنَالِكَ عَشْرٌ مِنَ الْإِبِلِ , وَفِي الْمَأْمُومَةِ ثُلُثُ النَّفْسِ , وَفِي الْجَائِفَةِ ثُلُثُ النَّفْسِ , وَفِي الْمُنَقِّلَةِ خَمْسَ عَشْرَةَ , وَفِي الْمُوَضَّحَةِ خَمْسٌ مِنَ الْإِبِلِ , وَفِي السِّنِّ خَمْسٌ مِنَ الْإِبِلِ " -[327]- قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: فَهَذَا الَّذِي كَتَبَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , عِنْدَ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ

وَأَمَّا الْبَيَانُ بِالْقِيَاسِ فَنَحْوُ: مَا أنا أَبُو بَكْرٍ الْبُرْقَانِيُّ , قَالَ: قُرِئَ عَلَى الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ التَّمِيمِيِّ النَّيْسَابُورِيِّ وَأَنَا أَسْمَعُ , أَخْبَرَكُمْ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ الْمَاسَرْجَسِيُّ , نا إِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ , أنا سُفْيَانُ , عَنِ الزُّهْرِيِّ , عَنْ مَالِكِ -[328]- بْنِ أَوْسِ بْنِ الْحَدَثَانِ , سَمِعَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ , يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: §«الْوَرِقُ بِالْوَرِقِ رِبًا إِلَّا هَاءَ وَهَاءَ , وَالذَّهَبُ بِالذَّهَبِ رِبًا إِلَّا هَاءَ هَاءَ , وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ رِبًا إِلَّا هَاءَ هَاءَ , وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ رِبًا إِلَّا هَاءَ وَهَاءَ , وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ رِبًا إِلَّا هَاءَ وَهَاءَ»

وَأَنَا الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ الْحِيرِيُّ , نا أَبُو الْعَبَّاسِ , مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْأَصَمُّ , أنا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ , أنا الشَّافِعِيُّ , أنا عَبْدُ الْوَهَّابِ يَعْنِي ابْنَ عَبْدِ الْمَجِيدِ الثَّقَفِيِّ - عَنْ أَيُّوبَ بْنِ أَبِي تَمِيمَةَ , عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ , عَنْ مُسْلِمِ بْنِ يَسَارٍ , وَرَجُلٍ , آخَرَ , عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ , أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: §«لَا تَبِيعُوا الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ , وَلَا الْوَرِقَ بِالْوَرِقِ , وَلَا الْبُرَّ بِالْبُرِّ , وَلَا الشَّعِيرَ بِالشَّعِيرِ , وَلَا التَّمْرَ بِالتَّمْرِ , وَلَا الْمِلْحَ بِالْمِلْحِ , إِلَّا سَوَاءً بِسَوَاءٍ عَيْنًا بِعَيْنٍ , يَدًا بِيَدٍ , وَلَكِنْ بِيعُوا الذَّهَبَ بِالْوَرِقِ , وَالْوَرِقَ بِالذَّهَبِ , وَالْبُرَّ بِالشَّعِيرِ , وَالشَّعِيرَ بِالْبُرِّ , وَالتَّمْرَ بِالْمِلْحِ , وَالْمِلْحَ بِالتَّمْرِ , كَيْفَ شِئْتُمْ» - وَنَقَصَ أَحَدُهُمَا: الْمِلْحَ أَوِ التَّمْرَ , وَزَادَ أَحَدُهُمَا - مَنْ زَادَ أَوِ ازْدَادَ فَقَدْ أَرْبَى -[329]- فَنَصَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى هَذِهِ الْأَعْيَانِ مِنَ الْمَطْعُومَاتِ فِي الرِّبَا وَدَلَّ الْقِيَاسُ عَلَى أَنَّ غَيْرَهَا مِنَ الْمَطْعُومَاتِ مِثْلَهَا وَلَا يَجُوزُ تَأْخِيرُ الْبَيَانِ عَنْ وَقْتِ الْحَاجَةِ , لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ مِثَالُ الْأَمْرِ مِنْ غَيْرِ بَيَانٍ , وَلِهَذَا قُلْنَا فِي حَدِيثِ يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ الَّذِي:

أَنَاهُ الْقَاضِي أَبُو عُمَرَ الْهَاشِمِيُّ , نا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ اللُّؤْلُؤِيُّ , نا أَبُو دَاوُدَ , نا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ , أنا هَمَّامٌ , قَالَ: سَمِعْتُ عَطَاءً , قَالَ: أنا صَفْوَانُ بْنُ يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ , عَنْ أَبِيهِ , أَنَّ رَجُلًا , أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَهُوَ بِالْجِعْرَانَةِ , وَعَلَيْهِ أَثَرُ خَلُوقٍ , أَوْ قَالَ: صُفْرَةٌ وَعَلَيْهِ جُبَّةٌ , فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ , كَيْفَ تَأْمُرُنِي أَنْ أَصْنَعَ فِي عُمْرَتِي؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْوَحْيَ , فَلَمَّا سُرِّيَ عَنْهُ قَالَ: «§أَيْنَ السَّائِلُ عَنِ الْعُمْرَةِ؟» قَالَ: «اغْسِلْ عَنْكَ الْخَلُوقَ» أَوْ قَالَ: «أَثَرَ الصُّفْرَةِ , وَاخْلَعِ الْجُبَّةَ عَنْكَ , وَاصْنَعْ فِي عُمْرَتِكَ مَا صَنَعْتَ فِي حَجَّتِكَ» إِنَّ الْفِدْيَةَ غَيْرُ وَاجِبَةٍ , لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , إِذَا حَكَمَ بِحُكْمٍ لِسَبَبٍ ذُكِرَ لَهُ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ جَمِيعَ مُوجِبِهِ , وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُزَادَ فِيهِ بِغَيْرِ دَلِيلٍ -[330]- وَأَمَّا تَأْخِيرُ الْبَيَانِ عَنْ وَقْتِ الْخِطَابِ , فَإِنَّهُ يَجُوزُ فِي النَّسْخِ خَاصَّةً , لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمَّا أَمَرَ بِالتَّوَجُّهِ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ فِي كُلِّ صَلَاةٍ , كَانَ ذَلِكَ عَامًّا فِي زَمَانٍ , وَأَرَادَ بِهِ بَعْضَ الْأَزْمَانِ فَأَخَّرَ بَيَانَهُ إِلَى وَقْتِ الْحَاجَةِ وَأَمَّا تَأْخِيرُهُ فِي غَيْرِ النَّسْخِ , فَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا: أَنَّهُ يَجُوزُ , وَالثَّانِي: أَنَّهُ لَا يَجُوزُ , وَالثَّالِثُ: أَنَّهُ يَجُوزُ تَأْخِيرُ بَيَانِ الْمُجْمَلِ , وَلَا يَجُوزُ تَأْخِيرُ بَيَانِ الْعُمُومِ , وَمِنَ النَّاسِ مَنْ قَالَ: يَجُوزُ ذَلِكَ فِي الْإِخْبَارِ دُونَ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ , وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ يَجُوزُ فِي الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ دُونَ الْإِخْبَارِ , وَسَمِعْتُ أَبَا إِسْحَاقَ الْفَيْرُوزَابَادِيَّ يَقُولُ: وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَجُوزُ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَاهُ , لِأَنَّ تَأْخِيرَهُ لَا يُخِلُّ بِالِامْتِثَالِ فَجَازَ كَتَأْخِيرِ بَيَانِ النَّسْخِ

باب من الناسخ والمنسوخ

§بَابٌ مِنَ النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ

أنا الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ الدَّاوُدِيُّ , أنا عُمَرُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عُثْمَانَ الْوَاعِظُ , نا الْحَسَنُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الرَّبِيعِ الْأَنْمَاطِيُّ , نا عُمَرُ بْنُ شَبَّةَ , نا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَارِثِ يَعْنِي الْحَارِثِيَّ، نا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْبَيْلَمَانِيِّ , عَنْ أَبِيهِ , عَنِ ابْنِ عُمَرَ , قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: §«إِنَّ أَحَادِيثِي يَنْسَخُ بَعْضُهَا بَعْضًا كَنَسْخِ الْقُرْآنِ»

أَخْبَرَنِي أَبُو الْفَرَجِ الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ الطَّنَاجِيرِيُّ , نا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ سُوَيْدٍ الْمُؤَدِّبُ , نا مُحَمَّدُ بْنُ حِصْنٍ الْأَلُوسِيُّ , نا هَارُونُ بْنُ إِسْحَاقَ , نا مُعْتَمِرٌ , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ أَبِي الْعَلَاءِ بْنِ الشِّخِّيرِ , قَالَ: «كَانَ §حَدِيثُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْسَخُ بَعْضُهُ بَعْضًا , كَمَا أَنَّ الْقُرْآنَ يَنْسَخُ بَعْضُهُ بَعْضًا»

أنا أَبُو سَعِيدٍ , مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى الصَّيْرَفِيُّ , نا أَبُو الْعَبَّاسِ , مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْأَصَمُّ , نا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الصَّغَانِيُّ , نا يُونُسُ بْنُ مُحَمَّدٍ , نا أَبُو هِلَالٍ , عَنْ قَتَادَةَ , قَالَ: §«كَلَامُ اللَّهِ يَنْسَخُ بَعْضُهُ بَعْضًا , وَكَلَامُ الرِّجَالِ أَحَقُّ أَنْ يَنْسَخَ بَعْضُهُ بَعْضًا» النَّسْخُ جَائِزٌ فِي الشَّرْعِ , وَقَالَتِ الْيَهُودُ: لَا يَجُوزُ , وَحُكِيَ ذَلِكَ عَنْ شِرْذِمَةٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ , وَهُوَ خَطَأٌ لِأَنَّ التَّكْلِيفَ فِي قَوْلِ بَعْضِ النَّاسِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ , وَعَلَى قَوْلُ بَعْضِهِمُ التَّكْلِيفُ عَلَى سَبِيلِ الْمَصْلَحَةِ , فَإِنْ كَانَ إِلَى مَشِيئَتِهِ تَعَالَى , فَيَجُوزُ أَنْ يَشَاءَ فِي وَقْتِ تَكْلِيفِ فَرْضٍ , وَفِي وَقْتِ إِسْقَاطِهِ , وَإِنْ كَانَ عَلَى سَبِيلِ الْمَصْلَحَةِ , فَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْمَصْلَحَةُ فِي وَقْتٍ فِي أَمْرٍ , وَفِي وَقْتٍ آخَرَ فِي غَيْرِهِ , فَلَا وَجْهَ لِلْمَنْعِ مِنْهُ وَنَسْخُ الْفِعْلِ قَبْلَ دُخُولِ وَقْتِهِ يَجُوزُ , وَلَيْسَ ذَلِكَ بِبَدَاءٍ , وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ إِبْرَاهِيمَ الْخَلِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِذِبْحِ ابْنِهِ ثُمَّ نَسَخَهُ قَبْلَ وَقْتِ الْفِعْلِ , فَدَلَّ عَلَى جَوَازِهِ وَالْبَدَاءُ: هُوَ ظُهُورُ مَا كَانَ خَفِيًّا عَنْهُ , وَلَيْسَ فِي النَّسْخِ قَبْلَ الْوَقْتِ ذَلِكَ الْمَعْنَى وَيَجُوزُ نَسْخُ السُّنَّةِ بِالسُّنَّةِ , كَمَا يَجُوزُ نَسْخُ الْكِتَابِ بِالْكِتَابِ , الْآحَادِ بِالْآحَادِ , وَالتَّوَاتُرَ بِالتَّوَاتُرِ فَأَمَّا نَسْخُ التَّوَاتُرَ بِالْآحَادِ فَلَا يَجُوزُ , لِأَنَّ التَّوَاتُرَ يُوجِبُ الْعِلْمَ , فَلَا يَجُوزُ نَسْخُهُ بِمَا يُوجِبُ الظَّنَّ وَيَجُوزُ نَسْخُ الْقَوْلِ بِالْقَوْلِ , وَنَسْخُ الْفِعْلِ بِالْقَوْلِ , وَنَسْخُ الْفِعْلِ بِالْفِعْلِ , وَنَسْخُ الْقَوْلِ بِالْفِعْلِ , لِأَنَّ الْفِعْلَ كَالْقَوْلِ فِي الْبَيَانِ , فَكَمَا جَازَ النَّسْخُ بِالْقَوْلِ جَازَ بِالْفِعْلِ وَيَجُوزُ النَّسْخُ بِدَلِيلِ الْخِطَابِ , لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى النُّطْقُ , وَلَا يَجُوزُ النَّسْخُ بِالْإِجْمَاعِ , لِأَنَّ الْإِجْمَاعَ حَادِثٌ بَعْدَ مَوْتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَنْسَخَ مَا تَقَرَّرَ فِي شَرْعِهِ , وَلَكِنْ يُسْتَدَلُّ بِالْإِجْمَاعِ عَلَى النَّسْخِ , فَإِذَا رَأَيْنَاهُمْ قَدْ أَجْمَعُوا عَلَى خِلَافِ مَا وَرَدَ بِهِ الشَّرْعُ دَلَّنَا ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ مَنْسُوخٌ وَلَا يَجُوزُ النَّسْخُ بِالْقِيَاسِ: لِأَنَّ الْقِيَاسَ إِنَّمَا يَصِحُّ , إِذَا لَمْ يُعَارِضْهُ نَصٌّ , فَإِذَا كَانَ هُنَاكَ نَصٌّ مُخَالِفٌ لِلْقِيَاسِ لَمْ يَكُنْ لِلْقِيَاسِ حُكْمٌ , فَلَا يَجُوزُ النَّسْخُ بِهِ وَلَا يَجُوزُ النَّسْخُ بِأَدِلَّةِ الْعَقْلِ: لِأَنَّ دَلِيلَ الْعَقْلِ ضِرْبَانِ: ضِرْبٌ لَا يَجُوزُ أَنْ يُرَدَّ الشَّرْعُ بِخِلَافِهِ , فَلَا يُتَصَوَّرُ نَسْخُ الشَّرْعِ بِهِ وَضَرْبٌ يَجُوزُ أَنْ يُرَدَّ الشَّرْعُ بِخِلَافِهِ وَالْبَقَاءِ عَلَى حُكْمِ الْأَصْلِ , وَذَلِكَ إِنَّمَا يَجِبُ الْعَمَلُ بِهِ عِنْدَ عَدَمِ الشَّرْعِ , فَإِذَا وُجِدَ الشَّرْعُ , بَطُلَتْ دَلَالَتُهُ , فَلَا يَجُوزُ النَّسْخُ بِهِ

فَمِنْ نَسْخِ الْقَوْلِ بِالْقَوْلِ: مَا أنا الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ , مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ الدَّاوُدِيُّ , أنا عُمَرُ بْنُ أَحْمَدَ الْوَاعِظُ , نا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الزَّبِيبِيُّ , بِالْعَسْكَرِ , نا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى الصَّنْعَانِيُّ , نا خَالِدٌ يَعْنِي ابْنَ الْحَارِثِ - , حَدَّثَنِي ابْنُ جُرَيْجٍ , قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ , عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ سَبْرَةَ , حَدَّثَهُ عَنْ أَبِيهِ , قَالَ: حَجَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , حَتَّى إِذَا كُنَّا بِعُسْفَانَ قَالَ: «§اسْتَمْتِعُوا بِهَذِهِ النِّسَاءِ» قَالَ: فَجِئْتُ أَنَا وَابْنُ عَمٍّ لِي بِبُرْدَيْنِ إِلَى امْرَأَةٍ , فَإِذَا بُرْدُ ابْنِ عَمِّي خَيْرٌ مِنْ بُرْدِي , وَأَنَا أَشَبُّ مِنْهُ , فَقَالَتْ: بُرْدٌ كَبُرْدٍ قَالَ: فَاسْتَمْتَعْتُ مِنْهَا عَلَى ذَلِكَ الْبُرْدِ - وَذَكَرَ أَجَلًا - حَتَّى إِذَا كَانَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ , قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «إِنِّي كُنْتُ أَمَرْتُكُمْ بِهَذِهِ الْمُتْعَةِ , وَإِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ , فَمَنْ كَانَ اسْتَمْتَعَ مِنَ امْرَأَةٍ , فَلَا يَرْجِعُ إِلَيْهَا , وَإِنْ كَانَ بَقِيَ مِنْ أَجَلِهِ شَيْءٌ فَلَا يَأْخُذْ مِنْهَا مِمَّا أَعْطَاهَا شَيْئًا»

مِنْ نَسْخِ الْفِعْلِ بِالْقَوْلِ: مَا أنا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ الْخَلَّالُ , أنا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ شَاذَانَ , نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْبَغَوِيُّ , نا هُدْبَةُ بْنُ خَالِدٍ , نا -[335]- هَمَّامٌ , نا قَتَادَةُ , عَنْ أَنَسٍ , قَالَ: أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَهْطٌ مِنْ عُرَيْنَةَ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ , قَدِ اجْتَوَيْنَا الْمَدِينَةَ , فَعَظُمَتْ بُطُونُنَا , §" فَأَمَرَهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَلْحَقُوا بِرَاعِي الْإِبِلِ فَيَشْرَبُوا مِنْ أَلْبَانِهَا وَأَبْوَالِهَا قَالَ: فَلَحِقُوا بِرَاعِي الْإِبِلِ فَشَرِبُوا مِنْ أَلْبَانِهَا وَأَبْوَالِهَا حَتَّى صَلَحَتْ بُطُونُهُمْ , فَارْتَدُّوا وَقَتَلُوا الرَّاعِيَ , وَاسْتَاقُوا الْإِبِلَ , فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَبَعَثَ فِي طَلَبِهِمْ فَجِيءَ بِهِمْ , فَقَطَّعَ أَيْدِيَهُمْ وَأَرْجُلَهُمْ وَسَمَّرَ أَعْيُنَهُمْ "

أنا طَلْحَةُ بْنُ عَلِيٍّ الْكَتَّانِيُّ , نا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَكَمِ الْوَاسِطِيُّ , أنا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُؤَدِّبُ , قَالَ: قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: «وَقَدْ ذَكَرَتِ الْعُلَمَاءُ أَنَّ هَذَا , قَدْ §نُسِخَ , وَأَنَّهُ كَانَ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ»

وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: نا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ , عَنْ هَمَّامِ بْنِ يَحْيَى , عَنْ قَتَادَةَ , عَنِ ابْنِ سِيرِينَ , قَالَ: كَانَ أَمْرُ الْعُرَنِيِّينَ قَبْلَ أَنْ تَنْزِلَ الْحُدُودُ قُلْتُ: سَمْلُ الْعَيْنَيْنِ مُثْلَةٌ , وَلَيْسَ حَدُّ الْمُرْتَدِّ وَالْقَاتِلِ إِلَّا الْقَتْلُ , «§وَقَدْ -[336]- نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , عَنِ الْمُثْلَةِ» , فَنَسَخَ بِنَهْيِهِ مَا كَانَ تَقَدَّمَهُ

أنا أَبُو نُعَيْمٍ الْحَافِظُ , نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ , نا يُوسُفُ بْنُ حَبِيبٍ , نا أَبُو دَاوُدَ , نا أَبُو عَامِرٍ صَالِحُ بْنُ رُسْتُمَ , عَنْ كَثِيرِ بْنِ شِنْظِيرٍ , عَنِ الْحَسَنِ , عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ , قَالَ: §«قَلَّ مَا قَامَ فِينَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا حَثَّنَا عَلَى الصَّدَقَةِ وَنَهَانَا عَنِ الْمُثْلَةِ»

مِنْ نَسْخِ الْفِعْلِ بِالْفِعْلِ مَا أنا عَلِيُّ بْنُ أَبِي عَلِيٍّ الْبَصْرِيُّ , نا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ الْبَزَّازُ , نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ , نا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ , أنا شُعْبَةُ , عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ , عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى , قَالَ: كَانَ سَهْلُ بْنُ حُنَيْفٍ , وقَيْسُ بْنُ سَعْدٍ قَاعِدَيْنِ بِبَابِ الْقَادِسِيَّةِ , فَمَرَّتْ بِهِمَا جِنَازَةٌ , فَقَامَا فَقِيلَ: إِنَّمَا هُوَ مِنْ أَهْلِ الْأَرْضِ , فَقَالَا: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , مَرَّتْ بِهِ جِنَازَةٌ , فَقَامَ فَقِيلَ , إِنَّمَا هِيَ جِنَازَةُ يَهُودِيٍّ فَقَالَ -[337]-: §«أَلَيْسَتْ نَفْسًا»

وَأَنَا عَلِيُّ بْنُ الْقَاسِمِ الْبَصْرِيُّ , نا عَلِيُّ بْنُ إِسْحَاقَ الْمَادَرَائِيُّ , نا ابْنُ الْجُنَيْدِ , نا الْحُمَيْدِيُّ , نا سُفْيَانُ , عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ , عَنْ وَاقِدٍ يَعْنِي ابْنَ عَمْرِو بْنِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ - عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ , عَنْ مَسْعُودِ بْنِ الْحَكَمِ , عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ , أَنَّهُ قَالَ: §«إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا قَامَ مَرَّةً وَاحِدَةً ثُمَّ لَمْ يُعِدْ»

وَمِنْ نَسْخِ الْقَوْلِ بِالْفِعْلِ مَا أنا أَبُو الْقَاسِمِ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ النَّجَّارُ , وَأَبُو طَاهِرٍ عَبْدُ الْغَفَّارِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْغَفَّارِ الْأُمَوِيُّ قَالَا: أنا يَعْقُوبُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ سَعْدِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ سُفْيَانَ النَّسَوِيُّ , نا جَدِّي , نا هُدْبَةُ بْنُ خَالِدٍ , نا هَمَّامٌ , عَنْ قَتَادَةَ , عَنْ شَهْرٍ , عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو , أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: §«مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فَاجْلِدُوهُ , فَإِنْ شَرِبَهَا فَاجْلِدُوهُ , فَإِنْ شَرِبَهَا الثَّالِثَةَ فَاجْلِدُوهُ , فَإِنْ شَرِبَهَا الرَّابِعَةَ فَاقْتُلُوهُ»

وَأَنَا أَبُو حَفْصٍ , عُمَرُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عُثْمَانَ الْبَزَّازُ بِعُكْبُرَا , وَأَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ هَارُونَ الْمُعَدِّلُ بِالنَّهْرَوَانِ قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ , مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ عُمَرَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ حَرْبٍ الطَّائِيُّ , نا عَلِيُّ بْنُ حَرْبٍ , نا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ , عَنِ الزُّهْرِيِّ , عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ ذُؤَيْبٍ , قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: §«إِذَا شَرِبَ الْخَمْرَ فَاجْلِدُوهُ , ثُمَّ إِذَا شَرِبَ الْخَمْرَ فَاجْلِدُوهُ , ثُمَّ إِذَا شَرِبَ الْخَمْرَ فَاجْلِدُوهُ , ثُمَّ إِذَا شَرِبَ الْخَمْرَ فَاقْتُلُوهُ» فَأُتِيَ بِرَجُلٍ قَدْ شَرِبَ فَجَلَدَهُ ثُمَّ أُتِيَ بِهِ فَجَلَدَهُ , ثُمَّ أُتِيَ بِهِ فَجَلَدَهُ , ثُمَّ أُتِيَ بِهِ الرَّابِعَةَ فَجَلَدَهُ , فَرَفَعَ الْقَتْلَ عَنِ النَّاسِ وَثَبَّتَ الْجِلْدَ , وَكَانَتْ رُخْصَةً

القول فيما يعرف به الناسخ من المنسوخ اعلم أن النسخ , قد يعلم بصريح النطق كما ذكرنا في حديث تحريم المتعة وقد يعلم بالإجماع , وهو: أن تجمع الأمة على خلاف ما ورد من الخبر , فيستدل بذلك على أنه منسوخ لأن الأمة لا تجتمع على الخطأ , مثال ذلك:

§الْقَوْلُ فِيمَا يُعْرَفُ بِهِ النَّاسِخُ مِنَ الْمَنْسُوخِ اعْلَمْ أَنَّ النَّسْخَ , قَدْ يُعْلَمُ بِصَرِيحِ النُّطْقِ كَمَا ذَكَرْنَا فِي حَدِيثِ تَحْرِيمِ الْمُتْعَةِ وَقَدْ يُعْلَمُ بِالْإِجْمَاعِ , وَهُوَ: أَنْ تُجْمِعَ الْأُمَّةُ عَلَى خِلَافِ مَا وَرَدَ مِنَ الْخَبَرِ , فَيُسْتَدَلُّ بِذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ مَنْسُوخٌ لِأَنَّ الْأُمَّةَ لَا تَجْتَمِعُ عَلَى الْخَطَأِ , مِثَالُ ذَلِكَ:

مَا أنا الْقَاضِي أَبُو عُمَرَ الْقَاسِمُ بْنُ جَعْفَرٍ , نا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ اللُّؤْلُؤِيُّ , نا أَبُو دَاوُدَ , نا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ , نا حَمَّادُ , عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ , عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَبَاحٍ الْأَنْصَارِيِّ , قَالَ: نا أَبُو قَتَادَةَ , أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ فِي سَفَرٍ لَهُ , فَمَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمِلْتُ مَعَهُ , فَقَالَ: «انْظُرْ» فَقُلْتُ: هَذَا رَاكِبٌ , هَذَانِ رَاكِبَانِ , هَؤُلَاءِ ثَلَاثَةٌ , حَتَّى صِرْنَا سَبْعَةً , فَقَالَ: «احْفَظُوا عَلَيْنَا صَلَاتِنَا» - يَعْنِي: صَلَاةَ الْفَجْرِ - فَضَرَبَ عَلَى آذَانِهِمْ , فَمَا أَيْقَظَهُمْ إِلَّا حُرُّ الشَّمْسِ , فَقَامُوا فَسَارُوا هُنَيَّةً , ثُمَّ نَزَلُوا فَتَوَضَّئُوا وَأَذَّنَ بِلَالٌ فَصَلَّوْا رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ , ثُمَّ صَلَّوَا الْفَجْرَ وَرَكِبُوا , فَقَالَ: بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: قَدْ فَرَّطْنَا فِي صَلَاتِنَا فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: §«إِنَّهُ لَا تَفْرِيطَ فِي النَّوْمِ , إِنَّمَا التَّفْرِيطُ فِي الْيَقَظَةِ , فَإِذَا سَهَا أَحَدُكُمْ عَنْ صَلَاةٍ فَلْيُصَلِّهَا حِينَ يَذْكُرُهَا , وَمِنَ الْغَدِ لِلْوَقْتِ» -[340]- وَالْأَمْرُ بِإِعَادَةِ الصَّلَاةِ الْمَنْسِيَّةِ بَعْدَ قَضَائِهَا حَالَ الذِّكْرِ مِنْ غَدِ ذَلِكَ الْوَقْتِ مَنْسُوخٌ لِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ أَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ وَاجِبٍ وَلَا مُسْتَحَبٍّ وَمِثْلُهُ

مَا أنا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ التَّمِيمِيُّ , أنا أَبُو بَكْرِ بْنُ بَابَا , نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ , حَدَّثَنِي أَبِي , نا وَكِيعٌ , عَنْ سُفْيَانَ , عَنْ عَاصِمٍ , عَنْ زِرٍّ , قَالَ: قُلْتُ لِحُذَيْفَةَ: أَيُّ سَاعَةٍ تَسَحَّرْتُمْ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: §«هُوَ النَّهَارُ إِلَّا أَنَّ الشَّمْسَ لَمْ تَطْلُعْ» وَأَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّ سُطُوعَ الْفَجْرِ يُحَرِّمُ الطَّعَامَ وَالشَّرَابَ عَلَى الصَّائِمِ , مَعَ بَيَانِ ذَلِكَ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ} [البقرة: 187] وَقَدْ يُعْلَمُ الْمَنْسُوخُ بِتَأَخُّرِ أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ عَنِ الْآخَرِ مَعَ التَّعَارُضِ: مِثَالُ ذَلِكَ:

مَا أنا أَبُو بَكْرٍ الْبُرْقَانِيُّ , قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى أَبِي الْعَبَّاسِ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ حَمْدَانَ , حَدَّثَكُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ شِيرَوَيْهِ , نا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ , نا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ , حَدَّثَنِي أَبِي , عَنْ قَتَادَةَ , عَنِ -[341]- الْحَسَنِ , عَنْ حِطَّانِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الرَّقَاشِيِّ , عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ الْوَحْيُ نَكَّسَ رَأْسَهُ وَنَكَّسَ أَصْحَابُهُ رُءُوسَهُمْ , فَلَمَّا سُرِّيَ عَنْهُ رَفَعَ رَأْسَهُ , فَقَالَ: §قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا: «الثَّيِّبُ بِالثَّيِّبِ , وَالْبِكْرُ بِالْبِكْرِ , أَمَّا الثَّيِّبُ فَيُجْلَدُ ثُمَّ يُرْجَمُ , وَأَمَّا الْبِكْرُ فَيُجْلَدُ ثُمَّ يُنْفَى»

وَأَنَا الْقَاضِي أَبُو عُمَرَ الْهَاشِمِيُّ , نا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ اللُّؤْلُؤِيُّ , نا أَبُو دَاوُدَ , نا أَبُو كَامِلٍ , نا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ , نا خَالِدٌ يَعْنِي الْحَذَّاءَ عَنْ عِكْرِمَةَ , عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ مَاعِزَ بْنَ مَالِكٍ , أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَقَالَ: إِنَّهُ زَنَى فَأَعْرَضَ عَنْهُ , فَأَعَادَ عَلَيْهِ مِرَارًا , فَأَعْرَضَ عَنْهُ , فَسَأَلَ قَوْمَهُ: «§أَمَجْنُونٌ هُوَ؟» قَالُوا: لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ قَالَ: «أَفَعَلْتَ بِهَا؟» قَالَ: نَعَمْ , فَأَمَرَ بِهِ أَنْ يُرْجَمَ فَانْطُلِقَ بِهِ فَرُجِمَ , وَلَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِ " قُلْتُ: رَجَمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَاعِزًا , مِنْ غَيْرِ أَنْ يَجْلِدَهُ دَلَّ عَلَى أَنَّ الْجَلْدَ الْمَذْكُورَ فِي حَدِيثِ عُبَادَةَ مَنْسُوخٌ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: مَا الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ قِصَّةَ مَاعِزٍ مُتَأَخِّرَةٌ عَنْ حَدِيثِ عُبَادَةَ؟ قُلْنَا دَلَّنَا عَلَى ذَلِكَ:

مَا أنا طَلْحَةُ بْنُ عَلِيٍّ الْكَتَّانِيُّ , نا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَكَمِ الْوَاسِطِيُّ , أنا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُؤَدِّبُ , نا أَبُو عُبَيْدٍ , نا حَجَّاجٌ , عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ , وَعُثْمَانُ بْنُ عَطَاءٍ , عَنْ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ , عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ , فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {§وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا} [النساء: 15] قَالَ: وَقَالَ فِي الْمُطَلَّقَاتِ: {لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} [الطلاق: 1] قَالَ: «هَؤُلَاءِ الْآيَاتُ قَبْلَ تَنْزِيلِ سُورَةِ النُّورِ فِي الْجَلْدِ , فَنَسَخَتْهَا هَذِهِ الْآيَةُ» {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} قَالَ: «وَالسَّبِيلُ الَّذِي جَعَلَهُ اللَّهُ لَهُنَّ الْجَلْدُ وَالرَّجْمُ فَإِذَا جَاءَتِ الْيَوْمَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ فَإِنَّهَا تُخْرَجُ وَتُرْجَمُ بِالْحِجَارَةِ» فَقَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا " إِلَى آخِرِ اللَّفْظِ هُوَ أَوَّلُ مَا نُسِخَ بِهِ الْحَبْسُ وَالْأَذَى عَنِ الزَّانِيَيْنِ , فَلَمَّا رَجَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَاعِزًا وَلَمْ يَجْلِدْهُ دَلَّ عَلَى نَسْخِ الْجَلْدِ عَنِ الزَّانِيَيْنِ الْحُرَّيْنِ الثَّيِّبَيْنِ , وَثَبَتَ الرَّجْمُ عَلَيْهِمَا لِأَنَّ كُلَّ شَيْءٍ أَبَدًا بَعْدَ أَوَّلٍ فَهُوَ آخِرٌ -[343]- فَيُعْلَمُ التَّأَخُّرُ فِي الْأَخْبَارِ بِضَبْطِ تَوَارِيخِ الْقَصَصِ , وَيُعْلَمُ أَيْضًا بِإِخْبَارِ الصَّحَابِيِّ , أَنَّ هَذَا وَرَدَ بَعْدَ هَذَا , كَمَا:

أنا أَبُو الْفَرَجِ عَبْدُ السَّلَامِ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ الْقُرَشِيُّ , أنا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ الطَّبَرَانِيُّ , نا أَبُو زُرْعَةَ الدِّمَشْقِيُّ , نا أَبُو الْيَمَانِ , نا شُعَيْبٌ , عَنِ الزُّهْرِيِّ , قَالَ أَخْبَرَنِي عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ , أَنَّ خَارِجَةَ بْنَ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ , أَخْبَرَهُ: أَنَّ أَبَاهُ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: §«تَوَضَّئُوا مِمَّا مَسَّتِ النَّارُ»

وَأَنَا الْقَاضِي أَبُو عُمَرَ الْهَاشِمِيُّ , نا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ اللُّؤْلُؤِيُّ , نا أَبُو دَاوُدَ , نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ , نا مَالِكٌ , عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ , عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ , عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ , أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ §«أَكَلَ كَتِفَ شَاةٍ , ثُمَّ صَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ»

أنا أَبُو الْفَرَجِ , مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَهْرَيَارَ الْأَصْبَهَانِيُّ , أنا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ الطَّبَرَانِيُّ , نا أَبُو زُرْعَةَ الدِّمَشْقِيُّ , نا عَلِيُّ بْنُ عَيَّاشٍ الْحِمْصِيُّ , نا شُعَيْبُ بْنُ أَبِي حَمْزَةَ , عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ , عَنْ جَابِرٍ , قَالَ -[344]-: §«كَانَ آخِرَ الْأَمْرَيْنِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَرْكُ الْوُضُوءِ مِمَّا مَسَّتِ النَّارُ»

أنا أَبُو مَنْصُورٍ , مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ الرَّوْيَانِيُّ , أنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الدَّارِكِيُّ , نا جَدِّي , نا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُمَرَ يَعْنِي رُسْتَةَ - , نا عَبْدُ الْوَهَّابِ الثَّقَفِيُّ , نا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو , قَالَ: سَمِعْتُ الزُّهْرِيَّ , يَقُولُ: §«يُؤْخَذُ بِالْأَحْدَاثِ فَالْأَحْدَاثُ مِنْ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ»

أنا أَبُو الْحَسَنِ , عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عُمَرَ الْمُقْرِئُ , أنا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي قَيْسٍ , نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي الدُّنْيَا , نا إِسْحَاقُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ , نا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ , نا سُفْيَانُ بْنُ حُسَيْنٍ , عَنِ الزُّهْرِيِّ , عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ , مَوْلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ قَالَ: سَمِعْتُ عَلِيًّا , يَقُولُ -[345]-: §«نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَحْتَبِسُوا لُحُومَ الْأَضَاحِي بَعْدَ ثَلَاثٍ»

أنا الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ الْحِيرِيُّ , نا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْأَصَمُّ , أنا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ , أنا الشَّافِعِيُّ , أنا مَالِكٌ , عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ , عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ وَاقِدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ , أَنَّهُ قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَكْلِ لُحُومِ الضَّحَايَا بَعْدَ ثَلَاثٍ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ: فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِعَمْرَةَ , فَقَالَتْ: صَدَقَ , سَمِعْتُ عَائِشَةَ تَقُولُ: دَفَّ نَاسٌ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ حَضْرَةَ الْأَضْحَى فِي زَمَانِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: §«ادَّخِرُوا لِثَلَاثٍ , وَتَصَدَّقُوا بِمَا بَقِيَ» قَالَتْ: فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ , قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ: لَقَدْ كَانَ النَّاسُ يَنْتَفِعُونَ مِنْ ضَحَايَاهُمْ , يَجْمُلُونَ مِنْهَا الْوَدَكَ , وَيَتَّخِذُونَ مِنْهَا الْأَسْقِيَةَ , فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَمَا ذَاكَ؟» - أَوْ كَمَا قَالَ - قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ: نَهَيْتَنَا عَنْ أَكْلِ لُحُومِ الضَّحَايَا بَعْدَ ثَلَاثٍ , فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّمَا نَهَيْتُكُمْ مِنْ أَجْلِ الدَّافَّةِ الَّتِي دَفَّتْ حَضْرَةَ الْأَضْحَى , فَكُلُوا وَتَصَدَّقُوا وَادَّخِرُوا»

أنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْكَاتِبُ , أنا أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ سَلْمٍ الْخُتَّلِيُّ , أنا أَحْمَدُ بْنُ مُوسَى الْجَوْهَرِيُّ , أنا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ , أنا الشَّافِعِيُّ , أنا ابْنُ عُيَيْنَةَ , عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَيْسَرَةَ , قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ , يَقُولُ: §«إِنَّا لَنَذْبَحُ مَا شَاءَ اللَّهُ مِنْ ضَحَايَانَا , ثُمَّ نَتَزَوَّدُ بَقِيَّتَهَا إِلَى الْبَصْرَةِ» قَالَ الشَّافِعِيُّ: " فَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ تَجْمَعُ مُعَانٍ: مِنْهَا: أَنَّ حَدِيثَ عَلِيٍّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي النَّهْيِ عَنْ إِمْسَاكِ لُحُومِ الْأَضَاحِي بَعْدَ ثَلَاثٍ , وَحَدِيثَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ وَاقِدٍ مُتَّفِقَانِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِيهِمَا دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ عَلِيًّا سَمِعَ النَّهْيَ مِنَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَأَنَّ النَّهْيَ بَلَغَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ وَاقِدٍ وَدِلَالَةٌ عَلَى أَنَّ الرُّخْصَةَ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ تَبْلُغْ عَلِيًّا وَلَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ وَاقِدٍ , وَلَوْ بَلَغَتْهُمَا الرُّخْصَةُ مَا حَدَّثَا بِالنَّهْيِ وَالنَّهْيُ مَنْسُوخٌ , وَتَرَكَا الرُّخْصَةَ وَالرُّخْصَةُ نَاسِخَةٌ , وَالنَّهْيُ مَنْسُوخٌ لَا يَسْتَغْنِي سَامِعُهُ عَنْ عِلْمِ مَا نَسَخَهُ -[347]- وَقَوْلُ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: كُنَّا نَهْبِطُ بِلُحُومِ الضَّحَايَا الْبَصْرَةِ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ أَنَسٌ سَمِعَ الرُّخْصَةَ وَلَمْ يَسْمَعِ النَّهْيَ قَبْلَهَا , فَتَزَوَّدَ بِالرُّخْصَةِ وَلَمْ يَسْمَعْ نَهْيًا , أَوْ سَمِعَ الرُّخْصَةَ وَالنَّهْيَ , فَكَانَ النَّهْيُ مَنْسُوخًا , فَلَمْ يَذْكُرْهُ , فَقَالَ: كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الْمُخْتَلِفَيْنِ بِمَا عَلِمَ وَهَكَذَا يَجِبُ عَلَى كُلِّ مَنْ سَمِعَ شَيْئًا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , أَوْ ثَبَتَ لَهُ عَنْهُ أَنْ يَقُولَ مِنْهُ بِمَا سَمِعَ حَتَّى يَعْلَمَ غَيْرَهُ قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَلَمَّا حُدِّثْتُ عَائِشَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالنَّهْيِ عَنْ إِمْسَاكِ لُحُومِ الضَّحَايَا بَعْدَ ثَلَاثٍ , ثُمَّ الرُّخْصَةِ فِيهَا بَعْدَ النَّهْيِ , وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَ أَنَّهُ إِنَّمَا نَهَى عَنْ إِمْسَاكِ لُحُومِ الضَّحَايَا بَعْدَ ثَلَاثٍ لِلدَّافَّةِ , كَانَ الْحَدِيثَ التَّامَّ الْمَحْفُوظَ أَوَّلُهُ وَآخِرُهُ , وَسَبَبُ التَّحْرِيمِ وَالْإِحْلَالِ فِيهِ حَدِيثُ عَائِشَةَ وَكَانَ عَلَى مَنْ عَلِمَهُ أَنْ يَصِيرَ إِلَيْهِ وَحَدِيثُ عَائِشَةَ مِنْ أَبْيَنِ مَا يُوجَدُ فِي النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ مِنَ السُّنَنِ , وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ بَعْضَ الْحَدِيثِ يُخْتَصَرُ فَيُحْفَظُ بَعْضُهُ دُونَ بَعْضٍ , فَيُحْفَظُ مِنْهُ شَيْءٌ كَانَ أَوَّلًا , وَلَا يُحْفَظُ آخِرًا , وَيُحْفَظُ آخِرًا وَلَا يُحْفَظُ أَوَّلًا , فَيُؤَدِّي كُلُّ مَا حُفِظَ , وَالرُّخْصَةُ بَعْدَهَا فِي الْإِمْسَاكِ وَالْأَكْلِ وَالصَّدَقَةِ مِنْ لُحُومِ الضَّحَايَا إِنَّمَا هِيَ لِوَاحِدٍ مِنْ مَعْنَيَيْنِ , لِاخْتِلَافِ الْحَالَيْنِ: فَإِذَا دَفَّتِ الدَّافَّةُ ثَبَتَ النَّهْيُ عَنْ إِمْسَاكِ لُحُومِ الضَّحَايَا بَعْدَ ثَلَاثٍ , وَإِذَا لَمْ تَدِفَّ دَافَّةٌ فَالرُّخْصَةُ ثَابِتَةٌ بِالْأَكْلِ وَالتَّزَوُّدِ , وَالْإِدِّخَارِ وَالصَّدَقَةِ -[348]- وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ النَّهْيُ عَنْ إِمْسَاكِ لُحُومِ الضَّحَايَا بَعْدَ ثَلَاثٍ مَنْسُوخًا بِكُلِّ حَالٍ , فَيُمْسِكُ الْإِنْسَانُ مِنْ ضَحِيَّتِهِ مَا شَاءَ وَيَتَصَدَّقُ بِمَا شَاءَ قُلْتُ: وَإِذَا تَعَارَضَ خَبَرَانِ مِنْ رِوَايَةِ صَحَابِيَّيْنِ كَانَ أَحَدُهُمَا أَقْدَمُ صُحْبَةً كَابْنِ مَسْعُودٍ , وَابْنِ عَبَّاسٍ , لَمْ يَجُزْ أَنْ يُنْسَخَ خَبَرُ الْأَقْدَمِ بِالْأَحْدَثِ لِأَنَّهُمَا عَاشَا إِلَى أَنْ قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْأَقْدَمُ سَمِعَ مَا رَوَاهُ بَعْدُ سَمَاعِ الْأَحْدَثِ , وَلِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْأَحْدَثُ أَرْسَلَهُ عَمَّنْ قَدُمَتْ صُحْبَتُهُ فَلَا تَكُونُ رِوَايَتُهُ مُتَأَخِّرَةٌ عَنْ رِوَايَةِ الْأَقْدَمِ , فَلَا يَجُوزُ النَّسْخُ مَعَ الِاحْتِمَالِ

باب القول في أفعال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يخلو فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم من أن يكون قربة أو ليس بقربة فإن لم يكن قربة فهو يدل على الإباحة , كما:

§بَابُ الْقَوْلِ فِي أَفْعَالِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَخْلُو فِعْلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَنْ يَكُونَ قُرْبَةٌ أَوْ لَيْسَ بِقُرْبَةٍ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ قُرْبَةٌ فَهُوَ يَدُلُّ عَلَى الْإِبَاحَةِ , كَمَا:

أنا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ السَّرَّاجُ , أنا بِشْرُ بْنُ أَحْمَدَ الْإِسْفِرَايِينِيُّ , أنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَلِيٍّ الذُّهْلِيُّ , نا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى , نا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ , قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ §«يَأْكُلُ الْقِثَّاءَ بِالرُّطَبِ» وَلَيْسَ تَخْلُو سُنَّةٌ رُوِيَتْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ فَائِدَةٍ أَوْ فَوَائِدَ , فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنَ الْفَوَائِدِ: أَنَّ قَوْمًا مِمَّنْ سَلَكَ طَرِيقَ الصَّلَاحِ وَالتَّزَهُّدِ قَالُوا: لَا يَحِلُّ لِلْآكِلِ أَنْ يَأْكُلَ تَلَذُّذًا , وَلَا عَلَى سَبِيلِ التَّشَهِّي وَالْإِعْجَابِ , وَلَا يَأْكُلُ إِلَّا مَا لَا بُدَّ مِنْهُ إِلَّا لِإِقَامَةِ الرَّمَقِ , فَلَمَّا جَاءَ هَذَا الْحَدِيثُ سَقَطَ قَوْلُ هَذِهِ الطَّائِفَةِ , وَصَلُحَ أَنْ يَأْكُلَ الْأَكْلَ تَشَهِّيًا وَتَفَكُّهًا وَتَلَذُّذًا -[350]- وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ أَيْضًا: إِنَّهُ لَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ شَيْئَيْنِ مِنَ الطَّعَامِ , وَلَا بَيْنَ أَدَمَيْنِ عَلَى خِوَانٍ , فَكَانَ هَذَا الْحَدِيثُ يَرُدُّ عَلَى صَاحِبِ هَذَا الْقَوْلِ , وَيُبِيحُ أَنْ يَجْمَعَ الْإِنْسَانُ بَيْنَ لَوْنَيْنِ مِنَ الطَّعَامِ , وَبَيْنَ أَدَمَيْنِ وَأَكْثَرَ وَكُلُّ مَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْأَفْعَالِ الَّتِي لَيْسَتْ قُرُبَاتٍ , نَحْوُ الشُّرْبِ وَاللِّبَاسِ وَالْقُعُودِ وَالْقِيَامِ , فَكُلُّ ذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى الْإِبَاحَةِ وَأَمَّا إِنْ كَانَ فِعْلَ قُرْبَةٍ: فَلَا يَخْلُو مِنْ أَنْ يَكُونَ بَيَانًا لِغَيْرِهِ , أَوِ ابْتِدَاءً مِنْ غَيْرِ سَبَبٍ فَإِنْ كَانَ بَيَانًا لِغَيْرِهِ , فَحُكْمُهُ مَأْخُوذٌ مِنَ الْمُبَيَّنِ , فَإِنْ كَانَ الْمُبَيَّنُ وَاجِبًا , كَانَ الْبَيَانُ وَاجِبًا , وَإِنْ كَانَ الْمُبَيَّنُ نَدْبًا , كَانَ الْبَيَانُ نَدْبًا وَإِنْ كَانَ فِعْلًا مُبْتَدًا , مِنْ غَيْرِ سَبَبٍ فَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا: أَنَّهُ عَلَى الْوُجُوبِ , إِلَّا أَنْ يَدُلَّ الدَّلِيلُ عَلَى غَيْرِهِ وَالثَّانِي: أَنَّهُ عَلَى النَّدْبِ , إِلَّا أَنْ يَدُلَّ الدَّلِيلُ أَنَّهُ عَلَى الْوُجُوبِ وَالثَّالِثُ: أَنَّهُ عَلَى الْوَقْفِ , فَلَا يُحْمَلُ عَلَى الْوُجُوبِ وَلَا عَلَى النَّدْبِ إِلَّا بِدَلِيلٍ , وَهُوَ الْأَصَحُّ , لِأَنَّ الْفِعْلَ لَا يُعْلَمُ عَلَى أَيِّ وَجْهٍ فَعَلَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَخْصُوصًا بِهِ دُونَ أُمَّتِهِ , وَإِذَا لَمْ يُعْلَمْ عَلَى أَيِّ وَجْهٍ أَوْقَعَهُ وَجَبَ التَّوَقُّفُ فِيهِ , حَتَّى يَدُلَّ الدَّلِيلُ وَإِذَا فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا , وَعُرِفَ أَنَّهُ فَعَلَهُ عَلَى وَجْهِ الْوُجُوبِ -[351]- أَوِ النَّدْبِ , كَانَ ذَلِكَ شَرْعًا لَنَا , إِلَّا أَنْ يَدُلَّ الدَّلِيلُ عَلَى تَخْصِيصِهِ بِذَلِكَ , وَالْحُجَّةُ فِيهِ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب: 21] وَلِأَنَّ الصَّحَابَةَ كَانُوا يَرْجِعُونَ فِيمَا أَشْكَلَ عَلَيْهِمْ إِلَى أَفْعَالِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَيَقْتَدُونَ بِهِ فِيهَا , فَدَلَّ عَلَى أَنَّهَا شَرْعٌ فِي حَقِّ الْجَمِيعِ

أنا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُعَدِّلُ , نا أَحْمَدُ بْنُ سَلْمَانَ النِّجَادُ , إِمْلَاءً , نا الْحَسَنُ بْنُ مُكْرَمٍ , نا أَبُو عُمَرَ الْحَوْضِيُّ , نا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ , عَنْ أَيُّوبَ , عَنْ نَافِعٍ , عَنِ ابْنِ عُمَرَ , قَالَ: رَأَيْتُ عُمَرَ قَبَّلَ الْحَجَرَ , وَقَالَ: §«وَاللَّهِ إِنِّي لَأَعْلَمُ أَنَّكَ حُجَرٌ لَا تَضُرُّ وَلَا تَنْفَعُ , وَلَوْلَا أَنِّي رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبَّلَكَ مَا قَبَّلْتُكَ»

أنا عَلِيُّ بْنُ الْقَاسِمِ بْنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيُّ , نا عَلِيُّ بْنُ إِسْحَاقَ الْمَادَرَائِيُّ , نا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ , نا بِشْرُ بْنُ عُبَيْسٍ , نا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي فُدَيْكٍ , عَنْ هِشَامِ بْنِ سَعْدٍ , عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ , عَنْ أَبِيهِ , قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ , يَقُولُ -[352]-: §" فِيمَ الرَّمَلَانُ وَالْكَشْفُ عَنِ الْمَنَاكِبِ , وَقَدْ أَطَّأَ اللَّهُ الْإِسْلَامَ , وَنَفَى الْكُفْرَ وَأَهْلَهُ , وَمَعَ ذَلِكَ لَا نَتْرُكُ شَيْئًا كُنَّا نَصْنَعُهُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَيَقَعُ بِالْفِعْلِ جَمِيعُ أَنْوَاعِ الْبَيَانِ مَعَ بَيَانِ الْمُجْمَلِ , وَتَخْصِيصِ الْعُمُومِ وَالنَّسْخِ وَإِنْ تَعَارَضَ قَوْلٌ وَفِعْلٌ فِي الْبَيَانِ: فَفِيهِ أَوْجُهٌ ثَلَاثَةٌ: أَحَدُهَا: أَنَّ الْقَوْلَ أَوْلَى وَالثَّانِي: أَنَّ الْفِعْلَ أَوْلَى وَالثَّالِثُ: أَنَّهُمَا سَوَاءٌ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ , لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْبَيَانِ هُوَ الْقَوْلُ , أَلَا تُرَاهُ يَتَعَدَّى بِصِيغَتِهِ؟ وَالْفِعْلُ لَا يَتَعَدَّى إِلَّا بِدَلِيلٍ , فَكَانَ الْقَوْلُ أَوْلَى

باب القول فيما يرد به خبر الواحد

§بَابُ الْقَوْلِ فِيمَا يَرُدُّ بِهِ خَبَرُ الْوَاحِدِ

أنا أَبُو الْحُسَيْنِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ مُحَمَّدٍ , أنا عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ النَّاقِدُ , نا أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ , نا دَاوُدُ بْنُ عَمْرٍو , نا صَالِحُ بْنُ مُوسَى , نا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ رُفَيْعٍ , عَنْ أَبِي صَالِحٍ , عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ , قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: §«إِنَّهَا سَتَأْتِيكُمْ عَنِّي أَحَادِيثُ مُخْتَلِفَةٌ , فَمَا آتَاكُمْ مُوَافِقًا لِكِتَابِ اللَّهِ وَلِسُنَّتِي فَهُوَ مِنِّي , وَمَا آتَاكُمْ مُخَالِفًا لِكِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي»

حَدَّثَنِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ , مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الصُّورِيُّ , أنا الْخَصِيبُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْقَاضِي , بِمِصْرَ , أنا أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ حَمْدَانَ الطُّرَسُوسِيُّ , حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْبَزَّازُ , نا جَعْفَرُ بْنُ

مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى بْنِ نُوحٍ , قَالَ: قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى بْنِ الطَّبَّاعِ: §«كُلُّ حَدِيثٍ جَاءَكَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَبْلُغْكَ أَنَّ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِهِ فَعَلَهُ فَدَعْهُ» إِذَا رَوَى الثِّقَةُ الْمَأْمُونُ خَبَرًا مُتَّصِلَ الْإِسْنَادِ رُدَّ بِأُمُورٍ: أَحَدُهَا: أَنْ يُخَالِفَ مُوجِبَاتِ الْعُقُولِ فَيُعْلَمُ بُطْلَانُهُ , لِأَنَّ الشَّرْعَ إِنَّمَا يُرَدُّ بِمُجَوِّزَاتِ الْعُقُولِ , وَأَمَّا بِخِلَافِ الْعُقُولِ , فَلَا وَالثَّانِي: أَنْ يُخَالِفَ نَصَّ الْكِتَابِ أَوِ السُّنَّةِ الْمُتَوَاتِرَةِ , فَيَعْلَمُ أَنَّهُ لَا أَصْلَ لَهُ أَوْ مَنْسُوخٌ وَالثَّالِثُ: أَنْ يُخَالِفَ الْإِجْمَاعَ , فَيُسْتَدَلُّ عَلَى أَنَّهُ مَنْسُوخٌ أَوْ لَا أَصْلَ لَهُ , لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ صَحِيحًا غَيْرَ مَنْسُوخٍ , وَتُجْمِعُ الْأُمَّةُ عَلَى خِلَافِهِ , وَهَذَا هُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ الطَّبَّاعِ فِي الْخَبَرِ الَّذِي سُقْنَاهُ عَنْهُ أَوَّلَ البَابِ وَالرَّابِعُ: أَنْ يَنْفَرِدَ الْوَاحِدُ بِرَاوِيَةِ مَا يَجِبُ عَلَى كَافَّةِ الْخَلْقِ عِلْمُهُ , فَيَدُلُّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ لَا أَصْلَ لَهُ , لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَصْلٌ , وَيَنْفَرِدُ هُوَ بِعِلْمِهِ مِنْ بَيْنِ الْخَلْقِ الْعَظِيمِ وَالْخَامِسُ: أَنْ يَنْفَرِدَ الْوَاحِدُ بِرَاوِيَةِ مَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ , بِأَنْ يَنْقُلَهُ أَهْلُ التَّوَاتُرِ فَلَا يُقْبَلُ , لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ , أَنْ يَنْفَرِدَ فِي مِثْلِ هَذَا بِالرِّوَايَةِ

فَأَمَّا إِذَا وَرَدَ مُخَالِفًا لِلْقِيَاسِ , أَوِ انْفَرَدَ الْوَاحِدُ بِرَاوِيَةِ مَا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى لَمْ يُرَدَّ وَقَالَ قَوْمٌ مِمَّنْ يَنْتَحِلُ مَذْهَبَ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ: إِذَا كَانَ مُخَالِفًا لِلْقِيَاسِ , لَمْ يَجُزِ الْعَمَلُ بِهِ , وَالْقِيَاسُ مُقَدَّمٌ عَلَيْهِ وَقَالَ قَوْمٌ مِمَّنْ يَنْتَسِبُ إِلَى مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ النُّعْمَانِ بْنِ ثَابِتٍ: لَا يَجُوزُ الْعَمَلُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ فِيمَا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى فَأَمَّا الْمَالِكِيُّونَ: فَقَدِ احْتَجَّ مَنْ نَصَرَهُمْ , بِأَنْ قَالَ: قِيَاسُ الْقَائِسِ يَتَعَلَّقُ بِفِعْلِهِ , وَهُوَ اسْتِدْلَالُهُ عَلَى صِحَّةِ الْعِلَّةِ فِي الْأَصْلِ , وَصِدْقُ الرَّاوِي فِي خَبَرِهِ مُغَيَّبٌ عَنْهُ غَيْرُ مُتَعَلِّقٍ بِفِعْلِهِ , وَثِقَتُهُ بِمَا هُوَ مُتَعَلِّقٌ بِفِعْلِهِ أَكْثَرُ مِنْهَا بِمَا هُوَ مُتَعَلِّقٌ بِغَيْرِهِ , فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ أَوْلَى وَهَذَا عِنْدَنَا خَطَأٌ: وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ مَا ذَهَبْنَا إِلَيْهِ:

مَا أنا الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ الْحِيرِيُّ , نا أَبُو الْعَبَّاسِ , مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْأَصَمُّ , أنا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ , أنا الشَّافِعِيُّ , أنا سُفْيَانُ , عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ , وَابْنُ طَاوُسٍ عَنْ طَاوُسٍ , أَنَّ عُمَرَ , قَالَ: أُذَكِّرُ اللَّهَ امْرَأٌ سَمِعَ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْجَنِينِ شَيْئًا؟ فَقَامَ حَمْلُ بْنُ مَالِكِ بْنِ النَّابِغَةَ , فَقَالَ: «كُنْتُ بَيْنَ جَارِيَتَيْنِ لِي - يَعْنِي ضُرَّتَيْنِ - فَضَرَبَتْ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى بِمِسْطَحٍ , فَأَلْقَتْ جَنِينًا , §فَقَضَى فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِغُرَّةٍ» فَقَالَ: عُمَرُ: لَوْ لَمْ نَسْمَعْ هَذَا لَقَضَيْنَا فِيهِ بِغَيْرِ هَذَا -[356]- رَوَاهُ ابْنُ جُرَيْجٍ , عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ , عَنْ طَاوُسٍ , عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَوْصُولًا , عَنْ عُمَرَ كَذَلِكَ أنا أَبُو نُعَيْمٍ الْحَافِظُ , نا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَسَنِ الصَّوَّافُ , نا بِشْرُ بْنُ مُوسَى , نا الْحُمَيْدِيُّ , نا هِشَامُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْمَخْزُومِيُّ , عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ , عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ , عَنْ طَاوُسٍ , عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ , مِثْلَ حَدِيثِ سُفْيَانَ أَوْ نَحْوَ. أنا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْهَمَذَانِيُّ , نا صَالِحُ بْنُ أَحْمَدَ الْحَافِظُ , نا مُحَمَّدُ بْنُ حَمْدَانَ الطَّرَائِفِيُّ , نا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ , نا الشَّافِعِيُّ , أنا سُفْيَانُ , عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ , وَابْنِ طَاوُسٍ , مِثْلَ حَدِيثِ الْأَصَمِّ , عَنِ الرَّبِيعِ , سَوَاءً , وَقَالَ فِيهِ: فَقَالَ: عُمَرُ: لَوْ لَمْ نَسْمَعْ هَذَا لَقَضَيْنَا فِيهِ بِغَيْرِ هَذَا وَقَالَ غَيْرُهُ: إِنْ كِدْنَا أَنْ نَقْضِيَ فِي مِثْلِ هَذَا بِرَأْيِنَا قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَقَدْ رَجَعَ عُمَرُ عَمَّا كَانَ يَقْضِي بِهِ لِحَدِيثِ الضَّحَّاكِ , إِلَى أَنَّ خَالَفَ حُكْمَ نَفْسِهِ , وَأَخْبَرَ فِي الْجَنِينِ أَنَّهُ لَوْ لَمْ نَسْمَعْ هَذَا لَقَضَيْنَا فِيهِ بِغَيْرِهِ , وَقَالَ: إِنْ كِدْنَا أَنَّ نَقْضِيَ فِي مِثْلِ هَذَا بِرَأْيِنَا قَالَ الشَّافِعِيُّ: يُخْبِرُ - وَاللَّهُ أَعْلَمُ - أَنَّ السُّنَّةَ إِذَا كَانَتْ مَوْجُودَةً بِأَنَّ فِي النَّفْسِ مِائَةً مِنَ الْإِبِلِ , فَلَا يَعْدُو الْجَنِينَ أَنْ يَكُونَ حَيًّا , فَيَكُونُ فِيهِ مِائَةٌ مِنَ الْإِبِلِ , أَوْ مَيِّتًا فَلَا شَيْءَ فِيهِ , فَلَمَّا أَخْبَرَ بِقَضَاءِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -[357]- فِيهِ سَلَّمَ لَهُ , وَلَمْ يَجْعَلْ لِنَفْسِهِ إِلَّا اتِّبَاعَهُ فِيمَا مَضَى حُكْمُهُ بِخِلَافِهِ , فِيمَا كَانَ رَأَيًا مِنْهُ لَمْ يَبْلُغْهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِ شَيْءٌ , وَتَرَكَ حُكْمَ نَفْسِهِ , وَكَذَلِكَ كَانَ فِي كُلِّ أَمْرِهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - , وَكَذَلِكَ يَلْزَمُ النَّاسَ أَنْ يَكُونُوا قُلْتُ: وَقَوْلُ عُمَرَ هَذَا كَانَ بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ الَّذِينَ ذَكَرَهُمْ , وَلَمْ يُنْكِرْهُ مِنْهُمْ مُنْكِرٌ , وَلَا خَالَفَهُ فِيهِ مُخَالِفٌ , فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ إِجْمَاعٌ مِنْهُمْ

أنا الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ الْحِيرِيُّ , نا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْأَصَمُّ , أنا الرَّبِيعُ , أنا الشَّافِعِيُّ , أنا سُفْيَانُ , وَعَبْدُ الْوَهَّابِ الثَّقَفِيُّ , عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ , عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ , §«قَضَى فِي الْإِبْهَامِ بِخَمْسَةَ عَشَرَةَ وَفِي الَّتِي تَلِيهَا بِعَشْرٍ , وَفِي الْوسْطَى بِعَشْرٍ , وَفِي الَّتِي تَلِي الْخِنْصَرَ بِتِسْعٍ , وَفِي الْخِنْصَرِ بِسِتٍّ»

أنا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي طَاهِرٍ الدَّقَّاقُ , وَعَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ الرَّزَّازُ , وَالْحَسَنُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ قَالَ مُحَمَّدٌ -: أَنَا - وَقَالَا: - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الزُّبَيْرِ الْكُوفِيُّ , نا إِبْرَاهِيمُ بْنُ إِسْحَاقَ هُوَ ابْنُ أَبِي الْعَنْبَسِ الزُّهْرِيُّ الْقَاضِي , نا جَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ , أنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ , قَالَ: سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ , يَقُولُ: قَضَى عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فِي الْأَصَابِعِ , فِي الْإِبْهَامِ بِثَلَاثَ عَشْرَةَ , وَفِي الَّتِي تَلِيهَا بِاثْنَتَيْ عَشْرَةَ , وَفِي الْوسْطَى بِعَشْرَةٍ , وَفِي الَّتِي تَلِيهَا بِتِسْعٍ وَفِي الْخِنْصَرِ بِسِتٍّ , حَتَّى وُجِدَ كِتَابٌ عِنْدَ آلِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ , يَذْكُرُونَ أَنَّهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِ: «§وَفِيمَا هُنَالِكَ مِنَ الْأَصَابِعِ عَشْرٌ عَشْرٌ» قَالَ سَعِيدٌ: فَصَارَتِ الْأَصَابِعُ إِلَى عَشْرٍ عَشْرٍ "

أنا أَبُو الْحُسَيْنِ , مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عُثْمَانَ التَّمِيمِيُّ بِدِمَشْقَ , أنا الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ , يُوسُفُ بْنُ الْقَاسِمِ الْمَيَانِجِيُّ , أنا مُحَمَّدُ ابْنُ سَادِلٍ النَّيْسَابُورِيُّ , نا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيُّ , أنا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ الْجَزَرِيُّ , نا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ , عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قُسَيْطٍ , -[359]- عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ , قَالَ: كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَجْعَلُ فِي الْإِبْهَامِ وَالَّتِي تَلِيهَا نِصْفَ دِيَةِ الْكَفِّ , وَيَجْعَلُ فِي الْإِبْهَامِ خَمْسَ عَشْرَةَ , وَفِي الَّتِي تَلِيهَا عَشْرًا , وَفِي الْوسْطَى عَشْرًا , وَفِي الَّتِي تَلِيهَا تِسْعًا , وَفِي الْآخِرَةِ سِتًّا , حَتَّى كَانَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ , فَوَجَدَ كِتَابًا كَتَبَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَمْرِو بْنِ حَزْمٍ فِيهِ: §«وَفِي الْأَصَابِعِ عَشْرٌ عَشْرٌ» فَصَيَّرَهَا عُثْمَانُ عَشْرًا عَشْرًا

أنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْكَاتِبُ , أنا أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ سَلْمٍ , أنا أَحْمَدُ بْنُ مُوسَى الْجَوْهَرِيُّ , أنا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ , قَالَ: قَالَ الشَّافِعِيُّ: §«لَمَّا كَانَ مَعْرُوفًا - وَاللَّهُ أَعْلَمُ - عِنْدَ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , قَضَى فِي الْيَدِ بِخَمْسِينَ وَكَانَتِ الْيَدُ خَمْسَةَ أَطْرَافٍ مُخْتَلِفَةَ الْحَالِ وَالْمَنَافِعِ نَزَّلَهَا مَنَازِلَهَا , فَحَكَمَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْأَطْرَافِ بِقَدْرِهِ مِنْ دِيَةِ الْكَفِّ , وَهَذَا قِيَاسٌ عَلَى الْخَبَرِ» قَالَ الشَّافِعِيُّ: " فَلَمَّا وُجِدَ كِتَابُ آلِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ فِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: وَفِي كُلِّ أُصْبُعٍ مِمَّا هُنَالِكَ عَشْرٌ مِنَ الْإِبِلِ صَارُوا إِلَيْهِ قَالَ: وَلَمْ يَقْبَلُوا كِتَابَ آلِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ - وَاللَّهُ أَعْلَمُ - حَتَّى ثَبَتَ لَهُمْ أَنَّهُ كِتَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلَالَتَانِ: أَحَدُهُمَا: قَبُولُ الْخَبَرِ , وَالْآخَرُ: أَنْ يُقْبَلَ الْخَبَرُ فِي الْوَقْتِ الَّذِي يُثَبِّتُ فِيهِ وَإِنْ لَمْ يَمْضِ عَمَلٌ مِنَ الْأَئِمَّةِ بِمِثْلِ الْخَبَرِ الَّذِي قَبِلُوا , وَدِلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُ لَوْ مَضَى

أَيْضًا عَمَلٌ مِنْ أَحَدً مِنَ الْأَئِمَّةِ , ثُمَّ وُجِدَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَبَرٌ يُخَالِفُ عَمَلُهُ لَتُرِكَ عَمَلُهُ لِخَبَرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَدِلَالَةٌ عَلَى أَنَّ حَدِيثَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُثَبِّتُ بِنَفْسِهِ لَا بِعَمَلِ غَيْرِهِ بَعْدَهُ " قَالَ الشَّافِعِيُّ: «وَلَمْ يَقُلِ الْمُسْلِمُونَ قَدْ عَمِلَ فِينَا عُمَرُ بِخِلَافِ هَذَا بَيْنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ , وَلَمْ تَذْكُرُوا أَنْتُمْ أَنَّ عِنْدَكُمْ خِلَافَهُ وَلَا غَيْرُكُمْ , بَلْ صَارُوا إِلَى مَا وَجَبَ عَلَيْهِمْ مِنْ قَبُولِ الْخَبَرِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَتَرْكِ كُلِّ عَمَلٍ خَالَفَهُ , وَلَوْ بَلَغَ عُمَرَ هَذَا صَارَ إِلَيْهِ - إِنْ شَاءَ اللَّهُ - كَمَا صَارَ إِلَى غَيْرِهِ فِيمَا بَلَغَهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِتَقْوَاهُ لِلَّهِ , وَتَأْدِيَتِهِ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ فِي اتِّبَاعِ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَعِلْمِهِ بِأَنْ لَيْسَ لِأَحَدٍ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمْرٌ , وَأَنَّ طَاعَةَ اللَّهِ فِي اتِّبَاعِ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ»

أنا أَبُو سَعِيدٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى الصَّيْرَفِيُّ , نا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْأَصَمُّ , نا بَحْرُ بْنُ نَصْرٍ , نا ابْنُ وَهْبٍ , حَدَّثَنِي مَالِكٌ , وَأُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ اللَّيْثِيُّ , وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ , عَنْ رَبِيعَةَ , أَنَّهُ سَأَلَ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ: كَمْ فِي أُصْبُعِ الْمَرْأَةِ؟ قَالَ: «عَشْرٌ» قَالَ: كَمْ فِي اثْنَتَيْنِ؟ قَالَ: «عِشْرُونَ» قَالَ: كَمْ فِي ثَلَاثٍ؟ قَالَ: «ثَلَاثُونَ» قَالَ: كَمْ فِي أَرْبَعٍ؟ قَالَ: «عِشْرُونَ» قَالَ رَبِيعَةُ: حِينَ عَظُمَ جَرْحُهَا وَاشْتَدَّتْ مُصِيبَتُهَا نَقَصَ

عَقْلُهَا؟ قَالَ: «أَعِرَاقِيُّ أَنْتَ؟» قَالَ رَبِيعَةُ: عَالِمٌ مُتَثَبِّتٌ أَوْ جَاهِلٌ مُتَعَلِّمٌ قَالَ «يَا ابْنَ أَخِي , §إِنَّهَا السُّنَّةُ» هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ: مُبْنِيَّةٌ عَلَى أَصْلٍ لِفُقَهَاءِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ , هُوَ: أَنَّ عَقْلَ جِرَاحَاتِ الْمَرْأَةِ مِثْلُ عَقْلِ الرَّجُلِ إِلَى ثُلُثِ الدِّيَةِ , فَإِذَا بَلَغَتْ ثُلُثَ الدِّيَةِ فَصَاعِدًا كَانَتْ عَلَى النِّصْفِ مِنْ دِيَةِ الرَّجُلِ وَهَذَا قَوْلٌ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ , وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ , وَإِلَيْهِ ذَهَبَ ابْنُ الْمُسَيِّبِ , وعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ , وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ , وَابْنُ شِهَابٍ الزُّهْرِيُّ , وَأَهْلُ الْمَدِينَةِ , إِذَا رَأَوَا الْعَمَلَ بِهَا عَلَى شَيْءٍ قَالُوا: هُوَ: سُنَّةٌ , يُرِيدُونَ أَنَّ ذَلِكَ الْعَمَلَ إِنَّمَا تُلُقِّيَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , لِكَوْنِهِ بِالْمَدِينَةِ إِلَى حِينِ وَفَاتِهِ , وَنَحْنُ وَإِنْ كُنَّا نَذْهَبُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إِلَى غَيْرِ قَوْلِهِمْ , فَإِنَّ احْتِجَاجَنَا مِنْ خَبَرِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ إِنَّمَا هُوَ بِتَرْكِهِ مَا يُوجِبُهُ الْقِيَاسُ مِنْ أَنَّ الْجِرَاحَاتِ كُلَّمَا كَثُرَتِ اقْتَضَتِ الزِّيَادَةَ فِي الْعَقْلِ عَلَى مَا نُقِضَ عَنْهَا , وَأَنَّ ابْنَ الْمُسَيِّبِ تَرَكَ الْقِيَاسَ لَمَّا رَأَى أَنَّهُ السُّنَّةُ وَيَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ مَا ذَكَرْنَاهُ أَيْضًا أَنَّ الْخَبَرَ يَدُلُّ عَلَى قَصْدِ صَاحِبِ الشَّرْعِ بِصَرِيحِهِ , وَالْقِيَاسُ يَدُلُّ عَلَى قَصْدِهِ بِالِاسْتِدْلَالِ , وَالصَّرِيحُ أَقْوَى , فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ التَّقْدِيمُ أَوْلَى وَأَيْضًا فَإِنَّ الْقِيَاسَ يُفْتَقَرُ إِلَى الِاجْتِهَادِ فِي مَوْضِعَيْنِ: أَحَدُهُمَا: فِي ثُبُوتِ الْعِلَّةِ فِي الْأَصْلِ

وَالثَّانِي: فِي الْحُكْمِ فِي الْفَرْعِ , لِأَنَّ مِنَ النَّاسِ مَنْ قَالَ: إِذَا ثَبَتَتِ الْعِلَّةُ فِي الْأَصْلِ , لَا يَجِبُ الْحُكْمُ بِهَا فِي الْفَرْعِ , إِلَّا أَنْ يَحْصُلَ الْأَمْرُ بِالْقِيَاسِ , وَالِاجْتِهَادُ فِي خَبَرِ الْوَاحِدِ إِنَّمَا هُوَ فِي ثُبُوتِ صِدْقِ الرَّاوِي , فَإِذَا ثَبَتَ صِدْقُهُ مِنْ طَرِيقٍ يُوجِبُ الظَّنَّ لَزِمَ الْمَصِيرُ إِلَى خَبَرِهِ , وَلَمْ يَبْقَ مَوْضِعٌ آخَرَ يَحْتَاجُ إِلَى الِاجْتِهَادِ فِيهِ , وَلِأَنَّ طَرِيقَ ثُبُوتِ صِدْقِهِ فِي الظَّاهِرِ أَجْلَى مِنْ طَرِيقِ ثُبُوتِ الْعِلَّةِ , لِأَنَّ الَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ عَادَتُهُ فِي الزَّمَانِ الطَّوِيلِ فِي اتِّبَاعِ الطَّاعَاتِ , وَتَحَرَّي الصِّدْقِ , وَتَجَنُّبِ الْإِثْمِ , فَتَدُلُّ هَذِهِ الْعَادَةُ عَلَى أَنَّهُ مُخْتَارٌ لِلصِّدْقِ فِيمَا حَدَّثَ بِهِ فَيَكُونُ أَوْلَى مِنْ طَرِيقِ ثُبُوتِ الْعِلَّةِ فَأَمَّا الْجَوَابُ عَمَّا قَالَهُ الْمُخَالِفُ أَنَّ الْقِيَاسَ يَتَعَلَّقُ بِاسْتِدْلَالِ الْقَائِسِ وَصِدْقِ الرَّاوِي مُغَيَّبٌ عَنْهُ , فَهُوَ أَنَّهُمَا سَوَاءٌ لِأَنَّهُ مُسْتَدَلٌّ عَلَى صِدْقِ الرَّاوِي بِمَا يُعْلَمُ مِنْ أَفْعَالِهِ الدَّالَّةِ عَلَى صِدْقِهِ , كَمَا أَنَّ الْقِيَاسَ مُسْتَدَلٌّ عَلَى أَنَّ صَاحِبَ الشَّرِيعَةِ حَكَمَ فِي الْأَصْلِ لِمَعْنًى مِنَ الْمَعَانِي وَقَصَدَهُ , فَيَكُونُ ثُبُوتُ قَصْدِ صَاحِبِ الشَّرِيعَةِ بِالنَّظَرِ فِي الْأَمَارَاتِ الدَّالَّةِ عَلَيْهِ , كَثُبُوتِ صِدْقِ الرَّاوِي , وَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا

فصل وأما الحنفيون فقد قال من يحتج لهم: إذا عم البلوى , كثر السؤال , وإذا كثر السؤال , كثر الجواب , ويكون النقل على حسب البيان , فإذا نقل خاصا علم أنه لا أصل له وهذا عندنا غير صحيح والدليل على وجوب قبوله , أنه خبر عدل فيما يتعلق بالشرع مما لا طريق فيه

§فَصْلٌ وَأَمَّا الْحَنَفِيُّونَ فَقَدْ قَالَ مَنْ يُحْتَجُّ لَهُمْ: إِذَا عَمَّ الْبَلْوَى , كَثُرَ السُّؤَالُ , وَإِذَا كَثُرَ السُّؤَالُ , كَثُرَ الْجَوَابُ , وَيَكُونُ النَّقْلُ عَلَى حَسَبِ الْبَيَانِ , فَإِذَا نُقِلَ خَاصًّا عُلِمَ أَنَّهُ لَا أَصْلَ لَهُ وَهَذَا عِنْدَنَا غَيْرُ صَحِيحٍ وَالدَّلِيلُ عَلَى وُجُوبِ قَبُولِهِ , أَنَّهُ خَبَرٌ عَدْلٌ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالشَّرْعِ مِمَّا لَا طَرِيقَ فِيهِ لِلْعِلْمِ وَلَا يُعَارِضُهُ مِثْلُهُ , فَوَجَبَ

الْعَمَلُ بِهِ قِيَاسًا عَلَى مَا لَا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى , وَلِأَنَّ شُرُوطَ الْبُيُوعِ وَالْأَنْكِحَةِ , وَمَا يَعْرِضُ فِي الْوُضُوءِ مِمَّا خَرَجَ مِنْ غَيْرِ السَّبِيلَيْنِ , وَالْمَشْيَ مَعَ الْجِنَازَةِ , وَبَيْعَ رِبَاعِ مَكَّةَ وَإِجَارَتَهَا , وَوُجُوبَ الْوِتْرِ , وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ قَدْ أَثْبَتَهُ الْمُخَالِفُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ وَهُوَ مِمَّا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى فَأَمَّا قَوْلُهُ: أَنَّ السُّؤَالَ يَكْثُرُ عَنْهُ , فَالْجَوَابُ عَنْهُ: أَنَّ النَّقْلَ لَا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ عَلَى حَسَبِ الْبَيَانِ لِأَنَّ الصَّحَابَةَ كَانَتْ دَوَاعِيهُمْ مُخْتَلِفَةً , وَكَانَ بَعْضُهُمْ لَا يَرَى الرِّوَايَةَ وَيُؤْثِرُ عَلَيْهَا الِاشْتِغَالَ بِالْجِهَادِ , وَقَالَ السَّائِبُ بْنُ يَزِيدَ: صَحِبْتُ سَعْدَ بْنَ أَبَى وَقَّاصٍ مِنَ الْمَدِينَةِ إِلَى مَكَّةَ فَلَمْ أَسْمَعْهُ يَرْوِي عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدِيثًا وَرُوِي: إِلَّا حَدِيثًا حَتَّى رَجَعَ وَجَوَابٌ آخَرُ: وَهُوَ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُتَعَبَّدَ اللَّهُ تَعَالَى فِيمَا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى بِالظَّنِّ وَرُجُوعِ الْعَامَّةِ إِلَى اجْتِهَادِ أَهْلِ الْعِلْمِ فَيُلْقِي الرَّسُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحُكْمَ إِلْقَاءً خَاصًّا فَلَا يَظْهَرُ , وَيَكُونُ مَنْ بَلَغَهُ خَبَرُهُ يَلْزَمُهُ حُكْمُهُ وَمَنْ لَمْ يَبْلُغْهُ خَبَرُهُ يَكُونُ مَأْمُورًا بِالِاجْتِهَادِ , وَطَلَبُ ذَلِكَ الْحُكْمِ مِنْ جِهَةِ الْخَبَرِ عَلَى أَنَّ مَا ذَكَرَهُ الْمُخَالِفُ يُبْطِلُ بِمَا وَصَفْنَاهُ مِنَ الْأَحْكَامِ الَّتِي أَثْبَتَهَا مِنْ طَرِيقِ الْآحَادِ , وَكُلُّ جَوَّابٍ لَهُ عَنْهَا فَهُوَ جَوَابُنَا عَمَّا ذَكَرَهُ

ذكر ما روي من رجوع الصحابة عن آرائهم التي رأوها إلى أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم إذا سمعوها ووعوها

§ذِكْرُ مَا رُوِيَ مِنْ رُجُوعِ الصَّحَابَةِ عَنْ آرَائِهِمُ الَّتِي رَأَوْهَا إِلَى أَحَادِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا سَمِعُوهَا وَوَعَوْهَا

أنا أَبُو نُعَيْمٍ الْحَافِظُ , نا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَسَنِ الصَّوَّافُ , نا بِشْرُ بْنُ مُوسَى , نا الْحُمَيْدِيُّ , نا سُفْيَانُ , نا الزُّهْرِيُّ , عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ , وَأَنَا الْقَاضِي أَبُو عُمَرَ الْهَاشِمِيُّ , نا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ اللُّؤْلُؤِيُّ , نا أَبُو دَاوُدَ , نا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ , نا سُفْيَانُ , عَنِ الزُّهْرِيِّ , عَنْ سَعِيدٍ , قَالَ: كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَقُولُ: الدِّيَةُ لِلْعَاقِلَةِ لَا تَرِثُ الْمَرْأَةُ مِنْ دِيَةِ زَوْجِهَا شَيْئًا , حَتَّى قَالَ لَهُ الضَّحَّاكُ بْنُ سُفْيَانَ: " §كَتَبَ إِلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّ أُوَرِّثَ امْرَأَةَ أَشْيَمَ الضِّبَابِيِّ مِنْ دِيَةِ زَوْجِهَا " فَرَجَعَ عُمَرُ - زَادَ الْحُمَيْدِيُّ: - عَنْ قَوْلِهِ. وَقَالَ أَحْمَدُ , نا عَبْدُ الرَّزَّاقِ بِهَذَا الْحَدِيثِ , عَنْ مَعْمَرٍ , عَنِ الزُّهْرِيِّ , عَنْ سَعِيدٍ وَقَالَ فِيهِ: وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَعْمَلَهُ عَلَى الْأَعْرَابِ

أنا أَبُو عَلِيٍّ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الصَّيْدَلَانِيُّ بِأَصْبَهَانَ , أنا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ الطَّبَرَانِيُّ , نا إِسْحَاقُ الدَّبَرِيُّ , أنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ , -[365]- عَنْ مَعْمَرٍ , عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَنْصَارِيِّ , عَنِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ , قَالَ: قَضَى عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فِي الْأَصَابِعِ بِقَضَاءٍ ثُمَّ أُخْبِرَ بِكِتَابٍ كَتَبَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِابْنِ حَزْمٍ: §«فِي كُلِّ أُصْبُعٍ مِمَّا هُنَالِكَ عَشْرٌ مِنَ الْإِبِلِ» فَأَخَذَ بِهِ , وَتَرَكَ أَمْرَهُ الْأَوَّلَ

أنا أَبُو بَكْرٍ الْبُرْقَانِيُّ , قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى أَبِي مُحَمَّدٍ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَاسِيٍّ , أَخْبَرَكُمْ يُوسُفُ الْقَاضِي , نا مُسَدَّدٌ , نا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ , عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ , أَخْبَرَنِي أَبِي , قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو أَيُّوبَ , قَالَ: أَخْبَرَنِي أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ , أَنَّهُ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِذَا جَامَعَ الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ فَلَمْ يُنْزِلْ؟ قَالَ: §«يَغْسِلُ مَا مَسَّ الْمَرْأَةَ مِنْهُ ثُمَّ يَتَوَضَّأُ»

أنا الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ الْحِيرِيُّ , نا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْأَصَمُّ , أنا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ , أنا الشَّافِعِيُّ , أنا غَيْرُ وَاحِدٍ , مِنْ ثِقَاتِ أَهْلِ الْعِلْمِ , عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ , عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ , قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِذَا جَامَعَ أَحَدُنَا فَأَكْسَلَ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: §«يَغْسِلُ مَا مَسَّ الْمَرْأَةَ مِنْهُ وَلْيَتَوَضَّأْ ثُمَّ لِيُصَلِّ»

وَقَالَ: أنا الشَّافِعِيُّ , أنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ , أَخْبَرَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ , عَنْ خَارِجَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ , أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: §«لَيْسَ عَلَى مَنْ لَمْ يُنْزِلْ غُسْلٌ ثُمَّ نَزَعَ عَنْ ذَلِكَ» - أَيْ قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ

أنا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْجَوْهَرِيُّ , أنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبَّاسٍ الْخَزَّازُ , أنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَيْفٍ , نا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ , قَالَ: قَالَ الشَّافِعِيُّ: " §وَإِنَّمَا بَدَأْتُ بِحَدِيثِ أُبَيٍّ فِي قَوْلِهِ: الْمَاءُ مِنَ الْمَاءِ وَنُزُوعِهِ عَنْهُ أَنَّهُ سَمِعَ: الْمَاءُ مِنَ الْمَاءِ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَلَمْ يَسْمَعْ خِلَافَهُ فَقَالَ بِهِ , ثُمَّ لَا أَحْسِبُهُ تَرَكَهُ إِلَّا أَنَّهُ أَثْبَتَ لَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ بَعْدَهُ مَا نَسَخَهُ قُلْتُ: هَذَا الَّذِي ظَنَّهُ الشَّافِعِيُّ , قَدْ رَوَى سَهْلُ بْنُ سَعْدٍ أَنَّ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ وقَفَهُ عَلَيْهِ تَوْقِيفًا مُبَيَّنًا

أنا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي الْقَاسِمِ الْأَزْرَقُ , أنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ -[367]- عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زِيَادٍ الْقَطَّانُ , نا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْيَمَانِ , نا مُحَمَّدُ بْنُ مِهْرَانَ , نا مُبَشِّرُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ , عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُطَرِّفٍ , عَنْ أَبِي حَازِمٍ , عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ , قَالَ: نا أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ: §" أَنَّ الْفُتْيَا الَّتِي , كَانُوا يُفْتُونَ أَنَّ الْمَاءَ مِنَ الْمَاءِ , كَانَتْ رُخْصَةً رَخَّصَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فِي الزَّمَانِ الْأَوَّلِ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ السِّجِسْتَانِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مِهْرَانَ فَزَادَ: ثُمَّ أَمَرَ بِالِاغْتِسَالِ بَعْدُ

أنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكَاتِبُ , أنا أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ سَلْمٍ , أنا أَحْمَدُ بْنُ مُوسَى الْجَوْهَرِيُّ , أنا الرَّبِيعُ , أنا الشَّافِعِيُّ , أنا مُسْلِمُ بْنُ خَالِدٍ , عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ , أَخْبَرَنِي الْحَسَنُ بْنُ مُسْلِمٍ , عَنْ طَاوُسٍ , قَالَ: كُنْتُ مَعَ ابْنِ عَبَّاسٍ إِذْ قَالَ لَهُ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ: §«أَتُفْتِي أَنْ تَصْدُرَ الْحَائِضُ , قَبْلَ أَنْ يَكُونَ آخِرُ عَهْدِهَا بِالْبَيْتِ؟» فَقَالَ: لَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِمَّا لَا , فَسَلْ فُلَانَةَ الْأَنْصَارِيَّةَ: هَلْ أَمَرَهَا بِذَلِكَ فَرَجَعَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ يَضْحَكُ وَيَقُولُ: «مَا أَرَاكَ إِلَّا قَدْ صَدَقْتَ» -[368]- قَالَ الشَّافِعِيُّ: سَمِعَ زَيْدٌ النَّهْيَ أَنْ يَصْدُرَ أَحَدٌ مِنَ الْحَاجِّ حَتَّى يَكُونَ آخِرُ عَهْدِهِ بِالْبَيْتِ , وَكَانَتِ الْحَائِضُ عِنْدَهُ مِنَ الْحَاجِّ الدَّاخِلِينَ فِي ذَلِكَ النَّهْيِ , فَلَمَّا أَفْتَاهَا ابْنُ عَبَّاسٍ بِالصَّدْرِ , إِذَا كَانَتْ قَدْ زَارَتْ بَعْدَ يَوْمِ النَّحْرِ أَنْكَرَ عَلَيْهِ زَيْدٌ , فَلَمَّا أَخْبَرَهُ عَنِ الْمَرْأَةِ , أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَهَا بِذَلِكَ , فَسَأَلَهَا , فَأَخْبَرَتْهُ , صَدَّقَ الْمَرْأَةَ وَرَأَى أَنَّ عَلَيْهِ أَنْ يَرْجِعَ عَنْ خِلَافِ ابْنِ عَبَّاسٍ , وَمَا لِابْنِ عَبَّاسٍ حُجَّةٌ غَيْرُ خَبَرِ امْرَأَةٍ

أنا أَبُو عُمَرَ عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَهْدِيٍّ , أنا عَبْدُ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ مَخْلَدٍ الْعَطَّارُ , نا حَفْصُ بْنُ عَمْرِو الرَّبَالِيُّ , نا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَبْدِ الْمَجِيدِ , نا هِشَامُ بْنُ حَسَّانَ , عَنْ مُحَمَّدٍ , ونَافِعٍ , أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ , كَانَ يُكْرِي أَرْضَ آلِ عُمَرَ , فَسَأَلَ رَافِعَ بْنَ خَدِيجٍ فَأَخْبَرَهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ §«نَهَى عَنْ كِرَاءِ الْأَرْضِ» فَتَرَكَ ذَلِكَ ابْنُ عُمَرَ

أنا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُعَدِّلُ , أنا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو ابْنِ الْبَخْتَرِيِّ الرَّزَّازُ , نا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ الدَّقِيقِيُّ , نا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ , أنا سُلَيْمَانُ يَعْنِي ابْنَ عَلِيٍّ الرِّبْعِيَّ - نا أَبُو الْجَوْزَاءِ غَيْرَ -[369]- مَرَّةٍ قَالَ: سَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ عَنِ الصَّرْفِ , فَقَالَ: «يَدًا بِيَدٍ لَا بَأْسَ بِهِ» ثُمَّ حَجَجْتُ مَرَّةً أُخْرَى , وَالشَّيْخُ حَيُّ , فَأَتَيْتُهُ فَسَأَلْتُهُ عَنِ الصَّرْفِ قَالَ: «§وَزْنًا بِوَزْنٍ» , قُلْتُ لَهُ: إِنَّكَ كُنْتَ أَفْتَيْتَنِي اثْنَيْنِ بِوَاحِدٍ , فَلَمْ أَزَلْ أُفْتِي بِهِ مُنْذُ أَفْتَيْتَنِي قَالَ: «كَانَ ذَلِكَ عَنْ رَأْيٍ , وَهَذَا أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ يُحَدِّثُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَتَرَكْتُ رَأْيِي لِحَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ»

أنا الْحَسَنُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ , أنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زِيَادٍ الْقَطَّانُ , نا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَرْزُوقٍ أَبُو عَوْفٍ , قَالَ: نا خَلَفُ بْنُ هِشَامٍ , نا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ , عَنِ الْمُثَنَّى بْنِ سَعِيدٍ , قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو الشَّعْثَاءِ: مَوْلًى لِابْنِ مَعْمَرٍ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ , يَقُولُ: §«أَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مِنَ الصَّرْفِ , إِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ رَأَيًا رَأَيْتُهُ , وَهَذَا أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ يُحَدِّثُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ»

باب القول في الصحابي يروي حديثا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم يعمل بخلافه إذا روى الصحابي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثا , ثم روى عن ذلك الصحابي خلاف لما روى , فإنه ينبغي الأخذ بروايته , وترك ما روي عنه من فعله , أو فتياه , لأن الواجب علينا

§بَابُ الْقَوْلِ فِي الصَّحَابِيِّ يَرْوِي حَدِيثًا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ يَعْمَلُ بِخِلَافِهِ إِذَا رَوَى الصَّحَابِيُّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدِيثًا , ثُمَّ رَوَى عَنْ ذَلِكَ الصَّحَابِيِّ خِلَافَ لَمَّا رَوَى , فَإِنَّهُ يَنْبَغِي الْأَخْذُ بِرِوَايَتِهِ , وَتَرْكُ مَا رُوِيَ عَنْهُ مِنْ فِعْلِهِ , أَوْ فُتْيَاهُ , لِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْنَا قَبُولُ نَقْلِهِ وَنَذَارَتِهِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , لَا قَبُولَ رَأْيِهِ كَمَا:

أنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ عُمَرَ الدَّلَّالُ , نا أَحْمَدُ بْنُ سَلْمَانَ النِّجَادُ , نا هِلَالُ بْنُ الْعَلَاءِ , بِالرَّقَّةِ , نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ , نا الْمُعْتَمِرُ , عَنْ أَبِي شُعَيْبٍ الْبُنَانِيِّ , عَنِ ابْنِ سِيرِينَ , قَالَ: حَدَّثَنِي أَفْلَحُ , أَنَّ أَبَا أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيَّ , كَانَ يُفْتِيهِمْ بِالْمَسْحِ وَيَخْلَعُ , فَقِيلَ لَهُ , فَقَالَ: §«رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمْسَحُ وَلَكِنْ حُبِّبَ إِلَيَّ الْغَسْلُ» وَقَالَ النِّجَادُ: نا إِبْرَاهِيمُ بْنُ إِسْحَاقَ الْحَرْبِيُّ قَالَ: كَتَبَ إِلَيَّ هِلَالُ بْنُ الْعَلَاءِ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ فَذَكَرَهُ بِإِسْنَادِهِ مِثْلَهُ , وَلِأَنَّ الصَّاحِبَ قَدْ يَنْسَى مَا رُوِيَ فِي وَقْتِ فُتْيَاهُ كَمَا:

أنا أَبُو الْحُسَيْنِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ حَمَّادٍ الْوَاعِظُ , نا الْقَاضِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحُسَيْنُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْمَحَامِلِيُّ إِمْلَاءً فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَعِشْرِينَ وَثَلَاثِمِائَةٍ , نا عُبَيْدِ اللَّهِ بْنُ سَعْدٍ الزُّهْرِيُّ , نا عَمِّي , نا أَبِي -[371]- عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعِيدٍ , عَنِ الْمُجَالِدِ بْنِ سَعِيدٍ , عَنِ الشَّعْبِيِّ , عَنْ مَسْرُوقِ بْنِ الْأَجْدَعِ قَالَ: رَكِبَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ مِنْبَرَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَخَطَبَ النَّاسَ فَقَالَ: «أَيُّهَا النَّاسُ §مَا إِكْثَارُكُمْ فِي صَدَقَاتِ النِّسَاءِ , فَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ , وَإِنَّمَا الصَّدَقَاتُ فِيمَا بَيْنَ أَرْبَعِمِائَةِ دِرْهَمٍ فَمَا دُونَ ذَلِكَ , وَلَوْ كَانَ الْإِكْثَارُ فِي ذَلِكَ تَقْوًى أَوْ مَكْرُمَةً لَمْ تَسْبِقُوهُمْ إِلَيْهَا , فَلَا أَعْرِفَنَّ مَا زَادَ رَجُلٌ فِي صَدَاقِ امْرَأَةٍ عَلَى أَرْبَعِمِائَةِ دِرْهَمٍ» قَالَ: ثُمَّ نَزَلَ فَاعْتَرَضَتْهُ امْرَأَةٌ مِنْ قُرَيْشٍ , فَقَالَتْ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَنَهَيْتَ النَّاسَ أَنْ يَزِيدُوا النِّسَاءَ فِي صَدُقَاتِهِنَّ عَلَى أَرْبَعِمِائَةِ دِرْهَمٍ؟ قَالَ: «وَمَا ذَاكَ؟» قَالَتْ: أَوَ مَا سَمِعْتَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْقُرْآنِ؟ قَالَ: «وَأَنَّى ذَلِكَ؟» قَالَ: فَقَالَتْ: أَوَ مَا سَمِعْتَ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: {وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا} [النساء: 20] ؟ قَالَ: فَقَالَ: «اللَّهُمَّ غَفْرًا , كُلُّ إِنْسَانٍ أَفْقَهُ مِنْ عُمَرَ» , ثُمَّ رَجَعَ فَرَكِبَ الْمِنْبَرَ , ثُمَّ قَالَ: «أَيُّهَا النَّاسُ، إِنِّي كُنْتُ قَدْ نَهَيْتُكُمْ أَنْ تَزِيدُوا النِّسَاءَ فِي صَدُقَاتِهِنَّ عَلَى أَرْبَعِمِائَةِ دِرْهَمٍ , فَمَنْ شَاءَ أَنْ يُعْطِيَ مِنْ مَالِهِ مَا أَحَبَّ وَطَابَتْ بِهِ نَفْسُهُ فَلْيَفْعَلْ»

وَكَمَا أنا الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ الْحِيرِيُّ , وَأَبُو سَعِيدٍ الصَّيْرَفِيُّ قَالَا: نا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْأَصَمُّ , نا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي دَاوُدَ , نا يُونُسُ: هُوَ ابْنُ مُحَمَّدٍ الْمُؤَدِّبُ , نا حَيَّانُ يَعْنِي ابْنَ عُبَيْدِ اللَّهِ الْعَدَوِيَّ , قَالَ: سُئِلَ لَاحْقُ بْنُ حُمَيْدٍ أَبُو مِجْلَزٍ , وَأَنَا شَاهِدٌ , عَنِ الصَّرْفِ , فَقَالَ: كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ لَا يَرَى بِهِ بَأْسًا زَمَانًا مِنْ عُمْرِهِ , حَتَّى لَقِيَهُ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ , فَقَالَ لَهُ: يَا ابْنَ عَبَّاسٍ أَلَا تَتَّقِي اللَّهَ حَتَّى مَتَى تَوَكِّلُ النَّاسَ الرِّبَا؟ أَمَا بَلَغَكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ذَاتَ يَوْمٍ وَهُوَ عِنْدَ أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجَتِهِ: §«إِنِّي أَشْتَهِي تَمْرَ عَجْوَةٍ» وَإِنَّهَا بَعَثَتْ بِصَاعَيْنِ مِنْ تَمْرٍ عَتِيقٍ إِلَى مَنْزِلِ رَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ , فَأُوتِيَتْ بَدَلَهُمَا تَمْرَ عَجْوَةٍ , فَقَدَّمْتُهُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَعْجَبَهُ , فَتَنَاوَلَ تَمْرَةً ثُمَّ أَمْسَكَ فَقَالَ: «مِنْ أَيْنَ لَكُمْ هَذَا؟» قَالَتْ: بَعَثْتُ بِصَاعَيْنِ مِنْ تَمْرٍ عَتِيقٍ إِلَى مَنْزِلِ فُلَانٍ , فَأَتَيْنَا بَدَلَهُمَا مِنْ هَذَا الصَّاعِ الْوَاحِدِ , فَأَلْقَى التَّمْرَةَ مِنْ يَدِهِ , وَقَالَ: «رُدُّوهُ رُدُّوهُ , لَا حَاجَةَ فِيهِ , التَّمْرُ بِالتَّمْرِ وَالْحِنْطَةُ بِالْحِنْطَةِ , وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ , وَالذَّهَبُ بِالذَّهَبِ , وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ , يَدًا بِيَدٍ مِثْلًا بِمِثْلٍ لَيْسَ فِيهِ زِيَادَةٌ وَلَا نُقْصَانٌ , فَمَنْ زَادَ أَوْ نَقَصَ فَقَدْ أَرْبَا , فَكُلُّ مَا يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ» فَقَالَ: ذَكَّرْتَنِي يَا أَبَا سَعِيدٍ أَمْرًا نَسِيتُهُ , اسْتَغْفِرُ اللَّهَ -[373]- وَأَتُوبُ إِلَيْهِ , وَكَانَ يَنْهَى بَعْدَ ذَلِكَ - يَعْنِي عَنْهُ - أَشَدَّ النَّهْيِ وَلِأَنَّ الصَّحَابِيَّ قَدْ ذَكَرَ مَا رُوِيَ إِلَّا أَنَّهُ يَتَأَوَّلُ فِيهِ تَأْوِيلًا يَصْرِفُهُ عَنْ ظَاهِرِهِ , كَمَا تَأَوَّلَتْ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ عَائِشَةُ فِي إِتْمَامِ الصَّلَاةِ فِي السَّفَرِ , وَهَى الَّتِي رَوَتْ: فُرِضَتِ الصَّلَاةُ رَكْعَتَيْنِ , فَزِيدَ فِي صَلَاةِ الْحَضَرِ , وَأَقَرَّتْ صَلَاةَ السَّفَرِ , وَلِأَنَّهُ لَا يَحِلُّ أَنْ يُظَنَّ بِالصَّاحِبِ أَنْ يَكُونَ عِنْدَهُ نَسْخٌ لَمَّا رَوَى أَوْ تَخْصِيصٌ فَيَسْكُتُ عَنْهُ , وَيُبَلِّغُ إِلَيْنَا الْمَنْسُوخَ وَالْمَخْصُوصَ دُونَ الْبَيَانِ , لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدَ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ} [البقرة: 159] وَقَدْ نَزَّهَ اللَّهُ صَحَابَةَ نَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ هَذَا

باب تعظيم السنن والحث على التمسك بها والتسليم لها والانقياد إليها وترك الاعتراض عليها

§بَابُ تَعْظِيمِ السُّنَنِ وَالْحَثِّ عَلَى التَّمَسُّكِ بِهَا وَالتَّسْلِيمِ لَهَا وَالِانْقِيَادِ إِلَيْهَا وَتَرْكِ الِاعْتِرَاضِ عَلَيْهَا

أنا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُعَدِّلُ , أنا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْبَخْتَرِيِّ الرَّزَّازُ , نا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ الدَّقِيقِيُّ , نا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ , نا جُوَيْبِرُ , عَنْ طَلْحَةَ بْنِ السَّحَّاجِ , قَالَ: كَتَبَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مَعْمَرٍ الْقُرَشِيُّ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَهُوَ أَمِيرُ فَارِسٌ عَلَى جُنْدٍ: إِنَّا قَدِ اسْتَقْرَرْنَا فَلَا نَخَافُ عَدُوًّا , وَقَدْ أُتِيَ عَلَيْنَا سَبْعَ سِنِينَ , فَقَدْ وُلِدَ لَنَا الْأَوْلَادُ فَكَمْ صَلَاتُنَا؟ فَكَتَبَ إِلَيْهِ عَبْدُ اللَّهِ: إِنَّ صَلَاتَكُمْ رَكْعَتَانِ , فَأَعَادَ إِلَيْهِ الْكِتَابَ , فَكَتَبَ إِلَيْهِ ابْنُ عُمَرَ: إِنِّي كَتَبْتُ إِلَيْكَ بِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: §«مَنْ أَخَذَ بِسُنَّتِي فَهُوَ مِنِّي , وَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي»

أنا أَبُو عُمَرَ عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَهْدِيٍّ , أنا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ مَخْلَدٍ الدُّورِيُّ , نا مُحَمَّدُ بْنُ الْوَلِيدِ الْبُسْرِيُّ , نا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ , نا شُعْبَةُ , عَنْ حُصَيْنٍ , عَنْ مُجَاهِدٍ , -[375]- عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو , قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: §«مَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي»

أنا أَبُو سَعِيدٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى الصَّيْرَفِيُّ , نا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْأَصَمُّ , نا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الصَّغَانِيُّ , نا مُحَمَّدُ بْنُ كُنَاسَةَ , نا جَعْفَرُ بْنُ بُرْقَانَ , عَنْ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ , فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {§فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} [النساء: 59] قَالَ: " الرَّدُّ إِلَى اللَّهِ: إِلَى كِتَابِهِ , وَالرَّدُّ إِلَى الرَّسُولِ إِذَا قُبِضَ: إِلَى سُنَّتِهِ "

أَخْبَرَنِي الْجَوْهَرِيُّ , أنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْجَرَّاحُ الْخَزَّازُ , نا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ النِّيرِيِّ , نا أَبُو سَعِيدٍ الْأَشَجُّ , نا وَكِيعٌ , عَنْ جَعْفَرِ بْنِ بُرْقَانَ , عَنْ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ , {§فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} [النساء: 59] قَالَ: «إِلَى كِتَابِهِ» , وَإِلَى الرَّسُولِ مَا دَامَ حَيًّا , فَإِذَا قُبِضَ فَإِلَى سُنَّتِهِ "

أَخْبَرَنِي أَبُو الْحَسَنِ , مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ عِيسَى بْنِ يَحْيَى الْبَلَدِيُّ , أنا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَبَّاسِ بْنِ الْفَضْلِ الحَنَّاطُ , بِالْمَوْصِلِ , نا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي الْمُثَنَّى , نا قَبِيصَةُ بْنُ عُقْبَةَ , عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ , عَنْ لَيْثٍ , عَنْ مُجَاهِدٍ , فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {§فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} [النساء: 59] قَالَ: «إِلَى كِتَابِ اللَّهِ , وَسُنَّةِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ»

أنا أَبُو نُعَيْمٍ الْحَافِظُ , نا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَسَنِ الصَّوَّافُ , نا بِشْرُ بْنُ مُوسَى , نا الْحُمَيْدِيُّ , نا سُفْيَانُ , نا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ , عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ , عَنْ أَبِيهِ , قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: إِذَا رَمَيْتُمُ الْجَمْرَةَ وَذَبَحْتُمْ وَحَلَقْتُمْ , فَقَدْ حَلَّ لَكُمْ كُلُّ شَيْءٍ حُرِّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا النِّسَاءُ وَالطِّيبُ قَالَ سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: فَقَالَتْ عَائِشَةُ: §«أَنَا طَيَّبْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِحَرَمِهِ حِينَ أَحْرَمَ وَلِحِلِّهِ بَعْدَ مَا رَمَى الْجَمْرَةَ قَبْلَ أَنْ يَزُورَ» قَالَ سَالِمٌ: وَسُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَقُّ أَنْ تُتَّبَعَ

أنا أَبُو الْحُسَيْنِ , مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عُثْمَانَ -[377]- الدِّمَشْقِيُّ , أنا أَبُو بَكْرٍ , يُوسُفُ بْنُ الْقَاسِمِ الْقَاضِي الْمَيَانِجِيُّ , نا أَبُو يَعْلَى , أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْمُثَنَّى الْمَوْصِلِيُّ , نا يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ , نا حَجَّاجٌ , نا شَرِيكٌ , عَنِ الْأَعْمَشِ , عَنْ فُضَيْلِ بْنِ عَمْرٍو , قَالَ - أُرَاهُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ , عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ , - قَالَ: §«تَمَتَّعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» فَقَالَ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ: نَهَى أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ عَنِ الْمُتْعَةِ , فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مَا يَقُولُ عُرَيَّةُ يُرِيدُ؟ قَالَ: يَقُولُ: نَهَى أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ عَنِ الْمُتْعَةِ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَرَاهُمْ سَيَهْلِكُونَ ‍ أَقُولُ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَيَقُولُونَ نَهَى أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ "

أنا أَبُو الْحَسَنِ , عَلِيُّ بْنُ يَحْيَى بْنِ جَعْفَرٍ الْأَصْبَهَانِيُّ , أنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ بُنْدَارٍ الْمَدِينِيُّ , نا أَحْمَدُ بْنُ مَهْدِيٍّ , نا أَبُو الرَّبِيعٍ الزَّهْرَانِيُّ , نا حَمَّادٌ يَعْنِي ابْنَ زَيْدٍ - نا أَيُّوبُ , عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ , أَنَّ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ , قَالَ لِابْنِ عَبَّاسٍ: أَضْلَلْتَ النَّاسَ قَالَ: «§وَمَا ذَاكَ يَا عُرَيَّةُ؟» قَالَ: تَأْمُرُ بِالْعُمْرَةِ فِي هَؤُلَاءِ الْعَشْرِ , وَلَيْسَتْ فِيهِنَّ عُمْرَةٌ , فَقَالَ: «أَوَلَا تَسْأَلُ أُمَّكَ عَنْ ذَلِكَ؟» فَقَالَ عُرْوَةُ: فَإِنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرُ لَمْ يَفْعَلَا -[378]- ذَلِكَ , فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: «هَذَا الَّذِي أَهْلَكَكُمْ - وَاللَّهِ - مَا أَرَى إِلَّا سَيُعَذِّبُكُمْ , إِنِّي أُحَدِّثُكُمْ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَتَجِيئُونِي بِأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ» فَقَالَ: عُرْوَةُ: هُمَا وَاللَّهِ كَانَا أَعْلَمَ بِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَاتْبَعَ لَهَا مِنْكَ قُلْتُ: قَدْ كَانَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ عَلَى مَا وَصَفَهُمَا بِهِ عُرْوَةُ إِلَّا أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُقَلَّدَ أَحَدٌ فِي تَرْكِ مَا ثَبَتَتْ بِهِ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

أنا أَبُو نُعَيْمٍ , نا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَسَنِ , نا بِشْرُ بْنُ مُوسَى , نا الْحُمَيْدِيُّ , نا سُفْيَانُ , نا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ , عَنْ سَلَمَةَ: رَجُلٌ مِنْ وَلَدِ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ , " أَنَّ الزُّبَيْرَ بْنَ الْعَوَّامِ , §خَاصَمَ رَجُلًا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَقَضَى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلزُّبَيْرِ , فَقَالَ الرَّجُلُ: إِنَّمَا قَضَى لَهُ لِأَنَّهُ ابْنُ عَمَّتِهِ , فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [النساء: 65] "

أنا أَبُو الْحَسَنِ , عَلِيُّ بْنُ طَلْحَةَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْمُقْرِئُ , وَأَبُو الْقَاسِمِ عَلِيُّ بْنُ أَبِي عَلِيٍّ الْبَصْرِيُّ قَالَا: أنا أَبُو بَكْرٍ , مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ صَالِحٍ الْأَبْهَرِيُّ , نا أَبُو عَرُوبَةَ الْحَرَّانِيُّ , نا جَدِّي عَمْرُو بْنُ أَبِي عَمْرٍو , نا أَبُو يُوسُفَ , نا الْحَسَنُ بْنُ عُمَارَةَ , عَنْ عَطِيَّةَ الْعَوْفِيِّ , عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ , قَالَ: " قَالَ رَجُلٌ: §الْمَسْحُ حَسَنٌ , وَمَا أَمْسَحُ , أَوْ مَا تَطِيبُ نَفْسِي بِهِ , فَقَالَ لَهُ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَاللَّهِ مَا لَكَ ذَلِكَ حَتَّى لَا يَكُونَ فِي نَفْسِكَ حَرَجٌ مِمَّا قَالَ , وَتُسَلِّمَ تَسْلِيمًا "

أنا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ رِزْقٍ , أنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الشَّافِعِيُّ , نا أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ الْجَمَالُ , قَالَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ حَاتِمِ بْنِ بَزِيعٍ , يَقُولُ: سَمِعْتُ إِسْحَاقَ بْنَ الطَّبَّاعِ , يَقُولُ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى مَالِكٍ فَسَأَلَهُ عَنْ مَسْأَلَةٍ , فَقَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَذَا قَالَ: أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ كَذَا؟ قَالَ مَالِكٌ: " {§فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمُ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور: 63] "

أنا الْحَسَنُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ , أنا أَبُو بَكْرٍ , مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ مِقْسَمٍ الْمُقْرِئُ , نا أَبُو الْعَبَّاسِ , أَحْمَدُ بْنُ يَحْيَى قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ بْنِ مَيْمُونٍ , قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِسْحَاقَ الْجَعْفَرِيُّ , قَالَ: كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَسَنِ يُكْثِرُ الْجُلُوسَ إِلَى رَبِيعَةَ قَالَ: فَتَذَكَّرُوا يَوْمًا السُّنَنَ , فَقَالَ رَجُلٌ كَانَ فِي الْمَجْلِسِ: لَيْسَ الْعَمَلُ عَلَى هَذَا , فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: §«أَرَأَيْتَ إِنْ كَثُرَ الْجُهَّالُ حَتَّى يَكُونُوا هُمُ الْحُكَّامُ أَفَهُمُ الْحُجَّةُ عَلَى السُّنَّةِ؟» قَالَ رَبِيعَةُ: «أَشْهَدُ أَنَّ هَذَا كَلَامُ أَبْنَاءِ الْأَنْبِيَاءِ»

أنا الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ الْحِيرِيُّ , نا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْأَصَمُّ , أنا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ , أنا الشَّافِعِيُّ , أنا مُسْلِمٌ , وَعَبْدُ الْمَجِيدِ , عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ , عَنْ عَامِرِ بْنِ مُصْعَبٍ , أَنَّ طَاوُسًا أَخْبَرَهُ ابْنَ عَبَّاسٍ عَنِ الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعَصْرِ , فَنَهَاهُ عَنْهُمَا، قَالَ طَاوُسٌ: فَقُلْتُ مَا أَدَعُهُمَا , فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: " {§وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} [الأحزاب: 36] "

أنا أَبُو نُعَيْمٍ , نا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَسَنِ , نا بِشْرُ بْنُ مُوسَى , نا الْحُمَيْدِيُّ , نا سُفْيَانُ , نا هِشَامُ بْنُ حُجَيْرٍ , عَنْ طَاوُسٍ , قَالَ: رَآنِي ابْنُ عَبَّاسٍ وَأَنَا أُصَلِّي , بَعْدَ الْعَصْرِ فَنَهَانِي , فَقُلْتُ -[381]-: إِنَّمَا كَرِهْتُ أَنْ تَتَّخِذَ سُلَّمًا فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: §«نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الصَّلَاةِ بَعْدَ الْعَصْرِ» , وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضُلَّالًا مُبِينًا} [الأحزاب: 36] , وَمَا أَدْرِي تُعَذَّبُ عَلَيْهَا أَمْ تُؤْجَرُ

أنا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ , أنا عُثْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ الدَّقَّاقُ , نا أَبُو الْإِصْبَعِ الْقَرْقَسَانِيُّ , نا مَخْلَدُ بْنُ مَالِكٍ الْحَرَّانِيُّ , نا عَطَّافُ بْنُ خَالِدٍ , عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَرْمَلَةَ , أَنَّ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ , نَظَرَ إِلَى رَجُلٍ صَلَّى بَعْدَ النِّدَاءِ مِنْ صَلَاةِ الصُّبْحِ , فَأَكْثَرَ الصَّلَاةَ فَحَصَبَهُ , ثُمَّ قَالَ: §«إِذَا لَمْ يَكُنْ أَحَدُكُمْ يَعْلَمُ فَلْيَسْأَلْ , إِنَّهُ لَا صَلَاةَ بَعْدَ النِّدَاءِ إِلَّا رَكْعَتَيْنِ» قَالَ: فَانْصَرَفَ فَقَالَ: يَا أَبَا مُحَمَّدٍ , أَتَخْشَى أَنْ يُعَذِّبُنِيَ اللَّهُ بِكَثْرَةِ الصَّلَاةِ؟ قَالَ: «بَلْ أَخْشَى أَنْ يُعَذِّبَكَ اللَّهُ بِتَرْكِ السُّنَّةِ»

أنا أَبُو سَعِيدٍ الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَسْنُوَيْهِ الْأَصْبَهَانِيُّ , نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى بْنِ مَزْيَدٍ الْخَشَّابُ , نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ النُّعْمَانِ , نا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ سَابِقٍ , نا أَبُو جَعْفَرٍ , -[382]- وَأَخْبَرَنِي الْحَسَنُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ , أنا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ يَنْخَابٍ الطِّيبِيُّ , نا مُحَمَّدُ بْنُ أَيُّوبَ , قَالَ قَرَأْتُ عَلَى مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ سَابِقٍ , عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الرَّازِيِّ , عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ الْمُسَيِّبِ , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ , قَالَ: - وَفِي حَدِيثِ ابْنِ أَيُّوبَ: أَنَّهُ قَالَ -: §«إِنَّا نَقْتَدِي وَلَا نَبْتَدِئُ , وَنَتَّبِعُ وَلَا نَبْتَدِعُ , وَإِنَّ أَفْضَلَ مَا تَمَسَّكْنَا بِالْأَثَرِ»

أنا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ جَعْفَرٍ الْخُرْقِيُّ , أنا أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ سَلْمٍ الْخُتَّلِيُّ , نا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْأَبَّارُ , قَالَ: نا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ شَقِيقٍ , قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ: قَالَ أَبُو حَمْزَةَ: " §تَدْرُونَ مَا الْأَثَرُ؟ الْأَثَرُ: أُفْتِي بِالشَّيْءِ , فَيُقَالُ لِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ: بِمَا أَفْتَيْتَ كَذَا وَكَذَا؟ فَأَقُولُ: أَخْبَرَنِي الْأَعْمَشُ , فَيُؤْتَى بِالْأَعْمَشِ , فَيُقَالُ: حَدَّثْتَهُ بِهَذَا؟ فَيُحِيلُ عَلَى إِبْرَاهِيمَ , وَيُحِيلُ إِبْرَاهِيمُ عَلَى عَلْقَمَةَ , حَتَّى يَنْتَهِيَ إِلَى مُنْتَهَاهُ "

أَخْبَرَنِي أَبُو الْقَاسِمِ الْأَزْهَرِيُّ , نا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَمْدَانَ الْعُكْبَرِيُّ , حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ يَعْقُوبَ أَبُو الْقَاسِمِ , نا أَبُو زُرْعَةَ الدِّمَشْقِيُّ , نا ابْنُ أَبِي أُوَيْسٍ , قَالَ: سَمِعْتُ مَالِكَ بْنَ أَنَسٍ , يَقُولُ: §«مَا قَلَّتِ الْآثَارِ فِي قَوْمٍ إِلَّا كَثُرَتْ فِيهِمُ الْأَهْوَاءُ , وَإِذَا قَلَّتِ الْعُلَمَاءُ ظَهَرَ فِي النَّاسِ الْجَفَاءُ»

أنا الْقَاضِي أَبُو الْعُلَا , مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ يَعْقُوبَ الْوَاسِطِيُّ , أنا أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ حَمْدَانَ بْنِ مَالِكٍ الْقَطِيعِيُّ , نا بِشْرُ بْنُ مُوسَى , نا مُعَاوِيَةُ بْنُ عَمْرٍو , نا أَبُو إِسْحَاقَ , عَنِ الْأَعْمَشِ , عَنْ مَالُكِ بْنِ الْحَارِثِ , عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ , قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: §«الْقَصْدُ فِي السُّنَّةِ خَيْرٌ مِنَ اجْتِهَادٍ فِي بِدْعَةٍ»

وَقَالَ حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ , عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ , أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ , قَالَ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ , §لَا عُذْرَ لِأَحَدٍ بَعْدَ السُّنَّةِ فِي ضَلَالَةٍ رَكِبَهَا حَسِبَهَا هُدًى , وَلَا فِي هُدًى تَرَكَهُ حَسِبَهُ ضَلَالَةً , قَدْ بُيِّنَتِ الْأُمُورُ , وَثَبَتَتِ الْحُجَّةُ , وَانْقَطَعَ الْعُذْرُ»

أنا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحُسَيْنُ بْنُ شُجَاعِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ مُوسَى الصُّوفِيُّ , وَأَبُو الْقَاسِمِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الْأَيَادِيُّ قَالَا: أنا أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ بْنِ خَلَّادٍ الْعَطَّارُ , نا الْحَارِثُ بْنُ مُحَمَّدٍ التَّمِيمِيُّ , نا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ , أنا أَبُو نَعَامَةَ الْعَدَوِيُّ , عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلَالٍ , عَنْ بُشَيْرِ بْنِ كَعْبٍ , عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ: قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «§الْحَيَاءُ خَيْرٌ كُلُّهُ» قَالَ بَشِيرٌ: فَقُلْتُ: إِنَّ مِنْهُ ضَعْفًا وَإِنَّ مِنْهُ عَجْزًا , فَقَالَ: أُحَدِّثُكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَتَجِيئنِي بِالْمَعَارِيضِ لَا أُحَدِّثُكَ بِحَدِيثٍ مَا عَرَفْتُكَ فَقِيلَ يَا أَبَا نُجَيْدٍ: إِنَّهُ طَيِّبُ الْهَوَى , وَإِنَّهُ وَإِنَّهُ , فَلَمْ يَزَالُوا بِهِ حَتَّى سَكَنَ وَحَدَّثَ

أنا عُثْمَانُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ الْعَلَّافُ , أنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الشَّافِعِيُّ , نا مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ , نا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ , أنا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو , عَنْ أَبِي سَلَمَةَ , عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ , قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: §«تَوَضَّئُوا مِمَّا مَسَّتِ النَّارُ , وَلَوْ مِنْ ثَوْرٍ مِنْ أَقِطٍ» فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ: إِنَّا لَنَتَوَضَّأُ بِالْحَمِيمِ وَقَدْ أُغْلِيَ عَلَى النَّارِ , وَإِنَّا لَنَدَّهِنُ بِالدُّهْنِ وَقَدْ طُبِخَ عَلَى النَّارِ , فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ -[385]-: يَا ابْنَ أَخِي: إِذَا سَمِعْتَ بِالْحَدِيثِ يُحَدَّثُ بِهِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَا تَضْرِبْ لَهُ الْأَمْثَالَ

أنا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ الرَّزَّازُ , نا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ الْحَكَمِ الْوَاسِطِيُّ , نا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْأَبَّارُ , نا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ الزَّاهِدُ , نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ , عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ , قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ شِهَابٍ , يَقُولُ: §«سَلِّمُوا لِلسُّنَّةَ وَلَا تُعَارِضُوهَا»

أنا الْبُرْقَانِيُّ , قَالَ: قُرِئَ عَلَى أَبِي الْعَبَّاسِ بْنِ حَمْدَانَ , وَأَنَا أَسْمَعُ , حَدَّثَكُمْ مُحَمَّدُ بْنُ أَيُّوبَ , أنا أَبُو الرَّبِيعِ , حَدَّثَنَا حَمَّادٌ , نا أَيُّوبُ , قَالَ: سَأَلَ الْحَكَمُ بْنُ عُتَيْبَةَ الزُّهْرِيُّ - وَأَنَا شَاهِدٌ , - عَلَى عِدَّةِ أُمِّ الْوَلَدِ فَقَالَ: السُّنَّةُ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا , فَقَالَ: الْحَكَمُ: مَا يَقُولُ ذَلِكَ أَصْحَابُنَا قَالَ: فَغَضِبَ , وَقَالَ: يَأْتِيَكُمُ الْحَدِيثُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , ثُمَّ تَعْرِضُونَ لَهُ بِرَأْيِِكُمْ؟ ‍ قَالَ: «إِنَّ §بَرِيرَةَ أُعْتِقَتْ , فَأَمَرَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تَعْتَدَّ عِدَّةَ الْحَرَّةِ»

أنا أَبُو يَعْلَى , أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ الْوَكِيلُ , أنا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ شُعْبَةَ الْمَرْوَزِيُّ , نا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مَحْبُوبٍ , نا -[386]- أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ , قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا السَّائِبِ , يَقُولُ: كُنَّا عِنْدَ وَكِيعٍ , فَقَالَ لِرَجُلٍ مِمَّنْ عِنْدَهُ , مِمَّنْ يَنْظُرُ فِي الرَّأْيِ: §«أَشْعَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ,» - يَعْنِي هَدْيَهُ - , وَيَقُولُ أَبُو حَنِيفَةَ هُوَ مُثْلَةٌ؟ قَالَ الرَّجُلُ: فَإِنَّهُ قَدْ رُوِيَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ أَنَّهُ قَالَ: الْأَشْعَارُ مُثْلَةٌ قَالَ: فَرَأَيْتُ وَكِيعًا غَضِبَ غَضَبًا شَدِيدًا , فَقَالَ: " أَقُولُ لَكَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَقُولُ: قَالَ إِبْرَاهِيمُ , مَا أَحَقَّكَ بِأَنْ تُحْبَسَ , ثُمَّ لَا تَخْرُجُ حَتَّى تَنْزِعَ عَنْ قَوْلِكَ هَذَا "

أنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عُثْمَانَ الدِّمَشْقِيُّ , أنا يُوسُفُ بْنُ الْقَاسِمِ الْمَيَانِجِيُّ , حَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَتْحِ , - عَلَى الْمُذَاكَرَةِ - قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ صَاعِدٍ , نا بَحْرٌ , نا الشَّافِعِيُّ , قَالَ: §«لَقَدْ ضَلَّ مَنْ تَرَكَ حَدِيثَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِقَوْلِ مَنْ بَعْدَهُ»

أنا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى الْهَمَذَانِيُّ , نا صَالِحُ بْنُ أَحْمَدَ التَّمِيمِيُّ , نا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ , بُلْبُلٌ , نا أَبُو حَاتِمٍ , قَالَ: سَمِعْتُ نُعَيْمَ بْنَ حَمَّادٍ , يَقُولُ: §«مَنْ تَرَكَ حَدِيثًا مَعْرُوفًا فَلَمْ يَعْمَلْ بِهِ , وَأَرَادَ لَهُ عِلَّةً أَنْ يَطْرَحَهُ فَهُوَ مُبْتَدَعٌ»

أنا الْحَسَنُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ , أنا أَبُو سَهْلٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْقَطَّانُ , نا عَبْدُ الْكَرِيمِ بْنُ الْهَيْثَمِ , نا أَبُو عُثْمَانَ الصَّيَّادُ سَعِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ , نا مَخْلَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ , قَالَ: قَالَ لِي الْأَوْزَاعِيُّ: «يَا أَبَا مُحَمَّدٍ , §إِذَا بَلَغَكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدِيثٌ فَلَا تَظُنَّنَّ غَيْرَهُ , وَلَا تَقُولَنَّ غَيْرَهُ , فَإِنَّ مُحَمَّدًا إِنَّمَا كَانَ مُبَلِّغًا عَنْ رَبِّهِ»

أنا أَبُو الْحَسَنِ , عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ الْفَارِسِيُّ بنَيْسَابُورَ , نا أَبُو أَحْمَدَ , مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ الْحَافِظُ , أنا أَبُو الْعَبَّاسِ , أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَابُورَ الدَّقِيقِيُّ بِبَغْدَادَ , نا إِسْحَاقُ يَعْنِي ابْنَ أَبِي إِسْرَائِيلَ قَالَ: سَمِعْتُ سُفْيَانَ بْنَ عُيَيْنَةَ , وَذُكِرَ , عِنْدَهُ حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ - فَجَعَلَ يُعَظِّمُ مِنْ أْمَرِهِ ثُمَّ قَالَ: §«يَرْحَمُهُ اللَّهُ , إِنْ كَانَ لَمُتَّبِعًا لِسُنَّةِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» قَالَ سُفْيَانُ: «مِلَاكُ الْأَمْرِ الِاتِّبَاعُ»

أنا أَبُو الْحَسَنِ , عَلِيُّ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الطِّرَازِيُّ بنَيْسَابُورَ , أنا أَبُو حَامِدٍ , أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَسْنُوَيْهِ السَّرِيُّ , أنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي رَجَاءٍ الْمِصِّيصِيُّ , قَالَ: سَمِعْتُ وَكِيعَ بْنَ الْجَرَّاحِ , يَقُولُ: قَالَ الْأَعْمَشُ: §«لَوْلَا الشُّهْرَةُ لَصَلَّيْتُ , ثُمَّ تَسَحَّرْتُ اتِّبَاعًا لِحَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ»

أنا أَبُو الْحَسَنِ , طَاهِرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عِيسَى الدَّعَّاءُ , أنا إِسْحَاقُ بْنُ سَعْدِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ سُفْيَانَ النَّسَوِيُّ , قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ مُحَمَّدَ بْنَ إِسْحَاقَ بْنِ خُزَيْمَةَ قَالَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ يَحْيَى الْأَزْدِيَّ , قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ دَاوُدَ الْخُرَيْبِيَّ , يَقُولُ: §«وَاللَّهِ لَوْ بَلَغَنَا أَنَّ الْقَوْمَ لَمْ يَزِيدُوا فِي الْوُضُوءِ عَلَى غَسْلِ أَظْفَارِهِمْ , لَمَا زِدْنَا عَلَيْهِ» قَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ خُزَيْمَةَ: يُرِيدُ أَنَّ الدِّينَ الِاتِّبَاعُ

أنا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ رِزْقٍ , أنا عُثْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ الدَّقَّاقُ , نا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الرَّقِّيُّ , أنا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ , قَالَ: سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ , وَسَأَلَهُ , رَجُلٌ عَنْ مَسْأَلَةٍ , فَقَالَ: يُرْوَى فِيهَا كَذَا وَكَذَا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَقَالَ لَهُ السَّائِلُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ تَقُولُ بِهِ؟ فَرَأَيْتُ الشَّافِعِيَّ أَرْعَدَ وَانْتَقَصَ , فَقَالَ: «يَا هَذَا , §أَيُّ أَرْضٍ تُقِلُّنِي , وَأَيُّ سَمَاءٍ تُظِلُّنِي , إِذَا رَوَيْتُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدِيثًا فَلَمْ أَقُلْ بِهِ؟ نَعَمْ عَلَى السَّمْعِ وَالْبَصَرِ , نَعَمْ عَلَى السَّمْعِ وَالْبَصَرِ»

وَقَالَ أنا الرَّبِيعُ , قَالَ: سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ , وَقَدْ رَوَى حَدِيثًا , فَقَالَ لَهُ بَعْضُ مِنْ حَضَرَ: تَأْخُذُ بِهَذَا؟ فَقَالَ: §«إِذَا رَوَيْتُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدِيثًا صَحِيحًا فَلَمْ آخُذْ بِهِ فَأَنَا أُشْهِدُكُمْ أَنَّ عَقْلِيَ قَدْ ذَهَبَ» - وَمَدَّ يَدَيْهِ -

أنا أَبُو سَعِيدٍ , مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى الصَّيْرَفِيُّ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا الْعَبَّاسِ , مُحَمَّدَ بْنَ يَعْقُوبَ الْأَصَمُّ يَقُولُ: سَمِعْتُ الرَّبِيعَ بْنَ سُلَيْمَانَ , يَقُولُ: سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ , يَقُولُ: §«إِذَا وَجَدْتُمْ فِي كِتَابِي خِلَافَ سَنَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَقُولُوا بِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَدَعُوا مَا قُلْتُ»

أنا أَبُو نُعَيْمٍ الْحَافِظُ: أَخْبَرَنِي جَعْفَرٌ الْخُلْدِيُّ , فِي كِتَابِهِ قَالَ: سَمِعْتُ الْجُنَيْدَ , يَقُولُ: §«الطُّرُقُ كُلَّهَا مَسْدُودَةٌ عَلَى الْخَلْقِ إِلَّا مَنِ اقْتَفَى أَثَرَ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَاتَّبَعَ سُنَّتَهُ وَلَزِمَ طَرِيقَتَهُ , فَإِنَّ طُرُقَ الْخَيْرَاتِ كُلَّهَا مَفْتُوحَةٌ عَلَيْهِ»

ما جاء في ترك المخاطبة لمن عارض السنة بالمخالفة

§مَا جَاءَ فِي تَرْكِ الْمُخَاطَبَةِ لِمَنْ عَارَضَ السُّنَّةَ بِالْمُخَالَفَةِ

أنا عُثْمَانُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ الْعَلَّافُ , أنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الشَّافِعِيُّ , نا مُحَمَّدُ بْنُ غَالِبٍ , نا غَسَّانُ بْنُ مَالِكٍ , نا سَلَّامٌ أَبُو الْمُنْذِرِ , عَنْ يُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ , عَنِ الْحَسَنِ , عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ , قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْخَذْفِ , وَقَالَ: §«إِنَّهُ لَا يَصِيدُ صَيْدًا , وَلَا يَنْكَأُ الْعَدُوَّ , وَلَكِنَّهُ يَكْسِرُ السِّنَّ , وَيَفْقَأُ الْعَيْنَ» فَقَامَ رَجُلٌ مِنْ جُلَسَائِهِ فَنَقَدَ حَصَاةً , فَقَالَ: أَنَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ هَذَا؟ أَوْ قَالَ: مَا تَقُولُ فِي هَذَا؟ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: أُحَدِّثُكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَخْذُفُ؟ وَاللَّهِ لَا أُكَلِّمُكَ الْفَصِيحَ أَبَدًا

أنا ابْنَا بِشْرَانَ: عَلِيُّ وَعَبْدُ الْمَلِكِ قَالَا: أنا حَمْزَةُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْعَبَّاسِ , وَأَنَا هِلَالُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْحَفَّارُ , ومُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الصَّيَّادُ , قَالَا: أنا أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ بْنِ خَلَّادٍ , قَالَا: حَدَّثَنَا الْحَارِثُ بْنُ مُحَمَّدٍ , نا عُثْمَانُ بْنُ الْهَيْثَمِ , حَدَّثَنِي أَبِي , عَنْ خُزَاعِيِّ بْنِ زِيَادٍ , عَنْ -[391]- جَدِّهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ , قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: §«لَا تَخْذِفُوا فَإِنَّهُ لَا يُصَادُ بِهِ الصَّيْدُ , وَلَا يَنْكَأُ بِهِ الْعَدُوُّ وَلَكِنْ يَفْقَأُ الْعَيْنَ وَيَكْسِرُ السِّنَّ» , فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي عَمِّهِ: سُبْحَانَ اللَّهِ , مَا هَذَا؟ فَقَالَ: أُحَدِّثُكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَتَقُولُ مَا هَذَا وَمَا هَذَا؟ وَاللَّهِ لَا أُكَلِّمُكَ مِنْ رَأْسِي , مَا عَرَفْتُكَ كَذَا قَالَ الْحَارِثُ: عَنْ خُزَاعِيٍّ عَنْ جَدِّهِ

وَأَنَا الْحَسَنُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ , أنا أَبُو سَهْلِ بْنُ زِيَادٍ الْقَطَّانُ , نا مُحَمَّدُ بْنُ غَالِبٍ , حَدَّثَنِي عُثْمَانُ بْنُ الْهَيْثَمِ , حَدَّثَنِي أَبِي , عَنْ خُزَاعِيِّ بْنِ زِيَادٍ , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ جَدِّهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ , قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: §«لَا تَخْذِفُوا فَإِنَّهُ لَا يُصَادُ بِهِ الصَّيْدُ , وَلَا يُنْكَأُ بِهِ الْعَدُوُّ , وَلَكِنَّهُ يَفْقَأُ الْعَيْنَ وَيَكْسِرُ السِّنَّ» فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي عَمِّي: سُبْحَانَ اللَّهِ مَا هَذَا؟ وَنَقَدَ بِهِ , فَقَالَ: أُحَدِّثُكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَتَقُولُ مَا هَذَا مَرَّتَيْنِ؟ وَاللَّهِ لَا أُكَلِّمُكَ بِكَلِمَةٍ مِنْ رَأْسِي مَا عَرَفْتُكَ

أنا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُعَدِّلُ , أنا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو -[392]- بْنِ الْبَخْتَرِيِّ الرَّزَّازُ , نا يَحْيَى بْنُ جَعْفَرٍ , أنا الضَّحَّاكُ بْنُ مَخْلَدٍ , أَخْبَرَنِي خَالِدُ بْنُ رَبَاحٍ , حَدَّثَنِي أَبُو السَّوَّارِ , قَالَ: سَمِعْتُ عِمْرَانَ بْنَ حُصَيْنٍ , يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «§الْحَيَاءُ خَيْرٌ كُلُّهُ» فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ: فِي الْحِكْمَةِ مَكْتُوبٌ: إِنَّ مِنْهُ وَقَارًا , وَإِنَّ مِنْهُ ضَعْفًا , فَقَالَ: أُحَدِّثُكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَتُحَدِّثُنِي عَنِ الصُّحُفِ , وَاللَّهِ لَا أُحَدِّثُكُمُ الْيَوْمَ بِحَدِيثٍ

أنا أَبُو الْحَسَنِ , مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ زِرْقَوَيْهِ , أنا أَبُو أَحْمَدَ , حَمْزَةُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَارِثِ الدِّهْقَانُ , وَأَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الشَّافِعِيُّ: قَالَا: نا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ الْقَاضِي , نا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ , نا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي الزِّنَادِ , وَأَنَا أَبُو إِسْحَاقَ , إِبْرَاهِيمُ بْنُ عُمَرُ بْنِ أَحْمَدَ الْبَرْمَكِيُّ , أنا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَلَفِ بْنِ بَخِيتٍ الدَّقَّاقُ , نا عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى الْجَوْهَرِيُّ , نا أَبُو بَكْرٍ الْأَثْرَمُ , نا عِيسَى بْنُ مِينَاءٍ الْمَدَنِيُّ , قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي الزِّنَادِ , عَنْ أَبِيهِ , قَالَ: §" إِنَّ السُّنَنَ لَا تُخَاصَمُ , وَلَا يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تَتْبَعَ بِالرَّأْيَ وَالتَّفْكِيرَ , وَلَوْ فَعَلَ النَّاسُ ذَلِكَ لَمْ يَمْضِ يَوْمٌ إِلَّا انْتَقَلُوا مِنْ دِينٍ إِلَى دِينٍ , وَلَكِنَّهُ

يَنْبَغِي لِلسُّنَنِ أَنْ تُلْزَمَ وَيُتَمَسَّكَ بِهَا عَلَى مَا وَافَقَ الرَّأْيَ أَوْ خَالَفَهُ وَلَعَمْرِي إِنَّ السُّنَنَ وَوُجُوهَ الْحَقِّ لَتَأْتِي كَثِيرًا عَلَى خِلَافِ الرَّأْيِ , وَمُجَانَبَتِهِ خِلَافًا بَعِيدًا , فَمَا يَجِدُ الْمُسْلِمُونَ بُدًّا مِنَ اتِّبَاعِهَا وَالِانْقِيَادِ لَهَا , وَلِمِثْلِ ذَلِكَ وَرِعَ أَهْلُ الْعِلْمِ وَالدِّينِ فَكَفَّهُمْ عَنِ الرَّأْيِ , وَدَلَّهُمْ عَلَى غَوْرِهِ وَغَوْرَتِهِ , إِنَّهُ يَأْتِي الْحَقُّ عَلَى خِلَافِهِ فِي وُجُوهٍ غَيْرِ وَاحِدَةٍ مِنْ ذَلِكَ: أَنَّ قَطْعَ أَصَابِعِ الْيَدِ مِثْلُ قَطْعِ الْيَدِ مِنَ الْمِنْكَبِ , أَيُّ ذَلِكَ أُصِيبَ فَفِيهِ سِتَّةُ أَلْفٍ وَمِنْ ذَلِكَ: أَنَّ قَطْعَ الرِّجْلِ فِي قِلَّةِ ضَرَرِهَا مِثْلُ قَطْعِ الرِّجْلِ مِنَ الْوَرِكِ , أَيُّ ذَلِكَ أُصِيبَ فَفِيهِ سِتَّةُ أَلْفٍ وَمِنْ ذَلِكَ: أَنَّ فِيَ الْعَيْنَيْنِ إِذَا فُقِئَتَا مِثْلُ مَا فِي قَطْعِ أَشْرَافِ الْأُذُنَيْنِ فِي قِلَّةِ ضَرَرِهِمَا , أَيَّ ذَلِكَ أُصِيبَ فَفِيهِ اثْنَا عَشَرَ أَلْفًا وَمِنْ ذَلِكَ: أَنَّ فِيَ شَجَّتَيْنِ مُوَضَّحَتَيْنِ صَغِيرَتَيْنِ مِائَةَ دِينَارٍ , وَمَا بَيْنَهُمَا صَحِيحٌ فَإِنْ جُرِحَ مَا بَيْنَهُمَا حَتَّى تُقَامَ إِحْدَاهُمَا إِلَى الْأُخْرَى , كَانَ أَعْظَمَ لِلْجُرْحِ بِكَثِيرٍ , وَلَمْ يَكُنْ فِيهَا حِينَئِذٍ إِلَّا خَمْسُونَ دِينَارًا وَمِنْ ذَلِكَ أَنَّ الْمَرْأَةَ الْحَائِضَ تُقْضَى الصِّيَامَ وَلَا تَقْضِي الصَّلَاةَ وَمِنْ ذَلِكَ رَجُلَانِ قُطِعَتْ أُذُنَا أَحَدِهِمَا جَمِيعًا , يَكُونُ لَهُ اثْنَا عَشَرَ أَلْفًا , وَقُتِلَ الْآخَرُ فَذَهَبَتْ أُذُنَاهُ وَعَيْنَاهُ وَيَدَاهُ وَرِجْلَاهُ , وَذَهَبَتْ نَفْسُهُ

لَيْسَ لَهُ إِلَّا اثْنَا عَشَرَ أَلْفًا , مِثْلُ الَّذِي لَمْ يُصِبْ إِلَّا أَشْرَافَ أُذُنَيْهِ فِي أَشْبَاهِ هَذَا غَيْرِ وَاحِدَةٍ فَهَلْ وَجَدَ الْمُسْلِمُونَ بُدًّا مِنْ لُزُومِ هَذَا؟ وَأَيُّ هَذِهِ الْوُجُوهِ يَسْتَقِيمُ عَلَى الرَّأْيِ أَوْ يَخْرُجُ فِي التَّفْكِيرِ؟ وَلَكِنَّ السُّنَنَ مِنَ الْإِسْلَامِ , بِحَيْثُ جَعَلَهَا اللَّهُ هِيَ مِلَاكُ الدِّينِ وَقِيَامُهُ الَّذِي بُنِيَ عَلَيْهِ الْإِسْلَامُ , وَأَيُّ قَوْلٍ أَجْسَمُ وَأَعْظَمُ خَطَرًا مِمَّا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ حِينَ خَطَبَ النَّاسَ فَقَالَ: وَقَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ , مَا إِنِ اعْتَصَمْتُمْ بِهِ , فَلَنْ تَضِلُّوا أَبَدًا , أَمْرًا بَيْنَنَا: كِتَابَ اللَّهِ , وَسُنَّةَ نَبِيِّهِ فَقَرَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَهُمَا , وَايْمُ اللَّهِ إِنَّ كُنَّا لَنَلْتَقِطُ السُّنَنَ مِنْ أَهْلِ الْفِقْهِ وَالثِّقَةِ , وَنَتَعَلَّمُهَا شَبِيهًا بِتَعْلِيمِنَا آيِ الْقُرْآنِ , وَمَا بَرِحَ مَنْ أَدْرَكْنَا مِنْ أَهْلِ الْفَضْلِ وَالْفِقْهِ مِنْ خِيَارِ النَّاسِ يَعِيبُونَ أَهْلَ الْجَدَلِ وَالتَّنْقِيبِ وَالْأَخْذِ بِالرَّأْيِ أَشَدَّ الْعَيْبِ , وَيَنْهَوْنَنَا عَنْ لِقَائِهِمْ وَمُجَالَسَتِهِمْ , وَيُحَذِّرُونَنَا مُقَارَبَتَهُمْ أَشَدَّ التَّحْذِيرِ , وَيُخْبِرُونَنَا أَنَّهُمْ أَهْلُ ضَلَالٍ وَتَحْرِيفٍ , بِتَأْوِيلِ كِتَابِ اللَّهِ وَسُنَنِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَمَا تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , حَتَّى كَرِهَ الْمَسَائِلَ وَنَاحِيَةَ التَّنْقِيبِ وَالْبَحْثِ عَنِ الْأُمُورِ وَزَجْرِ عَنْ ذَلِكَ وَحَذَّرَهُ الْمُسْلِمِينَ فِي غَيْرِ مَوْطِنٍ حَتَّى كَانَ مِنْ قَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَرَاهِيَةَ ذَلِكَ أَنْ قَالَ

: ذَرُونِي مَا تَرَكْتُكُمْ , فَإِنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ سُؤَالُهُمْ وَاخْتِلَافُهُمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ , فَإِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَاجْتَنِبُوهُ , وَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِشَيْءٍ بِهِ فَأَتَوْا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ فَأَيُّ أَمْرٍ أَكُفُّ لِمَنْ يَعْقِلُ عَنِ التَّنْقِيبِ مِنْ هَذَا؟ ‍ وَلَمْ يَبْلُغِ النَّاسُ يَوْمَ قِيلَ لَهُمْ هَذَا الْقَوْلُ مِنَ الْكَشْفِ عَنِ الْأُمُورِ جُزْءًا مِنْ مِائَةِ جُزْءٍ مِمَّا بَلَغُوا الْيَوْمَ , وَهَلْ هَلَكَ أَهْلُ الْأَهْوَاءِ وَخَالَفُوا الْحَقَّ إِلَّا بِأَخْذِهِمْ بِالْجَدَلِ , وَالتَّفْكِيرِ فِي دِينِهِمْ , فَهُمْ كُلَّ يَوْمٍ عَلَى دِينِ ضَلَالٍ وَشُبْهَةٍ جَدِيدَةٍ لَا يُقِيمُونَ عَلَى دِينٍ , وَإِنَّ أَعْجَبَهُمْ إِلَّا نَقَلَهُمُ الْجَدَلُ وَالتَّفْكِيرُ إِلَى دِينٍ سِوَاهُ , وَلَوْ لَزِمُوا السُّنَنَ وَأَمْرَ الْمُسْلِمِينَ وَتَرَكُوا الْجَدَلَ لَقَطَعُوا عَنْهُمُ الشَّكَّ , وَأَخَذُوا بِالْأَمْرِ الَّذِي حَضَّهُمْ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَرَضِيَهُ لَهُمْ , وَلَكِنَّهُمْ تَكَلَّفُوا مَا قَدْ كُفُوًا مُؤْنَتَهُ وَحَمَلُوا عَلَى عُقُولِهِمْ مِنَ النَّظَرِ فِي أَمْرِ اللَّهِ مَا قَصُرَتْ عَنْهُ عُقُولُهُمْ , وَحَقٌّ لَهَا أَنَّ تَقْصُرَ عَنْهُ وَتَحْسَرَ دُونَهُ , فَهُنَالِكَ تَوَرَّطُوا وَأَيْنَ مَا أَعْطَى اللَّهُ الْعِبَادَ مِنَ الْعِلْمِ فِي قِلَّتِهِ وَزَهَادَتِهِ مِمَّا تَنَاوَلُوا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا} [الإسراء: 85] , وَقَدْ قَصَّ اللَّهُ تَعَالَى مَا عَيَّرَ أَوْ غَيَّرَ هَذِهِ الْكَلِمَةَ بِهِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ , مِنْ أَمْرِ الرَّجُلِ الَّذِي لَقِيَهُ فَقَالَ: {فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا} [الكهف: 65] , فَكَانَ مِنْهُ فِي خَرْقِهِ السَّفِينَةَ , وَقَتْلِهِ الْغُلَامَ , وَبِنَائِهِ الْجِدَارَ , مَا قَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ , فَأَنْكَرَ مُوسَى ذَلِكَ عَلَيْهِ ,

وَجَاهُ ذَلِكَ فِي ظَاهِرِ الْأَمْرِ مُنْكَرًا لَا تَعْرِفُهُ الْقُلُوبُ , وَلَا يَهْتَدِي لَهُ التَّفْكِيرُ , حَتَّى كَشَفَ اللَّهُ ذَلِكَ لِمُوسَى فَعَرَفَهُ , وَكَذَلِكَ مَا جَاءَ مِنْ سُنَنِ الْإِسْلَامِ وَشَرَائِعِ الدِّينِ الَّتِي لَا تُوَافِقُ الرَّأْيَ , وَلَا تَهْتَدِي لَهَا الْعُقُولُ , وَلَوْ كَشَفَ لِلنَّاسِ عَنْ أُصُولِهَا لَجَاءَتِ لِلنَّاسِ وَاضِحَةً بَيِّنَةً غَيْرَ مُشْكِلَةً عَلَى مِثْلِ مَا جَاءَ عَلَيْهِ أَمْرُ السَّفِينَةِ وَأَمْرُ الْغُلَامِ وَأَمْرُ الْجِدَارِ , فَإِنَّ مَا جَاءَ بِهِ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَالَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى يَعْتَبِرُ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ , وَيُشْبِهُ بَعْضُهُ بَعْضًا , وَمَنْ أَجْهَلُ وَأَضَلُّ وَأَقَلُّ مَعْرِفَةً بِحَقِّ اللَّهِ وَحَقِّ رَسُولِهِ وَبِنُورِ الْإِسْلَامِ وَبُرْهَانِهِ مِمَّنْ قَالَ لَا أَقْبَلُ سُنَّةً وَلَا أَمْرًا مَضَى مِنْ أَمْرِ الْمُسْلِمِينَ حَتَّى يُكْشَفَ لِي غَيْبُهُ وَأَعْرِفَ أُصُولَهُ؟ أَوْ لَمْ يَقُلْ ذَلِكَ بِلِسَانِهِ , فَكَانَ عَلَيْهِ رَأْيُهُ وَفِعْلُهُ , وَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [النساء: 65]

الكلام في الأصل الثالث من أصول الفقه وهو: إجماع المجتهدين إجماع أهل الاجتهاد في كل عصر حجة من حجج الشرع ودليل من أدلة الأحكام , مقطوع على مغيبه , ولا يجوز أن تجتمع الأمة على الخطأ وذهب إبراهيم بن سيار النظام إلى أنه يجوز اجتماع الأمة على الخطأ وقالت

§الْكَلَامُ فِي الْأَصْلِ الثَّالِثِ مِنْ أُصُولِ الْفِقْهِ وَهُوَ: إِجْمَاعُ الْمُجْتَهِدِينَ إِجْمَاعُ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ فِي كُلِّ عَصْرٍ حُجَّةٌ مِنْ حِجَجِ الشَّرْعِ وَدَلِيلٌ مِنْ أَدِلَّةِ الْأَحْكَامِ , مَقْطُوعٌ عَلَى مَغِيبِهِ , وَلَا يَجُوزُ أَنْ تَجْتَمِعَ الْأُمَّةُ عَلَى الْخَطَأِ وَذَهَبَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَيَّارٍ النَّظَّامُ إِلَى أَنَّهُ يَجُوزُ اجْتِمَاعُ الْأُمَّةِ عَلَى الْخَطَأِ وَقَالَتِ الرَّافِضَةُ: الْإِجْمَاعُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ , وَإِنَّمَا الْحُجَّةُ قَوْلُ الْإِمَامِ وَحْدَهُ ,

وَاحْتَجَّ مَنْ نَصَرَهُمْ بِمَا: أنا الْحَسَنُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ , وَعُثْمَانُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْعَلَّافُ , قَالَا: أنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الشَّافِعِيُّ , نا جَعْفَرٌ يَعْنِي ابْنَ مُحَمَّدِ بْنِ شَاكِرٍ الصَّائِغَ - نا عَفَّانُ , نا شُعْبَةُ , أَخْبَرَنِي أَبُو عَوْنٍ , قَالَ: سَمِعْتُ الْحَارِثَ بْنَ عَمْرٍو ابْنُ أَخِي الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ يُحَدِّثُ عَنْ نَاسٍ , مِنْ أَصْحَابِ مُعَاذٍ مِنْ أَهْلِ حِمْصٍ , عَنْ مُعَاذٍ , أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِمُعَاذٍ حِينَ بَعَثَهُ إِلَى الْيَمَنِ: «§كَيْفَ تَقْضِي إِنْ عَرَضَ لَكَ قَضَاءٌ؟» قَالَ: أَقْضِي بِمَا فِي كِتَابِ اللَّهِ قَالَ: «فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي كِتَابِ اللَّهِ؟» قَالَ: فَبِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ؟» قَالَ أَجْتَهِدُ رَأْيِي وَلَا آلُو قَالَ: فَضَرَبَ صَدْرَهُ , وَقَالَ: «الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَفَّقَ رَسُولَ -[398]- رَسُولِ اللَّهِ لِمَا يُرْضِي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» قَالُوا: فَذَكَرَ الْأَدِلَّةَ , وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهَا الْإِجْمَاعُ وَلَوْ كَانَ صَحِيحًا لَذَكَرَهُ

وَأَنَا أَبُو نُعَيْمٍ الْحَافِظُ , نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ فَارِسٍ , نا يُونُسُ بْنُ حَبِيبٍ , نا أَبُو دَاوُدَ , نا شُعْبَةُ , عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُدْرِكٍ , قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا زُرْعَةَ بْنَ عَمْرِو بْنِ جَرِيرٍ , يُحَدِّثُ عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْبَجَلِيِّ , قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا جَرِيرُ اسْتَنْصِتِ النَّاسَ» - يَعْنِي فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ قَالَ -: §«لَا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ»

وَأَنَا أَبُو الْحَسَنِ , مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ الْحِنَّائِيُّ , نا أَحْمَدُ بْنُ -[399]- سَلْمَانَ النِّجَادُ , إِمْلَاءً , نا أَبُو الْأَحْوَصِ , مُحَمَّدُ بْنُ الْهَيْثَمِ بْنِ حَمَّادٍ الْقَاضِي , نا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ , نا أَبُو غَسَّانَ يَعْنِي مُحَمَّدَ بْنَ مُطَرِّفٍ - قَالَ حَدَّثَنِي زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ , عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ , عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ , أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: §«لَتَتَّبِعُنَّ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ شِبْرًا بِشِبْرٍ , وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ , حَتَّى لَوْ سَلَكُوا جُحْرَ ضَبٍّ لَسَلَكْتُمُوهُ» قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ: الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى قَالَ: «فَمَنْ؟» قَالُوا: وَمَا ذَكَرَ فِي هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْإِجْمَاعَ عَلَى الْخَطَأِ جَائِزٌ عَلَى الْأُمَّةِ قَالُوا: وَلِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنَ الْأُمَّةِ يَجُوزُ عَلَيْهِ الْخَطَأُ بِانْفِرَادِهِ , فَإِذَا اجْتَمَعَ مَعَ غَيْرِهِ كَانَ بِمَنْزِلَةِ الْمُنْفَرِدِ , لِأَنَّهُ يَجْتَهِدُ بِرَأْيِهِ الْمُعَرَّضِ لِلْخَطَأِ قَالُوا: وَلِأَنَّ الْأُمَّةَ لَا يُحْصَوْنَ , وَلَا يُمْكِنُ سَمَاعُ أَقَاوِيلِهِمْ , وَمَالَا سَبِيلَ إِلَى مَعْرِفَتِهِ , فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَجْعَلَهُ صَاحِبُ الشَّرِيعَةِ دَلِيلًا عَلَى شَرِيعَتِهِ وَهَذَا عِنْدَنَا غَيْرُ صَحِيحٍ , وَحُجَّتُنَا فِيمَا ذَهَبْنَا إِلَيْهِ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتْبَعُ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} [النساء: 115] -[400]- , وَوَجْهُ الدَّلِيلِ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ , أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى , تُوَعَّدَ أَتْبَاعَ غَيْرِ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ , فَدَلَّ عَلَى أَنَّ اتِّبَاعَ سَبِيلَهُمْ وَاجِبٌ وَمُخَالَفَتُهُمْ حَرَامٌ فَإِنْ قَالَ الْمُخَالِفُ: هَذَا اسْتِدْلَالٌ بِدَلِيلِ الْخِطَابِ وَلَيْسَ بِحُجَّةٍ عِنْدَنَا؟ فَالْجَوَابُ: أَنَّهُ دَلِيلٌ عِنْدَنَا كَالْعُمُومِ وَالظَّاهِرِ , وَقَدْ دَلَلْنَا عَلَيْهِ فِيمَا تَقَدَّمَ , وَعَلَى أَنَّ هَذَا لَيْسَ بِدَلِيلِ الْخِطَابِ , وَإِنَّمَا هُوَ احْتِجَاجٌ بِتَقْسِيمٍ عَقْلِي , لِأَنَّهُ لَيْسَ بَيْنَ اتِّبَاعِ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ , وَبَيْنَ اتِّبَاعِ غَيْرِ سَبِيلِهِمْ قِسْمٌ ثَالِثٌ , وَإِذَا حَرَّمَ اللَّهُ اتِّبَاعَ غَيْرِ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ وَجَبَ اتِّبَاعُ سَبِيلِهِمْ , وَهَذَا وَاضِحٌ لَا شُبْهَةَ فِيهِ فَإِنْ قَالَ: إِنَّمَا تُوَعَّدَ اللَّهُ عَلَى مُشَاقَةِ الرَّسُولِ وَهِيَ مُخَالَفَتُهُ , وَعَلَى اتِّبَاعِ غَيْرِ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ , فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُحْمَلَ التَّوَعُّدُ عَلَى اتِّبَاعِ غَيْرِ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ بِانْفِرَادِهِ فَالْجَوَابُ: أَنَّ مُشَاقَةَ الرَّسُولِ مُحَرَّمَةٌ بِانْفِرَادِهِ , وَإِنْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ مُؤْمِنٌ , فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْوَعِيدَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِانْفِرَادِهِ , وَلِأَنَّ اتِّبَاعَ غَيْرِ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ لَوْ لَمْ يَكُنْ مُحَرَّمًا بِانْفِرَادِهِ , لَمْ يَحْرُمْ مَعَ مُشَاقَةِ الرَّسُولِ كَسَائِرِ الْمُبَاحَاتِ فَإِنْ قَالَ: أَهْلُ الْعَصْرِ هُمْ بَعْضُ الْمُؤْمِنِينَ وَالظَّاهِرُ مِنَ الْآيَةِ جَمِيعُ الْمُؤْمِنِينَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ؟ -[401]- فَالْجَوَابُ: أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ جَمِيعَهُمْ , لِأَنَّ التَّكْلِيفَ فِي ذَلِكَ يَكُونُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ , وَلَا تَكْلِيفَ فِي الْآخِرَةِ , وَإِذَا كَانَ الْمُرَادُ بَعْضُ الْمُؤْمِنِينَ , وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ مَا زَادَ عَلَى أَهْلِ الْعَصْرِ , كَانَ الْمُرَادُ بِهِ أَهْلُ الْعَصْرِ , وَلِأَنَّ مَنْ يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ المُؤْمِنِينَ حَقِيقَةً هُمُ المَوْجُودُونَ فِي العَصْرِ , لِأَنَّ مَنْ لَمْ يُخْلَقْ لَا يُسَمَّى مُؤْمِنًا , وَمَنْ خُلِقَ وَمَاتَ فَلَا يُسَمَّى مُؤْمِنًا حَقِيقَةً , وَإِنَّمَا كَانَ مُؤْمِنًا

ومن الدليل أيضا على أصل المسألة قول الله تعالى: وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس والوسط: العدل

§وَمِنَ الدَّلِيلِ أَيْضًا عَلَى أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ} [البقرة: 143] وَالْوَسَطُ: الْعَدْلُ

كَذَلِكَ أنا الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ , أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحَرَشِيُّ , نا أَبُو الْعَبَّاسِ , مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْأَصَمُّ , نا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ الْعُطَارِدِيُّ , نا أَبُو مُعَاوِيَةَ , عَنِ الْأَعْمَشِ , عَنْ أَبِي صَالِحٍ , عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ , قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} [البقرة: 143] قَالَ: §عَدْلًا " قُلْتُ: وَهَذَا كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي آيَةٍ أُخْرَى {قَالَ أَوْسَطُهُمْ -[407]- أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلَا تُسَبِّحُونَ} [القلم: 28]

أنا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ الْحَرْبِيُّ , أنا عُمَرُ بْنُ هَارُونَ الْمُقْرِئُ , نا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ بُكَيْرٍ , قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ , يَقُولُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {§قَالَ أَوْسَطُهُمْ} [القلم: 28] «أَيْ خَيْرُهُمْ وَأَعْدَلُهُمْ قَوْلًا» وَإِذَا أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى , أَنَّ الْأُمَّةَ عَدْلٌ , لَمْ تَجُزْ عَلَيْهِمُ الضَّلَالَةُ لِأَنَّهُ لَا عَدَالَةَ مَعَ الضَّلَالَةِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَيْضًا قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} [النساء: 59] فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الرَّدَّ يَجِبُ فِي حَالِ الِاخْتِلَافِ , وَلَا يَجِبُ فِي حَالِ الْإِجْمَاعِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مِنَ السُّنَّةِ:

مَا أنا الْقَاضِي أَبُو عُمَرَ الْقَاسِمُ بْنُ جَعْفَرٍ الْهَاشِمِيُّ , حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ اللُّؤْلُؤِيُّ , نا أَبُو دَاوُدَ , نا مُحَمَّدُ بْنُ عَوْفٍ الطَّائِيُّ , نا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ , قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي , - قَالَ ابْنُ عَوْفٍ: وَقَرَأْتُ فِي أَصْلِ إِسْمَاعِيلَ قَالَ: حَدَّثَنِي ضَمْضَمٌ , - عَنْ شُرَيْحٍ , عَنْ أَبِي مَالِكٍ يَعْنِي الْأَشْعَرِيَّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: §" إِنَّ اللَّهَ أَجَارَكُمْ مِنْ ثَلَاثِ خِلَالٍ: لَا يُدْعَوْا عَلَيْكُمْ نَبِيُّكُمْ فَتَهْلِكُوا جَمِيعًا , وَأَنْ لَا يَظْهَرَ أَهْلُ الْبَاطِلِ عَلَى أَهْلِ الْحَقِّ وَأَنْ لَا تَجْتَمِعُوا عَلَى ضَلَالَةٍ "

أنا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْوَاعِظُ , أنا أَبُو عَلِيٍّ , أَحْمَدُ بْنُ الْفَضْلِ بْنِ الْعَبَّاسِ بْنِ خُزَيْمَةَ , نا أَحْمَدُ بْنُ الْهَيْثَمِ بْنِ خَالِدٍ , نا خَالِدُ بْنُ يَزِيدَ , عَنْ مُعْتَمِرِ بْنِ سُلَيْمَانَ , عَنْ سَالِمٍ , وَأَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ أَحْمَدَ الْوَاعِظُ , أنا أَبُو بَحْرٍ , مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ كَوْثَرٍ الْبَرْبَهَارِيُّ , نا مُحَمَّدُ بْنُ غَالِبٍ , نا خَالِدٌ الْقَرَنِيُّ , نا الْمُعْتَمِرُ , عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الذَّيَّالِ , عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ , عَنِ ابْنِ عُمَرَ , قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَفِي حَدِيثِ عَبْدِ الْمَلِكِ قَالَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «§لَا يَجْمَعُ اللَّهُ الْأُمَّةَ» وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ: هَذِهِ الْأُمَّةَ ثُمَّ اتَّفَقَا وَقَالَ: «أُمَّتِي عَلَى ضَلَالَةٍ أَبَدًا , وَيَدُ اللَّهِ» - وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ: «إِنَّ يَدَ اللَّهِ عَلَى الْجَمَاعَةِ وَاتَّبَعُوا السَّوَادَ الْأَعْظَمَ فَإِنَّهُ مَنْ شَذَّ شَذَّ فِي النَّارِ»

أنا أَبُو بَكْرٍ الْبُرْقَانِيُّ , أنا أَبُو الْحُسَيْنِ , مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْحَجَّاجِيُّ , نا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ خُزَيْمَةَ , نا عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ -[409]- الدِّرْهَمِيُّ , نا مُعْتَمِرٌ , عَنْ سُفْيَانَ , أَوْ أَبِي سُفْيَانَ , عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ , عَنِ ابْنِ عُمَرَ , قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: §«لَنْ يَجْمَعَ اللَّهُ أُمَّتِي عَلَى ضَلَالَةٍ , وَيَدُ اللَّهِ عَلَى الْجَمَاعَةِ» هَكَذَا - وَرَفَعَ يَدَيْهِ - «فَإِنَّهُ مَنْ شَذَّ شَذَّ فِي النَّارِ»

أنا أَبُو بَكْرٍ , أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْأَشْنَانِيُّ , نا أَبُو الْعَبَّاسِ , مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْأَصَمُّ , نا أَبُو عُثْمَانَ سَعِيدُ بْنُ عُثْمَانَ التَّنُوخِيُّ , نا عِصَامُ بْنُ خَالِدٍ الْحَضْرَمِيُّ , نا مُعَانُ بْنُ رِفَاعَةَ , عَنْ حَازِمِ بْنِ عَطَاءٍ أَبِي خَلْفٍ , عَنْ أَنَسٍ , قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: §«لَا تَجْتَمِعُ أُمَّتِي عَلَى ضَلَالَةٍ , فَإِذَا رَأَيْتُمُ الِاخْتِلَافَ فَعَلَيْكُمْ بِالسَّوَادِ الْأَعْظَمِ» وَهَكَذَا رَوَاهُ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ النَّسَوِيُّ , وَأَبُو بِشْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الدَّوْلَابِيُّ , عَنْ سَعِيدِ بْنِ عُثْمَانَ

أنا الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ الْحِيرِيُّ , نا أَبُو الْعَبَّاسِ , مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْأَصَمُّ , نا أَبُو عُتْبَةَ أَحْمَدُ بْنُ الْفَرَجِ , نا بَقِيَّةُ , نا مُعَانُ بْنُ رِفَاعَةَ , عَنْ أَبِي خَلَفٍ الْمَكْفُوفِ , أَنَّهُ سَمِعَهُ يَقُولُ , سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ , يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: §«إِنَّ أُمَّتِي لَا تَجْتَمِعُ عَلَى ضَلَالَةٍ , فَإِذَا رَأَيْتُمُ الِاخْتِلَافَ فَعَلَيْكُمْ بِالسَّوَادِ الْأَعْظَمِ»

أنا أَبُو الْفَرَجِ عَبْدُ السَّلَامِ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ الْقُرَشِيُّ , أنا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ الطَّبَرَانِيُّ , نا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي يَحْيَى الْحَضْرَمِيُّ , نا مُحَمَّدُ بْنُ أَيُّوبَ بْنِ عَافِيَةَ , نا جَدِّي , نا مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ , حَدَّثَنِي حُمَيْدُ بْنُ عُقْبَةَ , عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ , قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: §«إِنَّ أُمَّتِي لَا يَجْتَمِعُونَ عَلَى ضَلَالَةٍ»

أنا أَبُو الْفَتْحِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي الْفَوَارِسِ الْحَافِظُ , وَأَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ يُوسُفَ الصَّيَّادُ , وَأَبُو الْقَاسِمِ طَلْحَةُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الصَّقْرِ الْكَتَّانِيُّ , وَأَبُو عَلِيٍّ الْحَسَنُ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ شَاذَانَ قَالُوا: أنا أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ بْنِ خَلَّادٍ الْعَطَّارُ , نا الْحَارِثُ بْنُ مُحَمَّدٍ التَّمِيمِيُّ , نا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي إِسْمَاعِيلَ الْمُؤَدِّبُ , نا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ , عَنْ يَحْيَى بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ , قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: §«إِنَّ اللَّهَ أَجَارَكُمْ أَنْ تَسْتَجْمِعُوا عَلَى ضَلَالَةٍ كُلُّكُمْ»

أنا أَبُو مُحَمَّدٍ الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ الْخَلَّالُ , نا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَيُّوبَ الْقَطَّانُ , وَأَنَا عَلِيُّ بْنُ الْمُحْسِنِ التَّنُوخِيُّ , نا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُظَفَّرِ الْحَافِظُ , - بِلَفْظِهِ - قَالَا: نا أَبُو نَصْرٍ , أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَامِدٍ الْبَلْخِيُّ - زَادَ ابْنُ الْمُظَفَّرِ: قَدِمَ لِلْحَجِّ - ثُمَّ اتَّفَقَا قَالَ: نا حَازِمُ بْنُ نُوحٍ , - زَادَ ابْنُ أَيُّوبَ أَبُو مُحَمَّدٍ ثُمَّ اتَّفَقَا قَالَ: نا أَبُو مُعَاذٍ خَالِدُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ: نا نُوحُ ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ , عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدٍ , عَنْ يَحْيَى بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ , قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: §«إِنَّ اللَّهَ أَجَارَكُمْ أَنْ تَجْتَمِعُوا عَلَى ضَلَالَةٍ كُلُّكُمْ , أَوْ أَنْ يَظْهَرَ أَهْلُ الْبَاطِلِ عَلَى أَهْلِ الْحَقِّ»

أنا أَبُو عُمَرَ عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَهْدِيٍّ , أنا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ , مُحَمَّدُ بْنُ مَخْلَدٍ الْعَطَّارُ , نا مُحَمَّدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ , نا عَبْدُ الرَّزَّاقِ , نا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَيْمُونٍ الصَّنْعَانِيُّ , عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ , عَنْ أَبِيهِ , عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ , أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: §«يَدُ اللَّهِ عَلَى الْجَمَاعَةِ»

أنا الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ الطَّنَاجِيرِيُّ , أنا مُحَمَّدُ بْنُ زَيْدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ مَرْوَانَ الْأَنْصَارِيُّ , - بِالْكُوفَةِ - نا إِسْحَاقُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَرْوَانَ , نا أَبِي , نا أَبُو يَحْيَى الْحِمَّانِيُّ , عَنْ يَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ الْجَرِيرِيِّ , عَنْ زِيَادِ بْنِ عِلَاقَةَ , عَنْ عَرْفَجَةَ بْنِ ضَرِيحٍ الْأَشْجَعِيِّ , قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: §«إِنَّ يَدَ اللَّهِ مَعَ الْجَمَاعَةِ , وَالشَّيْطَانُ مَعَ مَنْ فَارَقَ الْجَمَاعَةَ يَرْكُضُ»

أنا الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ الْحِيرِيُّ , نا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْأَصَمُّ , نا أَبُو عُتْبَةَ , أَحْمَدُ بْنُ الْفَرَجِ , نا بَقِيَّةُ , نا عُمَرُ بْنُ جُعْثُمٍ , قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو دُوَيْدٍ , عَنْ عَاصِمِ بْنِ حُمَيْدٍ , أَنَّهُ سَمِعَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ , يَقُولُ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: §«مَنْ أَرَادَ بَحْبَحَةَ الْجَنَّةِ فَعَلَيْهِ بِالْجَمَاعَةِ , وَإِيَّاكُمْ وَالْوِحْدَةَ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ مَعَ الْوَاحِدِ وَهُوَ مِنَ الِاثْنَيْنِ أَبْعَدُ»

وَأَنَا الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ الْحِيرِيُّ , نا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْأَصَمُّ , أنا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ , أنا الشَّافِعِيُّ , أنا سُفْيَانُ , عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي لَبِيدٍ , عَنِ ابْنِ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ , عَنْ أَبِيهِ , أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ , قَامَ بِالْجَابِيَةِ خَطِيبًا , فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ فِينَا كَقِيَامِي فِيكُمْ , فَقَالَ: §«أَكْرِمُوا أَصْحَابِي , ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ , ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ , ثُمَّ يَظْهَرُ الْكَذِبُ , حَتَّى إِنَّ الرَّجُلَ لِيَحْلِفُ وَلَا يُسْتَحْلَفُ , وَيَشْهَدُ وَلَا يُسْتَشْهَدُ , أَلَا فَمَنْ سَرَّهُ بَحْبَحَةُ الْجَنَّةِ فَيَلْزَمُ الْجَمَاعَةَ , فَإِنَّ الشَّيْطَانَ مَعَ الْفَذِّ , وَهُوَ مِنَ الِاثْنَيْنِ أَبْعَدُ , وَلَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ , فَإِنَّ الشَّيْطَانَ ثَالِثُهُمْ , وَمَنْ سَرَّتْهُ حَسَنَتُهُ وَسَاءَتْهُ سَيِّئَتُهُ فَهُوَ مُؤْمِنٌ»

أنا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُعَدِّلُ , أنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ , نا يَحْيَى بْنُ جَعْفَرِ بْنِ الزِّبْرِقَانِ , أنا عَلِيُّ بْنُ عَاصِمٍ , حَدَّثَنِي مُطَرِّفُ بْنُ طَرِيفٍ , وَأَنَا الْحَسَنُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ , أنا أَبُو بَكْرٍ , مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ مِقْسَمٍ الْمُقْرِئُ , نا الْحُسَيْنُ بْنُ عُمَرَ الثَّقَفِيُّ , نا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُونُسَ , -[414]- نا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ , وزُهَيْرٌ , ومَنْدَلٌ , عَنْ مُطَرِّفِ بْنِ طَرِيفٍ , عَنْ أَبِي الْجَهْمِ , عَنْ خَالِدِ بْنِ وهْبَانَ , عَنْ أَبِي ذَرٍّ , قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: §«مَنْ فَارَقَ الْجَمَاعَةَ شِبْرًا خَلَعَ» - وَفِي حَدِيثِ عَلِيِّ بْنِ عَاصِمٍ: فَقَدْ خَلَعَ - «رِبْقَةَ الْإِسْلَامِ مِنْ عُنُقِهِ»

أنا الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ الْحِيرِيُّ , نا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْأَصَمُّ , نا أَبُو أُمَيَّةَ الطُّرَسُوسِيُّ , نا حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمِصِّيصِيُّ , قَالَ: قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: أَخْبَرَنِي عَاصِمُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ , أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ , يُخْبِرُهُ عَامِرٌ , عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: §«مَنْ فَارَقَ الْجَمَاعَةَ مَاتَ مَيْتَةً جَاهِلِيَّةً , وَمَنْ نَكَثَ الْعَهْدَ فَمَاتَ نَاكِثًا فِي الْعَهْدِ جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا حُجَّةَ لَهُ»

أنا أَبُو نُعَيْمٍ الْحَافِظُ , نا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ حَيَّانَ , نا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ بَحْرٍ , نا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى , نا مُعْتَمِرٌ , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ حَنَشٍ , عَنْ عَطَاءٍ , عَنِ ابْنِ عُمَرَ , قَالَ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَهُوَ قَائِلٌ بِكَفَّيْهِ هَكَذَا , كَأَنَّهُ يُشِيرُ شَيْئًا , وَقَالَ: §«مَنْ فَارَقَ الْجَمَاعَةَ شِبْرًا أَخْرَجَ مِنْ عُنُقِهِ رَبَقَ الْإِسْلَامِ»

أنا الْحَسَنُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْمُنْذِرِ الْقَاضِي , وَالْحَسَنُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ , قَالَا: أنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الشَّافِعِيُّ , نا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْهَيْثَمِ , نا أَبُو صَالِحٍ , كَاتِبُ اللَّيْثِ قَالَ: حَدَّثَنِي اللَّيْثُ , قَالَ: قَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ: كَتَبَ إِلَيَّ خَالِدُ بْنُ أَبِي عِمْرَانَ قَالَ حَدَّثَنِي نَافِعٌ , عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ , أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: §«مَنْ خَرَجَ مِنَ الْجَمَاعَةِ قَادَ شِبْرٍ , فَقَدْ خَلَعَ رِبْقَةَ الْإِسْلَامِ مِنْ عُنُقِهِ حَتَّى يُرَاجِعَهُ»

أنا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ التَّمِيمِيُّ , أنا أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ حَمْدَانَ , نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ , حَدَّثَنِي أَبِي , نا عَلِيُّ بْنُ إِسْحَاقَ , أنا عَبْدُ اللَّهِ , أنا مَعْمَرٌ , عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ , عَنْ زَيْدِ بْنِ سَلَّامٍ , عَنْ جَدِّهِ مَمْطُورٍ , عَنْ رَجُلٍ , مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - قَالَ أُرَاهُ أَبَا مَالِكٍ الْأَشْعَرِيَّ - قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: §«مَنْ خَرَجَ مِنَ الْجَمَاعَةِ قِيدَ شِبْرٍ فَقَدْ خَلَعَ رِبْقَةَ الْإِسْلَامِ مِنْ رَأْسِهِ»

نا أَبُو نُعَيْمٍ الْحَافِظُ , إِمْلَاءً , نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ فَارِسٍ , نا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ هُوَ الْعَبْدِيُّ , نا مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ التَّنُوخِيُّ , نا خُلَيْدُ بْنُ دَعْلَجٍ , عَنْ قَتَادَةَ , عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ , عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ , قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: §«مَنْ فَارَقَ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ قِيدَ شِبْرٍ , فَقَدْ خَلَعَ رِبْقَةَ الْإِسْلَامِ مِنْ عُنُقِهِ»

أنا أَبُو الْقَاسِمِ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عُثْمَانَ الصَّيْرَفِيُّ , وَالْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُظَفَّرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الدَّقَّاقُ قَالَ -[417]- مُحَمَّدٌ: أنا قَالَ الْآخَرُ: نا عَلِيُّ بْنُ عُمَرَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْخُتَّلِيُّ , نا أَبُو نَصْرٍ عُزَيْرُ بْنُ نَصْرِ بْنِ اللَّيْثِ , قَدِمَ عَلَيْنَا , وَقَالَ الصَّيْرَفِيُّ عُزَيْرُ بْنُ نَصْرِ بْنِ لَيْثِ بْنِ أَبِي اللَّيْثِ الْأَشْرُوسَنِيُّ , نا بِكْرَانُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْبَغْدَادِيُّ , - زَادَ الصَّيْرَفِيُّ أَبُو الْقَاسِمِ - ثُمَّ اتَّفَقَا: قَالَ: نا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ نَهْشَلٍ , عَنِ الْفُضَيْلِ بْنِ عِيَاضٍ , عَنْ مَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ , عَنْ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ , عَنْ عَلْقَمَةَ , عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ , قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: §«مَنْ فَارَقَ الْجَمَاعَةَ فَاقْتُلُوهُ»

أنا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ السَّرَّاجُ , نا أَبُو الْعَبَّاسِ , مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْأَصَمُّ , نا الْعَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدٍ الدُّورِيُّ , نا أَبُو النَّضْرِ , نا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ , عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ , عَنِ ابْنِ عُمَرَ , عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قَالَ: §«مَنْ مَاتَ مُفَارِقًا لِلْجَمَاعَةِ فَقَدْ مَاتَ مَيْتَةً جَاهِلِيَّةً»

نا أَبُو نُعَيْمٍ الْحَافِظُ , - إِمْلَاءً - نا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ الْهَيْثَمِ , -[418]- نا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي الْعَوَّامِ , نا أَبِي , نا أَبُو أَحْمَدَ بْنُ خَوْنٍ الْخُرَسَانِيُّ , عَنْ زَيْدٍ الْعَمِّيِّ , عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ , عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ , قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " §مَنْ عَمِلَ فِي الْجَمَاعَةِ: فَإِنْ أَصَابَ تُقُبِّلَ مِنْهُ , وَإِنْ أَخْطَأَ غُفِرَ لَهُ , وَمَنْ عَمِلَ فِي الْفُرْقَةِ , فَإِنْ أَصَابَ لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ , وَإِنْ أَخْطَأَ فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ "

أنا الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ طَاهِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ طَاهِرٍ الطَّبَرِيُّ , أنا مُوسَى بْنُ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَرَفَةَ , مَوْلَى بَنِي هَاشِمٍ , نا مُحَمَّدُ بْنُ ذَرِيحٍ الْعَكْبَرِيُّ , وَأَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْجَوْهَرِيُّ , أنا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ يَحْيَى الْعَطَشِيُّ , نا مُحَمَّدُ بْنُ صَالِحِ بْنِ ذَرِيحٍ , نا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَجِيدِ , نا سَلَّمُ بْنُ سَالِمٍ , عَنْ نُوحِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ , عَنْ زَيْدٍ الْعَمِّيِّ , عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ , عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ , قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: §«مَنْ عَمِلَ فِي الْجَمَاعَةِ فَأَصَابَ , تَقَبَّلَ اللَّهُ مِنْهُ , وَمَنْ أَخْطَأَ غَفَرَ اللَّهُ لَهُ , وَمَنْ عَمِلَ فِي الْفُرْقَةِ , فَأَصَابَ لَمْ يَقْبَلِ اللَّهُ مِنْهُ , وَمَنْ أَخْطَأَ فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ»

أنا الْقَاضِي أَبُو الْعَلَاءِ , مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الْوَاسِطِيُّ , نا أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ حَمْدَانَ , نا بِشْرُ بْنُ مُوسَى , نا مُعَاوِيَةُ بْنُ عَمْرٍو , عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الْفَزَارِيِّ , عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ , قَالَ: حَدَّثَنِي يَزِيدُ الرَّقَاشِيُّ , عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ , قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: §«إِنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ تَفَرَّقَتْ عَلَى إِحْدَى وَسَبْعِينَ فِرْقَةً , وَإِنَّ أُمَّتِي سَتَفْتَرِقُ عَلَى اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً كُلُّهَا فِي النَّارِ , إِلَّا فِرْقَةٌ وَاحِدَةٌ» قَالَ: «وَهِيَ الْجَمَاعَةُ»

أنا أَبُو الطَّيِّبِ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ الْقُرَشِيُّ , أنا أَبُو عُمَرَ , مُحَمَّدُ بْنُ الْعَبَّاسِ الْخَزَّازُ قَالَ: نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سُلَيْمَانَ بْنِ -[420]- الْأَشْعَثِ , نا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ وَهْبٍ , نا عَمِّي , أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ: أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ غَزْوَانِ الْحِمْصِيَّ , حَدَّثَهُ: أَنَّ عَمْرَو بْنَ سَعْدٍ مَوْلَى غِفَارٍ حَدَّثَهُ أَنْ يَزِيدَ الرَّقَاشِيَّ حَدَّثَهُ أَنَّ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ حَدَّثَهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: §«إِنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ تَفَرَّقَتْ عَلَى وَاحِدَةٍ وَثَمَانِينَ مِلَّةً , وَسَتَفْتَرِقُ أُمَّتِي عَلَى اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِينَ مِلَّةً , كُلُّهَا فِي النَّارِ غَيْرُ مِلَّةٍ وَاحِدَةٍ» قَالُوا: وَأَيَّةُ مِلَّةٍ هِيَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «الْجَمَاعَةُ» قُلْتُ: وَمَنْ رَوَى إِحْدَى وَسَبْعِينَ مِلَّةً أَكْثَرُ

أنا الْبُرْقَانِيُّ , قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ حَسْنُوَيْهِ , أُخْبِرُكُمُ الْحُسَيْنُ بْنُ إِدْرِيسَ , نا عُثْمَانُ هُوَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ , نا جَرِيرٌ , عَنْ سُهَيْلٍ , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ , قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: §" إِنَّ اللَّهَ يَرْضَى لَكُمْ ثَلَاثًا , وَيَكْرَهُ لَكُمْ ثَلَاثًا , يَرْضَى لَكُمْ أَنْ تَعْبُدُوهُ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا , وَأَنْ تَعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا , وَتُنَاصَحُوا مَنْ وَلَّاهُ اللَّهُ أَمْرَكُمْ , وَيَكْرَهُ لَكُمْ: قِيلَ وَقَالَ وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ وَإِضَاعَةَ الْمَالِ "

أنا الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ الْحِيرِيُّ , نا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْأَصَمُّ , نا أَبُو عُتْبَةَ , أَحْمَدُ بْنُ الْفَرَجِ الْحِجَازِيُّ , نا بَقِيَّةُ , عَنْ مُعَانِ بْنِ رِفَاعَةَ , قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ بُخْتٍ , عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ , عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " §ثَلَاثٌ لَا يَغُلُّ عَلَيْهِنَّ قَلْبُ مُؤْمِنٍ: إِخْلَاصُ الْعَمَلِ لِلَّهِ , وَمُنَاصَحَةُ أُولِي الْأَمْرِ , وَلُزُومُ جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ , فَإِنَّ دَعْوَتَهُمْ تُحِيطُ مَنْ وَرَاءَهُمْ "

أنا الْقَاضِي أَبُو عُمَرَ الْقَاسِمُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ عَبْدِ الْوَاحِدِ الْهَاشِمِيُّ , نا أَبُو الْعَبَّاسِ , مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَمَّادٍ الْأَثْرَمُ , فِي سَنَةِ ثَلَاثِينَ وَثَلَاثِمِائَةٍ , نا الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ التَّرْقُفِّيُّ , نا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ الْفِرْيَابِيُّ , عَنْ سُفْيَانَ , عَنْ سُلَيْمَانَ وَهُوَ الشَّيْبَانِيُّ , عَنِ الشَّعْبِيِّ , قَالَ: كَتَبَ عُمَرُ إِلَى شُرَيْحٍ: «أَنِ §اقْضِ بِمَا فِي كِتَابِ اللَّهِ , فَإِنْ أَتَاكَ أَمْرٌ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ , فَاقْضِ بِمَا سَنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنْ أَتَاكَ أَمْرٌ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ وَلَمْ يَسُنُّهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَانْظُرْ مَا الَّذِي اجْتَمَعَ عَلَيْهِ النَّاسُ , فَإِنْ جَاءَكَ أَمْرٌ لَمْ يَتَكَلَّمْ فِيهِ أَحَدٌ , فَأَيَّ الْأَمْرَيْنِ شِئْتَ , فَخُذْ بِهِ , إِنْ شِئْتَ فَتَقَدَّمْ , وَإِنْ شِئْتَ فَتَأَخَّرْ وَلَا أَرَى التَّأْخِيرَ إِلَّا خَيْرًا لَكَ»

أنا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحُسَيْنُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْقَاسِمُ الْمَخْزُومِيُّ , نا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ نُصَيْرٍ الْخُلْدِيُّ , - إِمْلَاءً - نا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ السَّدُوسِيُّ , نا عَاصِمُ بْنُ عَلِيٍّ , نا الْمَسْعُودِيُّ , عَنْ عَاصِمٍ , عَنْ أَبِي وَائِلٍ , عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ , قَالَ: §«إِنَّ اللَّهَ نَظَرَ فِي قُلُوبِ الْعِبَادِ , فَاخْتَارَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَبَعَثَهُ بِرِسَالَتِهِ , وَانْتَخَبَهُ بِعِلْمِهِ , ثُمَّ نَظَرَ فِي قُلُوبِ النَّاسِ , فَاخْتَارَ أَصْحَابَهُ , فَجَعَلَهُمْ وزَرَاءَ نَبِيِّهِ وَأَنْصَارَ دِينِهِ , فَمَا رَآهُ الْمُؤْمِنُونَ حَسَنًا فَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ حَسَنٌ , وَمَا رَآهُ الْمُؤْمِنُونَ قَبِيحًا فَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ قَبِيحٌ»

أنا الْحَسَنُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ , أنا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ نَيْخَابٍ الطِّيبِيُّ , نا صَالِحُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْأَزَاذْوَارِيُّ , نا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى , نا أَبُو مُعَاوِيَةَ , عَنِ الْأَعْمَشِ , عَنْ مَالِكِ بْنِ الْحَارِثِ , عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ -[423]- يَزِيدَ , قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: §«مَا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ حَسَنًا فَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ حَسَنٌ , وَمَا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ سَيِّئًا فَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ سَيِّئٌ»

أنا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ , أنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ دَرَسْتُوَيْهِ , نا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ , نا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ , نا أَبُو مُعَاوِيَةَ , نا أَبُو إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيُّ , عَنْ يَسِيرِ بْنِ عَمْرٍو , عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيِّ , قَالَ: قُلْتُ لَهُ: أَوْصِنِي - حِينَ أَرَادَ الْخُرُوجَ إِلَى الْمَدِينَةِ - فَقَالَ: §«أُوصِيكَ بِتَقْوَى اللَّهِ وَلُزُومِ الْجَمَاعَةِ , فَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُنْ لَيَجْمَعَ أُمَّةَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى ضَلَالَةٍ»

أنا الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ الْحِيرِيُّ , نا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْأَصَمُّ , نا أَبُو عُتْبَةَ , نا بَقِيَّةُ , نا سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ , عَنِ ابْنِ حَلْبَسٍ , قَالَ: قَالَ بَشِيرُ بْنُ أَبِي مَسْعُودٍ - وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: §«اتَّقُوا اللَّهَ , وَعَلَيْكُمْ بِالْجَمَاعَةِ , فَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُنْ لَيَجْمَعَ أُمَّةَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

عَلَى ضَلَالَةٍ» قُلْتُ: يَعْنِي أَنَّ أَبَا مَسْعُودٍ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا ابْنُهُ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: هَذِهِ كُلَّهَا أَخْبَارُ آحادٍ , فَلَا يَجُوزُ الِاحْتِجَاجُ بِهَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ قِيلَ لَهُ: هَذِهِ مَسْأَلَةٌ شَرْعِيَّةٌ , فَطَرِيقُهَا مِثْلُ طَرِيقِ مَسَائِلَ الْفُرُوعِ , وَلَيْسَ لِلْمُخَالِفِ فِيهَا طَرِيقٌ يُمْكِنْهُ الْقَوْلُ أَنَّهُ يُوجِبُ الْقَطْعَ , وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ سَقَطَ هَذَا الْقَوْلُ وَجَوَابٌ آخَرُ , وَهُوَ: أَنَّهَا أَحَادِيثُ تَوَاتُرٍ مِنْ طَرِيقِ الْمَعْنَى , لِأَنَّ الْأَلْفَاظَ الْكَثِيرَةَ إِذَا وَرَدَتْ مِنْ طُرُقٍ مُخْتَلِفَةٍ وَرَوَاهُ شَتَّى ومَعْنَاهَا وَاحِدٌ , لَمْ يَجُزْ أَنْ يَكُونَ جَمِيعُهَا كَذِبًا , وَلَمْ يَكُنْ بُدٌّ مِنْ أَنْ يَكُونَ بَعْضُهَا صَحِيحًا , أَلَا تَرَى أَنَّ الْجَمْعَ الْكَثِيرَ , إِذَا أَخْبِرُوا بِإِسْلَامِهِمْ , وَجَبَ أَنْ يَكُونَ فِيهِمْ طَارِقٌ قَطْعًا , وَلِهَذَا نَقُولُ: إِنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ أَنَّ جَمِيعَ مَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَخْبَارِ الْآحَادِ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ كَذِبًا مَوْضُوعًا وَجَوَابٌ آخَرُ , وَهُوَ: أَنَّهَا وَإِنْ كَانَتْ مِنْ أَخْبَارِ الْآحَادِ فَقَدْ قَامَتِ الْحُجَّةُ بِصِحَّتِهَا وَثُبُوتِهَا , وَذَلِكَ أَنَّهَا تُرْوَى فِي كُلِّ عَصْرٍ , وَيُحْتَجُّ بِهَا

فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ , وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْ أَحَدٍ أَنَّهُ رَدَّهَا وَأَنْكَرَهَا , وَلَوْ لَمْ تَقُمِ الْحُجَّةُ عِنْدَهُمْ بِصِحَّتِهَا لَوَجَبَ أَنْ يَخْتَلِفُوا فِيهَا فَيَقْبَلَهَا قَوْمٌ وَيَرُدَّهَا آخَرُونَ , لِأَنَّ الْعَادَةَ جَارِيَةٌ بِذَلِكَ فِي خَبَرِ الْوَاحِدِ الَّذِي لَمْ تَقُمِ الْحُجَّةُ بِصِحَّتِهِ عِنْدَهُمْ , فَكَانَ مَا ذَكَرْنَاهُ مُوجِبًا لِصِحَّتِهَا عِلْمًا وَقَطْعًا فَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ احْتِجَاجِ الْمُخَالِفِ بِحَدِيثِ مُعَاذٍ , وَأَنَّ الْإِجْمَاعَ لَمْ يُذْكَرْ فِيمَا ذُكِرَ مِنَ الْأَدِلَّةِ فَهُوَ: أَنَّ الْإِجْمَاعَ إِنَّمَا يُعْتَبَرُ بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَنْعَقِدَ الْإِجْمَاعُ فِي حَيَاتِهِ دُونَهُ , وَقَوْلُهُ بِانْفِرَادِهِ حُجَّةٌ لَا يُفْتَقَرُ إِلَى قَوْلِ غَيْرِهِ , فَلَمْ يَكُنْ فِي عَصْرِهِ اعْتِبَارٌ بِالْإِجْمَاعِ وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ احْتِجَاجِهِ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا , وَبِقَوْلِهِ: لَتَرْكَبُنَّ سُنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ فَهُوَ أَنَّهُ خِطَابٌ لِبَعْضِ الْأُمَّةِ , وَالْبَعْضُ يَجُوزُ عَلَيْهِ الْخَطَأُ , وَلِأَنَّ قَوْلَهُ: لَا تَجْتَمِعُ أُمَّتِي عَلَى ضَلَالَةٍ خَاصٌّ فِي حَالِ الْإِجْمَاعِ , وَالْخَاصُّ يَجِبُ أَنْ يُقْضَى بِهِ عَلَى الْعَامِّ وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِ: إِنَّهُمْ فِي حَالِ الْإِجْمَاعِ بِمَنْزِلَتِهِمْ فِي حَالِ الِانْفِرَادِ: فَهُوَ: أَنَّ عِصْمَةَ الْأُمَّةِ فِي حَالِ الْإِجْمَاعِ أَثْبَتْنَاهُ بِالشَّرْعِ دُونَ الْعَقْلِ , فَلَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَعْلَمَ اللَّهُ أَنَّهُمْ لَا يَخْتَارُونَ الْخَطَأَ فِي حَالِ الْإِجْمَاعِ , وَلَا يَقَعُ ذَلِكَ مِنْهُمْ , فَإِذَا أَخْبَرَ بِذَلِكَ , وَجَبَ الْمَصِيرُ إِلَيْهِ وَالْعَمَلُ بِهِ وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِ إِنَّهُ لَا طَرِيقَ إِلَى مَعْرِفَةِ الْإِجْمَاعِ لِكَثْرَةِ الْمُسْلِمِينَ , فَهُوَ: أَنَّ الْإِجْمَاعَ يَنْعَقِدُ عِنْدَنَا بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ وَإِذَا اتَّفَقُوا عَلَيْهِ كَانَتِ الْعَامَّةُ تَابِعَةٌ لَهُمْ , وَيُمْكِنُ مَعْرِفَةُ اتِّفَاقِ أَهْلِ الْعِلْمِ , لِأَنَّ مَنِ اشْتَغَلَ بِالْعِلْمِ حَتَّى صَارَ مِنْ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ فِيهِ لَمْ يَخْفَ أَمْرُهُ عَلَى أَهْلِ

بَلَدِهِ وَجِيرَانِهِ , وَلَمْ يَخْفَ حُضُورُهُ وَغَيْبَتُهُ , وَيُمْكِنُ الْإِمَامُ أَنْ يَبْعَثَ إِلَى الْبِلَادِ , وَيَتَعَرَّفَ أَقَاوِيلَ الْجَمِيعِ فَإِنْ قَالَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِي أَسْرٍ فِي الْغَزْوِ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ , وَحَصَلَ فِي أَيْدِي الْمُشْرِكِينَ غَيْرَ مَقْدُورٍ عَلَيْهِ؟ فَالْجَوَابُ: أَنَّ مِثْلَ هَذَا لَا يَخْفَى , وَإِذَا جَرَى مِثْلُ ذَلِكَ , لَمْ يَنْعَقِدِ الْإِجْمَاعُ , إِلَّا بِالْوقُوفِ عَلَى مَذْهَبِهِ فِيهِ

باب القول في أن إجماع أهل كل عصر حجة وأنه لا يقف على الصحابة خاصة إذا أجمع أهل عصر على شيء , كان إجماعهم حجة , ولا يجوز اجتماعهم على الخطأ وقال داود بن علي: الإجماع: إجماع الصحابة دون غيرهم , واحتج بقوله تعالى: وكذلك جعلناكم أمة وسطا , وبقوله: كنتم

§بَابُ الْقَوْلِ فِي أَنَّ إِجْمَاعَ أَهْلِ كُلِّ عَصْرٍ حُجَّةٌ وَأَنَّهُ لَا يَقِفُ عَلَى الصَّحَابَةِ خَاصَّةً إِذَا أَجْمَعَ أَهْلُ عَصْرٍ عَلَى شَيْءٍ , كَانَ إِجْمَاعُهُمْ حُجَّةً , وَلَا يَجُوزُ اجْتِمَاعُهُمْ عَلَى الْخَطَأِ وَقَالَ دَاوُدُ بْنُ عَلِيٍّ: الْإِجْمَاعُ: إِجْمَاعُ الصَّحَابَةِ دُونَ غَيْرِهِمْ , وَاحْتَجَّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} [البقرة: 143] , وَبِقَوْلِهِ: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} [آل عمران: 110] قَالَ: وَهَذَا خِطَابُ مُوَاجِهَةٍ لِلصَّحَابَةِ دُونَ غَيْرِهِمْ , فَلَا مَدْخَلَ فِيهِ لِمَنْ سِوَاهُمْ قَالَ: وَلِأَنَّ الْعَقْلَ يُجَوِّزُ الْخَطَأَ عَلَى الْعَدَدِ الْكَثِيرِ وَإِنَّمَا وَجَبَتِ الْعِصْمَةُ مِنْ طَرِيقِ الشَّرْعِ , وَقَدْ ثَبَتَ الشَّرْعُ بِعِصْمَةِ الصَّحَابَةِ فِي إِجْمَاعِهِمْ , وَلَمْ يَثْبُتْ بِعِصْمَةِ غَيْرِهِمْ , فَمَنِ ادَّعَى عِصْمَةَ غَيْرِهِمْ فَعَلَيْهِ إِقَامَةُ الدَّلِيلِ وَهَذَا غَيْرُ صَحِيحٍ , لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَيَتَّبِعُ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ} [النساء: 115] وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ الصَّحَابَةِ وَبَيْنَ غَيْرِهِمْ , فَهُوَ عَلَى عُمُومِهِ وَأَيْضًا مَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: لَا تَجْتَمِعُ أُمَّتِي عَلَى ضَلَالَةٍ , وَقَوْلُهُ: إِنَّ يَدَ اللَّهِ عَلَى الْجَمَاعَةِ وَقَوْلُهُ: مَنْ فَارَقَ الْجَمَاعَةَ مَاتَ مَيْتَةً جَاهِلِيَّةً وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنَ الْأَحَادِيثِ الَّتِي قَدَّمْنَاهَا , وَهِيَ عَامَّةٌ فِي الصَّحَابَةِ وَفِي غَيْرِهِمْ

فَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ الْآيَتَيْنِ فَهُوَ: أَنَّ ذَلِكَ خِطَابٌ لِجَمِيعِ الْأُمَّةِ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} [البقرة: 43] , {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ} [البقرة: 190] , {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: 3] , وَكُلُّ ذَلِكَ خِطَابٌ لِجَمِيعِ الْأُمَّةِ , فَكَذَلِكَ هَاهُنَا , يَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّ صِغَارَ الصَّحَابَةِ الَّذِينَ بَلَغُوا وَصَارُوا مِنْ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ بَعْدَ نُزُولِ الْآيَتَيْنِ دَاخِلُونَ فِيهِمَا , فَدَلَّ عَلَى مَا قُلْنَاهُ وَأَمَّا قَوْلِهِ: إِنَّ الشَّرْعَ خَصَّ الصَّحَابَةَ بِالْعِصْمَةِ فَالْجَوَابُ عَنْهُ: أَنَّ كُلَّ شَرْعٍ أَثْبَتْنَا بِهِ حُجَّةَ الْإِجْمَاعِ , فَهُوَ عَامٌّ فِي الصَّحَابَةِ , وَغَيْرِهِمْ , فَلَمْ يَصِحُّ مَا قَالَهُ

باب القول فيما يعرف به الإجماع ومن يعتبر قوله ومن لا يعتبر اعلم أن الإجماع يعرف بقول , وبفعل , وبقول وإقرار , وبفعل وإقرار فأما القول: فهو أن يتفق قول الجميع على الحكم , بأن يقولوا كلهم , هذا حلال أو حرام وأما الفعل: فهو أن يفعلوا كلهم الشيء وأما القول

§بَابُ الْقَوْلِ فِيمَا يُعْرَفُ بِهِ الْإِجْمَاعُ وَمَنْ يُعْتَبَرُ قَوْلُهُ وَمَنْ لَا يُعْتَبَرُ اعْلَمْ أَنَّ الْإِجْمَاعَ يُعْرَفُ بِقَوْلٍ , وَبِفِعْلٍ , وَبُقُولٍ وَإِقْرَارٍ , وَبِفِعْلٍ وَإِقْرَارٍ فَأَمَّا الْقَوْلُ: فَهُوَ أَنْ يَتَّفِقَ قَوْلُ الْجَمِيعِ عَلَى الْحُكْمِ , بِأَنْ يَقُولُوا كُلُّهُمْ , هَذَا حَلَالٌ أَوْ حَرَامٌ وَأَمَّا الْفِعْلُ: فَهُوَ أَنْ يَفْعَلُوا كُلُّهُمُ الشَّيْءَ وَأَمَّا الْقَوْلُ وَالْإِقْرَارُ: فَهُوَ أَنْ يَقُولَ بَعْضُهُمْ قَوْلًا , وَيَنْتَشِرُ فِي الْبَاقِي , فَيَسْكُتُوا عَنْ مُخَالَفَتِهِ وَأَمَّا الْفِعْلُ وَالْإِقْرَارُ: فَهُوَ أَنْ يَفْعَلَ بَعْضُهُمْ شَيْئًا , وَيَتَّصِلُ بِالْبَاقِينَ فَيَسْكُتُوا عَنْ إِنْكَارِهِ وَيُعْتَبَرُ فِي صِحَّةِ الْإِجْمَاعِ اتِّفَاقُ كُلِّ مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ سَوَاءً كَانَ مُدَرِّسًا مَشْهُورًا , أَوْ خَامِلًا , وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْمُجْتَهِدُ مِنْ أَهْلِ عَصْرِهِمْ أَوْ لَحِقَ بِهِمْ مِنْ أَهْلِ الْعَصْرِ الَّذِي بَعْدَهُمْ , وَصَارَ مِنْ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ عِنْدَ الْحَادِثَةِ كَالتَّابِعِ , إِذَا أَدْرَكَ الصَّحَابَةَ فِي وَقْتِ حُدُوثِ الْحَادِثَةِ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: لَا يُعْتَدُّ بِقَوْلِ التَّابِعِيِّ مَعَ الصَّحَابَةِ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا قُلْنَاهُ أَنَّ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ , وأَبَا سَلَمَةَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ

وَأَصْحَابَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ , كَشُرَيْحٍ وَغَيْرِهِ , كَانُوا يَجْتَهِدُونَ فِي زَمَنِ الصَّحَابَةِ وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِمْ أَحَدٌ , وَلِأَنَّ التَّابِعِيَّ مِنْ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ عِنْدَ حُدُوثِ الْحَادِثَةِ فَوَجَبَ أَنْ يُعْتَدَّ بِقَوْلِهِ , كَأَصَاغِرِ الصَّحَابَةِ

أنا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ , أنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ دَرَسْتُوَيْهِ الْأَصْبَهَانِيُّ , نا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ , نا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عِمْرَانَ , نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ , أَخْبَرَنِي أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ , أَنَّ نَافِعًا , حَدَّثَهُ أَنَّ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ سُئِلَ عَنْ مَسْأَلَةٍ , فَأَجَابَ فِيهَا , فَأُخْبِرَ ابْنُ عُمَرَ , بِجَوَابِهِ , فَعَجِبَ ابْنُ عُمَرَ مِنْ فُتْيَا ابْنِ الْمُسَيِّبِ ثُمَّ قَالَ ابْنُ عُمَرَ: §«أَلَيْسَ قَدْ أَخْبَرْتُكُمْ عَنْ هَذَا الرَّجُلِ؟» - يُرِيدُ ابْنَ الْمُسَيِّبِ - «هُوَ وَاللَّهِ أَحَدُ الْمُفْتِينَ»

وَأَنَا ابْنُ الْفَضْلِ , أنا ابْنُ دَرَسْتُوَيْهِ , نا يَعْقُوبُ , نا أَبُو صَالِحٍ , حَدَّثَنِي اللَّيْثُ , عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ , قَالَ: كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ إِذَا سُئِلَ عَنِ الشَّيْءِ , يُشْكِلُ عَلَيْهِ قَالَ: §«سَلُوا سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ , فَإِنَّهُ قَدْ جَالِسَ الصَّالِحِينَ»

أنا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ الْحِنَّائِيُّ , أنا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الزُّبَيْرِ الْكُوفِيُّ , نا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ -[431]- عَفَّانَ , نا جَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ , أنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ , عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ , أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ قَالَ: كُنْتُ مَعَ أَبِي هُرَيْرَةَ وَابْنِ عَبَّاسٍ فِي امْرَأَةٍ تُوُفِّيَ عَنْهَا زَوْجُهَا وَهَى حَامِلٌ , فَلَمْ تَلْبَثْ بَعْدَ وَفَاتِهِ إِلَّا قَلِيلًا حَتَّى وَضَعَتْ؟ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: تَعْتَدُّ آخِرَ الْأَجَلَيْنِ , وَقَالَ أَبُو سَلَمَةَ: إِذَا وَضَعَتْ مَا فِي بَطْنِهَا فَقَدْ حَلَّتْ , وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَإِنِّي أَقُولُ كَمَا قَالَ ابْنُ أَخِي قَالَ: فَبَعَثْنَا كُرَيْبًا مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ إِلَى أُمِّ سَلَمَةَ يَسْأَلُهَا عَنْ ذَلِكَ؟ فَجَاءَنَا مِنْ عِنْدِهَا , قَالَتْ: §«تُوُفِّيَ زَوْجُ سُبَيْعَةَ الْأَسْلَمِيَّةَ وَهِيَ حَامِلٌ , فَلَمَّا وَضَعَتْ مَا فِي بَطْنِهَا ذَكَرَتْ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَمَرَهَا أَنْ تَزَوَّجَ»

أنا أَبُو الْحَسَنِ , عَلِيُّ بْنُ الْقَاسِمِ الشَّاهِدُ بِالْبَصْرَةِ , نا عَلِيُّ بْنُ إِسْحَاقَ الْمَادَرَائِيُّ , نا أَبُو قِلَابَةَ , نا سَعِيدُ بْنُ عَامِرٍ , نا شُعْبَةُ , عَنْ سَيَّارٍ , عَنِ الشَّعْبِيِّ , أَنَّ عُمَرَ , سَاوَمَ رَجُلًا بِفَرَسٍ فَأَخَذَهُ فَعَطَبَ , فَقَالَ لَهُ الرَّجُلُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَعْطِنِي ثَمَنَ فَرَسِي؟ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: «§بِمَنْ تَرْضَى بَيْنِي وَبَيْنَكَ؟» قَالَ: بِشُرَيْحٍ الْعِرَاقِيِّ , فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنَّكَ أَخَذْتَهُ عَلَى سَوْمٍ , وَقَدْ لَزِمَكَ ثَمَنُهُ , فَأَعْطَى عُمَرُ ثَمَنَ الْفَرَسِ قَالَ فَوَلِيَ شُرَيْحًا الْعِرَاقَ أَوْ قَالَ الْكُوفَةَ "

وَأَنَا عَلِيٌّ , نا عَلِيٌّ , نا أَبُو قِلَابَةَ , نا أَبُو حُذَيْفَةَ , نا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ , عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ , عَنْ هُبَيْرَةَ بْنِ يَرِيمَ , قَالَ: قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ: §«اجْمَعُوا لِي الْقُرَّاءَ» , وَجَعَلَ يُسَائِلُهُمْ رَجُلًا رَجُلًا حَتَّى انْتَهَى إِلَى شُرَيْحٍ , فَسَاءَلَهُ طَوِيلًا؟ ثُمَّ قَالَ: «اذْهَبْ فَأَنْتَ مِنْ أَقْضَى الْعَرَبِ أَوْ أَقْضَى النَّاسِ»

أنا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْهَمَذَانِيُّ , نا صَالِحُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْحَافِظُ , قَالَ: سَمِعْتُ الْقَاسِمَ بْنَ أَبِي صَالِحٍ , يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا حَاتِمٍ الرَّازِيَّ , يَقُولُ: §" الْعِلْمُ عِنْدَنَا مَا كَانَ عَنِ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ كِتَابٍ نَاطِقٍ , نَاسِخٍ غَيْرِ مَنْسُوخٍ , وَمَا صَحَّتِ الْأَخْبَارُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِمَّا لَا مُعَارِضَ لَهُ , وَمَا جَاءَ عَنِ الْأَلِبَّاءِ مِنَ الصَّحَابَةِ مَا اتَّفَقُوا عَلَيْهِ , فَإِذَا اخْتَلَفُوا لَمْ يَخْرُجْ مِنَ اخْتِلَافِهِمْ فَإِذَا خَفِي ذَلِكَ وَلَمْ يُفْهَمْ فَعَنِ التَّابِعِينَ , فَإِذَا لَمْ يُوجَدْ عَنِ التَّابِعِينَ , فَعَنْ أَئِمَّةِ الْهُدَى مِنْ أَتْبَاعِهِمْ مِثْلِ: أَيُّوبَ

السَّخْتِيَانِيِّ , وَحَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ , وَحَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ , وَسُفْيَانَ , وَمَالِكِ بْنِ أَنَسٍ , وَالْأَوْزَاعِيِّ , وَالْحَسَنِ بْنِ صَالِحٍ , ثُمَّ مِنْ بَعْدُ , مَا لَمْ يُوجَدْ عَنْ أَمْثَالِهِمْ , فَعَنْ مِثْلِ: عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ , وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ , وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ إِدْرِيسَ , وَيَحْيَى بْنِ آدَمَ , وَسُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ , وَوَكِيعِ بْنِ الْجَرَّاحِ , وَمَنْ بَعْدَهُمْ: مُحَمَّدِ بْنِ إِدْرِيسَ الشَّافِعِيِّ , وَيَزِيدَ بْنِ هَارُونَ , وَالْحُمَيْدِيِّ , وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ , وَإِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيِّ , وَأَبِي عُبَيْدٍ الْقَاسِمِ بْنِ سَلَّامٍ " قُلْتُ: قَصَدَ أَبُو حَاتِمٍ إِلَى تَسْمِيَةِ هَؤُلَاءِ , لِأَنَّهُمْ كَانُوا الْمَشْهُورِينَ مِنْ أَئِمَّةِ أَهْلِ الْأَثَرِ فِي أَعْصَارِهِمْ , وَلَهُمْ نُظَرَاءُ كَثِيرُونَ مِنْ أَهْلِ كُلِّ عَصْرٍ أُولُو نَظَرٍ وَاجْتِهَادٍ , فَمَا أَجْمَعُوا عَلَيْهِ فَهُوَ الْحُجَّةُ , وَيَسْقُطُ الِاجْتِهَادُ مَعَ إِجْمَاعِهِمْ , فَكَذَلِكَ إِذَا اخْتَلَفُوا عَلَى قَوْلَيْنِ , لَمْ يَجُزْ لِمَنْ بَعْدَهُمْ إِحْدَاثُ قَوْلٍ ثَالِثٍ وَسَنُوَضِّحُ هَذَا فِيمَا بَعْدُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ

القول فيمن رد الإجماع الإجماع على ضربين: - أحدهما: إجماع الخاصة والعامة , وهو مثل: إجماعهم على القبلة أنها الكعبة , وعلى صوم رمضان , ووجوب الحج , والوضوء , والصلوات وعددها وأوقاتها , وفرض الزكاة وأشباه ذلك والضرب الآخر: هو إجماع الخاصة دون العامة ,

§الْقَوْلُ فِيمَنْ رَدَّ الْإِجْمَاعَ الْإِجْمَاعُ عَلَى ضَرْبَيْنِ: - أَحَدُهُمَا: إِجْمَاعُ الْخَاصَّةِ وَالْعَامَّةِ , وَهُوَ مِثْلُ: إِجْمَاعِهِمْ عَلَى الْقِبْلَةِ أَنَّهَا الْكَعْبَةُ , وَعَلَى صَوْمِ رَمَضَانَ , وَوُجُوبِ الْحَجِّ , وَالْوُضُوءِ , وَالصَّلَوَاتِ وَعَدَدِهَا وَأَوْقَاتِهَا , وَفَرْضِ الزَّكَاةِ وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ وَالضَّرْبُ الْآخَرُ: هُوَ إِجْمَاعُ الْخَاصَّةِ دُونَ الْعَامَّةِ , مِثْلُ مَا اجْتَمَعَ عَلَيْهِ الْعُلَمَاءُ مِنْ أَنَّ الْوَطْءَ مُفْسِدٌ لِلْحَجِّ , وَكَذَلِكَ الْوَطْءُ فِي الصَّوْمِ مُفْسِدٌ لِلصَّوْمٍ , وَأَنَّ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ , وَأَنْ لَا تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ عَلَى عَمَّتِهَا وَلَا عَلَى خَالَتِهَا , وَأَنْ لَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ , وَأَنْ لَا يُقْتَلَ السَّيِّدُ بِعَبْدِهِ , وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ فَمَنْ جَحَدَ الْإِجْمَاعَ الْأَوَّلَ اسْتُتِيبَ , فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قُتِلَ , وَمَنْ رَدَّ الْإِجْمَاعَ الْآخَرَ فَهُوَ جَاهِلٌ يَعْلَمُ ذَلِكَ , فَإِذَا عَلِمَهُ ثُمَّ رَدَّهُ بَعْدَ الْعِلْمِ , قِيلَ لَهُ: أَنْتَ رَجُلٌ مُعَانِدٌ لِلْحَقِّ وَأَهْلِهِ

باب القول في أنه يجب اتباع ما سنه أئمة السلف من الإجماع والخلاف , وأنه لا يجوز الخروج عنه إذا اختلف الصحابة في مسألة على قولين , وانقرض العصر عليه , لم يجز للتابعين أن يتفقوا على أحد القولين , فإن فعلوا ذلك لم يزل خلاف الصحابة والدليل عليه أن الصحابة

§بَابُ الْقَوْلِ فِي أَنَّهُ يَجِبُ اتِّبَاعُ مَا سَنَّهُ أَئِمَّةُ السَّلَفِ مِنَ الْإِجْمَاعِ وَالْخِلَافِ , وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْخُرُوجُ عَنْهُ إِذَا اخْتَلَفَ الصَّحَابَةُ فِي مَسْأَلَةٍ عَلَى قَوْلَيْنِ , وَانْقَرَضَ الْعَصْرُ عَلَيْهِ , لَمْ يَجُزْ لِلتَّابِعِينَ أَنَّ يَتَّفِقُوا عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ , فَإِنْ فَعَلُوا ذَلِكَ لَمْ يَزُلْ خِلَافُ الصَّحَابَةِ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ الصَّحَابَةَ أَجْمَعَتْ عَلَى جَوَازِ الْأَخْذِ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْقَوْلَيْنِ , وَعَلَى بُطْلَانِ مَا عَدَا ذَلِكَ , فَإِذَا صَارَ التَّابِعُونَ إِلَى الْقَوْلِ بِتَحْرِيمِ أَحَدِهِمَا , لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ , وَكَانَ خَرْقًا لِلْإِجْمَاعِ , وَهَذَا بِمَثَابَةِ مَا لَوِ اخْتَلَفَتِ الصَّحَابَةُ فِي مَسْأَلَةٍ عَلَى قَوْلَيْنِ , وَانْقَرَضَ الْعَصْرُ عَلَيْهِ , فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلتَّابِعِينَ إِحْدَاثُ قَوْلٍ ثَالِثٍ , لِأَنَّ اخْتِلَافَهُمْ عَلَى قَوْلَيْنِ إِجْمَاعٌ عَلَى إِبْطَالِ كُلِّ قَوْلٍ سِوَاهُمَا , كَمَا أَنَّ إِجْمَاعَهُمْ عَلَى قَوْلٍ إِجْمَاعٌ عَلَى إِبْطَالِ كُلِّ قَوْلٍ سِوَاهُ , فَكَمَا لَمْ يَجُزْ إِحْدَاثُ قَوْلٍ ثَانٍ فِيمَا أَجْمَعُوا فِيهِ عَلَى قَوْلٍ لَمْ يَجُزْ إِحْدَاثُ قَوْلٍ ثَالِثٍ فِيمَا أَجْمَعُوا فِيهِ عَلَى قَوْلَيْنِ

أنا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ بِكْرَانَ الْفُوِّيُّ بِالْبَصْرَةِ , نا أَبُو عَلِيٍّ الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُثْمَانَ الْفَسَوِيُّ , نا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ , نا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ , نا رِشْدِينُ بْنُ سَعْدٍ , قَالَ: حَدَّثَنِي عُقَيْلٌ , عَنِ ابْنِ شِهَابٍ , عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ , قَالَ: §«سَنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَولَاةُ الْأَمْرِ بَعْدَهُ سُنَنًا , الْأَخْذُ بِهَا تَصْدِيقٌ -[436]- لِكِتَابِ اللَّهِ , وَاسْتِكْمَالٌ لِطَاعَتِهِ , وَقُوَّةٌ عَلَى دِينِ اللَّهِ , لَيْسَ لِأَحَدٍ تَغْيِيرُهَا وَلَا تَبْدِيلُهَا , وَلَا النَّظَرُ فِي رَأْيِ مَنْ خَالَفَهَا , فَمَنِ اقْتَدَى بِمَا سُنُّوا اهْتَدَى , وَمَنِ اسْتَبْصَرَ بِهَا تَبَصَّرَ , وَمَنْ خَالَفَهَا وَاتَّبَعَ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ وَلَّاهُ اللَّهُ مَا تَوَلَّى , وَأَصْلَاهُ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا»

أنا أَبُو سَعِيدٍ , مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى الصَّيْرَفِيُّ , نا أَبُو الْعَبَّاسِ , مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْأَصَمُّ , نا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الصَّغَانِيُّ , نا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي الطَّيِّبِ , نا عِيسَى بْنُ يُونُسَ , عَنْ زَمْعَةَ بْنِ صَالِحٍ , عَنْ عُثْمَانَ بْنِ حَاضِرٍ الْأَزْدِيِّ , قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ فَقُلْتُ: أَوْصِنِي , فَقَالَ: §«عَلَيْكَ بِالِاسْتِقَامَةِ , اتَّبِعْ وَلَا تَبْتَدِعْ»

أنا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْفَتْحِ الْحَرْبِيُّ , أنا عُمَرُ بْنُ أَحْمَدَ الْوَاعِظُ , نا نَصْرُ بْنُ الْقَاسِمِ الْفَرَائِضِيُّ , نا إِسْحَاقُ بْنُ أَبِي إِسْرَائِيلَ , قَالَ: سَمِعْتُ سُفْيَانَ , يَقُولُ: §«إِذَا كَانَ يَأْتَمُّ بِمَنْ قَبْلَهُ فَهُوَ إِمَامٌ لِمَنْ بَعْدَهُ»

باب ما جاء في القول الواحد من الصحابة إذا قال بعض الصحابة قولا , ولم ينتشر في علماء الصحابة , ولم يعرف له مخالف , لم يكن ذلك إجماعا , وهل هو حجة أو لا؟ فيه قولان: أحدهما: أنه حجة والقول الثاني: أنه ليس بحجة فمن ذهب إلى القول الأول احتج بأن الصحابي لا

§بَابُ مَا جَاءَ فِي الْقَوْلِ الْوَاحِدِ مِنَ الصَّحَابَةِ إِذَا قَالَ بَعْضُ الصَّحَابَةِ قَوْلًا , وَلَمْ يَنْتَشِرْ فِي عُلَمَاءِ الصَّحَابَةِ , وَلَمْ يُعْرَفْ لَهُ مُخَالِفٌ , لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ إِجْمَاعًا , وَهَلْ هُوَ حُجَّةٌ أَوْ لَا؟ فِيهِ قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ حُجَّةٌ وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّهُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ فَمَنْ ذَهَبَ إِلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ احْتَجَّ بِأَنَّ الصَّحَابِيَّ لَا يَخْلُو مِنْ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ تَوْقِيفًا مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , أَوْ يَكُونُ اجْتِهَادًا مِنْهُ , فَإِنْ كَانَ تَوْقِيفًا , وَجَبَ أَنْ يَكُونَ مُقَدَّمًا عَلَى الْقِيَاسِ , لِأَنَّ خَبَرَ الْوَاحِدِ أَقْوَى مِنَ اجْتِهَادِ غَيْرِهِ , لِأَنَّهُ شَاهَدَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَسَمِعَ كَلَامَهُ , وَالسَّامِعُ أَعْرَفُ بِمَقَاصِدِ الْمُتَكَلِّمِ , وَمَعَانِي كَلَامِهِ مِمَّنْ لَمْ يَسْمَعْهُ , فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ اجْتِهَادُهُ مُقَدَّمًا عَلَى اجْتِهَادِ مَنْ لَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ , وَلِهَذَا قَالَ أَيُّوبُ السَّخْتِيَانِيُّ وَخَالِدٌ الْحَذَّاءُ:

مَا أنا ابْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ , أنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ دَرَسْتُوَيْهِ , نا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ , نا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ , نا حَمَّادُ بْنُ -[438]- زَيْدٍ , عَنْ أَيُّوبَ , قَالَ: §«إِذَا بَلَغَكَ اخْتِلَافٌ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَجَدْتَ فِي ذَلِكَ الِاخْتِلَافِ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ , فَشُدَّ يَدَكَ بِهِ , فَإِنَّهُ الْحَقُّ , وَهُوَ السُّنَّةُ»

وَقَالَ يَعْقُوبُ , نا أَبُو النُّعْمَانِ , نا حَمَّادٌ , عَنْ خَالِدٍ , قَالَ: §«إِنَّا لَنَرَى النَّاسِخَ مِنْ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا كَانَ عَلَيْهِ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ»

وَأَنَا الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ الْحِيرِيُّ , نا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْأَصَمُّ , نا مُحَمَّدُ بْنُ خَالِدِ بْنِ خَلِّي الْحِمْصِيُّ , نا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ الْوَهْبِيُّ , نا إِسْرَائِيلُ , عَنْ أَبِي حُصَيْنٍ , عَنْ يَحْيَى بْنِ وَثَّابٍ , عَنْ مَسْرُوقٍ , عَنْ عَبْدِ اللَّهِ , أَنَّهُ قَالَ: §«لَا تُقَلِّدُوا دِينَكُمُ الرِّجَالَ , فَإِنْ أَبَيْتُمْ فَبِالْأَمْوَاتِ لَا بِالْأَحْيَاءِ»

قَرَأَتْ عَلَى أَبِي الْقَاسِمِ الْأَزْجِيِّ , عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ جَعْفَرٍ الْحَنْبَلِيِّ , قَالَ: أنا أَبُو بَكْرٍ الْخَلَّالُ , أنا سُلَيْمَانُ بْنُ الْأَشْعَثِ , قَالَ

: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ يَعْنِي أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ يَقُولُ: §«الِاتِّبَاعُ أَنْ يَتَّبِعَ الرَّجُلُ , مَا جَاءَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَعَنْ أَصْحَابِهِ , ثُمَّ هُوَ بَعْدُ فِي التَّابِعِينَ مُخَيَّرٌ» وَمَنْ قَالَ إِنَّهُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ اسْتَدَّلَ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى إِنَّمَا أَمَرَ بِاتِّبَاعِ جَمِيعِ الْمُؤْمِنِينَ , فَدَلَّ عَلَى أَنَّ اتِّبَاعَ بَعْضِهِمْ لَا يَجِبُ , وَلِأَنَّهُ قَوْلُ عَالِمٍ يَجُوزُ إِقْرَارُهُ عَلَى الْخَطَأِ , فَلَمْ يَكُنْ حُجَّةً كَقَوْلِ التَّابِعِينَ , وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِتَوْقِيفٍ , أَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَنُقِلَ فِي وَقْتٍ مِنَ الْأَوْقَاتِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا لَمْ يُنْقَلْ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِتَوْقِيفٍ قَالُوا: وَاعْتِلَالُ مَنْ قَالَ إِنَّهُ حُجَّةٌ بِأَنَّ الصَّحَابِيَّ أَعْلَمُ بِمَعَانِي كَلَامِ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَقَاصِدِهِ إِنَّمَا يَصِحُّ إِذَا عَلِمَ بِأَنَّهُ قَاسَ عَلَى مَا سَمِعَهُ وَاضْطُرَّ إِلَى قَصْدِهِ , فَأَمَّا إِذَا احْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ قَاسَ عَلَى مَا فِي الْقُرْآنِ , أَوْ عَلَى مَا سَمِعَ غَيْرَهُ يَرْوِيهِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , أَوْ قَاسَ عَلَى مَا سَمِعَهُ وَلَمْ يُضْطَرَّ إِلَى قَصْدِهِ , فَإِنَّهُ لَيْسَ كُلُّ سَامِعٍ لِلْكَلَامِ يَجِبُ أَنْ يُضْطَرَّ إِلَى قَصْدِ الْمُتَكَلِّمِ , وَإِنَّمَا هُوَ عَلَى حَسَبِ قِيَامِ دَلَالَةِ الْحَالِ , وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَصِحَّ مَا قَالَهُ فَإِذَا قُلْنَا بِالْقَوْلِ الْأَوَّلِ , وَأَنَّهُ حُجَّةٌ قُدِّمَ عَلَى الْقِيَاسِ وَيَلْزَمُ التَّابِعِيَّ الْعَمَلُ بِهِ وَلَا يَجُوزُ لَهُ مُخَالَفَتُهُ , وَإِذَا قُلْنَا: إِنَّهُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ فَالْقِيَاسُ مُقَدَّمٌ عَلَيْهِ , وَيُسَوِّغُ لِلتَّابِعِيِّ مُخَالَفَتُهُ

فَأَمَّا إِذَا اخْتَلَفَتِ الصَّحَابَةُ عَلَى قَوْلَيْنِ لَمْ يَكُنْ قَوْلُ بَعْضِهِمْ حُجَّةً عَلَى بَعْضٍ , وَلَمْ يَجُزْ تَقْلِيدُ وَاحِدٍ مِنَ الْفَرِيقَيْنِ , بَلْ يَجِبُ الرُّجُوعُ إِلَى الدَّلِيلِ

أنا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي جَعْفَرٍ الْقَطِيعِيُّ , أنا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ مَرْدَكٍ الْبَرْذَعِيُّ , أنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي حَاتِمٍ الرَّازِيُّ , نا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى , قَالَ: سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ , يَقُولُ: §«إِذَا جَاءَ عَنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ , صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقَاوِيلُ مُخْتَلِفَةٌ يُنْظَرُ إِلَى مَا هُوَ أَشْبَهُ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ فَيُؤْخَذُ بِهِ» قُلْتُ: فَإِنْ تَعَذَّرَ ذَلِكَ مِنْ نَصِّ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ أَوْ أَحَدِهِمَا اعْتُبِرَتْ أَقَاوِيلُهُمْ مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ , فَمَنْ شَابَهُ قَوْلُهُ أَصْلًا مِنَ الْأُصُولِ أُلْحِقَ بِهِ

أنا عَلِيُّ بْنُ أَبِي عَلِيٍّ الْبَصْرِيُّ , أنا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْبَرْذَعِيُّ , نا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي حَاتِمٍ , نا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى , قَالَ: قَالَ الشَّافِعِيُّ: " §وَإِذَا اخْتَلَفُوا - يَعْنِي: أَصْحَابَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نُظِرَ أَتْبَعُهُمْ لِلْقِيَاسِ , إِذَا لَمْ يُوجَدْ أَصْلٌ يُخَالِفُهُمُ اتُّبِعَ أَتْبَعُهُمْ لِلْقِيَاسِ , قَدِ اخْتَلَفَ عُمَرُ وَعَلِيٌّ فِي ثَلَاثِ مَسَائِلَ , الْقِيَاسُ فِيهَا مَعَ عَلِيٍّ , وَبِقَوْلِهِ أُخِذَ مِنْهَا: الْمَفْقُودُ: قَالَ عُمَرُ: يُضْرَبُ لَهُ أَجَلٌ أَرْبَعُ سِنِينَ ثُمَّ تَعْتَدُّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا ثُمَّ تُنْكَحُ , وَقَالَ عَلِيٌّ مُبْتَلًا لَا تُنْكَحُ أَبَدًا - وَقَدِ اخْتُلِفَ فِيهِ عَنْ عَلِيٍّ - حَتَّى يَصِحَّ مَوْتٌ أَوْ فِرَاقٌ

وَقَالَ عُمَرُ فِي الرَّجُلِ يُطَلِّقُ امْرَأَتَهُ فِي سَفَرٍ ثُمَّ يَرْتَجِعُهَا فَيَبْلُغُهَا الطَّلَاقُ وَلَا تَبْلُغُهَا الرَّجْعَةُ , حَتَّى تَحِلَّ وَتُنْكَحَ: أَنَّ زَوْجَهَا الْآخَرُ أَوْلَى بِهَا إِذَا دَخَلَ بِهَا , وَقَالَ عَلِيٌّ: هِيَ لِلْأَوَّلِ أَبَدًا وَهُوَ أَحَقُّ بِهَا وَقَالَ عُمَرُ فِي الَّذِي يَنْكِحُ الْمَرْأَةَ فِي الْعِدَّةِ وَيَدْخُلُ بِهَا: أَنَّهُ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا , ثُمَّ لَا يَنْكِحُهَا أَبَدًا , وَقَالَ عَلِيٌّ: يَنْكِحُهَا بَعْدُ وَاخْتَلَفُوا فِي الْأَقْرَاءِ , وَأَصَحُّ ذَلِكَ أَنَّ الْأَقْرَاءَ: الْأَطْهَارُ , لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعُمَرَ: مُرْهُ - يَعْنِي: ابْنَ عُمَرَ - يُطَلِّقُهَا فِي طُهْرٍ لَمْ يَمَسَّهَا فِيهِ , فَتِلْكَ الْعِدَّةُ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ أَنْ يُطَلَّقَ لَهَا النِّسَاءُ , فَلَمَّا سَمَّاهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِدَّةً كَانَ أَصَحَّ الْقَوْلِ فِيهَا , لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , سَمَّى الْأَطْهَارَ الْعِدَّةَ "

أنا عَلِيُّ بْنُ يَحْيَى بْنِ جَعْفَرٍ الْأَصْبَهَانِيُّ , أنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ بُنْدَارٍ الْمَدِينِيُّ , نا أَحْمَدُ بْنُ مَهْدِيٍّ , نا ابْنُ عَائِشَةَ , نا سُفْيَانُ , عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ , عَنْ مُجَاهِدٍ , قَالَ: §" لَيْسَ أَحَدٌ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا وَأَنْتَ آخِذٌ مِنْ قَوْلِهِ وَتَارِكٌ فَإِنِ اسْتَوَى دَلِيلُ الْقَوْلَيْنِ الْمُخْتَلِفَيْنِ مِنْ أَقَاوِيلِ الصَّحَابَةِ رُجِّحَ أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ عَنِ الْآخَرِ بِكَثْرَةِ الْعَدَدِ , فَإِنْ كَانَ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ أَكْثَرُ الصَّحَابَةِ , وَعَلَى الْقَوْلِ الْآخَرِ أَقَلُّهُمْ قُدِّمَ الْأَكْثَرُ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: عَلَيْكُمْ -[442]- بِالسَّوَادِ الْأَعْظَمِ فَإِنِ اسْتَوَيَا فِي الْعَدَدِ وَكَانَ عَلَى أَحَدِهِمَا إِمَامٌ , وَلَيْسَ عَلَى الْآخَرِ إِمَامٌ , قُدِّمَ الَّذِي عَلَيْهِ الْإِمَامُ "

لَمَّا نا أَبُو نُعَيْمٍ الْحَافِظُ , - إِمْلَاءً - , نا أَبُو بَكْرٍ , أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ بْنِ خَلَّادٍ , نا الْحَارِثُ بْنُ أَبِي أُسَامَةَ , نا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ الْوَاقِدِيُّ , قَالَ أَبُو نُعَيْمٍ: وَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ هُوَ الطَّبَرَانِيُّ نا أَبُو يَزِيدَ الْقَرَاطِيسِيُّ , نا أَسَدُ بْنُ مُوسَى , قَالَا: نا مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ , حَدَّثَنِي ضَمْرَةُ بْنُ حَبِيبٍ , عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَمْرٍو السُّلَمِيِّ , أَنَّهُ سَمِعَ الْعِرْبَاضَ بْنَ سَارِيَةَ , يَقُولُ: وَعَظَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَوْعِظَةً ذَرَفَتْ مِنْهَا الْعُيُونُ , وَوَجِلَتْ مِنْهَا الْقُلُوبُ , قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ , إِنَّ هَذِهِ لَمَوْعِظَةُ مُوَدَّعٍ فَمَا تَعْهَدُ إِلَيْنَا؟ قَالَ: §«قَدْ تَرَكْتُكُمْ عَلَى الْبَيْضَاءِ , لَيْلُهَا كَنَهَارِهَا , لَا يَزِيغُ عَنْهَا بَعْدِي إِلَّا هَالِكٌ , وَمَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ بَعْدِي فَسَيَرَى اخْتِلَافًا كَثِيرًا , فَعَلَيْكُمْ بِمَا عَرَفْتُمْ مِنْ سُنَّتِي , وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ , وَعَلَيْكَ بِالطَّاعَةِ , وَإِنْ عَبْدًا حَبَشِيًّا , وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ» -[443]- قَالَ أَبُو نُعَيْمٍ: سِيَاقُ حَدِيثِ أَسَدٍ فَإِنْ كَانَ عَلَى أَحَدِهِمَا أَكْثَرُ الصَّحَابَةِ , وَعَلَى الْآخَرِ أَقَلُّهُمْ إِلَّا أَنَّ مَعَ الْأَقَلِّ إِمَامًا , فَهُمَا سَوَاءٌ , لِأَنَّ مَعَ أَحَدِهِمَا زِيَادَةً عَدَدٌ وَمَعَ الْآخَرِ إِمَامًا وَإِنِ اسْتَوَيَا فِي الْعَدَدِ وَالْأَئِمَّةِ إِلَّا أَنَّ فِيَ أَحَدِهِمَا أَبَا بَكْرِ وَعُمَرَ , أَوْ أَحَدَهُمَا , فَفِي ذَلِكَ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُمَا سَوَاءٌ لِمَا

أنا أَبُو الْحَسَنِ , مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ رِزْقَوَيْهِ , نا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْوَاثِقِ الْهَاشِمِيُّ , أنا حَمْزَةُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكَاتِبُ أَبُو عَلِيٍّ , نا نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ , نا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ زَيْدٍ الْعَمِّيُّ , عَنْ أَبِيهِ , -[444]- عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ , عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ , قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: سَأَلْتُ رَبِّي تَعَالَى فِيمَا اخْتَلَفَ فِيهِ أَصْحَابِي مِنْ بَعْدِي , فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيَّ: «يَا مُحَمَّدُ إِنَّ §أَصْحَابَكَ عِنْدِي بِمَنْزِلَةِ النُّجُومِ فِي السَّمَاءِ بَعْضُهَا أَضْوَأُ مِنْ بَعْضٍ , فَمَنْ أَخَذَ بِشَيْءٍ مِمَّا هُمْ عَلَيْهِ مِنَ اخْتِلَافِهِمْ فَهُوَ عِنْدِي عَلَى هُدًى» وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ الْفَرِيقَ الَّذِي فِيهِ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ , أَوْ أَحَدُهُمَا أَوْلَى لِمَا

أنا أَبُو حَفْصٍ , عُمَرُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عُثْمَانَ الْبَزَّازُ بِعُكْبَرَا , وَأَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ هَارُونَ الْمُعَدِّلُ بِالنَّهْرَوَانِ قَالَا: نا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ عُمَرَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ حَرْبٍ الطَّائِيُّ , نا عَلِيُّ بْنُ حَرْبٍ , نا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ , عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ , عَنْ رِبْعِيٍّ , عَنْ حُذَيْفَةَ , قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ": §«اقْتَدُوا بِاللَّذَيْنِ مِنْ بَعْدِي أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ»

وَأَذْكَرَنِي هَذَا الْحَدِيثُ خَبَرًا حَسَنًا أَخْبَرَنَاهُ أَبُو الْحَسَنِ , عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عُمَرَ الْمُقْرِئُ , نا إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ الْقَرْمَيْسِينِيُّ , نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ الدِّينَوَرِيُّ , حَدَّثَنِي أَبُو الْحَسَنِ , عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ هَارُونَ الْفِرْيَابِيُّ , بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ قَالَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ إِدْرِيسَ الشَّافِعِيَّ , بِمَكَّةَ يَقُولُ: §«سَلُونِي عَمَّا شِئْتُمْ أُخْبِرُكُمْ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَمِنْ سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» قَالَ: فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: إِنَّ هَذَا لِرَجُلٌ جَرِيءٌ قَالَ: قُلْتُ لَهُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ مَا تَقُولُ فِي مُحْرِمٍ قَتَلَ زُنْبُورًا؟ قَالَ: فَقَالَ: " نَعَمْ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر: 7] "

وَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ , عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ , عَنْ رِبْعِيِّ بْنِ حِرَاشٍ , عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ , قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " §اقْتَدُوا بِاللَّذَيْنِ مِنْ بَعْدِي: أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرَ "

وَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ , عَنْ مِسْعَرِ بْنِ كِدَامٍ , عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ , عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ , عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ , «أَنَّهُ §أَمَرَ مُحْرِمًا بِقَتْلِ الزُّنْبُورِ» قَدِ انْتَهَى كَلَامُنَا فِي أُصُولِ الْفِقْهِ , وَنَحْنُ نَتَكَلَّمُ فِي الْقِيَاسِ , وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ

ذكر الكلام في القياس اعلم أن القياس فعل القائس وهو: حمل فرع على أصل في بعض أحكامه , لمعنى يجمع بينهما وقيل هو: الاجتهاد والأول: أجمع لحده , لأن الاجتهاد هو بذل المجهود في طلب العلم , فيدخل فيه حمل المطلق على المقيد , وترتيب الخاص على العام , وجميع

§ذِكْرُ الْكَلَامِ فِي الْقِيَاسِ اعْلَمْ أَنَّ الْقِيَاسَ فِعْلُ الْقَائِسِ وَهُوَ: حَمْلُ فَرْعٍ عَلَى أَصْلٍ فِي بَعْضِ أَحْكَامِهِ , لِمَعْنًى يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا وَقِيلَ هُوَ: الِاجْتِهَادُ وَالْأَوَّلُ: أَجْمَعُ لِحَدِّهِ , لِأَنَّ الِاجْتِهَادَ هُوَ بَذْلُ الْمَجْهُودِ فِي طَلَبِ الْعِلْمِ , فَيَدْخُلُ فِيهِ حَمْلُ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ , وَتَرْتِيبُ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ , وَجَمِيعُ الْوُجُوهِ الَّتِي يُطْلَبُ مِنْهَا الْحُكْمُ , وَلَيْسَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ بِقِيَاسٍ وَالْقِيَاسُ: مِثَالُهُ , مِثَالُ الْمِيزَانِ أَنْ يُوزَنَ بِهِ الشَّيْءُ مِنَ الْفُرُوعِ لِيُعْلَمَ مَا يُوَازِنُهُ مِنَ الْأُصُولِ فَيُعْلَمُ أَنَّهُ نَظِيرُهُ , أَوْ لَا يُوَازِنُهُ , فَيُعْلَمُ أَنَّهُ مُخَالِفُهُ , وَالِاجْتِهَادُ أَعَمُّ مِنَ الْقِيَاسِ , وَالْقِيَاسُ دَاخِلٌ فِيهِ وَالْقِيَاسُ: حُجَّةٌ فِي إِثْبَاتِ الْأَحْكَامِ الْعَقْلِيَّةِ , وَطَرِيقٌ مِنْ طُرُقِهَا مِثْلُ حَدَثِ الْعَالِمِ , وَإِثْبَاتُ الصَّانِعِ وَالتَّوْحِيدِ وَمَا أَشْبَهَهُ , وَمِنَ النَّاسِ مَنْ أَنْكَرَ ذَلِكَ , وَالدَّلِيلُ عَلَى فَسَادِ قَوْلِهِ إِثْبَاتُ هَذِهِ الْأَحْكَامِ لَا يَخْلُو إِمَّا أَنْ يَكُونَ بِالضَّرُورَةِ , أَوْ بِالِاسْتِدْلَالِ وَالْقِيَاسِ , وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بِالضَّرُورَةِ , لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَخْتَلِفِ الْعُقَلَاءُ فِيهَا , فَثَبَتَ أَنَّ إِثْبَاتَهَا بِالْقِيَاسِ وَالِاسْتِدْلَالِ بِالشَّاهِدِ عَلَى الْغَائِبِ وَكَذَلِكَ: هُوَ حُجَّةٌ فِي الشَّرْعِيَّاتِ , وَطَرِيقٌ لِمَعْرِفَةِ الْأَحْكَامِ ,

وَدَلِيلٌ مِنْ أَدِلَّتِهَا مِنْ جِهَةِ الشَّرْعِ وَذَهَبَ إِبْرَاهِيمُ النَّظَّامُ وَالرَّافِضَةُ إِلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِطَرِيقٍ لِلْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ , وَلَا يَجُوزُ وُرُودُ التَّعَبُّدِ بِهِ مِنْ جِهَةِ الْعَقْلِ وَقَالَ دَاوُدُ بْنُ عَلِيٍّ , وَأَهْلُ الظَّاهِرِ: يَجُوزُ أَنْ يُرَدَّ التَّعَبُّدُ بِهِ مِنْ جِهَةَ الْعَقْلِ , إِلَّا أَنَّ الشَّرْعَ وَرَدَ بِحَظْرِهِ وَالْمَنْعِ مِنْهُ فَأَمَّا الدَّلِيلُ عَلَى جَوَازِ وَوُرُودِ التَّعَبُّدِ بِهِ مِنْ جِهَةِ الْعَقْلِ فَهُوَ أَنَّهُ إِذَا جَازَ الْحُكْمُ فِي شَيْءٍ بِحُكْمٍ لِعِلَّةٍ مَنْصُوصٍ عَلَيْهَا , جَازَ أَنْ يُحْكَمَ فِيهِ بِعِلَّةٍ غَيْرِ مَنْصُوصٍ عَلَيْهَا , وَيُنْصَبُ عَلَيْهَا دَلِيلٌ يُتَوَصَّلُ بِهِ إِلَيْهَا , أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَمَّا جَازَ أَنْ يُؤْمَرَ مَنْ عَايَنَ الْكَعْبَةَ بِالتَّوَجُّهِ إِلَيْهَا فِي صَلَاتِهِ جَازَ أَيْضًا أَنْ يُؤْمَرَ مَنْ غَابَ عَنْهَا أَنْ يَتَوَصَّلَ بِالدَّلِيلِ إِلَيْهَا وَأَمَّا دَاوُدُ وَمَنْ تَابَعَهُ فَقَدِ احْتَجُّوا بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى حَرَّمَ عَلَيْنَا الْقَوْلَ بِمَا لَا نَعْلَمُ , فَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ} [الأعراف: 33] إِلَى قَوْلِهِ: {وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} [البقرة: 169] وَالْعِلْمُ إِنَّمَا يُدْرَكُ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ , وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} [النساء: 59] مَعْنَاهُ: فَرُدُّوهُ إِلَى الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ , وَهَذَا يَمْنَعُ مِنَ الْقِيَاسِ قَالُوا: وَلِأَنَّ الْقَصْدَ بِالْقِيَاسِ طَلَبُ الْحُكْمِ فِيمَا لَا نَصَّ فِيهِ , وَلَا تَوْقِيفَ , وَلَيْسَ عِنْدَنَا حُكْمٌ إِلَّا وَقَدْ تَنَاوَلَهُ نَصٌّ وَتَوْقِيفٌ , فَلَمْ يَكُنْ لِلْقِيَاسِ مَعْنًى مَعَ أَنَّ الْأَحَادِيثَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ جَاءَتْ بِالْمَنْعِ مِنْهُ , وَالصَّحَابَةُ وَالتَّابِعُونَ قَدْ أَنْكَرُوهُ , فَدَلَّ عَلَى أَنَّ هَذَا إِجْمَاعٌ مِنْهُمْ

ذكر الأحاديث الواردة في ذم القياس وتحريمه والمنع منه

§ذِكْرُ الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي ذَمِّ الْقِيَاسِ وَتَحْرِيمِهِ وَالْمَنْعِ مِنْهُ

أنا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْمُتُوثِيُّ , أنا أَبُو سَهْلٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زِيَادٍ الْقَطَّانُ , نا عُبَيْدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَاتِمٍ , نا جُبَارَةُ بْنُ مُغَلِّسٍ , وَأَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْجَوْهَرِيُّ , أنا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ يَحْيَى الْعَطَشِيُّ , نا مُحَمَّدُ بْنُ صَالِحِ بْنِ ذَرِيحٍ , نا جُبَارَةُ , نا حَمَّادُ بْنُ يَحْيَى , قَالَ: حَدَّثَنِي الزُّهْرِيُّ , عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ , عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ , قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: §«تَعْمَلُ هَذِهِ الْأُمَّةُ بُرْهَةً بِكِتَابِ اللَّهِ , ثُمَّ تَعْمَلُ بُرْهَةً بِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ , ثُمَّ تَعْمَلُ بُرْهَةً بَعْدَ ذَلِكَ بِالرَّأْيِ , فَإِذَا عَمِلُوا بِالرَّأْيِ فَقَدْ ضَلُّوا»

أنا أَبُو عُبَيْدٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي نَصْرٍ النَّيْسَابُورِيُّ , أنا أَبُو عَمْرٍو مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَمْدَانَ الْحِيرِيُّ , أنا أَبُو -[450]- يَعْلَى أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْمُثَنَّى الْمَوْصِلِيُّ , نا هُذَيْلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحِمَّانِيُّ , نا عُثْمَانُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الزُّهْرِيُّ , عَنِ الزُّهْرِيِّ , عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ , عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ , قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: §«تَعْمَلُ هَذِهِ الْأُمَّةُ بُرْهَةً بِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , ثُمَّ تَعْمَلُ بِالرَّأْيِ , فَإِذَا عَمِلُوا بِالرَّأْيِ فَقَدْ ضَلُّوا وَأَضَلُّوا»

أنا عَبْدُ السَّلَامِ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ الْأَصْبَهَانِيُّ , أنا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ أَيُّوبَ الطَّبَرَانِيُّ , نا يَحْيَى بْنُ عُثْمَانَ بْنِ صَالِحٍ , نا نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ , نا عِيسَى بْنُ يُونُسَ , عَنْ حَرِيزِ بْنِ عُثْمَانَ , عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ , قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: §«تَفْتَرِقُ أُمَّتِي عَلَى بِضْعٍ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً , أَعْظَمُهَا فِرْقَةً عَلَى أُمَّتِي قَوْمٌ يَقِيسُونَ الْأُمُورَ بِرَأْيِهِمْ , فَيُحِلُّونَ الْحَرَامَ وَيُحَرِّمُونَ الْحَلَالَ»

أنا أَبُو سَعِيدٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى الصَّيْرَفِيُّ نا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْأَصَمُّ نا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الصَّغَانِيُّ , أنا الْمَسْبِيُّ , نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ عُرْوَةَ , عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ عَائِشَةَ , أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: §«مَا هَلَكَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ حَتَّى كَثُرَ فِيهِمُ الْمُوَلَّدُونَ أَبْنَاءُ سَبَايَا الْأُمَمِ فَأَخَذُوا فِي دِينِهِمْ بِالْمَقَايِيسِ فَهَلَكُوا وَأَهْلَكُوا»

أنا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ رِزْقٍ , أنا عُثْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ الدَّقَّاقُ , أَنَّ أَبَا الْحَسَنِ بْنَ الْبَرَاءِ , حَدَّثَهُمْ قَالَ: نا سُوَيْدُ بْنُ سَعِيدٍ , حَدَّثَنَا -[452]- عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي الرِّجَالِ , عَنِ ابْنِ أَبِي دَاوُدُ , وَأَنَا أَبُو جَعْفَرٍ , مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ عَلَّانَ الشُّرُوطِيُّ , أنا الْحُسَيْنُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْهَرَوِيُّ , نا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ رَزِينٍ الْبَاشَانِيُّ , نا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ حَبِيبٍ , نا إِسْحَاقُ بْنُ نَجِيحٍ , عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ , وَابْنِ أَبِي رَوَّادٍ , عَنْ نَافِعٍ , عَنِ ابْنِ عُمَرَ , قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: §«مَنْ قَالَ فِي دِينِنَا بِرَأْيِهِ فَاقْتُلُوهُ»

أَخْبَرَنِي أَبُو بَكْرٍ , أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الطَّبَرِيُّ , أنا أَبُو يَعْلَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُسْلِمٍ الدَّبَّاسُ , نا الْحُسَيْنُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ , نا أَحْمَدُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ حَكِيمٍ , نا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ شَرِيكٍ , نا أَبِي , عَنْ -[453]- مُجَالِدٍ , عَنِ الشَّعْبِيِّ , عَنْ عَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ , عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ , قَالَ: §«إِيَّاكُمْ وَأَصْحَابَ الرَّأْيِ , فَإِنَّهُمْ أَعْدَاءُ السُّنَنِ , أَعْيَتْهُمُ الْأَحَادِيثُ أَنْ يَحْفَظُوهَا , فَقَالُوا بِالرَّأْيِ , فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا»

أنا الْقَاضِي أَبُو الْقَاسِمِ التَّنُوخِيُّ , أنا عَلِيُّ بْنُ عُمَرَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْحَرْبِيُّ , نا أَبُو عَلِيٍّ , مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ إِسْمَاعِيلَ الْمَرْوَزِيُّ , نا صَالِحُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ الْمَرْوَزِيُّ , نا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ هَارُونَ بْنِ عَنْتَرَةَ , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ جَدِّهِ , قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ عَلَى الْمِنْبَرِ: §«أَلَا إِنَّ أَصْحَابَ الرَّأْيِ أَعْدَاءُ السُّنَنِ , أَعْيَتْهُمُ الْأَحَادِيثُ أَنْ يَحْفَظُوهَا فَأَفْتَوْا بِرَأْيِهِمْ فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا , أَلَا وَإِنَّا نَقْتَدِي وَلَا نَبْتَدِي , وَنَتَّبِعُ وَلَا نَبْتَدِعُ , مَا نَضِلُّ مَا تَمَسَّكْنَا بِالْأَثَرِ»

أَخْبَرَنِي الْجَوْهَرِيُّ , أنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَيُّوبَ الْقَطَّانُ , نا أَبُو الْعَبَّاسِ , إِسْحَاقُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَرْوَانَ , نا أَبِي , نا عِصْمَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْأَسَدِيُّ , قَالَ: نا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ , عَنْ أَبِي بَكْرٍ , عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ , عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ , قَالَ: §«إِيَّاكُمْ وَمُجَالَسَةَ أَصْحَابِ الرَّأْيِ , فَإِنَّهُمْ أَعْدَاءُ السُّنَّةِ , أَعْيَتْهُمُ السُّنَّةُ أَنْ يَحْفَظُوهَا , وَنَسَوَا الْأَحَادِيثَ أَنْ يَعُوهَا , وَسُئِلُوا عَمَّا لَا يَعْلَمُونَ , فَاسْتَحْيَوْا أَنْ يَقُولُوا لَا نَعْلَمُ , فَأَفْتَوْا بِرَأْيِهِمْ فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا كَثِيرًا , وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ , إِنَّ نَبِيَّكُمْ لَمْ يَقْبِضْهُ اللَّهُ حَتَّى أَغْنَاهُ اللَّهُ بِالْوَحْيِ عَنِ الرَّأْيِ , وَلَوْ كَانَ الرَّأْيُ أَوْلَى مِنَ السُّنَّةِ لَكَانَ بَاطِنُ الْخُفَّيْنِ أَوْلَى بِالْمَسْحِ مِنْ ظَاهِرِهِمَا»

أنا أَبُو مَنْصُورٍ , مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْهَمَذَانِيُّ , نا صَالِحُ بْنُ أَحْمَدَ الْحَافِظُ , نا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ , بُلْبُلٌ , نا عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ إِشْكَابَ , نا عُمَرُ بْنُ يُونُسَ الْيَمَامِيُّ , نا عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ , عَنْ يَحْيَى , وحَمْزَةَ الْمَدِينِيِّ , وَغَيْرِهِمَا , قَالَا: قَدْ سَمِعْنَاهُ مِنَ الْفُقَهَاءِ , أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ , قَالَ: §«إِنَّ أَصْحَابَ الرَّأْيِ أَعْدَاءُ السُّنَنِ , عَيِيَتْ عَلَيْهِمْ فَلَمْ يَعُوهَا , وَتَفَلَّتَتْ عَلَيْهِمْ فَلَمْ يَحْفَظُوهَا , سُئِلُوا فَاسْتَحْيَوْا أَنْ يَقُولُوا لَا نَدْرِي فَعَارَضُوهَا بِالرَّأْيِ , فَإِيَّاكُمْ وَإِيَّاهُمْ , فَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يَقْبِضْ نَبِيَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَانْقَطَعَ -[455]- وَحْيُهُ حَتَّى أُغْنِيَ بِالسُّنَّةِ عَنِ الرَّأْيِ , وَلَوْ كَانَ الدِّينُ عَلَى الرَّأْيِ , لَكَانَ بَاطِنُ الْخُفِّ أَحَقُّ أَنْ يُمْسَحَ مِنْ ظَاهِرِهِ , فَإِيَّاكُمْ وَإِيَّاهُمْ»

أنا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ بُكَيْرٍ النَّجَّارُ , أنا أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَامِدٍ الْمُؤَدِّبُ , نا الْحَسَنُ بْنُ عَلَوَيْهِ الْقَطَّانُ , قَالَ: نا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عِيسَى , نا دَاوُدُ بْنُ الزِّبْرِقَانِ , عَنْ مُحَمَّدٍ الْعَرْزَمِيِّ , عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ , أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ , قَالَ: §«أَصْحَابُ الرَّأْيِ أَعْدَاءُ السُّنَّةِ , لَوْ كَانَ الدِّينُ بِالرَّأْيِ لَكَانَ أَسْفَلُ الْخُفِّ أَحَقُّ بِمَسْحِهِ مِنْ أَعْلَاهُ»

أنا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْفَتْحِ الْحَرْبِيُّ , وَأَنَا عُمَرُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْمُقْرِئُ , أنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ , نا أَبُو خَيْثَمَةَ , نا جَرِيرٌ , عَنْ لَيْثٍ , عَنْ مُجَاهِدٍ , أَنَّ عُمَرَ , §«نَهَى عَنِ الْمُكَايَلَةِ» يَعْنِي الْمُقَايَسَةَ -

أنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عُمَرَ الْبَرْمَكِيُّ , أنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَلَفِ بْنِ بَخِيتٍ الدَّقَّاقُ , نا عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى الْجَوْهَرِيُّ , نا أَبُو بَكْرٍ الْأَثْرَمُ: نا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ , نا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ , عَنْ لَيْثٍ , عَنْ مُجَاهِدٍ , قَالَ: قَالَ عُمَرُ -[456]-: §«إِيَّايَ وَالْمُكَايَلَةَ ,» - يَعْنِي الْمُقَايَسَةَ -

أنا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ بَكْرَانَ الْفُوِّيُّ , نا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُثْمَانَ الْفَسَوِيُّ , نا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ , نا أَبُو بَكْرٍ الْحُمَيْدِيُّ , وَأَنَا أَبُو نُعَيْمٍ الْحَافِظُ , نا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَسَنِ , نا بِشْرُ بْنُ مُوسَى , نا الْحُمَيْدِيُّ , نا سُفْيَانُ , نا مُجَالِدٌ , عَنِ الشَّعْبِيِّ , عَنْ مَسْرُوقٍ , عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ , أَنَّهُ قَالَ: «§لَيْسَ عَامٌ بِأَمْطَرَ» - وَقَالَ الْفُوِّيُّ: أَمْطَرَ - «مِنْ عَامٍ وَلَا أَمِيرٌ بِخَيْرٍ» - وَقَالَ الْفُوِّيُّ خَيْرًا - «مِنْ أَمِيرٍ , وَلَكِنَّهُ ذَهَابُ فُقَهَائِكُمْ وَعُلَمَائِكُمْ , ثُمَّ يُحَدِّثُ قَوْمٌ يَقِيسُونَ الْأُمُورَ بِرَأْيِهِمْ , فَيُهْدَمُ الْإِسْلَامُ وَيَثْلَمُ»

أنا الْبَرْمَكِيُّ , أنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بَخِيتٍ , نا عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْجَوْهَرِيُّ , نا أَبُو بَكْرٍ الْأَثْرَمُ , نا أَبُو نُعَيْمٍ , نا عَبْدَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ , نا مُجَالِدٌ , عَنِ الشَّعْبِيِّ , قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: §«لَا يَأْتِي عَلَى النَّاسِ يَوْمٌ إِلَّا وَالَّذِي بَعْدَهُ أَشَدُّ مِنْهُ , أَمَا إِنِّي لَا أَعِنِّي أَنْ يَوْمًا خَيْرٌ مِنْ يَوْمٍ , وَلَا شَهْرًا خَيْرٌ مِنْ شَهْرٍ , وَلَا عَامًّا خَيْرٌ مِنْ عَامٍ , وَلَا أَمِيرًا خَيْرٌ مِنْ أَمِيرٍ , وَلَكِنْ ذَهَابُ قُرَّائِكُمْ وَعُلَمَائِكُمْ , ثُمَّ -[457]- يَبْقَى قَوْمٌ يَقِيسُونَ الْأُمُورَ بِرَأْيِهِمْ»

وَقَالَ الْأَثْرَمُ: نا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ , نا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ , عَنِ الْأَعْمَشِ , عَنْ حَبِيبٍ , عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ , قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: «أَيُّهَا النَّاسُ §إِنَّكُمْ سَتُحْدِثُونَ وَيُحْدَثُ لَكُمْ , فَإِذَا رَأَيْتُمْ مُحْدِثًا فَعَلَيْكُمْ بِالْأَمْرِ الْأَوَّلِ»

أنا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُعَدِّلُ , أنا أَبُو عَلِيٍّ إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ , نا سَعْدُ بْنُ نَصْرٍ , نا مَعْمَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ , عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ الْمُطَّلِبِ , عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ , قَالَ: §«إِنَّكُمْ إِنْ عَمِلْتُمْ فِي دِينِكُمْ بِالْقِيَاسِ أَحْلَلْتُمْ كَثِيرًا مِمَّا حُرِّمَ عَلَيْكُمْ , وَحَرَّمْتُمْ كَثِيرًا مِمَّا أُحِلَّ لَكُمْ»

أنا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ , أنا أَحْمَدُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ يَحْيَى الْأَدَمِيُّ , نا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الرَّازِيُّ , نا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْخُرَاسَانِيُّ , نا الْفَضْلُ بْنُ مُوسَى , عَنْ يَزِيدَ بْنِ عُقْبَةَ , عَنِ الضَّحَّاكِ الضَّبِّيِّ , قَالَ: لَقِيَ ابْنُ عُمَرَ جَابِرَ بْنَ يَزِيدَ فَقَالَ: لَهُ -[458]-: «يَا جَابِرُ , §إِنَّكَ سَتَبْقَى , فَلَا تُفْتِيَنَّ إِلَّا بِكِتَابٍ نَاطِقٍ أَوْ سُنَّةٍ مَاضِيَةٍ فَإِنَّكَ إِنْ فَعَلْتَ غَيْرَ هَذَا هَلَكَتْ وَأَهْلَكْتَ»

أنا الْبَرْمَكِيُّ , أنا ابْنُ بَخِيتٍ , نا عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْجَوْهَرِيُّ , نا أَبُو بَكْرٍ الْأَثْرَمُ , نا عَلِيُّ بْنُ بَحْرٍ , ومُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ , قَالَا: نا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ , عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ , عَنْ عَبْدَةَ بْنِ أَبِي لُبَابَةَ , عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ , قَالَ: §«مَنْ أَحْدَثَ رَأَيَا لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ , وَلَمْ تَمْضِ بِهِ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , لَمْ يَدْرِ عَلَى مَا هُوَ مِنْهُ إِذَا لَقِيَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ»

وَقَالَ الْأَثْرَمُ: نا قَبِيصَةُ , نا سُفْيَانُ , عَنْ جَابِرٍ , عَنِ الشَّعْبِيِّ , عَنْ مَسْرُوقٍ , قَالَ: «§لَا أَقِيسُ شَيْئًا بِشَيْءٍ» , قُلْتُ: لِمَ؟ قَالَ: «أَخْشَى أَنْ تَزِلَّ رِجْلَيَّ»

أنا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُعَدِّلُ , أنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ , نا سَعْدَانُ بْنُ نَصْرٍ , قَالَ: نا مَعْمَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ , عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بِشْرٍ , أَنَّ مَسْرُوقَ بْنَ الْأَجْدَعِ , سُئِلَ عَنْ مَسْأَلَةٍ , فَقَالَ: «لَا أَدْرِي» فَقَالُوا: قِسْ لَنَا بِرَأْيِكَ قَالَ -[459]-: §«أَخَافُ أَنْ تَزِلَّ قَدَمَيَّ»

وَقَالَ سَعْدَانُ: نا مَعْمَرٌ , عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بِشْرٍ , أَنَّ مَسْرُوقَ بْنَ الْأَجْدَعِ , كَانَ يَقُولُ: §«إِيَّاكُمْ وَالْقِيَاسَ وَالرَّأْيَ , فَإِنَّ الرَّأْيَ قَدْ يَزِلُّ»

أنا أَبُو الْفَتْحِ , هِلَالُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ الْحَفَّارُ , أنا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَيَّاشٍ الْقَطَّانُ , نا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَجْشَرٍ , نا وَكِيعٌ , نا عِيسَى الْحَنَّاطُ , عَنِ الشَّعْبِيِّ , قَالَ: §«لِأَنَّ أَتَعَنَّى بِعَنِيَّةٍ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَقُولَ مَسْأَلَةً بِرَأْيِي» ذَكَرَ أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ قُتَيْبَةَ: إِنَّ الْعَيْنِيَّةَ أَخْلَاطٌ تَنْقَعُ فِي أَبْوَالِ الْإِبِلِ وَتُتْرَكُ حِينًا حَتَّى تُطْلَى بِهَا الْإِبِلُ مِنَ الْجَرَبِ

أنا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ الْحِنَّائِيُّ , أنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الشَّافِعِيُّ , نا جَعْفَرُ بْنُ كَزَالٍ , نا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ , وعَبَّاسُ بْنُ طَالِبٍ , عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ , عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ , قَالَ: قِيلَ لِأَيُّوبَ: لَوْ نَظَرْتَ فِي الرَّأْيِ قَالَ أَيُّوبُ -[460]-: " §قِيلَ لِلْحِمَارِ لَوِ اجْتَرَرْتَ قَالَ: إِنِّي أَكْرَهُ مَضْغَ الْبَاطِلِ "

أنا أَبُو الطَّيِّبِ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ الْقُرَشِيُّ , أنا عُمَرُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عُثْمَانَ الْوَاعِظُ , نا أَحْمَدُ بْنُ عِيسَى بْنِ السُّكَيْنِ الْبَلَدِيُّ , نا أَبُو عُمَرَ عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُسْتَامِ الْحَرَّانِيُّ , نا مَخْلَدُ بْنُ يَزِيدَ , نا عِيسَى بْنُ أَبِي عِيسَى الْحَنَّاطُ , قَالَ: كَانَ الشَّعْبِيُّ يَقُولُ: §«إِيَّاكُمْ وَالْمُقَايَسَةِ , وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ , لَئِنْ أَخَذْتُمْ بِالْمَقَايِيسِ لَتُحِلُّنَّ الْحَرَامَ وَلَتُحَرِّمُنَّ الْحَلَالَ , وَلَكِنْ مَا بَلَغَكُمْ عَنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَاعْلَمُوا بِهِ»

أنا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ بُكَيْرٍ الْمُقْرِئُ , أنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَامِدٍ الْمُؤَدِّبُ , نا الْحَسَنُ بْنُ عَلَوَيْهِ الْقَطَّانُ , نا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عِيسَى , نا دَاوُدُ الزِّبْرِقَانُ , عَنْ مُجَالِدِ بْنِ سَعِيدٍ , قَالَ: نا الشَّعْبِيُّ , يَوْمًا قَالَ: §«يُوشِكُ أَنْ يَصِيرَ , الْجَهْلُ عِلْمًا وَيَصِيرُ الْعِلْمُ جَهْلًا» قَالُوا: وَكَيْفَ يَكُونُ هَذَا يَا أَبَا عَمْرٍو؟ قَالَ: " كُنَّا نَتَّبِعُ الْآثَارَ وَمَا جَاءَ عَنِ الصَّحَابَةِ , فَأَخَذَ النَّاسُ فِي -[461]- غَيْرِ ذَلِكَ: الْقِيَاسَ "

أنا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى الْهَمَذَانِيُّ , نا صَالِحُ بْنُ أَحْمَدَ الْحَافِظُ , نا الْقَاسِمُ بْنُ أَبِي صَالِحٍ , نا أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ , نا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ الْمَعْنِيُّ , نا سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ , عَنْ أَبِي حَمْزَةَ , قَالَ: سُئِلَ الشَّعْبِيُّ عَنْ مَسْأَلَةٍ , فَقَالَ: §«لَا أَدْرِي وَلَكِنِ احْفَظْ ثَلَاثًا , لَا تَقُلْ لِمَا لَا تَعْلَمُ إِنَّكَ تَعْلَمُ , وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ قَدْ كَانَ لَوْ لَمْ يَكُنْ , وَلَا تُجَالِسْ أَصْحَابَ الْقِيَاسِ فَتُحِلَّ حَرَامًا أَوْ تُحَرِّمَ حَلَالًا»

أنا الْحَسَنُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ , أنا أَبُو الْحَسَنِ , أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ نَيْخَابٍ الطِّيبِيُّ , نا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ زِيَادٍ , نا أَبُو نُعَيْمٍ , ضِرَارُ بْنُ صُرَدٍ , نا وَكِيعٌ , عَنْ عِيسَى الْحَنَّاطِ , عَنِ الشَّعْبِيِّ , قَالَ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ: §«وَاللَّهِ لَئِنْ أَخَذْتُمْ بِالْقِيَاسِ لَتُحِلُّنَّ الْحَرَامَ وَلَتُحَرِّمُنَّ الْحَلَالَ»

وَقَالَ أَبُو نُعَيْمٍ: نا جَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ , عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى , قَالَ -[462]-: §«كَانَ الشَّعْبِيُّ لَا يَقِيسُ»

أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عُثْمَانَ الصَّيْرَفِيُّ , نا أَبُو عُمَرَ , مُحَمَّدُ بْنُ الْعَبَّاسِ الْخَزَّازُ , نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْبَغَوِيُّ , نا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ الْعَابِدُ , نا ابْنُ عُلَيَّةَ , نا صَالِحُ بْنُ مُسْلِمٍ , قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ الشَّعْبِيِّ وَنَحْنُ ثَلَاثَةٌ أَوْ أَرْبَعَةٌ , فَقَالَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَسْأَلَهُ أَحَدٌ مِنَّا عَنْ شَيْءٍ: §«إِنَّمَا هَلَكْتُمْ حِينَ تَرَكْتُمُ الْآثَارَ , وَأَخَذْتُمْ بِالْمَقَايِيسِ , يَعْلَمُ اللَّهُ , لَقَدْ بَغَّضُوا إِلَيَّ هَذَا الْمَسْجِدَ حَتَّى لَهُوَ أَبْغَضُ إِلَيَّ مِنْ كُنَاسَةِ دَارِي هَؤُلَاءِ الصَّعَافِقَةُ»

أنا الْبَرْمَكِيُّ , أنا ابْنُ بَخِيتٍ , نا عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْجَوْهَرِيُّ , نا الْأَثْرَمُ , نا مُحَمَّدُ بْنُ كُنَاسَةَ , نا صَالِحُ بْنُ مُسْلِمٍ , عَنِ الشَّعْبِيِّ , قَالَ: §«لَقَدْ بَغَّضَ إِلَيَّ هَؤُلَاءِ الْقَوْمُ هَذَا الْمَسْجِدَ , حَتَّى لَهُوَ أَبْغَضُ إِلَيَّ مِنْ كُنَاسَةِ دَارِي» قُلْتُ: مَنْ هُوَ يَا أَبَا عَمْرٍو؟ قَالَ: «هَؤُلَاءِ الرَّأَيْتُيُّونَ , أَرَأَيْتَ أَرَأَيْتَ»

وَقَالَ الْأَثْرَمُ , نا يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَابِقٍ , نا زَيْدُ بْنُ حُبَابٍ , عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ , عَنْ مَطَرٍ الْوَرَّاقِ , قَالَ: §«تَرَكَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ الْآثَارِ وَاللَّهِ»

قَرَأْتُ عَلَى أَبِي الْقَاسِمِ الْأَزْجِيِّ , عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ جَعْفَرٍ الْحَنْبَلِيِّ , قَالَ: أنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ هَارُونَ الْخَلَّالُ , أنا أَبُو بَكْرٍ الْمَرُّوذِيُّ , قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ , أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ §«يُنْكِرُ عَلَى أَصْحَابِ الْقِيَاسِ وَيَتَكَلَّمُ فِيهِمْ بِكَلَامٍ شَدِيدٍ»

أنا الْحَسَنُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ , أنا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ نَيْخَابٍ , نا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ زِيَادٍ , نا أَبُو نُعَيْمٍ ضِرَارُ بْنُ صُرَدٍ نا حَفْصٌ , عَنْ أَشْعَثَ , قَالَ: «كَانَ مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ §لَا يَكَادُ يَقُولُ فِي شَيْءٍ بِرَأْيِهِ»

أنا عَلِيُّ بْنُ طَلْحَةَ الْمُقْرِئُ , أنا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَبَّاسِ الْخَزَّازُ , نا أَبُو مُزَاحِمٍ , مُوسَى بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو زَكَرِيَّا , يَحْيَى بْنُ زَكَرِيَّا الْمَعْرُوفُ بِالسُّنِّيِّ , حَدَّثَنِي أَبُو الْحَسَنِ , أَحْمَدُ بْنُ خَاقَانَ بْنِ مُوسَى قَالَ: سَمِعْتُ أَخِيَ مُحَمَّدَ بْنَ خَاقَانَ , يَقُولُ شَيَّعَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ فِي آخِرِ خَرْجَةٍ خَرَجَ فَقُلْنَا لَهُ: أَوْصِنَا , فَقَالَ -[464]-: §«لَا تَتَّخِذُوا الرَّأْيَ إِمَامًا»

أنا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ زِرْقَوَيْهِ , أنا أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ سَلْمٍ الْخُتَّلِيُّ , نا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْأَبَّارُ , نا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ الدِّمَشْقِيُّ , عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْقُرَشِيِّ , عَنِ ابْنِ شُبْرُمَةَ , قَالَ: دَخَلْتُ أَنَا وَأَبُو حَنِيفَةَ؛ وَأَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْوَاعِظُ , - وَاللَّفْظُ لَهُ - أنا أَبُو حَفْصٍ , عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْجُمَحِيُّ بِمَكَّةَ , نا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ , نا أَبُو الْوَلِيدِ الْقُرَشِيُّ , نا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بَكَّارٍ الْقُرَشِيُّ , حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ جَعْفَرٍ , نا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الرِّبْعِيُّ , قَالَ: قَالَ ابْنُ شُبْرُمَةَ: دَخَلْتُ أَنَا وَأَبُو , حَنِيفَةَ عَلَى جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ وَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ , وَكُنْتُ لَهُ صَدِيقًا , ثُمَّ أَقْبَلْتُ عَلَى جَعْفَرٍ , وَقُلْتُ: أُمْتَعَ اللَّهُ بِكَ , هَذَا رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ لَهُ فِقْهٌ وَعَقْلٌ , فَقَالَ لِي جَعْفَرٌ: لَعَلَّهُ الَّذِي يَقِيسُ الدِّينَ بِرَأْيِهِ , ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيَّ فَقَالَ: «أَهُوَ النُّعْمَانُ؟» قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الرِّبْعِيُّ , وَلَمْ أَعْرِفِ اسْمَهُ إِلَّا ذَلِكَ الْيَوْمَ - فَقَالَ لَهُ أَبُو حَنِيفَةَ: نَعَمْ أَصْلَحَكَ اللَّهُ , فَقَالَ لَهُ جَعْفَرٌ: §" اتَّقِ اللَّهَ , وَلَا تَقِسِ الدِّينَ بِرَأْيِكَ , فَإِنَّ أَوَّلَ مَنْ قَاسَ إِبْلِيسُ , إِذْ أَمَرَهُ اللَّهُ بِالسُّجُودِ لِآدَمَ , فَقَالَ: أَنَا خَيْرُ مِنْهُ , خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ جَعْفَرٌ: هَلْ تُحْسِنُ أَنَّ تقيسَ رَأْسَكَ مِنْ جَسَدِكَ؟ " فَقَالَ لَهُ: لَا - وَفِي حَدِيثِ ابْنِ رِزْقَوَيْهِ: نَعَمْ - , فَقَالَ لَهُ: «أَخْبِرْنِي عَنِ الْمُلُوحَةِ فِي الْعَيْنَيْنِ , وَعَنِ الْمَرَارَةِ فِي الْأُذُنَيْنِ , وَعَنِ -[465]- الْمَاءِ فِي الْمِنْخَرَيْنِ , وَعَنِ الْعُذُوبَةِ فِي الشَّفَتَيْنِ , لِأَيِّ شَيْءٍ جُعِلَ ذَلِكَ؟» قَالَ: لَا أَدْرِي قَالَ لَهُ جَعْفَرٌ: «إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَ الْعَيْنَيْنِ فَجَعَلَهُمَا شَحْمَتَيْنِ , وَجَعَلَ الْمُلُوحَةَ فِيهِمَا مَنًّا مِنْهُ عَلَى ابْنِ آدَمُ , وَلَوْلَا ذَلِكَ لَذَابَتَا فَذَهَبَتَا , وَجَعَلَ الْمَرَارَةَ فِي الْأُذُنَيْنِ مَنًّا مِنْهُ عَلَيْهِ , وَلَوْلَا ذَلِكَ لَهَجَمَتِ الدَّوَابُّ فَأَكَلَتْ دِمَاغَهُ , وَجَعَلَ الْمَاءَ فِي الْمِنْخَرَيْنِ لِيَصْعَدَ مِنْهُ النَّفَسُ وَيَنْزِلَ , وَتَجِدُ مِنَ الرِّيحِ الطَّيِّبَةِ وَمِنَ الرِّيحِ الرَّدِيئَةِ , وَجَعَلَ الْعُذُوبَةَ فِي الشَّفَتَيْنِ لِيَعْلَمَ ابْنُ آدَمَ مَطْعَمَهُ وَمَشْرَبَهُ» , ثُمَّ قَالَ لِأَبِي حَنِيفَةَ: «أَخْبِرْنِي عَنْ كَلِمَةٍ أَوَّلُهَا شِرْكٌ وَآخِرُهَا إِيمَانٌ؟» قَالَ: لَا أَدْرِي , فَقَالَ جَعْفَرٌ: " لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ , فَلَوْ قَالَ: لَا إِلَهَ ثُمَّ أَمْسَكَ كَانَ مُشْرِكًا , فَهَذِهِ كَلِمَةٌ أَوَّلُهَا شِرْكٌ وَآخِرُهَا إِيمَانٌ " , ثُمَّ قَالَ لَهُ: " وَيْحَكَ أَيُّهَا أَعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ: قَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ أَوِ الزِّنَا؟ " قَالَ: لَا , بَلْ قَتْلُ النَّفْسِ قَالَ لَهُ جَعْفَرٌ: «إِنَّ اللَّهَ قَدْ رَضِيَ فِي قَتْلِ النَّفْسِ بِشَاهِدَيْنِ , وَلَمْ يَقْبَلْ فِي الزِّنَا إِلَّا أَرْبَعَةً , فَكَيْفَ يَقُومُ لَكَ قِيَاسٌ؟» ثُمَّ قَالَ: «أَيُّهُمَا أَعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ الصَّوْمُ أَمِ الصَّلَاةُ؟» قَالَ: لَا , بَلِ الصَّلَاةُ قَالَ: " فَمَا بَالُ الْمَرْأَةِ إِذَا حَاضَتْ تَقْضِي الصَّوْمَ وَلَا تَقْضِي الصَّلَاةَ؟ اتَّقِ اللَّهَ يَا عَبْدَ اللَّهِ وَلَا تَقِسْ , فَإِنَّا نَقِفُ غَدًا نَحْنُ وَأَنْتَ وَمَنْ خَالَفَنَا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى , فَنَقُولُ: قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ , وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَتَقُولُ أَنْتَ وَأَصْحَابُكَ سَمِعْنَا وَرَأَيْنَا , -[466]- فَيَفْعَلُ اللَّهُ تَعَالَى بِنَا وَبِكُمْ مَا يَشَاءُ "

أنا أَبُو الْحَسَنِ , مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ , أنا عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ النَّاقِدُ , نا أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ , نا الْحَكَمُ بْنُ مُوسَى , نا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمٍ , قَالَ: سَمِعْتُ دَاوُدَ بْنَ أَبِي هِنْدٍ , يَقُولُ: سَمِعْتُ ابْنَ سِيرِينَ , يَقُولُ: §«أَوَّلُ مَنْ قَاسَ إِبْلِيسُ»

وَقَالَ: §«مَا عُبِدَتِ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ إِلَّا بِالْمَقَايِيسِ»

أنا ابْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ , أنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زِيَادٍ , نا الْحَسَنُ بْنُ الْعَبَّاسِ بْنِ أَبِي مِهْرَانَ الْجَمَّالُ الرَّازِيُّ , نا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلَانَ , نا عَبْدُ الرَّزَّاقِ , عَنْ مَعْمَرٍ , عَنِ ابْنِ شُبْرُمَةَ , قَالَ: §«مَا عُبِدَتِ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ إِلَّا بِالْمَقَايِيسِ»

باب القول في الاحتجاج لصحيح القياس ولزوم العمل به قال الله سبحانه: يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم فنص الله تعالى على وجوب الجزاء من النعم في المقتول من الصيد , ولم ينص على ما يعتبر من

§بَابُ الْقَوْلِ فِي الِاحْتِجَاجِ لَصَحِيحِ الْقِيَاسِ وَلُزُومِ الْعَمَلِ بِهِ قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ} [المائدة: 95] فَنَصَّ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى وُجُوبِ الْجَزَاءِ مِنَ النَّعَمِ فِي الْمَقْتُولِ مِنَ الصَّيْدِ , وَلَمْ يَنُصَّ عَلَى مَا يُعْتَبَرُ مِنَ الْمُمَاثَلَةِ , فَكَانَ مَا نَصَّ عَلَيْهِ أَنَّهُ مِنَ النَّعَمِ لَا اجْتِهَادَ فِيهِ , وَكَانَ الْمَرْجِعُ فِي الْوَجْهِ الَّذِي بِهِ يُعْلَمُ مُمَاثَلَتُهُ فِيهِ , لَا طَرِيقَ لَهُ غَيْرُ الِاجْتِهَادِ وَالِاعْتِبَارِ وَكَذَلِكَ لَمَّا أَمَرَ بِرَدِّ شَهَادَةِ الْفَاسِقِ , لَمْ يَنُصَّ عَلَى مَا تُعْتَبَرُ بِهِ عَدَالَتُهُ , وَلَيْسَ أَحَدٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ يَنْفَكُّ مِنَ الْإِتْيَانِ بِشَيْءٍ مِنَ الطَّاعَاتِ , وَلَا يَعْتَصِمُ أَحَدٌ مِنْ أَنْ يُمْتَحَنَ بِبَعْضِ الْمَعَاصِي فَلَمْ يَكُنْ لِمَعْرِفَتِنَا الْعَدْلَ مِنَ الْفَاسِقِ طَرِيقٌ غَيْرُ مُوَازَنَةِ أَحْوَالِهِ وَتَرْجِيحِ بَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ , فَإِنْ رَجُحَتْ مَعَاصِيهِ صَارَ بِذَلِكَ فَاسِقًا , وَإِنْ رَجُحَتْ طَاعَاتُهُ صَارَ بِذَلِكَ عَدْلًا وَفِي مَعْنَى مَا ذَكَرْنَاهُ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ} [الأنبياء: 47] وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ , وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ} [المؤمنون: 103] فَجَعَلَ الْحُكْمَ لِلْأَرْجَحِ مِنَ الطَّاعَاتِ أَوِ الْمَعَاصِي , فَكَذَلِكَ مَعْرِفَةُ الْعَدَالَةِ وَالْفِسْقِ

وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ} [النحل: 89] , وَقَالَ: {أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى} [القيامة: 36] , وَقَالَ: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} [المائدة: 3] , فَلَا يَجُوزُ بَعْدَ أَنْ أَخْبَرَ اللَّهُ بِكَمَالِ دِينِهِ أَنْ يَكُونَ نَاقِصًا وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} [الأنعام: 38] , وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بَعْدَهُ مَا لَا يُوقَفُ عَلَى حُكْمِهِ , وَالْوُقُوفُ عَلَى الْحُكْمِ بِالِاسْمِ أَوْ بِالِاسْتِخْرَاجِ لَا ثَالِثَ لَهُمَا , فَإِذَا بَطَلَ أَنْ يَكُونَ فِي الْكِتَابِ بَيَانُ كُلِّ شَيْءٍ بِاسْمِهِ عُلِمَ أَنَّهُ أَرَادَ بَيَانَهُ بِبَيَانِ مَعْنَاهُ , وَقَوْلُهُ: {تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ} [النحل: 89] أَرَادَ بِهِ الْأَوَامِرَ وَالنَّوَاهِيَ , وَالْحَظْرَ وَالْإِبَاحَةَ , وَمَا كَانَ مِنْ طَرِيقِ الشَّرْعِ مِمَّا بِالْأُمَّةِ إِلَيْهِ الْحَاجَةُ لَا أَنَّهُ أَرَادَ ذَلِكَ عَلَى الْإِطْلَاقِ , إِذْ كَانَ بَيَانُ ذَلِكَ مِنْ جِهَةِ الِاسْمِ مُتَعَذِّرًا فَعُلِمَ أَنَّهُ أَرَادَ ذَلِكَ مِنْ جِهَةِ التَّشْبِيهِ , وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} [النساء: 59]

أنا ابْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ , أنا دَعْلَجُ بْنُ أَحْمَدَ , أنا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ الصَّائِغُ , أَنَّ سَعِيدَ بْنَ مَنْصُورٍ , حَدَّثَهُمْ قَالَ: نا إِسْمَاعِيلُ بْنُ زَكَرِيَّا , عَنْ لَيْثٍ , عَنْ مُجَاهِدٍ , {§فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ} [النساء: 59] قَالَ: «إِلَى كِتَابِ اللَّهِ» {وَالرَّسُولِ} [النساء: 59] قَالَ: «إِلَى سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» , ثُمَّ قَرَأَ {وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ} [النساء: 83] "

أنا أَبُو بَكْرٍ , مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ هِشَامٍ الْفَارِسِيُّ , نا أَبِي , نا أَحْمَدُ بْنُ سَهْلٍ الْأُشْنَانِيُّ , نا الْحُسَيْنُ يَعْنِي ابْنَ عَلِيِّ بْنِ الْأَسْوَدِ الْعِجْلِيَّ - , نا يَحْيَى بْنُ آدَمَ , نا مِنْدَلٌ الْعَنَزِيُّ , عَنْ لَيْثٍ , عَنْ مُجَاهِدٍ , فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {§فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} [النساء: 59] قَالَ: «إِلَى كِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ»

أنا الْحَسَنُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ , ومُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ غَيْلَانَ الْبَزَّازُ , قَالَا: أنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الشَّافِعِيُّ , نا إِسْحَاقُ بْنُ الْحَسَنِ الْحَرْبِيُّ , نا أَبُو حُذَيْفَةَ , نا سُفْيَانُ , عَنْ لَيْثٍ , عَنْ مُجَاهِدٍ , {§فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} [النساء: 59] قَالَ: «إِلَى كِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ نَبِيِّهِ» لَيْسَ يَخْلُو أَمْرُ اللَّهِ تَعَالَى بِالرَّدِّ إِلَى كِتَابِهِ وَسُنَّةِ نَبِيِّهِ عِنْدَ التَّنَازُعِ مِنْ أَحَدِ ثَلَاثِ مَعَانٍ: إِمَّا أَنْ يَكُونَ أَمْرًا بِرَدِّ الْمُتَنَازَعِ فِيهِ إِلَى مَا نَصَّ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي كِتَابِهِ وَرَسُولُهُ فِي سُنَّتِهِ لَا إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ , فَأَيُّ مُنَازَعَةٍ وَأَيُّ اخْتِلَافٍ يَقَعُ فِيمَا قَدْ تَوَلَّى اللَّهُ وَرَسُولُهُ الْحُكْمَ فِيهِ نَصًّا , فَهَذَا لَا مَعْنَى لَهُ أَوْ يَكُونَ أَمْرًا بِرَدِّهِ إِلَى مَا لَيْسَ لَهُ بِنَظِيرٍ وَلَا شَبِيهٍ , وَلَا خِلَافَ -[470]- أَنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ أَوْ يَكُونَ أَمْرًا بِرَدِّهِ إِلَى جِنْسِهِ وَنَظِيرِهِ مِمَّا قَدْ تَوَلَّى اللَّهُ وَرَسُولُهُ الْحُكْمُ فِيهِ نَصًّا فَيُسْتَدَلُّ بِحُكْمِهِ عَلَى حُكْمِهِ , وَلَا وَجْهَ لِلرَّدِّ إِلَى غَيْرِ هَذَا الْمَعْنَى لِفَسَادِ الْقِسْمَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ , وَأَنْ لَا رَابِعَ لِمَا ذَكَرْنَاهُ وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا مِنْ جِهَةِ السُّنَّةِ مَا

أنا أَبُو نُعَيْمٍ الْحَافِظُ , نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ فَارِسٍ , نا يُونُسُ بْنُ حَبِيبٍ , نا أَبُو دَاوُدَ , نا شُعْبَةُ , أَخْبَرَنِي أَبُو عَوْنٍ الثَّقَفِيُّ , قَالَ: سَمِعْتُ الْحَارِثَ بْنَ عَمْرٍو , يُحَدِّثُ عَنْ أَصْحَابِ مُعَاذٍ مِنْ أَهْلِ حِمْصٍ قَالَ: وَقَالَ مُرَّةٌ: عَنْ مُعَاذٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , لَمَّا بَعَثَ مُعَاذًا إِلَى الْيَمَنِ قَالَ لَهُ: «§كَيْفَ تَقْضِي إِنْ عَرَضَ لَكَ قَضَاءٌ؟» قَالَ: اقْضِي بِكِتَابِ اللَّهِ قَالَ: «فَإِنْ لَمْ تَجِدْ فِي كِتَابِ اللَّهِ؟» قَالَ: اقْضِي بِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ قَالَ: «فَإِنْ لَمْ تَجِدْ فِي سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ؟» قَالَ: أَجْتَهِدُ رَأْيِي وَلَا آلُو قَالَ: فَضَرَبَ بِيَدِهِ فِي صَدْرِي وَقَالَ: «الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَفَّقَ رَسُولَ رَسُولِ اللَّهِ لَمَّا يُرْضِي رَسُولَ اللَّهِ»

أنا الْحَسَنُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ , أنا دَعْلَجُ بْنُ أَحْمَدَ , نا الْحَسَنُ بْنُ الْمُثَنَّى الْعَنْبَرِيُّ , بِالْبَصْرَةِ , نا عَفَّانُ , نا شُعْبَةُ , أَخْبَرَنِي أَبُو عَوْنٍ , قَالَ: سَمِعْتُ الْحَارِثَ بْنَ عَمْرٍو ابْنُ أَخِي الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ , يُحَدِّثُ عَنْ أُنَاسٍ , مِنْ أَصْحَابِ مُعَاذٍ , عَنْ مُعَاذٍ , أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ حِينَ بَعَثَهُ إِلَى الْيَمَنِ: «§كَيْفَ تَقْضِي إِنْ عَرَضَ لَكَ قَضَاءٌ؟» قَالَ: أَقْضِي بِمَا فِي كِتَابِ اللَّهِ قَالَ: «فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي كِتَابِ اللَّهِ؟» قَالَ: فَفِي سَنَةِ -[471]- رَسُولِ اللَّهِ قَالَ: «فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي سَنَةِ رَسُولِ اللَّهِ؟» قَالَ: أَجْتَهِدُ رَأْيِي لَا آلُو قَالَ: فَضَرَبَ - يَعْنِي صَدْرَهُ - وَقَالَ: «الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَفَّقَ رَسُولَ رَسُولِ اللَّهِ لَمَّا يُرْضِي رَسُولَ اللَّهِ»

وَأَنَا الْحَسَنُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ , أنا دَعْلَجُ , نا الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ , أنا حَبَّانُ , نا ابْنُ الْمُبَارَكِ , أنا شُعْبَةُ , عَنْ أَبِي عَوْنٍ , عَنِ الْحَارِثِ بْنِ عَمْرٍو ابْنِ أَخِي مُغِيرَةَ بْنِ شُعْبَةَ , عَنْ رِجَالٍ , مِنْ أَهْلِ حِمْصٍ مِنْ أَصْحَابِ مُعَاذٍ , قَالُوا: قَالَ مُعَاذٌ: بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْيَمَنِ فَقَالَ: §«إِذَا عَرَضَ لَكَ قَضَاءٌ , كَيْفَ تَقْضِي؟» قُلْتُ: أَقْضِي بِكِتَابِ اللَّهِ قَالَ: «فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي كِتَابِ اللَّهِ؟» قَالَ: فَبِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ قَالَ: «فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي سَنَةِ رَسُولِ اللَّهِ؟» قَالَ: أَجْتَهِدُ رَأْيِي , لَا آلُو قَالَ: فَضَرَبَ صَدْرَهُ وَقَالَ: «الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَفَّقَ رَسُولَ رَسُولِ اللَّهِ لَمَّا يُرْضِي رَسُولَ اللَّهِ»

أنا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ التَّمِيمِيُّ , أنا أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ حَمْدَانَ , نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ , حَدَّثَنِي أَبِي , نا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ , نا شُعْبَةُ , عَنْ أَبِي عَوْنٍ , عَنِ الْحَارِثِ بْنِ عَمْرٍو ابْنِ أَخِي الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ , عَنْ نَاسٍ , مِنْ أَصْحَابِ مُعَاذٍ , مِنْ أَهْلِ حِمْصٍ , عَنْ مُعَاذٍ , أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ بَعَثَهُ إِلَى الْيَمَنِ قَالَ: «§كَيْفَ تَصْنَعُ إِنْ عَرَضَ لَكَ قَضَاءٌ؟» قَالَ: أَقْضِي بِمَا فِي كِتَابِ اللَّهِ قَالَ: «فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي كِتَابِ اللَّهِ؟» قَالَ: فَبِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ قَالَ: «فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي سَنَةِ رَسُولِ اللَّهِ؟» قَالَ: أَجْتَهِدُ رَأْيِي لَا آلُو قَالَ: فَضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَدْرِي , ثُمَّ قَالَ: «الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَفَّقَ رَسُولَ -[472]- رَسُولِ اللَّهِ لَمَّا يُرْضِي رَسُولَ اللَّهِ» أنا الْقَاضِي أَبُو عُمَرَ الْهَاشِمِيُّ , نا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ اللُّؤْلُؤِيُّ , نا أَبُو دَاوُدَ , نا مُسَدَّدٌ , نا يَحْيَى , عَنْ شُعْبَةَ , قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو عَوْنٍ , عَنِ الْحَارِثِ بْنِ عَمْرٍو , عَنْ نَاسٍ , مِنْ أَصْحَابِ مُعَاذٍ , عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ , أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , لَمَّا بَعَثَهُ إِلَى الْيَمَنِ , فَذَكَرَ مَعْنَاهُ فَإِنِ اعْتَرَضَ الْمُخَالِفُ بِأَنْ قَالَ: لَا يَصِحُّ هَذَا الْخَبَرُ , لِأَنَّهُ يُرْوَى عَنْ أُنَاسٍ مِنْ أَهْلِ حِمْصٍ لَمْ يُسَمَّوْا فَهُمْ مَجَاهِيلٌ , فَالْجَوَابُ: أَنَّ قَوْلَ الْحَارِثِ بْنِ عَمْرٍو , عَنْ أُنَاسٍ مِنْ أَهْلِ حِمْصٍ مِنْ أَصْحَابِ مُعَاذٍ , يَدُلُّ عَلَى شُهْرَةِ الْحَدِيثِ , وَكَثْرَةِ رُوَاتِهِ , وَقَدْ عُرِفَ فَضْلُ مُعَاذٍ وَزُهْدُهُ , وَالظَّاهِرُ مِنْ حَالِ أَصْحَابِهِ الدِّينُ وَالثِّقَةُ وَالزُّهْدُ وَالصَّلَاحُ , وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ عُبَادَةَ بْنَ نُسَيٍّ رَوَاهُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ غَنْمٍ , عَنْ مُعَاذٍ , وَهَذَا إِسْنَادٌ مُتَّصِلٌ , وَرِجَالُهُ مَعْرُوفُونَ بِالثِّقَةِ , عَلَى أَنَّ أَهْلَ الْعِلْمِ قَدْ تَقَبَّلُوهُ وَاحْتَجُّوا بِهِ , فَوَقَفْنَا بِذَلِكَ عَلَى صِحَّتِهِ عِنْدَهُمْ كَمَا وَقَفْنَا عَلَى صِحَّةِ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ , وَقَوْلِهِ فِي الْبَحْرِ: هُوَ -[473]- الطُّهُورُ مَاؤُهُ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ , وَقَوْلِهِ: إِذَا اخْتَلَفَ الْمُتَبَايِعَانِ فِي الثَّمَنِ وَالسِّلْعَةُ قَائِمَةٌ تَحَالَفَا وَتَرَادَّا الْبَيْعَ , وَقَوْلِهِ: الدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ , وَإِنْ كَانَتْ هَذِهِ الْأَحَادِيثُ لَا تَثْبُتُ مِنْ جِهَةِ الْإِسْنَادِ , لَكِنْ لَمَّا تَلَقَّتْهَا الْكَافَّةُ عَنِ الْكَافَّةِ غَنَوْا بِصِحَّتِهَا عِنْدَهُمْ عَنْ طَلَبِ الْإِسْنَادِ لَهَا , فَكَذَلِكَ حَدِيثُ مُعَاذٍ , لَمَّا احْتَجُّوا بِهِ جَمِيعًا غَنَوْا عَنْ طَلَبِ الْإِسْنَادِ لَهُ فَإِنْ قَالَ: هَذَا مِنْ أَخْبَارِ الْآحَادِ لَا يَصِحُّ الِاحْتِجَاجُ بِهِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَالْجَوَابُ: أَنَّ هَذَا أَشْهُرُ وَأَثْبَتُ مِنْ قَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -[474]-: لَا تَجْتَمِعُ أُمَّتِي عَلَى ضَلَالَةٍ , فَإِذَا احْتَجَّ الْمُخَالِفُ بِذَلِكَ فِي صِحَّةِ الْإِجْمَاعِ , كَانَ هَذَا أَوْلَى وَجَوَابٌ آخَرُ , وَهُوَ: أَنَّ خَبَرَ الْوَاحِدِ جَائِزٌ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ , لِأَنَّهُ إِذَا جَازَ تَثْبِيتُ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ مِثْلَ: تَحْلِيلٍ , وَتَحْرِيمٍ , وَإِيجَابٍ , وَإِسْقَاطٍ , وَتَصْحِيحٍ , وَإِبْطَالٍ , وَإِقَامَةِ حَدٍّ بِضَرْبٍ , وَقَطْعٍ , وَقَتْلٍ , وَاسْتِبَاحَةِ فَرْجٍ , وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ , وَكَانَ الْقِيَاسُ أَوْلَى , لِأَنَّ الْقِيَاسَ طَرِيقٌ لِهَذِهِ الْأَحْكَامِ , وَهِيَ الْمَقْصُودَةُ دُونَ الطَّرِيقِ وَهَذَا وَاضِحٌ لَا إِشْكَالَ فِيهِ

يَدُلُّ عَلَى ثُبُوتِ الْقِيَاسِ أَيْضًا مَا: أنا الْقَاضِي أَبُو عُمَرَ الْقَاسِمُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ عَبْدِ الْوَاحِدِ الْهَاشِمِيُّ , نا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحُسَيْنُ بْنُ يَحْيَى بْنِ عَيَّاشٍ الْمُتُوثِيُّ , نا عَلِيُّ بْنُ مُسْلِمٍ , نا أَبُو عَامِرٍ , عَنْ أَبِي مُصْعَبٍ , عَنْ يَزِيدَ بْنِ الْهَادِ , عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ , عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ , عَنْ أَبِي قَيْسٍ , مَوْلَى عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ , عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ , أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: §«إِذَا حَكَمَ الْحَاكِمُ فَاجْتَهَدَ , ثُمَّ أَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانٍ , وَإِذَا حَكَمَ فَأَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ»

أنا الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحَرَشِيُّ , نا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْأَصَمُّ قَالَ: أنا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ , أنا الشَّافِعِيُّ , أنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ , عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْهَادِ , عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ , عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ , عَنْ أَبِي قَيْسٍ , مَوْلَى عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ , عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ , أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: §«إِذَا حَكَمَ الْحَاكِمُ فَاجْتَهَدَ فَأَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ , وَإِذَا حَكَمَ فَاجْتَهَدَ فَأَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ» قَالَ يَزِيدُ بْنُ الْهَادِ: فَحَدَّثْتُ بِهَذَا الْحَدِيثِ أَبَا بَكْرِ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ , فَقَالَ: هَكَذَا حَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ , عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لِلْمُخْطِئِ فِيمَا أَخْطَأَ أَجْرٌ وَهُوَ إِلَى أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ إِثْمٌ أَقْرَبُ لِتَوَانِيهِ وَتَفْرِيطِهِ فِي الِاجْتِهَادِ حَتَّى أَخْطَأَ؟ فَالْجَوَابُ: أَنَّ هَذَا غَلَطٌ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , لَمْ يَجْعَلْ لِلْمُخْطِئِ أَجْرًا عَلَى خَطَئِهِ , وَإِنَّمَا جَعَلَ لَهُ أَجْرًا عَلَى اجْتِهَادِهِ , وَعَفَا عَنْ خَطَئِهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْهُ , وَأَمَّا الْمُصِيبُ فَلَهُ أَجْرٌ عَلَى اجْتِهَادِهِ , وَأَجْرٌ عَلَى إِصَابَتِهِ فَإِنْ قَالَ الْمُخَالِفُ: إِنَّمَا يَكُونُ الِاجْتِهَادُ فِي تَأْوِيلِ لَفْظٍ وَبِنَاءِ لَفْظٍ عَلَى لَفْظٍ دُونَ الْقِيَاسِ -[476]- قُلْنَا: وَالْقِيَاسُ مِنْ جُمْلَةِ الِاجْتِهَادِ , فَيُحْمَلُ الْخَبَرُ عَلَى الْجَمِيعِ

أنا أَبُو الْقَاسِمِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى بْنِ مُوسَى الْبَزَّازُ , وَأَبُو الْحُسَيْنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بِشْرَانَ الْمُعَدِّلُ قَالَا: أنا أَبُو الْحَسَنِ , عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ الْمِصْرِيُّ , نا مُحَمَّدُ بْنُ الرَّبِيعِ بْنِ بِلَالٍ هُوَ الْعَامِرِيُّ نا إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي الْفَيَّاضِ , نا سُلَيْمَانُ بْنُ بَزِيعٍ , عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ , عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ , عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ , عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ , قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ: الْأَمْرُ يَنْزِلُ بِنَا بَعْدَكَ لَمْ يَنْزِلْ فِيهِ قُرْآنٌ وَلَمْ يُسْمَعْ مِنْكَ فِيهِ شَيْءٌ؟ قَالَ: §«اجْمَعُوا لَهُ الْعَابِدِينَ مِنْ أُمَّتِي , وَاجْعَلُوهُ شُورَى بَيْنَكُمْ وَلَا تَقْضُوهُ بِرَأْيٍ وَاحِدٍ»

أنا أَبُو طَالِبٍ , مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُكَيْرٍ التَّاجِرُ , أنا أَبُو الْفَتْحِ , مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ أَحْمَدَ الْأَزْدِيُّ الْمَوْصِلِيُّ , نا عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْهَيْثَمِ الْبَلَدِيُّ , نا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكِنْدِيُّ , بِالْفُسْطَاطِ , نا أَسَدُ بْنُ مُوسَى , حَدَّثَنَا شُعْبَةُ , عَنْ زُبَيْدٍ الْيَامِيُّ , -[477]- عَنْ طَلْحَةَ بْنِ مُصَرِّفٍ , عَنْ مُرَّةَ , عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ , قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: §«كُلُّ قَوْمٍ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ أَمْرِهِمْ , وَمَصْلَحَةٍ فِي أَنْفُسِهِمْ يَرْزُونَ عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ , وَيُعْرَفُ الْحَقُّ بِالْمُقَايَسَةِ عِنْدَ ذَوِي الْأَلْبَابِ»

أنا أَبُو عُمَرَ عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَهْدِيٍّ , أنا أَبُو بَكْرٍ , مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ يَعْقُوبَ بْنِ شَيْبَةَ , نا جَدِّي , قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو الْوَلِيدِ , هِشَامُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ , ونا أَبُو النَّضْرِ , هَاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ , ونا مُوسَى بْنُ دَاوُدَ , قَالُوا: نا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ , عَنْ بُكَيْرِ بْنِ الْأَشَجِّ , - وَقَالَ أَبُو النَّضْرٍ بُكَيْرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْأَشَجِّ - , عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ , عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ , أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ , قَالَ: هَشَشْتُ فَقَبَّلْتُ وَأَنَا صَائِمٌ , فَجِئْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَقُلْتُ: لَقَدْ صَنَعْتُ الْيَوْمَ أَمْرًا عَظِيمًا قَالَ: «وَمَا هُوَ؟» قَالَ: قَبَّلْتُ وَأَنَا صَائِمٌ , فَقَالَ: «§أَرَأَيْتَ لَوْ مَضْمَضْتَ مِنَ الْمَاءِ؟» فَقُلْتُ: إِذًا لَا يَضُرُّنِي , - وَقَالَ مُوسَى بْنُ دَاوُدَ - فَقُلْتُ: لَا بَأْسَ بِهِ قَالَ: فَفِمَ , - وَقَالَ أَبُو النَّضْرِ - قَالَ: فَفِيمَ , أَيْ لَا بَأْسَ بِهَا -[478]- قَدْ تَبَيَّنَ فِي هَذَا الْخَبَرِ , أَنَّ عُمَرَ لَمْ يَكُنْ يَشُكُّ أَنَّ الْقُبْلَةَ مُحَرَّمَةٌ فِي الصَّوْمِ , وَلِذَلِكَ اسْتَعْظَمَ فِعْلَهُ إِيَّاهَا , وَلَمْ يَأْتِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْأَلُهُ أَذَلِكَ مُبَاحٌ أَمْ مَحْظُورٌ , وَإِنَّمَا جَاءَ يَسْأَلُهُ عَمَّا يَجِبُ عَلَيْهِ مِنْ فِعْلِهِ , وَلَمْ يَكُنْ تَقَدَّمَ فِي الْقُبْلَةِ نَصُّ كِتَابٍ وَلَا سُنَّةٍ , فَلَمْ يَكُنْ تَحْرِيمُهَا عِنْدَ عُمَرَ إِلَّا اجْتِهَادًا , بِأَنْ جَعَلَهَا فِي مَعْنَى الْوَطْئِ الْمَحْظُورِ فِي الصِّيَامِ , لِأَنَّ الْقُبْلَةَ الْتِذَاذٌ بِالْمَرْأَةِ كَمَا أَنَّ الْجِمَاعَ الْتِذَاذٌ بِهَا , فَلَمَّا كَانَتْ إِحْدَى اللَّذَّتَيْنِ مُحَرَّمَةٌ نَصًّا فِي الصَّوْمِ جَعَلَ عُمَرُ حُكْمَ اللَّذَّةِ الثَّانِيَةِ حُكْمَ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهَا , فَعَرَّفَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَلَطَهُ فِي اجْتِهَادِهِ , وَأَنَّ الْقُبْلَةَ مُبَاحَةٌ وَأَوْضَحَ لَهُ الْمَعْنَى بِتَشْبِيهِهِ بِالْمَضْمَضَةِ لِأَنَّ شُرْبَ الصَّائِمِ الْمَاءَ حَرَامٌ وَهُوَ وُصُولُ الْمَاءِ إِلَى بَاطِنِ بَدَنِهِ وَالْمَضْمَضَةُ مُبَاحَةٌ , لِأَنَّ ذَلِكَ ظَاهَرُ الْبُدَنِ , فَلَمْ يَكُنْ ظَاهِرُ الْبُدَنِ قِيَاسَ بَاطِنِهِ , وَكَذَلِكَ الْجِمَاعُ الْمَحْظُورُ , إِنَّمَا هُوَ مُبَاشَرَةُ بَدَنِهِ لِبَاطِنِ بَدَنِهَا لِلَذَّةٍ , فَلَيْسَ مُبَاشَرَتُهُ لَهَا بِظَاهِرِ بَدَنِهَا قِيَاسُ ذَلِكَ , كَمَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ فِي وُصُولِ الْمَاءِ , غَيْرَ أَنَّ أَمْرَ الْمَضْمَضَةِ أَوْضَحُ فِي مُفَارَقَتِهِ لِلشُّرْبِ مِنَ الْقُبْلَةِ , أَلَا تَرَى أَنَّهُ قَدْ جَمَعَ بَيْنَ تَحْرِيمِ الْقُبْلَةِ وَالْجِمَاعِ فِي الْحَجِّ وَالِاعْتِكَافِ , وَلَمْ يَجْمَعْ بَيْنَ تَحْرِيمِ الْمَضْمَضَةِ وَبَيْنَ الشُّرْبِ فِي مَوْضِعٍ مِنَ الْمَوَاضِعِ فَعَرَفَ عُمَرُ الْأَوْضَحَ مِنْهَا , وَهُوَ الْمَضْمَضَةُ

أنا الْقَاضِي أَبُو عُمَرَ الْهَاشِمِيُّ , نا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ اللُّؤْلُؤِيُّ , نا أَبُو دَاوُدَ , نا مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْأَنْبَارِيُّ , نا وَكِيعٌ , عَنْ سُفْيَانَ , عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ مَرْثَدٍ , عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بُرَيْدَةَ , عَنْ أَبِيهِ , قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا بَعَثَ أَمِيرًا عَلَى سَرِيَّةٍ أَوْ جَيْشٍ أَوْصَاهُ بِتَقْوَى اللَّهِ فِي خَاصَّةِ نَفْسِهِ , وَبِمَنْ مَعَهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ خَيْرًا , وَسَاقَ -[479]- الْحَدِيثَ إِلَى أَنْ قَالَ: §«وَإِذَا حَاصَرْتَ أَهْلَ حِصْنٍ فَأَرَادُوكَ أَنْ تُنْزِلَهُمُ عَلَى حُكْمِ اللَّهِ فَلَا تُنْزِلْهُمْ , فَإِنَّكُمْ لَا تَدْرُونَ مَا يَحْكُمُ اللَّهُ فِيهِمْ , وَلَكِنْ أَنْزِلُوهُمْ عَلَى حُكْمِكُمْ , ثُمَّ اقْضُوا فِيهِمْ بَعْدَ مَا شِئْتُمْ» فَقَدْ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْأَمِيرَ بِأَنْ يُنْزِلَ الْعَدُوَّ عَلَى حُكْمِهِ , وَعَلِمَ أَنَّ ذَلِكَ إِنَّمَا يَكُونُ مِنْ جِهَةِ الِاجْتِهَادِ , لَا مِنْ جِهَةِ النَّصِّ وَالتَّوْقِيفِ

أنا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ , مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ , أنا أَبُو بَكْرٍ , مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ الْعَبَّاسِ الْوَرَّاقُ , نا يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدٍ بْنُ صَاعِدٍ , نا أَبُو عُبَيْدٍ اللَّهِ الْمَخْزُومِيُّ , نا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ , عَنْ أَيُّوبَ السَّخْتِيَانِيِّ , عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ , عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ الْأَنْصَارِيَّةِ , قَالَتْ: لَمَّا مَاتَتِ ابْنَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: §«اغْسِلْنَهَا ثَلَاثًا أَوْ خَمْسًا أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ , إِنْ رَأَيْتُنَّ ذَلِكَ , بِمَاءٍ وَسِدْرٍ , وَاجْعَلْنَ فِي الْآخِرَةِ كَافُورًا أَوْ شَيْئًا مِنْ كَافُورٍ , فَإِذَا فَرَغْتُنَّ فَآذِنَّنِي» فَلَمَّا فَرَغْنَا آذَنَّاهُ , فَأَعْطَانَا حَقْوَهُ , فَقَالَ: «أَشْعِرْنَهَا إِيَّاهُ» -[480]- قُلْتُ: وَغُسْلُ الْمَيِّتِ فَرْضٌ , وَقَدْ جَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْأَمْرَ فِيهِ إِلَى اجْتِهَادِ مَنْ وَلِيَ الْغُسْلَ وَرَأْيِهِ، وَقَد حَكَمَ جَمَاعَةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ بِاجْتِهَادِهِمْ فِي وَقْتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَلَمْ يُنْكِرْ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ , وَلَا عَنَّفَ أَحَدًا مِنْهُمْ

أنا أَبُو عُثْمَانَ , سَعِيدُ بْنُ الْعَبَّاسِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْهَرَوِيُّ , أنا أَبُو الْحُسَيْنِ , مُحَمَّدُ بْنُ النَّضْرِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْمَوْصِلِيُّ بِبَغْدَادَ , نا أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ , نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَسْمَاءَ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ مُخَارِقٍ الضُّبَعِيِّ ابْنُ أَخِي جُوَيْرِيَةَ , نا جُوَيْرِيَةُ , عَنْ نَافِعٍ , عَنِ ابْنِ عُمَرَ , قَالَ: نَادَى فِينَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ انْصَرَفَ مِنَ الْأَحْزَابِ: §«لَا يُصَلِّيَنَّ أَحَدٌ الظُّهْرَ إِلَّا فِي بَنِي قُرَيْظَةِ» قَالَ: فَتَخَوَّفَ نَاسٌ فَوْتَ الْوَقْتِ , فَصَلُّوا دُونَ بَنِي قُرَيْظَةَ , وَقَالَ الْآخَرُونَ: لَا نُصَلِّي إِلَّا حَيْثُ أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَإِنْ فَاتَ الْوَقْتُ قَالَ: فَمَا عَنَّفَ وَاحِدًا مِنَ الْفَرِيقَيْنِ وَمِمَّنْ حَكَمَ بِاجْتِهَادِهِ فِي وَقْتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ

أنا أَبُو سَعِيدٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى الصَّيْرَفِيُّ , نا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْأَصَمُّ , نا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَفَّانَ الْعَامِرِيُّ الْكُوفِيُّ , نا عُبَيْدُ اللَّهِ يَعْنِي ابْنَ مُوسَى أنا دَاوُدُ الْأَوْدِيُّ , عَنِ الشَّعْبِيِّ , عَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ السُّوَائِيِّ , قَالَ: لَمَّا كَانَ عَلِيٌّ بِالْيَمَنِ , أَتَاهُ ثَلَاثَةُ نَفَرٍ يَحْتَقُّونَ , أَوْ قَالَ يَخْتَصِمُونَ فِي غُلَامٍ , فَقَالَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ هُوَ ابْنِي , فَأَقْرَعَ عَلِيٌّ بَيْنَهُمْ , فَجَعَلَ -[481]- الْوَلَدَ لِلْقَارِعِ , وَجَعَلَ عَلَيْهِ لِلرَّجُلَيْنِ ثُلُثَيِ الدِّيَةِ قَالَ: فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , §«فَضَحِكَ حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ مِنْ قَضَاءِ عَلِيٍّ»

أنا عَلِيُّ بْنُ الْقَاسِمِ الْبَصْرِيُّ , نا عَلِيُّ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْبَخْتَرِيِّ الْمَادِرَائِيُّ , نا أَحْمَدُ بْنُ حَازِمٍ الْغِفَارِيُّ أَبُو عَمْرٍو , نا بَكْرُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ , نا قَيْسٌ , نا الْأَجْلَحُ , عَنِ الشَّعْبِيِّ , وَعَنْ جَابِرٍ , عَنِ الشَّعْبِيِّ , عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْخَلِيلِ , عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ , قَالَ: قَضَى عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ بِالْيَمَنِ فِي ثَلَاثَةِ نَفَرٍ وَقَعُوا عَلَى امْرَأَةٍ فِي طُهْرٍ وَاحِدٍ , فَجَعَلَ يُخَيِّرُهُمْ وَاحِدًا وَاحِدًا , أَتَرْضَى أَنْ يَكُونَ الْوَلَدُ لِهَذَا , فَأَبَوْا , فَقَالَ: أَنْتُمْ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ , فَأَقْرَعَ بَيْنَهُمْ وَجَعَلَ الْوَلَدَ لِلَّذِي قَرَعَ , وَجَعَلَ عَلَيْهِ ثُلُثَيِ الدِّيَةِ لِلْآخَرَيْنِ , فَبَلَغَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ §«فَضَحِكَ حَتَّى بَدَتْ أَضْرَاسُهُ»

وَرَجُلَانِ مِنَ الْأَنْصَارِ أنا بِقَضِيَّتِهِمَا الْقَاضِي أَبُو عُمَرَ الْهَاشِمِيُّ , نا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ اللُّؤْلُؤِيُّ , نا أَبُو دَاوُدَ , نا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الْمُسَيَّبِيُّ , قَثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَافِعٍ , عَنِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ , عَنْ بَكْرِ بْنِ سَوَادَةَ , عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ , عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ , قَالَ: خَرَجَ رَجُلَانِ فِي سَفَرٍ فَحَضَرَتِ الصَّلَاةُ وَلَيْسَ مَعَهُمَا مَاءٌ , فَتَيَمَّمَا صَعِيدًا طَيِّبًا فَصَلَّيَا , ثُمَّ وَجَدَا الْمَاءَ فِي الْوَقْتِ , فَأَعَادَ أَحَدُهُمَا الصَّلَاةَ وَلَمْ يُعِدِ الْآخَرُ , ثُمَّ أَتَيَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَذَكَرَا ذَلِكَ , فَقَالَ لِلَّذِي لَمْ يُعِدْ: «§أَصَبْتَ السُّنَّةَ وَأَجْزَأَتْكَ صَلَاتُكَ» وَقَالَ لِلَّذِي تَوَضَّأَ وَأَعَادَ: «لَكَ الْأَجْرُ مَرَّتَيْنِ»

وَسَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ حَكَمَ فِي بَنِي قُرَيْظَةَ بِحَضْرَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -[483]- أنا أَبُو بَكْرٍ الْبُرْقَانِيُّ , قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى أَبِي الْعَبَّاسِ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ حَمْدَانَ غَيْرَ مَرَّةٍ , حَدَّثَكُمْ مُحَمَّدُ بْنُ أَيُّوبَ , أنا أَبُو الْوَلِيدِ الطَّيَالِسِيُّ , نا شُعْبَةُ بْنُ الْحَجَّاجِ , قَالَ: أَنْبَأَنِي سَعْدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ , قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا أُمَامَةَ بْنَ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ , يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ , أَنَّ أَهْلَ قُرَيْظَةَ نَزَلُوا عَلَى حُكْمِ سَعْدٍ , فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَقَالَ: §«قُومُوا إِلَى سَيِّدِكُمْ أَوْ خَيْرِكُمْ» فَقَعَدَ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَقَالَ: «إِنَّ هَؤُلَاءِ قَدْ نَزَلُوا عَلَى حُكْمِكَ» قَالَ: فَإِنِّي أَحْكُمُ أَنْ يُقْتَلَ مُقَاتِلَتُهُمْ وَيَسْبِي ذَرَارِيهُمْ , فَقَالَ: «لَقَدْ حَكَمْتَ بِمَا حَكَمَ بِهِ الْمَلِكُ» قُلْتُ: وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ , أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لَقَدْ حَكَمْتَ فِيهِمْ بِحُكْمِ اللَّهِ مِنْ فَوْقِ سَبْعَةِ أَرْقِعَةٍ

وَمُجَزَّرٌ الْمُدْلِجِيُّ الْقَائِفُ أنا الْبُرْقَانِيُّ , قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى عُمَرَ بْنِ بِشْرَانَ أَخْبَرَكُمْ حَامِدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ شُعَيْبٍ , نا مَنْصُورُ بْنُ أَبِي مُزَاحِمٍ , نا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ , عَنِ الزُّهْرِيِّ , عَنْ عُرْوَةَ , عَنْ عَائِشَةَ , قَالَتْ: دَخَلَ قَائِفٌ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَاهِدٌ , وَأُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ , وَزَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ مُضْطَجِعَانِ , فَقَالَ: §" إِنَّ هَذِهِ الْأَقْدَامُ بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ فَسَّرَ بِذَلِكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَأَعْجَبَهُ وَأَخْبَرَ بِهِ عَائِشَةَ -[484]- قُلْتُ: كَانَ زَيْدٌ أَبْيَضَ وَابْنُهُ أُسَامَةُ أَسْوَدَ , فَكَانَ فَرَحُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسُرُورُهُ , إِذْ شَبَّهَ الْقَائِفُ قَدَمَ أُسَامَةَ بِقَدَمِ زَيْدٍ وَأَلْحَقَ الْفَرْعَ بِنَظِيرِهِ مِنَ الْأَصْلِ , فَأَصَابَ فِي اجْتِهَادِهِ , وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يُسِرُّ إِلَّا بِالْحَقِّ وَقَدْ ثَبَتَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ أَخْبَرَ عَنْ حُكْمِ بَعْضِ أَنْبِيَاءِ اللَّهِ بِالِاجْتِهَادِ

أنا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ بْنِ دَوَسْتِ الْبَزَّازُ , أنا أَبُو عَلِيٍّ إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ الصَّفَّارُ , نا عَبْدُ الْكَرِيمِ بْنُ الْهَيْثَمِ , نا أَبُو الْيَمَانِ , أنا شُعَيْبٌ , نا أَبُو الزِّنَادِ , أَنَّ الْأَعْرَجَ , حَدَّثَهُ , أَنَّهُ , سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ , أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: §" بَيْنَمَا امْرَأَتَانِ مَعَهُمَا ابْنَاهُمَا جَاءَ الذِّئْبُ , فَذَهَبَ بِابْنِ إِحْدَاهُمَا , فَقَالَتْ: هَذِهِ لِصَاحِبَتِهَا , إِنَّمَا ذَهَبَ بِابْنِكِ , وَقَالَتِ الْأُخْرَى: إِنَّمَا ذَهَبَ بِابْنِكِ , فَتَحَاكَمَتَا إِلَى دَاوُدَ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ , فَقَضَى بِهِ لِلْكُبْرَى , فَخَرَجَتَا إِلَى سُلَيْمَانَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَأَخْبَرَتَاهُ , فَقَالَ: إِيْتُونِي بِالسِّكِّينِ أَشُقُّهُ بَيْنَكُمَا , فَقَالَتِ الصُّغْرَى: لَا تَفْعَلْ يَرْحَمُكَ اللَّهُ هُوَ ابْنُهَا , فَقَضَى بِهِ لِلصُّغْرَى " قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: وَاللَّهِ إِنْ سَمِعْتُ بِالسِّكِّينِ قَطُّ إِلَّا يَوْمَئِذٍ , وَمَا كُنَّا نَقُولُ إِلَّا الْمُدْيَةَ -[485]- قُلْتُ: إِنَّمَا قَالَتِ الصُّغْرَى هُوَ ابْنُ الْكُبْرَى إِشْفَاقًا عَلَى الطِّفْلِ أَنْ يُقْتَلَ , وَكَانَ وَلَدَهَا فَأَدْرَكَتْهَا الرِّقَةُ عَلَيْهِ , فَقَضَى بِهِ سُلَيْمَانُ لَهَا , وَقَالَ لِلْكُبْرَى: لَوْ كَانَ ابْنُكِ لَمْ تَطِبْ نَفْسُكِ بِشِقِّهِ وَفَى هَذَا الْخَبَرِ دَلِيلٌ أَنَّ دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ لَمْ يَحْكُمَا إِلَّا مِنْ جِهَةِ الِاجْتِهَادِ , لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مَا حَكَمَ بِهِ دَاوُدُ نَصًّا , لَمْ يَسَعْ سُلَيْمَانَ أَنْ يَحْكُمَ بِخِلَافِهِ , وَلَوْ كَانَ مَا حَكَمَ بِهِ سُلَيْمَانُ أَيْضًا نَصًّا , لَمْ يَخْفَ عَلَى دَاوُدَ وَفِيهِ دَلِيلٌ أَيْضًا أَنَّ الْحَقَّ فِي وَاحِدٍ , لِأَنَّ سُلَيْمَانَ لَوْ وَجَدَ مَسَاغًا أَنْ لَا يَنْقُضَ عَلَى دَاوُدَ حُكْمَهُ لَفَعَلَ , وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى الَّذِي ذَهَبَ إِلَيْهِ دَاوُدُ , أَنَّ الْمَرْأَتَيْنِ لَمَّا تَسَاوَتَا فِي الْيَدِ , وَلِإِحْدَاهُمَا فَضْلُ السِّنِّ قَدَّمَهَا لِأَجْلِ ذَلِكَ , وَذَهَبَ سُلَيْمَانُ إِلَى أَنَّ سِنَّهَا لَيْسَ بِدَلِيلٍ عَلَى أَنَّ الْوَلَدَ لَهَا , وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَهَذَا الْحَدِيثُ أَجْمَعَ أَهْلُ النَّقْلِ عَلَى ثُبُوتِهِ وَصِحَّتِهِ , وَذَهَبَ خَلْقٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَى أَنَّ حُكْمَ الْأَنْبِيَاءِ الْمُتَقَدِّمِينَ , يَجِبُ عَلَيْنَا اتِّبَاعُهُ , إِلَّا أَنْ يَأْتِيَ فِي شَرِيعَتِنَا مَا يَمْنَعُ مِنَ اسْتِعْمَالِهِ , وَالْإِجْمَاعُ مِنْ أَهْلِ مِلَّتِنَا قَدْ حَصَلَ أَنَّ هَذَا الْحُكْمَ لَا يَصِحُّ أَنْ يُحْكَمَ بِمِثْلِهِ فِي شَرِيعَتِنَا , فَتَرَكْنَاهُ لِلْإِجْمَاعِ , وَقَدْ أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ عَنْ حُكْمِ دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ فِي الْحَرْثِ لَمَّا نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ , وَأَنَّهُمَا اخْتَلَفَا فِي الْحُكُومَةِ , وَقِصَّتُهَا فِي ذَلِكَ شَبِيهُ الْقِصَّةِ الْمَذْكُورَةِ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ , عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , الَّذِي سُقْنَاهُ آنِفًا , وَأَنَّ حُكْمَهُمَا كَانَ مِنْ طَرِيقِ الِاجْتِهَادِ , دُونَ النَّصِّ وَالتَّوْقِيفِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ

ذكر ما روي عن الصحابة والتابعين في الحكم بالاجتهاد وطريق القياس

§ذِكْرُ مَا رُوِيَ عَنِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ فِي الْحُكْمِ بِالِاجْتِهَادِ وَطَرِيقِ الْقِيَاسِ

حَدَّثَنَا الشَّيْخُ الحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ أَحمد بن علي بن ثابت الخطيب البغدادي قال: أنا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ رِزْقٍ , أنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَلِيٍّ الْخُطَبِيُّ , نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ , حَدَّثَنِي أَبِي , نا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ , أنا عَاصِمٌ الْأَحْوَلُ , عَنِ الشَّعْبِيِّ , قَالَ: سُئِلَ أَبُو بَكْرٍ عَنِ الْكَلَالَةِ , فَقَالَ: §" إِنِّي سَأَقُولُ فِيهَا بِرَأْيِي , فَإِنْ يَكُ صَوَابًا فَمِنَ اللَّهِ , وَإِنْ يَكُنْ خَطَأً فَمِنِّي وَمِنَ الشَّيْطَانِ , أُرَاهُ: مَا خَلَا الْوَلَدَ وَالْوَالِدَ " , فَلَمَّا اسْتُخْلِفَ عُمَرُ قَالَ: إِنِّي لَأَسْتَحِي مِنَ اللَّهِ , أَنْ أَرُدَّ شَيْئًا قَالَهُ أَبُو بَكْرٍ "

نا عَلِيُّ بْنُ أَبِي عَلِيٍّ الْبَصْرِيُّ , أنا مُوسَى بْنُ عِيسَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ السَّرَّاجُ , نا مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُلَيْمَانَ الْبَاغَنْدِيُّ , نا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يُونُسَ , نا عُمَرُ بْنُ أَيُّوبَ , أنا عِيسَى بْنُ الْمُسَيِّبِ , -[491]- عَنْ عَامِرٍ , عَنْ شُرَيْحٍ الْقَاضِي , قَالَ: قَالَ لِي عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: §«أَنِ اقْضِ , بِمَا اسْتَبَانَ لَكَ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ , فَإِنْ لَمْ تَعْلَمْ كُلَّ كِتَابِ اللَّهِ , فَاقْضِ بِمَا اسْتَبَانَ لَكَ مِنْ قَضَاءِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَإِنْ لَمْ تَعْلَمْ كُلَّ قَضِيَّةِ رَسُولِ اللَّهِ فَاقْضِ بِمَا اسْتَبَانَ لَكَ مِنْ أَئِمَّةِ الْمُهْتَدِينَ , فَإِنْ لَمْ تَعْلَمْ كُلَّ مَا قَضَتْ بِهِ أَئِمَّةُ الْمُهْتَدِينَ فَاجْتَهِدْ رَأْيَكَ , وَاسْتَشِرْ أَهْلَ الْعِلْمِ وَالصَّلَاحِ»

أنا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ رِزْقٍ , أنا دَعْلَجُ بْنُ أَحْمَدَ , نا أَبُو أَحْمَدَ بْنُ عَبْدُوسٍ , نا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ , أنا شُعْبَةُ , عَنْ سَيَّارٍ , عَنِ الشَّعْبِيِّ , قَالَ: أَخَذَ عُمَرُ فَرَسًا مِنْ رَجُلٍ عَلَى سَوْمٍ , فَحَمَلَ عَلَيْهِ فَعَطَبَ فَخَاصَمَهُ الرَّجُلُ , فَقَالَ عُمَرُ: «اجْعَلْ بَيْنِي وَبَيْنَكَ رَجُلًا» , فَقَالَ الرَّجُلُ: فَإِنِّي أَرْضَى بِشُرَيْحٍ الْعِرَاقِيِّ , فَقَالَ شُرَيْحٌ: أَخَذْتَهُ صَحِيحًا مُسَلَّمًا , فَأَنْتَ لَهُ ضَامِنٌ حَتَّى تَرُدَّهُ صَحِيحًا مُسَلَّمًا قَالَ: فَكَأَنَّهُ أَعْجَبَهُ , فَبَعَثَهُ قَاضِيًا , وَقَالَ: §«مَا اسْتَبَانَ لَكَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَلَا تَسْأَلْ عَنْهُ , فَإِنْ لَمْ يَسْتَبِنْ فِي كِتَابِ اللَّهِ , فَمِنَ السُّنَّةِ , فَإِنْ لَمْ تَجِدْهُ فِي السُّنَّةِ , فَاجْتَهِدْ رَأْيَكَ»

أنا أَبُو نُعَيْمٍ الْحَافِظُ , نا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَسَنِ الصَّوَّافُ , نا بِشْرُ بْنُ مُوسَى , نا الْحُمَيْدِيُّ , نا سُفْيَانُ , نا الشَّيْبَانِيُّ , عَنِ الشَّعْبِيِّ , قَالَ: كَتَبَ عُمَرُ إِلَى شُرَيْحٍ: §«إِذَا حَضَرَكَ أَمْرٌ لَا بُدَّ مِنْهُ فَانْظُرْ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَاقْضِ بِهِ , فَإِنْ لَمْ يَكُنْ , فَبِمَا قَضَى بِهِ الرَّسُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَإِنْ لَمْ يَكُنْ , فَبِمَا قَضَى بِهِ الصَّالِحُونَ وَأَئِمَّةُ الْعَدْلِ , فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَأَنْتَ بِالْخِيَارِ فَإِنْ شِئْتَ أَنْ تَجْتَهِدَ رَأْيَكَ , فَاجْتَهِدْ رَأْيَكَ , وَإِنْ شِئْتَ أَنْ تُؤَامِرَنِيَ فَآمِرْنِي , وَلَا أَرَى مُؤَامَرَتَكَ إِيَّايَ إِلَّا خَيْرًا لَكَ , وَالسَّلَامُ»

أنا الْحَسَنُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ , أنا أَبُو سَهْلٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنَ زِيَادٍ الْقَطَّانُ , نا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي الشَّوَارِبِ , نا إِبْرَاهِيمُ بْنُ بَشَّارٍ , نا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ , نا إِدْرِيسُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنِ إِدْرِيسَ قَالَ: أَتَيْتُ سَعِيدَ بْنَ أَبِي بُرْدَةَ , فَسَأَلْتُهُ عَنْ رَسَائِلَ , عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ الَّتِي كَانَ يَكْتُبُ بِهَا إِلَى أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ , وَكَانَ أَبُو مُوسَى قَدْ أَوْصَى إِلَى أَبِي بُرْدَةَ , فَأَخْرَجَ إِلَيَّ كُتُبًا , فَرَأَيْتُ فِيَ كِتَابٍ مِنْهَا: أَمَّا بَعْدُ: §" فَإِنَّ الْقَضَاءَ فَرِيضَةٌ مُحْكَمَةٌ , وَسُنَّةٌ مُتَّبَعَةٌ , فَافْهَمْ إِذَا أُدْلِيَ إِلَيْكَ , فَإِنَّهُ لَا يَنْفَعُ تَكَلُّمٌ بِحَقٍّ لَا نَفَاذَ لَهُ , آسِ بَيْنَ الِاثْنَيْنِ فِي مَجْلِسِكَ وَوَجْهِكَ , حَتَّى لَا يَطْمَعَ شَرِيفٌ فِي حَيْفِكَ وَلَا يَيْأَسَ وَضِيعٌ - -[493]- وَرُبَّمَا قَالَ: ضَعِيفٌ - مِنْ عَدْلِكَ , الْفَهْمَ الْفَهْمَ فِيمَا يَنْخَلِجُ فِي صَدْرِكَ - وَرُبَّمَا قَالَ: فِي نَفْسِكَ - وَيُشْكِلُ عَلَيْكَ مَا لَمْ يَنْزِلْ فِي الْكِتَابِ وَلَمْ تَجْرِ بِهِ سُنَّةٌ , وَاعْرِفِ الْأَشْبَاهَ وَالْأَمْثَالَ , ثُمَّ قِسِ الْأُمُورَ بَعْضَهَا بِبَعْضٍ وَانْظُرْ أَقْرَبُهَا إِلَى اللَّهِ , وَأَشْبَهَهَا بِالْحَقِّ فَاتَّبِعْهُ "

أنا أَبُو نُعَيْمٍ , نا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَسَنِ , نا بِشْرُ بْنُ مُوسَى , نا الْحُمَيْدِيُّ , نا سُفْيَانُ , نا الْأَعْمَشُ , عَنْ عُمَارَةَ بْنِ عُمَيْرٍ , عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ , قَالَ: كَثُرَ النَّاسُ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ يَسْأَلُونَهُ , فَقَالَ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّهُ قَدْ §أَتَى عَلَيْنَا زَمَانٌ لَسْنَا نَقْضِي وَلَسْنَا هُنَاكَ , وَإِنَّهُ قَدْ قُدِّرَ أَنْ بَلَغَنَا مِنَ الْأَمْرِ مَا تَرَوْنَ , فَمَنِ ابْتُلِيَ مِنْكُمْ بِقَضَاءٍ , فَلْيَقْضِ بِمَا فِي كِتَابِ اللَّهِ , فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي كِتَابِ اللَّهِ , فَلْيَقْضِ بِمَا قَضَى بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي كِتَابِ اللَّهِ وَلَا فِي قَضَاءِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَلْيَقْضِ بِمَا قَضَى بِهِ الصَّالِحُونَ , فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي كِتَابِ اللَّهِ , وَلَا فِي قَضَاءِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَلَا فِيمَا قَضَى بِهِ الصَّالِحُونَ فَلْيَجْتَهِدْ رَأْيَهُ , وَلَا يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ إِنِّي أَخَافُ وَإِنِّي أَرَى , فَإِنَّ الْحَلَالَ بَيِّنٌ , وَالْحَرَامَ بَيِّنٌ , وَشُبُهَاتٌ بَيْنَ ذَلِكَ , فَدَعْ مَا يُرِيبُكَ إِلَى مَالَا يُرِيبُكَ»

أنا أَبُو بَكْرٍ الْبُرْقَانِيُّ , قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ سُلَيْمَانَ النَّخَّاسِ , أَخْبَرَكُمْ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْبَصَلَانِيُّ , نا بُنْدَارٌ , نا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ , عَنْ شُعْبَةَ , عَنْ سُلَيْمَانَ: هُوَ الْأَعْمَشُ - عَنْ عُمَارَةَ بْنِ عُمَيْرٍ قَالَ سُلَيْمَانُ , عَنْ حُرَيْثِ بْنِ ظُهَيْرٍ: أَحْسِبُ قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: " لَقَدْ §أَتَى عَلَيْنَا حِينٌ وَمَا نَحْنُ هُنَاكَ , وَإِنَّ اللَّهَ قَضَى أَنَّ نَبْلُغَ مَا تَرَوْنَ , فَمَنْ عَرَضَ لَهُ قَضَاءٌ فَلْيَقْضِ بِمَا فِي كِتَابِ اللَّهِ , فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَفِي سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي كِتَابِ اللَّهِ وَلَا فِي سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ فَفِيمَا اسْتَنَّ الصَّالِحُونَ , فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي كِتَابِ اللَّهِ , وَلَا فِي سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَلَا فِيمَا اسْتَنَّ الصَّالِحُونَ فَلْيَجْتَهِدْ رَأْيَهُ , وَلَا يَقُولَنَّ: أَخَافُ وَأَخْشَى , فَإِنَّ الْحَلَالَ بَيِّنٌ وَالْحَرَامَ بَيِّنٌ , وَبَيْنَ ذَلِكَ أُمُورٌ مُشْتَبِهَاتٌ , فَدَعْ مَا يَرِيبُكَ إِلَى مَا لَا يَرِيبُكَ "

أنا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي طَاهِرٍ الدَّقَّاقُ , أنا أَبُو الْحَسَنِ , عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الزُّبَيْرِ الْكُوفِيُّ , نا إِبْرَاهِيمُ بْنُ إِسْحَاقَ الزُّهْرِيُّ , نا جَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ , عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمَسْعُودِيِّ , وَأَنَا أَبُو نُعَيْمٍ , نا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَسَنِ , نا بِشْرُ بْنُ مُوسَى , نا الْحُمَيْدِيُّ , نا سُفْيَانُ , عَنِ الْمَسْعُودِيِّ , عَنِ الْقَاسِمِ هُوَ ابْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ - زَادَ أَبُو نُعَيْمٍ: ابْنَ مَسْعُودٍ - ثُمَّ -[495]- اتَّفَقَا: §«إِذَا حَضَرَكَ أَمْرٌ لَا بُدَّ مِنْهُ فَاقْضِ بِمَا فِي كِتَابِ اللَّهِ , فَإِنْ عَيِيتَ فَبِمَا قَضَى بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» وَقَالَ أَبُو نُعَيْمٍ: الرَّسُولُ - «فَإِنْ عَيِيتَ فَبِمَا قَضَى بِهِ الصَّالِحُونَ» - وَقَالَ أَبُو نُعَيْمٍ: أَئِمَّةُ الْعَدْلِ ثُمَّ اتَّفَقَا - «فَإِنْ عَيِيتَ فَاجْتَهِدْ» - وَقَالَ أَبُو نُعَيْمٍ: فَأُمَّ قَالَا جَمِيعًا -: «فَإِنْ عَيِيتَ فَأَقْرِرْ» - زَادَ أَبُو نُعَيْمٍ: وَلَا تَسْتَحِي -

أنا ابْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ , أنا دَعْلَجُ بْنُ أَحْمَدَ , أنا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ الصَّائِغُ , أَنَّ سَعِيدَ بْنَ مَنْصُورٍ , حَدَّثَهُمْ قَالَ: نا هُشَيْمٌ , أنا مُغِيرَةُ , عَنْ إِبْرَاهِيمَ , عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ , أَنَّهُ أُتِيَ فِي رَجُلٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةً وَلَمْ يَفْرِضْ لَهَا صَدَاقًا , فَمَاتَ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا , فَأَتَوْا ابْنَ مَسْعُودٍ , فَقَالَ: الْتَمِسُوا فَلَعَلَّكُمْ أَنْ تَجِدُوا فِي ذَلِكَ أَثَرًا , فَأَتَوْا ابْنَ مَسْعُودٍ فَقَالُوا: قَدِ الْتَمَسْنَا فَلَمْ نَجِدْ , فَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: §«أَقُولُ فِيهَا بِرَأْيِي , فَإِنْ كَانَ صَوَابًا فَمِنَ اللَّهِ , أَرَى لَهَا مِثْلَ صَدَاقِ نِسَائِهَا , لَا وَكْسَ وَلَا شَطَطَ , وَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ وَلَهَا الْمِيرَاثُ» , فَقَامَ أَبُو سِنَانٍ الْأَشْجَعِيُّ فَقَالَ: قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي امْرَأَةٍ مِنَّا يُقَالُ لَهَا بِرْوَعُ بِنْتُ وَاشِقٍ , بِمِثْلِ مَا قُلْتَ , -[496]- فَفَرِحَ عَبْدُ اللَّهِ بِمُوَافَقَتِهِ قَضَاءَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ , نا هُشَيْمٌ , أنا سَيَّارٌ , وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ , وَدَاوُدُ , كُلُّهُمْ عَنِ الشَّعْبِيِّ , عَنْ عَبْدِ اللَّهِ , بِمِثْلِ ذَلِكَ , إِلَّا أَنَّهُمْ قَالُوا: قَامَ مَعْقِلُ بْنُ سِنَانٍ الْأَشْجَعِيُّ , فَقَالَ: أَشْهَدُ عَلَى النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَضَى بِمِثْلِ مَا قَضَيْتَ قَالَ هُشَيْمٌ: وَبِهِ نَأْخُذُ

أنا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ رِزْقٍ , أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَلِيٍّ الْخُطَبِيُّ , نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ , حَدَّثَنِي أَبِي , نا عَبْدُ الرَّحْمَنِ , نا سُفْيَانُ , وَيَزِيدُ , أنا سُفْيَانُ , عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْأَصْبَهَانِيِّ , عَنْ عِكْرِمَةَ , قَالَ: أَرْسَلَنِي ابْنُ عَبَّاسٍ إِلَى زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ , أَسْأَلُهُ عَنْ زَوْجٍ , وَأَبَوَيْنِ , فَقَالَ: §«لِلزَّوْجِ النِّصْفُ , وَلِلْأُمِّ ثُلُثُ مَا بَقَّى» قَالَ يَزِيدُ: لِلْأَبِ بَقِيَّةُ الْمَالِ , -[497]- فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لِلْأُمِّ الثُّلُثُ كَامِلًا قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ قَالَ: نَجِدُهُ فِي كِتَابِ اللَّهِ أَوْ تَقُولُهُ بِرَأْيِكَ؟ قَالَ: أَقُولُهُ بِرَأْيِي وَلَا أُفَضِّلُ أُمًّا عَلَى أَبٍ "

أنا أَبُو بَكْرٍ الْبُرْقَانِيُّ , أنا أَبُو الْفَضْلِ , مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَمِيرَوَيْهِ الْهَرَوِيُّ , أنا الْحُسَيْنُ بْنُ إِدْرِيسَ , نا ابْنُ عَمَّارٍ , نا سُفْيَانُ , ونا أَبُو طَالِبٍ , يَحْيَى بْنُ عَلِيِّ بْنِ الطَّيِّبِ الدُّسْكَرِيُّ بِحُلْوَانَ لَفْظًا , أنا أَبُو نَصْرٍ , أَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ حَمُّوَيْهِ النَّيْسَابُورِيُّ , أنا الْمُؤَمَّلُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ عِيسَى , نا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الصَّبَّاحِ الزَّعْفَرَانِيُّ , نا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ , عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي يَزِيدَ , قَالَ: كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ §«إِذَا سُئِلَ عَنِ الشَّيْءِ , فَإِنْ كَانَ فِي الْقُرْآنِ أَخْبَرَ بِهِ , وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْقُرْآنِ , وَكَانَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَ بِهِ , وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَكَانَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ أَخْبَرَ بِهِ , وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ اجْتَهَدَ فِيهِ رَأْيَهُ» -[498]- هَذَا لَفْظُ الدُّسْكَرِيِّ وَالْآخَرُ مَعْنَاهُ

أنا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُعَدِّلُ , أنا دَعْلَجُ بْنُ أَحْمَدَ , نا إِبْرَاهِيمُ بْنُ صَالِحٍ الشِّيرَازِيُّ , وَأَنَا أَبُو نُعَيْمٍ الْحَافِظُ , - وَاللَّفْظُ لَهُ - نا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَسَنِ , نا بِشْرُ بْنُ مُوسَى , نا الْحُمَيْدِيُّ , نا سُفْيَانُ , حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي يَزِيدَ , قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ , §«إِذَا سُئِلَ عَنِ الشَّيْءِ , فَإِنْ كَانَ فِي كِتَابِ اللَّهِ قَالَ بِهِ , فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي كِتَابِ اللَّهِ وَلَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَكَانَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ قَالَ بِهِ , فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي كِتَابِ اللَّهِ وَلَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَلَا عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ , اجْتَهَدَ رَأْيَهُ»

أنا الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ الْحِيرِيُّ , نا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْأَصَمُّ , نا أَبُو قِلَابَةَ الرَّقَاشِيُّ , نا الْفَضْلُ بْنُ الْفُضَيْلِ أَبُو عُبَيْدَةَ , حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ , وَأَنَا ابْنُ الْفَضْلِ , أنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ دَرَسْتُوَيْهِ , نا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ , نا ابْنُ نُمَيْرٍ , وَأَنَا أَبُو بِشْرٍ , مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ الْوَكِيلُ وَاللَّفْظُ لِحَدِيثِهِ , أنا عُمَرُ بْنُ أَحْمَدَ الْوَاعِظُ , نا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى بْنِ أَبِي حَيَّةَ , نا مُحَمَّدُ -[499]- بْنُ مُعَاوِيَةَ , قَالَا: نا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ , حَدَّثَنِي الْحَسَنُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ النَّخَعِيُّ , قَالَ: قُلْتُ لِإِبْرَاهِيمَ: أَكُلُّ مَا أَسْمَعُكَ تُفْتِي بِهِ سَمِعْتَهُ؟ فَقَالَ لِي: «لَا» , فَقُلْتُ: تُفْتِي بِمَا لَمْ تَسْمَعْ؟ فَقَالَ: §«سَمِعْتُ الَّذِيَ سَمِعْتُ , وَجَاءَنِي مَا لَمْ أَسْمَعْ فَقِسْتُهُ بِالَّذِي سَمِعْتُ»

أنا الْبُرْقَانِيُّ , أنا أَبُو الْفَضْلِ بْنُ خَمِيرَوَيْهِ , أنا الْحُسَيْنُ بْنُ إِدْرِيسَ , نا ابْنُ عَمَّارٍ , نا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ , عَنْ حَسَنِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ , قَالَ: قِيلَ لِإِبْرَاهِيمَ: تُفْتِي بِمَا لَمْ تَسْمَعْ؟ قَالَ: §«نُفْتِي بِمَا سَمِعْنَا , وَنَقِيسُ مَا لَمْ نَسْمَعْ بِمَا سَمِعْنَا»

كَتَبَ إِلَيَّ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُثْمَانَ الدِّمَشْقِيُّ , وَحَدَّثَنَا نَجِيبُ بْنُ عَمَّارٍ الْغَنَوِيُّ , عَنْهُ قَالَ: أنا عَمِّي أَبُو عَلِيٍّ , مُحَمَّدُ بْنُ الْقَاسِمِ بْنِ مَعْرُوفٍ , أنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ سَعِيدٍ الْمِرْزَوِيُّ , نا خَلَفُ بْنُ هِشَامٍ الْبَزَّارُ , نا أَبُو عَوَانَةَ , عَنْ رَقَبَةَ , عَنْ حَمَّادٍ , قَالَ: كُنْتُ أُسَائِلُ إِبْرَاهِيمَ عَنِ الشَّيْءِ , فَيَعْرِفُ فِي وَجْهِي أَنِّي لَمْ أَعْرِفْ , فَيَقِيسُهُ لِي حَتَّى أَفْهَمَهُ , وَأَسْأَلُهُ عَنِ الشَّيْءِ فَيَعْرِفُ فِي وَجْهِي أَنِّي لَمْ أَفْهَمْهُ , فَيَقُولُ: «§لَيْسَ فِي كُلِّ شَيْءٍ يَجِيءُ الْقِيَاسُ»

أنا ابْنُ الْفَضْلِ , أنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ , نا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ , نا الْحُمَيْدِيُّ , نا سُفْيَانُ , قَالَ: قَالَ ابْنُ شُبْرُمَةَ: §«اقْضِ بِمَا فِي كِتَابِ اللَّهِ مُفْتَرِضًا وَبِالنَّظَائِرِ فَاقْضِ وَالْمَقَايِيسِ»

نا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عُمَرَ الْبَرْمَكِيُّ , أنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَلَفٍ , نا عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْجَوْهَرِيُّ , نا أَبُو بَكْرٍ الْأَثْرَمُ , قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ , أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ يَقُولُ: §«إِنَّمَا هُوَ السُّنَّةُ وَالِاتِّبَاعُ , وَإِنَّمَا الْقِيَاسُ أَنَّ نَقِيسَ عَلَى أَصْلٍ , فَأَمَّا أَنْ تَجِيءَ إِلَى الْأَصْلِ فَتَهْدِمَهُ , ثُمَّ تَقُولُ هَذَا قِيَاسٌ , فَعَلَى أَيِّ شَيْءٍ كَانَ هَذَا الْقِيَاسُ؟» قِيلَ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ , فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَقِيسَ إِلَّا رَجُلٌ عَالِمٌ كَبِيرٌ , يَعْرِفُ كَيْفَ يُشَبِّهُ الشَّيْءَ بِالشَّيْءِ فَقَالَ: «أَجَلْ , لَا يَنْبَغِي»

قَرَأْتُ عَلَى أَبِي الْقَاسِمِ الْأَزْجِيِّ , عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ جَعْفَرٍ الْحَنْبَلِيِّ , أنا أَبُو بَكْرٍ الْخَلَّالُ , أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْحَمِيدِ , نا بَكْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ , أَنَّهُ سَأَلَ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ: عَنِ الرَّجُلِ , مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ يَحْتَجُّ بِالْحَدِيثِ , فَيَرُدُّ عَلَيْنَا بِالشَّيْءِ يَحْتَاجُ فِيهِ إِلَى الْقِيَاسِ؟ قَالَ -[501]-: §«لَا يَسْتَغْنِي أَحَدٌ عَنِ الْقِيَاسِ»

وَأَنَا الْقَاضِي أَبُو الْعَلَاءِ الْوَاسِطِيُّ , نا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُوسَى الْبَابَسِيرِيُّ , حَدَّثَنَا أَبُو أُمَيَّةَ الْقَاضِي , نا أَبِي , نا سَعِيدُ بْنُ أَبِي زَنْبَرٍ , عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ , قَالَ: سَمِعْتُ رَبِيعَةَ , يَقُولُ: §«أَنْزَلَ اللَّهُ كِتَابَهُ عَلَى نَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَتَرَكَ فِيهِ مَوْضِعًا لِسُنَّةِ نَبِيِّهِ , وَسَنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ السُّنَنَ وَتَرَكَ فِيهَا مَوْضِعًا لِلرَّأْيِ» قَدْ أَوْرَدْنَا مِنَ الْأَخْبَارِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَعَنْ أَصْحَابِهِ مَا يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ الْحُكْمِ بِالْقِيَاسِ , وَفَسَادِ قَوْلِ دَاوُدَ بْنِ عَلِيٍّ وَمَنْ وَافَقَهُ فَأَمَّا احْتِجَاجُهُ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} [البقرة: 169] فَالْجَوَابُ عَنْهُ , أَنَّ الْحُكْمَ بِالْقِيَاسِ مَعْلُومٌ , وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْحُكْمِ بِشَهَادَةِ الشَّاهِدَيْنِ إِذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّ الْحَاكِمِ عَدَالَتُهُمَا وَصِدْقُهُمَا , وَبِمَنْزِلَةِ التَّوَجُّهِ إِلَى الْكَعْبَةِ , إِذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهَا فِي جِهَةٍ , فَإِنَّ وُجُوبَ الْحُكْمِ بِهَا وَفِعْلَ الصَّلَاةِ إِلَيْهَا مَعْلُومٌ , عَلَى أَنَّ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنَ السُّنَّةِ أَخَصُّ مِنْ ذَلِكَ , فَوَجَبَ أَنْ يُقْضَى بِهِ عَلَيْهِ وَأَمَّا الْجَوَابِ عَنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ , عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَإِذَا عَمِلُوا بِالرَّأْيِ فَقَدْ ضَلُّوا , وَحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -[502]-: مَنْ قَالَ فِي دِينِنَا بِرَأْيِهِ فَاقْتُلُوهُ فَهُوَ: أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الرَّأْيُ الْمُخَالِفُ لِكِتَابِ اللَّهِ أَوْ سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ وَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ ضَلَّ وَكَذَا الْجَوَابُ عَنْ حَدِيثِ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ , وعَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ فِي الْقِيَاسِ , وَأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْقِيَاسُ الْمُخَالِفُ لِلْكِتَابِ أَوِ السُّنَّةِ وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ حَدِيثِ عُمَرَ , فَهُوَ: أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الرَّأْيُ الْمُخَالِفُ لِلْحَدِيثِ , لِأَنَّهُ قَالَ: أَعْيَتْهُمُ السُّنَّةُ أَنْ يَحْفَظُوهَا , وَنَسَوَا الْأَحَادِيثَ أَنْ يَعُوهَا وَقَالَ: هُمْ أَعْدَاءُ السُّنَنِ , وَلَيْسَ هَذِهِ صِفَةُ مَنْ جَعَلَ السُّنَنَ أَصْلًا يَقِيسُ عَلَيْهَا وَكَذَلِكَ قَوْلُ عَلِيٍّ: لَوْ كَانَ الدِّينُ بِالْقِيَاسِ , الْمُرَادُ بِهِ مُخَالَفَةُ السُّنَّةِ وَمِثْلُهُ قَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسِ وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ , مَا قَدَّمْنَاهُ رِوَايَتُهُ عَنْهُمْ فِي الْقَوْلِ بِالرَّأْيِ وَالْعَمَلِ بِهِ , وَعَلَى هَذَا يُحْمَلُ قَوْلُ مَسْرُوقٍ وَالشَّعْبِيِّ , وَغَيْرِهِمَا مِمَّنْ ذَمَّ الرَّأْيَ , بِدَلِيلِ مَا رُوِّينَاهُ مِنْ إِجَازَتِهِ وَتَصْحِيحِ الْعَمَلِ بِهِ وَقَوْلُ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ إِنَّ أَوَّلَ مَنْ قَاسَ إِبْلِيسُ صَحِيحٌ , وَذَلِكَ -[503]- أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَهُ بِالسُّجُودِ لِآدَمَ , فَقَاسَ لِيَدْفَعَ بِقِيَاسِهِ مَا أَمَرَهُ اللَّهُ بِهِ نَصًّا , فَقَالَ: {أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ} [الأعراف: 12] , فَجَعَلَ قُوَّةَ النَّارِ عَلَى الطِّينِ دَلِيلًا عَلَى أَنَّ الْأَضْعَفَ حُكْمُهُ أَنْ يَخْضَعَ لِلْأَقْوَى , وَأَنَّ آدَمَ أَوْلَى بِالسُّجُودِ لَهُ , فَوَضَعَ الْقِيَاسَ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ , فَكَانَ ذَلِكَ فَاسِدًا , لِمُخَالَفَةِ النَّصِّ وَمُفَارَقَةِ الدَّلَالَةِ وَأَمَّا قَوْلُ دَاوُدَ: إِنَّ الْمَقْصُودَ بِالْقِيَاسِ , إِثْبَاتُ الْحُكْمِ فِيمَا لَا نَصَّ فِيهِ , وَكُلُّ حُكْمٍ قَدْ تَنَاوَلَهُ النَّصُّ عِنْدَنَا فَالْجَوَابُ عَنْهُ , أَنَّا نَعْلَمُ خَطَأَ هَذَا الْقَوْلِ ضَرُورَةً , لِوُجُودِنَا أَحْكَامًا كَثِيرَةً لَا نَصَّ فِيهَا فَإِنْ قَالَ: اذْكُرْ بَعْضَهَا قِيلَ لَهُ: مَنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ مُتَعَمِّدًا وَجَبَ عَلَيْهِ قَضَاؤُهَا , وَلَا نَصَّ فِيهِ , وَإِنَّمَا قَيْسَ عَلَى مَنْ نَسِيَهَا أَوْ نَامَ عَنْهَا , وَقَتْلُ الزُّنْبُورِ فِي الْحِلِّ وَالْحَرَمِ لَيْسَ فِيهِ نَصٌّ , وَإِنَّمَا قَيْسَ عَلَى الْعَقْرَبِ , وَإِذَا مَاتَ سِنُّورٌ فِي السَّمْنِ , لَيْسَ فِيهِ نَصٌّ , وَإِنَّمَا قَيْسَ عَلَى الْفَأْرَةِ تَمُوتُ فِي السَّمْنِ , وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ كَثِيرٌ وَأَمَّا الْمَسَائِلُ الْغَامِضَةُ , فَأَكْثَرُ مِنْ أَنْ تُحْصَى وَيَطُولُ ذِكْرُهَا فِي هَذَا الْكِتَابِ , عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ شَرْطِ الْقِيَاسِ , أَنْ يَكُونَ النَّصُّ مَعْدُومًا , وَإِنَّمَا مِنْ شَرْطِهِ أَنْ لَا يَكُونَ مُخَالِفًا لِلنَّصِّ , فَإِذَا لَمْ يَكُنْ مُخَالِفًا لِلنَّصِّ صَحَّ الْقِيَاسُ , مَعَ وُجُودِ النَّصِّ , وَمَعَ عَدَمِهِ

باب في سقوط الاجتهاد مع وجود النص

§بَابٌ فِي سُقُوطِ الِاجْتِهَادِ مَعَ وُجُودِ النَّصِّ

أنا الْقَاضِي أَبُو عُمَرَ الْقَاسِمُ بْنُ جَعْفَرٍ , نا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ اللُّؤْلُؤِيُّ , نا أَبُو دَاوُدَ , نا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ , نا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ , قَالَ: أَنْبَأَنَا هِشَامُ بْنُ حَسَّانَ , قَالَ: حَدَّثَنِي عِكْرِمَةُ , عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ هِلَالَ بْنَ أُمَيَّةَ , قَذَفَ امْرَأَتَهُ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِشَرِيكِ بْنِ سَحْمَاءَ , فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «§الْبَيِّنَةُ وَإِلَّا فَحَدٌّ فِي ظَهْرِكَ» فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ , إِذَا رَأَى أَحَدُنَا رَجُلًا عَلَى امْرَأَتِهِ , يَلْتَمِسُ الْبَيِّنَةَ؟ فَجَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «الْبَيِّنَةُ وَإِلَّا فَحَدٌّ فِي ظَهْرِكَ» , فَقَالَ هِلَالٌ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ , إِنِّي لَصَادِقٌ , وَلَيُنْزِلَنَّ اللَّهُ فِي أَمْرِي مَا يُبْرِئُ ظَهْرِي مِنَ الْحَدِّ , فَنَزَلَتْ: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ} [النور: 6] قَرَأَ حَتَّى بَلَغَ {مِنَ الصَّادِقِينَ} [النور: 9] , فَانْصَرَفَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَرْسَلَ إِلَيْهِمَا , فَجَاءَا , فَقَامَ هِلَالُ بْنُ أُمَيَّةَ , فَشَهِدَ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «اللَّهُ يَعْلَمُ أَنَّ أَحَدَكُمَا كَاذِبٌ , فَهَلْ مِنْكُمَا مِنْ تَائِبٍ؟» , ثُمَّ قَامَتْ فَشَهِدَتْ , فَلَمَّا كَانَ عِنْدَ الْخَامِسَةِ , أَنَّ غَضِبَ اللَّهِ عَلَيْهَا , إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ , وَقَالُوا لَهَا: إِنَّهَا مُوجِبَةٌ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَتَلَكَّأَتْ وَنَكَصَتْ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهَا سَتَرْجِعُ , فَقَالَتْ: لَا أَفْضَحُ قَوْمِي سَائِرَ الْيَوْمِ , فَمَضَتْ , فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -[505]-: «أَبْصِرُوهَا , فَإِنْ جَاءَتْ بِهِ أَكْحَلَ الْعَيْنَيْنِ , سَابِغَ الْإِلْيَتَيْنِ , خَدَلَّجَ السَّاقَيْنِ فَهُوَ لِشَرِيكِ بْنِ سَحْمَاءَ» , فَجَاءَتْ بِهِ كَذَلِكَ , فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَوْلَا مَا مَضَى مِنْ كِتَابِ اللَّهِ , لَكَانَ لِي وَلَهَا شَأْنٌ» قُلْتُ: عَنَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا مَضَى مِنْ كِتَابِ اللَّهِ قَوْلَهُ: {وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشَهْدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ} [النور: 8] إِلَى آخِرِ الْقِصَّةِ , وَأَرَادَ بِقَوْلِهِ: لَكَانَ لِي وَلَهَا شَأْنٌ إِقَامَةَ الْحَدِّ عَلَيْهَا لِمُشَابَهَةِ وَلَدِهَا الرَّجُلَ الَّذِي رُمِيَتْ بِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ

أنا الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ الْحِيرِيُّ , نا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْأَصَمُّ , أنا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ , أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ , أنا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ , عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي يَزِيدَ , عَنْ أَبِيهِ , قَالَ: أَرْسَلَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ إِلَى شَيْخٍ مِنْ بَنِي زُهْرَةَ كَانَ يَسْكُنُ دَارَنَا , فَذَهَبْتُ مَعَهُ إِلَى عُمَرَ , فَسَأَلَهُ عَنْ وِلَادٍ مِنْ وِلَادِ الْجَاهِلِيَّةِ , فَقَالَ: أَمَّا الْفِرَاشُ فَلِفُلَانٍ , وَأَمَّا النُّطْفَةُ فَلِفُلَانٍ , فَقَالَ عُمَرُ يَعْنِي ابْنَ الْخَطَّابِ -: §«صَدَقْتَ , وَلَكِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى بِالْفِرَاشِ»

وَأَنَا الْحِيرِيُّ , نا الْأَصَمُّ , أنا الرَّبِيعُ , أنا الشَّافِعِيُّ , قَالَ: أَخْبَرَنِي مَنْ , لَا أَتَّهِمُ , عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ , قَالَ: أَخْبَرَنِي مَخْلَدُ بْنُ خُفَافٍ , قَالَ: ابْتَعْتُ غُلَامًا , فَاسْتَغْلَلْتُهُ , ثُمَّ ظَهَرَتْ مِنْهُ عَلَيَّ عَيْبٌ , فَخَاصَمْتُ فِيهِ إِلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ , فَقَضَى لِي بِرَدِّهِ , وَقَضَى عَلَيَّ بِرَدِّ غَلَّتِهِ , فَأَتَيْتُ عُرْوَةَ فَأَخْبَرْتُهُ , فَقَالَ أَرُوحُ إِلَيْهِ الْعَشِيَّةَ فَأُخْبِرُهُ أَنَّ عَائِشَةَ أَخْبَرَتْنِي: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى فِي مِثْلِ هَذَا §أَنَّ الْخَرَاجَ بِالضَّمَانِ» , فَعُجِّلْتُ إِلَى عُمَرَ فَأَخْبَرْتُهُ مَا أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ , عَنْ عَائِشَةَ , عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَقَالَ عُمَرُ: فَمَا أَيْسَرَ عَلَيَّ مِنْ قَضَاءٍ قَضَيْتُهُ , اللَّهُ يَعْلَمُ أَنِّي لَمْ أُرِدْ فِيهِ إِلَّا الْحَقَّ , فَبَلَغَتْنِي فِيهِ سَنَةٌ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَأَرُدُّ قَضَاءَ عُمَرَ , وَأُنَفِّذُ سَنَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَاحَ إِلَيْهِ عُرْوَةُ , فَقَضَى لِي أَنْ آخُذَ الْخَرَاجَ مِنَ الَّذِي قَضَى بِهِ عَلَيَّ لَهُ

أنا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى الْهَمَذَانِيُّ , نا صَالِحُ بْنُ أَحْمَدَ الْحَافِظُ , نا مُحَمَّدُ بْنُ حَمْدَانَ الطَّرَائِفِيُّ , نا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ , أنا الشَّافِعِيُّ , أَخْبَرَنِي مَنْ , لَا أَتَّهِمُ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ , عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ , قَالَ: §" قَضَى -[507]- سَعْدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَلَى رَجُلٍ بِقَضِيَّةٍ بِرَأْيِ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ , فَأَخْبَرْتُهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِخِلَافِ مَا قَضَى بِهِ , فَقَالَ سَعْدٌ لِرَبِيعَةَ: هَذَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ , وَهُوَ عِنْدِي ثِقَةٌ يُخْبِرُنِي عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِخِلَافِ مَا قَضَيْتُ بِهِ , فَقَالَ لَهُ رَبِيعَةُ: قَدِ اجْتَهَدْتَ وَمَضَى حُكْمُكَ , فَقَالَ سَعْدٌ: وَاعَجَبًا أُنْفِذُ قَضَاءَ سَعْدِ ابْنِ أُمِّ سَعْدٍ , وَأَرُدُّ قَضَاءَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ بَلْ أَرُدُّ قَضَاءَ سَعْدِ ابْنِ أُمِّ سَعْدٍ , وَأُنْفِذُ قَضَاءَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَدَعَا سَعْدٌ بِكِتَابِ الْقَضِيَّةِ , فَشَقَّهُ وَقَضَى لِلْمَقْضِيِّ عَلَيْهِ

أنا الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ الْحِيرِيُّ , نا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْأَصَمُّ , نا الْحَسَنُ بْنُ مُكْرَمٍ , نا أَبُو النَّضْرِ , نا مُحَمَّدُ بْنُ رَاشِدٍ , عَنْ عَبْدَةَ بْنِ أَبِي لُبَابَةَ , عَنْ هِشَامِ بْنِ يَحْيَى الْمَخْزُومِيِّ: أَنَّ رَجُلًا , مِنْ ثَقِيفٍ أَتَى عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فَسَأَلَهُ عَنِ امْرَأَةٍ حَاضَتْ وَقَدْ كَانَتْ زَارَتِ الْبَيْتَ يَوْمَ النَّحْرِ: أَلَهَا أَنْ تَنْفِرَ قَبْلَ أَنْ تَطْهُرَ؟ فَقَالَ عُمَرُ: «لَا» فَقَالَ لَهُ الثَّقَفِيُّ: فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفْتَانِي فِي مِثْلِ هَذِهِ الْمَرْأَةِ بِغَيْرِ مَا أَفْتَيْتَ قَالَ فَقَامَ إِلَيْهِ عُمَرُ يَضْرِبُهُ بِالدِّرَّةِ وَيَقُولُ: §«لِمَ تَسْتَفْتِنِي فِي شَيْءٍ قَدْ أَفْتَى فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ»

أنا الْحَسَنُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ , نا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ كَامِلٍ الْقَاضِي , فِيمَا أَجَازَ لَنَا قَالَ: نا ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ , قَالَ: نا صَالِحُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ التِّرْمِذِيُّ , نا سُفْيَانُ بْنُ عَامِرٍ , عَنْ عَتَّابِ بْنِ مَنْصُورٍ , قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ: §«لَا رَأْيَ لِأَحَدٍ مَعَ سُنَّةٍ سَنَّهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ»

أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَحْيَى السُّكَّرِيُّ , أنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الشَّافِعِيُّ , ثنا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْأَزْهَرَ , نا ابْنُ الْغَلَابِيِّ , نا حَبَّانُ هُوَ ابْنُ هِلَالٍ نا أَبُو عَوَانَةَ , عَنْ رَقَبَةَ بْنِ مِصْلَقَةَ , عَنْ حَمَّادٍ , قَالَ: كُنْتُ أَسْأَلُ إِبْرَاهِيمَ عَنِ الشَّيْءِ , اهْتَمُّ بِهِ قَالَ: فَيَقِيسُهُ لِي , وَيَجِيءُ الشَّيْءُ فَلَا أَعْرِفُهُ , فَيَقُولُ: «§لَيْسَ فِي كُلِّ شَيْءٍ يَجِيءُ الْقِيَاسُ» قُلْتُ: وَهَذَا صَحِيحٌ , مِثَالُهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قَضَى فِي الْجَنِينِ يُجْنَي عَلَى أُمِّهِ فَتُسْقِطُهُ مَيِّتًا , أَنَّ فِيهِ غُرَّةٌ قَوَّمَهَا أَهْلُ الْعِلْمِ: خَمْسًا مِنَ الْإِبِلِ , وَسَوَاءٌ كَانَ الْجَنِينُ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى , وَلَوْ أَسْقَطَتِ الْجَنِينَ أُمُّهُ حَيًّا ثُمَّ مَاتَ نُظِرَ , فَإِنْ كَانَ ذَكَرًا جُعِلَ فِيهِ مِائَةٌ مِنَ الْإِبِلِ , وَإِنْ كَانَ أُنْثَى جُعِلَ فِيهِ خَمْسُونَ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُقَاسَ عَلَى الْجَنِينِ غَيْرُهُ

أنا عُثْمَانُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ الْعَلَّافُ , أنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الشَّافِعِيُّ , نا إِسْمَاعِيلُ بْنُ الْفَضْلِ , نا يَحْيَى بْنُ السَّرِيِّ , نا عُمَرُ بْنُ شَبِيبٍ , قَالَ: سَمِعْتُ خَالِدَ بْنَ سَلَمَةَ , يَقُولُ لِأَبِي حَنِيفَةَ: §«إِنَّمَا نَحْتَاجُ إِلَى قَوْلِكَ , إِذَا لَمْ نَجِدْ أَثَرًا , فَإِذَا وَجَدْنَا أَثَرًا ضَرَبْنَا بِقَوْلِكَ الْحَائِطَ» قُلْتُ: وَقَدْ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ فِي عَيْبِ الْقِيَاسِ قَوْلًا , يُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ الْقِيَاسَ الْمُخَالِفَ لِلنَّصِّ وَاللَّهُ أَعْلَمُ , وَهُوَ مَا

أنا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ رِزْقَوَيْهِ , نا أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ سَلْمٍ , نا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْأَبَّارِ , وأنا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَضْلِ , أنا دَعْلَجُ , أنا الْأَبَّارُ , نا أَبُو عَمَّارٍ الْمَرْوَزِيُّ , عَنْ وَكِيعٍ , قَالَ: قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: - وَفِي حَدِيثِ ابْنِ الْفَضْلِ نا أَبُو عَمَّارٍ , قَالَ: سَمِعْتُ وَكِيعًا , يَقُولُ سَمِعْتُ أَبَا حَنِيفَةَ , يَقُولُ: §«الْبَوْلُ فِي الْمَسْجِدِ أَحْسَنُ مِنْ بَعْضِ الْقِيَاسِ» قَالَ وَكِيعٌ: هَذَا عَلَيْهِ - زَادَ ابْنُ رِزْقَوَيْهِ -: وَلَا لَهُ

كَتَبَ إِلَيَّ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُثْمَانَ الدِّمَشْقِيُّ , وَحَدَّثَنِي عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي طَاهِرٍ , عَنْهُ قَالَ: أنا أَبُو الْمَيْمُونِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ -[510]- عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ رَاشِدٍ الْبَجَلِيُّ , نا أَبُو زُرْعَةَ , قَالَ حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ رَبِهِ , قَالَ سَمِعْتُ وَكِيعَ بْنَ الْجَرَّاحِ , يَقُولُ لِيَحْيَى بْنَ صَالِحٍ الْوحَاظِيِّ: يَا أَبَا زَكَرِيَّا احْذَرِ الرَّأْيَ , فَإِنِّي سَمِعْتُ أَبَا حَنِيفَةَ , يَقُولُ: §«الْبَوْلُ فِي الْمَسْجِدِ أَحْسَنُ مِنْ بَعْضِ قِيَاسِهِمْ»

أنا أَبُو الْحُسَيْنِ , مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ أَحْمَدَ الْأَهْوَازِيُّ , أنا أَبُو الْفَرَجِ , مُحَمَّدُ بْنُ الطَّيِّبِ الْبَلُّوطِيُّ بِالْأَهْوَازِ , أنا أَبُو الْحَسَنِ , عَلِيُّ بْنُ الْفَضْلِ بْنِ طَاهِرٍ الْبَلْخِيُّ , نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ أَبُو يَحْيَى الْبَلْخِيُّ , نا شَدَّادُ بْنُ حَكِيمٍ , عَنْ زُفَرَ بْنِ الْهُذَيْلِ , قَالَ: §«إِنَّمَا نَأْخُذُ بِالرَّأْيِ مَا لَمْ يَجِئِ الْأَثَرُ , فَإِذَا جَاءَ الْأَثَرُ تَرَكْنَا الرَّأْيَ , وَأَخَذْنَا بِالْأَثَرِ»

ذكر القياس المحمود والقياس المذموم القياس على ضربين: ضرب منه في التوحيد , وضرب في أحكام الشريعة: فالقياس في التوحيد على ضربين: ضرب هو القياس الصحيح وهو: ما استدل به على معرفة الصانع تعالى وتوحيده , والإيمان بالغيب , والكتب , وتصديق الرسل , فهذا قياس

§ذِكْرُ الْقِيَاسِ الْمَحْمُودِ وَالْقِيَاسِ الْمَذْمُومِ الْقِيَاسُ عَلَى ضَرْبَيْنِ: ضِرْبٌ مِنْهُ فِي التَّوْحِيدِ , وَضَرْبٌ فِي أَحْكَامِ الشَّرِيعَةِ: فَالْقِيَاسُ فِي التَّوْحِيدِ عَلَى ضَرْبَيْنِ: ضَرْبٌ هُوَ الْقِيَاسُ الصَّحِيحُ وَهُوَ: مَا اسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى مَعْرِفَةِ الصَّانِعِ تَعَالَى وَتَوْحِيدِهِ , وَالْإِيمَانِ بِالْغَيْبِ , وَالْكُتُبِ , وَتَصْدِيقِ الرُّسُلِ , فَهَذَا قِيَاسٌ مَحْمُودٌ فَاعِلُهُ , مَذْمُومٌ تَارِكُهُ وَالضَّرْبُ الثَّانِي مِنَ الْقِيَاسِ فِي التَّوْحِيدِ: هُوَ الْقِيَاسُ الْمَذْمُومُ الَّذِي يُؤَدِّي إِلَى الْبِدَعِ وَالْإِلْحَادِ , نَحْوُ تَشْبِيهِ الْخَالِقِ بِالْخَلْقِ , وَتَشْبِيهِ صِفَاتِهِ بِصِفَاتِ الْمَخْلُوقِينَ , وَدَفْعِ قَايِسِهِ مَا أَثْبَتَ اللَّهُ تَعَالَى لِنَفْسِهِ , وَوَصَفَتْهُ بِهِ رُسُلُهُ مِمَّا يَنْفِيهِ الْقِيَاسُ بِفِعْلِهِ وَأَمَّا الضَّرْبُ الثَّانِي مِنَ الْأَصْلِ وَهُوَ الْمُتَعَلِّقُ بِأَحْكَامِ الشَّرِيعَةِ فَهُوَ عَلَى وَجْهَيْنِ أَيْضًا: أَحَدُهُمَا: قِيَاسُ الشَّيْءِ عَلَى نَظِيرِهِ وَشَبِيهِهِ , فَذَلِكَ مَحْمُودٌ وَالْآخَرُ: قِيَاسُهُ عَلَى غَيْرِ نَظِيرِهِ وَشَبِيهِهِ , فَذَلِكَ مَذْمُومٌ

باب الكلام في ذكر ما يشتمل القياس عليه القياس يشتمل على أربعة أشياء: على: الفرع , والأصل , والعلة , والحكم فأما الفرع: فهو ما ثبت حكمه بغيره وأما الأصل: فهو ما عرف حكمه بلفظ تناوله , أو ما عرف حكمه بنفسه , ويستعمل الفقهاء هذا الاسم , أعني الأصل في

§بَابُ الْكَلَامِ فِي ذِكِرِ مَا يَشْتَمِلُ الْقِيَاسُ عَلَيْهِ الْقِيَاسُ يَشْتَمِلُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَشْيَاءَ: عَلَى: الْفَرْعِ , وَالْأَصْلِ , وَالْعِلَّةِ , وَالْحُكْمِ فَأَمَّا الْفَرْعُ: فَهُوَ مَا ثَبَتَ حُكْمُهُ بِغَيْرِهِ وَأَمَّا الْأَصْلُ: فَهُوَ مَا عُرِفَ حُكْمُهُ بِلَفْظٍ تَنَاوَلَهُ , أَوْ مَا عُرِفَ حُكْمُهُ بِنَفْسِهِ , وَيَسْتَعْمِلُ الْفُقَهَاءُ هَذَا الِاسْمِ , أَعِنِّي الْأَصْلَ فِي أَمْرَيْنِ: أَحَدُهُمَا: فِي أُصُولِ الْأَدِلَّةِ , الَّتِي هِيَ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالْإِجْمَاعُ فَيَقُولُونَ هِيَ الْأَصْلُ , وَمَا سِوَى ذَلِكَ مِنَ الْقِيَاسِ وَدَلِيلِ الْخِطَابِ وَفَحْوَى الْخِطَابِ , فَهُوَ مَعْقُولُ الْأَصْلِ , وَيَسْتَعْمِلُونَهُ فِي الشَّيْءِ الَّذِي يُقَاسُ عَلَيْهِ كَالْخَمْرُ أَصْلُ النَّبِيذِ فِي التَّحْرِيمِ , وَالْبُرُّ أَصْلُ الْأَرْزِ فِي الرِّبَا وَأَمَّا الْعِلَّةُ: فَهِيَ الْمَعْنَى الَّذِي يَقْتَضِي الْحُكْمَ فَيُوجَدُ الْحُكْمُ بِوُجُودِهِ وَيَزُولُ بِزَوَالِهِ وَأَمَّا الْحُكْمُ فَهُوَ الَّذِي يُعَلَّقُ عَلَى الْعِلَّةِ مِنَ التَّحْلِيلِ وَالتَّحْرِيمِ وَالْإِيجَابِ وَالْإِسْقَاطِ

باب بيان ما يدل على صحة العلة اعلم أن العلة الشرعية أمارة على الحكم , ودلالة عليه , ولا بد في رد الفرع إلى الأصل من علة تجمع بينهما , ويلزم أن يدل على صحتها , أن العلة شرعية كما أن الحكم شرعي , فكما لا بد من الدلالة على الحكم , فكذلك لا بد من الدلالة على

§بَابُ بَيَانِ مَا يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ الْعِلَّةِ اعْلَمْ أَنَّ الْعِلَّةَ الشَّرْعِيَّةَ أَمَارَةٌ عَلَى الْحُكْمِ , وَدِلَالَةٌ عَلَيْهِ , وَلَا بُدَّ فِي رَدِّ الْفَرْعِ إِلَى الْأَصْلِ مِنْ عِلَّةٍ تَجْمَعُ بَيْنَهُمَا , وَيَلْزَمُ أَنْ يَدُلَّ عَلَى صِحَّتِهَا , أَنَّ الْعِلَّةَ شَرْعِيَّةٌ كَمَا أَنَّ الْحُكْمَ شَرْعِيُّ , فَكَمَا لَا بُدَّ مِنَ الدَّلَالَةِ عَلَى الْحُكْمِ , فَكَذَلِكَ لَا بُدَّ مِنَ الدَّلَالَةِ عَلَى الْعِلَّةِ وَالَّذِي يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ الْعِلَّةِ شَيْئَانِ: أَصْلٌ وَاسْتِنْبَاطٌ , فَأَمَّا الْأَصْلُ , فَهُوَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى , وَقَوْلُ رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَأَفْعَالُهُ وَإِجْمَاعُ الْأُمَّةِ فَأَمَّا قَوْلُ اللَّهِ وَقَوْلُ رَسُولِهِ فَدَلَالَتُهُمَا مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: مِنْ جِهَةِ النُّطْقِ وَالثَّانِي: مِنْ جِهَةِ الْفَحْوَى وَالْمَفْهُومِ فَأَمَّا دَلَالَتُهُمَا مِنْ جِهَةِ النُّطْقِ , فَمِنْ وُجُوهٍ بَعْضُهَا أَجْلَى مِنْ بَعْضٍ: فَأَجْلَاهَا: مَا صُرِّحَ فِيهِ بِلَفْظِ التَّعْلِيلِ , كَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا} [المائدة: 32]

وَمِنَ السُّنَّةِ مَا: أنا أَبُو الصَّبْهَاءِ وَلَّادُ بْنُ عَلِيٍّ الْكُوفِيُّ , أنا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ دُحَيْمٍ الشَّيْبَانِيُّ , نا أَحْمَدُ بْنُ حَازِمٍ , أنا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ , نا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ , نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ , عَنْ زَيْدٍ أَبِي -[514]- عَيَّاشٍ , قَالَ: سَأَلْنَا سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ عَنِ الْبَيْضَاءِ , بِالسُّلْتِ فَكَرِهَهُ , وَزَعَمَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنِ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ فَقَالَ: §«أَيَنْقُصُ إِذَا جَفَّ؟» قَالُوا نَعَمْ , فَنَهَى عَنْهُ قَدْ عَلِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , أَنَّ الرُّطَبَ يَنْقُصُ إِذَا جَفَّ , وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ إِشْكَالٌ عَلَيْهِ وَلَا عَلَى غَيْرِهِ , وَإِنَّمَا أَرَادَ بِالسُّؤَالِ عَنْهُ تَنْبِيهَهُمْ عَلَى الْمَعْنَى فِي التَّحْرِيمِ , لِيَعْلَمُوا أَنَّ كُلَّ مَأْكُولٍ رَطْبٍ يَجِفُّ , فَلَا خَيْرَ فِيهِ بِشَيْءٍ مِنْ جِنْسِهِ رَطْبًا وَلَا يَابِسًا , وَمَثَلُ ذَلِكَ

مَا أنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَحْيَى السُّكَّرِيُّ , أنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الشَّافِعِيُّ , نا إِسْحَاقُ بْنُ الْحَسَنِ , نا الْقَعْنَبِيُّ , قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ , نا أَبُو مُصْعَبٍ , عَنْ مَالِكٍ , عَنِ ابْنِ شِهَابٍ , عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ , عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ , عَنِ الصَّعْبِ بْنِ جَثَّامَةَ اللَّيْثِيِّ , أَنَّهُ أَهْدَى لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ بِوَدَّانَ أَوْ بِالْأَبْوَاءِ حِمَارًا وَحْشِيًّا فَرَدَّهُ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: فَلَمَّا رَأَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , مَا بِوَجْهِهِ قَالَ -[515]-: §«إِنَّا لَمْ نَرُدَّهُ عَلَيْكَ إِلَّا أَنَّا حُرُمٌ» بَيَّنَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلصَّعْبِ بِهَذَا الْقَوْلِ الْمَعْنَى الَّذِي لِأَجْلِهِ رَدَّهُ لِيَعْلَمَ أَنَّ اصْطِيَادَ الْمُحْرِمِ وَمَا صِيدَ لَهُ وَأُهْدِيَ إِلَيْهِ بِمَنْزِلَةٍ وَاحِدَةٍ وَمِثْلُهُ

مَا: أنا الْقَاضِي أَبُو عُمَرَ الْهَاشِمِيُّ , نا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ اللُّؤْلُؤِيُّ , نا دَاوُدُ , نا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ فَارِسٍ , ومُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى , قَالَا: نا بِشْرُ بْنُ عُمَرَ , نا مَالِكٌ يَعْنِي ابْنَ أَنَسٍ - عَنِ ابْنِ شِهَابٍ , عَنْ أَبِي سَلَمَةَ , عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ , أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: §«أَيُّمَا رَجُلٍ أُعْمِرَ عُمْرَى لَهُ وَلِعَقِبِهِ فَإِنَّهَا لِلَّذِي يُعْطَاهَا لِأَنَّهُ أَعْطَى عَطَاءً وَقَعَتْ فِيهِ الْمَوَارِيثُ» فِي هَذَا اللَّفْظِ بَيَانُ الْمَعْنَى الَّذِي مِنْ أَجْلِهِ لَيْسَ لِلْمُعْمِرِ الرُّجُوعُ فِيمَا أَعْمَرَ وَمِثْلُهُ

مَا: نا الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحَرَشِيُّ , أنا أَبُو عَلِيٍّ , مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ مَعْقِلٍ الْمَيْدَانِيُّ , نا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى , نا عَبْدُ الرَّزَّاقِ , أنا مَعْمَرٌ , عَنِ الزُّهْرِيِّ , عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ , أَنَّ رَجُلًا , اطَّلَعَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ سِتْرِ الْحُجْرَةِ , وَفِي يَدَيِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِدْرًا , فَقَالَ: §«لَوْ أَعْلَمُ أَنَّ هَذَا يَنْتَظِرُنِي حَتَّى آتِيَهُ , لَطَعَنْتُ بِالْمِدْرَا فِي عَيْنَيْهِ , وَهَلْ جُعِلَ الِاسْتِئْذَانُ إِلَّا مِنْ أَجْلِ الْبَصَرِ» فَهَذِهِ الْأَلْفَاظُ كُلُّهَا صَرِيحَةٌ فِي التَّعْلِيلِ وَيَلِيهَا فِي الْبَيَانِ: أَنْ يُعَلَّقَ الْحُكْمُ عَلَى عَيْنٍ مَوْصُوفَةٍ بِصِفَةٍ , وَقَدْ يَكُونُ هَذَا بِلَفْظِ الشَّرْطِ , كَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 6]

وَمِنَ السُّنَّةِ , كَمَا: أنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَحْيَى السُّكَّرِيُّ , أنا أَبُو مُحَمَّدٍ , جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ الْحَكَمِ الْوَاسِطِيُّ , نا مُوسَى بْنُ هَارُونَ , نا ابْنُ نُمَيْرٍ , نا أَبِي , نا عُبَيْدُ اللَّهِ هُوَ ابْنُ عُمَرَ قَالَ: حَدَّثَنِي نَافِعٌ , -[517]- عَنِ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: §«مَنِ اشْتَرَى نَخْلًا قَدْ أُبِّرَتْ , فَثَمَرَتُهَا لِلَّذِي أَبَّرَهَا , إِلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الَّذِي اشْتَرَى» فَالظَّاهِرُ: أَنَّ حَمْلَ الْمَرْأَةِ عِلَّةٌ لِوُجُوبِ النَّفَقَةِ , وَأَنَّ تَأْبِيرَ النَّخْلِ عِلَّةٌ لِكَوْنِ الثَّمَرَةِ لِلْبَائِعِ وَقَدْ يَكُونُ بِغَيْرِ لَفْظِ الشَّرْطِ , كَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: 38] , ظَاهِرُهُ أَنَّ السَّرِقَةَ عِلَّةٌ لِوُجُوبِ الْقَطْعِ وَأَمَّا دِلَالَتُهُمَا مِنْ جِهَةِ الْفَحْوَى وَالْمَفْهُومِ فَمِنْ وُجُوهٍ بَعْضُهَا أَجْلَى مِنْ بَعْضٍ أَيْضًا , فَأَوْضَحُهَا: مَا دُلَّ عَلَيْهِ بِالتَّنْبِيهِ , كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} [الإسراء: 23]

وَمِنَ السُّنَّةِ نَحْوُ مَا: أنا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عُمَرَ الْمُقْرِئُ , أنا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي قَيْسٍ , نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي الدُّنْيَا , نا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ , أنا شُعْبَةُ , عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ , مَوْلَى بَنِي أَسَدٍ قَالَ: سَمِعْتُ عُبَيْدَ بْنَ فَيْرُوزَ , مَوْلَى بَنِي شَيْبَانَ قَالَ: سَأَلْتُ الْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ: مَا -[518]- كَرِهَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ أَوْ قَالَ: مَا نَهَى عَنْهُ فِي الْأَضَاحِي؟ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَدِي أَقْصَرُ مِنْ يَدِهِ: §" أَرْبَعٌ لَا تُجْزِئُ: الْعَوْرَاءُ الْبَيِّنُ عَوَرُهَا , وَالْعَرْجَاءُ الْبَيِّنُ ظَلْعُهَا , وَالْمَرِيضَةُ الْبَيِّنُ مَرَضُهَا , وَالْكَسِيرَةُ الَّتِي لَا تَتَّقِي " قُلْتُ: فَإِنِّي أَكْرَهُ أَنْ يَكُونَ فِي الْأُذُنِ نَقْصٌ أَوْ فِي السِّنِّ نَقْصٌ , أَوْ فِي الْقَرْنِ نَقْصٌ قَالَ: «إِنَّ كَرِهْتَ شَيْئًا فَدَعْهُ , وَلَا تُحَرِّمْهُ عَلَى أَحَدٍ» لَفْظُ الْآيَةِ يَدُلُّ بِالتَّنْبِيهِ عِنْدَ سَمَاعِهِ عَلَى: أَنَّ الضَّرْبَ أَوْلَى بِالْمَنْعِ مِنَ التَّأْفِيفِ , وَلَفْظُ الْحَدِيثِ يَدُلُّ عَلَى: أَنَّ الْعَمَى فِي الْأُضْحِيَّةِ أَوْلَى بِالْمَنْعِ مِنَ الْعَوَرِ وَيْلِي مَا ذَكَرْنَا فِي الْبَيَانِ أَنْ تُذْكَرَ صِفَةٌ فَيُفْهَمُ مِنْ ذِكْرِهَا الْمَعْنَى الَّذِي تَتَضَمَّنُهُ تِلْكَ الصِّفَةُ مِنْ غَيْرِ جِهَةِ التَّنْبِيهِ ,

كَمَا: أنا أَبُو حَفْصٍ , عُمَرُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عُثْمَانَ الْبَزَّازُ بِعُكْبَرَا , وَأَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ هَارُونَ الْمُعَدِّلُ بِالنَّهْرَوَانِ قَالَا: نا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ عُمَرَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ حَرْبٍ الطَّائِيُّ , نا عَلِيُّ بْنُ حَرْبٍ , نا سُفْيَانُ , عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ , عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ , عَنْ أَبِي بَكْرَةَ , عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ -[519]-: §«لَا يَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يَقْضِيَ بَيْنَ اثْنَيْنِ وَهُوَ غَضْبَانُ»

وَكَمَا أنا الْقَاضِي أَبُو عُمَرَ الْهَاشِمِيُّ , نا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ اللُّؤْلُؤِيُّ , نا أَبُو دَاوُدَ , نا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ , وَالْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ وَاللَّفْظُ لِلْحَسَنِ - قَالَا: نا عَبْدُ الرَّزَّاقِ , أنا مَعْمَرٌ , عَنِ الزُّهْرِيِّ , عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ , عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ , قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: §«إِذَا وَقَعَتِ الْفَأْرَةُ فِي السَّمْنِ , فَإِنْ كَانَ جَامِدًا فَأَلْقُوهَا وَمَا حَوْلَهَا , وَإِنْ كَانَ مَائِعًا فَلَا تُقَرِّبُوهُ» الْمَفْهُومُ بِضَرْبٍ مِنَ الْفِكْرِ فِي هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ أَنَّ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا مَنَعَ الْغَضْبَانَ مِنَ الْقَضَاءِ لِاشْتِغَالِ قَلْبِهِ فِي تِلْكَ الْحَالِ , وَأَنَّ حُكْمَ الْجَائِعِ وَالْعَطْشَانِ مِثْلُهُ , وَأَنَّهُ إِنَّمَا أَمَرَ بِإِلْقَاءِ مَا حَوْلَ الْفَأْرَةِ مِنَ السَّمْنِ , إِنْ كَانَ جَامِدًا لِيُنْتَفَعَ بِمَا سِوَاهُ , إِذَا لَمْ تُخَالِطْهُ النَّجَاسَةُ , وَمَنَعَ مِنْ ذَلِكَ إِذَا كَانَ السَّمْنُ مَائِعًا لِئَلَّا يُنْتَفَعَ بِشَيْءٍ مِنْهُ , إِذِ النَّجَاسَةُ قَدْ خَالَطَتْهُ وَأَنَّ الشَّيْرَجَ وَالزَّيْتَ مِثْلُهُ فِي الْحُكْمِ وَأَمَّا دَلَالَةُ أَفْعَالِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَهُوَ أَنْ يَفْعَلَ شَيْئًا عِنْدَ وقُوعِ مَعْنًى مِنْ جِهَتِهِ , أَوْ مِنْ جِهَةٍ غَيْرِهِ فَيُعْلَمُ أَنَّهُ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ إِلَّا لِمَا ظَهَرَ مِنَ الْمَعْنَى , فَيَصِيرُ عِلَّةً فِيهِ وَهَذَا مِثْلُ مَا رُوِيَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَهَا فَسَجَدَ فَيُعْلَمُ أَنَّ السَّهْوَ -[520]- عِلَّةٌ لِلسُّجُودِ , وَأَنَّ أَعْرَابِيًّا جَامَعَ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ فَأَوْجَبَ عَلَيْهِ عِتْقَ رَقَبَةٍ , فَيُعْلَمُ أَنَّ الْجِمَاعَ عِلَّةٌ لِإِيجَابِ الْكَفَّارَةِ وَأَمَّا دَلَالَةُ الْإِجْمَاعِ فَهُوَ أَنْ تُجْمِعَ الْأُمَّةُ عَلَى التَّعْلِيلِ بِهِ

كَمَا: أنا الْبُرْقَانِيُّ , قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى أَبِي بَكْرٍ الْإِسْمَاعِيلِيِّ: أَخْبَرَكَ الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ , نا مُحَمَّدُ بْنُ الْمِنْهَالِ , نا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ , نا هِشَامٌ , عَنْ قَتَادَةَ , عَنْ أَنَسٍ: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ §جَلَدَ فِي الْخَمْرِ بِالْجَرِيدِ وَالنِّعَالِ» , فَلَمَّا قَامَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ دَنَا النَّاسُ مِنَ الرِّيفِ وَالْقُرَى , فَاسْتَشَارَ عُمَرُ النَّاسَ فِي حَدِّ الْخَمْرِ , فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مَنْ يَشْرَبْهَا يَهْجُرُ , وَمَتَى مَا هَجَرَ يَقْذِفْ , فَنَرَى أَنْ تَجْعَلَهُ كَأَخَفِّ الْحُدُودِ قَالَ: وَكَانَ أَوَّلُ مَنْ جَلَدَ فِي الْخَمْرِ ثَمَانِينَ وَهَذَا التَّعْلِيلُ أَجْمَعَ النَّاسُ عَلَى صِحَّتِهِ , فَلَمْ يُخَالِفْ قَائِلَهُ فِيهِ أَحَدٌ وَأَمَّا الضَّرْبُ الثَّانِي مِنَ الدَّلِيلِ عَلَى صِحَّةِ الْعِلَّةِ فَهُوَ: الِاسْتِنْبَاطُ , وَذَلِكَ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: التَّأْثِيرُ , وَالثَّانِي: شَهَادَةُ الْأُصُولِ فَأَمَّا التَّأْثِيرُ فَهُوَ: أَنْ يُوجَدَ الْحُكْمُ لِوُجُودِ مَعْنًى , فَيَغْلُبُ عَلَى الظَّنِّ أَنَّهُ لِأَجْلِهِ ثَبَتَ الْحُكْمُ , وَذَلِكَ مِثْلُ قَوْلِنَا فِي تَعْلِيلِ الْخَمْرِ أَنَّهُ شَرَابٌ فِيهِ شِدَّةٌ مُطْرِبَةٌ , فَإِنَّهُ قَبْلَ حُدُوثِ الشِّدَّةِ فِيهِ وَهُوَ عَصِيرٌ , كَانَ -[521]- حَلَالًا , ثُمَّ حَدَثَتِ الشِّدَّةُ فِيهِ فَحَرُمَ , ثُمَّ زَادَتِ الشِّدَّةُ فَحَلَّ , فَعُلِمَ أَنَّ الشِّدَّةَ هِيَ الْعِلَّةُ فِي تَحْرِيمِهِ وَأَمَّا شَهَادَةُ الْأُصُولِ: فَتَخْتَصُّ بِقِيَاسِ الدَّلَالَةِ , مِثْلَ أَنْ يَقُولَ فِي أَنَّ الْقَهْقَهَةَ فِي الصَّلَاةِ لَا تَنْقُضُ الْوُضُوءَ: مَا لَا يَنْقُضُ الطُّهْرَ خَارِجَ الصَّلَاةِ , لَا يَنْقُضُهُ دَاخِلَ الصَّلَاةِ كَالْكَلَامِ , فَيَدُلُّ عَلَيْهَا بِأَنَّ الْأُصُولَ تَشْهَدُ بِالتَّسْوِيَةِ بَيْنَ دَاخِلِ الصَّلَاةِ وَخَارِجِهَا فِي هَذَا الْمَعْنَى , أَلَا تَرَى أَنَّ مَا نَقَضَ الْوُضُوءَ دَاخِلَ الصَّلَاةِ نَقَضَهُ خَارِجَهَا كَالْأَحْدَاثِ كُلِّهَا وَمَا لَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ خَارِجَ الصَّلَاةِ لَا يَنْقُضُهُ دَاخِلَهَا , فَيَجِبُ أَنْ تَكُونَ الْقَهْقَهَةُ مِثْلَهَا

باب بيان ما يفسد العلة يفسد العلة أشياء: منها: أن لا يكون على صحتها دليل , فيدل ذلك على فسادها , لأنا قد بينا فيما تقدم , أن العلة شرعية , فإذا لم يكن على صحتها دليل من قبل الشرع , دل على أنها ليست بعلة , ووجب الحكم بفسادها ومنها: أن تكون منتزعة من

§بَابُ

بَيَانِ مَا يُفْسِدُ الْعِلَّةَ يُفْسِدُ الْعِلَّةَ أَشْيَاءُ: مِنْهَا: أَنْ لَا يَكُونَ عَلَى صِحَّتِهَا دَلِيلٌ , فَيَدُلُّ ذَلِكَ عَلَى فَسَادِهَا , لَأَنَّا قَدْ بَيَّنَّا فِيمَا تَقَدَّمَ , أَنَّ الْعِلَّةَ شَرْعِيَّةٌ , فَإِذَا لَمْ يَكُنْ عَلَى صِحَّتِهَا دَلِيلٌ مِنْ قِبَلِ الشَّرْعِ , دَلَّ عَلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ بِعِلَّةٍ , وَوَجَبَ الْحُكْمُ بِفَسَادِهَا وَمِنْهَا: أَنْ تَكُونَ مُنْتَزَعَةً مِنْ أَصْلٍ لَا يَجُوزُ انْتِزَاعُ الْعِلَّةِ مِنْهُ , مِثْلُ أَنَّ يَقِيسَ الْقَايِسُ عَلَى أَصْلٍ غَيْرِ ثَابِتٍ , إِمَّا لِأَنَّهُ مَنْسُوخٌ , أَوْ لِعَدَمِ ثُبُوتِ الْحُكْمِ فِيهِ , لِأَنَّ الْفَرْعَ لَا يَثْبُتُ إِلَّا بِأَصْلٍ , فَإِذَا لَمْ يَثْبُتِ الْأَصْلُ , لَمْ يَجُزْ إِثْبَاتُ الْفَرْعِ مِنْ جِهَتِهِ وَهَكَذَا لَوْ كَانَ الْأَصْلُ قَدْ وَرَدَ الشَّرْعُ بِتَخْصِيصِهِ مُنِعَ الْقِيَاسُ مِنْ جِهَتِهِ , مِثْلُ قِيَاسِ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ غَيْرَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فِي جَوَازِ النِّكَاحِ بِلَفْظِ الْهِبَةِ , وَقَدْ وَرَدَ الشَّرْعُ بِأَنَّهُ مَخْصُوصٌ بِذَلِكَ , فَهَذَا لَا يَجُوزُ الْقِيَاسُ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْقِيَاسَ إِنَّمَا يَجُوزُ عَلَى مَا لَمْ يَرِدِ الشَّرْعُ بِالْمَنْعِ مِنْهُ , فَأَمَّا إِذَا وَرَدَ الشَّرْعُ بِالْمَنْعِ مِنْهُ فَلَا يَجُوزُ , وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ الْقِيَاسُ إِذَا مَنَعَ مِنْهُ نَصٌّ أَوْ إِجْمَاعٌ وَمِنْهَا: أَنْ تَكُونَ الْعِلَّةُ مُنْتَقِضَةً , وَهُوَ أَنَّ تُوجَدَ وَلَا حُكْمَ مَعَهَا , الدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهَا عِلَّةٌ مُسْتَنْبَطَةٌ , فَإِذَا وُجِدَتْ مِنْ غَيْرِ حُكْمٍ حُكِمَ بِفَسَادِهَا , أَصْلُ ذَلِكَ الْعِلَلُ الْعَقْلِيَّةُ

وَمِنْهَا: أَنْ يُعَارِضَهَا مَا هُوَ أَقْوَى مِنْهَا مِنْ نَصِّ كِتَابٍ , أَوْ سُنَّةٍ , أَوْ إِجْمَاعٍ , فَيَدُلُّ ذَلِكَ عَلَى فَسَادِهَا , لِأَنَّ هَذِهِ الْأَدِلَّةَ مَقْطُوعٌ بِصِحَّتِهَا , فَلَا يَثْبُتُ الْقِيَاسُ مَعَهَا

باب القول في تعارض العلتين وترجيح إحداهما على الأخرى اعلم أن الترجيح لا يقع بين دليلين موجبين للعلم , لأن العلم لا يتزايد , وإن كان بعضه أقوى من بعض وكذلك لا يقع الترجيح بين دليل موجب للعلم أو علة موجبة له , وبين دليل أو علة يوجب كل واحد منهما الظن لما

§بَابُ الْقَوْلِ فِي تَعَارُضِ الْعِلَّتَيْنِ وَتَرْجِيحِ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى اعْلَمْ أَنَّ التَّرْجِيحَ لَا يَقَعُ بَيْنَ دَلِيلَيْنِ مُوجِبَيْنِ لِلْعِلْمِ , لِأَنَّ الْعِلْمَ لَا يَتَزَايَدُ , وَإِنْ كَانَ بَعْضُهُ أَقْوَى مِنْ بَعْضٍ وَكَذَلِكَ لَا يَقَعُ التَّرْجِيحُ بَيْنَ دَلِيلٍ مُوجِبٍ لِلْعِلْمِ أَوْ عِلَّةٍ مُوجِبَةٍ لَهُ , وَبَيْنَ دَلِيلٍ أَوْ عِلَّةٍ يُوجِبُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الظَّنَّ لِمَا ذَكَرْنَاهُ , وَلَأَنَّ الْمُقْتَضِي لِلظَّنِّ لَا يَبْلُغُ رُتْبَةَ الْمُوجِبِ لِلْعِلْمِ , وَلَوْ رَجَحَ بِمَا رَجَحَ لَكَانَ الْمُوجِبُ لِلْعِلْمِ مُقَدِّمًا عَلَيْهِ , فَلَا مَعْنَى لِلتَّرْجِيحِ , فَمَتَى تَعَارَضَتْ عِلَّتَانِ , وَاحْتِيجَ فِيهِمَا إِلَى التَّرْجِيحِ , رُجِّحَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى بِوَجْهٍ مِنَ التَّرْجِيحِ: فَمِنْ ذَلِكَ: أَنْ تَكُونَ إِحْدَاهُمَا مُنْتَزَعَةً مِنْ أَصْلٍ مَقْطُوعٍ بِهِ , وَالْأُخْرَى مِنْ أَصْلٍ غَيْرِ مَقْطُوعٍ بِهِ , فَالْمُنْتَزَعَةُ مِنَ الْمَقْطُوعِ بِهِ أَوْلَى لِأَنَّ أَصْلَهَا أَقْوَى وَمِنْهَا: أَنْ يَكُونَ أَصْلُ إِحْدَاهُمَا مَعَ الْإِجْمَاعِ عَلَيْهِ قَدْ عُرِفَ دَلِيلُهُ عَلَى التَّفْصِيلِ فَيَكُونُ أَقْوَى مِمَّا أَجْمَعُوا عَلَيْهِ وَلَمْ يُعْرَفْ دَلِيلُهُ عَلَى التَّفْصِيلِ , لِأَنَّ مَا عُرِفَ دَلِيلُهُ يُمْكِنُ النَّظَرُ فِي مَعْنَاهُ , وَتَرْجِيحُهُ عَلَى غَيْرِهِ وَمِنْهَا: أَنْ يَكُونَ أَصْلُ إِحْدَاهُمَا قَدْ عُرِفَ بِنُطْقٍ , وَأَصْلُ الْأُخْرَى

قَدْ عُرِفَ بِمَفْهُومٍ أَوِ اسْتِنْبَاطٍ , فَمَا عُرِفَ بِالنُّطْقِ أَوْلَى , وَالْمُنْتَزَعُ مِنْهُ يَكُونُ أَقْوَى وَمِنْهَا: أَنْ يَكُونَ أَصْلُ إِحْدَاهُمَا مِنْ جِنْسِ الْفَرْعِ , فَقِيَاسُهُ عَلَيْهِ أَوْلَى مِنْ قِيَاسِهِ عَلَى مَا لَيْسَ مِنْ جِنْسِهِ وَمِنْهَا: أَنْ تَكُونَ إِحْدَاهُمَا مَرْدُودَةً إِلَى أَصْلٍ , وَالْأُخْرَى مَرْدُودَةً إِلَى أُصُولٍ , فَالْمَرْدُودَةُ إِلَى أُصُولٍ أَوْلَى , لِأَنَّ مَا كَثُرَتْ أُصُولُهُ أَقْوَى وَمِنْهَا: أَنْ تَكُونَ إِحْدَاهُمَا مَنْصُوصًا عَلَيْهَا , وَالْأُخْرَى غَيْرُ مَنْصُوصٍ عَلَيْهَا , فَالْعِلَّةُ الْمَنْصُوصُ عَلَيْهَا أَوْلَى , لِأَنَّ النَّصَّ أَقْوَى مِنَ الِاسْتِنْبَاطِ وَمِنْهَا: أَنْ تَكُونَ إِحْدَاهُمَا تَقْتَضِي احْتِيَاطًا فِي فَرْضٍ , وَالْأُخْرَى لَيْسَتْ كَذَلِكَ , فَالَّتِي تَقْتَضِي الِاحْتِيَاطَ أَوْلَى , لِأَنَّهَا أَسْلَمُ فِي الْمُوجِبِ وَمِنْهَا: أَنْ يَكُونَ مَعَ إِحْدَاهُمَا قَوْلُ صَحَابِيٍّ فَهِيَ أَوْلَى , لِأَنَّ قَوْلَ الصَّحَابِيِّ حُجَّةٌ , فِي مَذْهَبِ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ , فَإِذَا انْضَمَّ إِلَى الْقِيَاسِ قَوَّاهُ

باب الكلام في: استصحاب الحال استصحاب الحال ضربان: أحدهما: استحباب حال العقل والثاني: استصحاب حال الإجماع فأما استصحاب حال العقل فهو: الرجوع إلى براءة الذمة في الأصل , وذلك طريق يفزع المجتهد إليه عند عدم أدلة الشرع , مثاله: أن يسأل شافعي عن الوتر

§بَابُ الْكَلَامِ فِي: اسْتِصْحَابِ الْحَالِ اسْتِصْحَابُ الْحَالِ ضِرْبَانِ: أَحَدُهُمَا: اسْتِحْبَابُ حَالِ الْعَقْلِ وَالثَّانِي: اسْتِصْحَابُ حَالِ الْإِجْمَاعِ فَأَمَّا اسْتِصْحَابُ حَالِ الْعَقْلِ فَهُوَ: الرُّجُوعُ إِلَى بَرَاءَةِ الذِّمَّةِ فِي الْأَصْلِ , وَذَلِكَ طَرِيقٌ يَفْزَعُ الْمُجْتَهِدُ إِلَيْهِ عِنْدَ عَدَمِ أَدِلَّةِ الشَّرْعِ , مِثَالُهُ: أَنْ يُسْأَلَ شَافِعِيُّ عَنِ الْوِتْرِ فَيَقُولُ: لَيْسَ بِوَاجِبٍ , فَإِذَا طُولِبَ بِدَلِيلٍ يَقُولُ: لِأَنَّ طَرِيقَ وُجُوبِهِ الشَّرْعُ , وَقَدْ طَلَبْتُ الدَّلِيلَ الْمُوجِبَ مِنْ جِهَةِ الشَّرْعِ فَلَمْ أَجِدْ , فَوَجَبَ أَنْ لَا يَكُونَ وَاجِبًا وَأَنْ تَكُونَ ذِمَّتُهُ بَرِيئَةً مِنْهُ كَمَا كَانَتْ قَبْلُ , فَإِنْ قَالَ السَّائِلُ: مَا تُنْكِرُ أَنْ يَكُونَ الدَّلِيلُ مَوْجُودًا , وَأَنْتَ مُخْطِئٌ فِي الطَّلَبِ , وَتَارِكٌ لِلدَّلِيلِ الْمُوجِبِ قَالَ لَهُ: لَا يَجِبُ عَلَيَّ أَكْثَرُ مِنَ الطَّلَبِ , وَإِذَا لَمْ أَجِدْ لَزِمَنِي تَبْقِيَهُ الذِّمَّةِ عَلَى الْبَرَاءَةِ كَمَا كَانَتْ وَهَذَا كَلَامٌ صَحِيحٌ لَيْسَ يَلْزَمُهُ الِانْتِقَالُ عَنِ اسْتِصْحَابِ الْحَالِ إِلَّا بِدَلِيلٍ شَرْعِيٍّ يَنْقُلُهُ عَنْهُ , فَإِنْ وَجَدَ دَلِيلًا مِنْ أَدِلَّةِ الشَّرْعِ انْتَقَلَ عَنْهُ سَوَاءً كَانَ ذَلِكَ الدَّلِيلُ نُطْقًا أَوْ مَفْهُومَ نَصٍّ أَوْ ظَاهِرًا , لِأَنَّ هَذِهِ الْحَالَ إِنَّمَا اسْتَصْحَبَهَا لِعَدَمِ دَلِيلٍ شَرْعِيٍّ , فَأَيُّ دَلِيلٍ ظَهَرَ مِنْ جِهَةِ الشَّرْعِ حَرُمَ عَلَيْهِ اسْتِصْحَابُ الْحَالِ بَعْدَهُ

وَالضَّرْبُ الثَّانِي: اسْتِصْحَابُ حَالِ الْإِجْمَاعِ , مِثْلَ أَنْ يَقُولَ الشَّافِعِيُّ , فِي الْمُتَيَمِّمِ إِذَا رَأَى الْمَاءَ فِي أَثْنَاءِ صَلَاتِهِ أَنَّهُ يَمْضِي فِيهَا , لِأَنَّهُمْ أَجْمَعُوا قَبْلَ رُؤْيَةِ الْمَاءِ عَلَى انْعِقَادِ صَلَاتِهِ فَيَجِبُ أَنْ يَسْتَصْحِبَ هَذِهِ الْحَالَ , بَعْدَ رُؤْيَةِ الْمَاءِ , حَتَّى يَقُومَ دَلِيلٌ يَنْتَقِلُ عَنْهُ لِأَجْلِهِ وَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي هَذَا: فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ هُوَ دَلِيلٌ كَمَا أَنَّ مَنْ تَيَقَّنَ الطَّهَارَةَ ثُمَّ شَكَّ فِي الْحَدَثِ , أَوْ تَيَقَّنَ الْحَدَثَ ثُمَّ شَكَّ فِي الطَّهَارَةِ , أَوْ تَيَقَّنَ النِّكَاحَ وَشَكَّ فِي الطَّلَاقِ , أَوْ تَيَقَّنَ الْمِلْكَ وَشَكَّ فِي الْعِتْقِ , أَنَّ الْيَقِينَ لَا يَزُولُ بِالشَّكِّ , وَيَكُونُ حُكْمُ السَّابِقِ مُسْتَدَامًا فِي حَالِ الشَّكِّ فَكَذَلِكَ هَاهُنَا وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: لَيْسَ بِدَلِيلٍ , لِأَنَّ الدَّلِيلَ هُوَ الْإِجْمَاعُ , وَالْإِجْمَاعُ إِنَّمَا حَصَلَ قَبْلَ رُؤْيَةِ الْمَاءِ , فَإِذَا رَأَى الْمَاءَ , فَقَدْ زَالَ الْإِجْمَاعُ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَسْتَصْحِبَ حُكْمَ الْإِجْمَاعِ , فِي مَوْضِعِ الْخِلَافِ مِنْ غَيْرِ عِلَّةٍ تَجْمَعُ بَيْنَهُمَا

باب القول في: حكم الأشياء قبل الشرع اختلف أهل العلم في الأعيان المنتفع بها قبل ورود الشرع فمنهم من قال: هي على الحظر , فلا يحل الانتفاع بها ولا التصرف فيها ومنهم من قال: هي على الإباحة , فمن رأى شيئا جاز له تناوله وتملكه ومنهم من قال: إنها على الوقف

§بَابُ الْقَوْلِ فِي: حُكْمِ الْأَشْيَاءِ قَبْلَ الشَّرْعِ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي الْأَعْيَانِ الْمُنْتَفَعِ بِهَا قَبْلَ وُرُودِ الشَّرْعِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: هِيَ عَلَى الْحَظْرِ , فَلَا يَحِلُّ الِانْتِفَاعُ بِهَا وَلَا التَّصَرُّفُ فِيهَا وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: هِيَ عَلَى الْإِبَاحَةِ , فَمَنْ رَأَى شَيْئًا جَازَ لَهُ تَنَاوَلُهُ وَتَمَلُّكُهُ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: إِنَّهَا عَلَى الْوَقْفِ لَا يُقْضَى فِيهَا بِحَظْرٍ وَلَا إِبَاحَةٍ فَأَمَّا مَنْ قَالَ هِيَ عَلَى الْحَظْرِ , فَاحْتَجَّ: بِأَنَّ جَمِيعَ الْمَخْلُوقَاتِ مِلْكٌ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ , لِأَنَّهُ خَلَقَهَا وَأَنْشَأَهَا , وَلَا يَجُوزُ الْإِنْتِفَاعُ بِمِلْكِ الْغِيَرِ مِنْ غَيْرِ إِذْنِهِ , وَالَّذِي يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ أَمْلَاكَ الْآدَمَيِّينَ لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ مِنْهُمْ أَنْ يَنْتَفِعَ بِمِلْكِ غَيْرِهِ إِلَّا بِإِذْنِهِ , فَكَذَلِكَ مِلْكُ اللَّهِ لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَنْتَفِعَ بِهِ بِغَيْرِ إِذْنِهِ وَاحْتَجَّ مَنْ قَالَ هِيَ عَلَى الْإِبَاحَةِ: بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَهَا وَأَوْجَدَهَا , فَلَا يَخْلُو مِنْ أَنْ يَكُونَ خَلَقَهَا لِغَرَضٍ أَوْ لِغَيْرِ غَرَضٍ , فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لِغَيْرِ غَرَضٍ , لِأَنَّهُ يَكُونُ عَبَثًا وَاللَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عَابِثًا فِي أَفْعَالِهِ , فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ خَلَقَهَا لِغَرَضٍ , وَلَا يَخْلُو مِنْ أَنْ يَكُونَ لِيَضُرَّ بِهَا أَوْ لَيَنْفَعَ , فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لِيَضُرَّ بِهَا , لِأَنَّهُ حَكِيمٌ لَا يَبْتَدِي بِالضَّرَرِ , فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ لِلنَّفْعِ , وَلَا يَخْلُو مِنْ أَنْ يَكُونَ لِنَفْعِ نَفْسِهِ أَوْ لِنَفْعِ عِبَادِهِ , فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لِنَفْعِ نَفْسِهِ , لِأَنَّهُ غَنِيُّ غَيْرُ مُحْتَاجٍ إِلَى الِانْتِفَاعِ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ خَلَقَهَا لِيَنْفَعَ بِهَا عِبَادَهُ وَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ تَصَرُّفُهُمْ فِيهَا مُبَاحًا , وَأَنْ يَكُونَ خَلَقَهَا آذِنًا لَهُمْ فِي الِانْتِفَاعِ بِهَا وَأَمَّا مَنْ قَالَ إِنَّهَا عَلَى الْوَقْفِ , وَهُوَ الْقَوْلُ الصَّحِيحُ فَاحْتَجَّ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلَالًا قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ} [يونس: 59] فَأَوْقَعَ جَلَّ ذِكْرُهُ اللَّائِمَةَ عَلَى الْمُحَلِّلِ مِنْهُمْ وَالْمُحَرِّمِ لَهَا , وَسَوَّى بَيْنَهُمَا فِي تَحْلِيلِ مَا لَمْ يَأْذَنِ اللَّهُ فِيهِ , وَتَحْرِيمِ مَا لَمْ يَنْهَ اللَّهُ عَنْهُ , فَوَجَبَ بِذَلِكَ الْمُسَاوَاةُ بَيْنَ الزَّاعِمِينَ , أَنَّهَا فِي الْأَصْلِ عَلَى الْإِبَاحَةِ , وَبَيْنَ الْقَائِلِينَ أَنَّهَا فِي الْأَصْلِ عَلَى التَّحْرِيمِ ,

وَلِهَذَا قَالَ الرَّبِيعُ بْنُ خُثَيْمٍ مَا: أنا الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ الْحَسَنُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ رَامِينَ الْإِسْتَرَابَاذِيُّ , أنا أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي تَوْبَةَ الصُّوفِيُّ , بِشِيرَازَ , نا عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ مَعْدَانَ , نا أَبُو عَمَّارٍ الْحُسَيْنُ بْنُ حُرَيْثٍ , نا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ , نا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ , عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ , قَالَ: قَالَ رَبِيعُ بْنُ خُثَيْمٍ: " أَيُّهَا الْمُفْتُونَ: §انْظُرُوا كَيْفَ تُفْتُونَ , لَا يَقُلْ أَحَدُكُمْ إِنَّ اللَّهَ أَحَلَّ كَذَا وَكَذَا وَأَمَرَ بِهِ , فَيَقُولُ اللَّهُ: كَذَبْتَ لَمْ أُحْلِلْهُ وَلَمْ آمُرْ بِهِ , وَلَا يَقُلْ أَحَدُكُمْ: إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ كَذَا وَكَذَا , وَنَهَى عَنْهُ , فَيَقُولُ اللَّهُ: كَذَبْتَ -[530]- لَمْ أُحَرِّمْهُ وَلَمْ أَنْهَ عَنْهُ " قُلْتُ: وَلِأَنَّ الْمُبَاحَ مَا أَعْلَمَ صَاحِبُ الشَّرْعِ أَنَّهُ لَا ثَوَابَ فِي فِعْلِهِ , وَلَا عِقَابَ فِي تَرْكِهِ وَالْمَحْظُورُ: مَا أَعْلَمَ أَنَّ فِيَ فِعْلِهِ عِقَابًا , فَإِذَا لَمْ يَرِدِ الشَّرْعُ بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا وَجَبَ أَنْ لَا يَكُونَ مَحْظُورًا وَلَا مُبَاحًا , وَيَكُونُ حُكْمُهُ مَوْقُوفًا عَلَى وُرُودِ الشَّرْعِ , فَيَحْكُمُ بِمَا يَرِدُ الشَّرْعُ فِيهِ فَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِ مَنْ حَظَرَهَا بِأَنَّهَا مِلْكٌ لِلَّهِ فَهُوَ: أَنَّهُ إِنْ أَرَادَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ التَّصَرُّفُ فِي مِلْكِ الْغِيَرِ إِلَّا بِإِذْنِهِ مِنْ طَرِيقِ الْعَقْلِ لَمْ يَسْلَمْ لَهُ ذَلِكَ , وَهَلْ وَقَعَتِ الْمُنَازَعَةُ إِلَّا فِيهِ , وَإِنْ أَرَادَ بِهِ مِنْ طَرِيقِ الشَّرْعِ , فَهُوَ صَحِيحٌ , وَلِهَذَا قُلْنَا إِنَّهُ مَوْقُوفٌ عَلَى مَجِيءِ الشَّرْعِ , وَأَمَّا أَمْلَاكُ الْآدَمَيِّينَ فَإِنَّمَا حَرُمَ التَّصَرُّفُ فِيهَا مِنْ غَيْرِ إِذْنِ مَالِكِهَا بِالشَّرْعِ دُونَ الْعَقْلِ , وَلَمْ يَكُنْ لَهُ فِيمَا ذَكَرَهُ حُجَّةٌ وَأَمَّا الْجَوَابُ عَمَّا احْتَجَّ بِهِ مَنْ أَبَاحَهَا فَهُوَ أَنَّهُ غَيْرُ صَحِيحٍ , لَأَنَّا لَا نُعَلِّلُ أَفْعَالَ اللَّهِ , وَعَلَى أَنَّ مَا ذَكَرُوهُ يَنْقَلِبُ عَلَيْهِمْ فِيمَا خَلَقَهُ اللَّهُ وَحَرَّمَهُ عَلَى عِبَادِهِ مِثْلِ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ , وَيُقَسَّمُ عَلَيْهِمْ مِثْلَ تَقْسِيمِهِمْ حَرْفًا بِحَرْفٍ , مَعَ أَنَّا نَقُولُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ تَعَالَى خَلَقَهَا لِيَمْتَحِنَهُمْ بِالْكَفِّ عَنْهَا , وَيُثِيبَهُمْ عَلَى ذَلِكَ , أَوْ لِيَسْتَدِلُّوا بِهَا عَلَى خَالِقِهَا , وَهَذَا وَجْهٌ يُخْرِجُهُ مِنْ حَدِّ الْعَبَثِ فَسَقَطَ مَا قَالُوهُ -[531]- وَفَائِدَةُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ مَنْ حَرَّمَ شَيْئًا أَوْ أَبَاحَهُ فَسُئِلَ عَنْ حُجَّتِهِ , فَقَالَ: طَلَبْتُ دَلِيلَ الشَّرْعِ فَلَمْ أَجِدْ فَبَقِيتُ عَلَى حُكْمِ الْعَقْلِ مِنْ تَحْرِيمٍ أَوْ إِبَاحَةٍ هَلْ يَصِحُّ ذَلِكَ أَوْ لَا؟ وَهَلْ يَلْزَمُ خَصْمَهُ احْتِجَاجُهُ بِهَذَا الْقَوْلِ أَوْ لَا؟ وَهَذَا مِمَّا يَحْتَاجُ الْفَقِيهُ إِلَى مَعْرِفَتِهِ وَالْوُقُوفِ عَلَى حَقِيقَتِهِ

باب ترتيب استعمال الأدلة واستخراجها

§بَابُ تَرْتِيبِ اسْتِعْمَالِ الْأَدِلَّةِ وَاسْتِخْرَاجِهَا

أنا الْقَاضِي أَبُو عُمَرَ الْقَاسِمُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ عَبْدِ الْوَاحِدِ الْهَاشِمِيُّ , نا أَبُو الْحَسَنِ , عَلِيُّ بْنُ إِسْحَاقَ الْمَادَرَائِيُّ , نا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْمَعْمَرِيُّ , وَأَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْوَاعِظُ , أنا أَبُو سَهْلٍ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْقَطَّانُ , نا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ شَبِيبٍ , نا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ , نا مُحَمَّدُ بْنُ شُعَيْبٍ , أَخْبَرَنِي رَوْحُ بْنُ جُنَاحٍ , عَنْ مَنْصُورٍ , عَنْ أَبِي وَائِلٍ , أَنَّهُ أَخْبَرَهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ , أَنَّهُ خَرَجَ عَلَيْهِمْ وَهُوَ عَامِلٌ لِعُمَرَ عَلَى الْكُوفَةِ , وَقَدْ حَضَرَ أُنَاسٌ كَثِيرٌ , فَمِنْهُمُ الْمُسْتَفْتِي , وَمِنْهُمُ الْمُخَاصِمُ , فَلَمَّا رَأَى كَثْرَةَ مَنْ حَضَرَهُ , حَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ , ثُمَّ قَالَ: «قَدْ كُنَّا» - وَفِي حَدِيثِ الْقَطَّانِ: إِنَّا كُنَّا - " وَلَسْنَا بِشَيْءٍ , ثُمَّ بَلَغَ اللَّهُ بِنَا مَا تَرَوْنَ مِمَّا يَحْتَاجُ إِلَيْنَا فِيهِ , §فَمَنْ عَرَضَ لَهُ مِنْكُمْ قَضَاءٌ فَلْيَعْرِضْهُ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ , فَإِنْ كَانَ مِمَّا أَحْكَمَ الْكِتَابُ فَلْيُمْضِهِ , وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِمَّا أَحْكَمَ الْكِتَابُ فَلْيَعْرِضْهُ، وَقَالَ المَادِرَائِيُّ: فَلْيَعْرِضَ القَضَاءَ عَلَى سُنَّةِ نَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِنْ كَانَ مِمَّا أَحْكَمَتِ السُّنَّةُ فَلْيَمْضِه، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ مُحْكَمِ الْكِتَابِ وَلَا مَضَتْ فِيهِ سُنَّةُ نَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَمَا اجْتَمَعَ عَلَيْهِ الرِّجَالُ " , - وَقَالَ الْقَطَّانُ: فَمَا اجْتَمَعَ عَلَيْهِ الرِّضَا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فَإِنْ كَانَ مِمَّا اجْتَمَعُوا عَلَيْهِ فَلْيُمْضِهِ , وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِمَّا -[533]- اجْتَمَعُوا عَلَيْهِ فَلْيَقُلْ بِرَأْيِهِ تَيَمُّمًا لِلْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ , وَلَا يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ أَخَافُ وَلَا أَدْرِي , إِنَّ الْحَلَالَ بَيِّنٌ , وَالْحَرَامَ بَيِّنٌ , وَشُبُهَاتٌ بَيْنَ ذَلِكَ مَنْ تَوَقَّاهُنَّ كَانَ أَقَرَّ» - وَقَالَ الْقَطَّانُ: كَانَ أَوْفَرَ - «لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ»

أنا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي جَعْفَرٍ الْقَطِيعِيُّ , وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي عَلِيٍّ الْبَصْرِيُّ , قَالَا: أنا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْبَرْذَعِيُّ , نا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي حَاتِمٍ , نا أَبِي قَالَ: سَمِعْتُ يُونُسَ بْنَ عَبْدِ الْأَعْلَى الصَّدَفِيُّ , قَالَ: قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِدْرِيسَ الشَّافِعِيُّ: §«الْأَصْلُ قُرْآنٌ أَوْ سُنَّةٌ , فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَقِيَاسٌ عَلَيْهِمَا , وَإِذَا اتَّصَلَ الْحَدِيثُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَحَّ الْإِسْنَادُ مِنْهُ فَهُوَ سُنَّةٌ , وَالْإِجْمَاعُ أَكْثَرُ مِنَ الْخَبَرِ الْمُنْفَرِدِ , وَالْحَدِيثُ عَلَى ظَاهِرِهِ , وَإِذَا احْتَمَلَ الْمَعَانِيَ , فَمَا أَشْبَهَ مِنْهَا ظَاهِرَهُ أُولَاهَا بِهِ , وَإِذَا تَكَافَأَت الأَحَادِيثُ فَأَصَحُّهَا إِسْنَاداً أَوْلَاهَا , وَلَيْسَ الْمُنْقَطِعُ بِشَيْءٍ , مَا عَدَا مُنْقَطِعَ ابْنِ الْمُسَيِّبِ»

وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ , نا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى الْمِصْرِيُّ , نَفْسُهُ قَالَ سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ , يَقُولُ: §«لَا يُقَاسُ أَصْلٌ عَلَى أَصْلٍ , وَلَا يُقَاسُ عَلَى خَاصٍّ , وَلَا يُقَالُ لِأَصْلٍ لِمَ؟ وَكَيْفَ؟» زَادَ أَبِي فِي حَدِيثِهِ عَنْ يُونُسَ , عَنِ الشَّافِعِيِّ -[534]-: «إِنَّمَا يُقَالُ لِلْفَرْعِ لِمَ؟ , فَإِذَا صَحَّ قِيَاسُهُ عَلَى الْأَصْلِ صَحَّ وَقَامَتْ بِهِ الْحُجَّةُ»

أنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عُمَرَ الْبَرْمَكِيُّ , أنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَلَفٍ الدَّقَّاقُ , نا عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى الْجَوْهَرِيُّ , نا أَبُو بَكْرٍ الْأَثْرَمُ , قَالَ: رَأَيْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ , فِيمَا سَمِعْنَا مِنْهُ , مِنَ الْمَسَائِلِ , §«إِذَا كَانَ فِي الْمَسْأَلَةِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدِيثٌ لَمْ يَأْخُذْ فِيهَا بِقَوْلِ أَحَدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ , وَلَا مَنْ بَعْدَهُ خِلَافَهُ , وَإِذَا كَانَ فِي الْمَسْأَلَةِ عَنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْلٌ مُخْتَلِفٌ تَخَيَّرَ مِنْ أَقَاوِيلِهِمْ , وَلَمْ يَخْرُجْ مِنْ أَقَاوِيلِهِمْ إِلَى قَوْلِ مَنْ بَعْدَهُمْ , وَإِذَا لَمْ يَكُنْ فِيهَا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَلَا عَنْ أَصْحَابِهِ قَوْلٌ تَخَيَّرَ مِنْ أَقَاوِيلِ التَّابِعِينَ , وَرُبَّمَا كَانَ الْحَدِيثُ عَنِ النَّبِيِّ وَفِي إِسْنَادِهِ شَيْءٌ فَيَأْخُذُ بِهِ , إِذَا لَمْ يَجِئْ خِلَافُهُ أَثْبَتَ مِنْهُ , مِثْلُ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ , وَمَثَلُ حَدِيثِ إِبْرَاهِيمَ الْهَجَرِيِّ , وَرُبَّمَا أَخَذَ بِالْحَدِيثِ الْمُرْسَلِ , إِذَا لَمْ يَجِئْ خِلَافُهُ» قُلْتُ: الَّذِي ذَكَرَهُ الشَّافِعِيُّ أَصْلٌ جَامِعٌ لِاسْتِعْمَالِ أَدِلَّةِ الشَّرِيعَةِ , وَكَيْفَ تُرَتَّبُ طُرُقُهَا , وَتُسْتَنْبَطُ أَحْكَامُهَا , فَيَجِبُ عَلَى الْعَالِمِ إِذَا نَزَلَتْ بِهِ نَازِلَةٌ أَنْ يَطْلُبَ حُكْمَهَا فِي كِتَابِ اللَّهِ , وَسُنَّةِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَيَنْظُرَ فِي

مَنْطُوقِ النُّصُوصِ , وَالظَّوَاهِرِ وَمَفْهُومِهَا , وَفِي أَفْعَالِ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَإِقْرَارِهِ وَلَيْسَ فِي نَصِّ الْقُرْآنِ وَلَا نَصِّ الْحَدِيثِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَعَارُضٌ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا} [النساء: 82] , وَقَالَ مُخْبِرًا عَنْ نَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى , إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم: 4] , فَأُخْبِرَ أَنَّهُ لَا اخْتِلَافَ فِي شَيْءٍ مِنَ الْقُرْآنِ , وَأَنَّ كَلَامَ نَبِيِّهِ وَحْيٌ مِنْ عِنْدِهِ , فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ كُلَّهُ مُتَّفِقٌ , وَأَنَّ جَمِيعَهُ مُضَافٌ بَعْضُهُ إِلَى بَعْضٍ , وَمَبْنِيُّ بَعْضُهُ عَلَى بَعْضٍ إِمَّا بِعَطْفٍ , أَوِ اسْتِثْنَاءٍ , أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا قَدَّمْنَاهُ , وَقَدْ بَيَّنَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي:

أنا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْجَوْهَرِيُّ , أنا عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ النَّاقِدُ , أنا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْفِرْيَابِيُّ , نا أَحْمَدُ بْنُ عِيسَى , نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ , أَخْبَرَنِي عَمْرٌو , عَنِ ابْنِ شِهَابٍ , عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ: أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ , قَالَ: وَجَدَ عُمَرُ حُلَّةً مِنْ إِسْتَبْرَقٍ تُبَاعُ فِي السُّوقِ فَأَخَذَهَا , فَأَتَى بِهَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ , ابْتَعْ هَذِهِ فَتَجَمَّلْ بِهَا لِلْعِيدِ وَلِلْوَفْدِ , فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: §«إِنَّمَا يَلْبَسُ هَذِهِ مَنْ لَا خَلَاقَ لَهُ» , أَوْ قَالَ: «إِنَّمَا هَذِهِ لِبَاسُ مَنْ لَا خَلَاقَ لَهُ» قَالَ: فَلَبِثَ عُمَرُ مَا شَاءَ اللَّهُ , ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , بِجُبَّةِ دِيبَاجٍ , فَأَقْبَلَ بِهَا عُمَرُ , حَتَّى أَتَى بِهَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ قُلْتُ: إِنَّمَا هَذِهِ لِبَاسُ مَنْ لَا خَلَاقَ لَهُ ثُمَّ أَرْسَلْتَ إِلَيَّ بِهَذِهِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -[536]-: «تَبِيعُهَا أَوْ تُصِيبُ بِهَا حَاجَتَكَ أَوْ نَحْوَ هَذَا» فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ تَعْلِيمٌ لِاسْتِعْمَالِ السُّنَنِ , وَالْأَخْذِ بِهَا كُلِّهَا لِأَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَبَاحَ مِلْكَ الْحُلَّةِ مِنَ الْحَرِيرِ وَبَيْعَهَا وَهِبَتَهَا وَكُسْوَتَهَا لِلنِّسَاءِ , وَأَمَرَ عُمَرَ أَنْ يَسْتَثْنِيَ مِنْ ذَلِكَ اللِّبَاسَ الْمَذْكُورَ فِي حَدِيثِ النَّهْيِ فَقَطْ , وَلَا يَتَعَدَّاهُ إِلَى غَيْرِهِ

قَرَأْتُ عَلَى أَبِي الْقَاسِمِ الْأَزْجِيِّ , عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ جَعْفَرٍ , قَالَ: أنا أَبُو بَكْرٍ الْخَلَّالُ , قَالَ: حَدَّثَنِي يُوسُفُ بْنُ مُوسَى , قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ يَعْنِي أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ مَا تَقُولُ فِي الْخَبَرِ الْوَاحِدِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , تَسْتَعْمِلُهُ قَالَ: §«نَعَمْ , إِذَا صَحَّ الْخَبَرُ وَلَمْ يُخَالِفْهُ أَحَدٌ غَيْرُهُ»

أَخْبَرَنِي الْقَاضِي أَبُو الْعَلَاءِ الْوَاسِطِيُّ , وَأَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْوَاحِدِ الْمَرْوَرُوذِيُّ , - قَالَ أَحْمَدُ: نا، وَقَالَ أَبُو الْعَلَاءِ: أنا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّيْسَابُورِيُّ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا زَكَرِيَّا الْعَنْبَرِيَّ , يَقُولُ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ إِسْحَاقَ بْنِ خُزَيْمَةَ , يَقُولُ: §«لَيْسَ لِأَحَدٍ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْلٌ إِذَا صَحَّ الْخَبَرُ عَنْهُ»

سَمِعْتُ أَبَا هِشَامٍ الرِّفَاعِيَّ , يَقُولُ: سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ آدَمَ , يَقُولُ: §" لَا يُحْتَاجُ مَعَ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى قَوْلِ أَحَدٍ , وَإِنَّمَا كَانَ يُقَالُ: سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ , لِيُعْلَمَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , مَاتَ عَلَيْهَا " وَيَجِبَ أَنْ يُحْمَلَ حَدِيثُ رَسُولِ اللَّهِ عَلَى عُمُومِهِ وَظَاهِرِهِ , إِلَّا أَنْ يَقُومَ الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ غَيْرُ ذَلِكَ , فَيَعْدِلُ إِلَى مَا دَلَّ الدَّلِيلُ عَلَيْهِ

أنا الْجَوْهَرِيُّ , أنا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَبَّاسِ الْخَزَّازُ , أنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَيْفٍ , نا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ , قَالَ: قَالَ الشَّافِعِيُّ: §" وَلَوْ جَازَ فِي الْحَدِيثِ أَنْ يُحَالَ شَيْءٌ مِنْهُ عَنْ ظَاهِرِهِ إِلَى مَعْنًى بَاطِنٍ يَحْتَمِلُهُ , كَانَ أَكْثَرُ الْحَدِيثِ يَحْتَمِلُ عَدَدًا مِنَ الْمَعَانِي , فَلَا يَكُونُ لِأَحَدٍ ذَهَبَ إِلَى مَعْنًى مِنْهَا حُجَّةٌ عَلَى أَحَدٍ ذَهَبَ إِلَى مَعْنًى غَيْرِهِ , وَلَكِنَّ الْحَقَّ فِيهَا وَاحِدٌ: أَنَّهَا عَلَى ظَاهِرِهَا وَعُمُومِهَا إِلَّا بِدَلَالَةٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , أَوْ قَوْلِ عَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ بِأَنَّهَا عَلَى خَاصٍّ دُونَ عَامٍّ , أَوْ بَاطِنٍ دُونَ ظَاهِرٍ , إِذَا كَانَتْ إِذَا صُرِفَتْ إِلَيْهِ عَنْ ظَاهِرِهَا مُحْتَمِلَةً لِلدُّخُولِ فِي مَعْنَاهُ , وَسَمِعْتُ عَدَدًا مِنْ مُقَدَّمِي أَصْحَابِنَا , وَبَلَغَنِي عَنْ عَدَدٍ مِنْ مُقَدَّمِي أَهْلِ الْبُلْدَانِ فِي الْفِقْهِ مَعْنَى هَذَا الْقَوْلِ وَلَا يُخَالِفُهُ "

قَالَ الشَّافِعِيُّ: «وَكُلَّمَا احْتَمَلَ حَدِيثَانِ أَنْ يُسْتَعْمَلَا مَعًا , اسْتُعْمِلَا مَعًا , وَلَمْ يُعَطِّلْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا الْآخَرَ» قُلْتُ: وَهَذَا الْقَوْلُ صَحِيحٌ , وَأَنَا أَذْكُرُ بَعْضَ الْأَحَادِيثِ الَّتِي يُظَنُّ أَنَّهَا مُتَضَادَّةٌ لِتَعَارُضِهَا فِي الظَّاهِرِ وَلَيْسَتْ مُتَضَادَّةً , وَأُبَيِّنُ كَيْفَ وَجْهُ اسْتِعْمَالِ جَمِيعِهَا لِيُسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى مَا عَدَاهُ مِنْ هَذَا الْفَنِّ إِنْ شَاءَ اللَّهُ

أنا أَبُو الْحَسَنِ , عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْحَذَّاءُ الْمُقْرِئُ , وَأَبُو الْقَاسِمِ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ أَحْمَدَ الْوَاعِظُ قَالَا: أنا أَبُو بَحْرٍ , مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ كَوْثَرٍ الْبَرْبَهَارِيِّ , نا إِبْرَاهِيمُ بْنُ إِسْحَاقَ الْحَرْبِيُّ , نا مُسَدَّدٌ , نا عَبْدُ الْوَارِثِ , عَنْ أَيُّوبَ , عَنْ عِكْرِمَةَ , عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ §«سَجَدَ فِي النَّجْمِ وَسَجَدَ مَعَهُ الْمُسْلِمُونَ وَالْمُشْرِكُونَ وَالْجِنُّ وَالْإِنْسُ»

وَأَنَا الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ الْحِيرِيُّ , نا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْأَصَمُّ , أنا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ , أنا الشَّافِعِيُّ , أنا ابْنُ أَبِي فُدَيْكٍ , عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئبٍ , عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قُسَيْطٍ , عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ , عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ -[539]-: §" أَنَّهُ قَرَأَ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالنَّجْمِ , فَلَمْ يَسْجُدْ فِيهَا لَيْسَ فِي هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ تَضَادٌّ , وَلَا أَحَدُهُمَا نَاسِخٌ لِلْآخَرِ , وَفِيهِمَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ سُجُودَ التِّلَاوَةِ لَيْسَ بِحَتْمٍ , لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَجَدَ فِي النَّجْمِ تَارَةً وَتَرَكَ السُّجُودَ فِيهَا تَارَةً أُخْرَى , وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يُتْرَكَ وَهَذَا اخْتِلَافٌ مِنْ جِهَةِ الْمُبَاحِ ,

وَمِنْ ذَلِكَ حَدِيثٌ: أَنَاهُ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ الْحِيرِيُّ , نا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ , أنا الرَّبِيعُ , أنا الشَّافِعِيُّ , أنا سُفْيَانُ , عَنِ الزُّهْرِيِّ , عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ , عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ §«نَهَى أَنَّ تُسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةُ بِغَائِطٍ أَوْ بَوْلٍ , وَلَكِنْ شَرِّقُوا أَوْ غَرِّبُوا» قَالَ أَبُو أَيُّوبَ: فَقَدِمْنَا الشَّامَ فَوَجَدْنَا مَرَاحِيضَ قَدْ بُنِيَتْ قِبَلَ الْقِبْلَةِ فَنَنْحَرِفُ عَنْهَا , وَنَسْتَغْفِرُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ

ثُمَّ أنا أَبُو الْحُسَيْنِ , مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ حَسْنُونَ النَّرْسِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي جَدِّي , لِأُمِّي الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ السَّامِرِيُّ بِسَامُرَاءَ , أنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ الْهَاشِمِيُّ , نا أَبُو مُصْعَبٍ الزُّهْرِيُّ , عَنْ مَالِكٍ , عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ , عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حَبَّانَ , عَنْ عَمِّهِ , وَاسِعِ بْنِ حَبَّانَ , عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ , أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: «إِنَّ §نَاسًا يَقُولُونَ إِذَا قَعَدْتَ لِحَاجَتِكَ , فَلَا تَسْتَقْبِلِ الْقِبْلَةَ , وَلَا بَيْتَ الْمَقْدِسِ» , فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: «لَقَدِ ارْتَقَيْتُ عَلَى ظَهْرِ بَيْتِنَا , فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , مُسْتَقْبِلًا بَيْتَ الْمَقْدِسِ لِحَاجَتِهِ» وَلَيْسَ فِي هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ خِلَافٌ وَلَا نَسْخٌ , أَمَّا حَدِيثُ أَبِي أَيُّوبَ فَإِنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى النَّهْيِ عَنِ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ وَاسْتِدْبَارِهَا فِي الصَّحْرَاءِ , وَكَانَ الْقَوْمُ عُرُبًا يَخْرُجُونَ لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ إِلَى الصَّحَارِي , وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِمْ ضَرُورَةٌ فِي أَنْ يَنْحَرِفُوا عَنْ جِهَةِ الْقِبْلَةِ شَرْقًا أَوْ غَرْبًا , وَحَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ خَاصٌّ فِي الْمَنَازِلِ , لِأَنَّهَا مُتَضَايِقَةٌ , لَا يُمْكِنُ مِنَ التَّحَرُّفِ فِيهَا مَا يُمْكِنُ فِي الصَّحْرَاءِ , فَلَمَّا ذَكَرَ ابْنُ عُمَرَ أَنَّهُ رَأَى رَسُولَ اللَّهِ مُسْتَقْبِلًا بَيْتَ الْمَقْدِسِ , وَهُوَ حِينَئِذٍ مُسْتَدْبِرُ الْكَعْبَةَ , دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ النَّهْيَ مُنْصَرِفٌ إِلَى اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ وَاسْتِدْبَارِهَا فِي الصَّحْرَاءِ دُونَ الْمَنَازِلِ , وَسَمِعَ أَبُو أَيُّوبَ النَّهْيَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَلَمْ يَعْلَمْ مَا عَلِمَهُ ابْنُ عُمَرَ , -[541]- فَخَافَ الْمَأْثَمَ فِي أَنْ يَجْلِسَ لِقَضَاءِ حَاجَتِهِ مُسْتَقْبِلَ الْكَعْبَةِ فَتَحَرَّفَ عَنْ جِهَتِهَا , وَهَكَذَا يَجِبُ عَلَى كُلِّ مَنْ سَمِعَ شَيْئًا , أَنْ يَعْمَلَ بِهِ , إِذَا لَمْ يَعْرِفْ غَيْرَهُ

أنا الْبُرْقَانِيُّ , قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى أَبِي الْفَضْلِ بْنِ خَمِيرَوَيْهِ , أَخْبَرَكُمْ مُحَمَّدُ بْنُ نَجْدَةَ , نا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ , نا هُشَيْمٌ , أنا حُصَيْنٌ , قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: أَيُّكُمْ رَأَى الْكَوْكَبَ الَّذِي انْقَضَّ الْبَارِحَةَ؟ قُلْتُ أَنَا: أَمَا إِنِّي لَمْ أَكُنْ فِي صَلَاةٍ وَلَكِنِّي لُدِغْتُ قَالَ: فَمَا فَعَلْتَ؟ قُلْتُ: اسْتَرْقَيْتُ قَالَ: فَمَا حَمَلَكَ عَلَى ذَلِكَ؟ قُلْتُ: حَدِيثٌ حَدَّثَنَاهُ الشَّعْبِيُّ قَالَ: وَمَا حَدَّثَكُمُ الشَّعْبِيُّ؟ قُلْتُ: نا الشَّعْبِيُّ , عَنْ بُرَيْدَةَ بْنِ حُصَيْبٍ الْأَسْلَمِيِّ أَنَّهُ قَالَ: §«لَا رُقْيَةَ إِلَّا مِنْ عَيْنٍ أَوْ حُمَةٍ» قَالَ سَعِيدٌ: قَدْ أَحْسَنَ مَنِ انْتَهَى إِلَى مَا سَمِعَ وَقَدْ كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ عَلِمَ نَهْيَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ أَوِ اسْتِدْبَارِهَا لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ فَحَمَلَ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ قَصَدَ بِهِ فِي الْفَضَاءَ دُونَ الْمَنَازِلِ عِنْدَمَا رَأَى مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "

أنا الْقَاضِي أَبُو عُمَرَ الْهَاشِمِيُّ , نا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ اللُّؤْلُؤِيُّ , نا أَبُو دَاوُدَ , نا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ فَارِسٍ , نا صَفْوَانُ بْنُ عِيسَى , عَنِ الْحَسَنِ بْنِ ذَكْوَانَ , عَنْ مَرْوَانَ الْأَصْفَرِ , قَالَ: رَأَيْتُ ابْنَ عُمَرَ أَنَاخَ -[542]- رَاحِلَتَهُ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ , ثُمَّ جَلَسَ يَبُولُ إِلَيْهَا , فَقُلْتُ: أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَلَيْسَ قَدْ نُهِيَ عَنْ هَذَا؟ قَالَ: §«بَلَى , إِنَّمَا نُهِيَ عَنْ ذَلِكَ فِي الْفَضَاءِ , فَإِذَا كَانَ بَيْنَكَ وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ شَيْءٌ يَسْتُرُكَ فَلَا بَأْسَ»

وَمِنْ ذَلِكَ حَدِيثٌ: أَنَاهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ الْحَرْبِيُّ , أنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الشَّافِعِيُّ , نا إِسْحَاقُ بْنُ الْحَسَنِ , نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ , عَنْ مَالِكٍ , عَنِ ابْنِ شِهَابٍ , عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ , عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ , عَنِ الصَّعْبِ بْنِ جَثَّامَةَ اللَّيْثِيِّ , أَنَّهُ أَهْدَى لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ بِوَدَّانَ أَوْ بِالْأَبْوَاءِ حِمَارًا وَحْشِيًّا , فَرَدَّهُ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: فَلَمَّا رَأَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا بِوَجْهِي قَالَ: §«إِنَّا لَمْ نَرُدَّهُ عَلَيْكَ إِلَّا أَنَا حُرُمٌ»

وَأَنَا الْقَاضِي أَبُو عُمَرَ الْهَاشِمِيُّ , نا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ اللُّؤْلُؤِيُّ , نا أَبُو دَاوُدَ , نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ , عَنْ مَالِكٍ , عَنْ أَبِي النَّضْرِ , مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ التَّيْمِيِّ , عَنْ نَافِعٍ , مَوْلَى أَبِي قَتَادَةَ الْأَنْصَارِيِّ , عَنْ أَبِي قَتَادَةَ , أَنَّهُ كَانَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى إِذَا كَانَ بِبَعْضِ طَرِيقِ مَكَّةَ تَخَلَّفَ مَعَ أَصْحَابٍ لَهُ مُحْرِمِينَ وَهُوَ غَيْرُ مُحْرِمٍ , فَرَأَى حِمَارًا وَحْشِيًّا فَاسْتَوَى عَلَى فَرَسِهِ قَالَ: فَسَأَلَ أَصْحَابَهُ أَنْ يَنَاوِلُوهُ سَوْطَهُ فَأَبَوْا , فَسَأَلَهُمْ رُمْحَهُ فَأَبَوْا , فَأَخَذَهُ ثُمَّ شَدَّ عَلَى الْحِمَارِ فَقَتَلَهُ , فَأَكَلَ مِنْهُ بَعْضُ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَأَبَي بَعْضُهُمْ , فَلَمَّا أَدْرَكُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَأَلُوهُ عَنْ ذَلِكَ , فَقَالَ: §«إِنَّمَا هِيَ طُعْمَةٌ أَطْعَمَكُمُوهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ» وَلَيْسَ يُخَالِفُ أَحَدُ هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ الْآخَرُ , أَمَا الْأَوَّلُ فَعَلِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , أَنَّ الْحِمَارَ صِيدَ مِنْ أَجْلِهِ , وَأُهْدِيَ إِلَيْهِ , وَلَيْسَ لِلْمُحْرِمِ ذَبْحُ حِمَارٍ وَحْشِيٍّ حَيٍّ فَلِذَلِكَ رَدَّهُ وَأَمَّا الْحَدِيثُ الثَّانِي , فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ أَصْحَابَ أَبِي قَتَادَةَ أَنْ يَأْكُلُوا مِمَّا صَادَهُ وَهُوَ رَفِيقُهُمْ لِعِلْمِهِ أَنَّهُ لَمْ يَصِدْهُ لَهُمْ وَلَا بِأَمْرِهِمْ فَحَلَّ لَهُمْ أْكَلُهُ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ , عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَصٌّ فِي هَذَا

أنا الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ الْحِيرِيُّ , نا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ -[544]- الْأَصَمُّ , قَالَ: أنا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ , قَالَ: أنا الشَّافِعِيُّ , قَالَ: أنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ , عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي عَمْرٍو , مَوْلَى الْمُطَّلِبِ , عَنِ الْمُطَّلِبِ , عَنْ جَابِرٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: §«لَحْمُ الصَّيْدِ لَكُمْ فِي الْإِحْرَامِ حَلَالٌ , مَا لَمْ تَصِيدُوهُ أَوْ يُصَادَ لَكُمْ» وَأَمَّا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ: وَإِذَا تَكَافَأَتِ الْأَحَادِيثُ فَأَصَحُّهَا إِسْنَادًا أُولَاهَا فَمِثَالُ ذَلِكَ:

وَمَا أنا أَبُو نُعَيْمٍ الْحَافِظُ , نا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَسَنِ الصَّوَّافُ , نا بِشْرُ بْنُ مُوسَى , نا الْحُمَيْدِيُّ , نا سُفْيَانُ , نا الزُّهْرِيُّ , عَنْ مَحْمُودِ بْنِ الرَّبِيعِ , عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ , أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: §«لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ فِيهَا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ»

وَأَنَا أَبُو سَعِيدٍ الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَسْنُوَيْهِ الْأَصْبَهَانِيُّ , بِهَا , أنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى بْنِ مَزْيَدٍ الْخَشَّابُ , نا أَحْمَدُ بْنُ مَهْدِيٍّ , نا مُحَمَّدُ بْنُ سَمَاعَةَ , أنا مُحَمَّدٌ يَعْنِي ابْنَ الْحَسَنِ - أنا أَبُو حَنِيفَةَ , نا أَبُو الْحَسَنِ , مُوسَى بْنُ أَبِي عَائِشَةَ , عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادِ بْنِ الْهَادِ , عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ: قَالَ: صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَجُلٌ خَلْفَهُ , فَجَعَلَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْهَاهُ عَنِ الْقِرَاءَةِ -[545]- فِي الصَّلَاةِ قَالَ: فَقَالَ: أَتَنْهَانِي عَنِ الْقِرَاءَةِ خَلْفَ نَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَتَنَازَعَا حَتَّى ذُكِرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَقَالَ: §«مَنْ صَلَّى خَلْفَ إِمَامٍ , فَإِنَّ قِرَاءَةَ الْإِمَامِ لَهُ قِرَاءَةٌ» فَإِنَّ حَدِيثَ عُبَادَةَ هُوَ الصَّحِيحُ , وَأَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ فَتَفَرَّدَ بِوَصْلِ إِسْنَادِهِ عَنْ مُوسَى بْنِ أَبِي عَائِشَةَ أَبُو حَنِيفَةَ , وَقِيلَ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عُمَارَةَ كَذَلِكَ , وَالْحَسَنُ ضَعِيفٌ جِدًّا , وَالْمَحْفُوظُ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ تَفَرَّدَ بِوَصْلِهِ , وَخَالَفَهُ الثِّقَاتُ الْحُفَّاظُ , مِنْهُمْ: سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ , وشُعْبَةُ بْنُ الْحَجَّاجِ , وزَائِدَةُ بْنُ قُدَامَةَ , وَأَبُو عَوَانَةَ الْوَضَّاحُ , وَأَبُو الْأَحْوَصِ سَلَّامُ بْنُ سُلَيْمٍ , وشَرِيكُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ , وَسُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ , وجَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ , وَأَبُو إِسْحَاقَ الْفَزَارِيُّ , وَوَكِيعُ بْنُ الْجَرَّاحِ فَرَوَوْهُ , عَنْ مُوسَى بْنِ أَبِي عَائِشَةَ , عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ , عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , لَمْ يَذْكُرُوا فِيهِ جَابِرًا , وَالْقَوْلُ قَوْلُهُمْ , فَلَا تَثْبُتُ بِالْحَدِيثِ حُجَّةٌ , لِأَنَّهُ مُرْسَلٌ

أَخْبَرَنِي أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْوَاحِدِ الْمُنْكَدِرِيُّ , نا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْحَافِظُ , بنَيْسَابُورَ , أنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكَعْبِيُّ , نا إِسْمَاعِيلُ بْنُ قُتَيْبَةَ , نا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ , نا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ , عَنْ هُرَيْمِ بْنِ سُفْيَانَ , عَنْ مُطَرِّفٍ , عَنْ سَوَادَةَ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ , عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ , وَهُوَ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ - قَالَ: «§مِنْ فِقْهِ الرَّجُلِ بَصَرُهُ بِالْحَدِيثِ» -[546]- وَأَمَّا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ: وَلَيْسَ الْمُنْقَطِعُ بِشَيْءٍ مَا عَدَا مُنْقَطِعَ ابْنِ الْمُسَيِّبِ , فَقَدْ ذَكَرَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ , أَنَّ الشَّافِعِيَّ جَعَلَ مُرْسَلَ ابْنِ الْمُسَيِّبِ حُجَّةً لِأَنَّ مَرَاسِيلَهُ كُلَّهَا اعْتُبِرَتْ فَوُجِدَتْ مُتَّصِلَاتٍ مِنْ غَيْرِ حَدِيثِهِ , وَهَذَا الْقَوْلُ لَيْسَ بِشَيْءٍ , لِأَنَّ مِنْ مَرَاسِيلِ سَعِيدٍ مَا لَمْ يُوجَدْ مُتَّصِلًا مِنْ وَجْهِ بَتِّهِ , وَالَّذِي يَقْتَضِي مَذْهَبَ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ جَعَلَ لِسَعِيدٍ مُزِيَّةً فِي التَّرْجِيحِ بِمَرَاسِيلِهِ خَاصَّةً , لِأَنَّ أَكْثَرَهَا وُجِدَ مُتَّصِلًا مِنْ غَيْرِ حَدِيثِهِ , لَا أَنَّهُ جَعَلَهَا أَصْلًا يُحْتَجُّ بِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ فَفِيهَا وَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ: وَلَا يُقَاسُ أَصْلٌ عَلَى أَصْلٍ , مِثَالُ أَنَّ فَرْضَ الزَّكَاةِ فِي الْإِبِلِ فِي كُلِّ خَمْسٍ مِنْهَا شَاةٌ إِلَى أَنْ تَبْلُغَ أَرْبَعًا وَعِشْرِينَ , فَإِذَا بَلَغَتْ خَمْسًا وَعِشْرِينَ فَفِيهَا بِنْتُ مَخَاضٍ إِلَى أَنْ تَبْلُغَ خَمْسًا وَثَلَاثِينَ , فَإِنْ لَمْ تَكُنْ فِيهَا بِنْتُ مَخَاضٍ فَابْنُ لَبُونٍ ذَكَرٌ , وَإِذَا بَلَغَتْ سِتًّا وَثَلَاثِينَ فَفِيهَا بِنْتُ لَبُونٍ إِلَى خَمْسٍ وَأَرْبَعِينَ , فَإِذَا بَلَغَتْ سِتًّا وَأَرْبَعِينَ فَفِيهَا حَقَّةٌ , وَفَرْضُ زَكَاةِ الْبَقَرِ بِخِلَافِ ذَلِكَ فَإِنَّ النِّصَابَ الَّذِي تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ بِبُلُوغِهِ ثَلَاثُونَ , فَإِذَا بَلَغَتْهُ وَجَبَ فِيهَا تَبِيعٌ مِنْهَا , وَلَا شَيْءَ فِيمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى تَبْلُغَ أَرْبَعِينَ , فَإِذَا بَلَغَتْ أَرْبَعِينَ فَفِيهَا مُسِنَّةٌ مِنْهَا , وَعَلَى هَذَا الْحِسَابِ أَبَدًا فِي كُلِّ ثَلَاثِينَ مِنْهَا تَبِيعٌ وَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ مُسِنَّةٌ , فَلَا يُقَاسُ الْإِبِلُ عَلَى الْبَقَرِ , لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَصْلٌ بِنَفْسِهِ وَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ: وَلَا يُقَاسُ عَلَى خَاصٍّ مِثَالُهُ مَا:

أنا الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ الْحِيرِيُّ , نا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْأَصَمُّ , أنا الرَّبِيعُ , أنا الشَّافِعِيُّ , أنا سُفْيَانُ , عَنْ أَبِي الزِّنَادِ , عَنِ الْأَعْرَجِ , عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ , قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -[547]-: §" لَا تُصِرُّوا الْإِبِلَ وَالْغَنَمَ , فَمَنِ ابْتَاعَهَا بَعْدَ ذَلِكَ فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ بَعْدَ أَنْ يَحْلِبُهَا: إِنْ رَضِيَهَا أَمْسَكَهَا , وَإِنْ سَخِطَهَا رَدَّهَا وَصَاعًا مِنْ تَمْرٍ " الْمُصَرَّاةُ مِنَ الْإِبِلِ أَوِ الْغَنَمِ: هِيَ الَّتِي قَدْ جُمِعَ لَبَنُهَا فِي خَلْفِهَا أَوْ ضَرْعِهَا , فَمَنِ ابْتَاعَهَا , فَهُوَ مُبْتَاعٌ لَنَاقَةٍ أَوْ شَاةٍ فِيهَا لَبَنٌ ظَاهِرٌ , وَهُوَ غَيْرُهَا كَالثَّمَرَةِ فِي النَّخْلَةِ الَّتِي إِذَا شَاءَ قَطَعَهَا وَكَذَلِكَ اللَّبَنُ إِذَا شَاءَ حَلَبَهُ , فَإِذَا أَرَادَ رَدَّ الْمُصَرَّاةَ بِعَيْبِ التَّصْرِيَةِ , رَدَّهَا وَرَدَّ مَعَهَا صَاعًا مِنْ تَمْرٍ كَثُرَ اللَّبَنُ أَوْ قَلَّ , وَسَوَاءٌ كَانَ الصَّاعُ قِيمَةَ اللَّبَنِ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ أَوْ أَقَلَّ وَالْعِلْمُ مُحِيطٌ بِأَنَّ أَلْبَانَ الْإِبِلِ وَالْغَنَمِ مُخْتَلِفَةُ الْمَقَادِيرِ وَالْقِيَمِ فَلَمْ يَكُنْ فِيهَا غَيْرُ الصَّاعِ , لِنَصِّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ , وَهَذَا الْأَصْلُ خَاصٌّ , فَلَا يُقَاسُ عَلَيْهِ

أنا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْهَرِيُّ , أنا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَبَّاسِ , أنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَيْفٍ , نا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ , قَالَ: قَالَ الشَّافِعِيُّ , " §حَاكِيًا عَمَّنْ سَأَلَهُ , فَقَالَ: كَيْفَ يَرُدُّ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ وَلَا يَرُدُّ ثَمَنَ اللَّبَنِ؟ قُلْتُ: أَيَثْبُتُ هَذَا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: نَعَمْ , قُلْتُ: مَا ثَبَتَ عَنْهُ فَلَيْسَ فِيهِ إِلَّا التَّسْلِيمُ , وَقَوْلُكَ وَقَوْلُ غَيْرِكَ فِيهِ: لِمَ؟ وَكَيْفَ؟ خَطَأٌ , وَكَيْفَ إِنَّمَا يَكُونُ لِأَقَاوِيلِ الْآدَمَيِّينَ الَّذِينَ قَوْلُهُمْ تَبَعٌ لَا مَتْبُوعٌ , وَلَوْ جَازَ فِي الْقَوْلِ اللَّازِمِ

كَيْفَ حَتَّى يُحْمَلَ عَلَى قِيَاسٍ أَوْ فِطْرَةِ عَقْلٍ , لَمْ يَكُنْ لِلْقَوْلِ غَايَةٌ يَنْتَهِي إِلَيْهَا , وَإِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ غَايَةٌ يَنْتَهِي إِلَيْهَا سَقَطَ الْقِيَاسُ " قُلْتُ: التَّعَبُّدُ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى لِعِبَادِهِ عَلَى مَعْنَيَيْنِ: أَحَدُهُمَا: التَّعَبُّدُ فِي الشَّيْءِ بِعَيْنِهِ لَا لِعِلَّةٍ مَعْقُولَةٍ , فَمَا كَانَ مِنْ هَذَا النَّوْعِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُقَاسَ عَلَيْهِ وَالْمَعْنَى الثَّانِي: التَّعَبُّدُ لِعِلَلٍ مَقْرُونَةٍ بِهِ , وَهِيَ الْأُصُولُ الَّتِي جَعَلَهَا اللَّهُ تَعَالَى أَعْلَامًا لِلْفُقَهَاءِ , فَرَدُّوا إِلَيْهَا مَا حَدَثَ مِنْ أَمْرِ دِينِهِمْ , مِمَّا لَيْسَ فِيهِ نَصٌّ بِالتَّشْبِيهِ وَالتَّمْثِيلِ عِنْدَ تُسَاوِي الْعِلَلِ مِنَ الْفُرُوعِ بِالْأُصُولِ , وَلَيْسَ يَجِبُ أَنْ يُشَارِكَ الْفَرْعُ الْأَصْلَ فِي جَمِيعِ الْمَعَانِي , وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ وَاجِبًا لَكَانَ الْأَصْلُ هُوَ الْفَرْعُ , وَلَمَّا كَانَ يَتَهَيَّأُ قِيَاسُ شَيْءٍ عَلَى غَيْرِهِ , وَإِنَّمَا الْقِيَاسُ تَشْبِيهُ الشَّيْءِ بِأَقْرَبَ الْأُصُولِ بِهِ شَبَهًا , أَلَا تَرَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى حَكَمَ فِي الصَّيْدِ بِالْمِثْلِ فِي النَّعْمِ , وَحَكَمُوا فِي النَّعَامَةِ بِالْبَدَنَةِ , وَإِنَّمَا يَتَّفِقَانِ فِي بَعْضِ الْمَعَانِي , وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ بِالْقِيَمِ وَالْأَمْثَالِ فِي الْأَشْيَاءِ الْمُتْلَفَةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَإِذَا وَرَدَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خِطَابٌ يَتَضَمَّنُ كَلِمَتَيْنِ مَعْنَاهُمَا فِي الظَّاهِرِ وَاحِدٌ , وَأَمْكَنَ حَمْلُ كُلِّ كَلِمَةٍ عَلَى فَائِدَةٍ فُعِلَ ذَلِكَ مِثَالُهُ مَا:

أنا أَبُو نُعَيْمٍ الْحَافِظُ , نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ فَارِسٍ , نا يُونُسُ بْنُ حَبِيبٍ , نا أَبُو دَاوُدَ , نا عِيسَى بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ , عَنْ طَلْحَةَ الْيَامِيِّ , عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْسَجَةَ , عَنِ الْبَرَاءِ , قَالَ: جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ , أَخْبِرْنِي بِعَمَلٍ يُدْخِلُنِي الْجَنَّةَ؟ قَالَ -[549]-: §«لَئِنْ قَصَّرْتَ فِي الْخُطْبَةِ , لَقَدْ عَرَضْتَ الْمَسْأَلَةَ , أَعْتِقِ النَّسَمَةَ , وَفُكَّ الرَّقَبَةَ» قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ , أَوَمَا هُمَا سَوَاءٌ؟ قَالَ: «لَا , عِتْقُ النَّسَمَةِ أَنْ تُفْرَدَ بِهَا , وَفَكُّ الرَّقَبَةِ أَنْ تُعِينَ فِي ثَمَنِهَا» فِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنَ الْفِقْهِ: أَنَّ الْكَلِمَةَ مِنْ خِطَابِ صَاحِبِ الشَّرِيعَةِ إِذَا أَمْكَنَ حَمْلُهَا عَلَى الْإِفَادَةِ لَمْ تُحْمَلْ عَلَى التَّكْرَارِ وَالْإِعَادَةِ , وَلِذَلِكَ طَالَبَهُ الْأَعْرَابِيُّ بِالْفَرْقِ بَيْنَهُمَا وَرَاجَعَهُ الْكَلَامَ فِيهِمَا فَيَنْبَغِي إِنْعَامُ النَّظَرِ فِي الْآثَارِ وَالسُّنَنِ , وَالتَّفْتِيشُ عَنْ مَعَانِيهَا , وَالْفِكْرُ فِي غَوَامِضِهَا , وَاسْتِنْبَاطُ مَا خَفِيَ مِنْهَا , فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ كَانَ جَدِيرًا بِلَحَاقِ مَنْ سَبَقَهُ مِنَ الْعُلَمَاءِ , وَالتَّبْرِيزِ عَلَى الْمُعَاصِرِينَ لَهُ مِنَ الْفُقَهَاءِ

أَخْبَرَنِي أَبُو بَكْرٍ , أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْوَاحِدِ الْمَرَّوذِيُّ , نا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْحَافِظُ , بنَيْسَابُورَ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا الطَّيِّبِ الْكَرَابِيسِيَّ , يَقُولُ: سَمِعْتُ إِبْرَاهِيمَ بْنَ مُحَمَّدٍ الْمَرْوَزِيَّ , يَقُولُ: سَمِعْتُ عَلِيَّ بْنَ خَشْرَمٍ , يَقُولُ: كُنَّا فِي مَجْلِسِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ فَقَالَ: §«يَا أَصْحَابَ الْحَدِيثِ , تَعَلَّمُوا فِقْهَ الْحَدِيثِ , لَا يَقْهَرُكُمْ أَهْلُ -[550]- الرَّأْيِ , مَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ شَيْئًا إِلَّا وَنَحْنُ نَرْوِي فِيهِ حَدِيثًا أَوْ حَدِيثَيْنِ» قَالَ: فَتَرَكُوهُ , وَقَالُوا: عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ عَنْ مَنْ؟

ذكر الكلام في النظر والجدل النظر ضربان: ضرب هو: النظر بالعين , فهذا حده الإدراك بالبصر والثاني: النظر بالقلب , فهذا حده الفكر في حال المنظور فيه , والمنظور فيه هو: الأدلة والأمارات الموصلة إلى المطلوب والمنظور له هو: الحكم , لأنه ينظر لطلب الحكم

§ذِكْرُ الْكَلَامِ فِي النَّظَرِ وَالْجَدَلِ النَّظَرُ ضِرْبَانِ: ضْرِبٌ هُوَ: النَّظَرُ بِالْعَيْنِ , فَهَذَا حَدُّهُ الْإِدْرَاكُ بِالْبَصَرِ وَالثَّانِي: النَّظَرُ بِالْقَلْبِ , فَهَذَا حَدُّهُ الْفِكْرُ فِي حَالِ الْمَنْظُورِ فِيهِ , وَالْمَنْظُورُ فِيهِ هُوَ: الْأَدِلَّةُ وَالْأَمَارَاتُ الْمُوَصِّلَةُ إِلَى الْمَطْلُوبِ وَالْمَنْظُورُ لَهُ هُوَ: الْحُكْمُ , لِأَنَّهُ يُنْظَرُ لِطَلَبِ الْحُكْمِ وَالنَّاظِرُ هُوَ: الْفَاعِلُ لِلْفِكْرِ وَأَمَّا الْجَدَلُ فَهُوَ: تَرَدُّدُ الْكَلَامِ بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ , إِذَا قَصَدَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إِحْكَامَ قَوْلِهِ , لِيَدْفَعَ بِهِ قَوْلَ صَاحِبِهِ وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنَ الْإِحْكَامِ , يُقَالُ: دِرْعٌ مَجْدُولَةٌ , إِذَا كَانَتْ مُحْكَمَةَ النَّسْجِ , وَحَبْلٌ مَجْدُولٌ: إِذَا كَانَ مُحْكَمَ الْفَتْلِ , وَالْجِدَالَةُ: وَجْهُ الْأَرْضِ إِذَا كَانَ صُلْبًا , وَلَا يَصِحُّ الْجَدَلُ إِلَّا مِنَ اثْنَيْنِ , وَيَصِحُّ النَّظَرُ مِنْ وَاحِدٍ , وَالْجَدَلُ كُلَّهُ سُؤَالٌ وَجَوَابٌ , فَالسُّؤَالُ هُوَ الِاسْتِخْبَارُ , وَالْجَوَابُ هُوَ الْإِخْبَارُ وَأَمَّا الرَّأْيُ , فَهُوَ: اسْتِخْرَاجُ صَوَابِ الْعَاقِبَةِ , فَمَنْ وَضَعَ الرَّأْيَ فِي حَقِّهِ , وَاسْتَعْمَلَ النَّظَرَ فِي مَوْضِعِهِ سَدَّدَ إِلَى الْحَقِّ الْمَطْلُوبِ , وَكَمَنْ قَصَدَ الْمَسْجِدَ الْجَامِعَ , فَسَلَكَ طَرِيقَهَ وَلَمْ يَعْدِلْ عَنْهُ أَدَّاهُ إِلَيْهِ وَأَوْرَدَهُ عَلَيْهِ , وَقَدْ ذَهَبَ قَوْمٌ قَصُرَتْ عُلُومُهُمْ , وَبَعُدَتْ أَفْهَامُهُمْ إِلَى إِنْكَارِ الْمُنَاظَرَةِ , وَإِبْطَالِ الْمُجَادَلَةِ وَتَعَلَّقُوا فِي ذَلِكَ بِمَا سَنَذْكُرُهُ وَنُجِيبُ عَنْهُ , إِنْ شَاءَ اللَّهُ

باب ذكر ما تعلق به من أنكر المجادلة وإبطاله احتج من ذهب إلى إبطال الجدال , بقول الله تعالى: الذين يجادلون في آياتنا ما لهم من محيص , وبقوله تعالى: فإن حاجوك فقل أسلمت وجهي لله ومن اتبعن

§بَابُ ذِكْرِ مَا تَعَلَّقَ بِهِ مَنْ أَنْكَرَ الْمُجَادَلَةَ وَإِبْطَالِهِ احْتَجَّ مَنْ ذَهَبَ إِلَى إِبْطَالِ الْجِدَالِ , بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِنَا مَا لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ} [الشورى: 35] , وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ} [آل عمران: 20]

وَمِنَ السُّنَّةِ: بِمَا: أنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَحْيَى السُّكَّرِيُّ , نا أَبُو بَكْرٍ , مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الشَّافِعِيُّ , نا مُحَمَّدُ بْنُ الْجَهْمِ , نا يَعْلَى بْنُ عُبَيْدٍ , نا الْحَجَّاجُ بْنُ دِينَارٍ , وَأَنَا الْحَسَنُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ , أنا أَبُو بَكْرٍ , مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ مِقْسَمٍ الْمُقْرِئُ , نا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ الْقَاضِي , قَثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ , أنا عِيسَى بْنُ يُونُسَ , نا الْحَجَّاجُ بْنُ دِينَارٍ , عَنْ أَبِي غَالِبٍ , عَنْ أَبِي أُمَامَةَ , قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , - وَفِي حَدِيثِ ابْنِ رَاهَوَيْهِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ -: §" مَا ضَلَّ قَوْمٌ بَعْدَ هُدًى كَانُوا عَلَيْهِ إِلَّا أُوتُوا الْجَدَلَ ثُمَّ قَرَأَ: {مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ} [الزخرف: 58] "

أنا الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ الْحِيرِيُّ , نا أَبُو الْعَبَّاسِ , مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْأَصَمُّ , نا أَبُو عُتْبَةَ أَحْمَدُ بْنُ الْفَرَجِ الْحِمْصِيُّ , نا بَقِيَّةُ , نا قَيْسُ بْنُ الرَّبِيعِ , عَنِ الْحَجَّاجِ بْنِ دِينَارٍ , عَنْ أَبِي غَالِبٍ , عَنْ أَبِي أُمَامَةَ , قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: §" مَا ضَلَّ قَوْمٌ بَعْدَ هَدَاهُمْ إِلَّا أُوتُوا الْجِدَالَ , ثُمَّ قَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ: {مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ} [الزخرف: 58] "

وَأَنَا الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ الْحِيرِيُّ , وَأَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ السَّرَّاجُ , قَالَا: نا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْأَصَمُّ , نا أَبُو عُتْبَةَ , نا بَقِيَّةُ , نا الصَّبَّاحُ بْنُ مُجَالِدٍ , عَنْ عَطِيَّةَ الْعَوْفِيِّ , عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ , قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: §«إِذَا كَانَ سَنَةُ خَمْسٍ وَثَلَاثِينَ وَمِائَةٍ خَرَجَ مَرَدَةُ الشَّيَاطِينَ , كَانَ حَبَسَهُمْ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ فِي جَزَائِرِ الْبُحُورِ , فَذَهَبَ مِنْهُمْ تِسْعَةُ أَعْشَارِهِمْ إِلَى الْعِرَاقِ يُجَادِلُونَهُمْ وَعُشْرٌ بِالشَّامِ»

أنا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عُمَرَ الْمُقْرِئُ , وَالْحَسَنُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ , قَالَا: أنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ كَامِلٍ الْقَاضِي , نا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ السُّلَمِيُّ , نا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ , نا مَسْلَمَةُ بْنُ عُلَيٍّ , قَالَ: سَمِعْتُ الْأَوْزَاعِيَّ , يُحَدِّثُ عَنْ حَسَّانَ بْنِ عَطِيَّةَ , قَالَ: §«إِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ شَرًّا أَلْقَى بَيْنَهُمُ الْجَدَلَ وَخَزَنَ الْعِلْمَ»

أنا الْقَاضِي أَبُو الْحُسَيْنِ , مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُهْتَدِي بِاللَّهِ الْخَطِيبُ , أنا أَبُو الْفَضْلِ , مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ الْفَضْلِ بْنِ الْمَأْمُونِ , حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْقَاسِمِ الْأَنْبَارِيُّ , نا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ , نا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ , أنا الْأَصْمَعِيُّ , نا الْخَلِيلُ بْنُ أَحْمَدَ , قَالَ: §«مَا كَانَ جَدَلٌ قَطُّ إِلَّا أَتَى بَعْدَهُ جَدَلٌ يُبْطِلُهُ»

أنا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عُمَرَ الْمُقْرِئُ , أنا أَبُو مُحَمَّدٍ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَلِيٍّ الْخُطَبِيُّ , نا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ حَنْبَلٍ , حَدَّثَنِي أَبِي , نا إِسْحَاقُ بْنُ عِيسَى الطَّبَّاعُ , قَالَ: رَأَيْتُ مَالِكَ بْنَ أَنَسٍ يَعِيبُ الْجِدَالَ وَالْمِرَاءَ فِي الدِّينِ قَالَ: §«أَفَكُلَّمَا كَانَ رَجُلٌ أَجْدَلَ مِنْ رَجُلٍ أَرَدْنَا أَنْ يَرُدَّ مَا جَاءَ بِهِ جِبْرِيلُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ»

وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: نا إِسْحَاقُ بْنُ عِيسَى الطَّبَّاعُ , قَالَ: رَأَيْتُ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الْمَغْرِبِ جَاءَ مَالِكًا فَقَالَ: إِنَّ الْأَهْوَاءَ كَثُرَتْ قِبَلَنَا , فَجَعَلْتُ عَلَى نَفْسِي , إِنْ أَنَا رَأَيْتُكَ , أَنْ آخُذَ بِمَا تَأْمُرُنِي , فَوَصَفَ لَهُ مَالِكٌ شَرَائِعَ الْإِسْلَامِ: الزَّكَاةَ وَالصَّلَاةَ وَالصَّوْمَ وَالْحَجِّ , ثُمَّ قَالَ: §«خُذْ بِهَذَا , وَلَا تُخَاصِمْ أَحَدًا فِي شَيْءٍ»

أنا أَبُو الْحَسَنِ , عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ إِسْمَاعِيلَ الْبَزَّازُ بِالْبَصْرَةِ , نا أَبُو بَكْرٍ , يَزِيدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْخَلَّالُ , نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَيُّوبَ الْمُخَرِّمِيُّ , حَدَّثَنِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْأَزْدِيُّ , قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ الْمَاجِشُونَ , بِهَذِهِ الرِّسَالَةِ , وَقَرَأَهَا عَلَيَّ: أَمَّا بَعْدُ: §«فَإِنِّي أُوصِيكَ بِتَقْوَى اللَّهِ , وَالِاقْتِصَادِ فِي أَمْرِهِ , وَاتِّبَاعِ سَنَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَتَرْكِ مَا أَحْدَثَ الْمُحْدِثُونَ فِي دِينِهِمْ مِمَّا قَدْ كُفُوًا مَؤُونَتَهَ , وَجَرَتْ فِيهِمْ سُنَّتُهُ , ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُ لَمْ تَكُنْ بِدْعَةٌ قَطُّ إِلَّا وَقَدْ مَضَى قَبْلَهَا دَلِيلٌ عَلَيْهَا , فَعَلَيْكَ بِتَقْوَى اللَّهِ , وَلُزُومِ السُّنَّةِ فَإِنَّهَا لَكَ بِإِذْنِ اللَّهِ عِصْمَةٌ , وَإِنَّمَا جُعِلَتِ السُّنَّةُ يُسْتَنُّ بِهَا , وَيُعْتَمَدُ عَلَيْهَا , وَإِنَّمَا سَنَّهَا مَنْ عَلِمَ مَا فِي خِلَافِهَا مِنَ الزَّلَلِ وَالْخِلَافِ وَالتَّعَمُّقِ , فَارْضَ لِنَفْسِكَ مَا رَضُوا لِأَنْفُسِهِمْ , فَإِنَّهُمْ بِعِلْمٍ وَقَفُوا , وَبِبَصَرٍ مَا كُفُوًا , وَلَهُمْ عَلَى كَشْفِ الْأُمُورِ كَانُوا أَقْوَى , وَبِفَضْلٍ لَوْ كَانَ فِيهَا أَحْرَى , وَإِنَّهُمْ -[556]- لَهُمُ السَّابِقُونَ , فَإِنْ كَانَ الْهُدَى مَا أَحْدَثْتُمْ وَمَا أَنْتُمْ فِيهِ لَقَدْ سَبَقْتُمُوهُمْ وَلَئِنْ قُلْتُمْ حَدَثَ حَدَثَ بَعْدَهُمْ فَمَا أُحَدِّثُهُ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَ غَيْرَ سَبِيلِهِمْ , وَرَغِبَ بِنَفْسِهِ عَنْهُمْ , وَلَقَدْ وَضَعُوا مَا يَكْفِي , وَتَكَلَّمُوا بِمَا يَشْفِي , فَمَا دُونَهُمْ مُقَصِّرٌ , وَلَا فَوْقَهُمْ مُحْسِنٌ , وَإِنَّهُمْ مِنْ ذَلِكَ , لَعَلَى هُدًى مُسْتَقِيمٍ , فَارْجِعُوا إِلَى مَعَالِمِ الْهُدَى , وَقُولُوا كَمَا قَالُوا , وَلَا تُفَرِّقُوا بَيْنَ مَا جَمَعُوا وَلَا تَجْمَعُوا بَيْنَ مَا فَرَّقُوا , فَإِنَّهُمْ جُعِلُوا لَكُمْ أَئِمَّةً وَقَادَةً , هُمْ حَمَلُوا إِلَيْكُمْ كِتَابَ اللَّهِ وَسُنَّةَ نَبِيِّهِ , فَهُمْ عَلَى مَا حَمَلُوا إِلَيْكُمْ مِنْ ذَلِكَ أُمَنَاءُ وَعَلَيْكُمْ فِيهِ شُهَدَاءُ , وَاحْذَرُوا الْجَدَلَ , فَإِنَّهُ يُقَرِّبُكُمْ إِلَى كُلِّ مُوبِقَةٍ , وَلَا يْسُلِمُكُمْ إِلَى ثِقَةٍ» فَنَظَرْنَا فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى , وَإِذَا فِيهِ مَا يَدُلُّ عَلَى الْجِدَالِ وَالْحِجَاجِ , فَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل: 125] , فَأَمَرَ اللَّهُ رَسُولَهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ بِالْجِدَالِ , وَعَلَّمَهُ فِيهَا جَمِيعَ آدَابِهِ مِنَ الرِّفْقِ وَالْبَيَانِ وَالْتِزَامِ الْحَقِّ وَالرُّجُوعِ إِلَى مَا أَوْجَبَتْهُ الْحُجَّةُ , وَقَالَ تَعَالَى: {وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [العنكبوت: 46] , وَقَالَ تَعَالَى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِهِ} [البقرة: 258] الْآيَةَ , وَقَالَ تَعَالَى: {ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ} [النحل: 123] , وَكِتَابُ اللَّهِ تَعَالَى لَا يَتَعَارَضُ وَلَا يَخْتَلِفُ , فَتَضَمَّنَ الْكِتَابُ: ذَمَّ الْجِدَالِ , وَالْأَمْرَ بِهِ , فَعَلِمْنَا عِلْمًا يَقِينًا أَنَّ الَّذِيَ ذِمَّهُ غَيْرُ الَّذِي أَمَرَ بِهِ , وَأَنَّ مِنَ الْجِدَالِ مَا هُوَ مَحْمُودٌ مَأْمُورٌ بِهِ , وَمِنْهُ مَذْمُومٌ مَنْهِيُّ عَنْهُ , فَطَلَبْنَا الْبَيَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْأَمْرَيْنِ فَوَجَدْنَاهُ تَعَالَى قَدْ قَالَ: {وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ} -[557]-[غافر: 5] , وَقَالَ: {الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ الَّذِينَ آمَنُوا} [غافر: 35] , فَبَيَّنَ اللَّهُ فِي هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ الْجِدَالَ الْمَذْمُومَ , وَأَعْلَمَنَا أَنَّهُ: الْجِدَالُ بِغَيْرِ حُجَّةٍ , وَالْجِدَالُ فِي الْبَاطِلُ فَالْجِدَالُ الْمَذْمُومُ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: الْجِدَالُ بِغَيْرِ عِلْمٍ الثَّانِي: الْجِدَالُ بِالشَّغَبِ وَالتَّمْوِيهِ , نُصْرَةً لِلْبَاطِلِ بَعْدَ ظُهُورِ الْحَقِّ وَبَيَانِهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ فَأَخَذَتْهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ} [غافر: 5] وَأَمَّا جِدَالُ الْمُحِقِّينَ , فَمِنَ النَّصِيحَةِ فِي الدِّينِ , أَلَا تَرَى إِلَى قَوْمِ نُوحٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ حَيْثُ قَالُوا: {يَا نُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا} [هود: 32] وَجَوَابُهُ لَهُمْ: {وَلَا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ} [هود: 34] , وَعَلَى هَذَا جَرَتْ سُنَنُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَقَالَ

مَا: أنا الْقَاضِي أَبُو عُمَرَ الْهَاشِمِيُّ , نا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ اللُّؤْلُؤِيُّ , نا أَبُو دَاوُدَ , نا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ , نا حَمَّادٌ , عَنْ حُمَيْدٍ , عَنْ أَنَسٍ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: §«جَاهِدُوا الْمُشْرِكِينَ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَأَلْسِنَتِكُمْ» -[558]- فَأَوْجَبَ الْمُنَاظَرَةَ لِلْمُشْرِكِينَ , كَمَا أَوْجَبَ النَّفَقَةَ وَالْجِهَادَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ , وَعَلَّمَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَضْعَ السُّؤَالِ مَوْضِعَهُ , وَكَيْفِيَّةَ الْمُحَاجَّةِ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي ذَكَرَ فِيهِ مُحَاجَّةَ آدَمَ مُوسَى عَلَيْهِمَا السَّلَامُ

أنا أَبُو بَكْرٍ الْبُرْقَانِيُّ , نا عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الزَّيَّاتِ , لَفْظًا , أنا هَارُونُ بْنُ يُوسُفَ , ثنا ابْنُ أَبِي عُمَرَ , نا سُفْيَانُ , عَنْ عَمْرٍو , عَنْ طَاوُسٍ , قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ , يُحَدِّثُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: §" احْتَجَّ آدَمُ وَمُوسَى , فَقَالَ مُوسَى يَا آدَمُ أَنْتَ أَبُونَا خَيَّبْتَنَا وَأَخْرَجْتَنَا مِنَ الْجَنَّةِ , فَقَالَ لَهُ آدَمُ: يَا مُوسَى اصْطَفَاكَ اللَّهُ بِرِسَالَتِهِ , وَكَتَبَ لَكَ التَّوْرَاةَ بِيَدِهِ , لِمَ تَلُومُنِي عَلَى أَمْرٍ قَدَّرَهُ اللَّهُ عَلَيَّ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَنِيَ بِأَرْبَعِينَ سَنَةً؟ " - قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: - «فَجَحَّ آدَمُ مُوسَى يَعْنِي أَنَّ آدَمُ هُوَ حَجُّ مُوسَى» قُلْتُ: وَضَعَ مُوسَى الْمَلَامَةَ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهَا فَصَارَ مَحْجُوجًا , وَذَلِكَ أَنَّهُ لَامَ آدَمُ عَلَى أَمْرٍ لَمْ يَفْعَلْهُ , وَهُوَ خُرُوجُ النَّاسِ مِنَ الْجَنَّةِ , وَإِنَّمَا هُوَ فِعْلُ اللَّهِ تَعَالَى , وَلَوْ أَنَّ مُوسَى لَامَ آدَمُ عَلَى خَطِيئَتِهِ الْمُوجِبَةِ لِذَلِكَ لَكَانَ وَاضِعًا لِلْمَلَامَةِ مَوْضِعَهَا , وَلَكَانَ آدَمُ مَحْجُوجًا وَلَيْسَ أَحَدٌ مَلُومًا إِلَّا عَلَى مَا يَفْعَلُهُ , لَا عَلَى مَا تُوَلَّدَ مِنْ فِعْلِهِ مِمَّا فَعَلَهُ غَيْرُهُ , وَالْكَافِرُ إِنَّمَا يُلَامُ عَلَى فِعْلِ الْكُفْرِ لَا عَلَى دُخُولِ النَّارِ , وَالقَاتِلُ إِنَّمَا يُلَامُ عَلَى فِعْلِهِ لَا عَلَى مَوْتِ مَقْتُولِهِ , وَلَا عَلَى أَخْذِ الْقِصَاصِ مِنْهُ فَعَلَّمَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ كَيْفَ نَسْأَلُ عِنْدَ الْمُحَاجَّةِ , -[559]- وَبَيَّنَ لَنَا أَنَّ الْمُحَاجَّةَ جَائِزَةٌ , وَأَنَّ مَنْ أَخْطَأَ مَوْضِعَ السُّؤَالِ كَانَ مَحْجُوجًا , وَظَهَرَ بِذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ} [البقرة: 151] وَلَيْسَ هَذَا الْحَدِيثُ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ بَابِ إِثْبَاتِ الْقَدَرِ فِي شَيْءٍ , وَإِنَّمَا هُوَ وَارِدٌ فِيمَا وَصَفْنَاهُ مِنْ مُحَاجَّةِ آدَمُ وَمُوسَى , وَإِثْبَاتِ الْقَدَرِ إِنَّمَا صَحَّ فِي آيَاتٍ وَأَحَادِيثَ أُخَرَ

أنا أَبُو الْحَسَنِ , عَلِيُّ بْنُ طَلْحَةَ الْمُقْرِئُ , نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَيُّوبَ بْنِ مَاسِيٍّ , نا يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدٍ الْحِنَّائِيُّ , نا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاذٍ الْعَنْبَرِيُّ , نا أَبِي , نا شُعْبَةُ , عَنْ سُلَيْمَانَ , عَنِ الشَّعْبِيِّ , قَالَ: قَالَ عُمَرُ لِزِيَادِ بْنِ حُدَيْرٍ: §«أَتَدْرِي مَا يَهْدِمُ الْإِسْلَامَ؟» , فَلَا أَدْرِي مَا أَجَابَهُ قَالَ: فَقَالَ عُمَرُ: «زَلَّةُ عَالِمٍ , وَجِدَالُ مُنَافِقٍ , وَأَئِمَّةٌ مُضِلُّونَ»

أنا الْحَسَنُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ , أنا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ مِقْسَمٍ الْمُقْرِئُ , نا أَبُو بَكْرٍ , مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الْمَرْوَزِيُّ , نا عَاصِمُ بْنُ عَلِيٍّ , نا لَيْثُ بْنُ سَعْدٍ , عَنْ يَزِيدَ , عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْأَشَجِّ , أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ , قَالَ -[560]-: «إِنَّهُ §سَيَأْتِي قَوْمٌ يُجَادِلُونَكُمْ» - أَحْسِبُهُ قَالَ - «بِالْمُشْتَبِهِ مِنَ الْقُرْآنِ , فَجَادِلُوهُمْ بِالسُّنَنِ , فَإِنَّ أَصْحَابَ السُّنَنِ أَعْلَمُ بِكِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى»

أنا الْقَاضِي أَبُو الْقَاسِمِ عَلِيُّ بْنُ الْمُحْسِنِ التَّنُوخِيُّ , أنا أَبُو سَعِيدٍ الْحَسَنُ بْنُ جَعْفَرٍ السِّمْسَارُ , نا أَبُو شُعَيْبٍ الْحَرَّانِيُّ , حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْبَابْلُتِّيُّ , نا الْأَوْزَاعِيُّ , قَالَ: خَاصَمَ نَفَرٌ مِنْ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ , فَقَالَ لَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ: " يَا أَبَا الْحَسَنِ: إِنَّ §الْقُرْآنَ ذَلُولٌ حَمُولٌ ذُو وُجُوهٍ , تَقُولُ وَيَقُولُونَ , خَاصِمْهُمْ بِالسُّنَّةِ , فَإِنَّهُمْ لَا يَسْتَطِيعُونَ أَنْ يَكْذِبُوا عَلَى السُّنَّةِ "

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الصُّورِيُّ , أنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُمَرَ الْمِصْرِيُّ , نا عَلِيُّ بْنُ أَبِي مَطَرٍ الْقَاضِي , نا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْكُثَيْرِيُّ , نا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ , نا مَالِكٌ , أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ الزُّبَيْرَ بْنَ الْعَوَّامِ , قَالَ لِابْنِهِ -[561]-: §«لَا تُجَادِلِ النَّاسَ بِالْقُرْآنِ , فَإِنَّكَ لَا تَسْتَطِيعُهُمْ وَلَكِنْ عَلَيْكَ بِالسُّنَّةِ» وَقَدْ تَحَاجَّ الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَارُ , وَحَاجَّ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ الْخَوَارِجَ بِأَمْرِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ , وَمَا أَنْكَرَ أَحَدٌ مِنَ الصَّحَابَةِ قَطُّ الْجِدَالَ فِي طَلَبِ الْحَقِّ وَأَمَّا التَّابِعُونَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ فَتَوَسَّعُوا فِي ذَلِكَ فَثَبَتَ أَنَّ الْجِدَالَ الْمَحْمُودَ هُوَ طَلَبُ الْحَقِّ وَنَصْرُهُ , وَإِظْهَارُ الْبَاطِلِ وَبَيَانُ فَسَادِهِ , وَأَنَّ الْخِصَامَ بِالْبَاطِلِ هُوَ اللَّدَدُ , الَّذِي قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَبْغَضُ الرِّجَالِ إِلَى اللَّهِ الْأَلَدُّ الْخَصِمُ

أنا ذَلِكَ , أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ غَالِبٍ الْفَقِيهُ قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى أَبِي بَكْرٍ الْإِسْمَاعِيلِيِّ , أَخْبَرَكُمْ هَارُونُ بْنُ يُوسُفَ , نا ابْنُ أَبِي عُمَرَ , نا سُفْيَانُ , عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ , عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ , عَنْ عَائِشَةَ , رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا , أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: §«أَبْغَضُ الرِّجَالِ إِلَى اللَّهِ الْأَلَدُّ الْخَصِمُ» وَجَمِيعُ مَا حَكَيْنَا أَنَّهُ تَعَلَّقَ بِهِ مَنْ أَنْكَرَ الْمُجَادَلَةَ , مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ أُرِيدَ بِهِ الْجِدَالُ الْمَذْمُومُ الَّذِي وَصَفْنَاهُ , عَلَى أَنَّ مَالِكَ بْنَ أَنَسٍ قَدْ بَيْنَهُ , -[562]- وَأَنَّهُ الْجَدَلُ الَّذِي يُقْصَدُ بِهِ رَدُّ مَا جَاءَ بِهِ جِبْرِيلُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَكَذَلِكَ قَوْلُ الْخَلِيلِ: مَا كَانَ جَدَلٌ قَطُّ إِلَّا أَتَى بَعْدَهُ جَدَلٌ يُبْطِلُهُ , أَرَادَ بِهِ الْجِدَالَ الَّذِي يُنْصَرُ بِهِ الْبَاطِلُ , لِأَنَّ مَا تَقَدَّمَ وَكَانَ حَقًّا لَا يَأْتِي بَعْدَهُ شَيْءٌ يُبْطِلُهُ

وَهُوَ فِي مَعْنَى قَوْلِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الَّذِي: أَنَاهُ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُعَدِّلُ , أنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ الْجَوْزِيُّ , نا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي الدُّنْيَا , حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ , نا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ , عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ , قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ: §«مَنْ جَعَلَ دِينَهُ غَرَضًا لِلْخُصُومَاتِ أَكْثَرَ التَّنَقُّلَ» وَيُقَالُ - لِمَنْ أَنْكَرَ مَا ذَكَرْنَاهُ - خَبِّرْنَا عَنْ نَفْيِكَ الْمُحَاجَّةَ , وَدُعَائِكَ إِلَى تَرْكِ الْمُنَاظَرَةِ: أَقُلْتَ ذَلِكَ بِدَلِيلٍ وَبُرْهَانٍ , أَمْ بِغَيْرِ حُجَّةٍ وَلَا بَيَانٍ؟ فَإِنْ قَالَ: قُلْتُهُ بِحُجَّةٍ , فَقَدِ الْتَزَمَ مَا نَفَى , وَكَفَى بِهِ حَاكِمًا عَلَى نَفْسِهِ لِخَصْمِهِ , وَإِنْ قَالَ: قُلْتُهُ بِغَيْرِ بُرْهَانٍ وَلَا حُجَّةٍ , كَفَى الْخَصْمَ مُؤْنَتَهُ بِتَحْكِيمِهِ الْهَوَى عَلَى نَفْسِهِ , وَكَانَ لَهُ عَلَيْهِ إِثْبَاتُ مَا نَفَى مِنَ الْمُنَاظَرَةِ , بِمِثْلِ دَعْوَاهُ مِنْ غَيْرِ حُجَّةٍ وَلَا بُرْهَانٍ: {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ} [القصص: 50] وَاللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَقُولُ: {وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ} وَكَفَى بِقَوْلٍ يَقُودُ إِلَى هَذَا قُبْحًا

أنا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: الْحُسَيْنُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْقَاسِمِ الْمَخْزُومِيُّ , نا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ الْعَبَّاسِ الصُّولِيِّ , نا الْغَلَابِيُّ , نا ابْنُ عَائِشَةَ , قَالَ: قَالَ ابْنُ الْمُقَفَّعِ , لِعَمْرِو بْنِ عُبَيْدٍ: نَظَرْتُ فِي مَقَايِيسِكُمْ فَوَجَدْتُهَا بَاطِلَةً قَالَ: «§أَبِالْقِيَاسِ أَبْطَلْتَهَا , أَمْ بِالْمُجَازَفَةِ» ؟ قَالَ: بِالْقِيَاسِ، قَالَ: «فَأَرَاكَ قَدْ أَثْبَتَّ مَا نَفَيْتَ»

أنا أَبُو سَعِيدٍ: مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى بْنِ الْفَضْلِ بْنِ شَاذَانَ الصَّيْرَفِيُّ , نا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّفَّارُ الْأَصْبَهَانِيُّ , قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو أَحْمَدَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّفَّارُ , نا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيٌّ التِّرْمِذِيُّ , قَالَ: وَجَدْتُ فِي كِتَابِ الْحِكْمَةِ: §«الْعِلْمُ مَيِّتٌ , إِحْيَاؤُهُ الطَّلَبُ , فَإِذَا حَيَ بِالطَّلَبِ , فَهُوَ ضَعِيفٌ قُوَّتُهُ الدَّرْسُ , فَإِذَا قَوِيَ بِالدَّرْسِ فَهُوَ مُحْتَجَبٌ , إِظْهَارُهُ بِالْمُنَاظَرَةِ , فَإِذَا ظَهَرَ بِالْمُنَاظَرَةِ , فَهُوَ عَقِيمٌ , نِتَاجُهُ الْعَمَلُ»

أنا أَبُو الْفَتْحِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي الْفَوَارِسِ الْحَافِظُ , أنا أَبُو مُحَمَّدٍ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ الْجَوْهَرِيُّ , نا أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ الدِّمَشْقِيُّ , قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُعْتَزِّ: §«لَوْلَا الْخَطَأُ مَا أَشْرَقَ نُورُ الصَّوَابِ , وَبِالتَّعِبِ وُطِئَ فِرَاشُ الرَّاحَةِ , وَبِالْبَحْثِ وَالنَّظَرِ تُسْتَخْرَجْ دَقَائِقُ الْعُلُومِ , وَلَا فَرْقَ بَيْنَ جَاهِلٍ يُقَلِّدُ , وَبَهِيمَةٍ تَنْقَادُ»

أنا أَبُو طَالِبٍ: عُمَرُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعِيدٍ الْفَقِيهُ , أنا أَبُو إِسْحَاقَ: إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَتْحِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْجَلِيُّ , قَالَ: قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ فِي ابْتِدَاءِ عِلْمِ النَّظَرِ: §«وَمَا زَالَ هَذَا الْعِلْمُ إِذَا وَقَفَ الْإِنْسَانُ مِنْهُ عَلَى بَعْضِهِ انْفَتَحَ لَهُ مَا وَرَاءَ

ذَلِكَ كَالْإِنْسَانِ الَّذِي يَرَى قَصْرًا عَلَى بُعْدٍ , فَيَأْتِيهِ , فَيَرَى مِنْ قُرْبِهِ مَا لَمْ يَكُنْ يَرَى مِنْ بُعْدِهِ , وَكَذَلِكَ إِنْ تَهَيَّأَ لَهُ الدُّخُولُ إِلَيْهِ , وَكَالْإِنْسَانِ الَّذِي يَكُونُ عَلَى الْأَرْضِ الْمُسْتَوِيَةِ , لَا يَرَى شَيْئًا إِلَّا مَا قَارَبَهُ , وَمَا هُوَ حِذَاءَهُ , غَيْرُ بَعِيدٍ مِنْهُ , خَاصَّةً إِذَا كَانَ بَيْنَ يَدَيْهِ نَشَزٌ مِنَ الْأَرْضِ أَوْ جَبَلٌ , فَإِذَا عَلَا عَلَى ذَلِكَ كَانَ كُلَّمَا ارْتَفَعَ وَارْتَقَى أَشْرَفَ عَلَى مَا لَمْ يَكُنْ مُشْرِفًا عَلَيْهِ طَوْلًا وَعَرْضًا , فَإِذَا تَكَلَّفَ الصَّعُودَ إِلَى أَعْلَى رَأْسِ الْجَبَلِ , انْكَشَفَتْ لَهُ الْأَرْضُ وَالْمَوَاضِعُ الَّتِي لَمْ يَكُنْ يَرَاهَا قَبْلَ ذَلِكَ , وَلَمْ يَكُنْ يَقْدِرُ عَلَى رُؤْيَتِهَا إِلَّا بِهَذَا التَّعَبِ وَالتَّكَلُّفِ الَّذِي صَارَ إِلَيْهِ , فَيَبْدُو لَهُ فِي كُلِّ خُطْوَةٍ مِنَ الْأَشْيَاءِ مَا لَمْ يَكُنْ يَبْدُو لَهُ قَبْلَ ذَلِكَ , فَكُلَّمَا زَادَ ارْتِقَاءً , ازْدَادَ مَعْرِفَةً بِمَا لَمْ يَكُنْ قَبْلَ ذَلِكَ رَآهُ وَكَذَلِكَ الْعِلْمُ , كُلَّمَا تَعَلَّمَ الْمَرْءُ مِنْهُ أَصْلًا انْكَشَفَ لَهُ مَا فِيهِ وَشَاكَلَهُ وَمَا فِي بَابِهِ وَطَرِيقِهِ وَاسْتَدَّلَ بِهِ عَلَى مَا سِوَاهُ , إِذَا كَانَ فَهْمًا وَوَفَّقَهُ اللَّهُ وَقَدُ شُبِّهَ صَاحِبُ أَدَبِ الْجَدَلِ قَبْلَ هَذَا النَّظَرِ وَالْكَلَامِ بِالنَّخْلِ يُؤَبِّرُهُ وَيَقُومُ عَلَيْهِ , فَيَنَالُ مِنْ ثَمَرَتِهِ مَا لَا يَنَالُ عِنْدَ تَرْكِ ذَلِكَ وَكَذَلِكَ الْحَدِيدُ وَالْحَجَرُ , مَا لَمْ يَسْتَعْمِلْهُمَا لَمْ تَخْرُجِ النَّارُ , وَلَمْ يُوجَدْ مَا يَنْفَعُ لَمَّا احْتِيجَ إِلَى طَبْخٍ وَتَسْخِينٍ , فَإِذَا أُورِيَ خَرَجْتِ النَّارُ , فَإِذَا وَقَعَتْ فِي الْحِرَاقِ وَتُرِكَتِ انْطَفَأَتْ , وَإِنْ أُمِدَّتْ بِنَفْخٍ وَكِبْرِيتٍ

وَحَطَبٍ , وَغَيْرِ ذَلِكَ , كَثُرَتْ وَكَثُرَ نَفْعُهَا , وَالْعِلْمُ إِذَا لَمْ يُسْتَعْمَلْ وَلَمْ يُذَاكَرْ بِهِ كَالْمِسْكِ إِذَا طَالَ مُكْثُهُ فِي الْوِعَاءِ ذَهَبَ رِيحُهُ , وَكَالْمَاءِ الصَّافِي إِذَا طَالَ مُكْثُهُ نَشَّفَتْهُ الْأَوْعِيَةُ وَالْهَوَاءُ وَغَيَّرَتْهُ , وَذَهَبَتْ بِأَكْثَرِهِ أَوْ بِكُلِّهِ , وَتَغَيَّرَ رِيحُهُ وَطَعْمُهُ , وَكَالْبِئْرِ تُحْفَرُ فَتَجْرِي فِيهَا عَيْنٌ , فَإِنْ حَصَلَ لَهُ طَرِيقٌ حَتَّى يَنْتَشِرَ صَارَ نَهْرًا وَكَثُرَ وَنَفَعَ وَعَاشَ بِهِ الْحَيَوَانُ , وَإِنْ حُبِسَ وَتُرِكَ قَلَّ نَفْعُهُ وَرُبَّمَا غَارَ , فَكَذَلِكَ الْعِلْمُ , إِذَا لَمْ يُذَاكَرْ بِهِ , وَلَمْ يُبْحَثْ عَنْهُ , وَإِذَا ذَاكَرْتَ بِالْعِلْمِ وَنَشَرْتَهُ صَارَ كَالنَّهَرِ الْجَارِي دَائِمِ النَّفْعِ , غَزِيرِ الْمَاءِ , إِنْ قَلَّ مَرَّةً لِعَارِضٍ زَادَ أُخْرَى , وَإِنْ تَكَدَّرَ وَقْتًا لِعِلَّةٍ صَفَا فِي ثَانٍ وَتَحْيَا بِهِ الْأَرْضُ وَالزَّرْعُ وَالْحَيَوَانُ»

حَدَّثَنِي أَبُو سَعِيدٍ مَسْعُودُ بْنُ ناصرٍ السِّجِسْتَانِيُّ , نا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدٍ الأَدِيبُ بِزَوْزَنَ , قَالَ: حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ يُوسُفَ الْهَمَذَانِيُّ الْمُقْرِئُ , قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى أَبِي بَكْرٍ الْخُوَارِزْمِيُّ , فَلَزِمْتُ السُّكُوتَ , وَجَعَلْتُ أَسْمَعُ كَلَامَهُ , فَقَالَ لِي: §" تَكَلَّمْ فَإِنْ أَصَبْتَ كُنْتَ مُفِيدًا , وَإِنْ أَخْطَأْتَ كُنْتَ مُسْتَفِيدًا , كَالْغَازِي , إِنْ قَتَلَ كَانَ حُمَيْدًا , وَإِنُ قُتِلَ كَانَ شَهِيدًا قُلْتُ: وَمُبَاحٌ النَّظَرُ وَالْجَدَلُ فِيمَا نَزَلَ مِنَ الْحَوَادِثِ , وَفِيمَا لَمْ يَنْزِلْ , حَتَّى يُعْرَفَ حُكْمُ مَا لَمْ يَنْزِلْ , فَإِذَا نَزَلَ عَمِلَ بِهِ، وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى كَرَاهَةِ الْقَوْلِ فِيمَا لَمْ يَكُنْ , وَمَنَعُوا مِنْ ذَلِكَ وَتَعَلَّقُوا فِيهِ بِمَا نَحْنُ ذَاكَرُوهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ

باب القول في السؤال عن الحادثة والكلام فيها قبل وقوعها

§بَابُ الْقَوْلِ فِي السُّؤَالِ عَنِ الْحَادِثَةِ وَالْكَلَامِ فِيهَا قَبْلَ وُقُوعِهَا

أنا الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحَرَشِيُّ , نا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْأَصَمُّ , أنا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ , أنا الشَّافِعِيُّ , أنا ابْنُ عُيَيْنَةَ , عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلَانَ , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ , أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: §«ذَرُونِي مَا تَرَكْتُكُمْ , فَإِنَّهُ إِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِكَثْرَةِ سُؤَالِهِمْ , وَاخْتِلَافِهِمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ , فَمَا أَمَرْتُكُمْ بِهِ مِنْ أَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ , وَمَا نَهَيْتُكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا»

أنا أَبُو طَالِبٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْفَتْحِ الْحَرْبِيُّ , أنا عُمَرُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْمُقْرِئُ , أنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْبَغَوِيُّ , نا أَبُو خَيْثَمَةَ , نا عَبْدُ الرَّحْمَنِ يَعْنِي ابْنَ مَهْدِيٍّ , نا مَالِكٌ , عَنِ الزُّهْرِيِّ , عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ , قَالَ: §«كَرِهَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَسَائِلَ وَعَابَهَا»

أنا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُعَدِّلُ , أنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ , نا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الصَّغَانِيُّ , نا يَعْلَى بْنُ عُبَيْدٍ , نا أَبُو سِنَانٍ , عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ , قَالَ: خَرَجَ عُمَرُ عَلَى النَّاسِ فَقَالَ: §«أُحَرِّجُ عَلَيْكُمْ أَنْ تَسْأَلُونَا عَمَّا لَمْ يَكُنْ , فَإِنَّ لَنَا فِيمَا كَانَ شُغْلًا»

أنا ابْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ , أنا دَعْلَجُ بْنُ أَحْمَدَ , أنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْأَبَّارُ , نا مَسْرُوقُ بْنُ الْمَرْزَبَانِ , نَا شَرِيكٌ , عَنْ لَيْثٍ , عَنْ نَافِعٍ , عَنِ ابْنِ عُمَرَ , قَالَ: §«لَا تَسْأَلُوا عَمَّا لَمْ يَكُنْ , فَإِنِّي سَمِعْتُ عُمَرَ يَلْعَنُ السَّائِلَ عَمَّا لَمْ يَكُنْ»

أنا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْفَتْحِ , أنا عُمَرُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ , أنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْبَغَوِيُّ , نا أَبُو خَيْثَمَةَ , نا جَرِيرٌ , عَنْ لَيْثٍ , عَنْ مُجَاهِدٍ , عَنِ ابْنِ عُمَرَ , قَالَ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ , §لَا تَسْأَلُوا عَمَّا لَمْ يَكُنْ , فَإِنَّ عُمَرَ , كَانَ يَلْعَنُ , أَوْ يَسُبُّ مَنْ سَأَلَ عَمَّا لَمْ يَكُنْ»

أنا أَبُو عُمَرَ عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَهْدِيٍّ , أنا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ مَخْلَدٍ الْعَطَّارُ , نَا طَاهِرُ بْنُ خَالِدِ بْنِ نِزَارٍ , حَدَّثَنِي أَبِي , نَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي الزِّنَادِ , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ خَارِجَةَ بْنِ زَيْدٍ , قَالَ: كَانَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ إِذَا سُئِلَ عَنِ الشَّيْءِ , يَقُولُ: «كَانَ هَذَا؟» فَإِنْ قَالُوا: لَا , قَالَ: §«دَعُوهُ حَتَّى يَكُونَ»

أنا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُعَدِّلِ , أنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ , نا عَبْدُ الْكَرِيمِ بْنُ الْهَيْثَمِ , نَا أَبُو الْيَمَانِ , أَخْبَرَنِي شُعَيْبٌ , عَنِ الزُّهْرِيِّ , قَالَ: بَلَغَنَا أَنَّ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ الْأَنْصَارِيُّ كَانَ يَقُولُ إِذَا سُئِلَ عَنِ الْأَمْرِ: «أَكَانَ هَذَا؟» فَإِنْ قَالُوا: نَعَمْ , كَانَ حَدَّثَ فِيهِ بِالَّذِي يَعْلَمُ , وَإِنْ قَالُوا -[14]-: لَمْ يَكُنْ , قَالَ: §«فَذَرُوهُ حَتَّى يَكُونَ»

أنا ابْنُ الْفَتْحِ , أنا عُمَرُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ , أنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ , نا أَبُو خَيْثَمَةَ , نا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ , نا مُوسَى بْنُ عَلِيٍّ , عَنْ أَبِيهِ , قَالَ: كَانَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ إِذَا سَأَلَهُ رَجُلٌ عَنْ شَيْءٍ , قَالَ: «§اللَّهِ لَكَانَ هَذَا؟» فَإِنْ قَالَ: نَعَمْ , تَكَلَّمَ فِيهِ , وَإِلَّا لَمْ يَتَكَلَّمْ

وَقَالَ أَبُو خَيْثَمَةَ , نا عَبْدُ الرَّحْمَنِ , عَنْ سُفْيَانَ , عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبْجَرَ , عَنِ الشَّعْبِيِّ , عَنْ مَسْرُوقٍ , قَالَ: سَأَلْتُ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ عَنْ شَيْءٍ , فَقَالَ: أَكَانَ بَعْدُ " , قُلْتُ: لَا , قَالَ: §«فَأَجِمَّنَا حَتَّى يَكُونَ , فَإِذَا كَانَ اجْتَهَدْنَا لَكَ رَأَيْنَا»

أنا أَبُو عُمَرَ بْنُ مَهْدِيٍّ , أنا أَبُو بَكْرٍ: مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ يَعْقُوبَ بْنِ شَيْبَةَ , نا جَدِّي , نا أَبُو سَلَمَةَ: مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ , نا وهَيْبُ , عَنْ دَاوُدَ , عَنْ عَامِرٍ , قَالَ: سُئِلَ عَمَّارٌ عَنْ مَسْأَلَةٍ , فَقَالَ: «هَلْ كَانَ هَذَا بَعْدُ؟» قَالُوا: لَا , قَالَ: §«فَدَعُونَا حَتَّى يَكُونَ , فَإِذَا كَانَ تَجَشَّمْنَاهُ لَكُمْ»

أنا ابْنُ الْفَضْلِ , أنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ دَرَسْتُوَيْهِ , نا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ , نا زَيْدُ بْنُ بِشْرٍ , وَعَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عِمْرَانَ , قَالَا: أنا ابْنُ وَهْبٍ , عَنْ مُوسَى بْنِ عَلِيٍّ , أَنَّهُ سَأَلَ ابْنَ شِهَابٍ عَنْ شَيْءٍ , فَقَالَ ابْنُ شِهَابٍ: §«مَا سَمِعْتُ فِيهِ , بِشَيْءٍ وَمَا نَزَلَ بِنَا» , فَقُلْتُ: إِنَّهُ قَدْ نَزَلَ بِبَعْضِ إِخْوَانِكَ , فَقَالَ: «مَا سَمِعْتُ فِيهِ بِشَيْءٍ وَمَا نَزَلَ بِنَا , وَمَا أَنَا بقَائِلٍ فِيهِ شَيْئًا»

أنا أَبُو عُمَرَ بْنُ مَهْدِيٍّ , أنا مُحَمَّدُ بْنُ مَخْلَدٍ , نا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ , نا حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى , ثَنَا ابْنُ وَهْبٍ , قَالَ: حَدَّثَ مَالِكٌ , قَالَ: §«أَدْرَكْتُ هَذِهِ الْبَلْدَةَ وَإِنَّهُمْ لَيَكْرَهُونَ هَذَا الْإِكْثَارَ الَّذِي فِيهِ الْيَوْمَ» يُرِيدُ الْمَسَائِلَ -[16]- فَهَذَا مَا تَعَلَّقَ بِهِ مِنْ مَنْعٍ مِنَ الْكَلَامِ فِي الْحَوَادِثِ قَبْلَ نُزُولِهَا , وَنَحْنُ نُجِيبُ عَنْهُ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ وَعَوْنِهِ: أَمَّا كَرَاهَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَسَائِلَ , فَإِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ إِشْفَاقًا عَلَى أُمَّتِهِ وَرَأْفَةٍ بِهَا , وَتَحَنُّنًا عَلَيْهَا , وَتَخَوُّفًا أَنْ يُحَرِّمَ اللَّهُ عِنْدَ سُؤَالِ سَائِلٍ أَمْرًا كَانَ مُبَاحًا قَبْلَ سُؤَالِهِ عَنْهُ , فَيَكُونُ السُّؤَالُ سَبَبًا فِي حَظَرِ مَا كَانَ لِلْأُمَّةِ مَنْفَعَةٌ فِي إِبَاحَتِهِ , فَتَدْخُلُ بِذَلِكَ الْمَشَقَّةُ عَلَيْهِمْ وَالْإِضْرَارُ بِهِمْ , وَلِهَذَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا

أناه أَبُو نُعَيْمٍ الْحَافِظُ , نا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ حَيَّانَ , نا أَبُو يَعْلَى هُوَ الْمَوْصِلِيُّ , نا الْمُقَدَّمِيُّ , نا زُهَيْرُ بْنُ إِسْحَاقَ , عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدٍ , عَنْ مَكْحُولٍ , عَنْ أَبِي ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيِّ , عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , قَالَ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى §«فَرَضَ فَرَائِضَ فَلَا تُضَيِّعُوهَا , وَحَّدَ حُدُودًا فَلَا تَعْتَدُوهَا , وَحَرَّمَ حُرُمَاتٍ فَلَا تَنْتَهِكُوهَا , وَسَكَتَ عَنْ أَشْيَاءَ مِنْ غَيْرٍ نِسْيَانٍ رَحْمَةً لَكُمْ , فَلَا تَبْحَثُوا عَنْهَا»

وأنا عَلِيُّ بْنُ الْقَاسِمِ الْبَصْرِيُّ , نا عَلِيُّ بْنُ إِسْحَاقَ الْمَادَرَائِيُّ , نا مُحَمَّدُ بْنُ دَاوُدَ النَّسَائِيُّ , نا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ , نا سَلَّامُ بْنُ أَبِي مُطِيعٍ , عَنْ مَعْمَرٍ , عَنِ الزُّهْرِيِّ , عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ , عَنْ أَبِيهِ , قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: §«إِنَّ أَعْظَمَ الْمُسْلِمِينَ فِي الْمُسْلِمِينَ جُرْمًا , رَجُلٌ سَأَلَ عَمَّا لَمْ يُحَرَّمْ فَحُرِّمَ مِنْ أَجْلِ مَسْأَلَتِهِ» وَهَذَا الْمَعْنَى قَدِ ارْتَفَعَ بِمَوْتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَاسْتَقَرَّتْ أَحْكَامُ الشَّرِيعَةِ , فَلَا حَاظَرَ وَلَا مُبِيحَ بَعْدَهُ وَيَدُلُّ عَلَى جَوَازِ السُّؤَالِ عَمَّا لَمْ يَكُنِ الْحَدِيثُ الَّذِي

أناه عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ السُّكَّرِيُّ , نا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الشَّافِعِيُّ , نا إِسْحَاقُ بْنُ الْحَسَنِ , نا أَبُو حُذَيْفَةَ , نا سُفْيَانُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ مَسْرُوقٍ , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ عَبَايَةَ بْنِ رِفَاعَةَ , عَنْ جَدِّهِ: رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ , قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ , إِنَّا نَخَافُ أَنْ نَلْقَى -[18]- الْعَدُوَّ غَدًا , وَلَيْسَ مَعَنَا مُداً , فَنَذْبَحُ بِالْقَصَبِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: §«مَا أَنْهَرَ الدَّمَ وَذَكَرْتَ عَلَيْهِ اسْمَ اللَّهِ فَكُلْ , مَا خَلَا السِّنَّ وَالظُّفُرَ» فَلَمْ يَعِبْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَسْأَلَةَ رَافِعٍ عَمَّا لَمْ يَنْزِلْ بِهِ , لِأَنَّهُ قَالَ: غَدًا , وَلَمْ يَقُلْ لَهُ لِمَ سَأَلْتَ عَنْ شَيْءٍ لَمْ يَكُنْ بَعْدُ , وَكَذَلِكَ الْحَدِيثُ الْآخَرُ الَّذِي

أناه الْحَسَنُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ , أنا عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَلِيٍّ الطَّسْتِيُّ , أنا السَّرِيُّ بْنُ سَهْلٍ الْجُنْدِيَسَابُورِيُّ , نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رُشَيْدٍ , نا أَبُو عُبَيْدَةَ: مَجَاعَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ , عَنْ يُونُسَ الْوَاسِطِيِّ , عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ , عَنْ يَزِيدَ بْنِ سَلَمَةَ , عَنْ أَبِيهِ , أَنَّ رَجُلًا , قَامَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ , أَرَأَيْتَ لَوْ كَانَ عَلَيْنَا أُمَرَاءُ يَسْأَلُونَا الْحَقَّ وَيَمْنَعُونَا حَقَّنَا , فَنُقَاتِلُهُمْ , فَقَامَ الْأَشْعَثُ بْنُ قَيْسٍ , فَقَالَ: تَسْأَلُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَمْرٍ لَمْ يَحْدُثْ بَعْدُ؟ فَقَالَ: لَأَسْأَلَنَّهُ حَتَّى يَمْنَعَنِي , فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ لَوْ كَانَ عَلَيْنَا أُمَرَاءُ يَسْأَلُونَا الْحَقَّ وَيَمْنَعُونَا , أَنُقَاتِلُهُمْ؟ قَالَ: §«لَا عَلَيْكُمُ مَا حُمِّلْتُمْ وَعَلَيْهِمْ مَا حُمِّلُوا»

فَلَمْ يَمْنَعْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذَا الرَّجُلَ مِنْ مَسْأَلَتِهِ , وَلَا أَنْكَرَهَا عَلَيْهِ , بَلْ أَجَابَهُ عَنْهَا مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ وَفِي الْآثَارِ نَظَائِرُ كَثِيرَةٌ لِمَا ذَكَرْنَاهُ وَأَمَّا تَحْرِيجُ عُمَرَ فِي السُّؤَالِ عَمَّا لَمْ يَكُنْ , وَلَعْنُهُ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَيُحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ قَصَدَ بِهِ السُّؤَالُ عَلَى سَبِيلِ التَّعَنُّتِ وَالْمُغَالَطَةِ , لَا عَلَى سَبِيلِ التَّفَقُّهِ وَابْتِغَاءِ الْفَائِدَةِ , وَلِهَذَا ضَرَبَ صَبِيغَ بْنَ عَسَلٍ ونَفَاهُ , وَحَرَمَهُ رِزْقَهُ وَعَطَاءَهُ , لَمَّا سَأَلَ عَنْ حُرُوفٍ مِنْ مُشْكِلِ الْقُرْآنِ , فَخَشِيَ عُمَرُ أَنْ يَكُونَ قَصَدَ بِمَسْأَلَتِهِ ضُعَفَاءَ الْمُسْلِمِينَ فِي الْعِلْمِ , لِيُوقِعَ فِي قُلُوبِهِمُ التَّشْكِيكَ وَالتَّضْلِيلَ بِتَحْرِيفِ الْقُرْآنِ عَنْ نَهْجِ التَّنْزِيلِ , وَصَرْفِهِ عَنْ صَوَابِ الْقَوْلِ فِيهِ إِلَى فَاسِدِ التَّأْوِيلِ , وَمَثَلَ هَذَا قَدْ وَرَدَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّهْيُ عَنْهُ وَالذَّمُ لِفَاعِلِهِ

أنا أَبُو سَعِيدٍ: مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى الصَّيْرَفِيُّ , نا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْأَصَمُّ , نا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ الرَّقِّيُّ , نَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ , نا الْأَوْزَاعِيُّ , عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدٍ , عَنِ الصُّنَابِحِيِّ , عَنْ رَجُلٍ , مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , قَدْ سَمَّاهُ , قَالَ: §«نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْأُغْلُوطَاتِ» قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: شِدَادُ الْمَسَائِلِ

أنا هِلَالُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ الْحَفَّارُ , ومُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ بُكَيْرٍ النَّجَّارُ , ومُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُثْمَانَ الْبُنْدَارُ , قَالَ السَّوَّاقُ: أنا وَقَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ صَالِحٍ الْبُرُوجَرْدِيُّ , نا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْهَمَذَانِيُّ , نا نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ , نا عِيسَى بْنُ يُونُسَ , عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ , عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدٍ , عَنِ الصُّنَابِحِيّ , عَنْ مُعَاوِيَةَ , قَالَ: §«نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْغُلُوطَاتِ» -[21]- يَعْنِي دَقِيقَ الْمَسَائِلِ

أنا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عُمَرَ الْمُقْرِئُ , أنا أَبُو بَكْرٍ: مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْآجُرِّيُّ , نا جَعْفَرُ الصَّنْدَلِيُّ , قَالَ: نا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الزَّعْفَرَانِيِّ , نا عَلِيُّ بْنُ بَحْرٍ الْقَطَّانُ , نا عِيسَى بْنُ يُونُسَ , نا الْأَوْزَاعِيُّ , عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدٍ , عَنِ الصُّنَابِحِيّ , عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " §نَهَى عَنِ الْأُغْلُوطَاتِ قَالَ عِيسَى: وَالْأُغْلُوطَاتُ: مَا لَا يُحْتَاجُ إِلَيْهِ مِنْ كَيْفَ وَكَيْفَ

أنا أَبُو نُعَيْمٍ الْحَافِظُ , نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ فَارِسٍ , نا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ الْعَبْدِيُّ , نا أَبُو النَّضْرٍ إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ , نا يَزِيدُ بْنُ رَبِيعَةَ , قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا الْأَشْعَثِ , يُحَدِّثُ عَنْ ثَوْبَانَ , عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , قَالَ: §«سَيَكُونُ أَقْوَامٌ مِنْ أُمَّتِي يُغَلِّطُونَ فُقَهَاءَهُمْ بِعَضْلِ الْمَسَائِلِ , أُولَئِكَ شِرَارُ أُمَّتِي»

أنا أَبُو سَعِيدٍ الصَّيْرَفِيُّ , نا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْأَصَمُّ , نا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الصَّغَانِيُّ , نا أَبُو النَّضْرِ , حَدَّثَنَا الْمُسْتَلِمُ بْنُ سَعِيدٍ , عَنْ مَنْصُورِ بْنِ زَاذَانَ , عَنِ الْحَسَنِ , قَالَ -[22]-: §«شِرَارُ عِبَادِ اللَّهِ يِنْتَقُونَ شِرَارَ الْمَسَائِلِ يُعْمُونَ بِهَا عِبَادَ اللَّهِ» وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ , وَعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ , وَغَيْرِهِمَا مِنَ الصَّحَابَةِ أَنَّهُمْ تَكَمَّلُوا فِي أَحْكَامِ الْحَوَادِثِ قَبْلَ نُزُولِهَا , وَتَنَاظَرُوا فِي عِلْمِ الْفَرَائِضِ وَالْمَوَارِيثِ , وَتَبِعَهُمْ عَلَى هَذِهِ السَّبِيلِ التَّابِعُونَ , وَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنْ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ , فَكَانَ ذَلِكَ إِجْمَاعًا مِنْهُمْ عَلَى أَنَّهُ جَائِزٌ غَيْرُ مَكْرُوهٍ وَمُبَاحٌ غَيْرُ مَحْظُورٍ وَأَمَّا حَدِيثُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ , وَأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ , وعَمَّارِ بْنِ كَعْبٍ , وعَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ , فَإِنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُمْ تَوَقَّوَا الْقَوْلَ بِرَأْيِهِمْ خَوْفًا مِنَ الزَّلَلِ , وَهَيْبَةً لِمَا فِي الِاجْتِهَادِ مِنَ الْخَطَرِ , وَرَأَوْا أَنَّ لَهُمُ عَنْ ذَلِكَ مَنْدُوحَةً فِيمَا لَمْ يَحْدُثْ: مِنَ النَّوَازِلِ , وَأَنَّ كَلَامَهُمْ فِيهَا إِذَا حَدَثَتْ تَدْعُوا إِلَيْهِ الْحَاجَةُ , فَيُوَفِّقُ اللَّهُ فِي تِلْكَ الْحَالِ مَنْ قَصَدَ إِصَابَةَ الْحَقِّ , وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ نَحْوَ هَذَا الْقَوْلِ

أنا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عُمَرَ الْمُقْرِئُ , أنا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْآجُرِّيُّ , نا ابْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ الْوَاسِطِيُّ , نا زُهَيْرٌ يَعْنِي ابْنَ مُحَمَّدِ بْنِ قَمِيرٍ , أنا مَنْصُورُ بْنُ صُقَيْرٍ , نا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ , نا الصَّلْتُ بْنُ رَاشِدٍ , قَالَ: سَأَلْتُ طَاوُسًا عَنْ شَيْءٍ , فَانْتَهَرَنِي , وَقَالَ: أَكَانَ هَذَا؟ قُلْتُ: نَعَمْ وَقَالَ: اللَّهِ , قُلْتُ: اللَّهِ , قَالَ -[23]-: إِنَّ أَصْحَابَنَا أَخْبَرُونَا عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ أَنَّهُ قَالَ: «أَيُّهَا النَّاسُ , §لَا تَعْجَلُوا بِالْبَلَاءِ قَبْلَ نُزُولِهِ فَيَذْهَبَ بِكُمْ هَا هُنَا وَهَا هُنَا , فَإِنَّكُمْ إِنْ لَمْ تَعْجَلُوا بِالْبَلَاءِ قَبْلَ نُزُولِهِ , لَمْ يَنْفَكَّ الْمُسْلِمُونَ أَنْ يَكُونَ فِيهِمْ مَنْ إِذَا سُئِلَ سُدِّدَ , أَوْ قَالَ وُفِّقَ» وَهَذَا فِعْلُ أَهْلِ الْوَرَعِ وَالْمُشْفِقِينَ عَلَى دِينِهِمْ , وَلِأَجْلِ مَا ذَكَرْنَاهُ كَانَ خَلْقٌ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ إِذَا سُئِلَ أَحَدُهُمْ عَنْ حُكْمِ حَادِثَةٍ حَادَ عَنِ الْجَوَابِ وَأَحَالَ عَلَى غَيْرِهِ

أنا ابْنُ الْفَضْلِ , أنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ دَرَسْتُوَيْهِ , نا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ , نا أَبُو بَكْرٍ الْحُمَيْدِيُّ , نا سُفْيَانُ , نا عَطَاءُ بْنُ السَّائِبِ , عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى , قَالَ: §«أَدْرَكْتُ مِائَةً وَعِشْرِينَ مِنَ الْأَنْصَارِ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , يَسْأَلُ أَحَدُهُمْ عَنِ الْمَسْأَلَةِ فَيَرُدُّهَا هَذَا إِلَى هَذَا , وَهَذَا إِلَى هَذَا حَتَّى تَرْجِعَ إِلَى الْأَوَّلِ»

أنا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ رِزْقٍ , أنا عُثْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ الدَّقَّاقُ , -[24]- نا حَنْبَلُ بْنُ إِسْحَاقَ , نا قَبِيصَةُ , وأنا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْبَزَّازُ , بِالْبَصْرَةِ , وَاللَّفْظُ لَهُ , نا أَبُو عَلِيٍّ: الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُثْمَانَ الْفَسَوِيُّ , نا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ , نا أَبُو نُعَيْمٍ , قَالَا: نا سُفْيَانُ , عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ , قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي لَيْلَى , قَالَ: §«لَقَدْ أَدْرَكْتُ فِي هَذَا الْمَسْجِدِ عِشْرِينَ وَمِائَةً مِنَ الْأَنْصَارِ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , مَا أَحَدٌ مِنْهُمْ يُحَدِّثُ حَدِيثًا إِلَّا وَدَّ أَنَّ أَخَاهَ كَفَاهُ الْحَدِيثَ , وَلَا يَسْأَلُ عَنْ فُتْيَا , إِلَّا وَدَّ أَنَّ أَخَاهَ كَفَاهُ الْفُتْيَا»

أنا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ الْمُقْرِئُ , أنا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْآجُرِّيُّ , نا أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ سَهْلٍ الْأُشْنَانِيُّ , نَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْأَسْوَدِ الْعِجْلِيُّ , نا يَحْيَى بْنُ آدَمَ , نَا حَمَّادُ بْنُ شُعَيْبٍ , عَنْ حَجَّاجٍ , عَنْ عُمَيْرِ بْنِ سَعِيدٍ , قَالَ: سَأَلْتُ عَلْقَمَةَ عَنْ مَسْأَلَةٍ , فَقَالَ: ائْتِ عَبِيدَةَ فَسَلْهُ , فَأَتَيْتُ عُبَيْدَةَ فَقَالَ: ائْتِ عَلْقَمَةَ , فَقُلْتُ: عَلْقَمَةُ أَرْسَلَنِي إِلَيْكَ , فَقَالَ: ائْتِ مَسْرُوقًا فَسَلْهُ , فَأَتَيْتُ مَسْرُوقًا فَسَأَلْتُهُ , فَقَالَ: ائْتِ عَلْقَمَةَ فَسَلْهُ , فَقُلْتُ: عَلْقَمَةُ أَرْسَلَنِي إِلَى عُبَيْدَةَ , وَعُبَيْدَةُ أَرْسَلَنِي إِلَيْكَ , قَالَ: فَأْتِ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي لَيْلَى , فَأَتَيْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي لَيْلَى فَسَأَلْتُهُ فَكَرِهَهُ , ثُمَّ رَجَعْتُ إِلَى عَلْقَمَةَ فَأَخْبَرْتُهُ , قَالَ: كَانَ يُقَالُ §«أَجْرَأُ الْقَوْمِ عَلَى الْفُتْيَا أَدْنَاهُمْ عِلْمًا»

أنا ابْنُ الْفَضْلِ , أنا ابْنُ دَرَسْتُوَيْهِ , نا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ , نا قَبِيصَةُ , نا سُفْيَانُ , عَنْ أَبِي حُصَيْنٍ , قَالَ: سَأَلْتُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ شَيْءٍ , فَقَالَ: §«أَمَا وَجَدْتَ أَحَدًا تَسْأَلُهُ فِيمَا بَيْنِي وَبَيْنَكَ غَيْرِي» وَهَكَذَا كَانَ إِمْسَاكُ ابْنِ شِهَابٍ عَنِ الْكَلَامِ فِي حَادِثَةٍ لَمْ تَنْزِلْ بِهِ , وَإِنْ كَانَتْ نَزَلَتْ بِغَيْرِهِ , وَمَا حَكَى مَالِكٌ عَنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مِنَ الْإِكْثَارِ فِي الْمَسَائِلِ , كُلُّ ذَلِكَ خَوْفُ الزَّلَلِ فِي الرَّأْيِ , وَرَأَوْا أَنَّ النَّاسَ يَقْتَدُونَ بِهِمْ وَيُقَلِّدُونَهُمْ أَمْرَ دِينِهِمْ , وَيَحْتَجُّونَ بِأَقْوَالِهِمْ , فَإِذَا: عَلِمَ الْوَاحِدُ مِنْهُمْ أَنَّ جَوَابَهُ يَنْفُذُ فِيمَا سُئِلَ عَنْهُ بِالتَّحْلِيلِ أَوِ التَّحْرِيمِ , حَمَلَ نَفْسَهُ فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي سُئِلَ عَنْهَا مِنْ شِدَّةِ مُعَالَجَتِهَا وَالِاسْتِقْصَاءِ فِي إِدْرَاكِ حَقِيقَتِهَا عَلَى مَا كَانَ غَيْرَ خَائِفٍ مِنْهُ لَوْ قَصَّرَ فِيهِ قَبْلَ نُزُولِهَا وَالسُّؤَالِ عَنْهَا , وَمَنْ قُلِّدَ أَمْرَ الدِّينِ وَاسْتُفْتِيَ مِنَ الْمُجْتَهِدِينَ , فَخَطَرُ زَلَلِهِ عَظِيمٌ , وَهُوَ الَّذِي تَخَوَّفُهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أُمَّتِهِ

أنا أَبُو الْحَسَنِ: أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ مُوسَى بْنِ -[26]- هَارُونَ بْنِ الصَّلْتِ الْأَهْوَازِيُّ , أنا أَبُو الْعَبَّاسِ: أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ عُقْدَةَ الْكُوفِيُّ , نا أَحْمَدُ بْنُ يَحْيَى الصُّوفِيُّ , نا أَبُو غَسَّانَ , نا مَسْعُودُ بْنُ سَعْدٍ , عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ , عَنْ مُجَاهِدٍ , عَنِ ابْنِ عُمَرَ , قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " §أَشَدُّ مَا أَتَخَوَّفُ عَلَى أُمَّتِي ثَلَاثَةً: زَلَّةُ عَالِمٍ , وَجِدَالُ مُنَافِقٍ بِالْقُرْآنِ , أَوْ دُنْيَا تَقْطَعُ رِقَابِكُمْ فَاتَّهِمُوهَا عَلَى أَنْفُسِكُمْ " قَالَ أَبُو غَسَّانَ: قَالَ لِي بَنُو أَبِي شَيْبَةَ: لَوْ رَحَلَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ إِلَى خُرَاسَانَ كَانَ قَلِيلًا

أنا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْجَوْهَرِيُّ , نا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَبَّاسِ الْخَزَّازُ , نا يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ صَاعِدٍ , نا الْحُسَيْنُ بْنُ الْحَسَنِ , أنا -[27]- ابْنُ الْمُبَارَكِ , نا ابْنُ لَهِيعَةَ , قَالَ حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنِ أَبِي جَعْفَرٍ , قَالَ: قِيلَ لِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ: يَا رُوحَ اللَّهِ وَكَلِمَتَهُ , مَنْ أَشَدُّ النَّاسِ فِتْنَةً؟ قَالَ: §«زَلَّةُ الْعَالِمِ , إِذَا زَلَّ الْعَالِمُ زَلَّ بِزَلَّتِهِ عَالَمٌ كَثِيرٌ»

أنا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي الْفَوَارِسِ , أنا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ , نا أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ الدِّمَشْقِيُّ , قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُعْتَزِّ: §«زَلَّةُ الْعَالِمِ كَانْكِسَارِ السَّفِينَةِ , تَغْرَقَ وَيَغْرَقُ مَعَهَا خَلْقٌ كَثِيرٌ»

أنا عَلِيُّ بْنُ يَحْيَى بْنِ جَعْفَرٍ الْأَصْبَهَانِيُّ , أنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ بُنْدَارٍ الْمَدِينِيُّ , نا أَحْمَدُ بْنُ مَهْدِيٍّ , نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ الْحَجَبِيُّ , نا حَمَّادٌ يَعْنِي: ابْنَ زَيْدٍ , نا الْمُثَنَّى بْنُ سَعِيدٍ , وأنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَلِيٍّ الْأَزْجِيُّ , نا عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْبَجَلِيُّ , وأنا الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ طَاهِرٍ الدَّقَّاقُ , ومُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ حَسْنُونَ النَّرْسِيُّ , قَالَا: أنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ هَارُونَ , قَالَا: نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ , نا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْمَرْوَزِيُّ , نا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ , عَنِ الْمُثَنَّى بْنِ سَعِيدٍ , قَالَ إِسْحَاقُ: وَقَدْ قَالَ مَرَّةً أُخْرَى: عَنِ الْمُثَنَّى بْنِ سَعْدٍ , وَفِي حَدِيثِ الْأَزْجِيِّ , وَقَالَ إِسْحَاقُ مَرَّةً أُخْرَى: عَنِ الْمُثَنَّى بْنِ سَعْدٍ , عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ , قَالَ: «§وَيْلٌ لِلْأَتْبَاعِ مِنْ عَثَرَاتِ الْعَالِمِ» , قِيلَ: وَكَيْفَ ذَاكَ؟ قَالَ: «يَقُولُ الْعَالِمُ بِرَأْيِهِ , فَيَبْلُغُهُ الشَّيْءُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خِلَافَهُ , فَيَرْجِعُ وَيَمْضِي -[28]- الْأَتْبَاعُ بِمَا سَمِعُوا» وَاللَّفْظُ لِحَدِيثِ إِسْحَاقَ

أنا أَبُو الْفَتْحِ: عَبْدُ الْكَرِيمِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ الْقَاسِمِ الضَّبِّيُّ , نا عُمَرُ بْنُ أَحْمَدَ الْوَاعِظُ , قَالَ: حَدَّثَنَا مُكْرَمُ بْنُ أَحْمَدَ , نا أَحْمَدُ بْنُ عَطِيَّةَ , نا بِشْرٌ يَعْنِي ابْنَ الْوَلِيدِ وَابْنَ سَمَاعَةَ , عَنْ أَبِي يُوسُفَ , قَالَ: «كَانَ أَبُو حَنِيفَةَ §إِذَا عَمِلَ الْقَوْلَ مِنْ أَبْوَابِ الْفِقْهِ , رَاضَهُ سَنَةً لَا يُخْرِجُهُ إِلَى أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِهِ , فَإِذَا كَانَ بَعْدَ سَنَةٍ , وَأَحْكَمَهُ خَرَجَ إِلَى أَصْحَابِهِ , وَإِذَا تَكَلَّمَ فِي الِاسْتِحْسَانِ هَمَّهُ مُنَاظَرَةُ نَفْسِهِ»

أنا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ الْمُقْرِئُ , أنا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْآجُرَّيُّ , نا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّنْدَلِيُّ , أنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى , قَالَ: سَمِعْتُ بِشْرَ بْنَ الْحَارِثِ , يَقُولُ: سَمِعْتُ الْمُعَافَى بْنَ عِمْرَانَ , يَذْكُرُ عَنْ سُفْيَانَ , قَالَ: «§أَدْرَكْتُ الْفُقَهَاءَ وَهُمْ يَكْرَهُونَ أَنْ يُجِيبُوا فِي الْمَسَائِلِ وَالْفُتْيَا , حَتَّى لَا يَجِدُوا بُدًّا مِنْ أَنْ يُفْتُوا» وَقَالَ الْمُعَافَى , سَأَلْتُ سُفْيَانَ , فَقَالَ: أَدْرَكْتُ النَّاسَ مِمَّنْ أَدْرَكْتُ مِنَ الْعُلَمَاءِ وَالْفُقَهَاءِ وَهُمْ يَتَرَادُّونَ الْمَسَائِلَ , يَكْرَهُونَ أَنْ يُجِيبُوا فِيهَا , فَإِذَا أُعْفُوا مِنْهَا كَانَ ذَلِكَ أَحَبَّ إِلَيْهِمْ

أنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عُمَرَ الْبَرْمَكِيُّ , أنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَلَفٍ الدَّقَّاقُ , نا عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْجَوْهَرِيُّ , نا أَبُو بَكْرٍ الْأَثْرَمُ , قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ , يَقُولُ: §«مَنْ عَرَّضَ نَفْسَهُ لِلْفُتْيَا فَقَدْ عَرَّضَهَا لِأَمْرٍ عَظِيمٍ , إِلَّا أَنَّهُ قَدْ تَجِيءُ الضَّرُورَةُ» قَالَ الْحَسَنُ: إِنْ تَرَكْنَاهُمْ وَكَلْنَاهُمْ إِلَى عِيٍّ شَدِيدٍ , فَإِنَّمَا تَكَلَّمَ الْقَوْمُ عَلَى هَذَا , وَكَانَ قَوْمٌ يَرَوْنَ أَنَّهُمْ أَكْثَرُ مِنْ غَيْرِهِمْ فَتَكَلَّمُوا , قِيلَ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ: فَأَيُّمَا أَفْضَلُ الْكَلَامُ أَوِ الْإِمْسَاكُ؟ قَالَ: «الْإِمْسَاكُ أَحَبُّ إِلَيَّ لَا شَكَّ» , قِيلَ لَهُ: فَإِذَا كَانَتِ الضَّرُورَةُ؟ فَجَعَلَ يَقُولُ: «الضَّرُورَةُ الضَّرُورَةُ» وَقَالَ: «الْإِمْسَاكُ أَسْلَمُ لَهُ» قُلْتُ: الْإِمْسَاكُ أَقْرَبُ إِلَى السَّلَامَةِ , لَكِنْ مَا يَجُوزُهُ الْمُجْتَهِدُ إِذَا نَصَحَ وَبَذَلَ مَجْهُودَهُ فِي طَلَبِ الْحَقِّ مِنَ الْفَضْلِ وَعَظِيمِ الثَّوَابِ وَالْأَجْرِ أَوْلَى مَا رَغِبَ فِيهِ الرَّاغِبُونَ , وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ

أنا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْجَوْهَرِيُّ , أنا أَبُو عُبَيْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عِمْرَانَ بْنِ مُوسَى الْمَرْزَبَانِيُّ , نا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى الْمَكِّيُّ , نا مُحَمَّدُ بْنُ الْقَاسِمِ بْنِ خَلَّادٍ , قَالَ: كَانَ يُقَالُ: §" مَنْ لَمْ يَرْكَبِ الْمَصَاعِبَ لَمْ يَنَلِ الرَّغَائِبَ -[30]- وَلِأَبِي إِبْرَاهِيمَ إِسْمَاعِيلَ بْنِ يَحْيَى الْمُزَنِيِّ , كَلَامٌ مُسْتَقْصًى فِيمَنْ أَنْكَرَ السُّؤَالَ عَمَّا لَمْ يَكُنْ , أَنَا أَسُوقُهُ لِمَا يَتَضَمَّنُ مِنَ الْفَوَائِدِ الْكَثِيرَةِ وَالْمَنَافِعِ الْغَزِيرَةِ

أنا أَبُو الْحَسَنِ: مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عُمَرَ الصَّابُونِيُّ , أنا أَبُو سُلَيْمَانَ: مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ الْحَرَّانِيُّ , أنا أَبُو عَلِيٍّ: أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ شُعَيْبٍ الْمَدَائِنِيُّ , قَالَ: قَالَ الْمُزَنِيُّ: §" يُقَالُ لِمَنْ أَنْكَرَ السُّؤَالَ فِي الْبَحْثِ عَمَّا لَمْ يَكُنْ لِمَ أَنْكَرْتُمْ ذَلِكَ؟ فَإِنْ قَالُوا: لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَرِهَ الْمَسْأَلَةَ , قِيلَ: وَكَذَلِكَ كَرِهَهَا بَعْدَ أَنْ كَانَتْ تُرْفَعُ إِلَيْهِ لِمَا كَرِهَ مِنَ افْتِرَاضِ اللَّهِ الْفَرَائِضَ بِمُسَاءَلَتِهِ وَثِقَلِهَا عَلَى أُمَّتِهِ لِرَأْفَتِهِ بِهَا وَشَفَقَتِهِ عَلَيْهَا , فَقَدِ ارْتَفَعَ ذَلِكَ بِرَفْعِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَا فَرْضَ بَعْدَهُ يَحْدُثُ أَبَدًا وَإِنْ قَالُوا: لِأَنَّ عُمَرَ أَنْكَرَ السُّؤَالَ عَمَّا لَمْ يَكُنْ , قِيلَ: فَقَدْ يَحْتَمِلُ إِنْكَارُهُ ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ التَّعَنُّتِ وَالْمُغَالَطَةِ , لَا عَلَى التَّفَقُّهِ , وَالْفَائِدَةِ , وَقَدْ رُوِيَ أَنَّهُ قَالَ لِابْنِ عَبَّاسٍ: سَلْ عَمَّا بَدَا لَكَ , فَإِنْ كَانَ عِنْدَنَا , وَإِلَّا سَأَلْنَا عَنْهُ غَيْرَنَا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَكَمَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ مِنْ إِنْكَارِهِ عَلَى ابْنِ الْكَوَّاءِ أَنْ يَسْأَلَ تَعَنُّتًا , وَأَمَرَهُ أَنْ يَسْأَلَ تَفَقُّهًا , وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ , وَعَلِيٍّ , وَابْنِ مَسْعُودٍ , وَزَيْدٍ , فِي الرَّجُلِ يُخَيَّرُ امْرَأَتَهُ , فَقَالَ عُمَرُ , وَابْنُ مَسْعُودٍ: إِنِ اخْتَارَتْ زَوْجَهَا , فَلَا شَيْءَ ,

وَإِنِ اخْتَارَتْ نَفْسَهَا , فَوَاحِدَةٌ يَمْلِكُ الرَّجْعَةَ , وَقَالَ عَلِيٌّ: إِنِ اخْتَارَتْ زَوْجَهَا , فَوَاحِدَةٌ يَمْلِكُ الرَّجْعَةَ , وَإِنِ اخْتَارَتْ نَفْسَهَا فَوَاحِدَةٌ بَائِنٌ , وَقَالَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ: إِنِ اخْتَارَتْ نَفْسَهَا فَثَلَاثٌ , وَإِنِ اخْتَارَتْ زَوْجَهَا , فَوَاحِدَةٌ بَائِنٌ , وَأَجَابُوا جَمِيعًا فِي أَمْرَيْنِ , أَحَدُهُمَا لَمْ يَكُنْ , وَلَوْ كَانَ الْجَوَابُ فِيمَا لَمْ يَكُنْ مَكْرُوهًا لَمَا أَجَابُوا إِلَّا فِيمَا كَانَ , وَلَسَكَتُوا عَمَّا لَمْ يَكُنْ وَعَنْ زَيْدٍ أَنَّهُ قَالَ لِعَلِيٍّ فِي الْمُكَاتَبِ: أَكُنْتَ رَاجِمَهُ لَوْ زَنَا؟ قَالَ: لَا , قَالَ: أَفَكُنْتَ تَقْبَلُ شَهَادَتَهُ لَوْ شَهِدَ؟ قَالَ: لَا، فَقَدْ سَأَلَهُ زَيْدٌ وَأَجَابَهُ عَلِيٌّ فِيمَا لَمْ يَكُنْ عَلَى التَّفَقُّهِ وَالتَّفَطُّنِ وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ فِي مُسَاءَلَتِهِ عَبِيدَةَ السَّلْمَانِيَّ: أَرَأَيْتَ , أَرَأَيْتَ , وَقَدْ ذَكَرْنَا فِيمَا مَضَى مَا رُوِيَ مِنْ قَوْلِ عُمَرَ لِابْنِ عَبَّاسٍ: سَلْنِي , وَقَوْلِ عَلِيٍّ: سَلُونِي , وَقَوْلِ أَبِي الدَّرْدَاءٍ: ذَاكِرُوا هَذِهِ الْمَسَائِلَ , وَلَوْ كَانَ هَذَا السُّؤَالُ لَا يَجُوزُ إِلَّا عَمَّا كَانَ لِمَا تَعَرَّضَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَوَابًا لَا يَجُوزُ أَبَدًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ , وَيُقَالُ لَهُ: أَلَيْسَ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ أَنْ يَطْلُبَ الْفَرَائِضَ فِي الطَّهَارَةِ وَالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَالصِّيَامِ , وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ , قَبْلَ أَنْ يَنْزِلَ ذَلِكَ وَهُوَ دِينٌ؟ فَإِذَا قَالَ: نَعَمْ , قِيلَ: فَكَيْفَ يَجُوزُ طَلَبُ ذَلِكَ فِي بَعْضِ الدِّينِ , وَالْجَوَابُ فِيهِ , وَلَا يَجُوزُ فِي بَعْضٍ , وَكُلُّ ذَلِكَ دِينٌ؟ وَيُقَالُ لَهُ: هَلْ تَخْلُوَ الْمَسْأَلَةُ الَّتِي أَنْكَرْتُمْ جَوَابَهَا , قَبْلَ أَنْ تَكُونَ مِنْ أَنْ يَكُونَ لَهَا حُكْمٌ خَفِيٌّ , حَتَّى لَا يُوصَلَ إِلَيْهِ إِلَّا بِالنَّظَرِ

وَالِاسْتِنْبَاطِ , أَوْ لَا يَكُونَ لَهَا حُكْمٌ , فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا حُكْمٌ فَلَا وَجْهَ لِذَلِكَ مَا وَجْهُ الْمَسْأَلَةِ فِيهَا كَانَتْ أَوْ لَمْ تَكُنْ , وَإِنْ كَانَ لَهَا حُكْمٌ لَا يُوصَلُ إِلَيْهِ بِالْمُنَاظَرَةِ وَالِاسْتِنْبَاطِ , فَالتَّقَدُّمُ بِكَشْفِ الْخَفِيِّ , وَمَعْرِفَتِهِ وَإِعْدَادِهِ لِلْمَسْأَلَةِ قَبْلَ نُزُولِهَا أَوْلَى , فَإِذَا نَزَلَتْ كَانَ حُكْمُهَا مَعْرُوفًا فَوَصَلَ بِذَلِكَ الْحَقَّ إِلَى أَهْلِهِ , وَمَنَعَ بِهِ الظَّالِمَ مِنْ ظُلْمِهِ , وَكَانَ خَيْرًا أَوْ أَفْضَلَ مِنْ أَنْ يَتَوَقَّفُوا إِلَى أَنْ يَصِحَّ النَّظَرُ فِي الْمَسْأَلَةِ عِنْدَ الْمُنَاظَرَةِ , وَقَدْ يُبْطِئُ ذَلِكَ وَيَكُونُ فِي التَّوَقُّفِ ضَرَرٌ يَمْنَعُ الْخَصْمَ مِنْ حَقِّهِ , وَالْفَرْجَ مِنْ حِلِّهِ , وَتَرْكَ الظَّالِمِ عَلَى ظُلْمِهِ وَشَبَّهُوا أَوْ بَعْضُهُمُ النَّازِلَةَ فِيمَا بَلَغَنِي إِذَا كَانَتْ بِالضَّرُورَةِ , وَالْجَوَابَ فِيهَا بِأَكْلِ الْمَيْتَةِ , فَأَحَلُّوا الْجَوَّابَ فِي النَّازِلَةِ , كَمَا أَحَلُّوا الْمَيْتَةَ بِالضَّرُورَةِ , فَيُقَالُ لَهُمْ: أَفَتَزْعُمُونَ أَنَّ الَّذِيَ ذَكَرْنَا رِوَايَتَكُمْ عَنْهُمْ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فِيمَا أَجَابُوا فِيهِ مِمَّا لَمْ يَكُنْ وَتَعَرُّضَهُمْ جَوَابَ مَا لَمْ يَسْأَلُوا عَنْهُ قَدْ صَارُوا بِذَلِكَ فِي مَعْنًى مِنْ أَكْلِ الْمَيْتَةِ عَلَى غَيْرِ ضَرُورَةٍ؟ وَيُقَالُ لَهُمْ: مَا يُشْبِهُ خَوْفَ الْمَرْءِ عَلَى نَفْسِهِ الْمَوْتَ , فَأَمَرَ بِإِحْيَائِهَا مِنْ أَكْلِ الْمَيْتَةِ مِنَ الْمُجِيبِ , إِلَّا مِمَّا حَلَّ لِصَاحِبِ الْمَسْأَلَةِ , وَلَوْ كَانَ هَذَا التَّشْبِيهُ لَكَانَ إِذَا حَلَّ بِرَجُلٍ ضَرُورَةٌ حَلَّ لِغَيْرِهِ أَكْلُ الْمَيْتَةِ , كَمَا إِذَا حَلَّتْ بِرَجُلٍ مَسْأَلَةٌ , حَلَّ لِغَيْرِهِ جَوَّابُ الْمَسْأَلَةِ , وَكَانَ أَوْلَى التَّشْبِيهَيْنِ , إِنْ جَازَ أَنْ يُقَاسَ عَلَى الْمَيْتَةِ أَنْ يَكُونَ الْجَاهِلُ الْمَنْزُولُ بِهِ الْمَسْأَلَةَ أَحَقَّ بِالْجَوَابِ الَّذِي يَدْفَعُ بِهِ عَنْ نَفْسِهِ مَكْرُوهَ الْمَسْأَلَةِ , كَمَا كَانَ بِضَرُورَةِ الْمَضْرُورِ تَحِلُّ لَهُ الْمَيْتَةُ , يَدْفَعُ بِهَا عَنْ نَفْسِهِ مَكْرُوهَ الضَّرُورَةِ ,

قَالَ الْمُزَنِيُّ: وَإِنْ قَالُوا أَوْ بَعْضُهُمْ: إِنَّمَا زَعَمْنَا أَنَّ الْمَسْأَلَةَ إِذَا نَزَلَتْ فَسُئِلَ عَنْهَا الْعَالِمُ كَانَ كَالْمُضْطَرِّ , فَعَلَيْهِ أَنْ يُجِيبَ كَمَا كَانَ عَلَى الْمُضْطَرِّ أَنْ يَأْكُلَ الْمَيْتَةَ قِيلَ لَهُمْ: فَرِوَايتُكُمْ عَنْ عِشْرِينَ وَمِائَةٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا سُئِلُوا رَدُّ الْمَسْأَلَةِ هَذَا إِلَى هَذَا حَتَّى تَدُورَ الْمَسْأَلَةُ فَتَرْجِعَ إِلَى الْأَوَّلِ تُوجِبُ فِي قَوْلِكِمْ أَنَّهُمْ تَرَكُوا مَا فَرَضَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ , لِأَنَّ عَلَى الْمُضْطَرِّ فَرْضًا أَنْ يُحْيِيَ نَفْسَهُ بِالْمَيْتَةِ , وَلَا يَقْتُلُهَا بِتَرْكِ أَكْلِ الْمَيْتَةِ , قَدْ تَرَكَ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا فُرِضَ عَلَيْهِمْ فِي مَعْنَى قَوْلِكِمْ وَيُقَالُ لَهُمْ: أَلَيْسَ إِنَّمَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ جَوَابُ الْمَنْزُولِ بِهِ لِيَدْفَعَ بِهِ جَهْلَهُ , وَلِيَعْلَمَ بِالْجَوَابِ مَا حُرِّمَ عَلَيْهِ وَحَلَّ لَهُ؟ فَإِذَا قَالَ: نَعَمْ , قِيلَ لَهُ: فَقَدْ رَجَعَتِ الْمَسْأَلَةُ إِلَى أَنَّ الضَّرُورَةَ بِغَيْرِهِ أَوْجَبَتِ الْجَوَابَ عَلَيْهِ , فَكَذَلِكَ لِضَرُورَةِ الْمُضْطَرِّ بِغَيْرِهِ يَجِبُ أَكْلُ الْمَيْتَةِ عَلَيْهِ , وَإِلَّا فَهُمَا مُفْتَرِقَانِ لَا يُشْبِهُ الْجَوَابُ فِي الْمَسْأَلَةِ الْمَيْتَةَ , وَيُقَالُ لَهُ: أَلَيْسَ إِذَا نَزَلَتِ الْمَسْأَلَةُ فَسُئِلَ عَنْهَا الْعَالِمُ حَلَّ لَهُ الْجَوَابُ بِالسُّؤَالِ , كَمَا إِذَا نَزَلَتْ بِهِ ضَرُورَةٌ حَلَّ لَهُ أَكْلُ الْمَيْتَةِ بِالِاضْطِرَارِ؟ فَإِذَا قَالَ: بَلَى , قِيلَ: وَكَذَلِكَ إِذَا ارْتَفَعَ السُّؤَالُ رَجَعَ الْجَوَابُ حَرَامًا كَمَا إِذَا ارْتَفَعَ الِاضْطِرَارُ رَجَعَتِ الْمَيْتَةُ حَرَامًا , فَإِذَا قَالُوا: نَعَمْ , قِيلَ لَهُمْ: فَلِمَ سَأَلْتُمْ عَنْ جَوَابِ الْمَاضِينَ وَمَلَأْتُمْ مِنْهَا الْكُتُبَ , وَهِيَ حَرَامٌ عَلَيْكُمْ , وَإِنَّمَا حَلَّتْ لِلْعَالِمِ بِالسُّؤَالِ , ثُمَّ حُرِّمَتْ بِارْتِفَاعِ السُّؤَالِ كَمَا حَلَّتْ لِلْمُضْطَرِّينَ الْمَيْتَةَ بِالِاضْطِرَارِ , ثُمَّ حُرِّمَتْ

بِارْتِفَاعِ الِاضْطِرَارِ؟ فَإِنْ قَالُوا: لِأَنَّ ذَلِكَ السُّؤَالَ وَالْجَوَابَ قَدْ كَانَ , قِيلَ: وَكَذَلِكَ الِاضْطِرَارُ وَأَكْلُ الْمَيْتَةِ بِالِاضْطِرَارِ قَدْ كَانَ , فَمَا الْفَرْقُ بَيْنَ ذَلِكَ , إِنْ كَانَ لِجَوَابٍ عِنْدَكُمْ نَظِيرًا لِلْمَيْتَةِ؟ فَإِنْ قَالُوا: إِنَّمَا ذَلِكَ حِكَايَةٌ , وَلَيْسَتْ سُؤَالًا وَلَا جَوَابًا , قِيلَ لَهُمْ: فَلَا مَعْنَى فِيمَا رَوَيْتُمْ يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى الْفِقْهِ وَالْعِلْمِ فِيمَا لَمْ يَنْزِلْ , فَإِنْ قَالُوا: نَعَمْ , أَقَامُوا الْحِكَايَةَ مَقَامَ الْجَوَابِ , وَلَزِمَهُمْ تَحْرِيمُ السُّؤَالِ وَالْجَوَابُ عَمَّا لَمْ يَكُنْ , وَهُوَ نَقْصُ قَوْلِهِمْ , وَإِنْ قَالُوا: لَا مَعْنَى أَكْثَرَ مِنَ الْحِكَايَةِ , قِيلَ: فَلَا فَرْقَ بَيْنَ حِكَايَةِ مَا لَا يَضُرُّ وَمَا لَا يَنْفَعُ , وَبَيْنَ مَا حَكَيْتُمْ مِنْ جَوَابَاتِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَمَا مَعْنَى مَا رَوَى الْفُقَهَاءُ وَالْعُلَمَاءُ عَنِ السَّابِقِينَ ثُمَّ عَنِ التَّابِعِينَ وَإِقْتِدَائِهِمْ بِجَوَابَانِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيُقَالُ لَهُمْ: أَرَأَيْتُمْ مَجُوسِيًّا أَتَاكُمْ مِنْ بَلَدِهِ , رَاغِبًا فِي الْإِسْلَامِ , مُحِبًّا لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَقَالَ: عَلِّمُونِي الدُّخُولَ فِي الْإِسْلَامِ , فَعَلَّمْتُمُوهُ إِيَّاهُ فَدَخَلَ فِيهِ , ثُمَّ قَالَ: إِنِّي رَاجِعٌ إِلَى بَلَدِي فَمَا عَلَيْنَا مِنَ الطَّهَارَةِ , لِأَكُونَ مِنْهَا عَلَى عِلْمٍ قَبْلَ دُخُولِ وَقْتِ الصَّلَاةِ؟ وَمَا الَّذِي يُوجِبُ الْغُسْلَ وَيَنْقُضُ الطُّهُورَ؟ وَمَا الصَّلَاةُ وَمَا الَّذِي يُفْسِدُهَا؟ وَمَا حُكْمُ الزِّيَادَةِ فِيهَا وَالنُّقْصَانِ مِنْهَا وَالسَّهْوِ فِيهَا؟ وَمَا فِي عَشْرَةِ دَنَانِيرَ وَمِائَةِ دِرْهَمٍ مِنَ الزَّكَاةِ؟ وَمَا الصَّوْمُ؟ وَمَا حُكْمُ الْأَكْلِ فِيهِ عَامِدًا أَوْ سَاهِيًا؟ وَمَا عَلَى مَنْ كَانَ مِنَّا مَرِيضًا أَوْ كَبِيرًا أَوْ ضَعِيفًا؟ وَهَلْ بَأْسٌ بِدِرْهَمٍ بِدِرْهَمَيْنِ؟ وَمَا فِيهِ الْقِصَاصُ مِنَ الدِّمَاءِ وَالْجِرَاحِ , وَحُكْمُ الْخَطَأِ؟ وَهَلْ فِي ذَلِكَ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ

سَوَاءٌ؟ فَإِنِّي رَاجِعٌ إِلَى بَلَدِي وَأَهِلِّي وَعَشِيرَتِي , يَنْتَظِرُونَ بِإِسْلَامِهِمْ رُجُوعِي , فَأَكُونُ وَيَكُونُونَ مِنْ دِينِنَا عَلَى عِلْمٍ فَنَعْمَلُ بِذَلِكَ وَنَتَقَرَّبُ إِلَى اللَّهِ , تُؤْجَرُونَ عَلَيْهِ , وَذَلِكَ كُلُّهُ عِنْدَكُمْ وَاضِحٌ لَا تَشُكُّونَ فِيهِ أَيَجُوزُ أَنْ يُعْلِمُوهُ ذَلِكَ؟ أَمْ تَقُولُونَ: لَا نُخْبِرُكَ حَتَّى تَنْزِلَ بِكَ نَازِلَةٌ , فَتَكْسِرُونَ بِذَلِكَ نَشَاطَهُ , وَتُخَبِّثُونَ نَفْسَهُ عَلَى حَدِيثِ عَهْدِهِ بِكُفْرِهِ , وَتَدْعُونَهُ عَلَى جَهْلِهِ؟ أَمْ تَغْتَنِمُونَ رَغْبَتَهُ فِي الْإِسْلَامِ , وَإِسْلَامَ مَنْ يَنْتَظِرُهُ , وَتَعْلِيمَ الْجُهَّالِ مَا يُحْسِنُونَهُ مِنَ الْعِلْمِ , وَقَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ سُئِلَ عَنْ عِلْمٍ فَكَتَمَهُ , جِيئَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُلْجَمًا بِلِجَامٍ مِنَ النَّارِ فَإِنْ قَالُوا: نُعَلِّمُهُ ذَلِكَ قَبْلَ نُزُولِهِ: تَرَكُوا قَوْلَهُ , لِأَنَّ بَعْضَ ذَلِكَ أَصْلٌ , وَبَعْضَهُ قِيَاسٌ , وَإِنْ قَالُوا: نُعَلِّمُهُ بَعْضًا , وَإِنْ لَمْ يَنْزِلْ , وَنَتْرُكُ بَعْضًا حَتَّى يَنْزِلَ , قِيلَ: فَمَا الْفَرْقُ بَيْنَ ذَلِكَ , وَكُلِّ ذَلِكَ دِينٌ؟ فَانْظُرُوا رَحِمَكُمُ اللَّهُ عَلَى مَا فِي أَحَادِيثِكُمُ الَّتِي جَمَعْتُمُوهَا، وَاطْلُبُوا الْعِلْمَ عِنْدَ أَهْلِ الْفِقْهِ تَكُونُوا فُقَهَاءَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ "

ذكر ما لا بد للمتجادلين من معرفته

§ذِكْرُ مَا لَا بُدَّ لِلْمُتَجَادِلَيْنِ مِنْ مَعْرِفَتِهِ

أنا أَبُو طَالِبٍ: عُمَرُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْفَقِيهُ , أنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْجَلِيُّ , قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو ذَرٍّ: الْخَضِرُ بْنُ أَحْمَدَ الطَّبَرِيُّ , قَالَ: قَالَ أَبِي: أَبُو الْعَبَّاسِ: أَحْمَدُ بْنُ أَبِي أَحْمَدَ , الْمَعْرُوفُ بِابْنِ الْقَاصِّ: " §الْأُصُولُ سَبْعَةُ: الْحِسُّ , وَالْعَقْلُ , وَمَعْرِفَةُ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ , وَالْإِجْمَاعُ , وَاللُّغَةُ , وَالْعِبْرَةُ , فَلَا بُدَّ لِلْمُتَنَاظِرَيْنِ مِنْ مَعْرِفَةِ جُمَلِ ذَلِكَ , فَالْحَوَاسُّ خَمْسَةُ: السَّمْعُ , وَالْبَصَرُ , وَالشَّمُّ , وَالذَّوْقُ , وَاللَّمْسُ وَالْعَقْلُ: عَلَى ضَرْبَيْنِ: فَغَرِيزِيٌّ , وَمُسْتَجْلَبٌ، وَالْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ عَلَى حَرْفَيْنِ , فَمُجْمَلٌ وَمُفَسَّرٌ، وَطَرِيقُ السُّنَّةِ عَلَى ضَرْبَيْنِ: فَمُتَوَاتِرٌ وَآحَادٌ، وَالْإِجْمَاعُ عَلَى ضَرْبَيْنِ: فَإِجْمَاعُ الْأُمَّةِ , وَإِجْمَاعُ الْحُجَّةِ، وَاللُّغَةُ عَلَى ضَرْبَيْنِ: فَمَجَازٌ , وَحَقِيقَةٌ، وَالْعِبْرَةُ عَلَى ضَرْبَيْنِ، فَأَحَدُهُمَا: فِي مَعْنَى الْأَصْلِ لَا يُعْذَرُ عَالِمٌ

بِجَهْلِهِ , وَالثَّانِي: ذَاتُ وُجُوهٍ وَشُعَبٍ، فَمَنْ أَنْكَرَ بَيِّنَةَ الْحِسِّ , أَنْكَرَ نَفْسَهُ , وَمَنْ أَنْكَرَ الْعَقْلَ أَنْكَرَ صَانِعَهُ , وَمَنْ أَنْكَرَ عُمُومَ الْقُرْآنِ أَنْكَرَ حِكْمَتَهُ , وَمَنْ أَنْكَرَ خَبَرَ الْآحَادِ أَنْكَرَ الشَّرِيعَةَ , وَمَنْ أَنْكَرَ إِجْمَاعَ الْأُمَّةِ أَنْكَرَ نَبِيَّهُ , وَمَنْ أَنْكَرَ اللُّغَةَ أُسْقِطَتْ مُحَاوَرَتُهُ , لِأَنَّ اللُّغَاتِ لِلْمُسَمَيَّاتِ سِمَاتٌ , وَمَنْ أَنْكَرَ الْعَبْرَةَ أَنْكَرَ أَبَاهُ وَأُمَّهُ " قُلْتُ: أَمَا الْحِسُّ: فَيُدْرَكُ بِهِ الْعِلْمُ الْوَاقِعُ عَنِ الْحَوَاسِ , وَهُوَ عِلْمٌ ضَرُورِيٌّ غَيْرُ مُكْتَسِبٍ , لِأَنَّ دُخُولَ الشَّكِّ عَلَيْهِ غَيْرُ جَائِزٍ , وَأَمَّا الْعَقْلُ: فَهُوَ ضَرْبٌ مِنَ الْعُلُومِ الضَّرُورِيَّةِ مَحَلُّهُ الْقَلْبُ , وَقِيلَ: إِنَّهُ نُورٌ وَبَصِيرَةٌ , مَنْزِلَتُهُ مِنَ الْقُلُوبِ مَنْزِلَةُ الْبَصَرِ مِنَ الْعُيُونِ , وَقِيلَ: هُوَ قُوَّةٌ يُفْصَلُ بِهَا بَيْنَ حَقَائِقِ الْمَعْلُومَاتِ , وَقِيلَ: هُوَ الْعِلْمُ الَّذِي يَمْتَنِعُ بِهِ مِنْ فِعْلِ الْقَبِيحِ , وَقِيلَ: هُوَ مَا حَسُنَ مَعَهُ التَّكْلِيفُ , وَالْمَعْنَى فِي هَذِهِ الْعِبَارَاتِ كُلِّهِ مُتَقَارِبٌ

أنا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ رِزْقَوَيْهِ , أنا أَبُو مُحَمَّدٍ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ نُصَيْرٍ الْخُلْدِيُّ وأنا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ يُوسُفَ الصَّيَّادُ , وأَبُو طَاهِرٍ عَبْدُ الْغَفَّارِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ الْمُؤَدِّبُ , قَالَا: أنا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ -[38]- مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ مَخْلَدٍ الْجَوْهَرِيُّ وأنا الْحَسَنُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ , أنا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ مَالِكٍ الْإِسْكَافِيُّ قَالُوا: أنا الْحَارِثُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي أُسَامَةَ التَّمِيمِيُّ , نا دَاوُدُ بْنُ الْمُحَبَّرِ , حَدَّثَنَا غِيَاثُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ , عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ لُوطٍ الْأَنْصَارِيٍّ , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ جَدِّهِ , عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ , قَالَ: كَثُرَتِ الْمَسَائِلُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ , فَقَالَ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ، §إِنَّ لِكُلِّ سَبِيلٍ مَطِيَّةً وَثِيقَةً , وَمَحَجَّةً وَاضِحَةً , وَأَوْثَقُ النَّاسِ مَطِيَّةً , وَأَحْسَنُهُمْ دَلَالَةً وَمَعْرِفَةً بِالْحُجَّةِ الْوَاضِحَةِ , أَفْضَلُهُمْ عَقْلًا»

أنا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُعَدِّلِ , أنا الْحُسَيْنُ بْنُ صَفْوَانَ الْبَرْذَعِيُّ , نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي الدُّنْيَا , قَالَ: قَالَ -[39]- بَعْضَ الْحُكَمَاءِ: " §إِذَا وَقَعَ فِي الْقَلْبِ نُورُ الْحِكْمَةِ: رَدَّهُ الْقَلْبُ إِلَى الْعَقْلِ , فَيَرُدُّهُ الْعَقْلُ إِلَى الْمَعْرِفَةِ , فَتُبَصِّرُهُ الْمَعْرِفَةُ الْمَنْفَعَةَ مِنَ الْمَضَرَّةِ "

أنا الْقَاضِي أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُثْمَانَ الْبَجَلِيُّ , نَا عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْفَيَّاضِ , نَا أَبُو طَلْحَةَ: أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْكَرِيمِ الْوَسَاوِسِيُّ , نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ خُبَيْقٍ , نَا يُوسُفُ بْنُ أَسْبَاطٍ , قَالَ: §«الْعَقْلُ سِرَاجُ مَا بَطَنَ , وَمِلَاكُ مَا عَلَنَ , وَسَائِسُ الْجَسَدِ , وَزِينَةُ كُلِّ أَحَدٍ , وَلَا تَصْلُحُ الْحَيَاةُ إِلَّا بِهِ , وَلَا تَدُورُ الْأُمُورُ إِلَّا عَلَيْهِ»

أنا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي الْفَوَارِسِ الْحَافِظُ , أنا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ , نَا أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ الدِّمَشْقِيُّ , قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُعْتَزُّ: §«الْعَقْلُ كَشَجَرَةٍ , أَصْلُهَا غَرِيزَةٌ , وَفَرْعُهَا تَجْرِبَةٌ , وَثَمَرُهَا حَمْدُ الْعَاقِبَةِ , وَالِاخْتِيَارُ يَدُلُّ عَلَى الْعَقْلِ , كَمَا يَدُلُّ تَوْرِيقُ الشَّجَرَةِ عَلَى حُسْنِهَا , وَمَا أَبْيَنَ وُجُوهُ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ فِي مَرْآةِ الْعَقْلِ , إِنْ لَمْ يَصُدَّهَا الْهَوَى»

أنا الْجَوْهَرِيُّ , أنا مُحَمَّدُ بْنُ عِمْرَانَ الْمَرْزَبَانِيُّ , نا أَحْمَدُ -[40]- بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى الْمَكِّيُّ , قَالَ: أَنْشَدَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْقَاسِمِ بْنِ خَلَّادٍ: §«الْعَقْلُ رَأْسُ خِصَالِهِ وَالْعَقْلُ يَجْمَعُ كُلَّ خَيْرٍ وَالْعَقْلُ يَجْلِبُ فَضْلَهُ وَالْعَقْلُ يَدْفَعُ كُلَّ ضَيْرٍ وَأَمَّا الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ فَهُمَا الْأَصْلَانِ اللَّذَانِ يُقَدَّمُ الِاحْتِجَاجُ بِهِمَا فِي أَحْكَامِ الشَّرْعِ عَلَى مَا سِوَاهُمَا , وَيَتْلُوهُمَا الْإِجْمَاعُ , وَلَيْسَ يَعْرِفُهُ إِلَّا مَنْ عَرَفَ الِاخْتِلَافَ»

أنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ أَحْمَدَ الْوَاعِظُ , حَدَّثَنِي أَبِي , نا مُحَمَّدُ بْنُ الْقَاسِمِ الشَّطَوِيُّ , نا عِيسَى بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سُلَيْمَانَ , نا رَوَّادُ بْنُ الْجَرَّاحِ , عَنْ سَعِيدِ بْنِ بَشِيرٍ , عَنْ قَتَادَةَ , قَالَ: §«مَنْ لَمْ يَعْرِفِ الِاخْتِلَافَ لَمْ يَشُمَّ أَنْفُهُ الْفِقْهَ»

أنا أَبُو بَكْرٍ الْبُرْقَانِيُّ , قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى إِسْحَاقَ النِّعَالِيِّ , حَدَّثَكُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِسْحَاقَ الْمَدَائِنِيُّ , نا عَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدٍ , قَالَ: سَمِعْتُ قَبِيصَةَ , يَقُولُ: §«لَا يُفْلِحُ مَنْ لَا يَعْرِفُ اخْتِلَافَ النَّاسِ»

كَتَبَ إِلَيَّ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُثْمَانَ الدِّمَشْقِيُّ , ونا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ الْقَطَّانُ النَّيْسَابُورِيُّ , عَنْهُ , قَالَ أنا أَبُو الْمَيْمُونِ بْنُ رَاشِدٍ الْبَجَلِيُّ , أنا أَبُو زُرْعَةَ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَمْرٍو , حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ ذَكْوَانَ , نا بَقِيَّةُ , قَالَ: سَمِعْتُ الْأَوْزَاعِيَّ , يَقُولُ: §«تَعَلَّمْ مَا لَا يُؤْخَذُ بِهِ , كَمَا تَتَعَلَّمْ مَا يُؤْخَذُ بِهِ , وَأَمَّا اللُّغَةُ فَبَابُهَا وَاسِعٌ , وَنَزَلَ الْقُرْآنُ بِلُغَةِ الْعَرَبِ , لِأَنَّهَا أَوْسَعُ اللُّغَاتِ وَأَفْصَحُهَا , وَفِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى آيَاتٌ مَخْرَجُهَا أَمْرٌ وَمَعَانِيهَا وُجُوهٌ مُتَغَايِرَةٌ , فَمِنْهَا تَهْدُدٌ , وَمِنْهَا إِعْجَازٌ , وَمِنْهَا إِيجَابٌ وَمِنْهَا إِرْشَادٌ , وَمِنْهَا إِطْلَاقٌ وَلَا تُدْرَكُ مَعْرِفَةُ ذَلِكَ إِلَّا مِنْ جِهَةِ اللُّغَةِ»

أنا الْقَاضِي أَبُو الْحُسَيْنِ: أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ أَيُّوبَ الْعُكْبَرِيُّ إِجَازَةً , أنا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي غَسَّانَ الْبَصْرِيُّ , نا زَكَرِيَّا بْنُ يَحْيَى السَّاجِيُّ , وأنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ الْقُرَشِيُّ , قِرَاءَةً , أنا عَيَّاشُ بْنُ الْحَسَنِ الْبُنْدَارُ , نَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الزَّعْفَرَانِيُّ , قَالَ: أَخْبَرَنِي زَكَرِيَّا السَّاجِيُّ , قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ بِنْتِ الشَّافِعِيُّ , قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ: أَقَامَ الشَّافِعِيُّ عِلْمَ الْعَرَبِيَّةِ وَأَيَّامَ النَّاسِ عِشْرِينَ سَنَةً , فَقُلْنَا لَهُ فِي هَذَا , فَقَالَ: §«مَا أَرَدْتُ بِهَذَا إِلَّا الِاسْتِعَانَةَ لِلْفِقْهِ»

أنا أَبُو الْحُسَيْنِ: مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُظَفَّرِ الدَّقَّاقُ , أنا

الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ: مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ الْقَرَضِيُّ الْمَعْرُوفُ بِابْنِ الدَّقَّاقِ , قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عُمَرَ: مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ الْوَاحِدِ الزَّاهِدَ , يَقُولُ: سَمِعْتُ إِبْرَاهِيمَ الْحَرْبِيَّ , يَقُولُ: §" مَنْ تَكَلَّمَ فِي الْفِقْهِ بِغَيْرِ لُغَةٍ تَكَلَّمَ بِلِسَانٍ قَصِيرٍ وَأَمَّا الْعَبْرَةُ الَّتِي فِي مَعْنَى الْأَصْلِ , فَهِيَ نَحْوُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} [الإسراء: 23] فَكَانَ مَا هُوَ أَضَرُّ مِنْهُ حَرَامًا , اعْتِبَارًا بِهِ , وَهَذَا وَنَحْوُهُ لَمْ يَتَنَازَعِ النَّاسُ فِيهِ , وَلَا يُعْذَرْ أَحَدٌ بِجَهْلِهِ وَالضَّرْبُ الثَّانِي مِنَ الْعَبْرَةِ: هُوَ الْمَعَانِي الْمُتَشَعِّبَةُ الَّتِي تُدْرَكُ بِدَقِيقِ النَّظَرِ , وَقِيَاسِ بَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ , وَحُكْمِ الْغَائِبَاتِ يُعْلَمُ بِالِاسْتِدْلَالِ بِالْمُشَاهَدَاتِ , قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجْلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى , وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ} [الحج: 5] فَأَقَامَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ حُجَّتَهُ عَلَى الْمُنْكِرِينَ رُبُوبِيَّتِهُ الدَّافِعِينَ قُدْرَتِهُ عَلَى إِحْيَاءِ الْأَمْوَاتِ وَبَعْثِ الْأَنَامِ , بِمَا تَلَوْنَا , لِيَعْتَبِرُوا أَنَّ الْقَادِرَ عَلَى إِنْشَاءِ الْمَعْدُومِ , وَنَقْلِهِ مِنْ حَالٍ إِلَى حَالٍ , وَإِعْدَامِهِ بَعْدَ الْوُجُودِ , وَمُحْيِيَ الْأَرْضِ الْهَامِدَةَ , قَادِرٌ عَلَى إِحْيَاءِ النُّفُوسِ , فَقَالَ: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِي الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ , وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لَا

رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ} [الحج: 7] ثُمَّ عَرَّى مِنَ الْعِلْمِ الدَّافِعِ لِمَا وَصَفْنَا مِنَ الْعِبْرَةِ , وَضَلَّلَهُ وَأَوْعَدَهُ , فَقَالَ تَعَالَى: {وَمَنِ النَّاسَ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ , ثَانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَذَابَ الْحَرِيقِ} [الحج: 8] فَيَجِبُ عَلَى مَنْ كَمُلَتْ فِيهِ الْمَعْرِفَةُ بِهَذِهِ الْأُصُولِ الَّتِي تَقَدَّمَ ذِكْرُهَا وَأَرَادَ الْمُنَاظَرَةَ , أَنْ يَكُونَ نَظَرُهُ فِي دَلِيلٍ , لَا فِي شُبْهَةٍ , وَيَسْتَوْفِي شُرُوطَ الدَّلِيلِ , وَيُرَتِّبُهُ عَلَى حَقِّهِ , فَإِنَّ حُجَّتَهُ تُفْلِحُ بِعَوْنِ اللَّهِ تَعَالَى وَتَوْفِيقِهِ

ذكر الدليل ومعناه

§ذِكْرُ الدَّلِيلِ وَمَعْنَاهُ

أنا أَبُو نُعَيْمٍ الْحَافِظُ , نا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ أَيُّوبَ الطَّبَرَانِيُّ , نا مُعَاذُ بْنُ الْمُثَنَّى , قَالَ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ , رَحِمَهُ اللَّهُ يَقُولُ: " §أُصُولُ الْإِيمَانِ ثَلَاثَةٌ: دَالٌ , وَدَلِيلٌ , وَمُسْتَدِلٌّ: فَالدَّالُ اللَّهُ وَالدَّلِيلُ الْقُرْآنُ وَالْمُسْتَدِلُّ الْمُؤْمِنُ , فَمَنْ طَعَنَ عَلَى اللَّهِ وَعَلَى كِتَابِهِ وَعَلَى رَسُولِهِ , فَقَدْ كَفَرَ " سَمِعْتُ أَبَا إِسْحَاقَ الْفَيْرُوزَآبَادِيَّ يَقُولُ: الدَّلِيلُ: هُوَ الْمُرْشِدُ إِلَى الْمَطْلُوبِ , وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ , بَيْنَ مَا يُقْطَعُ بِهِ مِنَ الْأَحْكَامِ وَبَيْنَ مَا لَا يُقْطَعُ بِهِ أَمَّا الدَّالُّ: فَهُوَ النَّاصِبُ لِلدَّلِيلِ , وَهُوَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ , وَقِيلَ هُوَ وَالدَّلِيلُ وَاحِدٌ , كَالْعِلْمِ وَالْعَلِيمِ , وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا أَبْلَغ، وَالْمُسْتَدِلُّ هُوَ: الطَّالِبُ لِلدَّلِيلِ , وَيَقَعُ ذَلِكَ عَلَى السَّائِلِ , لِأَنَّهُ يَطْلُبُ الدَّلِيلَ مِنَ الْمَسْئُولِ , لِأَنَّهُ يَطْلُبُ الدَّلِيلَ مِنَ الْأُصُولِ، وَالْمُسْتَدَلُّ عَلَيْهِ هُوَ: الْحُكْمُ الَّذِي هُوَ التَّحْلِيلُ وَالتَّحْرِيمُ، وَالْمُسْتَدَلُّ لَهُ: يَقَعُ عَلَى الْحُكْمِ , لِأَنَّهُ الدَّلِيلُ يُطْلَبُ لَهُ , وَيَقَعُ

عَلَى السَّائِلِ , لِأَنَّ الدَّلِيلَ يُطْلَبُ لَهُ وَالِاسْتِدْلَالُ هُوَ: طَلَبُ الدَّلِيلِ , وَقَدْ يَكُونُ ذَلِكَ مِنَ السَّائِلِ لِلْمَسْئُولِ , وَقَدْ يَكُونُ مِنَ الْمَسْئُولِ فِي الْأُصُولِ، قُلْتُ: وَالْفُقَهَاءُ يُسَمُّونَ أَخْبَارَ الْآحَادِ دَلَائِلَ , وَالْقِيَاسُ كُلَّمَا أَدَّى إِلَى غَلَبَةِ الظَّنِّ سَمُّوهُ حُجَّةً وَدَلِيلًا , وَالْمُحَقِّقُونَ مِنَ الْمُتَكَلِّمِينَ وَأَهْلِ النَّظَرِ يُعِيبُونَهُمْ فِي ذَلِكَ وَيَقُولُونَ: الْحُجَّةُ وَالدَّلِيلُ مَا أَكْسَبَ الْمُحْتَجَّ وَالْمُسْتَدِلَّ عِلْمًا بِالْمَدْلُولِ عَلَيْهِ وَأَفْضَى إِلَى يَقِينٍ , فَأَمَّا مَا يُفْضِي إِلَى غَلَبَةِ الظَّنِّ , فَلَيْسَ بِدَلِيلٍ فِي الْحَقِيقَةِ , وَإِنَّمَا هُوَ أَمَارَةٌ، قُلْتُ: وَمَا غَلَطَ الْفُقَهَاءُ وَلَا الْمُتَكَلِّمُونَ , أَمَّا الْمُتَكَلِّمُونَ: فَقَدْ حَكَوَا الْحَقِيقَةَ فِي الدَّلِيلِ وَالْحُجَّةِ , وَأَمَّا الْفُقَهَاءُ: فَسَمُّوا مَا كُلِّفُوا الْمَصِيرَ إِلَيْهِ بِأَخْبَارِ الْآحَادِ وَبِالْقِيَاسِ وَغَيْرِهِ , مِمَّا لَا يَكْسِبُ عِلْمًا , وَإِنَّمَا يُفْضِي إِلَى غَلَبَةِ الظَّنِّ دَلِيلًا , لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَوْجَبَ عَلَيْهِمُ الْحُكْمِ بِمَا أَدَّى إِلَيْهِ غَلَبَةُ الظَّنِّ مِنْ طَرِيقِ النَّظَرِ , فَسَمَّوْهُ حُجَّةً وَدَلِيلًا لِلْانْقِيَادِ بِحُكْمِ الشَّرْعِ إِلَى مُوجِبِهِ وَقَدْ قِيلَ: إِنَّمَا سَمُّوا مَا أَفْضَى إِلَى غَلَبَةِ الظَّنِّ دَلِيلًا وَحُجَّةً فِي أَعْيَانِ الْمَسَائِلِ , لِأَنَّهُ فِي الْجُمْلَةِ مَعْلُومٌ أَعْنِي أَخْبَارَ الْآحَادِ وَالْقِيَاسِ , وَإِنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِغَلَبَةِ الظَّنِّ أَعْيَانُ الْمَسَائِلِ , فَأَمَّا الْأَصْلُ فَإِنَّهُ مُتَيَقَّنٌ مَقْطُوعٌ بِهِ , وَقَدْ وَرَدَ الْقُرْآنُ بِتَسْمِيَةِ مَا لَيْسَ بِحُجَّةٍ فِي الْحَقِيقَةٍ حُجَّةً , قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةً بَعْدَ الرُّسُلِ} [النساء: 165] وَقَالَ تَعَالَى: {لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةً إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ} [البقرة: 150] فَأَمَّا الْآيَةَ الْأُولَى فَإِنَّ تَقْدِيرَهَا: بَعَثْتُ الرُّسُلَ , وَأَزَحْتُ الْعِلَلَ , حَتَّى لَا يَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ: إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ , وَلَا يَقُولُوا: لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا , فَأَزَاحَ اللَّهُ الْعِلَلَ بِالرُّسُلِ , حَتَّى لَا يَكُونَ لَهُمْ حُجَّةٌ فِيمَا ارْتَكَبُوهُ مِنَ الْمُخَالَفَةِ , وَيَجِبُ أَنْ تَعْلَمَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَوِ ابْتَدَأَ الْخَلْقَ بِالْعَذَابِ لَمْ يَخْرُجْ بِذَلِكَ عَنِ الْحِكْمَةِ , وَلَا كَانَتْ عَلَيْهِ حُجَّةٌ وَلَهُ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ , لِأَنَّهُ قِسْمٌ مِنْ أَقْسَامِ التَّصَرُّفِ فِي مُلْكِهِ , فَبَانَ أَنَّ مَا يَقُولُونَهُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ , إِذْ لَيْسَ ذَلِكَ مِنْ شَرْطِ عَذَابِهِ , وَإِنَّمَا سَمَّاهُ حُجَّةً؛ لِأَنَّهُ يَصْدُرُ مِنْ قَائِلِهِ مَصْدَرِ الْحِجَاجِ وَالِاسْتِدْلَالِ , وَأَمَّا الْآيَةُ الْأُخْرَى فَإِنَّهَا نَزَلَتْ فِي الْيَهُودِ , وَذَلِكَ أَنَّهُمْ قَالُوا: لَوْ لَمْ يَعْلَمْ مُحَمَّدٌ أَنَّ دِينَنَا حَقٌّ مَا صَلَّى إِلَى بَيْتِ الْمُقَدَّسِ , فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ} [البقرة: 150] يَعْنِي الْيَهُودَ فِي قَوْلِهِمْ هَذَا , وَإِنْ لَمْ يَكُنْ حُجَّةٌ فِي الْحَقِيقَةِ , وَلَيْسَ تَفَرُّقُ الْعَرَبِ بَيْنَ مَا يُؤَدِّي إِلَى الْعِلْمِ أَوِ الظَّنِّ أَنْ تُسَمِّيَهُ حُجَّةً وَدَلِيلًا وَبُرْهَانًا

أنا أَبُو عَلِيٍّ الْحَسَنُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ الْعَبَّاسِ بْنِ دُومَا النِّعَالِيُّ , أنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ نَصْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الذَّارِعُ بِالنَّهْرَوَانِ , قَالَ: سُئِلَ ثَعْلَبٌ وَأَنَا أَسْمَعُ عَنِ الْبُرْهَانِ , فَقَالَ: " §الْحُجَّةُ , قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [البقرة: 111] أَيْ حُجَّتَكُمْ "

باب أدب الجدال ينبغي للمجادل , أن يقدم على جداله تقوى الله تعالى , لقوله سبحانه: فاتقوا الله ما استطعتم ولقوله: إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون

§بَابُ أَدَبِ الْجِدَالِ يَنْبَغِي لِلْمُجَادِلِ , أَنْ يُقَدِّمَ عَلَى جِدَالِهِ تَقْوَى اللَّهِ تَعَالَى , لِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن: 16] وَلِقَوْلِهِ: {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ} [النحل: 128]

أنا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُعَدِّلِ , أنا الْحُسَيْنُ بْنُ صَفْوَانَ الْبَرْذَعِيُّ , نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدٍ الْقُرَشِيُّ , نا إِسْحَاقُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ , نا جَرِيرٌ , عَنْ لَيْثٍ , عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ , عَنْ مَيْمُونِ بْنِ أَبِي شَبِيبٍ , قَالَ: قَالَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَوْصِنِي , قَالَ: §«اتَّقِ اللَّهَ حَيْثُ مَا كُنْتَ , وأَتْبِعِ السَّيِّئَةَ الْحَسَنَةَ تَمْحُهَا , وَخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ»

أنا أَبُو الْحُسَيْنِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ حَمَّادٍ الْوَاعِظُ , نا أَبُو بَكْرٍ يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ الْبُهْلُولِ الْأَنْبَارِيُّ إِمْلَاءً , نا الْحَسَنُ بْنُ عَرَفَةَ , نا النَّضْرُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ , عَنْ مِسْعَرٍ , عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ , قَالَ: قِيلَ لَهُ: مَنْ أَفْقَهُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ؟ قَالَ: §«أَتْقَاهُمْ لِرَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ»

أنا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُعَدِّلِ , أنا الْحُسَيْنُ بْنُ صَفْوَانَ , نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدٍ , نا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زُرَارَةَ , نا عَبْدُ الْمَجِيدِ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ , عَنِ الثَّوْرِيِّ , عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ رُفَيْعٍ , عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ , قَالَ: §«الْإِيمَانُ عُرْيَانٌ , وَلِبَاسُهُ التَّقْوَى , وَزِينَتُهُ الْحَيَاءُ , وَمَالُهُ الْفِقْهُ» وَيُخْلِصُ النِّيَّةَ فِي جِدَالِهِ , بِأَنْ يَبْتَغِيَ بِهِ وَجْهَ اللَّهِ تَعَالَى

فَقَدْ أنا أَبُو الْقَاسِمِ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ السَّرَّاجُ , أنا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الشَّيْبَانِيُّ الْحَافِظُ , أنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ السَّعْدِيُّ , أنا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ , أنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ , أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ إِبْرَاهِيمَ , أَخْبَرَهُ أَنَّهُ , سَمِعَ عَلْقَمَةَ بْنَ وَقَّاصٍ , يَقُولُ: سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ , يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِنَّمَا §الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّةِ , وَإِنَّمَا لِإِمْرِئٍ مَا نَوَى» -[49]- وَلْيَكُنْ قَصْدُهُ فِي نَظَرِهِ إِيضَاحُ الْحَقِّ , وَتَثْبِيتُهُ دُونَ الْمُغَالَبَةِ لِلْخَصْمِ , فَقَدْ:

أنا الْقَاضِي أَبُو الْعَلَاءِ: مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الْوَاسِطِيُّ , أنا أَبُو الْحَسَنِ: مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ التَّمِيمِيُّ الْكُوفِيُّ , أنا أَبُو الْقَاسِمِ: الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ هُوَ السَّكُونِيُّ , أنا وَكِيعٌ , حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ إِشْكَابٍ , قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا يُوسُفَ , يَقُولُ: «يَا قَوْمُ , §أَرِيدُوا بِعِلْمِكُمُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ , فَإِنِّي لَمْ أَجْلِسْ مَجْلِسًا قَطُّ , أَنْوِي فِيهِ أَنْ أَتَوَاضَعَ , إِلَّا لَمْ أَقُمْ حَتَّى أَعْلُوهُمْ , وَلَمْ أَجْلِسْ مَجْلِسًا قَطُّ أَنْوِي فِيهِ أَنْ أَعْلُوهُمْ , إِلَّا لَمْ أَقُمْ حَتَّى أُفْتَضَحَ»

أنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ أَيُّوبَ الْعُكْبَرِيُّ , إِجَازَةً , أنا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي غَسَّانَ الْبَصْرِيُّ , بِهَا , نَا زَكَرِيَّا بْنُ يَحْيَى السَّاجِيُّ ح وأنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ الْقُرَشِيُّ , قِرَاءَةً عَلَيْهِ , أنا عَيَّاشُ بْنُ الْحَسَنِ , حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الزَّعْفَرَانِيُّ , أَخْبَرَنِي زَكَرِيَّا السَّاجِيُّ , حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ , قَالَ: سَمِعْتُ الْحُسَيْنَ الْكَرَابِيسِيَّ , يَقُولُ: قَالَ الشَّافِعِيُّ: §«مَا كَلَّمْتُ أَحَدًا قَطُّ إِلَّا أَحْبَبْتُ أَنْ يُوَفَّقَ وَيُسَدَّدَ وَيُعَانَ , وَيَكُونُ عَلَيْهِ رِعَايَةٌ مِنَ اللَّهِ وَحِفْظٌ , وَمَا كَلَّمْتُ أَحَدًا قَطُّ إِلَّا وَلَمْ أُبَالِ بَيَّنَ اللَّهُ الْحَقَّ عَلَى لِسَانِي أَوْ لِسَانِهِ وَيَبْنِي أَمْرَهُ عَلَى النَّصِيحَةِ لِدِينِ اللَّهِ , وَلِلَّذِي يُجَادِلُهُ , لِأَنَّهُ أَخُوهُ -[50]- فِي الدِّينِ , مَعَ أَنَّ النَّصِيحَةَ وَاجِبَةٌ لِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ»

أنا الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ الْحِيرِيُّ , نَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْأَصَمُّ , نَا أَبُو يَحْيَى زَكَرِيَّا بْنُ يَحْيَى الْمَرْوَزِيُّ , قَالَ: نا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ , عَنْ زِيَادِ بْنِ عِلَاقَةَ , سَمِعَ جَرِيرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ , يَقُولُ: §«بَايَعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى النُّصْحِ لِكُلِّ مُسْلِمٍ»

أنا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي جَعْفَرٍ , وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي عَلِيٍّ , قَالَا: أنا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْبَرْذَعِيُّ , نا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي حَاتِمٍ , قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو مُحَمَّدٍ: قَرِيبُ الشَّافِعِيِّ , فِيمَا كَتَبَ إِلَيَّ , قَالَ: سَمِعْتُ الزَّعْفَرَانِيَّ يَعْنِي: الْحَسَنَ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ الصَّبَّاحِ , وَأَبَا الْوَلِيدِ بْنَ أَبِي الْجَارُودِ , قَالَ أَحَدُهُمَا: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ إِدْرِيسَ الشَّافِعِيَّ , وَهُوَ يَحْلِفُ , وَيَقُولُ: «§مَا نَاظَرْتُ أَحَدًا إِلَّا عَلَى النَّصِيحَةِ» وَقَالَ الْآخَرُ: سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ , قَالَ: «وَاللَّهِ مَا نَاظَرْتُ أَحَدًا فَأَحْبَبْتُ أَنْ يُخْطِئَ»

أَخْبَرَنِي الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ التَّمِيمِيُّ , نا عُمَرُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عُثْمَانَ , قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ النَّيْسَابُورِيَّ , يَقُولُ -[51]-: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ , يَقُولُ: سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ , يَقُولُ: §" مَا نَاظَرْتُ أَحَدًا فَأَحْبَبْتُ أَنْ يُخْطِئَ وَلْيَرْغَبْ إِلَى اللَّهِ فِي تَوْفِيقِهِ لِطَلَبِ الْحَقِّ فَإِنَّهُ تَعَالَى يَقُولُ: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت: 69] وَيَسْتَشْعِرُ فِي مَجْلِسِهِ الْوَقَارَ , وَيَسْتَعْمِلُ الْهُدَى , وَحُسْنَ السَّمْتِ وَطُولَ الصَّمْتِ إِلَّا عِنْدَ الْحَاجَةِ إِلَى الْكَلَامِ

فَقَدْ: أنا أَبُو الْفَرَجِ: مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَهْرَيَارَ الْأَصْبَهَانِيُّ , أنا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ الطَّبَرَانِيُّ , نا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْقَاضِي الْبَرَكَانِيُّ , نا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ , نَا نُوحُ بْنُ قَيْسٍ , عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عِمْرَانَ الْحُدَّانِيِّ , عَنْ عَاصِمٍ الْأَحْوَلِ , عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَرْجِسَ , قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: §«الْهَدْيُ الصَّالِحُ وَالسَّمْتُ الصَّالِحُ , وَالِاقْتِصَادُ وَالتُّؤَدَةُ جُزْءٌ مِنْ أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ»

أنا أَبُو الْفَتْحِ بْنُ أَبِي الْفَوَارِسِ , أنا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ , نا أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ الدِّمَشْقِيُّ , قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُعْتَزِّ: §" إِذَا تَمَّ الْعَقْلُ نَقَصَ الْكَلَامُ وَإِنْ بَدَرَتْ مِنْ خَصْمِهِ فِي جِدَالِهِ كَلِمَةٌ كَرِهَهَا , أَغْضَى عَلَيْهَا , وَلَمْ يُجَازِهِ بِمِثْلِهَا , فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى , يَقُولُ: {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ} [المؤمنون: 96] وَقَالَ تَعَالَى: {وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا} [الفرقان: 63] "

أنا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بِشْرَانِ الْمُعَدِّلِ , أنا الْحُسَيْنُ بْنُ صَفْوَانَ الْبَرْذَعِيُّ , نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي الدُّنْيَا , قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ صَالِحٍ , نا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ , عَنْ رَجُلٍ , مِنْ قُرَيْشٍ , عَنِ الزُّهْرِيِّ , عَنْ سَالِمٍ , عَنْ أَبِيهِ , قَالَ: قَالَ رَجُلٌ لِعُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ: وَاللَّهِ مَا تَقْضِي بِالْعَدْلِ , وَلَا تُعْطِي الْجَزْلِ , فَغَضِبَ عُمَرُ حَتَّى عُرِفَ فِي وَجْهِهِ , فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ إِلَى جَنْبِهِ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ: أَلَمْ تَسْمَعْ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى , يَقُولُ: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} [الأعراف: 199] فَهَذَا مِنَ الْجَاهِلِينَ , فَقَالَ عُمَرُ: §«صَدَقْتَ صَدَقْتَ» , فَكَأَنَّمَا كَانَتْ نَارًا فَأُطْفِئَتْ

أنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عُمَرَ الْبَرْمَكِيُّ , أنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَلَفٍ الدَّقَّاقُ , نا مُحَمَّدُ بْنُ صَالِحِ بْنِ ذَرِيحٍ الْعُكْبَرِيُّ , نا هَنَّادُ بْنُ السَّرِيِّ , نا وَكِيعٌ , عَنْ مُبَارَكٍ , أَوْ غَيْرِهِ: عَنِ الْحَسَنِ , {§وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا} [الفرقان: 63] قَالَ: «حُلَمَاءُ لَا يَجْهَلُونَ , وَإِنْ جَهِلَ عَلَيْهِمْ حَلُمُوا» وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَتَكَلَّمَ بِحَضْرَةِ مَنْ يَشْهَدُ لِخَصْمِهِ بِالزُّورِ , أَوْ عِنْدَ مَنْ إِذَا وَضَحَتْ لَدَيْهِ الْحُجَّةُ دَفَعَهَا , وَلَمْ يَتَمَكَّنُ مِنْ إِقَامَتِهَا , فَإِنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى نَصْرِ الْحَقِّ إِلَّا مَعَ الْإِنْصَافِ , وَتَرْكِ التَّعَنُّتِ وَالْإِجْحَافِ

أنا أَبُو عُمَرَ: عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَهْدِيٍّ , أنا مُحَمَّدُ بْنُ مَخْلَدٍ الْعَطَّارُ , نا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ هُوَ: الرَّمَادِيُّ , نَا حَرْمَلَةُ , أنا ابْنُ وَهْبٍ , قَالَ: سَمِعْتُ مَالِكًا , يَقُولُ: §«ذُلٌّ وَإِهَانَةٌ لِلْعِلْمِ , إِذَا تَكَلَّمَ الرَّجُلُ بِالْعِلْمِ , عِنْدَ مَنْ لَا يُطِيعُهُ» وَيَكُونُ كَلَامُهُ يَسِيرًا جَامِعًا بَلِيغًا , فَإِنَّ التَّحَفُّظَ مِنَ الزَّلَلِ مَعَ الْإِقْلَالِ دُونَ الْإِكْثَارِ , وَفِي الْإِكْثَارِ أَيْضًا مَا يُخْفِي الْفَائِدَةَ , وَيُضَيِّعُ الْمَقْصُودَ , وَيُورِثُ الْحَاضِرِينَ الْمَلَلَ

أنا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ رِزْقٍ الْبَزَّازُ , وَعَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عُمَرَ الْمُقْرِئُ , قَالَا: أنا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ نُصَيْرٍ الْخُلْدِيُّ , نا إِبْرَاهِيمُ بْنُ نَصْرٍ , مَوْلَى مَنْصُورِ بْنِ الْمَهْدِيِّ , قَالَ: حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ بَشَّارٍ , قَالَ: سَمِعْتُ إِبْرَاهِيمَ بْنَ أَدْهَمَ , يَقُولُ: " §الْحَزْمُ فِي الْمُجَالَسَةِ: أَنْ يَكُونَ كَلَامُكَ عِنْدَ الْأَمْرِ , وَالسُّؤَالِ وَالْمَسْأَلَةِ , فِي مَوْضِعِ الْكَلَامِ عَلَى قَدْرِ الضَّرُورَةِ وَالْحَاجَةِ مَخَافَةَ الزَّلَلِ , فَإِذَا أُمِّرْتَ فَاحْكُمْ , وَإِذَا سُئِلَتْ فَأَوْضِحْ , وَإِذَا طَلَبْتَ فَأَحْسِنْ , وَإِذَا أَخْبَرْتَ فَحَقِّقْ , وَاحْذَرِ الْإِكْثَارَ وَالتَّخْلِيطَ , فَإِنَّ مَنْ كَثُرَ كَلَامُهُ , كَثُرَ سَقْطُهُ " وَلَا يَرْفَعُ صَوْتَهُ فِي كَلَامِهِ عَالِيًا , فَيَشُقُّ حَلْقَهُ وَيَحْمِي صَدْرَهُ وَيَقْطَعُهُ , وَذَلِكَ مِنْ دَوَاعِي الْغَضَبِ وَقَدْ حُكِيَ أَنَّ رَجُلًا مِنْ بَنِي هَاشِمٍ , اسْمُهُ عَبْدُ الصَّمَدِ , تَكَلَّمَ عِنْدَ الْمَأْمُونِ , فَرَفَعَ صَوْتَهُ , فَقَالَ لَهُ الْمَأْمُونُ: لَا تَرْفَعَنَّ صَوْتَكَ يَا عَبْدَ الصَّمَدِ , إِنَّ الصَّوَابَ فِي الْأَسَدِّ لَا الْأَشَدِّ , وَلَا يُخْفِي صَوْتَهُ إِخْفَاءً لَا يَسْمَعُهُ الْحَاضِرُونَ , فَلَا يُفِيدُ شَيْئًا , بَلْ يَكُونُ مُقْتَصِدًا بَيْنَ ذَلِكَ وَيَجِبُ عَلَيْهِ الْإِصْلَاحُ مِنْ مَنْطِقِهِ , وَتَجَنُّبُ اللَّحْنِ فِي كَلَامِهِ وَالْإِفْصَاحُ عَنْ بَيَانِهِ , فَإِنَّ ذَلِكَ عَوْنٌ لَهُ فِي مُنَاظَرَتِهِ , أَلَا تَرَى إِلَى اسْتِعَانَةِ

مُوسَى بِأَخِيهِ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ حَيْثُ تَقُولُ: {وَأَخِي هَارُونَ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِي رِدْءًا يُصَدِّقُنِي} [القصص: 34] وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي يَفْقَهُوا قُولِي} [طه: 28]

أنا أَبُو عَلِيٍّ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْجَازِرِيُّ , نا الْقَاضِي أَبُو الْفَرَجِ الْمَعَافَى بْنُ زَكَرِيَّا الْجُرَيْرِيُّ إِمْلَاءً , نا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الصُّولِيُّ , نا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ , نا الْمَازِنِيُّ , قَالَ: سَمِعَ أَبُو عَمْرٍو أَبَا حَنِيفَةَ , يَتَكَلَّمُ فِي الْفِقْهِ وَيَلْحَنُ , فَأَعْجَبَهُ كَلَامُهُ وَاسْتَقْبَحَ لَحْنَهُ , فَقَالَ: §«إِنَّهُ لَخِطَابٌ لَوْ سَاعَدَهُ صَوَابٌ» ثُمَّ قَالَ لِأَبِي حَنِيفَةَ: «إِنَّكَ أَحْوَجُ إِلَى إِصْلَاحِ لِسَانِكَ مِنْ جَمِيعِ النَّاسِ»

قَرَأْتُ عَلَى أَبِي الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَضْلِ الْقَطَّانِ , عَنْ أَبِي بَكْرٍ: مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ النَّقَّاشِ , قَالَ: نا مُحَمَّدُ بْنُ هَارُونَ , بِطَبَرِسْتَانَ , نا أَبُو حَاتِمٍ , عَنِ الْأَصْمَعِيِّ , قَالَ: §" مَا هِبْتُ عَالِمًا قَطُّ مَا هِبْتُ مَالِكًا , حَتَّى لَحَنَ , فَذَهَبَتْ هَيْبَتُهُ مِنْ قَلْبِي , وَذَلِكَ أَنَّنِي سَمِعْتُهُ , يَقُولُ: مُطِرْنَا مَطَرًا , وَأَيُّ مَطَرًا , فَقُلْتُ لَهُ فِي ذَلِكَ فَقَالَ: كَيْفَ لَوْ قَدْ رَأَيْتَ رَبِيعَةَ بْنَ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ؟ كُنَّا إِذَا قُلْنَا لَهُ " كَيْفَ أَصْبَحْتَ؟ يَقُولُ: بِخَيْرًا بِخَيْرًا وَإِذَا مَالِكٌ قَدْ جَعَلَ لِنَفْسِهِ قُدْوَةً يُقْتَدَى بِهِ فِي اللَّحْنِ , ثُمَّ رَأَيْتُ مُحَمَّدَ بْنَ إِدْرِيسَ فِي وَقْتِ

مَالِكٍ , وَبَعْدَ مَالِكٍ , فَرَأَيْتُ رَجُلًا فَقِيهًا عَالِمًا , حَسَنُ الْمَعْرِفَةِ , بَيِّنُ الْبَيَانِ , عَذْبُ اللِّسَانِ يَحْتَجُّ وَيُعْرِبُ لَا يَصْلُحُ إِلَّا لِصَدْرِ سَرِيرٍ أَوْ ذِرْوَةِ مِنْبَرٍ , وَمَا عَلِمَتْ أَنَّنِي أَفَدْتُهُ حَرْفًا , فَضْلًا عَنْ غَيْرِهِ , وَلَقَدِ اسْتَفَدْتُ مِنْهُ , مَا لَوْ حَفِظَ رَجُلٌ يَسِيرَهُ لَكَانَ عَالِمًا " وَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُوَاظِبَ عَلَى مُطَالَعَةِ كُتُبِهِ عِنْدَ وَحْدَتِهِ , وَرِيَاضَةِ نَفْسِهِ فِي خَلْوَتِهِ , بِذِكْرِ السُّؤَالِ وَالْجَوَابِ وَحِكَايَةِ الْخَطَأِ وَالصَّوَابِ , لِئَلَّا يِنْحَصِرَ فِي مَجَالِسِ النَّظَرِ إِذَا رَمَقَتْهُ أَبْصَارُ مَنْ حَضَرَ

قَرَأْتُ عَلَى ابْنِ الْفَضْلِ , عَنْ أَبِي بَكْرٍ النَّقَّاشِ , قَالَ: نا ابْنُ إِدْرِيسَ , بِهَرَاةَ , نا الرَّبِيعُ , قَالَ: قُلْتُ لِلشَّافِعِيِّ: مَنْ أَقْدَرُ النَّاسِ عَلَى الْمُنَاظَرَةِ؟ فَقَالَ: §«مَنْ عَوَّدَ لِسَانَهُ الرَّكْضَ فِي مَيْدَانِ الْأَلْفَاظِ , وَلَمْ يَتَلَعْثَمْ إِذَا رَمَقَتْهُ الْعُيُونُ بِالْأَلْحَاظِ , وَلَا يَكُونُ رَخِيَّ الْبَالِ , قَصِيرَ الْهِمَّةِ , فَإِنَّ مَدَارِكَ الْعِلْمِ صَعْبَةٌ لَا تَنَالُ إِلَّا بِالْجَدِّ وَالِاجْتِهَادِ , وَلَا يَسْتَحْقِرُ خَصْمَهُ لِصِغَرِهِ فَيُسَامِحُهُ فِي نَظَرِهِ , بَلْ يَكُونُ عَلَى نَهْجٍ وَاحِدٍ فِي الِاسْتِيفَاءِ وْالِاسْتِقْصَاءِ , لِأَنَّ تَرْكَ التَّحَرُّزَ وَالِاسْتِظْهَارَ يُؤَدِّي إِلَى الضَّعْفِ وَالِانْقِطَاعِ»

أنا أَبُو الْفَتْحِ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي الْفَوَارِسِ الْحَافِظُ , أنا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ , نا أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ الدِّمَشْقِيُّ , قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُعْتَزِّ -[57]-: §«إِنَّمَا يَقْتُلُ الْكِبَارَ الْأَعْدَاءُ الصِّغَارُ , الَّذِينَ لَا يُخَافُونَ فَيُتَّقُونَ , وَلَا يُؤْبَهُ لَهُمْ وَهُمْ يَكِيدُونَ»

وَأَنْبَأَنَا أَبُو سَعْدٍ الْمَالِينِيُّ , قَالَ أَنْشَدَنَا أَبُو سَعْدٍ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْإِدْرِيسِيُّ , قَالَ: أَنْشَدَنِي أَبُو الْفَتْحِ الْبَسْتِيُّ: « [البحر الكامل] §لَا يَسْتَخِفَنَّ الْفَتَى بِعَدُوِّهِ ... أَبَدًا وَإِنْ كَانَ الْعَدُوُّ ضَئِيلَا إِنَّ الْقَذَى يُؤْذِي الْعُيُونَ قَلِيلُهُ ... وَلَرُبَّمَا جَرَحَ الْبَعُوضُ الْفِيَلَا» وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَكُونَ مُعْجَبًا بِكَلَامِهِ , مَفْتُونَا بِجِدَالِهِ , فَإِنَّ الْإِعْجَابَ ضِدُّ الصَّوَابِ , وَمِنْهُ تَقَعُ الْعَصَبِيَّةُ وَهُوَ رَأْسُ كُلِّ بَلِيَّةٍ

أنا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عُمَرَ الْمُقْرِئُ , أنا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْآجُرِّيُّ , أنا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ الصُّوفِيُّ , نَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكَّارٍ , نَا عَبِيدَةُ يَعْنِي: ابْنَ حُمَيْدٍ عَنِ الْأَعْمَشِ , عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُرَّةَ , قَالَ: قَالَ مَسْرُوقٌ: §«بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنَ الْعِلْمِ أَنْ يَخْشَى اللَّهَ , وَبِحَسْبِ امْرِئٍ مِنَ الْجَهْلِ أَنْ يُعْجَبَ بِعِلْمِهِ»

أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ عَلَّانَ الْوَرَّاقُ , أنا مَخْلَدُ بْنُ جَعْفَرٍ الدَّقَّاقُ , نا مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ , حَدَّثَنِي يُونُسُ -[58]- بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى , أنا ابْنُ وَهْبٍ , أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَيَّاشٍ , عَنْ يَزِيدَ بْنِ قَوْذَرٍ عَنْ كَعْبٍ , أَنَّهُ , قَالَ: وَأَتَاهُ رَجُلٌ مِمَّنْ يَتَّبِعُ الْأَحَادِيثَ: §«اتَّقِ اللَّهَ , وَارْضَ بِدُونِ الشُّرَفِ مِنَ الْمَجْلِسِ , وَلَا تُؤْذِيَنَّ أَحَدًا , فَإِنَّهُ لَوْ مَلَأَ عِلْمُكَ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ مَعَ الْعَجَبِ مَا زَادَكَ اللَّهُ بِهِ إِلَّا سِفَالًا وَنَقْصًا»

أنا أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَخْلَدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ مَخْلَدٍ الْمُعَدِّلِ , وأَبُو الْفَتْحِ هِلَالُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ الْحَفَّارُ , قَالَ إِبْرَاهِيمُ: نَا , وقَالَ , هِلَالٌ: أنا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحُسَيْنُ بْنُ يَحْيَى بْنِ عَيَّاشٍ الْقَطَّانُ , نا أَبُو الْأَشْعَثِ أَحْمَدُ الْمِقْدَامُ الْعِجْلِيُّ , نَا حَزْمُ بْنُ أَبِي حَزْمٍ , قَالَ: سَمِعْتُ الْحَسَنَ , يَقُولُ: §«لَوْ كَانَ كَلَامُ ابْنِ آدَمَ كُلُّهُ صِدْقًا , وَعَمَلُهُ كُلُّهُ حُسْنًا يُوشِكُ أَنْ يُجَنَّ» , قَالُوا: وَكَيْفَ يُجَنُّ؟ فَقَالَ: «يُعْجَبُ بِعِلْمِهِ»

أنا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي الْفَوَارِسِ , أنا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ , نا أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ , قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُعْتَزِّ -[59]-: §«الْعُجْبُ شَرُّ آفاتِ الْعَقْلِ»

أنا أَبُو سَعِيدٍ: الْخَصِيبُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ قَتَادَةَ الْمُعَدِّلُ بِأَصْبَهَانَ , نا أَبُو بَكْرِ بْنُ الْمُقْرِئُ , قَالَ: أَنْشَدَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الرَّمْلِيُّ , لِمَنْصُورِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ الْفَقِيهِ الْمِصْرِيِّ: « [البحر الرمل] §قُلْتُ لِلْمُعْجَبِ لَمَّا ... قَالَ مِثْلِي لَا يُرَاجَعْ يَا قَرِيبَ الْعَهْدِ بِالْمَخْرَجِ ... لِمَ لَا تَتَوَاضَعْ» وَإِذَا وَقَعَ لَهُ شَيْءٌ فِي أَوَّلِ كَلَامِ الْخَصْمِ فَلَا يَعْجَلْ بِالْحُكْمِ بِهِ فَرُبَّمَا كَانَ فِي آخِرِهِ مَا يُبَيِّنُ أَنَّ الْغَرَضَ بِخِلَافِ الْوَاقِعِ لَهُ فَيَنْبَغِي أَنْ يَثْبُتَ إِلَى أَنْ يَنْقَضِيَ الْكَلَامُ , وَبِهَذَا أَدَّبَ اللَّهُ تَعَالَى نَبِيَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا} [طه: 114] وَيَكُونُ نُطُقُهُ بِعِلْمٍ , وَإِنْصَاتُهُ بِحِلْمٍ , وَلَا يَعْجَلُ إِلَى جَوَابٍ , وَلَا يَهْجُمُ عَلَى سُؤَالٍ , وَيَحْفَظُ لِسَانَهُ مِنْ إِطْلَاقِهِ بِمَا لَا يَعْلَمُهُ , وَمَنْ مُنَاظَرَتِهِ فِيمَا لَا يَفْهَمُهُ فَإِنَّهُ رُبَّمَا أَخْرَجَهُ ذَلِكَ إِلَى الْخَجَلِ وَالِانْقِطَاعِ , فَكَانَ فِيهِ نَقْصُهُ وَسُقُوطُ مَنْزِلَتِهِ عِنْدَ مَنْ كَانَ يَنْظُرُ إِلَيْهِ بِعَيْنِ الْعِلْمِ وَالْفَضْلِ , وَيُحْرِزُهُ بِالْمَعْرِفَةِ وَالْعَقْلِ وَالْعَرَبُ تَقُولُ: عَيِيٌّ صَامِتٌ خَيْرٌ مِنْ غَبِيٍّ نَاطِقٍ

أنا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ الطَّاهِرِيُّ , أنا أَبُو مُحَمَّدٍ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ الْجَوْهَرِيُّ , نا أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ الدِّمَشْقِيُّ , قَالَ: حَدَّثَنِي الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ , حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَلَّامٍ -[60]- قَالَ , كَانَ شَابٌّ يَجْلِسُ إِلَى الْأَحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ , فَأَعْجَبَهُ مَا رَأَى مِنْ صَمْتِهِ , إِلَى أَنْ قَالَ لَهُ ذَاتَ يَوْمٍ: يَا أَبَا بَحْرٍ أَيَسُرُّكُ أَنَّكَ عَلَى شُرْفَةٍ مِنْ شَرَفِ الْمَسْجِدِ , وَأَنَّ لَكَ مِائَةَ أَلْفِ دِرْهَمٍ؟ فَقَالَ لَهُ الْأَحْنَفُ: «يَا ابْنَ أَخِي , وَاللَّهِ إِنَّ §الْمِائَةَ الْأَلْفِ الدِّرْهَمَ لَمَحْرُوصٌ عَلَيْهَا , وَلَكِنِّي قَدْ كَبِرْتُ وَمَا أَقْوَى عَلَى الْقِيَامِ عَلَى هَذِهِ الشُّرْفَةِ» , وَقَامَ الْفَتَى , فَلَمَّا وَلَّى , قَالَ الْأَحْنَفُ: « [البحر الطويل] وَكَائِنٌ تَرَى مِنْ صَامِتٍ لَكَ مُعْجَبٌ ... زِيَادَتُهُ أَوْ نَقْصُهُ فِي التَّكَلُّمِ لِسَانُ الْفَتَى نِصْفٌ , وَنِصْفُ فُؤَادِهِ ... فَلَمْ يَبْقَ إِلَّا صُورَةُ اللَّحْمِ وَالدَّمِ»

أنا أَبُو مُحَمَّدٍ: عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ سَلْمَانَ الْعَطَّارُ , أنا أَبُو بَكْرٍ: مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ صَالِحٍ الْأَبْهَرِيُّ , نا أَبُو عَرُوبَةَ هُوَ الْحَرَّانِيُّ , ثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ سَيْفٍ , قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَاصِمٍ , يَقُولُ: قَالَ رَجُلٌ لِأَبِي حَنِيفَةَ: مَتَى يَحْرُمُ الطَّعَامُ عَلَى الصَّائِمِ؟ قَالَ: «إِذَا طَلَعَ الْفَجْرُ» قَالَ: فَقَالَ لَهُ السَّائِلُ: فَإِنْ طَلَعَ نِصْفُ اللَّيْلِ؟ قَالَ: فَقَالَ لَهُ أَبُو حَنِيفَةَ: §«قُمْ يَا أَعْرَجُ»

باب في السؤال والجواب وما يتعلق بهما من الكراهة والاستحباب

§بَابٌ فِي السُّؤَالِ وَالْجَوَابِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِمَا مِنَ الْكَرَاهَةِ وَالِاسْتِحْبَابِ

أنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ الْمُحْتَسِبُ , أنا أَبُو الْقَاسِمِ: سُلَيْمَانُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي أَيُّوبَ الْمُعَدِّلُ , نا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَامِرٍ الطَّائِيُّ , قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي سَنَةَ سِتِّينَ وَمِائَتَيْنٍ , حَدَّثَنِي أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُوسَى الرِّضَا سَنَةَ أَرْبَعٍ وَتِسْعِينَ وَمِائَةٍ , قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي مُوسَى بْنُ جَعْفَرٍ , حَدَّثَنِي أَبِي جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ , حَدَّثَنِي أَبِي مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ , حَدَّثَنِي أَبِي عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنٍ , حَدَّثَنِي أَبِي الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ , حَدَّثَنِي أَبِي عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ , قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: §" الْعِلْمُ خَزَائِنُ , وَمِفْتَاحُهُ السُّؤَالُ , فَاسْأَلُوا يَرْحَمْكُمُ اللَّهُ , فَإِنَّهُ يُؤْجَرُ فِيهِ أَرْبَعَةٌ: السَّائِلُ , وَالْمُعَلِّمُ , وَالْمُسْتَمِعُ , وَالْمُحِبُّ لَهُمْ "

أنا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُعَدِّلُ , أنا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ الْمِصْرِيُّ , نا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ مِقْلَاصٍ , نا أَبِي , نا ابْنُ وَهْبٍ , عَنْ يُونُسَ , وأنا ابْنُ الْفَضْلِ , أنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ دُرَسْتُوَيْهِ , قَالَ: نا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ , حَدَّثَنِي زَيْدُ بْنُ بِشْرٍ , وَعَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عِمْرَانَ , قَالَا: أنا ابْنُ وَهْبٍ , حَدَّثَنِي يُونُسُ , عَنِ ابْنِ شِهَابٍ , أَنَّهُ قَالَ: §«إِنَّمَا هَذَا الْعِلْمُ خَزَائِنُ وَتَفْتَحُهَا الْمَسْأَلَةُ»

أنا الْقَاضِي أَبُو الْقَاسِمِ التَّنُوخِيُّ , نا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ الْكَاتِبُ , أنا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَمَّارٍ , نا مُحَمَّدُ بْنُ عِمْرَانَ بْنِ كَثِيرٍ الضَّبِّيُّ , قَالَ: كَانَ أَبُو يَزِيدَ النَّهْشَلِيُّ , يَقُولُ: §«الْعِلْمُ قُفْلٌ , وَمِفْتَاحُهُ الْمَسْأَلَةُ» يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الْخَصْمَيْنِ مُقْبِلًا عَلَى صَاحِبِهِ بِوَجْهِهِ فِي حَالِ مُنَاظَرَتِهِ مُسْتَمِعًا لِكَلَامِهِ إِلَى أَنْ يُنْهِيَهُ , فَإِنَّ ذَلِكَ طَرِيقُ مَعْرِفَتِهِ , وَالْوُقُوفِ عَلَى حَقِيقَتِهِ , وَرُبَّمَا كَانَ فِي كَلَامِهِ مَا يِدُلُّهُ عَلَى فَسَادِهِ , وَيُنَبِّهُهُ عَلَى عُوَارِهِ , فَيَكُونُ ذَلِكَ مَعُونَةً لَهُ عَلَى جَوَابِهِ

أَخْبَرَنِي أَبُو إِسْحَاقَ الْبَرْمَكِيُّ , نا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ حَمْدَانَ الْعُكْبَرِيُّ , نا أَبُو الْحُسَيْنِ الْحَرْبِيُّ , نا أَحْمَدُ بْنُ مَسْرُوقٍ , نا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْجُنَيْدِ , قَالَ حَكِيمٌ مِنَ الْحُكَمَاءِ لِابْنِهِ: «يَا بُنَيَّ §تَعَلَّمْ حُسْنَ الِاسْتِمَاعِ كَمَا -[63]- تَعَلَّمْ حُسْنَ الْكَلَامِ , فَإِنَّ حُسْنَ الِاسْتِمَاعِ إِمْهَالُكَ الْمُتَكَلِّمَ حَتَّى يُفْضِيَ إِلَيْكَ بِحَدِيثِهِ , وَالْإِقْبَالُ بِالْوَجْهِ وَالنَّظَرُ , وَتَرْكُ الْمُشَارَكَةِ فِي حَدِيثٍ أَنْتَ تَعْرِفُهُ»

أنا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُعَدِّلُ , أنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ الْجَوْزِيُّ , نا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي الدُّنْيَا , قَالَ: قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ , سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ الْوَهَّابِ الْكُوفِيَّ , يَقُولُ: " §الصَّمْتُ يَجْمَعُ لِلرَّجُلِ خَصْلَتَيْنِ: السَّلَامَةَ فِي دِينِهِ , وَالْفَهْمَ عَنْ صَاحِبِهِ "

أنا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي الْفَوَارِسُ , أنا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ , نا أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ , قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُعْتَزُّ: §" رُبَّمَا دَلَّتِ الدَّعْوَى عَلَى بُطْلَانِهَا وَالتَّزَيُّدِ فِيهَا قَبْلَ امْتِحَانِهَا , وَكَذَّبَتْ نَفْسَهَا بِلِسَانِهَا وَيَنْبَغِي أَنْ يُوجِزَ السَّائِلُ فِي سُؤَالِهِ , وَيُحِرِّرُ كَلَامَهُ , وَيُقَلِّلُ أَلْفَاظَهُ وَيَجْمَعُ فِيهَا مَعَانِيَ مَسْأَلَتِهِ , فَإِنَّ ذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى حُسْنِ مَعْرِفَتِهِ

أنا الْقَاضِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ الصَّيْمَرِيُّ , وأَبُوبَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ سُلَيْمَانَ بْنِ عَلِيٍّ الْمُقْرِيُّ الْوَاسِطِيُّ , قَالَا: أنا عَلِيُّ بْنُ عُمَرَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْخُتَّلِيُّ , نا أَبُو الْحَسَنِ أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ الدِّمَشْقِيُّ , نا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ , نا مُخَيِّسُ بْنُ تَمِيمٍ الدِّمَشْقِيُّ , نا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ , نا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ , عَنْ نَافِعٍ , عَنِ ابْنِ -[64]- عُمَرَ , قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: §«الِاقْتِصَادُ فِي النَّفَقَةِ نِصْفُ الْمَعِيشَةِ , وَالتَّوَدُّدُ إِلَى النَّاسِ نِصْفُ الْعَقْلِ , وَحُسْنُ السُّؤَالِ نِصْفُ الْعِلْمِ»

أنا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُعَدِّلُ , أنا أَبُو جَعْفَرٍ: مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْبَخْتَرِيُّ الرَّزَّازُ , نا يَحْيَى بْنُ جَعْفَرٍ , أنا زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ , نا مَهْدِيُّ بْنُ مَيْمُونٍ , عَنْ يُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ , عَنْ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ , قَالَ: §«التَّوَدُّدُ إِلَى النَّاسِ نِصْفُ الْعَقْلِ , وَحُسْنُ الْمَسْأَلَةِ نِصْفُ الْعِلْمِ»

أنا أَبُو الْحَسَنِ أَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَلَفِ بْنِ بُخَيْتٍ الْعُكْبَرِيُّ , أنا أَبُو نَصْرٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدِ بْنِ شُجَاعٍ الْبِجَارِيُّ , أنا خَلَفُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْخِيَامُ , نا سَهْلُ بْنُ شَاذَوَيْهِ , نا عِيسَى بْنُ أَحْمَدَ , نَا أَبُو أُسَامَةَ , عَنْ مِسْعَرٍ , عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ , قَالَ: قَالَ: ابْنُ عَبَّاسٍ: " §مَا سَأَلَنِي أَحَدٌ عَنْ مَسْأَلَةٍ , إِلَّا عَرَفْتُ: فَقِيهٌ أَوْ غَيْرُ فَقِيهٍ "

أنا الْحَسَنُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ , أنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْبَغَوِيُّ , نا أَحْمَدُ بْنُ الْهَيْثَمِ بْنِ خَالِدٍ , نا سَعِيدُ بْنُ دَاوُدَ الزَّنْبَرِيُّ , نا مَالِكٌ , عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ , أَنَّهُ كَانَ إِذَا جَاءَهُ الْإِنْسَانُ يَسْأَلُهُ فَخَلَطَ عَلَيْهِ قَالَ: §«اذْهَبْ فَتَعَلَّمْ كَيْفَ تَسْأَلُ , فَإِذَا تَعَلَّمْتَ فَسَلْ» وَيَلْزَمُ الْمُجِيبَ أَنْ يَسُدَّ بِالْجَوَابِ مَوْضِعَ السُّؤَالِ , وَلَا يَتَعَدَّى مَكَانَهُ , وَيَجْعَلُ الْمَثَلَ كَالْمُمَثَّلِ بِهِ , وَيَخْتَصِرُ فِي غَيْرِ تَقْصِيرٍ , وَإِنِ احْتَاجَ إِلَى الْبَيَانِ بِالشَّرْحِ أَطَالَ مِنْ غَيْرِ هَذَرٍ وَلَا تَكْدِيرٍ , وَيُقَابِلُ بِاللَّفْظِ الْمَعْنَى , حَتَّى يَكُونَ غَيْرَ نَاقِصٍ عَنْ تَمَامِهِ , وَلَا فَاضِلٍ عَنْ جُمْلَتِهِ

أنا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُعَدِّلُ , أنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ الْجَوْزِيُّ , نا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي الدُّنْيَا , حَدَّثَنِي أَبُو حَفْصٍ الصَّيْرَفِيُّ , نا مَيْمُونُ بْنُ يَزِيدَ , عَنْ لَيْثٍ , عَنْ مُجَاهِدٍ , قَالَ: §«كَانُوا يَكْتَفُونَ مِنَ الْكَلَامِ بِالْيَسِيرِ»

أنا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ الْخَالِعُ , أنا أَحْمَدُ بْنُ الْفَضْلِ بْنِ خُزَيْمَةَ الْمُقْرِئُ , نا أَبُو الْعَيْنَاءِ , عَنِ الْأَصْمَعِيِّ , قَالَ: ذَكَرَ رَجُلٌ رَجُلًا بَلِيغًا , فَقَالَ: §«أَلْفَاظُهُ قَوَالِبُ لِمَعَانِيهِ»

أنا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي الْفَوَارِسِ , أنا ابْنُ الْمُغِيرَةِ , نَا أَحْمَدُ بْنُ -[66]- سَعِيدٍ , قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُعْتَزِّ: §«إِذَا أَعْيَتْكَ الْكَلِمَةُ فَلَا تُجَاوِزْهَا إِلَى غَيْرِهَا , فَإِنَّ الْكَلَامَ إِذَا كَثُرَتْ مَعَانِيهِ كَثُرَ تَقَلُّبُ اللِّسَانِ وَالْقَلْبِ فِيهِ , فَوَقَفَا مَحْسُورَيْنِ أَوْ بَلَغَا مَجْهُودِينَ»

أنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَخْلَدِ بْنِ جَعْفَرٍ , إِجَازَةً , وَحَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُثْمَانَ النَّصِيبِيُّ , عَنْهُ , قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ دُرَسْتُوَيْهِ , نا الْمُبَرِّدُ , قَالَ: قُلْتُ لِلْأَحْنَفِ: مَا الْبَلَاغَةُ؟ فَقَالَ: §«صَوَابُ الْكَلَامِ , وَاسْتِحْكَامُ الْحُجَّةِ , وَالِاسْتِغْنَاءُ عَنِ الْإِكْثَارِ»

قَرَأْتُ عَلَى ابْنِ الْفَضْلِ , عَنْ أَبِي بَكْرٍ النَّقَّاشِ , قَالَ: نا أَبُو نُعَيْمٍ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي , قَالَ: حَدَّثَنِي الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ , قَالَ: قَالَ رَجُلٌ لِلشَّافِعِيِّ: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ مَا الْبَلَاغَةُ؟ , قَالَ: §«الْبَلَاغَةُ أَنْ تَبْلُغَ إِلَى دَقِيقِ الْمَعَانِي بِجَلِيلِ الْقَوْلِ» , قَالَ: فَمَا الْإِطْنَابُ , قَالَ: «الْبَسْطُ لِيَسِيرِ الْمَعَانِي , فِي فُنُونِ الْخِطَابِ» , قَالَ: فَأَيُّمَا أَحْسَنُ عِنْدَكَ الْإِيجَازُ أَمْ الْإِسْهَابُ؟ , قَالَ: " لِكُلٍّ مِنَ الْمَعْنَيَيْنِ مَنْزِلَةٌ , فَمَنْزِلَةُ الْإِيجَازِ عِنْدَ التَّفَهُّمِ فِي مَنْزِلَةِ الْإِسْهَابِ عِنْدَ الْمَوْعِظَةِ , أَلَا تَرَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى إِذَا احْتَجَّ فِي كَلَامِهِ كَيْفَ يُوجِزُ , وَإِذَا وَعَظَ يُطْنِبُ فِي مِثْلِ قَوْلِهِ مُحْتَجًّا

: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهَ لَفَسَدَتَا} [الأنبياء: 22] وَإِذَا جَاءَتِ الْمَوْعِظَةُ , جَاءَ بِأَخْبَارِ الْأَوَّلِينَ , وَضَرَبَ الْأَمْثَالَ بِالسَّلَفِ الْمَاضِينَ " وَمِنْ أَدَبِ الْعِلْمِ أَنْ لَا يُجِيبَ الرَّجُلُ عَمَّا يَسْأَلُ عَنْهُ غَيْرُهُ

أنا أَبُو الْحُسَيْنِ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الشُّرُوطِيُّ , نا الْمَعَافَى بْنُ زَكَرِيَّا الْجُرَيْرِيُّ , نا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ النَّقَّاشُ , أنا دَاوُدُ بْنُ وَسِيمٍ , أنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ ابْنُ أَخِي الْأَصْمَعِيِّ , عَنْ عَمِّهِ , قَالَ: قَالَ أَبُو عَمْرِو بْنُ الْعَلَاءِ: §«وَلَيْسَ مِنَ الْأَدَبِ أَنْ تُجِيبَ , مَنْ لَا يَسْأَلُكَ , أَوْ تَسْأَلَ مَنْ لَا يُجِيبُكَ , أَوْ تُحَدِّثُ مَنْ لَا يُنْصِتُ لَكَ»

أنا أَبُو يَعْلَى: أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ الْوَكِيلُ , أنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ سَعْدِ بْنِ سُوَيْدٍ الْمُعَدِّلُ , نا الْحُسَيْنُ بْنُ الْقَاسِمُ الْكَوْكَبِيُّ , حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ مَهْدِيٍّ الْكِسْرَوِيُّ , حَدَّثَنِي أَبِي , عَنْ سَلَمَةَ بْنِ هَرْمِزْدَانَ , قَالَ: قَالَ ابْنُ الْمُقَفَّعِ كَانَتِ الْحُكَمَاءُ تَقُولُ: §«لَيْسَ لِلْعَاقِلِ أَنْ يُجِيبَ عَمَّا يَسْأَلُ عَنْهُ غَيْرُهُ , وَلْيَتَّقِ الْمُنَاظِرُ مُدَاخَلَةَ خَصْمِهِ فِي كَلَامِهِ , وَتَقْطِيعَهُ عَلَيْهِ وَإِظْهَارَ التَّعَجُّبِ مِنْهُ , وَلْيُمَكِّنْهُ مِنْ إِيرَادِ حُجَّتِهِ , فَإِنَّمَا يَفْعَلُ ذَلِكَ الْمُبْطِلُونَ وَالضُّعَفَاءُ الَّذِينَ لَا يَحْصُلونَ»

أَخْبَرَنِي الْبَرْمَكِيُّ , نا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ حَمْدَانَ الْعُكْبَرِيُّ , نا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْقَاسِمِ الْأَنْبَارِيُّ , حَدَّثَنِي أَبِي , نا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ , عَنِ الْهَيْثَمِ بْنِ عَدِيٍّ , قَالَ: قَالَتِ الْحُكَمَاءُ: §«إِنَّ مِنِ الْأَخْلَاقِ السَّيِّئَةِ عَلَى كُلِّ حَالٍ مُغَالَبَةُ الرَّجُلِ عَلَى كَلَامِهِ وَالْإِعْتِرَاضُ فِيهِ لِقَطْعِ حَدِيثِهِ» وَإِذَا هَمَّ بِقَوْلٍ أَنْ يَقُولَهُ ثُمَّ تَبَيَّنَ لَهُ خَطَؤُهُ فَأَمْسَكَ عَنْهُ فَلْيُحْدِثِ الشُّكْرَ لِلَّهِ عَلَى مَا عَصَمَهُ مِنَ التَّسَرُّعِ إِلَى الْخَطَأِ وَلْيَغْتَبَطْ بِذَلِكَ فَقَدْ

أنا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي الْفَوَارِسِ , أنا ابْنُ الْمُغِيرَةِ , نا أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ , قَالَ: قَالَ ابْنُ الْمُعْتَزِّ: §«افْرَحْ بِمَا لَا تَنْطِقُ بِهِ مِنَ الْخَطَأِ , مِثْلَ فَرِحِكَ بِمَا لَمْ تَسْكُتْ عَنْهُ مِنَ الصَّوَابِ» وَإِنَّ أَفْحَشَ الْخَصْمُ فِي جَوَابِهِ , وَأَحَالَ فِي حِجَاجِهِ , فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يِحْتَدَّ عَلَيْهِ , لِيَحْذَرَ مِنَ الصِّيَاحِ فِي وَجْهِهِ , وَالِاسْتِخْفَافِ بِهِ فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ أَخْلَاقِ السُّفَهَاءِ , وَمَنْ لَا يَتَأَدَّبُ بِآدَابِ الْعُلَمَاءِ:

أنا ابْنُ الْفَضْلِ , أنا دَعْلَجُ بْنُ أَحْمَدَ , أنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْأَبَّارُ , أنا أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ الرِّبَاطِيُّ , نا عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الْوَارِثِ , نا الْحَسَنُ بْنُ دِينَارٍ , عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ , عَنْ شُرَيْحٍ , قَالَ -[69]-: " §الْحِدَةُّ: كُنْيَةُ الْجَهْلِ "

أنا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ , أنا الْحُسَيْنُ بْنُ صَفْوَانَ الْبَرْذَعِيُّ , نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي الدُّنْيَا , حَدَّثَنِي هَارُونُ بْنُ أَبِي يَحْيَى , عَنْ رَجُلٍ , مِنْ قُرَيْشٍ , قَالَ: قَالَ بَعْضُ الْأَنْصَارِ: §«رَأْسُ الْحُمْقِ الْحِدَّةُ , وَقَائِدُهُ الْغَضَبِ , وَمَنْ رَضِيَ بِالْجَهْلِ اسْتَغْنَى عَنِ الْحِلْمِ , الْحِلْمُ زَيْنٌ وَمَنْفَعَةٌ , وَالْجَهْلٌ شَيْنٌ , وَالسُّكُوتُ عَنْ جَوَابِ الْأَحْمَقِ جَوَابُهُ»

وقَالَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا , ثَنَا خَالِدُ بْنُ خِدَاشٍ , نا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ , عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ , عَنْ أَبِي نَضْرَةَ , عَنْ أَبِي سَعِيدٍ , عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , قَالَ: «أَلَا إِنَّ §الْغَضَبَ جَمْرَةٌ فِي قَلْبِ ابْنِ آدَمَ , أَلَا تَرَوْنَ إِلَى حُمْرَةِ عَيْنَيْهِ وَانْتِفَاخِ أَوْدَاجِهِ؟ فَمَنْ وَجَدَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا فَلْيُلْصِقْ خَدَّهُ بِالْأَرْضِ»

أنا ابْنُ أَبِي الْفَوَارِسِ , أنا ابْنُ الْمُغِيرَةِ , نا أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ , -[70]- قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُعْتَزِّ: §«شِدَّةُ الْغَضَبِ يُغَيِّرُ الْمَنْطِقَ , وَتَقْطَعُ مَادَّةَ الْحُجَّةِ وَتُفَرِّقُ الْفَهْمَ»

وَقَالَ أَيْضًا: §«لَا يُمْكِنُ أَنْ لَا تَغْضَبَ , لَكِنْ لَا يَنْتَهِي غَضَبُكَ إِلَى الْإِثْمِ , وَاعْفُ إِذَا لَمْ يَكُنْ تَرْكُ الِانْتِقَامِ عَجْزًا» وَلْيُعَوِّدْ لِسَانَهُ مِنَ الْكَلَامِ أَحْسَنَهُ , وَمِنَ الْخِطَابِ أَلْيَنَهُ فَقَدْ:

أنا ابْنُ بِشْرَانِ , أنا الْحُسَيْنُ بْنُ صَفْوَانَ , نا ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا , نا خَلَفُ بْنُ هِشَامٍ , نا بَقِيَّةُ بْنُ الْوَلِيدِ , عَنْ أَرْطَأَةَ بْنِ الْمُنْذِرِ , عَنْ أَبِي عَوْنٍ الْأَنْصَارِيِّ , قَالَ: §«مَا تَكَلَّمَ النَّاسُ بِكَلِمَةٍ صَعْبَةٍ إِلَّا وَإِلَى جَانِبِهَا كَلِمَةً أَلْيَنَ مِنْهَا تَجْرِي مَجْرَاهَا»

وأنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ أَحْمَدَ الْوَاعِظُ , قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي , نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سُلَيْمَانَ , نا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ , عَنِ الْقَحْذَمِيِّ , قَالَ: قِيلَ لِخَالِدِ بْنِ صَفْوَانَ: مَا أَبَرُّ كَلَامِكَ؟ قَالَ: «§إِنَّهُ يَقُومُ عَلَيَّ بِرُخْصٍ» , قَالَ: وَنَادَى غُلَامُهُ , فَقِيلَ: إِنَّهُ مَشْغُولٌ , فَقَالَ: «شَغَلَهُ اللَّهُ بِخَيْرٍ» , ثُمَّ نَادَى جَارِيَتَهُ , فَقِيلَ: إِنَّهَا نَائِمَةٌ , فَقَالَ: «أَنَامَ اللَّهُ عَيْنَهَا» , فَضَحِكَتْ , فَقَالَ -[71]-: «مِمَّ تَضْحَكُ , أَضْحَكَ اللَّهُ سِنَّكَ» وَلْيَعْمَدْ إِلَى الْمَقْصُودِ مِنْ كَلَامِ خَصْمِهِ , وَلَا يَتَعَلَّقْ بِمَا يَجْرِي فِي عِرْضِهِ مِمَّا لَا يَعْتَمِدُهُ , فَإِنَّ الْمُعَوَّلَ عَلَى الْمَقْصُودِ وَالظُّهُورِ عَلَى الْخَصْمِ بِإِبْطَالِ مَا قَصَدَهُ , وَعَوَّلَ عَلَيْهِ وَاعْتَمَدَهُ , وَلَا يَتَكَلَّمُ عَلَى مَا لَمْ يَقَعْ لَهُ عِلْمُهُ مِنْ كَلَامِهِ , فَإِنَّ الْجَوَابَ لَا يَصِحُّ عَمَّا لَمْ يَفْهَمْهُ , وَلَمْ يَتَصَوِّرْ مُرَادَ خَصْمِهِ مِنْهُ

أنا أَبُو الْحَسَنِ: مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْحِنَّائِيُّ , وَأَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْحَرْبِيُّ , قَالَا: أنا أَحْمَدُ بْنُ سَلْمَانَ بْنِ الْحَسَنِ النَّجَّادُ , نا هِلَالُ بْنُ الْعَلَاءِ , نا ابْنُ نُفَيْلٍ , قَالَ النَّجَّادُ , وحَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْبَالِسِيُّ , نا النُّفَيْلِيُّ , وأنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ أَحْمَدَ الْوَاعِظُ , قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي , نا أَحْمَدُ بْنُ عِيسَى بْنِ الْمِسْكِينِ , نا هَاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ , قَالَا: نا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ , عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ , عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلَانَ , قَالَ: قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ: «يَا بُنَيَّ §كُنْ سَرِيعًا تَفْهَمْ , بَطِيئًا تَكَلَّمْ , وَمِنْ قَبْلِ أَنْ تَتَكَلَّمَ تَفْهَمْ» وَلَمْ يَذْكُرِ الْوَاعِظُ مُحَمَّدَ بْنَ إِسْحَاقَ فِي إِسْنَادِهِ

أنا أَبُو طَالِبٍ يَحْيَى بْنُ عَلِيِّ بْنِ الطَّيِّبِ الْعِجْلِيُّ الدَّسْكَرِيُّ لَفْظًا بِحُلْوَانَ , قَالَ: أنا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْمُقْرِئُ بِأَصْبَهَانَ , نا حَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْفَرَّاءُ الْمِصْرِيُّ , نا الْحَارِثُ بْنُ مِسْكِينٍ , أنا ابْنُ وَهْبٍ , قَالَ سَمِعْتُ مَالِكًا , يَقُولُ -[72]-: §«لَا خَيْرَ فِي جَوَابٍ قَبْلَ فَهْمٍ» وَلْيَتَجَنَّبِ التَّقْعِيرَ فِي الْكَلَامِ وَالْوَحْشِيَّ مِنَ الْأَلْفَاظِ , فَإِنَّهُ مَنَافٍ لِلْبَلَاغَةِ بَعِيدٌ مِنَ الْحَلَاوَةِ

قَرَأْتُ عَلَى أَبِي الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ , عَنْ أَبِي بَكْرٍ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ زِيَادٍ الْمُقْرِئِ النَّقَّاشِ , قَالَ: نا أَبُو نُعَيْمٍ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مُحَمَّدٍ , نا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ , قَالَ: قَالَ الشَّافِعِيُّ: §«أَحْسَنُ الِاحْتِجَاجِ مَا أَشْرَقَتْ مَعَانِيهِ , وَأُحْكِمَتْ مَبَانِيهِ , وَابْتَهَجَتْ لَهُ قُلُوبُ سَامِعِيهِ» وَمَا أَحْسَنَ مَا وَصَفَ بِهِ بَعْضُ الْعَرَبِ الشَّافِعِيَّ فِي نَظَرِهِ

فَقَالَ فِيمَا: أنا ابْنُ الْفَضْلِ , عَنِ النَّقَّاشِ , قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ إِدْرِيسَ , بِهَرَاةَ , نا الرَّبِيعُ , قَالَ: كُنَّا جُلُوسًا فِي حَلَقَةِ الشَّافِعِيِّ بَعْدَ مَوْتِهِ بِيَسِيرٍ فَوَقَفَ عَلَيْنَا أَعْرَابِيٌّ , فَسَلَّمَ , ثُمَّ قَالَ لَنَا: «§أَيْنَ قَمَرُ هَذِهِ الْحَلَقَةِ وَشَمْسُهَا؟» فَقُلْنَا: تُوُفِّيَ رَحِمَهُ اللَّهُ , فَبَكَى بُكَاءً شَدِيدًا , وَقَالَ: «تُوُفِّيَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَغَفَرَ لَهُ , فَلَقَدْ كَانَ يَفْتَحُ بِبَيَانِهِ مُنْغَلِقَ الْحُجَّةِ , وَيَسُدُّ عَلَى خَصْمِهِ وَاضِحَ الْمَحَجَّةِ , وَيَغْسِلُ مِنَ الْعَارِ وُجُوهًا مُسْوَدَّةً , وَيُوَسِّعُ بِالرَّأْيِ أَبْوَابًا مُنْسَدَّةً ثُمَّ انْصَرَفَ»

باب تقسيم الأسئلة والجوابات , ووصف وجوه المطاعن والمعارضات السؤال على أربعة أضرب , يقابل كل ضرب منها ضرب من الجواب من جهة المسئول فأولها: السؤال عن المذهب , بأن يقول السائل: ما تقول في كذا؟ فيقابله جواب من جهة المسئول , فيقول: كذا والثاني: السؤال عن

§بَابُ تَقْسِيمِ الْأَسْئِلَةِ وَالْجَوَابَاتِ , وَوَصْفِ وُجُوهِ الْمَطَاعِنِ وَالْمُعَارَضَاتِ السُّؤَالُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَضْرِبٍ , يُقَابِلُ كُلَّ ضَرْبٍ مِنْهَا ضَرْبٌ مِنَ الْجَوَابِ مِنْ جِهَةِ الْمَسْئُولِ فَأَوَّلُهَا: السُّؤَالُ عَنِ الْمَذْهَبِ , بِأَنْ يَقُولَ السَّائِلُ: مَا تَقُولُ فِي كَذَا؟ فَيُقَابِلُهُ جَوَابٌ مِنْ جِهَةِ الْمَسْئُولِ , فَيَقُولُ: كَذَا وَالثَّانِي: السُّؤَالُ عَنِ الدَّلِيلِ , بِأَنْ يَقُولَ السَّائِلُ: مَا دَلِيلُكَ عَلَيْهِ؟ فَيَقُولُ الْمَسْئُولُ: كَذَا وَالثَّالِثُ: السُّؤَالُ عَنْ وَجْهِ الدَّلِيلِ , فَيْبَيِّنُهُ الْمَسْئُولُ وَالرَّابِعُ: السُّؤَالُ عَلَى سَبِيلِ الِاعْتِرَاضِ عَلَيْهِ , وَالطَّعْنِ فِيهِ , فَيُجِيبُ الْمَسْئُولُ عَنْهُ وَيُبَيِّنُ بُطْلَانَ اعْتِرَاضِهِ وَصِحَّةِ مَا ذَكَرَهُ مِنْ وَجْهِ دَلِيلِهِ فَإِذَا سَأَلَ سَائِلٌ عَنْ حُكْمٍ مُطْلَقٍ نَظَرَ الْمَسْئُولُ فِيمَا سَأَلَهُ عَنْهُ , فَإِنْ كَانَ مَذْهَبُهُ مُوَافِقًا لِمَا سَأَلَهُ عَنْهُ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ أَطْلَقَ الْجَوَابَ عَنْهُ , وَإِنْ كَانَ عِنْدَهُ فِيهِ تَفْصِيلٌ , كَانَ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ يَفْصِلَهَ فِي جَوَابِهِ , وَبَيْنَ أَنْ يَقُولَ لِلسَّائِلِ: هَذَا مُخْتَلِفٌ عِنْدِي , فَمِنْهُ كَذَا , وَمِنْهُ كَذَا , فَعَنْ أَيِّهِمَا

تَسْأَلُ؟ فَإِذَا ذَكَرَ أَحَدَهُمَا أَجَابَ عَنْهُ , وَإِنْ أَطْلَقَ الْجَوَابِ عَنْهُ كَانَ مُخْطِئًا مِثَالُ ذَلِكَ: أَنْ يَسْأَلَهُ سَائِلٌ عَنْ جِلْدِ الْمَيْتَةِ هَلْ يُطَهَّرُ بِالدِّبَاغِ؟ وَعِنْدَ الْمَسْئُولِ أَنَّ جِلْدَ الْكَلْبِ وَالْخِنْزِيرِ , وَمَا تَوَلَّدَ مِنْهُمَا أَوْ مِنْ أَحَدِهِمَا لَا يُطَهَّرُ بِالدِّبَاغِ , وَيُطَهَّرُ مَا عَدَا ذَلِكَ , فَيَقُولُ لِلسَّائِلِ هَذَا التَّفْصِيلَ , وَإِنْ شَاءَ قَالَ: مِنْهُ مَا يُطَهَّرُ بِالدِّبَاغِ , وَمِنْهُ مَا لَا يُطَهَّرُ , فَعَنْ أَيِّهِمَا تَسْأَلُ؟ فَأَمَّا إِذَا أَطْلَقَ الْجَوَابَ , وَقَالَ: يُطَهَّرُ بِالدِّبَاغِ , فَإِنَّهُ يَكُونُ مُخْطِئًا

وَقَدْ جَرَى لِأَبِي يُوسُفَ الْقَاضِي مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ نَحْوٌ مِنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ: أنا الْقَاضِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الصَّيْمَرِيُّ , أنا عُمَرُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْمُقْرِئُ , نا مُكْرَمُ بْنُ أَحْمَدَ , نا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ يَعْنِي الْحِمَّانِيَّ , نا الْفَضْلُ بْنُ غَانِمٍ , قَالَ: كَانَ أَبُو يُوسُفَ مَرِيضًا شَدِيدَ الْمَرَضِ , فَعَادَهُ أَبُو حَنِيفَةَ مِرَارًا , فَصَارَ إِلَيْهِ آخِرَ مَرَّةً , فَرَآهُ ثَقِيلًا , فَاسْتَرْجَعَ ثُمَّ قَالَ: §«لَقَدْ كُنْتُ أُؤَمِّلُكَ بَعْدِي لِلْمُسْلِمِينَ , وَلَئِنْ أُصِيبَ النَّاسُ بِكَ , لَيَمُوتَنَّ مَعَكَ عِلْمٌ كَثِيرٌ ثُمَّ رُزِقَ الْعَافِيَةَ» , وَخَرَجَ مِنَ الْعِلَّةِ , فَأَخْبَرَ أَبُو يُوسُفَ بِقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فِيهِ , فَارْتَفَعَتْ نَفْسُهُ , وَانْصَرَفَتْ وُجُوهُ النَّاسِ إِلَيْهِ , فَعَقَدَ لِنَفْسِهِ مَجْلِسًا فِي الْفِقْهِ , وَقَصَّرَ عَنْ لُزُومِ مَجْلِسِ أَبِي حَنِيفَةَ , فَسَأَلَ عَنْهُ , فَأُخْبِرَ أَنَّهُ قَدْ عَقَدَ لِنَفْسِهِ مَجْلِسًا , وَأَنَّهُ بَلَغَهُ كَلَامُكَ فِيهِ , فَدَعَى رَجُلًا كَانَ لَهُ عِنْدَهُ قَدْرٌ , فَقَالَ: " صِرْ إِلَى مَجْلِسِ يَعْقُوبَ , فَقُلْ لَهُ: مَا تَقُولُ

فِي رَجُلٍ دَفَعَ إِلَى قَصَّارٍ ثَوْبًا لِيُقَصِّرَهُ بِدِرْهَمٍ , فَصَارَ إِلَيْهِ بَعْدَ أَيَّامٍ فِي طَلَبِ الثَّوْبِ , فَقَالَ لَهُ الْقَصَّارُ: مَا لَكَ عِنْدِي شَيْءٌ , وَأَنْكَرَهُ ثُمَّ إِنَّ رَبَّ الثَّوْبِ رَجَعَ إِلَيْهِ , فَدَفَعَ إِلَيْهِ الثَّوْبَ مَقْصُورًا , أَلَهُ أُجْرَةٌ؟ فَإِنْ قَالَ: لَهُ أُجْرَةٌ , فَقُلْ: أَخْطَأْتَ وَإِنْ قَالَ: لَا أُجْرَةَ لَهُ فَقُلْ أَخْطَأْتَ " فَصَارَ إِلَيْهِ فَسَأَلَهُ , فَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَهُ الْأُجْرَةُ , فَقَالَ: أَخْطَأْتَ , فَنَظَرَ سَاعَةً , ثُمَّ قَالَ: لَا أُجْرَةَ لَهُ فَقَالَ: أَخْطَأْتَ , فَقَامَ أَبُو يُوسُفَ مِنْ سَاعَتِهِ فَأَتَى أَبَا حَنِيفَةَ , فَقَالَ لَهُ: «مَا جَاءَ بِكَ إِلَّا مَسْأَلَةُ الْقَصَّارِ؟» قَالَ أَجَلْ , قَالَ: «سُبْحَانَ اللَّهِ مَنْ قَعَدَ يُفْتِي النَّاسَ وَعَقَدَ مَجْلِسًا يَتَكَلَّمُ فِي دِينِ اللَّهِ وَهَذَا قَدْرُهُ , لَا يَحْسُنُ أَنْ يُجِيبَ فِي مَسْأَلَةٍ مِنَ الْإِجَارَاتِ» فَقَالَ: يَا أَبَا حَنِيفَةَ , عَلِّمْنِي: فَقَالَ: «إِنْ كَانَ قَصَّرَهُ بَعْدَ مَا غَصَبَهْ فَلَا أُجْرَةَ , لِأَنَّهُ قَصَّرَهُ لِنَفْسِهِ , وَإِنْ كَانَ قَصَّرَهُ قَبْلَ أَنْ يَغْصِبَهُ فَلَهُ الْأُجْرَةُ؛ لِأَنَّهُ قَصَّرَهُ لِصَاحِبِهِ» ثُمَّ قَالَ: «مَنْ ظَنَّ أَنَّهُ يَسْتَغْنِي عَنِ التَّعْلِيمِ , فَلْيَبْكِ عَلَى نَفْسِهِ»

فصل وإذا صح الجواب من جهة المسئول قال له السائل: ما الدليل عليه؟ وهو السؤال الثاني: فإذا ذكر المسئول الدليل فإن كان السائل يعتقد أن ما ذكره ليس بدليل مثل أن يكون قد احتج بالقياس , والسائل ظاهري لا يقول بالقياس فقال للمسئول: هذا ليس بدليل، فإن

§فَصْلٌ وَإِذَا صَحَّ الْجَوَابُ مِنْ جِهَةِ الْمَسْئُولِ قَالَ لَهُ السَّائِلُ: مَا الدَّلِيلُ عَلَيْهِ؟ وَهُوَ السُّؤَالُ الثَّانِي: فَإِذَا ذَكَرَ الْمَسْئُولُ الدَّلِيلَ فَإِنْ كَانَ السَّائِلُ يَعْتَقِدُ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ لَيْسَ بِدَلِيلٍ مِثْلُ أَنْ يَكُونَ قَدِ احْتَجَّ بِالْقِيَاسِ , وَالسَّائِلُ ظَاهِرِيٌّ لَا يَقُولُ بِالْقِيَاسِ فَقَالَ لِلْمَسْئُولِ: هَذَا لَيْسَ بِدَلِيلٍ، فَإِنَّ المَسْئُولَ يَقُولُ لَهُ: هَذَا دَلِيلٌ عِنْدِي , وَأَنْتَ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ تُسْلِمَهُ وَبَيْنَ أَنْ تَنْقُلَ الْكَلَامَ إِلَيْهِ , فَأَدَلَّ عَلَى صِحَّتِهِ , فَإِنْ قَالَ السَّائِلُ: لَا أُسْلِمُ لَكَ مَا احْتَجَجْتَ بِهِ , وَلَا أَنْقُلُ الْكَلَامَ إِلَى الْأَصْلِ , كَانَ مُتَعَنِّتًا مُطَالِبًا لِلْمَسْئُولِ بِمَا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ , وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ لِأَنَّ الْمَسْئُولَ لَا يَلْزَمُهُ أَنْ يُثْبِتَ مَذْهَبَهُ إِلَّا بِمَا هُوَ دَلِيلٌ عِنْدَهُ , وَمَنْ نَازَعَهُ فِي دَلِيلِهِ دَلَّ عَلَى صِحَّتِهِ , وَقَامَ بِنُصْرَتِهِ , فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ , فَقَدْ قَامَ بِمَا يَجِبُ عَلَيْهِ فِيهِ , وَإِنْ عَدَلَ إِلَى دَلِيلٍ غَيْرِهِ لَمْ يَكُنْ مُنْقَطِعًا , لِأَنَّ ذَلِكَ لِعَجْزِ السَّائِلِ عَنِ الِاعْتِرَاضِ عَلَى مَا احْتَجَّ بِهِ , وَقُصُورِهِ عَنِ الْقَدْحِ فِيهِ , وَلِأَنَّ الْمَسْئُولَ لَا تَلْزَمُهُ مَعْرِفَةُ مُذْهِبِ السَّائِلِ , لِأَنَّهُ لَا تَضُرُّهُ مُخالَفَتُهُ , وَلَا تَنْفَعُهُ مُوَافَقَتُهُ , وَإِنَّمَا الْمُعَوَّلُ عَلَى الدَّلِيلِ , وَهَذَا لَا إِشْكَالَ فِيهِ وَأَمَّا السَّائِلُ إِذَا عَارَضَهُ بِمَا هُوَ دَلِيلٌ عِنْدَهُ , وَلَيْسَ بِدَلِيلٍ عِنْدَ الْمَسْئُولِ , مِثْلَ أَنْ يُعَارِضَ خَبَرَهُ الْمُسْنَدَ بِخَبَرٍ مُرْسَلٍ , أَوْ خَبَرِ الْمَعْرُوفِ بِخَبَرِ الْمَجْهُولِ , وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ , وَقَالَ لِلْمَسْئُولِ , إِمَّا أَنْ تُسَلِّمَ ذَلِكَ لِي فَيَكُونُ مُعَارِضًا لِمَا رَوَيْتُهُ , وَإِمَّا أَنْ تَنْقُلَ الْكَلَامَ إِلَى مَسْأَلَةِ الْمُرْسَلِ وَالْمَجْهُولِ , فَهَذَا لَيْسَ لِلسَّائِلِ أَنْ يَقُولَهُ وَيُخَالِفَ الْمَسْئُولَ فِيهِ , لِأَنَّ

السَّائِلَ تَابِعٌ لِلْمَسْئُولِ فِيمَا يُورِدُهُ الْمَسْئُولُ وَيَحْتَجُّ بِهِ , وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ , لِأَنَّهُ لَمَّا سَأَلَهُ عَنْ دَلِيلِهِ الَّذِي دَلَّهُ عَلَى صِحَّةِ مَذْهَبِهِ , وَالطَّرِيقُ الَّذِي أَدَّاهُ إِلَى إِعْتِقَادِهِ , لَزِمَهُ أَنْ يَنْظُرَ مَعَهُ فِيمَا يُورِدُهُ , فَإِنْ كَانَ فَاسِدًا بَيِّنَ فَسَادَهُ , وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَاسِدًا صَارَ إِلَيْهِ وَسَلَّمَهُ لَهُ , وَلِهَذَا الْمَعْنَى جَازَ لِلْمَسْئُولِ أَنْ يَفْرِضَ الْمَسْأَلَةَ حَيْثُ اخْتَارَهُ وَكَانَ السَّائِلُ تَابِعًا لَهُ فِيهِ وَلَمْ يَجُزْ لِلسَّائِلِ أَنْ يَنْقُلَهُ إِلَى جَنْبَةٍ أُخْرَى وَيَفْرِضَ الْكَلَامَ فِيهَا وَيَكْفِي الْمَسْئُولَ إِذَا عَارَضَهُ السَّائِلُ بِمَا لَيْسَ بِدَلِيلٍ عِنْدَهُ , مِثْلَ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنَ التَّمْثِيلِ فِي الْخَبَرِ الْمُرْسَلِ وَخَبَرِ الْمَجْهُولِ أَنْ يَرُدَّهُ بِأَنْ يَقُولَ: هَذَا لَا يَصِحُّ عَلَى أَصْلِي , ثُمَّ هُوَ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ يُبَيِّنَ لِلسَّائِلِ مِنْ أَيِّ وَجْهٍ لَا يَصِحُّ عَلَى أَصْلِهِ , وَبَيْنَ أَنْ يَرُدَّهُ بِمُجَرَّدِ مَذْهَبِهِ , وَقَدْ وَرَدَ الْقُرْآنُ بِذَلِكَ , قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ} [النساء: 171] وَقَالَ: {لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ} [الإخلاص: 3] وَلَمْ يَذْكُرْ فِي الْمَوْضِعَيْنِ تَعْلِيلًا , وَقَالَ تَعَالَى: {مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ} [المؤمنون: 91] فَبَيَّنَ الْعِلَّةَ فِي سُقُوطِ قَوْلِ مَنْ قَالَ: إِنَّ لَهُ وَلَدًا , وَإِنَّ لَهُ شَرِيكًا

فصل وأما السؤال الثالث: وهو السؤال عن وجه الدليل وكيفيته , فإنه ينظر فيه , فإن كان الدليل الذي استدل به غامضا يحتاج إلى بيان وجب السؤال عنه , وإن تجاوزه إلى غيره كان مخطئا , لأنه لا يجوز تسليمه إلا بعد أن ينكشف وجه الدليل منه , من وجهة المسئول على ما

§فَصْلٌ وَأَمَّا السُّؤَالُ الثَّالِثُ: وَهُوَ السُّؤَالُ عَنْ وَجْهِ الدَّلِيلِ وَكَيْفِيَّتِهِ , فَإِنَّهُ يُنْظَرُ فِيهِ , فَإِنْ كَانَ الدَّلِيلُ الَّذِي اسْتَدَلَّ بِهِ غَامِضًا يَحْتَاجُ إِلَى بَيَانٍ وَجَبَ السُّؤَالُ عَنْهُ , وَإِنْ تَجَاوَزَهُ إِلَى غَيْرِهِ كَانَ مُخْطِئًا , لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَسْلِيمُهُ إِلَّا بَعْدَ أَنْ يَنْكَشِفَ وَجْهُ الدَّلِيلِ مِنْهُ , مِنْ وِجْهَةِ الْمَسْئُولِ عَلَى مَا سَأَلَهُ عَنْهُ , وَإِنْ كَانَ الدَّلِيلُ ظَاهِرًا جَلِيًّا لَمْ يَجُزْ هَذَا السُّؤَالُ , وَكَانَ السَّائِلُ عَنْهُ مُتَعَنِّتًا أَوْ جَاهِلًا , مِثَالُ ذَلِكَ: أَنْ يَسْأَلَ سَائِلٌ عَنْ جِلْدِ الْكَلْبِ أَوْ جِلْدٍ مَا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ هَلْ يُطَهَّرُ بِالدِّبَاغِ؟ فَيَقُولُ الْمَسْئُولُ: يُطَهَّرُ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيُّمَا إِهَابٍ دُبِغَ فَقَدْ طَهُرَ فَيَقُولُ السَّائِلُ: مَا وَجْهُ الدَّلِيلِ مِنْهُ؟ فَيَكُونُ مُخْطِئًا فِي هَذَا الْقَوْلِ , لِظُهُورِ مَا سَأَلَهُ عَنْ بَيَانِهِ وَوُضُوحِهِ , وَإِذَا قَصَدَ بَيَانُهُ لَمْ يَزِدْ عَلَى لَفْظِهِ

أَخْبَرَنِي أَبُو الْحَسَنِ: عَلِيُّ بْنُ أَيُّوبَ الْقُمِّيُّ , أنا أَبُو عُبَيْدِ اللَّهِ: مُحَمَّدُ بْنُ عِمْرَانَ الْمَرْزَبَانِيُّ , أنا ابْنُ دُرَيْدٍ , قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو حَاتِمٍ , عَنْ أَبِي زَيْدٍ , قَالَ: §" كَانَ كَيْسَانُ ثِقَةً , وَجَاءَهُ صَبِيٌّ يَقْرَأُ عَلَيْهِ شِعْرًا حَتَّى مَرَّ بِبَيْتٍ فِيهِ ذِكْرُ الْعِيسِ , فَقَالَ لَهُ: مَا الْعِيسُ؟ قَالَ: الْإِبِلُ الْبِيضُ , الَّتِي تَخْلِطُ بَيَاضَهَا حُمْرَةٌ , قَالَ: وَمَا الْإِبِلُ؟ قَالَ: الْجِمَالُ , قَالَ: وَمَا الْجِمَالُ؟ فَقَامَ عَلَى أَرْبَعَةٍ وَرَغَا فِي الْمَسْجِدِ "

فصل وأما السؤال الرابع: وهو السؤال على سبيل الاعتراض والقدح في الدليل , فإن ذلك يختلف على حسب اختلاف الدليل: فإن كان دليله من القرآن كان الاعتراض عليه من ثلاثة أوجه: أحدها: أن ينازعه في كونه محكما , ويدعي أنه منسوخ مثاله: أن يحتج الشافعي , بقول الله

§فَصْلٌ وَأَمَّا السُّؤَالُ الرَّابِعُ: وَهُوَ السُّؤَالُ عَلَى سَبِيلِ الِاعْتِرَاضِ وَالْقَدْحِ فِي الدَّلِيلِ , فَإِنَّ ذَلِكَ يَخْتَلِفُ عَلَى حَسَبِ اخْتِلَافِ الدَّلِيلِ: فَإِنْ كَانَ دَلِيلُهُ مِنَ الْقُرْآنِ كَانَ الِاعْتِرَاضُ عَلَيْهِ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا: أَنْ يُنَازِعَهُ فِي كَوْنِهِ مُحْكَمًا , وَيَدَّعِي أَنَّهُ مَنْسُوخٌ مِثَالُهُ: أَنْ يَحْتَجَّ الشَّافِعِيُّ , بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً} [محمد: 4] فَيَدَّعِي خَصْمُهُ أَنَّهُ مَنْسُوخٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} [التوبة: 5] فَيَقُولُ الْمَسْئُولُ إِذَا أَمْكَنَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا , لَمْ يَجُزْ حَمْلُهُ عَلَى النَّسْخِ وَالثَّانِي: أَنْ يُنَازِعَهُ فِي مُقْتَضَى لَفْظِهِ مِثَالُ ذَلِكَ: أَنْ يَحْتَجَّ الشَّافِعِيُّ عَلَى وُجُوبِ الْإِيتَاءِ مِنْ مَالِ الْكِتَابَةِ , بِقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} [النور: 33] فَيَقُولُ الْمُخَالِفُ: إِنَّهُ إِيتَاءٌ مِنْ مَالِ الزَّكَاةِ دُونَ مَالِ الْكِتَابَةِ , فَيَقُولُ الْمَسْئُولُ: هُوَ خِطَابٌ لِلسَّادَاتِ , لِأَنَّهُ قَالَ: {فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} [النور: 33] فَلَا يَصْلُحُ لِإِيتَاءِ الزَّكَاةِ وَالثَّالِثُ أَنْ يُعَارِضَهُ بِغَيْرِهِ , فَيَحْتَاجُ أَنْ يُجِيبَ عَنْهُ بِمَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يُعَارِضُهُ أَوْ يُرَجِّحُ دَلِيلَهُ عَلَى مَا عَارَضَهُ بِهِ مِثَالُ ذَلِكَ: أَنْ يَحْتَجَّ عَلَى تَحْرِيمِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ بِمِلْكِ

الْيَمِينِ , بِقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ} [النساء: 23] فَيُعَارِضُهُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 3] أَوْ يُعَارِضُهُ بِالسُّنَّةِ وَيَكُونُ جَوَابُ الْمَسْئُولِ مَا ذَكَرْنَاهُ , وَإِنْ كَانَ دَلِيلُهُ مِنَ السُّنَّةِ , فَالِاعْتِرَاضُ عَلَيْهِ مِنْ خَمْسَةِ أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا: أَنْ يُطَالِبَهُ بِإِسْنَادِ حَدِيثِهِ وَالثَّانِي: أَنْ يَقْدَحَ فِي إِسْنَادِهِ وَالثَّالِثُ: أَنْ يَعْتَرِضَ عَلَى مَتْنِهِ وَالرَّابِعُ: أَنْ يَدَّعِيَ نَسْخَهُ وَالْخَامِسُ: أَنْ يُعَارِضَهُ بِخَبَرِ غَيْرِهِ فَأَمَّا الْمُطَالَبَةُ بِإِسْنَادِهِ , فَهِيَ صَحِيحَةٌ , أَنَّهُ لَا حُجَّةَ فِيهِ إِذَا لَمْ يَثْبُتْ إِسْنَادُهُ , وَقَدْ جَرَتْ عَادَةُ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِتَرْكِ الْمُطَالَبَةِ بِالْإِسْنَادِ , وَهَذَا لَا بَأْسَ بِهِ فِي الْأَلْفَاظِ الْمَشْهُورَةِ وَالْأَحَادِيثِ الْمَحْفُوظَةِ الْمُتَدَاوَلَةِ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ , فَأَمَّا الْغَرِيبُ الشَّاذُّ فَإِنَّهُ يَجِبُ الْمُطَالَبَةُ بِإِسْنَادِهِ , فَإِنْ قَالَ الْمُخَالِفُ: هَذَا الْحَدِيثُ ذَكَرَهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِي الْأُصُولِ , أَوْ رَوَاهُ أَبُو يُوسُفَ فِي الْأَمَالِي , لَمْ يَكُنْ فِيهِ حُجَّةٌ , لِأَنَّ أَهْلَ الْعِرَاقِ يَرْوُونَ الْمَرَاسِيلَ وَالْبَلَاغَاتِ وَيَحْتَجُّونَ بِهَا , وَلَا حُجَّةَ فِيهَا عِنْدَنَا , وَأَمَّا الِاعْتِرَاضُ الثَّانِي وَهُوَ: الْقَدْحُ فِي الْإِسْنَادِ فَمِنْ وُجُوهٍ: مِنْهَا: أَنْ يَكُونَ الرَّاوِي غَيْرَ عَدْلٍ وَمِنْهَا: أَنْ يَكُونَ مَجْهُولًا وَمِنْهَا: أَنْ يَكُونَ الْحَدِيثُ مُرْسَلًا

فَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ عَدَمِ الْعَدَالَةِ مِثْلَ أَنْ يَقُولَ فِي الرَّاوِي لَيْسَ بِثِقَةٍ , فَهُوَ أَنَّ السَّبَبَ الْمُوجِبَ لِذَلِكَ يَجِبُ أَنْ يُفَسَّرَ فَرُبَّمَا لَمْ يَكُنْ إِذَا فُسِّرَ يُوجِبُ إِسْقَاطَ الْعَدَالَةِ وَالْجَوَابُ عَمَّنْ قَالَ: رَاوِي خَبَرِكَ مَجْهُولٌ , هُوَ أَنَّ مَنْ رَوَى عَنْهُ رَجُلَانِ عَدْلَانِ خَرَجَ بِذَلِكَ عَنْ أَحَدِ الْجَهَالَةِ عَلَى شَرْطِ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ , فَيَبِينُ أَنَّهُ رَوَى عَنْهُ رَجُلَانِ عَدْلَانِ وَالْجَوَابُ عَمَّنْ قَالَ الْحَدِيثُ مُرْسَلٌ: أَنْ يَبِينَ اتِّصَالُهُ مِنْ وَجْهٍ يَصِحُّ الِاحْتِجَاجُ بِهِ , وَأَمَّا الِاعْتِرَاضُ الثَّالِثُ وَهُوَ عَلَى الْمَتْنِ فَمِنْ وُجُوهٍ: أَحَدُهَا: أَنْ يَكُونَ الْمَتْنُ جَوَابًا عَنْ سُؤَالٍ , وَالسُّؤَالٌ مُسْتَقِلٌّ بِنَفْسِهِ , فَيَدَّعِي الْمُخَالِفُ قِصَرَهُ عَلَى السُّؤَالِ وَالْجَوَابُ عَنْ ذَلِكَ: أَنَّ الِاعْتِبَارَ بِجَوَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دُونَ سُؤَالِ السَّائِلِ , وَقَدْ بَيَّنَّا هَذَا فِي مَوْضِعِهِ وَمِنْ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ الْجَوَابُ غَيْرَ مُسْتَقِلٍّ بِنَفْسِهِ وَيَكُونُ مَقْصُورًا عَلَى السُّؤَالِ , وَيَكُونُ السُّؤَالُ عَنْ فِعْلٍ خَاصٍّ يَحْتَمِلُ مَوْضِعَ الْخِلَافَ وَغَيْرَهُ , فَيُلْزِمُ السَّائِلُ الْمَسْئُولَ التَّوَقُّفَ فِيهِ حَتَّى يَقُومَ الدَّلِيلُ عَلَى الْمُرَادِ بِهِ

مِثَالُ ذَلِكَ: أَنْ يَحْتَجَّ شَافِعِيٌّ فِي وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ عَلَى قَاتِلِ الْعَمْدِ بِمَا: أنا أَبُو الْفَرَجِ عَبْدُ السَّلَامِ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ الْقُرَشِيُّ , أنا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ أَيُّوبَ الطَّبَرَانِيُّ , نا أَبُو زُرْعَةَ الدِّمَشْقِيُّ , نا أَبُو -[86]- مُسْهِرٍ , نا يَحْيَى بْنُ حَمْزَةَ , قَالَ: حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي عَبْلَةَ , قَالَ: حَدَّثَنِي الْغَرِيفُ بْنُ عَيَّاشٍ , عَنْ فَيْرُوزَ الدَّيْلَمِيِّ , عَنْ واثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ , قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزَاةِ تَبُوكَ , فَجَاءَ نَاسٌ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ , فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ , إِنَّ صَاحِبًا لَنَا قَدْ أَوْجَبَ , فَقَالَ: §«أَعْتِقُوا عَنْهُ رَقَبَةً , يَفُكُّ اللَّهُ بِكُلِّ عُضْوٍ مِنْهَا عُضْوًا مِنْهُ مِنَ النَّارِ» وأنا الْقَاضِي أَبُو عُمَرَ الْهَاشِمِيُّ , نا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ اللُّؤْلُؤِيُّ , نا أَبُو دَاوُدَ , نا عِيسَى بْنُ مُحَمَّدٍ الرَّمْلِيُّ , نا ضَمْرَةُ , عَنِ ابْنِ أَبِي عَبْلَةَ , عَنِ الْغَرِيفِ بْنِ الدَّيْلَمِيِّ , قَالَ: أَتَيْنَا واثِلَةَ بْنَ الْأَسْقَعِ , قَالَ: أَتَيْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي صَاحِبٍ لَنَا أَوْجَبَ يَعْنِي: النَّارَ بِالْقَتْلِ فَذَكَرَ بَقِيَّةَ الْحَدِيثِ فَيَقُولُ الْمُخَالِفُ يَحْتَمِلُ هَذَا الْقَتْلَ بِالْمِثْقَلِ وَشِبْهِ الْعَمْدِ فَوَجَبَ التَّوَقُّفُ فِيهِ حَتَّى يَرِدَ الْبَيَانُ، وَيَكُونُ الْجَوَابُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَطْلَقَ الْجَوَابَ وَلَمْ يَسْتَفْصِلْ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْقَتْلُ الْمُوجِبُ لِلنَّارِ مُوجِبًا لِلرَّقَبَةِ عَلَى أَيِّ صِفَةٍ كَانَ

وَمِنْ ذَلِكَ: الْحَدِيثُ الَّذِي أناه الْقَاضِي أَبُو الْفَرَجِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَسَنِ الشَّافِعِيُّ , نا أَحْمَدُ بْنُ سَلْمَانَ الْفَقِيهُ , نا مُحَمَّدُ بْنُ غَالِبٍ , نا أَبُو حُذَيْفَةَ , أنا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ , عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ , عَنْ أَبِي قِلَابَةَ , عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ , قَالَ: §«أُمِرَ بِلَالٌ أَنْ يَشْفَعَ , الْأَذَانَ وَيُوتِرَ الْإِقَامَةَ» إِذَا احْتَجَّ بِهِ الشَّافِعِيُّ عَلَى إِيتَارِ الْإِقَامَةِ , فَقَالَ الْمُخَالِفُ: لَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ الْآمِرِ مَنْ هُوَ؟ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أَمَرَ بِهِ بَعْضُ أُمَرَاءِ بَنِي أُمَيَّةِ فَالْجَوَابُ: أَنَّ هَذَا خَطَأٌ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَأْمُرَ بَعْضُ الْأُمَرَاءِ بِتَغْيِيرِ إِقَامَةٍ فَعَلَهَا بِلَالٌ بِأَمْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَمَانًا طَوِيلًا , وَبَيْنَ يَدَيْ أَبِي بَكْرٍ وُعُمَرَ , عَلَى أَنَّ بِلَالًا لَمْ يَعِشْ إِلَى وِلَايَةِ بَنِي أُمَيَّةَ , وَإِنَّمَا مَاتَ فِي خِلَافَةِ عُمَرَ , وَلَوْ أَمَرَ بِلَالًا آمِرٌ بِتَغْيِيرِ الْإِقَامَةِ لَمْ يَقْبَلْ أَمْرَهُ , وَلَوْ قَبِلَهُ بِلَالٌ لَمْ يَرْضَ بِذَلِكَ سَائِرُ الصَّحَابَةِ , وَقَدْ:

أنا أَبُو بَكْرٍ الْبُرْقَانِيُّ , قَالَ: قَرَأْنَا عَلَى عُمَرَ بْنِ نُوحٍ الْبَجَلِيِّ , حَدَّثَكُمُ الْفِرْيَابِيُّ , نا إِبْرَاهِيمُ بْنُ حَجَّاجٍ السَّامِيُّ , نا وُهَيْبٌ , عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ , عَنْ أَبِي قِلَابَةَ , عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ , قَالَ: " §لَمَّا كَثُرَ النَّاسُ ذَكَرُوا شَيْئًا يَعْلَمُونَ بِهِ وَقْتَ الصَّلَاةِ , فَقَالُوا: يُورُوا نَارًا أَوْ يَضْرِبُوا نَاقُوسًا , قَالَ: فَأُمِرَ بِلَالٌ أَنْ يَشْفَعَ الْأَذَانَ -[88]- وَيُوتِرَ الْإِقَامَةَ " أَوْرَدَ الْبُخَارِيُّ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ هَذَا الْحَدِيثَ فِي كِتَابِهِ الصَّحِيحِ , وَذِكْرُ هَذَا السَّبَبِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْآمِرَ هُوَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , إِذْ كَانَ ذَلِكَ فِي صَدْرِ الْإِسْلَامِ , وَقَدْ رُوِيَ بِلَفْظٍ صَرِيحٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِلَالًا أَنْ يُوتِرَ الْإِقَامَةَ:

أَخْبَرَنِيهِ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عُثْمَانَ الصَّيْرَفِيُّ , نا عَلِيُّ بْنُ عُمَرَ الْخُتَّلِيُّ , نا أَبُو حَمْزَةَ: أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عِمْرَانَ الْمَرْوَزِيُّ , أنا أَحْمَدُ بْنُ سَيَّارٍ , أنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُثْمَانَ , عَنْ خَارِجَةَ , عَنْ أَيُّوبَ , عَنْ أَبِي قِلَابَةَ , عَنْ أَنَسٍ: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ §أَمَرَ بِلَالًا أَنْ يَشْفَعَ الْأَذَانَ وَيُوتِرَ الْإِقَامَةَ» وَأَمَّا الِاعْتِرَاضُ الرَّابِعُ , وَهُوَ دَعْوَى النَّسْخِ

فَمِثَالُهُ مَا: أنا الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ إِسْمَاعِيلَ الدَّاوُدِيُّ , أنا عُمَرُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عُثْمَانَ الْوَاعِظُ , نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ هُوَ الْبَغَوِيُّ، نا مُحَمَّدُ بْنُ زِيَادِ بْنِ فَرْوَةَ , نا مُلَازِمُ بْنُ عَمْرٍو , عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بَدْرٍ , عَنْ قَيْسِ بْنِ طَلْقٍ , عَنْ أَبِيهِ , قَالَ: خَرَجْنَا وَفْدًا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى قَدِمْنَا عَلَيْهِ , فَبَايَعْنَاهُ وَصَلَّيْنَا مَعَهُ , فَجَاءَ رَجُلٌ , كَأَنَّهُ بَدَوِيٌّ , فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا تَرَى فِي مَسِّ الرَّجُلِ ذَكَرَهُ فِي الصَّلَاةِ؟ فَقَالَ -[89]-: §«وَهَلْ هُوَ إِلَّا مُضْغَةٌ مِنْكَ أَوْ بَضْعَةٌ مِنْكَ» فَقَالَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ: هَذَا الْحَدِيثُ مَنْسُوخٌ بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ

أَخْبَرَنِي أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَرَجِ بْنِ عَلِيٍّ الْبَزَّازُ , أنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ جَعْفَرٍ الْخُرْقِيُّ , نا أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ الْجَعْدِ , نَا يَعْقُوبُ بْنُ حُمَيْدٍ , نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَافِعٍ , عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ , عَنْ أَبِي مُوسَى الْخَيَّاطِ , عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ , عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ , أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , قَالَ: «§إِذَا مَسَّ أَحَدُكُمْ ذَكَرَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ» قَالَ الشَّافِعِيُّونَ: رَاوِي هَذَا الْحَدِيثِ مُتَأَخِّرٌ , وَهُوَ أَبُو هُرَيْرَةَ , فَإِنَّهُ صَحِبَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثَ سِنِينَ , وَقَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هَلْ هُوَ إِلَّا بَضْعَةٌ مِنْكَ مُتَقَدِّمٌ , فَإِنَّ قَيْسَ بْنَ طَلْقٍ رَوَى عَنْ أَبِيهِ , قَالَ: قَدِمْتُ -[90]- عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يُؤَسِّسُ مَسْجِدَ الْمَدِينَةِ , فَوَجَبَ أَنْ يَنْسَخَ الْمُتَقَدِّمَ بِالْمُتَأَخِّرِ، قُلْتُ: وَفِي هَذَا الْقَوْلِ عِنْدِي نَظَرٌ , لِأَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ , يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ سَمِعَ الْحَدِيثَ الَّذِي رَوَاهُ مِنْ صَحَابِيٍّ قَدِيمِ الصُّحْبَةِ , وَأَرْسَلَهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَيَكُونُ حَدِيثُهُ وَحَدِيثُ طَلْقٍ مُتَعَارِضَيْنِ , لَيْسَ أَحَدُهُمَا بِنَاسِخٍ لِلْآخَرِ , فَيَحْتَاجُ إِلَى اسْتِعْمَالِ التَّرْجِيحِ فِيهِمَا , وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا الِاعْتِرَاضُ الْخَامِسُ وَهُوَ مُعَارَضَةُ الْخَبَرِ بِخَبَرِ غَيْرِهِ فَيَكُونُ الْجَوَابُ عَنْهُ: بِأَنْ يُسْقِطَ الْمَسْئُولُ مُعَارَضَةَ السَّائِلِ , أَوْ يُرَحِّجَ خَبَرَهُ , وَقَدْ ذَكَرْنَا مَا تَرْجَحُ بِهِ الْأَخْبَارُ فِي كِتَابِ الْكِفَايَةِ

فصل وإن كان دليله الإجماع , فإن الاعتراض عليه من ثلاثة أوجه: أحدها: أن يطالب بظهور القول لكل مجتهد من الصحابة

§فَصْلٌ وَإِنْ كَانَ دَلِيلُهُ الْإِجْمَاعَ , فَإِنَّ الِاعْتِرَاضَ عَلَيْهِ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا: أَنُ يُطَالِبَ بِظُهُورِ الْقَوْلِ لِكُلِّ مُجْتَهِدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ

مِثَالُ ذَلِكَ مَا: أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ , أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْبَغَوِيُّ , أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ , نا أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلَّامٍ , حَدَّثَنَا الْأَنْصَارِيُّ , عَنْ إِسْرَائِيلَ , عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الْأَعْلَى , عَنْ سُوَيْدِ بْنِ غَفْلَةَ , أَنَّ بِلَالًا , قَالَ لِعُمَرَ: §«إِنَّ عُمَّالَكَ يَأْخُذُونَ الْخَمْرَ وَالْخَنَازِيرَ فِي الْخَرَاجِ» , فَقَالَ: لَا تَأْخُذُوهَا مِنْهُمْ , وَلَكِنْ وَلُّوهُمْ بَيْعَهَا وَخُذُوا أَنْتُمُ الثَّمَنَ فَاحْتَجَّ أَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى أَنَّ الْخَمْرَ مَالٌ فِي حَقِّ أَهْلِ الذِّمَّةِ , يَصِحُّ بَيْعُهُمْ لَهَا وَتَمَلُّكُهُمْ لِثَمَنِهَا , فَطَالَبَهُمْ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ بِظُهُورِ هَذَا الْقَوْلِ مِنْ عُمَرَ وَانْتِشَارِهِ , حَتَّى عَرَفَهُ كُلُّ مُجْتَهِدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ وَسَكَتَ عَنْ مُخَالَفَتِهِ , وَإِذَا لَمْ يَتَمَكَّنُوا مِنْ ذَلِكَ بَطَلَ دَعْوَى الْإِجْمَاعِ فِيهِ وَالِاعْتِرَاضُ الثَّانِي: أَنْ يُبَيِّنَ ظُهُورَ خِلَافِ بَعْضِ الصَّحَابَةِ -[92]- وَذَلِكَ مِثَالُ مَا:

أَخْبَرَنَا الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ طَاهِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الطَّبَرِيُّ , أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ عُمَرَ الْحَافِظُ , نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْبَغَوِيُّ , نا سَعِيدُ بْنُ يَحْيَى الْأُمَوِيُّ , نا أَبِي , نا ابْنُ جُرَيْجٍ , أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ , قَالَ: سَأَلْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ عَنِ الرَّجُلِ , يُطَلِّقُ امْرَأَتَهُ فَيَبُتُّهَا ثُمَّ يَمُوتُ فِي عِدَّتِهَا؟ فَقَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ: §«طَلَّقَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ امْرَأَتَهُ تَمَاضُرَ بِنْتَ الْأَصْبَغِ الْكَلْبِيِّ , ثُمَّ مَاتَ , وَهِيَ فِي عِدَّتِهَا فَوَرَّثَهَا عُثْمَانُ» فَاحْتَجَّ أَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ , بِأَنَّ الصَّحَابَةَ أَجْمَعَتْ عَلَى تَوْرِيثِ تَمَاضُرَ , هِيَ مَبْتُوتَةٌ فِي الْمَرَضِ

فَقَالَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ: قَدْ خَالَفَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ: فَرَوَى الشَّافِعِيُّ , عَنِ ابْنِ أَبِي رَوَّادٍ , ومُسْلِمِ بْنِ خَالِدٍ , عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ , عَنِ ابْنِ الزُّبَيْرِ , أَنَّهُ قَالَ: §«طَلَّقَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ امْرَأَتَهُ تَمَاضُرَ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ , وَمَاتَ وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ , فَوَرِثَهَا عُثْمَانُ» قَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ -[93]-: وَأَمَّا أَنَا فَلَا أَرَى أَنْ تَرِثَ مَبْتُوتَةٌ قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ أَبُو بَكْرٍ صَانَ اللَّهُ قَدْرَهُ: وَحَدِيثُ الشَّافِعِيِّ هَذَا قَدْ ذَكَرْنَاهُ بِإِسْنَادِهِ فِي كِتَابِ الْأَسْمَاءِ الْمُبْهَمَةِ فِي الْأَنْبَاءِ الْمُحْكَمَةِ , قَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ: وَأَمَّا أَنَا فَلَا أَرَى أَنْ تَرِثَ مَبْتُوتَةٌ وَالِاعْتِرَاضُ الثَّالِثُ: أَنْ يَعْتَرِضَ عَلَى قَوْلِ الْمُجْمِعِينَ , إِنْ لَمْ يَكُونُوا صَرَّحُوا بِالْحُكْمِ , بِمِثْلِ مَا يُعْتَرَضُ عَلَى لَفْظِ السُّنَّةِ

فصل وإن كان دليله الذي احتج به هو القياس , فإن الاعتراض عليه من وجوه: أحدها: أن يكون مخالفا لنص القرآن , أو نص السنة , أو الإجماع , وإذا كان كذلك , فإنه قياس غير صحيح , لأن ما ذكرناه أقوى من القياس , وأولى منه , فوجب تقديمها عليه، ومنها: أن تكون

§فَصْلٌ وَإِنْ كَانَ دَلِيلُهُ الَّذِي احْتَجَّ بِهِ هُوَ الْقِيَاسُ , فَإِنَّ الِاعْتِرَاضَ عَلَيْهِ مِنْ وُجُوهٍ: أَحَدُهَا: أَنْ يَكُونَ مُخَالِفًا لِنَصِّ الْقُرْآنِ , أَوْ نَصِّ السُّنَّةِ , أَوِ الْإِجْمَاعِ , وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ , فَإِنَّهُ قِيَاسٌ غَيْرُ صَحِيحٍ , لِأَنَّ مَا ذَكَرْنَاهُ أَقْوَى مِنَ الْقِيَاسِ , وَأَوْلَى مِنْهُ , فَوَجَبَ تَقْدِيمُهَا عَلَيْهِ، وَمِنْهَا: أَنْ تَكُونَ الْعِلَّةُ مُنْضَوِيَةً لِمَا لَا يَثْبُتُ بِالْقِيَاسِ , كَأَقَلِّ الْحَيْضِ وَأَكْثَرِهِ , فَيَدُلُّ ذَلِكَ عَلَى فَسَادِهَا وَمِنْهَا: إِنْكَارُ الْعِلَّةِ فِي الْأَصْلِ وَفِي الْفَرْعِ , مِثْلَ قَوْلِ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ: إِذَا لَمْ يَصُمِ الْمُتَمَتِّعُ فِي الْحَجِّ سَقَطَ الصَّوْمُ , لِأَنَّهُ بَدَلٌ مُؤَقَّتٌ , فَوَجَبَ أَنْ يَسْقُطَ بِفَوَاتِ وَقْتِهِ , أَصْلُ ذَلِكَ صَلَاةُ الْجُمُعَةِ وَعِلَّةُ الْأَصْلِ غَيْرُ مُسَلَّمَةٍ , لِأَنَّ الْجُمُعَةَ لَيْسَتْ بِبَدَلٍ عَنِ الظُّهْرِ , وَإِنَّمَا الظُّهْرُ بَدَلٌ عَنِ الْجُمُعَةِ , وَكَذَلِكَ عِلَّةُ الْفَرْعِ غَيْرُ مُسَلَّمَةٍ , لِأَنَّ صَوْمَ الثَّلَاثَةِ الْأَيَّامِ فِي الْحَجِّ بَدَلٌ غَيْرُ مُؤَقَّتٍ , لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ فِي الْحَجِّ دُونَ الزَّمَانِ , وَالْمُؤَقَّتُ مَا خُصَّ فِعْلُهُ بِوَقْتٍ بِعَيْنِهِ , وَمِنْهَا: أَنْ يُعَارِضَ النُّطْقَ بِالنُّطْقِ مِثْلَ أَنْ يَحْتَجَّ عَلَى الْمَنْعِ مِنَ الْجَمْعِ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ بِمِلْكِ الْيَمِينِ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ} [النساء: 23] فَيُعَارِضُهُ الْمُخَالِفُ بِقَوْلُهُ تَعَالَى: {مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ} [المؤمنون

: 6] فَيَقُولُ الْمَسْئُولُ: مَعْنَاهُ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانَهُمْ , فِي غَيْرِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ فَيَقُولُ السَّائِلُ: مَعْنَى قَوْلِهِ: وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ فِي غَيْرِ مِلْكِ الْيَمِينِ فَيَحْتَاجُ الْمَسْئُولُ إِلَى تَرْجِيحِ اسْتِعْمَالِهِ , وَتَقْدِيمِهِ عَلَى اسْتِعْمَالِ خَصْمِهِ , فَإِنْ عَجَزَ عَنْ ذَلِكَ كَانَ مُنْقَطِعًا , وَوَجْهُ التَّرْجِيحِ أَنْ يَقُولَ: رُوِيَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ , أَنَّهُ قَالَ: حَرَّمَتْهَا آيَةٌ , وَأَحَلَّتْهَا آيَةٌ , وَالتَّحْرِيمُ أَوْلَى وَلِأَنَّ قَوْلَهُ: {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ} [النساء: 23] قَصَدَ بِهِ بَيَانَ التَّحْرِيمِ , وَلَيْسَ كَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} [المؤمنون: 6] فَإِنَّهُ قَصَدَ بِهِ مَدْحَ قَوْمٍ , فَكَانَ مَا قَصَدَ بِهِ التَّحْرِيمَ , وَبَيَانُ الْحُكْمِ أَوْلَى بِالتَّقْدِيمِ , وَيَجِبُ حَمْلُهُ عَلَى ظَاهِرِهِ , وَتَرَتُّبُ الْآيَةِ الْأُخْرَى عَلَيْهِ , وَلِلْاعْتِرَضَاتِ عَلَى الْقِيَاسِ وُجُوهٌ كَثِيرَةٌ اقْتَصَرْنَا مِنْهَا عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ

أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي جَعْفَرٍ , وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي عَلِيٍّ , قَالَ: أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْبَرْذَعِيُّ , نا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي حَاتِمٍ , نا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ , قَالَ: سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ , يَقُولُ: قَالَ رَبِيعَةُ: يَعْنِي ابْنَ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ: §«مَنْ أَفْطَرَ يَوْمًا مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ , قَضَى اثْنَيْ عَشَرَ يَوْمًا , لِأَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى , اخْتَارَ شَهْرَ رَمَضَانَ مِنِ اثْنَيْ عَشَرَ شَهْرًا» قَالَ الشَّافِعِيُّ: يُقَالُ لَهُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ -[96]- شَهْرٍ فَمَنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يُصَلِّيَ أَلْفَ شَهْرٍ , عَلَى قِيَاسِ قَوْلِهِ وَهَذِهِ فُصُولٌ مَنْثُورَةٌ , لَهَا أَمْثِلَةٌ فِي الْقُرْآنِ , يَحْتَاجُ إِلَى مَعْرِفَتِهَا أَهْلُ النَّظَرِ

فصل يجوز للسائل أن يسأل الخصم , فيقول له: ما تقول في كذا؟ ويفوض الجواب إليه , وإن كان عالما بجوابه قال الله تعالى مخبرا عن إبراهيم عليه السلام: إذ قال لأبيه وقومه ما تعبدون قالوا نعبد أصناما وذلك معلوم له من جوابهم , وهذا يسمى سؤال التفويض , ولو سأل

§فَصْلٌ يَجُوزُ لِلسَّائِلِ أَنْ يَسْأَلَ الْخَصْمَ , فَيَقُولَ لَهُ: مَا تَقُولُ فِي كَذَا؟ وَيُفَوِّضُ الْجَوَابَ إِلَيْهِ , وَإِنْ كَانَ عَالِمًا بِجَوَابِهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى مُخْبِرًا عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا تَعْبُدُونَ قَالُوا نَعْبُدُ أَصْنَامًا وَذَلِكَ مَعْلُومٌ لَهُ مِنْ جَوَابِهِمْ , وَهَذَا يُسَمَّى سُؤَالَ التَّفْوِيضِ , وَلَوْ سَأَلَ سُؤَالَ حُجَّةٍ فَقَالَ: لِمَ عَبَدْتُمُ الْأَصْنَامَ؟ أَوْ لِمَ قُلْتُمْ إِنَّهَا تُعْبَدُ؟ لِعِلْمِهِ بِقَوْلِهِمْ أَنَّهُ كَذَلِكَ جَازَ , قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا

فصل إذا ذكر المجادل جواب أقسام قسمها , أو ألزم أسئلة سألها , فليس عليه أن يرتب جوابه , بل يجوز أن يذكر جواب سؤال متقدم أو متأخر , ويأتي بالآخر من غير ترتيب , قال الله تعالى: يوم تبيض وجوه وتسود وجوه فقسم الوجوه قسمين بدأ منهما بذكر المبيضة وجوههم , ثم

§فَصْلٌ إِذَا ذَكَرَ الْمُجَادِلُ جَوَابَ أَقْسَامٍ قَسَمَهَا , أَوْ أُلْزِمَ أَسْئِلَةٍ سَأَلَهَا , فَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يُرَتِّبَ جَوَابَهُ , بَلْ يَجُوزُ أَنْ يَذْكُرَ جَوَابَ سُؤَالٍ مُتَقَدِّمٍ أَوْ مُتَأَخِّرٍ , وَيَأْتِي بِالْآخَرِ مِنْ غَيْرِ تَرْتِيبٍ , قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ} [آل عمران: 106] فَقَسَمَ الْوُجُوهَ قِسْمَيْنِ بَدَأَ مِنْهُمَا بِذِكْرِ الْمُبْيَضَّةِ وُجُوهُهُمْ , ثُمَّ ذَكَرَ أَوَّلًا حُكْمَ الْقِسْمِ الثَّانِي , فَقَالَ: {فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ} [آل عمران: 106]

فصل التقسيم على ضربين كلاهما جائز: أحدهما: أن يقسم المقسم حال الشيء , فيذكر جميع أقسامه , ثم يرجع فيذكر حكم كل قسم , كما فعلنا في تقسيم الأسئلة والجوابات , ووصف وجوه المطاعن والمعارضات والضرب الثاني: أن يذكر قسما ثم يذكر حكمه ثم يذكر القسم الآخر ثم

§فَصْلٌ التَّقْسِيمُ عَلَى ضَرْبَيْنِ كِلَاهُمَا جَائِزٌ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَقْسِمَ الْمُقْسِمُ حَالَ الشَّيْءِ , فَيَذْكُرُ جَمِيعَ أَقْسَامِهِ , ثُمَّ يَرْجِعُ فَيَذْكُرُ حُكْمَ كُلِّ قِسْمٍ , كَمَا فَعَلْنَا فِي تَقْسِيمِ الْأَسْئِلَةِ وَالْجَوَابَاتِ , وَوَصْفِ وُجُوهِ الْمَطَاعِنِ وَالْمُعَارَضَاتِ وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ يَذْكُرَ قِسْمًا ثُمَّ يَذْكُرُ حُكْمَهُ ثُمَّ يَذْكُرُ الْقِسْمَ الْآخَرَ ثُمَّ يَذْكُرُ حُكْمَهُ وَقَدْ وَرَدَ الْقُرْآنُ بِالْجَمِيعِ , قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ} [آل عمران: 106] فَفَرَغَ مِنْ ذِكْرِ الْقِسْمَيْنِ ثُمَّ رَجَعَ فَذَكَرَ حُكْمَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَقَالَ فِي الْقَارِعَةِ: {فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ} [القارعة: 7] فَذَكَرَ الْقِسْمَ وَحُكْمَهُ , ثُمَّ ذَكَرَ الْقِسْمَ الْآخَرَ وَحُكْمَهُ فَقَالَ: {وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ} [القارعة: 8]

فصل قد يعبر السائل عن المسألة بالاسم الذي يعرف به المسألة ولا يكون ذلك تسليما منه للاسم فيها كقائل سأل حنفيا فقال: لم قلت: إن الطهارة بغير نية تصح؟ فليس للحنفي أن يقول قد سلمت لي أنها طهارة في لفظ سؤالك , ومسألتك عن بطلانها بفقد النية دعوى , فقد سقط

§فَصْلٌ قَدْ يُعَبِّرُ السَّائِلُ عَنِ الْمَسْأَلَةِ بِالِاسْمِ الَّذِي يُعْرَفُ بِهِ الْمَسْأَلَةُ وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ تَسْلِيمًا مِنْهُ لِلِاسْمِ فِيهَا كَقَائِلٍ سَأَلَ حَنَفِيًّا فَقَالَ: لِمَ قُلْتَ: إِنَّ الطَّهَارَةَ بِغَيْرِ نِيَّةٍ تَصِحُّ؟ فَلَيْسَ لِلْحَنَفِيِّ أَنْ يَقُولَ قَدْ سَلَّمْتَ لِي أَنَّهَا طَهَارَةٌ فِي لَفْظِ سُؤَالِكَ , وَمَسْأَلَتِكَ عَنْ بُطْلَانِهَا بِفَقْدِ النِّيَّةِ دَعْوَى , فَقَدْ سَقَطَ عَنِّي إِقَامَةُ الْحِجَّةِ فِي كَوْنِهَا طَهَارَةً , فَإِنْ قَالَ ذَلِكَ , فَلِلسَّائِلِ أَنْ يَقُولَ: أَنَا لَمُ أُسَلِّمْ أَنَّهَا طَهَارَةٌ وَلَكِنَّ تَقْدِيرَ سُؤَالِي: هَذِهِ الَّتِي تَقُولُ أَنْتَ أَنَّهَا طَهَارَةٌ , لِمَ زَعَمْتَ أَنَّهَا تَصِحُّ بِغَيْرِ نِيَّةٍ؟ فَلَا تُؤَخِذْنِي بِلَفْظٍ أَنَا مُفْتَقِرٌ إِلَيْهِ فِي تَعْرِيفِكَ الْمَسْأَلَةَ , وَبِهَذِهِ الْعِبَارَةِ تَتَعَيَّنُ , وَقَدْ وَرَدَ الْقُرْآنُ بِذَلِكَ , قَالَ اللَّهُ تَعَالَى مُخْبِرًا عَنْ فِرْعَوْنَ أَنَّهُ قَالَ: {إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ} [الشعراء: 27] فَلَمْ يَقُلْ لَهُ مُوسَى: قَدِ اعْتَرَفْتَ بِأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ وَادَّعَيْتَ أَنِّي مَجْنُونٌ , فَلَا يُقْبَلُ ذَلِكَ مِنْكَ , وَقَدْ سَقَطَ عَنِّي قِيَامُ الدَّلَالَةِ عَلَى رِسَالَتِي بِتَسْمِيَتِكَ أَنِّي رَسُولٌ إِلَيْهِمْ , وَتَقْدِيرُهُ إِنَّ الَّذِي يَقُولُ: إِنِّي أُرْسِلْتُ إِلَيْكُمْ

فصل يجوز لمن طولب بمقدمة في كلامه أن يشترط على من طالبه بها الالتزام لما تقتضيه المقدمة والعمل بحكمها والوفاء بمقتضاها , قال الله تعالى: إذ قال الحواريون يا عيسى ابن مريم هل يستطيع ربك أن ينزل علينا مائدة من السماء قال اتقوا الله إن كنتم مؤمنين إلى أن

§فَصْلٌ يَجُوزُ لِمَنْ طُولِبَ بِمُقَدِّمَةٍ فِي كَلَامِهِ أَنْ يَشْتَرِطَ عَلَى مَنْ طَالَبَهُ بِهَا الِالْتِزَامَ لِمَا تَقْتَضِيهِ الْمُقَدِّمَةُ وَالْعَمَلُ بِحُكْمِهَا وَالْوَفَاءُ بِمُقْتَضَاهَا , قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ قَالَ اتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [المائدة: 112] إِلَى أَنْ قَالَ: {قَالَ اللَّهُ إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ} [المائدة: 115] وَقَدْ وَعَدْتُمْ أَنِّي إِذَا أَنْزَلْتُهَا اطْمَأَنَّتْ قُلُوبُكُمْ , وَعَلِمْتُمْ أَنَّكُمْ قَدْ صَدَقْتُمْ وَتَكُونُوا عَلَيْهَا مِنَ الشَّاهِدِينَ فَاعْلَمُوا إِنِّي إِذًا أَنْزَلْتُهَا عَلَيْكُمْ فَمَنْ يَكْفُرُ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لَا أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ

فصل يجوز للمتكلم تقديم علة الحكم , ثم يعقب ذلك بالحكم , ويجوز أن يقدم الحكم ثم يذكر علته , قال الله تعالى: ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض فقدم العلة قبل الفتوى بحكم ما سئل عنه , وقدم الحكم في موضع آخر , فقال: فطلقوهن لعدتهن

§فَصْلٌ يَجُوزُ لِلْمُتَكَلِّمِ تَقْدِيمُ عِلَّةِ الْحُكْمِ , ثُمَّ يُعْقِبُ ذَلِكَ بِالْحُكْمِ , وَيَجُوزُ أَنْ يُقَدِّمَ الْحُكْمِ ثُمَّ يَذْكُرُ عِلَّتَهُ , قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ} [البقرة: 222] فَقَدَّمَ الْعِلَّةَ قَبْلَ الْفَتْوَى بِحُكْمِ مَا سُئِلَ عَنْهُ , وَقَدَّمَ الْحُكْمِ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ , فَقَالَ: {فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ} [الطلاق: 1] ثُمَّ عَلَّلَ , فَقَالَ: {لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا} [الطلاق: 1]

فصل يجوز للمتكلم إذا عين في نوبة من كلامه شيئا ثم أعاد النوبة أن يعيد ما كان عينه بلفظ مبهم , قال الله تعالى: إلا عجوزا في الغابرين ولم يعين من هي العجوز , وذلك بعد ما عينها في قوله: إنا منجوك وأهلك إلا امرأتك كانت من الغابرين

§فَصْلٌ يَجُوزُ لِلْمُتَكَلِّمِ إِذَا عَيَّنَ فِي نَوْبَةٍ مِنْ كَلَامِهِ شَيْئًا ثُمَّ أَعَادَ النَّوْبَةَ أَنْ يُعِيدَ مَا كَانَ عَيَّنَهُ بِلَفْظٍ مُبْهَمٍ , قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِلَّا عَجُوزًا فِي الْغَابِرِينَ} [الشعراء: 171] وَلَمْ يُعَيِّنْ مَنْ هِيَ الْعَجُوزُ , وَذَلِكَ بَعْدَ مَا عَيَّنَهَا فِي قَوْلِهِ: {إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ إِلَّا امْرَأَتَكَ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ} [العنكبوت: 33]

فصل يجوز للمتكلم إذا عادت نوبته في النظر واقتضى الكلام إعادة مثل ما تقدم أن يقول لخصمه: هذا قد تكلمت به أولا وقد تقدم جوابي عنه , فأغنى عن إعادته طلبا للتخفيف , قال الله تعالى: وعلى الذين هادوا حرمنا ما قصصنا عليك من قبل ولم يعده اكتفاء بما تقدم

§فَصْلٌ يَجُوزُ لِلْمُتَكَلِّمِ إِذَا عَادَتْ نَوْبَتُهُ فِي النَّظَرِ وَاقْتَضَى الْكَلَامُ إِعَادَةَ مِثْلِ مَا تَقَدَّمَ أَنْ يَقُولَ لِخَصْمِهِ: هَذَا قَدْ تَكَلَّمْتَ بِهِ أَوَّلًا وَقَدْ تَقَدَّمَ جَوَابِي عَنْهُ , فَأَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ طَلَبًا لِلتَّخْفِيفِ , قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا مَا قَصَصْنَا عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ} [النحل: 118] وَلَمْ يُعِدْهُ اكْتِفَاءً بِمَا تَقَدَّمَ

فصل كثيرا يجري من المناظر في حال الكلام واشتداد الخاطر , إذا وثق بما يقول أن يحلف عليه فيقول: والله , إنه لصحيح , فيقول له الخصم: ليس في يدك حجة , وهذا شيء لا يجيء بالإيمان , وخصمك أيضا يحلف على ضد ما تقول؟ فجوابه أن يقول: ما حلفت ليلزمك يميني حجة ,

§فَصْلٌ كَثِيرًا يَجْرِي مِنَ الْمُنَاظِرِ فِي حَالِ الْكَلَامِ وَاشْتِدَادِ الْخَاطِرِ , إِذَا وَثِقَ بِمَا يَقُولُ أَنْ يَحْلِفَ عَلَيْهِ فَيَقُولُ: وَاللَّهِ , إِنَّهُ لَصَحِيحٌ , فَيَقُولُ لَهُ الْخَصْمُ: لَيْسَ فِي يَدِكَ حُجَّةٌ , وَهَذَا شَيْءٌ لَا يَجِيءُ بِالْإِيمَانِ , وَخَصْمُكَ أَيْضًا يَحْلِفُ عَلَى ضِدِّ مَا تَقُولُ؟ فَجَوَابُهُ أَنْ يَقُولَ: مَا حَلَفْتُ لِيُلْزَمَكَ يَمِينِي حُجَّةً , وَلَا أَرَدْتُ ذَلِكَ , وَلَكِنْ أَرَدْتُ أَنْ أُعْلِمَكَ ثِقَتِي بِمَا أَقُولُهُ , وَسُكُونَ نَفْسِي إِلَيْهِ , وَتَصَوُّرِي لَهُ عَلَى حَدِّ التَّقْرِيرِ وَلَيْسَ ذَلِكَ بِمُنْكَرٍ , قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ} [الذاريات: 23] وَقَالَ: {فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ} [الحجر: 92] وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: هَذَا الْقَسَمُ مِنَ اللَّهِ لَا فَائِدَةَ فِيهِ , لِأَنَّ الْيَمِينَ فِي ذَلِكَ , وَإِنْ كَانَ لَا يُخْصَمُ بِهَا الْمُلْحِدُ , فَإِنَّهَا تُضْعِفُ نَفْسَهُ , وَتُقَوِّي نَفْسَ الْمُوَافِقَ

وَقَدْ جَاءَ مِثْلُهُ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ , فِيمَا: أنا الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحَرَشِيُّ , أنا أَبُو عَلِيٍّ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ مَعْقِلٍ الْمَيْدَانِيُّ , نَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى هُوَ الذُّهْلِيُّ , نَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى , أنا الْأَعْمَشُ , عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ , عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ , قَالَ سَمِعْتُ عَلِيًّا , يَقُولُ: وَالَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ , وَبَرَأَ النَّسْمَةَ , إِنَّهُ لَعَهْدُ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيَّ: «أَنَّهُ §لَا يُحِبُّكُ إِلَّا مُؤْمِنٌ وَلَا يُبْغِضُكَ إِلَّا مُنَافِقٌ»

فصل قد يشبه الخصم لخصمه الحق عنده بما هو حق عنده أيضا , فيقول: هذا عندي مثل أن الشمس طالعة , أو هذا واجب , كوجوب الصلاة الخمس , قال الله تعالى: فورب السماء والأرض إنه لحق مثل ما أنكم تنطقون وليس هذا مثال حجاج , وإنما هو مثال تشبيه , أي أن حكم هذا عندي

§فَصْلٌ قَدْ يُشَبِّهُ الْخَصْمُ لِخَصْمِهِ الْحَقَّ عِنْدَهُ بِمَا هُوَ حَقٌّ عِنْدَهُ أَيْضًا , فَيَقُولُ: هَذَا عِنْدِي مِثْلُ أَنَّ الشَّمْسَ طَالِعَةٌ , أَوْ هَذَا وَاجِبٌ , كَوُجُوبِ الصَّلَاةِ الْخَمْسِ , قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ} [الذاريات: 23] وَلَيْسَ هَذَا مِثَالَ حِجَاجٍ , وَإِنَّمَا هُوَ مِثَالُ تَشْبِيهٍ , أَيْ أَنَّ حُكْمَ هَذَا عِنْدِي فِي الْوُضُوحِ وَالصِّحَّةِ حُكْمُ مَا تُشَاهِدُونَ مِنْ نُطْقِكُمْ

فصل قد يمثل الخصم لخصمه قوله بقول باطل عنده , ليعلم خصمه بطلان قوله , كبطلان ما مثله به , قال الله تعالى: يا أيها الذين آمنوا لا تتولوا قوما غضب الله عليهم قد يئسوا من الآخرة كما يئس الكفار من أصحاب القبور وتقديره: إنكم في إياسكم من الآخرة كما يئس

§فَصْلٌ قَدْ يُمَثِّلُ الْخَصْمُ لِخَصْمِهِ قَوْلَهُ بِقَوْلٍ بَاطِلٍ عِنْدَهُ , لِيَعْلَمَ خَصْمُهُ بُطْلَانَ قَوْلِهِ , كَبُطْلَانِ مَا مَثَّلَهُ بِهِ , قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ قَدْ يَئِسُوا مِنَ الْآخِرَةِ كَمَا يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحَابِ الْقُبُورِ} [الممتحنة: 13] وَتَقْدِيرُهُ: إِنَّكُمْ فِي إِيَاسِكُمْ مِنَ الْآخِرَةِ كَمَا يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنَ الْمَوْتَى , وَهُمَا فِي الْبُطْلَانِ سَوَاءٌ

فصل إذا اعترض أحد الخصمين على الآخر بشيء يخالف أصله فله أن يرده بأصله , وله أن يرده بمعنى نظري أو فقهي , قال الله تعالى: سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها قل لله المشرق والمغرب يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم فأخبر الله تعالى بقول

§فَصْلٌ إِذَا اعْتَرَضَ أَحَدُ الْخَصْمَيْنِ عَلَى الْآخَرِ بِشَيْءٍ يُخَالِفُ أَصْلَهُ فَلَهُ أَنْ يَرُدَّهُ بِأَصْلِهِ , وَلَهُ أَنْ يَرُدَّهُ بِمَعْنًى نَظَرِيٍّ أَوْ فِقْهِيٍّ , قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [البقرة: 142] فَأَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِقَوْلِ السُّفَهَاءِ - وَهُوَ سُفَهَاءُ قُرَيْشٍ - وَقِيلَ: الْيَهُودُ وَأَنَّهُمْ سَأَلُوا عَنْ عِلَّةِ ذَلِكَ فَأَجَابَهُمْ بِمَا بَنَى عَلَيْهِ أَفْعَالَهُ مِنْ كَوْنِهِ مَالِكًا غَيْرَ مُمَلَّكٍ أَوْ غَيْرَ مَأْمُورٍ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ رَسْمٍ وَلَا حَدٍّ , وَلَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ , لِأَنَّهُ إِنَّمَا يُسْأَلُ عَنْ فِعْلِهِ مَنْ هُوَ تَحْتَ حَدٍّ أَوْ رَسْمٍ , فَكَأَنَّهُ تَعَالَى قَالَ: إِذَا كُنْتُ مَالِكَ الشَّرْقِ وَالْغَرْبِ أَتَصَرَّفُ فِي مُلْكِي فَمَا مَوْضِعُ الْمَسْأَلَةِ لَمْ نَفْلِتْ عَبِيدِي , وَهَذَا هُوَ الْجَوَابُ النَّظَرِيُّ رَدَّهُ بِأَصْلِهِ وَمُوجِبِ قَعِيدَةِ أَمْرِهِ , فَسَقَطَ السُّؤَالُ وَلَمْ يَلْزَمْهُ أَنْ يُبَيِّنَ لِمَ فَعَلَ ذَلِكَ , ثُمَّ لِمَا ثَبَتَ ذَلِكَ أَجَابَ بِجَوَابٍ فِقْهِيٍّ عَنِ الْمَسْأَلَةِ فَقَالَ وَقُلْ لَهُمْ أَيْضًا: {وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ} [البقرة: 143] يَقُولُ تَعَالَى: إِنَّمَا أَمَرْتُكَ أَنْ تُصَلِّيَ إِلَى الْبَيْتِ الْمُقَدَّسِ لِيُصَلُّوا مَعَكَ عَلَى مَا أَلِفُوهُ مِنَ الصَّلَاةِ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ , ثُمَّ نَقَلْتُكَ إِلَى الْكَعْبَةِ لِتَعْلَمَ أَنْتَ , وَتُخْبِرَ مَنْ صَلَّى مَعَكَ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ , تَبَعًا لَكَ وَطَاعَةً لِأَمْرِكَ وَقَبُولًا مِنْكَ , فَإِنَّهُ يَنْتَقِلُ مَعَكَ لِمَا الْتَزَمَهُ مِنَ الطَّاعَةِ , وَمَنْ صَلَّى إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ , لِكَوْنِهِ شَرِيعَةً لَهُ لَا لِطَاعَتِكَ ,

فَإِنَّهُ لَا يَتَحَوَّلُ مَعَكَ , بَلْ يُقِيمُ عَلَى الصَّلَاةِ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ , فَتَعْلَمُ أَنْتَ أَنَّهُ مُنْقَلِبٌ عَلَى عَقِبَيْهِ وَيَنْكَشِفُ لَكَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مُطِيعًا لَكَ وَلَا تَابِعًا , فَبَيَّنَ عِلَّةَ الْجَوَابِ وَعِلَّةَ التَّحْوِيلِ , ثُمَّ أَجَابَ بِجَوَابٍ آخَرَ , وَهُوَ أَنَّهُ ذَكَرَ جَوَازَ النَّسْخِ فِي الْقِبْلَةِ وَغَيْرِهَا , فَقَالَ: {وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ} [البقرة: 143] , يَقُولُ: وَإِنْ كَانَ انْتِقَالُهُمْ مِنَ الْمَنْسُوخِ إِلَى النَّاسِخِ ثَقِيلًا عَلَيْهِمْ شَاقًا فِي تَرْكِ الْمَأْلُوفِ الْمُعْتَادِ الَّذِي قَدْ نَشَئُوا عَلَيْهِ إِلَى مَا لَمْ يَأْلَفُوهُ , وَهَذَا أَحَدٍ الْعِلَلِ فِي جَوَازِ النَّسْخِ عَلَى مَنْ أَنْكَرَهُ فَهَذِهِ أَجْوِبَةُ سُؤَالِهِمْ , وَقَدْ بَيَّنَّا مَوْضِعَهَا مِنَ النَّظَرِ وَأَفْضَلُ النُّظَّارِ وَأَقْدَرُهُمْ مَنْ أَجَابَ عَنِ السُّؤَالِ بِجَوَابٍ نَظَرِيٍّ يَحْرُسُ بِهِ قَوَانِينَ النَّظَرِ وَقَوَاعِدَهُ , ثُمَّ يُجِيبُ بِجَوَابٍ يُبَيِّنُ فِيهِ فِقْهَ الْمَسْأَلَةِ

فصل القلب على الخصم والمعارضة والنقض , كل ذلك صحيح في النظر , قال الله سبحانه وتعالى حاكيا عن قول المنافقين: لو كانوا عندنا ما ماتوا وما قتلوا فأجابهم بما أقلبه عليهم في أنفسهم , وإن جعلته نقضا صح , وإن جعلته معارضة أيضا صح , ولكل واحد وجه , فقال: قل

§فَصْلٌ الْقَلْبُ عَلَى الْخَصْمِ وَالْمُعَارَضَةِ وَالنَّقْضِ , كُلُّ ذَلِكَ صَحِيحٌ فِي النَّظَرِ , قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى حَاكِيًا عَنْ قَوْلِ الْمُنَافِقِينَ: {لَوْ كَانُوا عِنْدَنَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا} [آل عمران: 156] فَأَجَابَهُمْ بِمَا أَقْلَبَهُ عَلَيْهِمْ فِي أَنْفُسِهِمْ , وَإِنْ جَعَلْتَهُ نَقْضًا صَحَّ , وَإِنْ جَعَلْتُهُ مُعَارَضَةً أَيْضًا صَحَّ , وَلِكُلِّ وَاحِدٍ وَجْهٌ , فَقَالَ: {قُلْ فَادْرَءُوا عَنْ أَنْفُسِكِمُ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} , يَقُولُ: إِذَا زَعَمْتُمْ أَنَّ مَنْ خَرَجَ مَعِي فَقُتِلَ لَوْ كَانَ عِنْدَكُمْ مَا قُتِلَ , وَكَانَ ذَلِكَ دَافِعًا لِقَضَائِي فِيهِمْ فَادْفَعُوا عَنْ أَنْفُسِكُمْ مَا قَضَيْتُهُ مِنَ الْمَوْتِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ

فصل السكوت عن الجواب للعجز من أقسام الانقطاع , قال الله تعالى: فبهت الذي كفر وأقسام الانقطاع من وجوه: هذا أحدها، والثاني: أن يعلل ولا يجدي، والثالث: أن ينقض ببعض كلامه بعضا، والرابع: أن يؤدي كلامه إلى المحال، والخامس: أن ينتقل من دليل إلى دليل

§فَصْلٌ السُّكُوتُ عَنِ الْجَوَابِ لِلْعَجْزِ مِنْ أَقْسَامِ الِانْقِطَاعِ , قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ} [البقرة: 258] وَأَقْسَامُ الِانْقِطَاعِ مِنْ وُجُوهٍ: هَذَا أَحَدُهَا، وَالثَّانِي: أَنْ يُعَلِّلَ وَلَا يُجْدِي، وَالثَّالِثُ: أَنْ يَنْقُضَ بِبَعْضِ كَلَامِهِ بَعْضًا، وَالرَّابِعُ: أَنْ يُؤَدِّيَ كَلَامُهُ إِلَى الْمُحَالِ، وَالْخَامِسُ: أَنْ يَنْتَقِلَ مِنْ دَلِيلٍ إِلَى دَلِيلٍ، وَالسَّادِسُ: أَنْ يُسْأَلَ عَنِ الشَّيْءِ فَيُجِيبُ عَنْ غَيْرِهِ، وَالسَّابِعُ: أَنْ يَجْحَدَ الضَّرُورَاتِ , وَيَدْفَعَ الْمُشَاهَدَاتِ , وَيَسْتَعْمِلَ الْمُكَابَرَةَ وَالْبُهْتَ فِي الْمُنَاظَرَةِ

أنا الْحَسَنُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ , أنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عِمْرَانَ , نا صَالِحُ بْنُ مُحَمَّدٍ , قَالَ: حَدَّثَنِي أَخِي صَدَقَةُ بْنُ مُحَمَّدٍ , قَالَ: قَالَ لِي أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الزُّهْرِيُّ , قَالَ الْمَأْمُونُ: §«غَلَبَةُ الْحُجَّةِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ غَلَبَةِ الْقُدْرَةِ , لِأَنَّ غَلَبَةَ الْقُدْرَةِ تَزُولُ -[112]- بِزَوَالِهَا , وَغَلَبَةَ الْحُجَّةِ لَا يُزِيلُهَا شَيْءٌ» قُلْتُ: فَيَنْبَغِي لِمَنْ لَزِمَتْهُ الْحُجَّةُ , وَوَضَحَتْ لَهُ الدَّلَالَةُ , أَنْ يَنْقَادَ لَهَا , وَيَصِيرَ إِلَى مُوجِبَاتِهَا , لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنَ النَّظَرِ وَالْجَدَلِ طَلَبُ الْحَقِّ , وَإِتِّبَاعُ تَكَالِيفِ الشَّرْعِ , وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ}

أنا الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ الْحَسَنُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ رَامِينَ الْإِسْتَرَابَاذِيُّ , نا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ الْجُرْجَانِيُّ , نا أَبُو الْعَبَّاسِ السَّرَّاجُ , قَالَ: سَمِعْتُ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ سَعِيدٍ , يَقُولُ: سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ يَعْنِي ابْنَ مَهْدِيٍّ , يَقُولُ: قَالَ عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ: قُلْتُ لِزُفَرَ: صِرْتُمْ حَدِيثًا فِي النَّاسِ وَضِحْكَةً، قَالَ: وَمَا ذَاكَ؟ قُلْتُ: تَقُولُونَ فِي الْأَشْيَاءِ كُلِّهَا: ادْرَءُوا الْحُدُودَ بِالشُّبُهَاتِ , ادْرَءُوا الْحُدُودَ بِالشُّبُهَاتِ، فَصِرْتُمْ إِلَى أَعْظَمِ الْحُدُودِ فَقُلْتُمْ: يُقَامُ بِالشُّبُهَاتِ، قَالَ: وَمَا ذَاكَ؟ قُلْتُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «§لَا يُقْتَلُ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ» وَقُلْتُمْ: يُقْتَلُ بِهِ، قَالَ: إِنِّي أُشْهِدُكَ أَنِّي قَدْ رَجَعْتُ عَنْهُ السَّاعَةَ -[113]- قُلْتُ: كَانَ زُفَرُ بْنُ الْهُذَيْلِ مِنْ أَفَاضِلِ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ , فَلَمَّا حَاجَّهُ عَبْدُ الْوَاحِدِ فِي مُنَاظَرَتِهِ , وَفَتَّ فِي عَضُدِهِ بِحُجَّتِهِ , أَشْهَدَهُ عَلَى رَجْعَتِهِ , خِيفَةً مِنْ مُدَّعٍ يَدَّعِي ثَبَاتَهُ عَلَى قَوْلِهِ الَّذِي سَبَقَ مِنْهُ , بَعْدَ أَنْ تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ زَلَّةٌ وَخَطَأٌ , وَكَذَلِكَ يَجِبُ عَلَى كُلِّ مَنِ احْتُجَّ عَلَيْهِ بِالْحَقِّ أَنْ يَقْبَلَهُ , وَيُسَلِّمَ لَهُ , وَلَا يَحْمِلُهُ اللِّجَاجُ وَالْجَدَلُ عَلَى التَّقَحُّمِ فِي الْبَاطِلِ مَعَ عِلْمِهِ بِهِ , قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ} [الأنبياء: 18]

أنا أَبُو مُحَمَّدٍ: الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْخَلَّالُ , نَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عِمْرَانَ , أنا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى , نَا عَوْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ , نَا الْعَبَّاسُ بْنُ رُسْتُمَ , قَالَ: كَانَ الْمَأْمُونُ , يَقُولُ: §«إِذَا وَضَحَتِ الْحُجَّةُ ثَقُلَ عَلَى الْأَسْمَاعِ اسْتِمَاعُ الْمُنَازَعَةِ فِيهَا»

أَخْبَرَنِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ مُوسَى الْكَازُرُونِيُّ بنَيْسَابُورَ , قَالَ: أَنْشَدَنَا أَبُو عَامِرٍ النَّسَوِيِّ , قَالَ أَنْشَدَنَا أَبُو عَلِيٍّ: الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ الْقُومَسِيُّ لِأَبِي سَعْدِ بْنِ دَوْسَتَ: « [البحر الكامل] §وَمُخَالِفٌ لِلْحَقِّ غَيْرُ مُخَالِفٍ ... لِلصِّدْقِ عِنْدَ تَنَاظُرٍ وَحِجَاجٍ تَرَكَ الْحِجَاجَ إِلَى اللِّجَاجِ فَقُلْتُ يَا ... طَرْدَ الدَّجَاجِ وَمَنْزِلَ الْحِجَاجِ»

باب الكلام في أقوال المجتهدين , وهل الحق في واحد أو كل مجتهد مصيب إذا اختلف المجتهدون من العلماء في مسألة على قولين أو أكثر , فقد ذكر عن أبي حنيفة أنه قال: كل مجتهد مصيب والحق ما غلب على ظن المجتهد , وهو ظاهر مذهب مالك بن أنس , وذكر عن الشافعي أن له في

§بَابُ الْكَلَامِ فِي أَقْوَالِ الْمُجْتَهِدِينِ , وَهَلِ الْحَقُّ فِي وَاحِدٍ أَوْ كُلِّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبٌ إِذَا اخْتَلَفَ الْمُجْتَهِدُونَ مِنَ الْعُلَمَاءِ فِي مَسْأَلَةٍ عَلَى قَوْلَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ , فَقَدْ ذُكِرَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ قَالَ: كُلُّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبٌ وَالْحَقُّ مَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّ الْمُجْتَهِدِ , وَهُوَ ظَاهِرُ مَذْهَبِ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ , وَذُكِرَ عَنِ الشَّافِعِيِّ أَنَّ لَهُ فِي ذَلِكَ قَوْلَيْنِ , أَحَدُهُمَا: مِثْلُ هَذَا , وَالثَّانِي: أَنَّ الْحَقَّ فِي وَاحِدٍ مِنَ الْأَقْوَالِ , وَمَا سِوَاهُ بَاطِلٌ , وَقِيلَ: لَيْسَ لِلشَّافِعِيِّ فِي ذَلِكَ إِلَّا قَوْلٌ وَاحِدٌ , وَهُوَ أَنَّ الْحَقَّ فِي وَاحِدٍ مِنَ الْأَقْوَالِ الْمُخْتَلِفِينَ , وَمَا عَدَاهُ خَطَأٌ , إِلَّا أَنَّ الْإِثْمَ مَوْضُوعٌ عَنِ الْمُخْطِئِ فِيهِ

وَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ مِثْلُ هَذَا: أنا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْمَتُوثِيُّ , أنا عُثْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الدَّقَّاقُ , نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ يُوسُفَ الْمَرْوَزِيُّ , نَا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ شَقِيقٍ , قَالَ: سَأَلْتُ عَبْدَ اللَّهِ يَعْنِي: ابْنَ الْمُبَارَكِ عَنِ اخْتِلَافِ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , كُلُّهُ صَوَابٌ؟ فَقَالَ: §«الصَّوَابُ وَاحِدٌ , وَالْخَطَأُ مَوْضُوعٌ عَنِ الْقَوْمِ , أَرْجُو» قُلْتُ: فَمَنْ أَخَذَ بِقَوْلٍ مِنَ الْأَقَاوِيلِ فَهُوَ أَيْضًا مَوْضُوعٌ عَنْهُ , قَالَ -[115]-: «نَعَمْ , أَرْجُو إِلَّا أَنْ يَكُونَ رَجُلٌ اخْتَارَ قَوْلًا حَتْمًا , ثُمَّ نَزَلَ بِهِ شَيْءٌ , فَتَحَوَّلَ إِلَى غَيْرِهِ , تَرَخُّصًا لِلشَّيْءِ الَّذِي نَزَلَ بِهِ» وَحَكَى أَبُو إِبْرَاهِيمَ الْمُزَنِيُّ: أَنَّ هَذَا مَذْهَبُ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ , وَاللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ

وَتَحْقِيقُ مَا حَكَاهُ أَبُو إِبْرَاهِيمَ أَنِّي قَرَأْتُ فِي كِتَابِ أَبِي مَكِّيٍّ: مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ الْيَازِجِيِّ بِخَطِّهِ: نَا حَمْدَانُ بْنُ عَلِيٍّ , نَا الْحَارِثُ بْنُ مِسْكِينٍ , أنا ابْنُ وَهْبٍ , عَنْ مَالِكٍ , أَنَّهُ سُئِلَ , فَقِيلَ لَهُ: أَتَرَى لِمَنْ أَخَذَ بِحَدِيثٍ حَدَّثَهُ ثِقَةٌ , عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَعَةً؟ قَالَ: §«لَا وَاللَّهِ حَتَّى يُصِيبَ الْحَقَّ , وَمَا الْحَقُّ إِلَّا وَاحِدٌ , لَا يَكُونُ الْحَقُّ فِي قَوْلَيْنِ يَخْتَلِفَانِ»

قَالَ: وأنا ابْنُ وَهْبٍ , أَنَّ اللَّيْثَ , قَالَ: §«لَا يَكُونُ الْحَقُّ إِلَّا وَاحِدًا , وَلَا يَكُونُ فِي أَمْرَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ» وَاحْتَجَّ مَنْ نَصَرَ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ , وَأَنَّ كُلَّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبٌ: بِأَنَّ الصَّحَابَةَ اجْتَهَدُوا وَاخْتَلَفُوا , وَأَقَرَّ بَعْضُهُمُ بَعْضًا عَلَى قَوْلِهِ , وَسَوَّغَ لَهُ أَنْ يَعْمَلَ بِهِ , وَإِنْ كَانَ مُخَالِفًا لِقَوْلِهِ وَمُؤَدَّى اجْتِهَادِهِ , وَسَوَّغُوا لِلْعَامَّةِ أَنْ يُقَلِّدُوا مَنْ شَاءُوا مِنْهُمْ , حَتَّى قَالَ الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقُ , فِيمَا:

أنا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ الْحِنَّائِيُّ , وَالْحَسَنُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ , قَالَ مُحَمَّدٌ: أَنَا، وَقَالُ الْحَسَنُ: نَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الزُّبَيْرِ الْكُوفِيُّ , نا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَفَّانَ , نا جَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ , أنا أَفْلَحُ بْنُ حُمَيْدٍ , عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ , قَالَ: §«كَانَ اخْتِلَافُ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِمَّا نَفَعَ اللَّهُ بِهِ , فَمَا عَمِلْتَ مِنْهُ مِنْ عَمَلٍ لَمْ يَدْخُلْ نَفْسَكَ مِنْهُ شَيْءٌ»

وَقَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ فِيمَا: أنا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْوَاعِظُ , أنا دَعْلَجُ بْنُ أَحْمَدَ , نا يُوسُفُ الْقَاضِي , نا عَمْرُو بْنُ مَرْزُوقٍ , نا عِمْرَانُ الْقَطَّانُ , عَنْ مَطَرٍ الْوَرَّاقِ , عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ , قَالَ: §«مَا يَسُرُّنِي أَنَّ أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَخْتَلِفُوا»

أنا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ رِزْقٍ , أنا عُثْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ الدَّقَّاقُ , نا حَنْبَلُ بْنُ إِسْحَاقَ , حَدَّثَنِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ , نَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ , قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي , عَنْ قَتَادَةَ , أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ , كَانَ يَقُولُ: §«مَا سَرَّنِي لَوْ أَنَّ أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَخْتَلِفُوا , لِأَنَّهُمْ لَوْ لَمْ يَخْتَلِفُوا لَمْ تَكُنْ رُخْصَةٌ»

أنا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عُمَرَ الْمُقْرِئُ , أنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الشَّافِعِيُّ , نَا مُعَاذُ بْنُ الْمُثَنَّى , نَا مُسَدَّدٌ , قَالَ: نَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ , نَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ , عَنْ عَوْنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ , قَالَ: قَالَ لِي عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ: §«مَا يَسُرُّنِي بِاخْتِلَافِ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حُمْرُ النَّعَمِ , لَأَنَّا إِنْ أَخَذْنَا بِقَوْلِ هَؤُلَاءِ أَصَبْنَا , وَإِنْ أَخَذْنَا بِقَوْلِ هَؤُلَاءِ أَصَبْنَا» قَالُوا: وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُجْمِعُوا عَلَى إِقْرَارِ الْخَاطِئِ عَلَى خَطَئِهِ , وَالرِّضَا بِالْعَمَلِ بِهِ , وَالْإِذْنِ فِي تَقْلِيدِهِ وَأَيْضًا فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى عَيَّنَ حُكْمًا مِنْ بَعْضِ مَا اخْتَلَفَ فِيهِ , وَنَصَبَ عَلَيْهِ دَلِيلًا , وَجَعَلَ إِلَيْهِ طَرِيقًا , وَكَلَّفَ أَهْلَ الْعِلْمِ إِصَابَتَهُ لَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْمُصِيبُ عَالِمًا بِهِ , قَاطِعًا بِخَطَأِ مَنْ خَالَفَهُ , وَيَكُونُ الْمُخَالِفُ آثِمًا فَاسِقًا , وَوَجَبَ نَقْضُ حُكْمِهِ إِذَا حَكَمَ بِهِ , وَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ مَنْ خَالَفَ دَلِيلَ مَسَائِلِ الْأُصُولِ مِنَ الرُّؤْيَةِ وَالصِّفَاتِ وَالْقَدَرِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ , وَبِمَنْزِلَةِ مَنْ خَالَفَ النَّصَّ , وَلَمَّا أَجْمَعْنَا عَلَى أَنَّ الْمُخَالِفَ لَا يُقْطَعُ عَلَى خَطَئِهِ , وَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ فِيهِ , وَلَا يُنْقَضُ حُكْمُهُ إِذَا حُكِمَ بِهِ دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ كُلَّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبٌ , وَلِأَنَّ الْعَامِيَّ إِذَا نَزَلَتْ بِهِ نَازِلَةٌ , كَانَ لَهُ أَنْ يَسْأَلَ عَنْهَا مَنْ شَاءَ مِنَ الْعُلَمَاءِ , وَإِنْ كَانُوا مُخْتَلِفَيْنِ فَدَلَّ عَلَى أَنًّ جَمِيعَهُمْ عَلَى الصَّوَابِ -[118]- وَاحْتَجَّ مَنْ قَالَ: إِنَّ الْحَقَّ فِي وَاحِدٍ , وَإِلَيْهِ يُذْهَبُ: بِقَوْلِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَدَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ} إِلَى قَوْلِهِ: {فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا} [الأنبياء: 79] فَأَخْبَرَ: أَنَّ سُلَيْمَانَ هُوَ الْمُصِيبُ وَحَمِدَهُ عَلَى إِصَابَتِهِ , وَأَثْنَى عَلَى دَاوُدَ فِي اجْتِهَادِهِ , وَلَمْ يَذُمَّهُ عَلَى خَطَئِهِ , وَهَذَا نَصٌّ فِي إِبْطَالِ قَوْلِ مَنْ قَالَ: إِذَا أَخْطَأَ الْمُجْتَهِدُ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مَذْمُومًا , وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَيْضًا قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَشْهُورُ: إِذَا اجْتَهَدَ الْحَاكِمُ فَأَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ , وَإِذَا اجْتَهَدَ فَأَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ , وَقَدْ سُقْنَا هَذَا الْحَدِيثَ بِإِسْنَادِهِ فِيمَا تَقَدَّمَ , وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمُجْتَهِدَ بَيْنَ الْإِصَابَةِ وَالْخَطَأِ

وأنا أَبُو نُعَيْمٍ الْحَافِظُ , نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ فَارِسٍ , نا يُونُسُ بْنُ حَبِيبٍ , نا أَبُو دَاوُدَ , نا الصَّعْقُ بْنُ حَزْنٍ , عَنْ عَقِيلٍ الْجَعْدِيِّ , عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ , عَنْ سُوَيْدِ بْنِ غَفْلَةَ , عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ , قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يَا عَبْدَ اللَّهِ: §أَتَدْرِي أَيُّ النَّاسِ أَعْلَمُ؟ " قُلْتُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ , قَالَ: «فَإِنَّ أَعْلَمَ النَّاسِ أَعْلَمَهُمْ بِالْحَقِّ إِذَا اخْتَلَفَ النَّاسُ , وَإِنْ كَانَ مُقَصِّرًا فِي الْعَمَلِ , وَإِنْ كَانَ يَزْحَفُ عَلَى إِسْتِهِ»

أنا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ الْوَاعِظُ , نا عُمَرُ بْنُ أَحْمَدَ الْمَرْوَرُوذِيُّ , نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سُلَيْمَانَ , نا مُوسَى بْنُ عَامِرِ بْنِ خُرَيْمٍ , نا الْوَلِيدُ يَعْنِي: ابْنَ مُسْلِمٍ , نا بُكَيْرُ بْنُ مَعْرُوفٍ , نا مُقَاتِلُ بْنُ حَيَّانَ , عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ جَدِّهِ: عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ , قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «§هَلْ تَدْرِي أَيُّ الْمُؤْمِنِينَ أَعْلَمُ؟» قُلْتُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ , قَالَ: «إِذَا اخْتَلَفُوا وَشَبَّكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ أَبْصَرَهُمْ بِالْحَقِّ , وَإِنْ كَانَ فِي عَمَلِهِ تَقْصِيرٌ , وَإِنْ كَانَ يَزْحَفُ عَلَى إِسْتِهِ زَحْفًا» فَقَدْ نَصَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَنَّ الْحَقَّ يُصِيبُهُ بِالْعِلْمِ بَعْضُ أَهْلِ الِاخْتِلَافِ , وَمَنَعَ أَنْ يُصِيبَهُ جَمِيعُهُمْ مَعَ اخْتِلَافِهِمْ وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا أَنَّهُمْ إِذَا اخْتَلَفُوا عَلَى قَوْلَيْنِ مُتَضَادَّيْنِ , مِثْلِ تَحْلِيلٍ وَتَحْرِيمٍ , وَتَصْحِيحٍ وَإِفْسَادٍ , وَإِيجَابٍ وَإِسْقَاطٍ , فَلَا يَخْلُو مِنْ أَحَدِ ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ: إِمَّا أَنْ يَكُونَ الْقَوْلَانِ فَاسِدَيْنِ , أَوْ صَحِيحَيْنِ , أَوْ أَحَدُهُمَا فَاسِدًا , وَالْآخَرُ صَحِيحًا , فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَا فَاسِدَيْنِ , لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إِلَى اجْتِمَاعِ الْأُمَّةِ عَلَى الْخَطَأِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَا صَحِيحَيْنِ , لِأَنَّهُمَا مُتَضَادَّانِ , فَيَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ -[120]- الشَّيْءُ الْوَاحِدُ حَرَامًا حَلَالًا , وَوَاجِبًا غَيْرَ وَاجِبٍ , وَصَحِيحًا بَاطِلًا , وَإِذَا بَطَلَ هَذَانِ الْقِسْمَانِ , ثَبَتَ أَنَّ أَحَدَهُمَا صَحِيحٌ , وَالْآخَرَ فَاسِدٌ , فَإِنْ قَالَ الْمُخَالِفُ: هُمَا صَحِيحَانِ وَلَا يُؤَدِّي إِلَى التَّضَادِ , وَلَا تَسْتَحِيلُ صِحَّتُهُمَا , إِلَّا أَنَّ ذَلِكَ إِنَّمَا يَسْتَحِيلُ عَلَى شَخْصٍ وَاحِدٍ فِي وَقْتٍ وَاحِدِ , وَأَمَّا عَلَى شَخْصَيْنِ أَوْ فَرِيقَيْنٍ , فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَسْتَحِيلُ كَمَا وَرَدَ الشَّرْعُ , بِإِيجَابِ الصَّلَاةِ عَلَى الطَّاهِرِ وَإِسْقَاطِهَا عَنِ الْحَائِضِ , وَوُجُوبِ إِتْمَامِ الصَّلَاةِ عَلَى الْمُقِيمِ , وَالرُّخْصَةِ فِي الْقَصْرِ لِلْمُسَافِرِوَعِنْدَنَا أُمُّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْمُجْتَهِدِينَ يَلْزَمُهُ مَا أَدَّى إِلَيْهِ اجْتِهَادُهُ , فَيَحْرُمُ النَّبِيذُ عَلَى مَنْ أَدَّى اجْتِهَادُهُ إِلَى تَحْرِيمِهِ , وَيَحِلُّ لِمَنْ أَدَّى اجْتِهَادُهُ إِلَى تَحْلِيلِهِ , وَتَجِبُ النِّيَّةُ لِلْوضُوءِ عَلَى مَنْ أَدَّى اجْتِهَادُهُ إِلَى وجُوبِهَا وَتَسْقُطُ عَمَّنْ أَدَّى اجْتِهَادُهُ إِلَى صِحَّتِهِ , وَيَفْسُدُ فِي حَقِّ مَنْ أَدَّى اجْتِهَادُهُ إِلَى فَسَادِهِ , وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ , لَمْ يَكُنْ فِيهِ تَضَادٌّ وَالْجَوَابُ أَنَّ هَذَا خَطَأٌ: لِأَنَّ الْأَدِلَّةَ إِذَا كَانَتْ عَامَّةً لَمْ يَجُزْ أَنْ يَكُونَ أَنْ يَكُونَ مَدْلُولُهَا خَاصًّا , وَالدَّلَالَةُ الدَّالَّةُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا عَامَّةٌ فِي الْجَمِيعِ , فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حُكْمُهَا خَاصًّا , وَإِذَا كَانَتِ الْأَحْكَامُ عَامَّةً ثَبَتَ التَّضَادُّ , وَأَيْضًا فَإِنَّهُ يَلْزَمُ مَنْ يَذْهَبُ إِلَى أَنَّ كُلَّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبٌ , إِذَا أَدَّاهُ اجْتِهَادُهُ إِلَى شَيْءٍ , وَغَيْرُهُ مِنَ الْمُجْتَهِدِينَ عَلَى ضِدِّ قَوْلِهِ فِي ذَلِكَ الشَّيْءِ , أَنْ يَكُونَ مُخَيَّرًا فِيهِمَا , كَالَّذِي تُلْزَمُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ , لَمَّا كَانَتِ الْحُقُوقُ الثَّلَاثَةُ مُتَسَاوِيَةً فِي كَوْنِهَا مِمَّا يَجُوزُ التَّكْفِيرُ بِهَا , وَالْكُلُّ صَوَابٌ , كَانَ مُخَيَّرًا فِيهَا , فَلَمَّا لَزِمَ الْمُجْتَهِدَ أَنْ يَعْمَلَ بِمَا يُؤَدِّي -[121]- اجْتِهَادُهُ إِلَيْهِ دُونَ مَا خَالَفَهُ مِنَ اجْتِهَادِ غَيْرِهِ , ثَبَتَ أَنَّ الْحَقَّ فِي وَاحِدٍ مِنَ الْقَوْلَيْنِ وَدَلِيلٌ آخَرُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ كُلَّ مُجْتَهِدٍ لَيْسَ بِمُصِيبٍ , وَهُوَ أَنَّا وَجَدْنَا أَهْلَ الْعِلْمِ فِي كُلِّ عَصْرٍ يَتَنَاظَرُونَ وَيَتَبَاحَثُونَ , وَيَحْتَجُّ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ , وَلَوْ كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مُصِيبًا , كَانَتِ الْمُنَاظَرَةُ خَطَأً وَلَغْوًا , لَا فَائِدَةَ فِيهَا فَإِنْ قَالَ الْمُخَالِفُ: إِنَّمَا يُنَاظِرُ أَحَدٍ الْخَصْمَيْنِ الْآخَرَ , حَتَّى يَغْلِبَ عَلَى ظَنِّهِ مَا أَدَّى اجْتِهَادُهُ إِلَيْهِ , فَيَرْجِعُ إِلَى قَوْلِهِ فَالْجَوَابُ أَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي رُجُوعِهِ مِنْ حَقٍّ إِلَى حَقٍّ , وَكَوْنُهُ عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ وَانْتِقَالُهُ إِلَى ظَنٍّ آخَرَ سَوَاءٌ , لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا , وَتَحَمُّلُ التَّعَبِ وَالْكُلْفَةِ وَالتَّنَازُعِ وَالتَّخَاصُمِ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُخَالِفُ لَيْسَ مِنْ فِعْلِ الْعُقَلَاءِ , وَقَدْ وَجَدْنَا الْأُمَّةَ مُتَّفِقَةً عَلَى حُسْنِ الْمُنَاظَرَةِ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ , وَعَقْدِ الْمَجَالِسِ بِسَبِبِهَا , فَسَقَطَ مَا قَالَهُ وَأَمَّا الْجَوَابُ عَمَّا احْتُجَّ بِهِ مِنْ إِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ , فَهُوَ أَنْ يُقَالَ لَهُ: أَقُلْتَ هَذَا نَصًّا أَوُ اسْتِدْلَالًا؟ فَإِنْ قَالَ: نَصًّا لَمْ يَجِدْ إِلَيْهِ طَرِيقًا , لِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ عَنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ أَنَّهُ قَالَ لِصَاحِبِهِ: أَقْرَرْتُكَ عَلَى خِلَافِكَ , وَأَجَزْتُ لَكَ أَنْ تَعْمَلَ بِهِ وَسَوُّغْتُ لِلْعَامَّةِ أَنْ يُقَلِّدُوكَ وَإِنْ قَالَ: اسْتِدْلَالًا طُولِبَ بِهِ، فَإِنْ قَالَ: لَوْ كَانَ الْمُخَالِفُ مُخْطِئًا , لَقَاتَلُوهُ قِيلَ لَهُ: لَيْسَ فِي ذَلِكَ قِتَالٌ , لِأَنَّ الْخَاطِئَ فِيهِ مَعْذُورٌ , وَلَهُ عَلَى قَصْدٍ الصَّوَابِ أَجْرٌ , -[122]- وَقَدْ وَرَدَ الشَّرْعُ , بِذَلِكَ كَمَا وَرَدَ بِالْعَفْوِ عَنِ النَّاسِي , فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَجُزْ قِتَالُهُ وَلَا تَأْثِيمُهُ فَإِنْ قَالَ: لَمْ يُنْقَلْ أَنَّ بَعْضَهُمَ خَطَّأَ بَعْضًا , وَلَوْ كَانَ أَحَدٍ الْقَوْلَيْنِ خَطَأً وَالْآخَرُ صَوَبًا لَوَجَبَ أَنْ يُخَطِّئَ مَنْ أَصَابَ الْحَقَّ مَنْ لَمْ يُصِبْهُ , فَلَمَّا لَمْ يُنْقَلْ ذَلِكَ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُخَطِّئْهُ فَالْجَوَابُ أَنَّهُ قَدْ نُقِلَ ذَلِكَ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْهُمْ

فَأَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ: أَحْمَدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ عَلِيٍّ الْقَاضِي بِدَرْزِيجَانَ , أنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُظَفَّرِ , أنا مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُلَيْمَانَ الْبَاغَنْدِيُّ , أنا عَبْدُ السَّلَامِ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ الْإِمَامُ , نَا زُهَيْرٌ , عَنِ الْحَسَنِ بْنِ دِينَارٍ , عَنِ الْحَسَنِ , قَالَ: بَلَغَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أَنَّ امْرَأَةً يَتَحَدَّثُ عِنْدَهَا الرِّجَالُ , يَعْنِي: فَأَرْسَلَ إِلَيْهَا , قَالَ: وَكَانَ عُمَرُ رَجُلًا مَهِيبًا , فَلَمَّا جَاءَهَا الرَّسُولُ , قَالَتْ: يَا وَيْلَهَا مَا لَهَا وَلِعُمَرَ , يَا وَيْحَهَا مَا لَهَا وَلِعُمَرَ , فَخَرَجَتْ فَضَرَبَهَا الْمَخَاضُ , فَمَرَّتْ بِنِسْوَةٍ فَعَرَفْنَ الَّذِي بِهَا , فَقَذَفَتْ بِغُلَامٍ , فَصَاحَ صَيْحَةً ثُمَّ طَفَى فَبَلَغَ ذَلِكَ عُمَرَ فَجَمَعَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارَ , فَاسْتَشَارَهُمْ , وَفِي آخِرِ الْقَوْمِ رَجُلٌ , فَقَالُوا: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ , إِنَّمَا كُنْتَ مُؤَدِّبًا , وَإِنَّمَا أَنْتَ رَاعٍ , قَالَ: «مَا تَقُولُ أَنْتَ يَا فُلَانُ؟» قَالَ: أَقُولُ إِنْ كَانَ الْقَوْمُ تَابَعُوكَ عَلَى هَوَاكَ , فَوَاللَّهِ مَا نَصَحُوا لَكَ , وَإِنْ يَكُونُوا اجْتَهَدُوا آرَاءَهُمْ , فَوَاللَّهِ لَقَدْ أَخْطَأَ رَأْيُهُمْ، غَرِمْتَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، قَالَ: «§فَعَزَمْتُ عَلَيْكَ لَمَا قُمْتَ فَقَسَّمْتَهَا عَلَى قَوْمِكَ» -[123]- قَالَ: فَقِيلَ لِلْحَسَنِ: مَنِ الرَّجُلُ؟ قَالَ: عَلِيٌّ

أنا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عُمَرَ الْمُقْرِئُ , أنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَلِيٍّ الْخُطَبِيُّ , نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ , حَدَّثَنِي أَبِي , نا عَبْدُ الرَّزَّاقِ , نا مَعْمَرٌ , عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ: أَخْبَرَنِي أَبِي أَنَّهُ , سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ , يَقُولُ: §«وَدِدْتُ أَنَّ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ , يُخَالِفُونِي فِي الْفَرِيضَةِ , نَجْتَمِعُ فَنَضَعُ أَيْدِيَنَا عَلَى الرُّكْنِ , ثُمَّ نَبْتَهِلُ فَنَجْعَلُ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ»

وأنا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ رِزْقٍ , أنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَلِيٍّ , نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ , حَدَّثَنِي أَبِي , نا يَعْقُوبُ , نا أَبِي , عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ , قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي نَجِيحٍ , عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ , قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ , يَقُولُ: إِذَا ذَكَرَ عَوْلَ الْفَرَائِضِ: §«أَتَرَوْنَ الَّذِي أَحْصَى رَمْلَ عَالِجٍ عَدَدًا , جَعَلَ فِي مَالٍ قَسَمَهُ نِصْفًا وَنِصْفًا وَثُلُثًا؟ هَذَا النِّصْفُ وَالنِّصْفُ قَدْ ذَهَبَا بِالْمَالِ فَأَيْنَ مَوْضِعُ الثُّلُثِ؟» قَالَ عَطَاءٌ: فَقُلْتُ لَهُ: يَا أَبَا عَبَّاسٍ: إِنَّ هَذَا لَا يُغْنِي عَنِّي وَلَا عَنْكَ -[124]- شَيْئًا , لَوْ مُتُّ أَوْ مُتَّ قَسِّمَ مِيرَاثَنَا عَلَى مَا عَلَيْهِ الْقَوْمُ مِنْ خِلَافِ رَأْيِكَ قَالَ: «فَإِنْ شَاءُوا فَلْنَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَهُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَهُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَهُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلُ فَنَجْعَلُ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ , مَا جَعَلَ اللَّهُ فِي مَالٍ نِصْفًا وَنِصْفًا وَثُلُثًا»

أنا أَبُو عَلِيٍّ: أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الصَّيْدَلَانِيُّ بِأَصْبَهَانَ , أنا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ الطَّبَرَانِيُّ , نَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّبَرِيُّ , أنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ , عَنِ الثَّوْرِيِّ , عَنْ مَنْصُورٍ , عَنْ إِبْرَاهِيمَ , عَنْ عَلْقَمَةَ , قَالَ: أُتِيَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ , فَسُئِلَ عَنْ رَجُلٍ , تَزَوَّجَ امْرَأَةً , فَلَمْ يَفْرِضْ لَهَا وَلَمْ يَمَسَّهَا حَتَّى مَاتَ؟ فَرَدَّهُمْ , ثُمَّ قَالَ: " §أَقُولُ فِيهَا بِرَأْيِي: فَإِنْ كَانَ صَوَابًا فَمِنَ اللَّهِ , وَإِنْ كَانَ خَطَأً فَمِنِّي "

أنا ابْنُ الْفَضْلِ , أنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ دُرَسْتُوَيْهِ , نا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ , نا الْحَجَّاجُ , وَهُوَ ابْنُ مِنْهَالٍ , نا حَمَّادٌ , أنا أَيُّوبُ , عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ , عَنْ عُبَيْدَةَ , عَنْ عَلِيٍّ , قَالَ: §«اجْتَمَعَ رَأْيِي وَرَأْيُ عُمَرَ عَلَى أَنَّ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ لَا يُبَعْنَ» , قَالَ: «ثُمَّ -[125]- رَأَيْتُ بَعْدُ أَنْ تُبَاعَ فِي دَيْنِ سَيِّدِهَا , وَأَنْ تُعْتَقَ مِنْ نَصِيبِ وَلَدِهَا» , فَقُلْتُ: رَأْيُكَ وَرَأْيُ الْجَمَاعَةِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ رَأْيِكَ فِي الْفُرْقَةِ وَلَمْ يُنْكِرْ عَلِيٌّ عَلَى عُبَيْدَةَ هَذَا الْقَوْلَ وَأَمَّا الْجَوَابُ عَمَّا احْتُجَّ بِهِ مِنَ الْعِلْمِ بِإِصَابَتِهِ , وَالْقَطْعِ عَلَى خَطَأِ مُخَالِفِهِ وَتَأْثِيمِهِ , وَمَنْعِهِ مِنَ الْحُكْمِ بِاجْتِهَادِهِ , ونَقْضِ حُكْمِهِ , وَمَنْعِ الْعَامِّي مِنْ تَقْلِيدِهِ فَهُوَ: أَنَّا نَعْلَمُ إِصَابَتَنَا لِلْحَقِّ , وَنَقْطَعُ بِخَطَأِ مَنْ خَالَفَنَا فِيهِ , وَنَمْنَعُهُ مِنَ الْحُكْمِ بِاجْتِهَادِهِ الْمُخَالِفِ لِلْحَقِّ فَأَمَّا عِلْمُنَا بِإِصَابَتِنَا لِلْحَقِّ فَهُوَ: لِأَنَّ أَحَدَ الْحُكْمَيْنِ يَتَمَيَّزُ عَنِ الْآخَرِ بِالتَّأْثِيرِ الْمُوجِبِ لِلْعِلْمِ , أَوْ بِكَثْرَةِ الْأُصُولِ الْمُقْتَضِيَةِ لِلظَّنِ , وَتَمَيُّزِ أَحَدِ الْحُكْمَيْنِ عَنِ الْآخَرِ مَعْلُومٌ لِلْمُجْتَهِدِ , فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ كَانَتِ الْإِصَابَةُ مَعْلُومَةً , وَإِذَا عُلِمَتِ الْإِصَابَةُ , فَقَدْ عُلِمَ خَطَأُ مَنْ خَالَفَهَا وَأَمَّا التَّأْثِيمُ , فَلَا يَجُوزُ لِأَنَّ الشَّرْعَ وَرَدَ بِالْعَفْوِ عَنْهُ , وَإِثَابَتِهِ عَلَى قَصْدِهِ وَنِيَّتِهِ وَالْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ , وَالْعَفْوِ وَالتَّأْثِيمِ طَرِيقُهُ الشَّرْعُ , وَقَدْ وَرَدَ الشَّرْعُ بِالْعَفْوِ عَنْ خَطَئِهِ كَمَا وَرَدَ بِالْعَفْوِ عَنِ الْخَاطِئِ وَالنَّاسِي -[126]- وَالْمُكْرَهِ , يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {وَدَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ} إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا} [الأنبياء: 79] فَأَثْنَى عَلَيْهِمَا جَمِيعًا , وَأَخْبَرَ بِإِصَابَةِ سُلَيْمَانَ , وَلَمْ يُؤَثِّمْ دَاوُدَ , وَكَذَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِذَا اجْتَهَدَ الْحَاكِمُ فَأَخْطَأَ , فَلَهُ أَجْرٌ فَجَعَلَ لَهُ أَجْرَ اجْتِهَادِهِ , وَلَمْ يُؤَثِّمْهُ مَعَ خَطَئِهِ وَأَمَّا مَنْعُهُ مِنَ الْعَمَلِ بِمَا أَدَّى اجْتِهَادُهُ إِلَيْهِ , فَلَا شَكَّ فِيهِ , لَأَنَّا نَقُولُ: إِذَا عُمِلَ بِهِ فَهُوَ فَاسِدٌ , وَلِهَذَا نَقُولُ: إِذَا تَزَوَّجَ بِغَيْرِ وَلِيٍّ: إِنَّهُ نِكَاحٌ فَاسِدٌ , وَإِذَا شَرِبَ النَّبِيذَ: إِنَّهُ شَرِبَ حَرَامًا , وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ وَأَمَّا حُكْمُ الْحَاكِمِ , فَإِنَّ الْمُسْلِمِينَ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يُنْقَضُ إِذَا لَمْ يَكُنْ مُخَالِفًا لِنَصٍّ , أَوْ إِجْمَاعٍ , أَوْ قِيَاسٍ مَعْلُومٍ , وَالْمَنْعُ مِنْ نَقْضِهِ لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ لَهُ أَنْ يَحْكُمَ بِهِ , لِأَنَّهُ لَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ مَمْنُوعًا مِنَ الْحُكْمِ , فَإِذَا حَكَمَ بِهِ وَقَعَ مَوْقِعَ الصَّحِيحِ الْجَائِزِ , كَمَا نَقُولُ فِي الْبَيْعِ فِي حَالِ النِّدَاءِ لِلْجُمُعَةِ , وَالصَّلَاةِ فِي الدَّارِ الْمَغْصُوبَةِ , وَالطَّلَاقِ فِي حَالِ الْحَيْضِ فَإِنْ قِيلَ: مِثْلُ هَذَا لَا يَمْتَنِعُ لَكِنْ مَا الَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ؟ فَالْجَوَابُ عَنْهُ: أَنَّ الدَّلِيلَ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ إِجْمَاعِ الْأُمَّةِ عَلَى أَنَّهُ لَا -[127]- يَجُوزُ نَقْضُهُ , وَلِأَنَّ فِي نَقْضِ الْحُكْمِ فَسَادًا لِكَوْنِهِ ذَرِيعَةً إِلَى تَسْلِيطِ الْحُكَّامِ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ , فَلَا يَشَاءُ حَاكِمٌ يَكُونُ فِي قَلْبِهِ مِنْ حَاكِمٍ شَيْءٌ إِلَّا تَعَقَّبَ حُكْمَهُ بِنَقْضٍ فَلَا يَسْتَقِرُّ حُكْمٌ , وَلَا يَصِحُّ لِأَحَدٍ مُلْكٌ , وَفِي ذَلِكَ فَسَادٌ عَظِيمٌ , وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ , ثَبَتَ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ هَذَيْنِ الطَّرِيقَتَيْنِ وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ تَقْلِيدِ الْعَامِّيِّ , فَهُوَ: أَنَّ فَرْضَهُ تَقْلِيدُ مَنْ هُوَ مِنْ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ , وَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ الطَّبَرِيُّ: فَرْضُهُ اتِّبَاعُ عَالِمِهِ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ عَالِمُهُ مُصِيبًا , كَمَا يَتَّبِعُ عَالِمَهُ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَكُونَ مُخَالِفًا لِلنَّصِّ وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ الْعَامِّيَّ يُقَلِّدُ أَوْثَقَ الْمُجْتَهِدِينَ فِي نَفْسِهِ , وَلَا يُكَلَّفُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ , لِأَنَّهُ لَا سَبِيلَ لَهُ إِلَى مَعْرِفَةِ الْحَقِّ , وَالْوُقُوفِ عَلَى طَرِيقِهِ , وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الْمُجْتَهِدِينَ يَقِينُهُ بِمَا أَدَّى إِلَيْهِ اجْتِهَادُهُ , فَيُؤَدِّي ذَلِكَ إِلَى حِيرَةِ الْعَامِّيِّ , فَجَعَلَ لَهُ أَنْ يُقَلِّدَ أَوْثَقَهُمَا فِي نَفْسِهِ , وَيُخَالِفَ الْمُجْتَهِدَ , لِأَنَّهُ يَتَمَكَّنُ مِنْ مُوَافَقَتِهِ عَلَى طَرِيقِ الْحَقِّ وَمُنَاظَرَتِهِ فِيهِ

باب الكلام في التقليد وما يسوغ منه وما لا يسوغ قد ذكرنا الأدلة التي يرجع إليها المجتهد في معرفة الأحكام , وبقي الكلام في بيان ما يرجع إليه العامي في العمل وهو التقليد وجملته أن التقليد هو: قبول القول من غير دليل والأحكام على ضربين عقلي وشرعي، فأما

§بَابُ الْكَلَامِ فِي التَّقْلِيدِ وَمَا يَسُوغُ مِنْهُ وَمَا لَا يَسُوغُ قَدْ ذَكَرْنَا الْأَدِلَّةَ الَّتِي يَرْجِعُ إِلَيْهَا الْمُجْتَهِدُ فِي مَعْرِفَةِ الْأَحْكَامِ , وَبَقِيَ الْكَلَامُ فِي بَيَانِ مَا يَرْجِعُ إِلَيْهِ الْعَامِّيُّ فِي الْعَمَلِ وَهُوَ التَّقْلِيدُ وَجُمْلَتُهُ أَنَّ التَّقْلِيدَ هُوَ: قَبُولُ الْقَوْلِ مِنْ غَيْرِ دَلِيلٍ وَالْأَحْكَامُ عَلَى ضَرْبَيْنِ عَقْلِيٍّ وَشَرْعِيٍّ، فَأَمَّا الْعَقْلِيُّ: فَلَا يَجُوزُ فِيهِ التَّقْلِيدُ , كَمَعْرِفَةِ الصَّانِعِ تَعَالَى وَصِفَاتِهِ وَمَعْرِفَةِ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصِدْقِهِ , وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأَحْكَامِ الْعَقْلِيَّةِ وَحُكِيَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ الْعَنْبَرِيِّ أَنَّهُ قَالَ: يَجُوزُ التَّقْلِيدُ فِي أُصُولِ الدِّينِ وَهَذَا خَطَأٌ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ} [الأعراف: 3] وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ} [البقرة: 170] وَقَالَ تَعَالَى: {وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آبَاءَكُمْ} [الزخرف

: 24] فَمَنَعَهُمُ الِاقْتِدَاءَ بِآبَائِهِمْ مِنْ قَبُولِ الْأَهْدَى فَقَالُوا: {إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ} [سبأ: 34] وَقَالَ تَعَالَى: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْرَاهِيمَ إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا تَعْبُدُونَ قَالُوا نَعْبُدُ أَصْنَامًا فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ} [الشعراء: 69] فَتَرَكُوا جَوَابَ الْمَسْأَلَةِ لِانْقِطَاعِهِمْ عَنْهُ , وَكَشَفَتِ الْمَسْأَلَةُ عَنْ عَوَارِ مَذْهَبِهِمْ , فَذَكَرُوا مَا لَمْ يَسْأَلْهُمْ عَنْهُ مِنْ فِعْلِ آبَائِهِمْ وَتَقْلِيدِهِمْ إِيَّاهُمْ , وَقَالَ تَعَالَى: {وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيَلَا} [الأحزاب: 67] , وَقَالَ تَعَالَى: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ} [التوبة: 31]

أنا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْوَاعِظِ , أنا عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْجُمَحِيُّ , نا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ , نا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدٍ الْأَصْبَهَانِيُّ , نا عَبْدُ السَّلَامِ , نا غُطَيْفُ بْنُ أَعْيَنَ الْمُحَارِبِيُّ , عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ , عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ , قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي عُنُقِي صَلِيبٌ مِنْ ذَهَبٍ , قَالَ: فَقَالَ لِي: «يَا ابْنَ حَاتِمٍ أَلْقِ هَذَا الْوَثَنَ مِنْ عُنُقِكَ» قَالَ: فَأَلْقَيْتُهُ , قَالَ: ثُمَّ افْتَتَحَ بِسُورَةِ بَرَاءَةَ , فَقَرَأَ حَتَّى بَلَغَ إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ} [التوبة: 31] قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ: مَا كُنَّا نعَبْدُهُمْ , فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: §«أَلَيْسَ كَانُوا يُحِلُّونَ لَكُمُ الْحَرَامَ فَتَسْتَحِلُّونَهُ وَيُحَرِّمُونَ عَلَيْكُمُ الْحَلَالَ فَتُحَرِّمُونَهُ؟» , قَالَ: قُلْتُ: بَلَى , قَالَ -[130]-: «فَتِلْكَ عِبَادَتُهُمْ»

أنا الْقَاضِي أَبُو الْعَلَاءِ الْوَاسِطِيُّ , أنا أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ حَمْدَانَ بْنِ مَالِكٍ الْقَطِيعِيُّ , نا بِشْرُ بْنُ مُوسَى , نا مُعَاوِيَةُ بْنُ عَمْرٍو , عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ , عَنِ الْأَعْمَشِ , عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ , عَنْ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ , قَالَ: سُئِلَ حُذَيْفَةُ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ: {§اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ} [التوبة: 31] أَكَانُوا يَعْبُدُونَهُمْ؟ قَالَ: «كَانُوا يُحِلُّونَ لَهُمْ مَا حَرَّمَ اللَّهُ , فَيُحِلُّونَهُ , وَيُحَرِّمُونَ عَلَيْهِمْ مَا أَحَلَّ اللَّهُ فَيُحَرِّمُونَهُ»

أنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ الدِّمَشْقِيُّ , أنا جَدِّي: أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ الْوَلِيدِ السُّلَمِيُّ , أنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ بْنِ -[131]- بِشْرٍ الْهَرَوِيُّ , أنا مُحَمَّدُ بْنُ حَمَّادٍ الطِّهْرَانِيُّ , أنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ , أنا الثَّوْرِيُّ , عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ , عَنْ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ , قَالَ: سَأَلَ رَجُلٌ حُذَيْفَةَ , فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ: أَرَأَيْتَ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى: {§اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ} [التوبة: 31] أَكَانُوا يَعْبُدُونَهُمْ , قَالَ: «لَا , وَلَكِنَّهُمُ كَانُوا إِذَا أَحَلُّوا لَهُمْ شَيْئًا اسْتَحَلُّوهُ , وَإِذَا حَرَّمُوا عَلَيْهِمْ شَيْئًا حَرَّمُوهُ»

أنا أَبُو الْحُسَيْنِ مُحَمَّدُ بْنُ مَكِّيِّ بْنِ عُثْمَانَ الْأَزْدِيُّ الْمِصْرِيُّ بِصُورَ , أنا أَبُو مُسْلِمٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَلِيٍّ الْكَاتِبُ , أنا أَبُو عُثْمَانَ سَعِيدُ بْنُ مُحَمَّدٍ أَخُو زُبَيْرٍ , نا أَبُو هِشَامٍ الرِّفَاعِيُّ , نا ابْنُ فُضَيْلٍ , نا عَطَاءٌ , عَنْ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ: {§اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ} [التوبة: 31] وَقَالَ: «أَطَاعُوهُمْ فِيمَا أَمَرُوهُمْ بِهِ مِنْ تَحْلِيلِ حَرَامٍ وَتَحْرِيمِ حَلَالٍ , عَبَدُوهُمْ بِذَلِكَ»

أنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَخْلَدِ بْنِ جَعْفَرٍ الْمُعَدِّلُ , نا أَحْمَدُ بْنُ كَامِلٍ الْقَاضِي , نا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ , حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ الْوَلِيدِ , نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دَاوُدَ , قَالَ: ذَكَرَ الْأَعْمَشُ , عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ , قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ -[132]-: §«لَا يُقَلِّدَنَّ رَجُلٌ دِينَهُ رَجُلًا , إِنْ آمَنَ آمَنَ , وَإِنْ كَفَرَ كَفَرَ» قُلْتُ: وَلِأَنَّ طَرِيقَ الْأُصُولِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا الْعَقْلُ , وَالنَّاسُ كُلُّهُمْ يَشْتَرِكُونَ فِي الْعَقْلِ , فَلَا مَعْنَى لِلتَّقْلِيدِ فِيهِ وَأَمَّا الْأَحْكَامُ الشَّرْعِيَّةُ , فَضَرْبَانِ: أَحَدُهُمَا: يُعْلَمُ ضَرُورَةً مِنْ دِينِ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَالصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ , وَالزَّكَوَاتِ , وَصَوْمِ شَهْرِ رَمَضَانَ , وَالْحَجِّ , وَتَحْرِيمِ الزِّنَا وَشُرْبِ الْخَمْرِ , وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، فَهَذَا لَا يَجُوزُ التَّقْلِيدُ فِيهِ , لِأَنَّ النَّاسَ كُلَّهُمْ يَشْتَرِكُونَ فِي إِدْرَاكِهِ , وَالْعِلْمِ بِهِ , فَلَا مَعْنَى لِلتَّقْلِيدِ فِيهِ وَضَرْبٌ آخَرُ: لَا يُعْلَمُ إِلَّا بِالنَّظَرِ وَالِاسْتِدْلَالِ: كَفُرُوعِ الْعِبَادَاتِ , وَالْمُعَامَلَاتِ , وَالْفُرُوجِ , وَالْمُنَاكَحَاتِ , وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأَحْكَامِ , فَهَذَا يُسَوَّغُ فِيهِ التَّقْلِيدُ , بِدَلِيلِ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [النحل: 43] وَلِأَنَّا لَوْ مَنَعْنَا التَّقْلِيدَ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ الَّتِي هِيَ مِنْ فُرُوعِ الدِّينِ لَاحْتَاجَ كُلُّ أَحَدٍ أَنْ يَتَعَلَّمَ ذَلِكَ , وَفِي إِيجَابِ ذَلِكَ قَطْعٌ عَنِ الْمَعَايِشِ , وَهَلَاكُ الْحَرْثِ وَالْمَاشِيَةِ , فَوَجَبَ أَنْ يَسْقُطَ

باب القول فيمن يسوغ له التقليد ومن لا يسوغ أما من يسوغ له التقليد فهو العامي: الذي لا يعرف طرق الأحكام الشرعية , فيجوز له أن يقلد عالما , ويعمل بقوله , قال الله تعالى: فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون

§بَابُ الْقَوْلِ فِيمَنْ يَسُوغُ لَهُ التَّقْلِيدُ وَمَنْ لَا يَسُوغُ أَمَا مَنْ يَسُوغُ لَهُ التَّقْلِيدُ فَهُوَ الْعَامِّيُّ: الَّذِي لَا يَعْرِفُ طُرُقَ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ , فَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يُقَلِّدَ عَالِمًا , وَيَعْمَلَ بِقَوْلِهِ , قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [النحل: 43]

أَخْبَرَنِي أَبُو الْقَاسِمِ الْأَزْهَرِيُّ , نا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ مُكْرَمٍ إِمْلَاءً , نا أَبُو بَكْرِ بْنُ مُجَاهِدٍ الْمُقْرِئُ , نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَيُّوبَ , نا أَبُو بَدْرٍ , قَالَ: سَمِعْتُ عَمْرَو بْنَ قَيْسٍ , يَقُولُ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {§فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [النحل: 43] , قَالَ: «أَهْلُ الْعِلْمِ»

أنا أَبُو سَعِيدٍ: مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى الصَّيْرَفِيُّ , نا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْأَصَمُّ , نا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ , نا أَيُّوبُ بْنُ سُوَيْدٍ , نا الْأَوْزَاعِيُّ , عَنْ عَطَاءٍ , عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ رَجُلًا , أَصَابَهُ جُرْحٌ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْنِي: فَاحْتَلَمَ فَأُمِرَ بِالِاغْتِسَالِ , فَاغْتَسَلَ فَمَاتَ , فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَقَالَ: §«قَتَلُوهُ قَتَلَهُمُ اللَّهُ , إِنَّ شِفَاءَ الْعِيِّ السُّؤَالُ» قَالَ عَطَاءٌ: فَبَلَغَنَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ بَعْدَ ذَلِكَ , فَقَالَ -[134]-: " لَوْ غَسَلَ جَسَدَهُ , وَتَرَكَ رَأْسَهُ حَيْثُ أَصَابَهُ يَعْنِي: الْجُرْحَ " وَلِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ فَكَانَ فَرْضُهُ التَّقْلِيدَ , كَتَقْلِيدِ الْأَعْمَى فِي الْقِبْلَةِ , فَإِنَّهُ لَمَّا لَمْ يَكُنْ مَعَهُ آلَةُ الِاجْتِهَادِ فِي الْقِبْلَةِ , كَانَ عَلَيْهِ تَقْلِيدُ الْبَصِيرِ فِيهَا وَحُكِيَ عَنْ بَعْضِ الْمُعْتَزِلَةِ , أَنَّهُ قَالَ: لَا يَجُوزُ لِلْعَامِّيِّ الْعَمَلُ بِقَوْلِ الْعَالِمِ حَتَّى يَعْرِفَ عِلَّةَ الْحُكْمِ , وَإِذَا سَأَلَ الْعَالِمَ فَإِنَّمَا يَسْأَلُهُ أَنْ يُعَرِّفَهُ طَرِيقَ الْحُكْمِ , فَإِذَا عَرَّفَهُ وَقَفَ عَلَيْهِ وَعَمِلَ بِهِ وَهَذَا غَلَطٌ , لِأَنَّهُ لَا سَبِيلَ لِلْعَامِّيِّ إِلَى الْوقُوفِ عَلَى ذَلِكَ , إِلَّا بَعْدَ -[135]- أَنْ يَتَفَقَّهَ سِنِينَ كَثِيرَةً , وَيُخَالِطَ الْفُقَهَاءَ الْمُدَّةَ الطَّوِيلَةَ , وَيَتَحَقَّقَ طُرُقَ الْقِيَاسِ , وَيَعْلَمَ مَا يُصَحِّحُهُ وَيُفْسِدُهُ وَمَا يَجِبُ تَقْدِيمُهُ عَلَى غَيْرِهِ مِنَ الْأَدِلَّةِ , وَفِي تَكْلِيفِ الْعَامَّةِ بِذَلِكَ تَكْلِيفُ مَا لَا يُطِيقُونَهُ , وَلَا سَبِيلَ لَهُمْ إِلَيْهِ وَأَمَّا الْعَالِمُ: هَلْ يَجُوزُ أَنْ يُقَلِّدَ غَيْرَهُ؟ ؟ يُنْظَرُ فِيهِ فَإِنْ كَانَ الْوَقْتُ وَاسِعًا عَلَيْهِ , يُمْكِنُهُ فِيهِ الِاجْتِهَادُ , لَمْ يَجُزْ لَهُ التَّقْلِيدُ , وَلَزِمَهُ طَلَبُ الْحُكْمِ بِالِاجْتِهَادِ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ قَالَ: يَجُوزُ لَهُ تَقْلِيدُ الْعَالِمِ

وَحُكِيَ ذَلِكَ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ: أنا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ إِسْمَاعِيلَ الْبَزَّازُ بِالْبَصْرَةِ , نا أَبُو بَكْرٍ يَزِيدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عُمَرَ بْنِ يَزِيدَ بْنِ مَرْوَانَ الْخَلَّالُ , نا الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ التَّرَقُّفِيُّ , نا رَوَّادُ بْنُ الْجَرَّاحِ , قَالَ: سَمِعْتُ سُفْيَانَ , يَقُولُ: §«مَا اخْتَلَفَ فِيهِ الْفُقَهَاءُ , فَلَا أَنْهَى أَحَدًا مِنْ إِخْوَانِي أَنْ يَأْخُذَ بِهِ»

وأنا ابْنُ الْفَضْلِ , أنا دَعْلَجُ بْنُ أَحْمَدَ , أنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْأَبَّارُ , نا أَبُو هِشَامٍ , قَالَ: سَمِعْتُ حَفْصَ بْنَ غِيَاثٍ , يَقُولُ: سَمِعْتُ سُفْيَانَ , يَقُولُ

: §«إِذَا رَأَيْتَ الرَّجُلَ يَعْمَلُ الْعَمَلَ الَّذِي قَدِ اخْتُلِفَ فِيهِ وَأَنْتَ تَرَى غَيْرَهُ فَلَا تَنْهَهُ» وَرُوِي عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ الشَّيْبَانِيِّ , أَنَّهُ قَالَ: يَجُوزُ لِلْعَالِمِ تَقْلِيدُ مَنْ هُوَ أَعْلَمُ مِنْهُ وَلَا يَجُوزُ لَهُ تَقْلِيدُ مِثْلِهِ وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ التَّقْلِيدُ أَصْلًا مَعَ اتِّسَاعِ الْوَقْتِ: أَنَّ مَعَهَ آلَةً يُتَوَصَّلُ بِهَا إِلَى الْحُكْمِ الْمَطْلُوبِ , فَلَا يَجُوزُ لَهُ تَقْلِيدُ غَيْرِهِ , كَمَا قُلْنَا فِي الْعَقْلِيَّاتِ , وَأَمَّا إِذَا كَانَ الْوَقْتُ قَدْ ضَاقَ , وَخُشِيَ فَوَاتُ الْعِبَادَةِ إِنِ اشْتَغَلَ بِالِاجْتِهَادِ , فَفِي ذَلِكَ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُقَلِّدَ وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهُ لَا يَجُوزُ , لِأَنَّ مَعَهُ آلَةَ الِاجْتِهَادِ , فَأَشْبَهَ إِذَا كَانَ الْوَقْتُ وَاسِعًا , وَقِيلَ , هَذَا أَصَحُّ الْوَجْهَيْنِ , وَاللَّهُ أَعْلَمُ

أنا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عُمَرَ الصَّابُونِيُّ , أنا أَبُو سُلَيْمَانَ: مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ الْحَرَّانِيُّ , أنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ شُعَيْبٍ الْمَدَائِنِيُّ , قَالَ: قَالَ الْمُزَنِيُّ: " §وَيُقَالُ لِمَنْ حَكَمَ بِالتَّقْلِيدِ: هَلْ لَكَ فِيمَا حَكَمْتَ مِنْ حُجَّةٍ؟ فَإِنْ قَالَ: نَعَمْ , أَبْطَلَ التَّقْلِيدَ , لِأَنَّ الْحُجَّةَ أَوْجَبَتْ ذَلِكَ عِنْدَهُ , لَا

التَّقْلِيدُ , فَإِنْ قَالَ: بِغَيْرِ حُجَّةٍ قِيلَ لَهُ: فَلِمَ أَرَقْتَ الدِّمَاءَ وَأَبَحْتَ الْفُرُوجَ وَأَتْلَفْتَ الْأَمْوَالَ , وَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ كُلَّ ذَلِكَ فَأَبَحْتَهُ بِغَيْرِ حُجَّةٍ؟ فَإِنْ قَالَ: أَنَا أَعْلَمُ أَنِّي قَدْ أَصَبْتُ , وَإِنْ لَمْ أَعْرِفْ الْحُجَّةَ , لِأَنَّ مُعَلِّمِي مِنْ كِبَارِ الْعُلَمَاءِ , وَرَأَيْتُهُ فِي الْعِلْمِ مُقَدِّمًا فَلَمْ يَقُلْ ذَلِكَ إِلَّا بِحُجَّةٍ خَفِيَتْ عَنِّي , قِيلَ: فَتَقْلِيدُ مُعَلِّمِ مُعَلِّمِكَ أَوْلَى مِنْ تَقْلِيدِ مُعَلِّمِكَ , لِأَنَّهُ لَا يَقُولُ إِلَّا بِحُجَّةٍ خَفِيَتْ عَنْ مُعَلِّمِكَ , كَمَا لَمْ يَقُلْ مُعَلِّمُكَ إِلَّا بِحُجَّةٍ خَفِيَتْ عَنْكَ؟ فَإِنْ قَالَ: نَعَمْ , تَرَكَ تَقْلِيدَ مُعَلِّمِهِ إِلَى تَقْلِيدِ مُعَلِّمِ مُعَلِّمِهِ , وَكَذَلِكَ مَنْ هُوَ أَعْلَى , حَتَّى يَنْتَهِيَ إِلَى الْعَالِمِ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَإِنْ أَبَى ذَلِكَ: نَقَضَ قَوْلَهُ , وَقِيلَ لَهُ: وَكَيْفَ يَجُوزُ تَقْلِيدُ مَنْ هُوَ أَصْغَرُ وَأَقَلُّ عِلْمًا , وَلَا يَجُوزُ تَقْلِيدُ مَنْ هُوَ أَكْبَرُ وَأَكْثَرُ عِلْمًا , وَهَذَا مُتَنَاقِضٌ؟ فَإِنْ قَالَ: لِأَنَّ مُعَلِّمِي , وَإِنْ كَانَ أَصْغَرَ فَقَدْ جَمَعَ عِلْمَ مَنْ فَوْقَهُ إِلَى عِلْمِهِ , فَهُوَ أَبْصَرُ بِمَا أَخَذَ , وَأَعْلَمُ بِمَا تَرَكَ , قِيلَ: وَكَذَلِكَ مَنْ تَعَلَّمَ مِنْ مُعَلِّمِكَ , فَقَدْ جَمَعَ عِلْمَ مُعَلِّمِكَ , وَعِلْمَ مَنْ فَوْقَهُ إِلَى عِلْمِهِ , فَلِزَمَكَ تَقْلِيدُهُ , وَتَرْكُ تَقْلِيدِ مُعَلِّمِكَ , وَكَذَلِكَ أَنْتَ أَوْلَى أَنْ تُقَلِّدَ نَفْسَكَ مِنْ مُعَلِّمِكَ , لِأَنَّكَ جَمَعْتَ عِلْمَهُ , وَعِلْمَ مَنْ فَوْقَهُ إِلَى عِلْمِكَ , فَإِنْ قَادَ قَوْلَهُ: جَعَلَ الْأَصْغَرَ وَمَنْ يُحَدِّثُ مِنْ صِغَارِ الْعُلَمَاءِ أَوْلَى بِالتَّقْلِيدِ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَكَذَلِكَ عَلَى الصَّحَابِيِّ تَقْلِيدُ مَنْ دُونَهُ , وَكَذَلِكَ تَقْلِيدُ الْأَعْلَى الْأَدْنَى أَبَدًا , فِي قِيَاسِ قَوْلِهِ , مَعَ مَا يَلْزَمُهُ مِنْ تَصْوِيبِ مَنْ قَلَّدَ غَيْرَ مُعَلِّمِهِ فِي تَخْطِئَةِ مُعَلِّمِهِ , فَيَكُونُ بِذَلِكَ مُخَطِّئًا لِمُعَلِّمِهِ , وَلِتَقْلِيدِهِ إِيَّاهُ "

باب في فضل العلم والعلماء

§بَابٌ فِي فَضْلِ الْعِلْمِ وَالْعُلَمَاءِ

أنا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عُمَرَ الْمُقْرِئُ , أنا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْآجُرِّيُّ , أنا أَبُو جَعْفَرٍ: أَحْمَدُ بْنُ يَحْيَى الْحُلْوَانِيُّ , نا الْهَيْثَمُ بْنُ خَارِجَةَ , نا رِشْدِينُ بْنُ سَعْدٍ , عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْوَلِيدِ التُّجِيبِيِّ , عَنْ أَبِي حَفْصٍ , حَدَّثَهُ: أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ , يَقُولُ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: §«إِنَّ مَثَلَ الْعُلَمَاءِ فِي الْأَرْضِ , كَمَثَلِ نُجُومِ السَّمَاءِ يُهْتَدَى بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبِرِّ وَالْبَحْرِ , فَإِذَا انْطَمَسَتِ النُّجُومُ , يُوشِكُ أَنْ يَضِلَّ الْهُدَاةُ»

أنا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْجَوْهَرِيُّ , أنا مُحَمَّدُ بْنُ عِمْرَانَ بْنِ مُوسَى الْمَرْزَبَانِيُّ , نا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى الْمَكِّيُّ , نا مُحَمَّدُ بْنُ الْقَاسِمِ بْنِ خَلَّادٍ , قَالَ: يُقَالُ: §«الْعَقْلُ دَلِيلُ الْخَيْرِ , وَالْعِلْمُ مِصْبَاحُ الْعَقْلِ , وَهُوَ جِلَاءُ الْقَلْبِ مِنْ

صَدَى الْجَهْلِ , وَهُوَ أَقْنَعُ جَلِيسٍ , وَأَسَرُّ عَشِيرٍ , وَأَفْضَلُ صَاحِبٍ وَقَرِينٍ , وَأَزْكَى عُقْدَةٍ , وَأَرْبَحُ تِجَارَةٍ , وَأَنْفَعُ مَكْسَبٍ , وَأَحْصَنُ كَهْفٍ , وَأَفْضَلُ مَا اقْتُنِيَ لِلدُّنْيَا , وَاسْتُطْهِرَ بِهِ لِلْآخِرَةِ , وَاعْتُصِمَ بِهِ مِنَ الذُّنُوبِ , وَسَكَنَتْ إِلَيْهِ الْقُلُوبُ , يَزِيدُ فِي شَرَفِ الشَّرِيفِ , وَرِفْعَةِ الرَّفِيعِ , وَقَدْرِ الْوَضِيعِ , أُنْسٌ فِي الْوَحْشَةِ , وَأَمْنٌ عِنْدَ الشِّدَّةِ , وَدَالٌّ عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى , وَحَدَّثَنَاهُ عَنْ مَعْصِيَتِهِ , وَقَائِدٌ إِلَى رِضْوَانِهِ , وَوَسِيلَةٌ إِلَى رَحْمَتِهِ» قُلْتُ: وَقَدْ جَعَلَ اللَّهُ الْعِلْمَ وَسَائِلَ أَوْلِيَائِهِ , وَعَصَمَ بِهِ مَنَ اخْتَارَهُ مِنْ أَصْفِيَائِهِ , فَحَقِيقٌ عَلَى الْمُتَوَسِّمِ بِهِ اسْتِفْرَاغُ الْمَجْهُودِ فِي طَلَبِهِ , وَأَهْلُ الْعِلْمِ فِي حِفْظِهِ مُتَقَارِبُونَ , وَفِي اسْتِنْبَاطِ فِقْهِهِ مُتَبَايِنُونَ , وَلِهَذَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا:

أنا أَبُو الْحُسَيْنِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ الْمُعَدِّلُ , أنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرٍ الْقَطِيعِيُّ , نا مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْوَاسِطِيُّ , نا عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ , نا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ , نا شُعْبَةُ , قَالَ: حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ , مِنْ وَلَدِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ , عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبَانَ بْنِ عُثْمَانَ , عَنْ أَبِيهِ , قَالَ: خَرَجَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ مِنْ عِنْدَ مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ قَرِيبًا , أَوْ نَحْوًا مِنْ نِصْفِ النَّهَارِ , قَالَ: فَقُلْتُ مَا يَخْرُجُ هَذِهِ السَّاعَةَ إِلَّا قَدْ سَأَلَهُ عَنْ شَيْءٍ , قَالَ: فَقُمْتُ إِلَيْهِ فَسَأَلْتُهُ , فَقَالَ: سَأَلْنَا عَنْ أَشْيَاءَ سَمِعْنَاهَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: §«نَضَّرَ اللَّهُ امْرَأً سَمِعَ مِنَّا حَدِيثًا فَحَفِظَهُ حَتَّى يُبَلِّغَهُ غَيْرَهُ , فَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ لَيْسَ بِفَقِيهٍ , وَرُبَّ حَامِلٍ إِلَى مَنْ هُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ» فَأَخْبَرَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَدْ يَحْمِلُ الْحَدِيثَ مَنْ يَكُونُ لَهُ حَافِظًا , وَلَا يَكُونُ فِيهِ فَقِيهًا , وَأَكْثَرُ كَتَبَةِ الْحَدِيثِ فِي هَذَا الزَّمَانِ بَعِيدٌ مِنْ حِفْظِهِ , خَالٍ مِنْ مَعْرِفَةِ فِقْهِهِ , لَا يُفَرِّقُونَ بَيْنَ مُعَلِّلٍ وَصَحِيحٍ , وَلَا يُمَيِّزُونَ بَيْنَ مُعَدَّلٍ مِنَ الرُّوَاةِ وَمَجْرُوحٍ , وَلَا يَسْأَلُونَ عَنْ لَفْظٍ أَشْكَلً عَلَيْهِمْ رَسْمُهُ , وَلَا يَبْحَثُونَ عَنْ مَعْنًى خَفِيٍّ عَنْهُمْ عِلْمُهُ , مَعَ أَنَّهُمْ قَدِ أَذْهَبُوا فِي كُتُبِهِ أَعْمَارَهُمْ , وَبَعُدَتْ فِي الرِّحْلَةِ لِسَمَاعِهِ أَسْفَارُهُمْ , فَجَعَلُوا لِأَهْلِ الْبِدَعِ مِنَ الْمُتَكَلِّمِينَ , وَلِمَنْ غَلَبَ عَلَيْهِ الرَّأْيُ مِنَ الْمُتَفَقِّهِينَ طَرِيقًا إِلَى الطَّعْنِ عَلَى أَهْلِ الْآثَارِ , وَمَنْ شَغَلَ وَقْتَهُ بِسَمَاعِ الْأَحَادِيثِ وَالْأَخْبَارِ , حَتَّى وَصَفُوهُمْ بِضُرُوبٍ الْجَهَالَاتِ , وَنَبَرُوهُمْ بِأَسْوَإِ الْمَقَالَاتِ , وَأَطْلَقُوا أَلْسِنَتَهُمْ بِسَبِّهِمْ , وَتَظَاهَرُوا بِعَيْبِ الْمُتَقَدِّمِينَ وَثَلْبِهِمْ , وَضَرَبُوا لَهُمُ الْمَثَلَ , بِقَوْلِ الشَّاعِرِ: [البحر الطويل] زَوَامِلُ لِلْأَسْفَارِ لَا عِلْمَ عِنْدَهُمْ ... بِجَيِّدِهَا إِلَّا كَعِلْمِ الْأَبَاعِرِ لَعَمْرُكَ مَا يَدْرِي الْمَطِيُّ إِذَا غَدَا ... بِأَحْمَالِهِ أَوْ رَاحَ مَا فِي الْغَرَائِرِ -[141]- كُلُّ ذَلِكَ لِقِلَّةِ بَصِيرَةِ أَهْلِ زَمَانِنَا بِمَا جَمَعُوهُ , وَعَدَمِ فِقْهِهِمْ بِمَا كَتَبُوهُ وَسَمَعُوهُ , وَمَنْعِهِمْ نُفُوسَهُمْ عَنْ مُحَاضَرَةِ الْفُقَهَاءِ , وَذَمِّهِمْ مُسْتَعْمِلِي الْقِيَاسِ مِنَ الْعُلَمَاءِ , لِسَمَاعِهِمُ الْأَحَادِيثَ الَّتِي تَعَلَّقَ بِهَا أَهْلُ الظَّاهِرِ فِي ذَمِّ الرَّأْيِ وَالنَّهْيِ عَنْهُ , وَالتَّحْذِيرِ مِنْهُ , وَأَنَّهُمْ لَمْ يُمَيِّزُوا بَيْنَ مَحْمُودِ الرَّأْيِ وَمَذْمُومِهِ , بَلْ سَبَقَ إِلَى نُفُوسِهِمْ أَنَّهُ مَحْظُورٌ عَلَى عُمُومِهِ , ثُمَّ قَلَّدُوا مُسْتَعْمِلِي الرَّأْيِ فِي نَوَازِلِهِمْ , وَعَوَّلُوا فِيهَا عَلَى أَقْوَالِهِمْ وَمَذَاهِبِهِمْ , فَنَقَضُوا بِذَلِكَ مَا أَصَّلُوهُ وَاسْتَحَلُّوا مَا كَانُوا حَرَّمُوهُ , وَحَقَّ لِمَنْ كَانَتْ حَالُهُ هَذِهِ أَنْ يُطْلَقَ فِيهِ الْقَوْلُ الْفَظِيعُ , وَيُشَنَّعُ عَلَيْهِ بِضُرُوبِ التَّشْنِيعِ , فَأَبْلَغَ مِنِّي مَا ذَكَرْتُهُ اغْتِمَامًا , وَأَثَّرَ فِي مَعْرِفَتِي بِهِ اهْتِمَامَا لِأَمْرَيْنِ: أَحَدُهُمَا: قَصْدُ مَنْ ذَكَرْتُ بِكِبَرِ الْوَقِيعَةِ , مُتَقَدِّمِي أَئِمَّةِ أَهْلِ الْحَدِيثِ , الْقَائِمِينَ بِحِفْظِ الشَّرِيعَةِ , لِأَنَّهُمْ رَأْسُ مَالِي , وَإِلَى عِلْمِهِمْ مَآلِي , وَبِهِمْ فَخْرِي وَجَمَالِي , نَحْوَ: مَالِكٌ وَالْأَوْزَاعِيٌّ , وشُعْبَةُ , وَالثَّوْرِيُّ , وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ , وَابْنُ مَهْدِيٍّ عَبْدُ الرَّحْمَنِ , وَعَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ الْأَمِينُ , وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ , وَابْنُ مَعِينٍ , وَمَنْ خَلَفَهُمْ مِنَ الْأَئِمَّةِ الْأَعْلَامِ , عَلَى مُضِيِّ الْأَوْقَاتِ وَكُرُورِ الْأَيَّامِ , فَبِهِمْ فِي عِلْمِ الْحَدِيثِ أَكْبَرُ الْفَخْرِ , لَا بِنَاقِلِيهِ وَحَامِلِيهِ فِي هَذَا الْعَصْرِ كَمَا أَنْشَدَنِي أَبُو عَبْدُ اللَّهِ: مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الصُّورِيُّ , قَالَ: أَنْشَدَنِي أَبُو يَعْلَى: مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْبَصْرِيُّ لِنَفْسِهِ: [البحر الكامل] أَهْلُ التَّصَوُّفِ أَهْلِي وَهُمْ جَمَالِي وَنُبْلِي ... وَلَسْتُ أَعْنِي بِهَذَا إِلَّا لِمَنْ كَانَ قَبْلِي -[142]- وَالْأَمْرُ الْآخَرُ: ازْدِرَاؤُهُمْ بِمَنْ فِي وَقْتِنَا , وَالْمُتَوَسِّمِينَ بِالْحَدِيثِ مِنْ أَهْلِ عَصْرِنَا , فَإِنَّ لَهُمْ حُرْمَةً تُرْعَى , وَحَقًّا يَجِبُ أَنْ يُؤَدَّى لِتَحَرُّمِهِمْ بِسَمَاعِهِ وَاكْتِتَابِهِ , وَتَشَبُّهِهِمْ بِأَهْلِهِ وَأَصْحَابِهِ , وَقَدْ دَلَّتْنَا الشَّرِيعَةُ عَلَى السَّمَاعِ مِنْهُمْ , وَأَذِنَتْ لَنَا فِي الْأَخْذِ عَنْهُمْ , وَوَرَدَ بِذَلِكَ مَأْثُورُ الْأَثَرِ عَنْ سَيِّدِ الْبَشَرِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَأَقَرَّ بِالزُّلْفَةِ عَيْنَيْهِ فِي قَوْلِهِ نَضَّرَ اللَّهُ امْرَأً سَمِعَ مِنَّا حَدِيثًا فَحَفِظَهُ حَتَّى يُبَلِّغَهُ غَيْرَهُ إِلَى آخِرِ الْكَلَامِ الَّذِي أَوْرَدْنَاهُ فِي أَوَّلِ هَذَا الْفَصْلِ

ونا أَبُو الْحُسَيْنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُعَدِّلُ إِمْلَاءً , وأنا الْحَسَنُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ , قِرَاءَةً عَلَيْهِ , قَالَا: أنا أَبُو عُمَرَ الزَّاهِدُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ , نا مُوسَى بْنُ سَهْلٍ الْوَشَّاءُ , نا أَبُو النَّضْرِ , نا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ ثَابِتِ بْنِ ثَوْبَانَ , نا حَسَّانُ بْنُ عَطِيَّةَ , عَنْ أَبِي مُنِيبٍ الْجُرَشِيِّ , عَنِ ابْنِ عُمَرَ , قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: §«بُعِثْتُ بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ بِالسَّيْفِ , حَتَّى يُعْبَدَ اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ , وَجَعَلَ رِزْقِي تَحْتَ ظِلِّ رُمْحِي , وَجَعَلَ الذُّلَّ وَالصَّغَارَ عَلَى مَنْ خَالَفَ أَمْرِي , وَمَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ -[144]- فَهُوَ مِنْهُمْ» قَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْخَطِيبُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَعَنَّا: ثُمَّ إِنِّي نَظَرْتُ فِي حَالِ مَنْ طَعَنَ عَلَى أَهْلِ الْحَدِيثِ , فَوَجَدْتُهُ أَحَدَ رَجُلَيْنِ: إِمَّا عَامِّيٌّ جَاهِلٌ , أَوْ خَاصِّيٌّ مُتَحَامِلٌ فَأَمَّا الْجَاهِلُ , فَمَعْذُورٌ فِي اغْتِيَابِهِ وَطَعْنِهِ عَلَى أَهْلِ الْعِلْمِ وَأَرْبَابِهِ

أنا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَلِيِّ بْنِ أَحْمَدَ الْخَيَّاطُ , نا أَبُو بَكْرٍ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْمُفِيدُ , نا الْحَسَنُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الرَّبْعِيُّ , نا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْفِهْرِيُّ , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ الزُّهْرِيِّ , أَنَّهُ قَالَ: §«الْعِلْمُ عِنْدَ أَهْلِ الْجَهْلِ قَبِيحٌ , كَمَا أَنَّ الْجَهْلَ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ قَبِيحٌ»

قَالَ: وقَالَ الزُّهْرِيُّ: §«الْعِلْمُ ذِكْرٌ لَا يُحِبُّهُ مِنَ الرِّجَالِ إِلَّا مَذْكُرُوهُمْ , وَلَا يَبْغَضُهُ مِنَ النَّاسِ إِلَّا مُؤْنِثُوهُمْ»

وأنا الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ الْحَسَنُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ رَامِينَ الْإِسْتَرَا بَاذِيُّ , نا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ الْجُرْجَانِيُّ , أَخْبَرَنِي أَبُو عَمْرٍو الْعَاصِمِيُّ , قَالَ: حَكَى الْمُزَنِيُّ , عَنِ الشَّافِعِيِّ , قَالَ -[150]-: §«الْعِلْمُ جَهْلٌ عِنْدَ أَهْلِ الْجَهْلِ , كَمَا أَنَّ الْجَهْلَ جَهْلٌ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ» , وَأَنْشَدَ فِيهِ: « [البحر الوافر] وَمَنْزِلَةُ السَّفِيهِ مِنَ الْفَقِيهِ ... كَمَنْزِلَةِ الْفَقِيهِ مِنَ السَّفِيهِ فَهَذَا زَاهِدٌ فِي قُرْبِ هَذَا ... وَهَذَا فِيهِ أَزْهَدُ مِنْهُ فِيهِ»

أنا أَبُو الْفَتْحِ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي الْفَوَارِسٍ الْحَافِظُ , أنا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ , نا أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ الدِّمَشْقِيُّ , قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُعْتَزِّ: §«الْعَالِمُ يَعْرِفُ الْجَاهِلُ , لِأَنَّهُ قَدْ كَانَ جَاهِلًا , وَالْجَاهِلُ لَا يَعْرِفُ الْعَالِمَ , لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ عَالِمًا» وَقَدْ قِيلَ: الْمَرْءُ عَدُوُّ مَا جَهِلَ وَجَاءَ هَذَا الْكَلَامُ بِلَفْظٍ آخَرَ وَهُوَ: مَنْ جَهِلَ شَيْئًا عَادَاهُ وَنَظَمَ هَذَا الْكَلَامَ فِي أَبْيَاتٍ تُعْزَى إِلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ , فَاللَّهُ أَعْلَمُ بِصِحَّةِ ذَلِكَ , وَهِيَ: [البحر البسيط] النَّاسُ مِنْ جِهَةِ التَّمْثِيلِ أَكْفَاءُ ... أَبُوهُمْ آدَمٌ , وَالْأُمُّ حَوَّاءُ فَإِنْ يَكُنْ لَهُمْ مِنْ بَعْدِ ذَا نَسَبٌ ... يُفَاخِرُونَ بِهِ , فَالطِّينُ وَالْمَاءُ مَا الْفَخْرُ إِلَّا لِأَهْلِ الْعِلْمِ , إِنَّهُمْ ... عَلَى الْهُدَى لِمَنْ اسْتَهْدَى أَدِلَّاءُ وَقَدْرُ كُلِّ امْرِئٍ مَا كَانَ يُحْسِنُهُ ... وَالْجَاهِلُونَ لِأَهْلِ الْعِلْمِ أَعْدَاءُ

فَعِشْ بِعِلْمٍ , وَلَا تَبْغِي بِهِ بَدَلًا ... فَالنَّاسُ مَوْتَى , وَأَهْلُ الْعِلْمِ أَحْيَاءُ وَهَذَا الْمَعْنَى مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ: {بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ} [يونس: 39] وَأَمَّا طَعْنُ الْمُتَخَصِّصِينَ مِنْ أَهْلِ الرَّأْيِ وَالْمُتَكَلِّمِينَ , فَأَنَا أُبَيِّنُ السَّبَبَ فِيهِ لِيَعْرِفَهُ مَنْ لَمْ يَكُنْ يَدْرِيهِ أَمَّا أَهْلُ الرَّأْيِ فَجُلُّ مَا يَحْتَجُّونَ بِهِ مِنَ الْأَخْبَارِ وَاهِيَةُ الْأَصْلِ , ضَعِيفَةٌ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ بِالنَّقْلِ , فَإِذَا سُئِلُوا عَنْهَا بَيَّنُوا حَالَهَا , وَأَظْهَرُوا فَسَادَهَا , فَشَقَّ عَلَيْهِمْ إِنْكَارُهُمْ إِيَّاهُمْ , وَمَا قَالُوهُ فِي مَعْنَاهَا , وَهُمْ قَدْ جَعَلُوهَا عُمْدَتَهُمْ , وَاتَّخَذُوهَا عِدَّتَهُمْ , وَكَانَ فِيهَا أَكْثَرُ النُّصْرَةِ لِمَذَاهِبِهِمْ , وَأَعْظَمُ الْعَوْنِ عَلَى مَقَاصِدِهِمْ وَمَآرِبِهِمْ , فَغَيْرُ مُسْتَنْكَرٌ طَعْنُهُمْ عَلَيْهِمْ , وَإِضَافَتُهُمْ أَسْبَابَ النَّقْصِ إِلَيْهِمْ , وَتَرْكُ قَبُولِ نَصِيحَتِهِمْ فِي تَعْلِيلِهِمْ , وَرَفْضِ مَا بَيَّنُوهُ مِنْ جَرْحِهِمْ , وَتَعْدِيلِهِمْ , لِأَنَّهُمْ قَدْ هَدَمُوا مَا شَيَّدُوهُ وَأَبْطَلُوا مَا أَمُّوهُ مِنْهُ وَقَصَدُوهُ , وَعَلَّلُوا مَا ظَنُّوا صِحَّتَهُ وَاعْتَقَدُوهُ وَأَمَّا الْمُتَكَلِّمُونَ: فَهُمْ مَعْذُورُونَ فِيمَا يُظْهِرُونَهْ مِنَ الْإِزْدِرَاءِ بِهِمْ , وَالْعَيْبِ لَهُمْ , لِمَا بَيَّنَهُمْ مِنَ التَّبَايُنِ الْبَاعِثِ عَلَى الْبَغْضَاءِ وَالتَّشَاحُنِ , وَاعِتَقَادِهِمْ فِي جُلِّ مَا يَنْقُلُونَهُ , وَعِظَمِ مَا يَرْوُونَهُ وَيَتَدَاوَلُونَهُ , إِبْطَالَهُ , وَإِكْفَارَ الَّذِينَ يُصَحِّحُونَهُ وَإِعْظَامِهِمْ عَلَيْهِمُ الْفِرْيَةَ

وَتَسْمِيَتِهِمْ لَهُمُ الْحَشْوِيَّةَ , وَاعْتِقَادُ الْمُحَدِّثِينَ فِي الْمُتَكَلِّمِينَ غَيْرُ خَافٍ عَلَى الْعُلَمَاءِ وَالْمُتَعَلِّمِينَ , فَهُمَا كَمَا قَالَ الْأَوَّلُ: اللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّا لَا نُحِبُّكُمُ ... وَلَا نَلُومُكُمْ إِذْ لَا تُحِبُّونَا فَقَدْ ذَكَرْتُ السَّبَبَ الْمُوجِبَ لِتَنَافِي هَذَيْنِ الْفَرِيقَيْنِ , وَتَبَاعُدِ مَا بَيْنَ هَاتَيْنِ الطَّائِفَتَيْنِ وَرَسَمْتُ فِي هَذَا الْكِتَابِ لِصَاحِبِ الْحَدِيثِ خَاصَّةً , وَلِغَيْرِهِ عَامَّةً مَا أَقُولُهُ نَصِيحَةً مِنِّي لَهُ , وَغَيْرِهِ عَلَيْهِ , وَهُوَ أَنَّ يَتَمَيَّزَ عَمَّنْ رَضِيَ لِنَفْسِهِ بِالْجَهْلِ , وَلَمْ يَكُنْ فِيهِ مَعْنًى يُلْحِقُهُ بِأَهْلِ الْفَضْلِ , وَيَنْظُرَ فِيمَا أَذْهَبَ فِيهِ مُعْظَمَ وَقْتِهِ , وَقَطَعَ بِهِ أَكْثَرَ عُمُرِهِ مِنْ كُتُبِ حَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَمْعِهِ , وَيَبْحَثُ عَنْ عِلْمِ مَا أُمِرَ بِهِ مِنْ مَعْرِفَةِ حَلَالِهِ وَحَرَامِهِ , وَخَاصِّهِ وَعَامِّهِ , وَفَرْضِهِ وَنَدْبِهِ , وَإِبَاحَتِهِ وَحَظْرِهِ , وَنَاسِخِهِ وَمَنْسُوخِهِ , وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَنْوَاعِ عُلُومِهِ قَبْلَ فَوَاتِ إِدْرَاكِ ذَلِكَ فِيهِ

وَقَدْ أنا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ رِزْقَوَيْهِ , نا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ السَّرَخْسِيُّ , نا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْذِرِ الْهَرَوِيُّ , نا الْحَسَنُ بْنُ عَامِرٍ النَّصِيبِيُّ , قَالَ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بْنَ صَالِحٍ , يَقُولُ: قَالَ الشَّافِعِيُّ: §«تَفَقَّهْ قَبْلَ أَنْ تَرْأَسَ , فَإِذَا تَرَأَّسْتَ فَلَا سَبِيلَ إِلَى التَّفَقُّهِ»

وأنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي الْفَتْحِ الْفَارِسِيُّ , أنا عُمَرُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عُثْمَانَ الْوَاعِظُ , نا مُوسَى بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ يَحْيَى , قَالَ -[153]-: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي سَعْدٍ , حَدَّثَنِي أَبُو مُحَمَّدٍ الْمَرْوَزِيُّ , قَالَ: كَانَ يُقَالُ: «§إِنَّمَا تُقْبَلُ الطِّينَةُ الْخَاتَمَ مَا دَامَتْ رَطْبَةً» أَيْ: إِنَّ الْعِلْمَ يَنْبَغِي أَنْ يُطْلَبَ فِي طَرَاةِ السِّنِّ وَجَاءَ عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنَينَ عُمَرَ بنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ قَالَ: تَفَقَّهُوا قَبْلَ أَنْ تُسَوَّدُوا

أَنَاهُ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُعَدِّلِ , أنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ , ثَنَا سَعْدَانُ بْنُ نَصْرٍ , ثَنَا وَكِيعٌ , عَنِ ابْنِ عَوْنٍ , وأنا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ رِزْقٍ , أنا عُثْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ الدَّقَّاقُ , ثَنَا حَنْبَلُ بْنُ إِسْحَاقَ , ثَنَا بَكَّارُ بْنُ مُحَمَّدٍ , ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَوْنٍ , وأنا الْحَسَنُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ , أنا أَبُو سَهْلٍ: أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زِيَادٍ الْقَطَّانُ , ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ غَالِبِ بْنِ حَرْبٍ , وأنا أَبُو الْفَرَجِ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ مُحَمَّدٍ الجَصَّاصُ , أنا أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ بْنُ خَلَّادٍ الْعَطَّارُ , نا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ هُوَ الْخَزَّازُ , قَالَا: ثَنَا هَوْذَةُ , نا ابْنُ عَوْنٍ , وأنا الْحَسَنُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ , نا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْآدَمَيُّ الْقَارِئُ , ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْقَاسِمِ , مَوْلَى بَنِي هَاشِمٍ , ثَنَا أَزْهَرُ , عَنِ ابْنِ عَوْنٍ , عَنْ مُحَمَّدٍ , عَنِ الْأَحْنَفِ , وَفِي حَدِيثِ وَكِيعٍ -[154]- وَبَكَّارٍ , عَنِ ابْنِ سِيرِينَ , عَنِ الْأَحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ , قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: §«تَفَقَّهُوا قَبْلَ أَنْ تُسَوَّدُوا ,»

أنا الْحَسَنُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ , أنا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ نَيْخَابٍ الطِّيبِيُّ , ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُونُسَ الْقُرَشِيُّ , ثَنَا أَزْهَرُ , حَدَّثَنَا ابْنُ عَوْنٍ , عَنِ الْحَسَنِ , عَنِ الْأَحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ , قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: «§تَفَقَّهُوا قَبْلَ أَنْ تُسَوَّدُوا» كَذَا قَالَ: عَنِ الْحَسَنِ وَالصَّوَابُ: عَنِ ابْنِ سِيرِينَ كَمَا ذَكَرْنَاهُ أَوَّلًا , وَاللَّهُ أَعْلَمُ

أنا أَبُو الْحَسَنِ: أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحَسَنِ الْبَادَا , أنا دَعْلَجُ بْنُ أَحْمَدَ , حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ , قَالَ: قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ فِي حَدِيثِ عُمَرَ: تَفَقَّهُوا قَبْلَ أَنْ تُسَوَّدُوا يَقُولُ: §«تَعَلَّمُوا الْعِلْمَ مَا دُمْتُمْ صِغَارًا قَبْلَ أَنْ تَصِيرُوا سَادَةً رُؤَسَاءَ مَنْظُورًا إِلَيْكُمْ , فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا قَبْلَ ذَلِكَ اسْتَحْيَيْتُمْ أَنْ تَعْلَمُوا بَعْدَ الْكِبَرِ فَبَقِيتُمْ جُهَّالًا لَا تَأْخُذُونَهُ مِنَ الْأَصَاغِرِ فَيَزْرِي ذَلِكَ بِكُمْ» -[155]- وَهَذَا شَبِيهٌ بِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ: لَنْ يَزَالَ النَّاسُ بِخَيْرٍ مَا أَخَذُوا الْعِلْمَ عَنْ أَكَابِرِهِمْ , فَإِذَا أَتَاهُمْ مِنْ أَصَاغِرِهِمْ فَقَدْ هَلَكُوا قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَفِي الْأَصَاغِرِ تَفْسِيرٌ آخَرُ: بَلَغَنِي عَنِ ابْنِ الْمُبَارَكِ: أَنَّهُ كَانَ يَذْهَبُ بِالْأَصَاغِرِ إِلَى أَهْلِ الْبِدَعِ , وَلَا يَذْهَبُ إِلَى السِّنِّ

أنا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مُحَمَّدِ عَبْدِ اللَّهِ الْوَاعِظُ , أنا عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ الْجُمَحِيُّ , حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ , حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمَّارٍ الْمَوْصِلِيُّ , حَدَّثَنَا عَفِيفُ بْنُ سَالِمٍ , عَنِ ابْنِ لَهِيعَةَ , عَنْ بَكْرِ بْنِ سَوَادَةَ , عَنْ أَبِي أُمَيَّةَ الْجُمَحِيِّ , قَالَ سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ , قَالَ: §«إِنَّ مِنْ أَشْرَاطِهَا أَنْ يُلْتَمَسَ الْعِلْمُ عِنْدَ الْأَصَاغِرِ»

وقَالَ عَلِيٌّ: نا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ , نا شُعْبَةُ , عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ , عَنْ سَعِيدِ بْنِ وَهْبٍ , عَنْ عَبْدِ اللَّهِ , قَالَ: §«لَا يَزَالُ النَّاسُ بِخَيْرٍ مَا أَخَذُوا الْعِلْمَ عَنْ أَكَابِرِهِمْ وَعَنْ أُمَنَائِهِمْ وَعُلَمَائِهِمْ , فَإِذَا أَخَذُوهُ مِنْ صِغَارِهِمْ وَشِرَارِهِمْ هَلَكُوا»

أنا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ , نا أَبُو عُمَرَ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَبَّاسِ الْخَزَّازُ , أنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّكَّرِيُّ , عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ , قَالَ: سَأَلْتُ عَنْ قَوْلِهِ: لَا يَزَالُ النَّاسُ بِخَيْرٍ مَا أَخَذُوا الْعِلْمَ عَنْ أَكَابِرِهِمْ يُرِيدُ: §«لَا يَزَالُ النَّاسُ بِخَيْرٍ مَا كَانَ عُلَمَاؤُهُمُ الْمَشَايِخَ , وَلَمْ يَكُنْ عُلَمَاؤُهُمُ الْأَحْدَاثَ , لِأَنَّ الشَّيْخَ قَدْ زَالَتْ عَنْهُ مَيْعَةُ الشَّبَابِ وَحِدَّتُهُ وَعَجَلَتُهُ وَسَفَهُهُ وَاسْتَصْحَبَ التَّجْرِبَةَ وَالْخِبْرَةَ فَلَا يَدْخُلُ عَلَيْهِ فِي عِلْمِهِ الشُّبْهَةُ , وَلَا يَغْلِبُ عَلَيْهِ الْهَوَى , وَلَا يَمِيلُ بِهِ الطَّمَعُ , وَلَا يَسْتَزِلَّهُ الشَّيْطَانُ اسْتِزْلَالَ الْحَدَثِ وَمَعَ السِّنِّ الْوَقَارُ , وَالْجَلَّالَةُ وَالْهَيْبَةُ , وَالْحَدَثُ قَدْ يَدْخُلُ عَلَيْهِ هَذِهِ الْأُمُورُ , الَّتِي أُمِنَتْ عَلَى الشَّيْخِ , فَإِذَا دَخَلَتْ عَلَيْهِ , وَأَفْتَى , هَلَكَ وَأَهْلَكَ» وَلَا يَقْتَنِعُ بِأَنْ يَكُونَ رَاوِيًا حَسْبَ , وَمُحَدِّثًا قَطُّ , فَقَدْ:

أنا أَبُو نُعَيْمٍ الْحَافِظُ , نا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْمُعَدِّلِ , نا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْأَنْصَارِيُّ ومَوْلِدُهُ , بِأَصْبَهَانَ , نا أَبُو الصَّلْتٍ الْهَرَوِيُّ , نا عَلِيُّ بْنُ مُوسَى الرِّضَا , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ جَدِّهِ , عَنْ آبَائِهِ , أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «§كُونُوا دُرَاةً , وَلَا تَكُونُوا رُوَاةً، حَدِيثٌ تَعْرِفُونَ فِقْهَهُ خَيْرٌ -[157]- مِنْ أَلْفٍ تَرْوُونَهُ»

أنا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي جَعْفَرٍ الْقَطِيعِيُّ , أنا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْبَرْذَعِيُّ , نا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي حَاتِمٍ , قَالَ: فِي كِتَابِي عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ سُلَيْمَانَ , قَالَ سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ , وَذَكَرَ , مَنْ يَحْمِلُ الْعِلْمَ جِزَافًا فَقَالَ: §«هَذَا مِثْلُ حَاطِبِ لَيْلٍ يَقْطَعُ حُزْمَةَ حَطَبٍ فَيَحْمِلُهَا , وَلَعَلَّ فِيهَا أَفْعَى تَلْدَغُهُ وَهُوَ لَا يَدْرِي» قَالَ الرَّبِيعُ: يَعْنِي: الَّذِينَ لَا يَسْأَلُونَ عَنِ الْحُجَّةِ مِنْ أَيْنَ

أنا أَبُو الْحَسَنِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ الْعُتَيْقِيُّ , أنا أَبُو مُسْلِمٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَلِيٍّ الْكَاتِبُ بِمِصْرَ , نا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ دُرَيْدٍ , قَالَ: سُئِلَ بَعْضُهُمْ مَتَى يَكُونُ الْأَدَبُ ضَارًّا؟ قَالَ: §«إِذَا نَقَصَتِ الْقَرِيحَةُ , وَكَثُرَتِ الرِّوَايَةُ»

أنا الْقَاضِي أَبُو الْعَلَاءِ: مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الْوَاسِطِيُّ , أنا أَبُو الْحَسَنِ: مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ التَّمِيمِيُّ الْكُوفِيُّ , قَالَ: قَالَ لَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ عُقْدَةَ يَوْمًا , وَقَدْ سَأَلَهُ رَجُلٌ عَنْ حَدِيثٍ , فَقَالَ: §«أَقِلُّوا مِنْ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ , فَإِنَّهَا لَا تَصْلُحُ إِلَّا لِمَنْ عَلِمَ تَأْوِيلَهَا»

فَقَدْ رَوَى يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ , عَنِ ابْنِ وَهْبٍ , قَالَ: سَمِعْتُ مَالِكًا , يَقُولُ: §«كَثِيرٌ مِنْ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ ضَلَالَةٌ , لَقَدْ خَرَجَتْ مِنِّي أَحَادِيثُ لَوَدِدْتُ أَنِّي ضُرِبْتُ بِكُلِّ حَدِيثٍ مِنْهَا سَوْطَيْنِ , وَإِنِّي لَمْ أُحَدِّثْ بِهِ» وَلَعَلَّهُ يَطُولُ عُمُرُهُ: فَتَنْزِلُ بِهِ نَازِلَةٌ فِي دِينِهِ يَحْتَاجُ أَنْ يَسْأَلَ عَنْهَا فَقِيهَ وَقْتِهِ , وَعَسَى أَنْ يَكُونَ الْفَقِيهُ حَدِيثَ السِّنِّ فَيَسْتَحِي , أَوْ يَأْنَفُ مِنْ مَسْأَلَتِهِ , وَيَضِيعُ أَمْرُ اللَّهِ فِي تَرْكِهِ تَعَرُّفَ حُكْمِ نَازِلَتِهِ

أنا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْجُمَحِيُّ , نا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ , نا أَبُو نُعَيْمٍ الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ , عَنْ سَعْدِ بْنِ أَوْسٍ الْعَبْسِيِّ الْكَاتِبِ , عَنْ بِلَالِ بْنِ يَحْيَى: أَنَّ عُمَرَ , قَالَ: " §قَدْ عَلِمْتُ مَتَى صَلَاحُ النَّاسِ , وَمَتَى فَسَادُهُمْ: إِذَا جَاءَ الْفِقْهُ مِنْ قِبَلِ الصَّغِيرِ اسْتَعْصَى عَلَيْهِ الْكَبِيرُ , وَإِذَا جَاءَ الْفِقْهُ مِنْ قِبَلِ الْكَبِيرِ تَابَعَهُ الصَّغِيرُ فَاهْتَدَيَا " وَإِنْ أَدْرَكَهُ التَّوْفِيقُ مِنَ اللَّهِ وَسَأَلَ الْفَقِيهَ لَمْ يَأْمَنْ أَنْ يَكُونَ بِحَضْرَتِهِ مَنْ يَزْرِي بِهِ وَيَلُومُهُ عَلَى عَجْزِهِ فِي مُقْتَبَلِ عُمُرِهِ , إِذْ فَرَّطَ فِي التَّعْلِيمِ , -[159]- فَيَنْقَلِبُ حِينَئِذٍ وَاجِمًا , وَعَلَى مَا أَسْلَفَ مِنْ تَفْرِيطِهِ نَادِمًا

حَدَّثَنِي أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَلِيٍّ الْأُشْنَانِيُّ , نا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ النَّهَاوَنْدِيُّ , نا الْحَسَنُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ خَلَّادٍ , نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مَعْدَانَ , نا أَحْمَدُ بْنُ حَرْبٍ الْمَوْصِلِيُّ , قَالَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ عُبَيْدٍ , يَقُولُ: جَاءَ رَجُلٌ وَافِرُ اللِّحْيَةِ إِلَى الْأَعْمَشِ فَسَأَلَهُ عَنْ مَسْأَلَةٍ مِنْ مَسَائِلِ الصِّبْيَانِ , يَحْفَظُهَا الصِّبْيَانُ , فَالْتَفَتَ إِلَيْنَا الْأَعْمَشُ , فَقَالَ: §«انْظُرُوا إِلَى لِحْيَةٍ تَحْتَمِلُ حِفْظَ أَرْبَعَةِ أَلْفِ حَدِيثٍ , وَمَسْأَلَتُهُ مَسْأَلَةُ الصِّبْيَانِ» وَلْيَعْلَمَ أَنَّ الْإِكْثَارَ مِنْ كُتُبِ الْحَدِيثِ وَرِوَايَتِهِ لَا يَصِيرُ بِهِ الرَّجُلُ فَقِيهًا , وَإِنَّمَا يَتَفَقَّهُ بِاسْتِنْبَاطِ مَعَانِيهِ , وَإِنْعَامِ التَّفْكِيرِ فِيهِ

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْأُشْنَانِيُّ , نا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ النَّهَاوَنْدِيُّ , نا الْحَسَنُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ , حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُهَيْلٍ الْفَقِيهُ , نا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْأَصْبَهَانِيُّ , بِمَكَّةَ , نا مُعْصَبُ الزُّبَيْرِيُّ , قَالَ: سَمِعْتُ مَالِكَ بْنَ أَنَسٍ , قَالَ لِابْنَيْ أُخْتِهِ: أَبِي بَكْرٍ وَإِسْمَاعِيلَ ابْنَيْ أَبِي أُوَيْسٍ: «§أُرَاكُمَا تُحِبَّانِ هَذَا الشَّأْنَ وَتَطْلُبَانِهِ؟» قَالَا: نَعَمْ , قَالَ: «إِنْ أَحْبَبْتُمَا أَنْ تَنْتَفِعَا بِهِ , وَيَنْفَعَ اللَّهُ بِكُمَا , فَأَقِلَّا مِنْهُ , وَتَفَقَّهَا»

أنا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْقَطَّانُ , أنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْبَغَوِيُّ , نا أَحْمَدُ بْنُ السَّرِيِّ , نا سَهْلُ بْنُ زَنْجَلَةَ , نا سُفْيَانُ , عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ , عَنِ الْأَعْمَشِ , قَالَ: لَمَّا سَمِعْتُ الْحَدِيثَ , قُلْتُ: «§لَوْ جَلَسْتُ إِلَى سَارِيَةٍ أُفْتِي النَّاسَ» , قَالَ: «فَجَلَسْتُ إِلَى سَارِيَةٍ فَكَانَ أَوَّلُ مَا سَأَلُونِي عَنْهُ , لَمْ أَدْرِ مَا هُوَ»

أنا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَلِيٍّ الدَّقَّاقُ , نا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ النَّهَاوَنْدِيُّ , نا ابْنُ خَلَّادٍ , نا أَبُو عُمَرَ: أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُهَيْلٍ , قَالَ: حَدَّثَنِي رَجُلٌ , ذَكَرَهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ , قَالَ ابْنُ خَلَّادٍ: وَأُنْسِيتُ أَنَا اسْمُهُ , قَالَ: وَقَفَتِ امْرَأَةٌ عَلَى مَجْلِسٍ فِيهِ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ , وأَبُوخَيْثَمَةَ , وَخَلَفُ بْنُ سَالِمٍ , فِي جَمَاعَةٍ يَتَذَاكَرُونَ الْحَدِيثَ , فَسَمِعْتُهُمْ يَقُولُونَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَرَوَاهُ فُلَانٌ , وَمَا حَدَّثَ بِهِ غَيْرُ فُلَانٍ , فَسَأَلْتُهُمْ عَنِ الْحَائِضِ تُغَسِّلُ الْمَوْتَى وَكَانَتْ غَاسِلَةً؟ فَلَمْ يُجِبْهَا أَحَدٌ مِنْهُمْ وَجَعَلَ بَعْضُهُمْ يَنْظُرُ إِلَى بَعْضٍ , فَأَقْبَلَ أَبُو ثَوْرٍ , فَقَالُوا لَهَا: عَلَيْكَ بِالْمُقْبِلِ , فَالْتَفَتَتْ إِلَيْهِ وَقَدْ دَنَا مِنْهَا , فَسَأَلْتُهُ؟ فَقَالَ: §" نَعَمْ , تُغَسِّلُ الْمَيِّتَ , لِحَدِيثِ الْقَاسِمِ , عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهَا: أَمَا إِنَّ حَيْضَتَكِ لَيْسَتْ فِي يَدِكِ وَلِقَوْلِهَا: كُنْتُ أَفْرُقُ رَأْسَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَاءِ , وَأَنَا حَائِضٌ " قَالَ أَبُو ثَوْرٍ: «فَإِذَا فَرَقَتْ رَأْسَ الْحَيِّ فَالْمَيِّتِ أَوْلَى بِهِ» -[161]- فَقَالُوا: نَعَمْ , رَوَاهُ فُلَانُ , وَحَدَّثَنَاهُ فُلَانٌ , وَيَعْرِفُونَهُ مِنْ طَرِيقِ كَذَا وَخَاضُوا فِي الطُّرُقِ , فَقَالَتِ الْمَرْأَةُ: فَأَيْنَ كُنْتُمْ إِلَى الْآنَ وَإِنَّمَا أَسْرَعَتْ أَلْسِنَةُ الْمُخَالِفِينَ إِلَى الطَّعْنِ عَنِ الْمُحَدِّثِينَ لِحَمْلِهِمْ أُصُولَ الْفِقْهِ , وَأَدِلَّتِهِ فِي ضِمْنِ السُّنَنِ , مَعَ عَدَمِ مَعْرِفَتِهِمْ بِمَوَاضِعِهَا , فَإِذَا عُرِفَ صَاحِبُ الْحَدِيثِ بِالتَّفَقُّهِ خَرِسَتْ عَنْهُ الْأَلْسُنُ , وَعَظُمَ مَحِلُّهُ فِي الصُّدُورِ وَالْأَعْيُنِ , وَخَسِئَ مَنْ كَانَ عَلَيْهِ يَطْعُنُ

أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ الْحِنَّائِيُّ , نا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ نُصَيْرٍ الْخُلْدِيُّ , نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَابِرٍ الطُّرَسُوسِيُّ , نا مُحَمَّدُ بْنُ الْفَرَجِيِّ الْعَسْكَرِيُّ , قَالَ: سَمِعْتُ مُسْلِمًا الْجَرْمِيَّ , قَالَ: سَمِعْتُ وَكِيعًا , يَقُولُ: لَقِيَنِي أَبُو حَنِيفَةَ , فَقَالَ لِي: لَوْ تَرَكْتَ كِتَابَةَ الْحَدِيثِ وَتَفَقَّهْتَ , أَلَيْسَ كَانَ خَيْرًا؟ قُلْتُ: أَفَلَيْسَ الْحَدِيثُ يَجْمَعُ الْفِقْهَ كُلَّهُ؟ قَالَ: مَا تَقُولُ فِي امْرَأَةٍ ادَّعَتِ الْحَمْلَ وَأَنْكَرَ الزَّوْجُ؟ فَقُلْتُ لَهُ: حَدَّثَنِي عَبَّادُ بْنُ مَنْصُورٍ , عَنْ عِكْرِمَةَ , عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ §«لَاعَنَ بِالْحَمْلِ , فَتَرَكَنِي , فَكَانَ بَعْدَ ذَلِكَ إِذَا رَآنِي فِي طَرِيقٍ يَأْخُذُ فِي طَرِيقٍ آخَرَ»

أَخْبَرَنِي الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ الْخَلَّالُ , نا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَبَّاسِ الْخَزَّازُ , نا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي دَاوُدَ , نا عَلِيُّ بْنُ خَشْرَمٍ , -[162]- قَالَ: سَمِعْتُ وَكِيعًا , غَيْرَ مَرَّةٍ يَقُولُ: «يَا فَتَيَانُ §تَفَهَّمُوا فِقْهَ الْحَدِيثِ , فَإِنَّكُمْ إِنْ تَفَهَّمْتُمْ فِقْهَ الْحَدِيثِ لَمْ يَقْهَرْكُمْ أَهْلُ الرَّأْيِ»

أنا الْحَسَنُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ الْعَبَّاسِ النِّعَالِيُّ , أنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ سَلْمٍ الْخُتَّلِيُّ , نا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْأَبَّارُ , نا عَلِيُّ بْنُ خَشْرَمٍ الْمَرْوَزِيُّ , قَالَ: سَمِعْتُ وَكِيعًا , يَقُولُ لِأَصْحَابِ الْحَدِيثِ: §«لَوْ أَنَّكُمْ تَفَقَّهْتُمُ الْحَدِيثَ وَتَعَلَّمْتُمُوهُ مَا غَلَبَكُمْ أَصْحَابُ الرَّأْيِ , مَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ فِي» شَيْءٍ يُحْتَاجُ إِلَيْهِ إِلَّا وَنَحْنُ نَرْوِي فِيهِ بَابًا وَلَا بُدَّ لِلْمُتَفَقِّهِ مِنْ أُسْتَاذٍ يَدْرُسُ عَلَيْهِ , وَيَرْجِعُ فِي تَفْسِيرِ مَا أَشْكَلَ إِلَيْهِ , وَيَتَعَرَّفُ مِنْهُ طُرُقَ الِاجْتِهَادِ , وَمَا يُفَرِّقُ بِهِ بَيْنَ الصِّحَّةِ وَالْفَسَادِ

وَقَدْ أنا أَبُو الْفَتْحِ: عَبْدُ الْكَرِيمِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ الْقَاسِمِ الْمَحَامِلِيُّ , قَالَ: نا عُمَرُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عُثْمَانَ الْمَرْوَرُذِيُّ , نا الْحُسَيْنُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ صَدَقَةَ , نا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي خَيْثَمَةَ , أَخْبَرَنِي سُلَيْمَانُ -[163]- بْنُ أَبِي شَيْخٍ , قَالَ: أَخْبَرَنِي بَعْضُ الْكُوفِيِّينَ , قَالَ: قِيلَ لِأَبِي حَنِيفَةَ: فِي الْمَسْجِدِ حَلَقَةٌ يَنْظُرُونَ فِي الْفِقْهِ فَقَالَ: «§لَهُمْ رَأْسٌ؟» قَالُوا: لَا , قَالَ: «لَا يَفْقُهُ هَؤُلَاءِ أَبَدًا»

أَخْبَرَنِي الْحَسَنُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ , أنا عَلِيُّ بْنُ عَمْرٍو الْحَرِيرِيُّ: أَنَّ عَلِيَّ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ كَاسٍ النَّخَعِيَّ , حَدَّثَهُمْ قَالَ: نا إِبْرَاهِيمُ بْنُ إِسْحَاقَ الزُّهْرِيُّ , نا أَبُو نُعَيْمٍ , قَالَ: كُنْتُ أَمُرُّ عَلَى زُفَرٍ , وَهُوَ مُحْتَبٍ بِثَوْبِهِ فِي كِنْدَةَ , فَيَقُولُ: «يَا أَحْوَلَ تَعَالَ حَتَّى §أُغَرْبِلَ لَكَ أَحَادِيثَكَ» فَأُرِيهِ مَا قَدْ سَمِعْتُ فَيَقُولَ: «هَذَا يُؤْخَذُ بِهِ وَهَذَا لَا يُؤْخَذُ بِهِ , وَهَذَا نَاسِخٌ وَهَذَا مَنْسُوخٌ»

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الصُّورِيُّ , إِمْلَاءً , أنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُمَرَ الْمِصْرِيُّ , نا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ وَرْدَانَ الْعَامِرِيُّ , نا إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي دَاوُدَ , قَالَ: نا عَلِيُّ بْنُ مَعْبَدٍ , نا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو , قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى الْأَعْمَشِ فَسَأَلَهُ عَنْ مَسْأَلَةٍ , وأَبُو حَنِيفَةَ جَالِسٌ , فَقَالَ الْأَعْمَشٌ: يَا نُعْمَانُ قُلْ فِيهَا فَأَجَابَهُ , فَقَالَ الْأَعْمَشُ: «مِنْ أَيْنَ قُلْتَ هَذَا؟» فَقَالَ: مِنْ حَدِيثِكَ الَّذِي حَدَّثْتَنَاهُ , قَالَ: §«نَحْنُ صَيَادِلَةٌ وَأَنْتُمْ أَطِبَّاءُ»

أنا الْقَاضِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ الصَّيْمَرِيُّ , أنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الشَّاهِدُ , نا مُكْرَمُ بْنُ أَحْمَدَ , نا أَحْمَدُ بْنُ عَطِيَّةَ , وأنا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْجَوْهَرِيُّ , أنا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَبَّاسِ الْخَزَّازُ , نا أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ النَّيْسَابُورِيُّ , قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا إِبْرَاهِيمَ الْمُزَنِيَّ , قَالَا: نا عَلِيُّ بْنُ مَعْبَدٍ , نا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو , قَالَ -[164]-: كُنَّا عِنْدَ الْأَعْمَشِ وَهُوَ يَسْأَلُ أَبَا حَنِيفَةَ عَنْ مَسَائِلَ , وَيُجِيبُهُ أَبُو حَنِيفَةَ , فَيَقُولُ لَهُ الْأَعْمَشُ: مِنْ أَيْنَ لَكَ هَذَا؟ فَيَقُولُ: أَنْتَ حَدَّثْتَنَا عَنْ إِبْرَاهِيمَ بِكَذَا , وَحَدَّثْتَنَا عَنِ الشَّعْبِيِّ بِكَذَا , قَالَ: فَكَانَ الْأَعْمَشُ عِنْدَ ذَلِكَ , يَقُولُ: «يَا مَعْشَرَ الْفُقَهَاءِ §أَنْتُمُ الْأَطِبَّاءُ وَنَحْنُ الصَّيَادِلَةُ» وَاللَّفْظُ لِحَدِيثِ الصَّيْمَرِيِّ

أنا أَبُو مُسْلِمٍ جَعْفَرُ بْنُ بَايَ الْفَقِيهُ الْجِيلِيُّ , أنا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْمُقْرِئِ بِأَصْبَهَانَ , نا مُحَمَّدُ بْنُ خَالِدِ بْنِ يَزِيدَ الْبَرْذَعِيُّ , قَالَ: سَمِعْتُ عَطِيَّةَ بْنَ بَقِيَّةَ , يَقُولُ: قَالَ لِي أَبِي: كُنْتُ عِنْدَ شُعْبَةَ بْنِ الْحَجَّاجِ , إِذْ قَالَ لِي «يَا أَبَا يَحْمَدُ، إِذَا جَاءَتْكُمْ مَسْأَلَةٌ مُعْضِلَةٌ مَنْ تُسْأَلُونَ عَنْهَا؟» قَالَ: قُلْتُ فِي نَفْسِي: هَذَا رَجُلٌ قَدْ أَعْجَبَتْهُ نَفْسُهُ , قَالَ: قُلْتُ: يَا أَبَا بِسْطَامٍ نُوَجِّهُ إِلَيْكَ وَإِلَى أَصْحَابِكَ حَتَّى تَفْتُونَا , قَالَ: فَمَا كَانَ إِلَّا هُنَيْهَةً إِذْ جَاءَهُ رَجُلٌ , فَقَالَ: يَا أَبَا بِسْطَامٍ , رَجُلٌ ضَرَبَ رَجُلًا عَلَى أُمِّ رَأْسِهِ , فَادَّعَى الْمَضْرُوبُ أَنَّهُ انْقَطَعَ شَمُّهُ , قَالَ: فَجَعَلَ شُعْبَةُ يَتَشَاغَلُ عَنْهُ يَمِينًا وَشِمَالًا , فَأَوْمَأْتُ إِلَى الرَّجُلِ أَنْ أَلِحَّ عَلَيْهِ , فَالْتَفَتَ إِلَيَّ فَقَالَ: «يَا أَبَا يَحْمَدَ مَا أَشَدَّ الْبَغْيَ عَلَى أَهْلِهِ , لَا وَاللَّهِ مَا عِنْدِي فِيهِ شَيْءٌ , وَلَكِنْ أَفْتِهِ أَنْتَ» , قَالَ: قُلْتُ: يَسْأَلُكَ وَأَفْتِيهِ أَنَا؟ قَالَ: فَإِنِّي قَدْ سَأَلْتُكَ , قَالَ: قُلْتُ: سَمِعْتُ الْأَوْزَاعِيَّ وَالزُّبَيْرِيَّ يَقُولَانِ: يُدَقُّ الْخَرْدَلُ دَقًّا بَالِغًا ثُمَّ يُشَمُّ فَإِنْ عَطَسَ كَذَبَ , وَإِنْ لَمْ يَعْطِسْ صَدَقَ , قَالَ: §«جِئْتَ بِهَا يَا بَقِيَّةُ , وَاللَّهِ مَا يَعْطِسُ رَجُلٌ انْقَطَعَ شَمُّهُ أَبَدًا»

فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: دَرْسُ الْفِقْهِ إِنَّمَا يَكُونُ فِي الْحَدَاثَةِ وَزَمَانِ الشَّبِيبَةِ , لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إِلَى الْمُلَازَمَةِ , وَشِدَّةِ الصَّبْرِ عَلَيْهِ , وَالْمُدَاوَمَةِ , وَلَا يَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ مَنْ عَلَتْ سِنُّهُ , وَلَا يَطْمَعُ فِيهِ مَنْ مَضَى أَكْثَرُ عُمُرِهِ قِيلَ: لَيْسَ مِمَّا ذَكَرْتُ بِمَانِعٍ مِنْ طَلَبِهِ , وَلَأَنْ يَلْقَى اللَّهَ طَالِبًا لِلْعِلْمِ خَيْرٌ مِنْ أَنْ يَلْقَاهُ تَارِكًا لَهُ , زَاهِدًا فِيهِ رَاغِبًا عَنْهُ

وَقَدْ أَخْبَرَنِي عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي الْحَسَنِ الْقِرْمِيسِينِيُّ , نا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْمُفِيدُ , نا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْبَصْرِيُّ , نا الْعَبَّاسُ بْنُ بَكَّارٍ الضَّبِّيُّ , نا مُحَمَّدُ بْنُ الْجَعْدِ الْقُرَشِيُّ , عَنِ الزُّهْرِيِّ , وَعَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ , عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ , عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , قَالَ: §«مَنْ جَاءَهُ أَجَلُهُ وَهُوَ يَطْلُبُ الْعِلْمَ لَقِيَنِي وَلَمْ يَكُنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّبِيِّينَ إِلَّا دَرَجَةُ النُّبُوَّةِ»

وَحَدَّثَنِي عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي طَاهِرٍ الدِّمَشْقِيُّ , أنا تَمَّامُ بْنُ مُحَمَّدٍ الرَّازِيُّ , أنا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَرْفَجَةَ الْقُرَشِيُّ , نا يَزِيدُ بْنُ -[166]- مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الصَّمَدِ , نا يَحْيَى بْنُ صَالِحٍ , نا يَزِيدُ بْنُ رَبِيعَةَ , عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ يَزِيدَ , عَنْ واثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ , قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: §«مَنْ طَلَبَ عِلْمًا فَأَدْرَكَهُ , كَانَ لَهُ كِفْلَانِ مِنَ الْأَجْرِ , وَمَنْ لَمْ يُدْرِكْهُ كَانَ لَهُ كِفْلٌ مِنَ الْأَجْرِ» وَقَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: طَاهِرُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ يَحْيَى الْمَخْزُومِيُّ الْبَصْرِيُّ سَاكِنُ الرَّيِّ: صِلِ السَّعْيَ فِيمَا تَبْتَغِيهِ مُثَابِرًا لَعَلَّ الَّذِي اسْتَبْعَدْتَ مِنْهُ قَرِيبُ وَعَاوِدْهُ إِنْ أَكْدَى بِكَ السَّعْيُ مَرَّةً فَبَيْنَ السِّهَامِ الْمُخْطِئَاتِ مُصِيبُ

أنبَأَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْكَاتِبُ , أنا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ الْجَوْهَرِيُّ , نا أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ الدِّمَشْقِيُّ , نا الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ , قَالَ -[167]-: دَخَلَ يَوْمًا مَنْصُورُ بْنُ الْمَهْدِيِّ عَلَى الْمَأْمُونِ وَعِنْدَهُ جَمَاعَةٌ يَتَكَلَّمُونَ فِي الْفِقْهِ , فَقَالَ: مَا عِنْدَكَ فِيمَا يَقُولَ هَؤُلَاءِ؟ قَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَغْفَلُونَا فِي الْحَدَاثَةِ , وَأَشْغَلَنَا الطَّلَبُ عِنْدَ الْكِبَرِ عَنِ اكْتِسَابِ الْأَدَبِ قَالَ: «لِمَ لَا تَطْلُبُهُ الْيَوْمَ , وَأَنْتَ فِي كِفَايَةٍ؟» قَالَ: أَوَ يَحْسُنُ بِمِثْلِي طَلَبُ الْعِلْمِ؟ قَالَ: «وَاللَّهِ , §لِأَنْ تَمُوتَ طَالِبًا لِلْعِلْمِ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَعِيشَ قَانِعًا بِالْجَهْلِ» قَالَ: وَإِلَى مَتَى يَحْسُنُ؟ قَالَ: «مَا حَسُنَتْ بِكَ الْحَيَاةُ»

أنا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي جَعْفَرٍ الْقَطِيعِيُّ , نا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعِيدٍ الْعَسْكَرِيُّ , نا أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ خَلَّادٍ الْأَرْقَطُ , قَالَ: قِيلَ لِأَبِي عَمْرِو بْنِ الْعَلَاءِ: أَيَحْسُنُ بِالشَّيْخِ أَنْ يَتَعَلَّمَ , قَالَ: §«إِنْ حَسُنَ بِالشَّيْخِ أَنْ يَعِيشَ , فَإِنَّهُ يَحْسُنُ بِهِ أَنْ يَتَعَلَّمَ»

قَرَأْتُ عَلَى ابْنِ الْفَضْلِ الْقَطَّانِ , عَنْ أَبِي بَكْرٍ النَّقَّاشِ , قَالَ: نا الْحُسَيْنُ بْنُ خَرْمٍ , بِهَرَاةَ , نا الرَّبِيعٌ , قَالَ: قَالَ الشَّافِعِيُّ: §«مَا رَأَيْتُ شَيْخًا لَهُ جِدَةٌ لَا يَطْلُبُ الْعِلْمَ إِلَّا رَحْمَتُهُ كَائِنًا مَنْ كَانَ»

أنا أَبُو الْحُسَيْنِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْبَصْرِيُّ وَيُعْرَفُ بِابْنِ الرُّوبِجِ , نا أَبُو الْعَلَاءِ مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ بْنِ مُحَمَّدٍ حَكَّامٌ التَّمَّارُ بِالْبَصْرَةِ , نا أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ قُرَيْشٍ الْعَنْبَرِيُّ , نا أَبُو دَاوُدَ سُلَيْمَانُ بْنُ الْأَشْعَثِ، نا كَثِيرُ بْنُ عُبَيْدٍ قَالَ: سَمِعْتُ بَقِيَّةَ , يَذْكُرُ عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ , قَالَ: §«إِنِّي لَأُحِبُّ الشَّيْخَ يَطْلُبُ الْعِلْمَ»

وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: نا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ , نا يَحْيَى الْعَبْدِيُّ , قَالَ: سَمِعْتُ حَمَّادَ بْنَ زَيْدٍ , يَقُولُ: §«كَانَ أَيُّوبُ يَطْلُبُ الْعِلْمَ حَتَّى مَاتَ»

أنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْعُتَيْقِيُّ , أنا أَبُو مُسْلِمٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْكَاتِبُ , نا أَبُو بَكْرِ بْنُ دُرَيْدٍ , قَالَ: نَظَرَ سُقْرَاطُ إِلَى رَجُلٍ يُحِبُّ النَّظَرَ فِي الْفَلْسَفَةِ , وَيَسْتَحِي فَقَالَ لَهُ: «يَا هَذَا , §تَسْتَحِي أَنْ تَصِيرَ فِي آخِرِ عُمُرِكَ أَفْضَلَ مِمَّا كُنْتَ فِي أَوَّلِهِ» وَأَنَا أَذْكُرُ كَيْفَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ أَخْذُ الْمُتَفَقِّهِ الْفِقْهَ , وَتَلَقِّيهِ عَنِ الْمُدَرِّسِ وَالْمُذَاكَرَةِ بِهِ , وَالْحِفْظُ لَهُ , وَمِقْدَارُ مَا يمْكِنُهُ حِفْظُهُ , وَرِيَاضَتُهُ نَفْسَهُ , وَإِجْمَامُهَا خَوْفَ السَّآمَةِ عَلَيْهَا , وَاسْتِعْمَالُهُ حُسْنَ -[169]- الْأَدَبِ بِحَضْرَةِ الْفَقِيهِ وَأَصْحَابِهِ , وَأَخْلَاقِ الْفَقِيهِ فِي تَدْرِيسِهِ , وَمَا يُسْتَحَبُّ لَهُ , وَيُكْرَهُ مِنْهُ , وَأُرَتِّبُ ذَلِكَ تَرْتِيبًا إِذَا اعْتَمَدَهُ طَالِبُ الْعِلْمِ سَهَّلَ عَلَيْهِ مَنَالَهُ , وَكَانَ عَلَى مَا يَقْصِدُهُ وَيَبْغِيهِ عَوْنًا لَهُ , إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى

باب: إخلاص النية والقصد بالتفقه وجه الله عز وجل ينبغي لمن اتسع وقته وأصح الله تعالى له جسمه , وحبب إليه الخروج من طبقة الجاهلين , وألقى في قلبه العزيمة على التفقه في الدين , أن يغتنم المبادرة إلى ذلك , خوفا من حدوث أمر يقتطعه عنه , وتجدد حال يمنعه منه ,

§بَابُ: إِخْلَاصِ النِّيَّةِ وَالْقَصْدِ بِالتَّفَقُّهِ وَجْهَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ يَنْبَغِي لِمَنِ اتَّسَعَ وَقْتُهُ وَأَصَحَّ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ جِسْمَهُ , وَحَبَّبَ إِلَيْهِ الْخُرُوجَ مِنْ طَبَقَةِ الْجَاهِلِينَ , وَأَلْقَى فِي قَلْبِهِ الْعَزِيمَةَ عَلَى التَّفَقُّهِ فِي الدِّينِ , أَنْ يَغْتَنِمَ المُبَادَرَةَ إِلَى ذَلِكَ , خَوْفًا مِنْ حُدُوثِ أَمْرٍ يَقْتَطِعُهُ عَنْهُ , وَتَجَدُّدَ حَالٍ يَمْنَعُهُ مِنْهُ , فَقَدْ:

أنا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ التَّمِيمِيُّ , أنا أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ حَمْدَانَ , نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ , حَدَّثَنِي أَبِي , نا مَكِّيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ , نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِنْدٍ , سَمِعَ أَبَاهُ , يُحَدِّثُ , عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ , أَنَّهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: §«الصِّحَّةُ وَالْفَرَاغُ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ»

أنا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْجَوْهَرِيُّ , نا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ -[171]- إِسْمَاعِيلَ الْوَرَّاقُ , وَأَبُو عُمَرَ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَبَّاسِ الْخَزَّازُ , قَالَا: نا يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ صَاعِدٍ , نا الْحُسَيْنُ بْنُ الْحَسَنِ الْمَرْوَزِيُّ , أنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ , أنا جَعْفَرُ بْنُ بُرْقَانَ , عَنْ زِيَادِ بْنِ الْجَرَّاحِ , عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ الْأَوْدِيِّ , قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِرَجُلٍ وَهُوَ يَعِظُهُ: " §اغْتَنِمْ خَمْسًا قَبْلَ خَمْسٍ: شَبَابَكَ قَبْلَ هَرَمِكَ , وَصِحَّتَكَ قَبْلَ سَقَمِكَ , وَغِنَاكَ قَبْلَ فَقْرِكَ , وَفَرَاغَكَ قَبْلَ شُغْلِكَ , وَحَيَاتَكَ قَبْلَ مَوْتِكَ " وَلَيَسْتَعْمِلِ الْجَدَّ فِي أَمْرِهِ , وَإِخْلَاصَ النِّيَّةِ فِي قَصْدِهِ , وَالرَّغْبَةَ إِلَى اللَّهِ فِي أَنْ يَرْزُقَهُ عِلْمًا يُوَفِّقَهُ فِيهِ , وَيَعِيذَهُ مِنْ عِلْمٍ لَا يَنْتَفِعُ بِهِ

أنا أَبُو بَكْرٍ الْبُرْقَانِيُّ , قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى عُمَرَ بْنِ نُوحٍ الْبَجَلِيِّ , وَعَلَى أَبِي حَفْصِ بْنِ الزَّيَّاتِ , وَعَلَى عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ الرَّزَّازِ , حَدَّثَكُمْ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْفِرْيَابِيُّ , نا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ , نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِدْرِيسَ , عَنْ عُثْمَانَ بْنِ رَبِيعَةَ , عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حَبَّانَ , عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ , قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: §«الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ , وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ فَاحْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ , وَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَلَا تَعْجَزْ»

أنا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْهَرِيُّ , أنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْوَرَّاقُ , ومُحَمَّدُ بْنُ الْعَبَّاسِ الْخَزَّازُ , قَالَا: نا يَحْيَى بْنُ صَاعِدٍ , نا الْحُسَيْنُ بْنُ الْحَسَنِ , أنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ , قَالَ: سَمِعْتُ جَعْفَرَ بْنَ حَيَّانَ , يَقُولُ: §«مِلَاكُ هَذِهِ الْأَعْمَالِ النِّيَّاتُ , فَإِنَّ الرَّجُلَ يَبْلُغُ بِنِيَّتِهِ مَا لَا يَبْلُغُ بِعَمَلِهِ»

أَخْبَرَنِي أَبُو الْقَاسِمِ الْأَزْهَرِيُّ , نا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُظَفَّرِ الْحَافِظُ , نا مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْبَاغَنْدِيُّ , نا عِيسَى بْنُ حَمَّادٍ , نا اللَّيْثُ , عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ , عَنْ أَخِيهِ: عَبَّادِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ , يَقُولُ -[173]-: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , يَقُولُ: " §اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْأَرْبَعِ: مِنْ عِلْمٍ لَا يَنْفَعُ , وَمِنْ قَلْبٍ لَا يَخْشَعُ وَمِنْ نَفْسٍ لَا تَشْبَعُ , وَمِنْ دُعَاءٍ لَا يُسْمَعُ " وَلْيَحْذَرْ أَنْ يَكُونَ قَصْدُهُ فِيمَا طَلَبَهُ الْمُجَادَلَةَ بِهِ , وَالْمُمَارَاةَ فِيهِ , وَصَرْفَ الْوُجُوهِ إِلَيْهِ , وَأَخْذَ الْإِعْوَاضِ عَلَيْهِ

فَقَدْ: أنا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عُمَرَ الْمُقْرِئُ , أنا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْآجُرِّيُّ , نا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ , نا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْحُلْوَانِيُّ , نا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ , نا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ , عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ , عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ , عَنْ جَابِرٍ , قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: §«لَا تَتَعَلَّمُوا الْعِلْمَ لِتُبَاهُوا بِهِ الْعُلَمَاءَ , وَلَا لِتُمَارُوا بِهِ السُّفَهَاءَ , -[174]- وَلَا لِتَجْتَرُّوا بِهِ الْمَجَالِسَ فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَالنَّارُ النَّارُ»

أنا أَبُو سَعْدٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَفْصِ بْنِ الْخَلِيلِ الْمَالِينِيُّ , أنا أَبُو أَحْمَدَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَدِيٍّ الْحَافِظُ , نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سُلَيْمَانَ بْنِ الْأَشْعَثَ , نا عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ الْمُكْتِبُ , نا سَعْدُ بْنُ الصَّلْتِ , نا عَمْرُو بْنُ قَيْسٍ , عَنْ أَبِي حَازِمٍ , عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ , قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: §«لَا تَعَلَّمُوا الْعِلْمَ لِتُبَاهُوا بِهِ الْعُلَمَاءَ , أَوْ لِتُمَارُوا بِهِ السُّفَهَاءَ , أَوْ لِتَصْرِفُوا بِهِ وُجُوهَ النَّاسِ إِلَيْكُمْ , فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَهُوَ فِي النَّارِ , وَلَكِنْ تَعَلَّمُوهُ لِوَجْهِ اللَّهِ وَالدَّارِ الْآخِرَةِ»

أنا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُعَدِّلِ , أنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ , نا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الصَّاغَانِيُّ , نا يَعْلَى بْنُ عُبَيْدٍ , نا مُحَمَّدُ بْنُ عَوْنٍ الْخُرَاسَانِيُّ , عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عِيسَى , عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ , قَالَ -[175]-: " §لَا تَعَلَّمُوا الْعِلْمَ لِثَلَاثٍ: لِتُمَارُوا بِهِ السُّفَهَاءِ , أَوْ لِتُجَادِلُوا بِهِ الْفُقَهَاءَ , أَوْ تَصْرِفُوا بِهِ وُجُوهَ النَّاسِ إِلَيْكُمْ وَابْتَغُوا بِقَوْلِكُمْ وَفِعْلِكُمْ مَا عِنْدَ اللَّهِ فَإِنَّهُ يَتَبَقَّى , وَيَذْهَبُ مَا سِوَاهُ "

أنا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ الْمُقْرِئُ , أنا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْآجُرِّيُّ , نا أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ سَهْلٍ الْأُشْنَانِيُّ , نا بِشْرُ بْنُ الْوَلِيدِ , أنا فُلَيْحُ بْنُ سُلَيْمَانَ , عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَعْمَرٍ , عَنْ سَعِيدِ بْنِ يَسَارٍ , عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ , قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: §«مَنْ تَعَلَّمَ عِلْمًا مِمَّا يَبْتَغِي بِهِ وَجْهَ اللَّهِ لَا يَتَعَلَّمُهُ إِلَّا لَيُصِيبَ بِهِ عَرَضًا مِنَ الدُّنْيَا لَمْ يَجِدْ عَرْفَ الْجَنَّةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ»

أنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَلِيٍّ الْأَزَجِيُّ , نا الْحَسَنُ بْنُ -[176]- جَعْفَرٍ الْحَرْبِيُّ , نا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْفِرْيَابِيُّ , نا الْعَبَّاسُ بْنُ الْوَلِيدِ بْنِ مَزْيَدٍ , حَدَّثَنِي أَبِي , قَالَ: سَمِعْتُ الْأَوْزَاعِيَّ , يَقُولُ: §«وَيْلٌ لِلْمُتَفَقِّهِينَ لِغَيْرِ الْعِبَادَةِ , وَالْمُسْتَحِلِّينَ الْحُرُمَاتِ بِالشُّبُهَاتِ»

أَخْبَرَنِي أَبُو طَالِبٍ: عُمَرُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْفَقِيهُ , نا الْحَسَنُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ حَمْدَانَ الْهَمْدَانِيُّ , نا الزُّبَيْرُ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ , نا الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ , نا أَبُو ثَوْرٍ , قَالَ: قَالَ الشَّافِعِيُّ لِأَهْلِ الْحَلَقَةِ: §«تَفَقَّهُوا مَعَ فِقْهِكُمْ هَذَا بِمَذَاهِبِ أَهْلِ الْإِخْلَاصِ , وَلَا تَفَقَّهُوا بِمَا يُوَدِّيكُمْ إِلَى رُكُوبِ الْقِلَاصِ , فَإِنَّ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ إِذَا نَزَلَ لَكُمْ يَطْلُبُ يَا مَعْشَرَ الْفُقَهَاءِ»

باب التفقه في الحداثة وزمن الشبيبة

§بَابُ التَّفَقُّهِ فِي الْحَدَاثَةِ وَزَمَنِ الشَّبِيبَةِ

أنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ يَزْدَادَ الْقَارِئُ , أنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ الْأَصْبَهَانِيُّ , بِهَا , نا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الْفَرْقَدِيُّ , نا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَمْرٍو , نا جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ , عَنْ قَابُوسَ , عَنْ أَبِيهِ , عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ , قَالَ: §«مَا بَعَثَ اللَّهُ نَبِيًّا إِلَّا شَابًّا , وَمَا أُوتِيَ الْعِلْمَ عَالِمٌ خَيْرٌ لَهُ مِنْهُ وَهُوَ شَابٌّ»

أنا أَبُو طَالِبٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْفَتْحِ الْحَرْبِيُّ , أنا عُمَرُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْمُقْرِئُ , نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ , نا أَبُو خَيْثَمَةَ , نا جَرِيرٌ , عَنْ قَابُوسَ بْنِ أَبِي ظَبْيَانَ , قَالَ: صَلَّيْنَا يَوْمًا خَلْفَ أَبِي ظَبْيَانَ صَلَاةَ الْأُولَى , وَنَحْنُ شَبَابٌ كُلُّنَا مِنَ الْحَيِّ إِلَّا الْمُؤَذِّنَ فَإِنَّهُ شَيْخٌ , فَلَمَّا أَنْ سَلَّمَ الْتَفَتَ إِلَيْنَا , ثُمَّ جَعَلَ -[178]- يَسْأَلُ الشَّابَّ مَنْ أَنْتَ , فَلَمَّا سَأَلَهُمْ , قَالَ: §«إِنَّهُ لَمْ يُبْعَثْ نَبِيٌّ إِلَّا وَهُوَ شَابٌّ , وَلَمْ يُؤْتَ الْعِلْمَ خَيْرٌ مِنْهُ وَهُوَ شَابٌّ»

أنا أَبُو الْقَاسِمِ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ أَحْمَدَ الْوَاعِظُ , حَدَّثَنِي أَبِي , نا الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ , نا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ , نا شُعَيْبُ بْنُ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ , عَنْ مُوسَى بْنِ عَلِيٍّ , عَنْ أَبِيهِ: أَنَّ لُقْمَانَ الْحَكِيمَ , قَالَ لِابْنِهِ: «يَا بُنَيَّ §ابْتَغِ الْعِلْمَ صَغِيرًا , فَإِنَّ ابْتِغَاءَ الْعِلْمِ يَشُقُّ عَلَى الْكَبِيرِ , يَا بُنَيَّ إِنَّ الْمَوْعِظَةَ تَشُقُّ عَلَى السَّفِيهِ , كَمَا يَشُقُّ الْوَعْثُ الصَّعُودَ عَلَى الشَّيْخِ الْكَبِيرِ»

أنا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ , أنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ دُرَسْتُوَيْهِ , نا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ , حَدَّثَنِي زَيْدُ بْنُ بِشْرٍ , وَعَبْدُ الْعَزِيزِ يَعْنِي: ابْنَ عِمْرَانَ ويُونُسَ هُوَ ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالُوا: أنا ابْنُ وَهْبٍ , أَخْبَرَنِي يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ , قَالَ: قَالَ هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ: كَانَ أَبِي يَقُولُ -[179]-: §«إِنَّا كُنَّا أَصَاغِرَ قَوْمٍ ثُمَّ نَحْنُ الْيَوْمَ كِبَارٌ , وَإِنَّكُمُ الْيَوْمَ أَصَاغِرُ وَسَتَكُونُونَ كِبَارًا , فَتَعَلَّمُوا الْعِلْمَ تَسُودُوا بِهِ قَوْمَكُمْ وَيَحْتَاجُونَ إِلَيْكُمْ»

أنا الْجَوْهَرِيُّ , نا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَبَّاسِ , نا أَبُو بَكْرِ بْنُ الْأَنْبَارِيِّ , إِمْلَاءً , نا أَحْمَدُ بْنُ يَحْيَى , عَنْ سَلَمَةَ , عَنِ الْفَرَّاءِ , قَالَ: يُقَالُ: «§خَيْرُ الْفِقْهِ الْقَبْلِيُّ , وَشَرُّ الْفِقْهِ الدَّبَرِيُّ» قَالَ يَعْنِي الْفَرَّاءَ «الدَّبَرِيُّ مَا كَانَ فِي آخِرِ الْعُمُرِ بَعْدَ تَقَضِّي الشَّبَابِ» قَالَ أَحْمَدُ بْنُ يَحْيَى , وَقَالَ غَيْرُهُ يَعْنِي: غَيْرَ الْفَرَّاءِ: " الْفِقْهُ الْقَبْلِيُّ , مَا حَاضَرْتَ بِهِ وَحَفِظْتَهُ , وَالدَّبَرِيُّ مَا كَانَ فِي كِتَابِكَ وَأَنْتَ لَا تَحْفَظُهُ قُلْتُ: التَّفَقُّهُ فِي زَمَنِ الشَّبِيبَةِ وَإِقْبَالِ الْعُمُرِ , وَالتَّمَكُّنُ مِنْهُ بِقِلَّةِ الْأَشْغَالِ , وَكَمَالِ الذِّهْنِ وَرَاحَةِ الْقَرِيحَةِ يَرْسُخُ فِي الْقَلْبِ , وَيَثْبُتُ , وَيَتَمَكَّنُ , وَيَسْتَحْكِمُ , فَيَحْصُلُ الِانْتِفَاعُ بِهِ وَالْبَرَكَةُ , إِذَا صَحِبَهُ مِنَ اللَّهِ حُسْنُ التَّوْفِيقِ وَإِذَا أُهْمِلَ إِلَى حَالَةِ الْكِبَرِ الْمُغِيرَةِ لِلْأَخْلَاقِ , النَّاقِصَةِ لِلْآلَاتِ , كَانَ كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ: [البحر الطويل]

إِذَا أَنْتَ أَعْيَاكَ التَّعَلُّمُ نَاشِئًا ... فَمَطْلَبُهُ شَيْخًا عَلَيْكَ شَدِيدُ

أَخْبَرَنِي الْجَوْهَرِيُّ , أنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَيُّوبَ الْقَطَّانُ , وأَخْبَرَنِي أَبُو الطَّيِّبِ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي الْحُسَيْنِ بْنِ بِشْرَانِ , أنا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَبَّاسِ الْخَزَّازُ , قَالَ الْقَطَّانُ: أَنَا وَقَالَ الْخَزَّازُ: نا أَبُو الْعَبَّاسِ إِسْحَاقُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَرْوَانَ , نا أَبِي , نا إِسْحَاقُ بْنُ وَزِيرٍ , عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مُوسَى , عَنِ الزُّهْرِيِّ , عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ , عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ , قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: §«حِفْظُ الْغُلَامِ كَالْوَشْمِ فِي الْحَجَرِ» هَذَا آخِرُ حَدِيثِ الْجَوْهَرِيِّ , وَقَالَ ابْنُ بِشْرَانِ: كَالنَّقْشِ فِي الْحَجَرِ , وَحِفْظُ الرَّجُلِ بَعْدَمَا كَبُرَ كَالْكِتَابِ عَلَى الْمَاءِ

أنا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ عُمَرَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْحَرْبِيُّ الزَّاهِدُ , أنا عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ النَّاقِدُ , نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ الْبُخَارِيُّ , نا -[181]- عُقْبَةُ بْنُ مُكْرَمٍ , نا أَبُو شُعْبَةَ الْمُفَضَّلُ بْنُ نُوحٍ , وأنا الْقَاضِي أَبُو الْقَاسِمِ التَّنُوخِيُّ وَاللَّفْظُ لَهُ , نا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَبَّاسِ الْخَزَّازُ , نا الْعَبَّاسُ بْنُ الْعَبَّاسِ الْجَوْهَرِيُّ , نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو الْبَلْخِيُّ , نا الْمُفَضَّلُ بْنُ نُوحٍ الرَّاسِبِيُّ , عَنْ يَزِيدَ بْنِ مَعْمَرٍ , قَالَ: سَمِعْتُ الْحَسَنِ , يَقُولُ: §«الْحِفْظُ فِي الصِّغَرِ كَالنَّقْشِ فِي الْحَجَرِ»

أنا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ النَّيْسَابُورِيُّ الْحِيرِيُّ , نا أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ الْأَنْمَاطِيُّ , نا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ خُزَيْمَةَ , نا صَالِحُ بْنُ مِسْمَارٍ , نا زَيْدُ بْنُ حُبَابٍ , نا مُفَضَّلُ بْنُ نُوحٍ الرَّاسِبِيُّ , قَالَ: حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ مَعْمَرٍ الرَّاسِبِيُّ , عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ , قَالَ: §«التَّعَلُّمُ فِي الصِّغَرِ كَالنَّقْشِ فِي الْحَجَرِ»

أنا أَبُو الْحَسَنِ الْعُتَيْقِيُّ , نا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَبَّاسِ , نا أَبِي الْعَبَّاسُ الْجَوْهَرِيُّ , نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو , نا الْجَرَّاحُ بْنُ مَخْلَدٍ , نا الْحَسَنُ بْنُ نُدْبَةَ , قَالَ: نا مُحَمَّدُ بْنُ تَمِيمٍ , عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ نَافِعٍ , وَهُوَ الْقَاسِمُ بْنُ أَبِي بَزَّةَ قَالَ -[182]-: «§الْعِلْمُ فِي الصِّغَرِ كَالنَّقْشِ فِي الْحَجَرِ» قَالَ بَعْضُ الشُّعَرَاءِ: مَا الْحِلْمَ إِلَّا بِالتَّحَلُّمِ فِي الْكِبَرِ ... وَمَا الْعِلْمُ إِلَّا بِالتَّعَلُّمِ فِي الصِّغَرِ وَلَوْ ثُقِبَ الْقَلْبُ الْمُعَلَّمُ فِي الصَّبَا ... لَأَلْفَيْتَ فِيهِ الْعِلْمَ كَالنَّقْشِ فِي الْحَجَرِ

أنا ابْنُ الْفَضْلِ , أنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ , نا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ , نا أَبُو نُعَيْمٍ , نا الْأَعْمَشُ , عَنْ إِبْرَاهِيمَ , قَالَ: قَالَ عَلْقَمَةُ: §«مَا حَفِظْتُ وَأَنَا شَابٌّ , فَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْهِ فِي قِرْطَاسٍ أَوْ وَرَقَةٍ»

أنا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الرُّوبِجُ , نا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ حَكَّامٍ التَّمَّارُ , نا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ الْعَنْبَرِيُّ , نا أَبُو دَاوُدَ سُلَيْمَانُ بْنُ الْأَشْعَثِ , نا ابْنُ خَبِيقٍ الأَنْطَاكِيُّ , نا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ , عَنْ مَعْمَرٍ , قَالَ: §«جَالَسْتُ قَتَادَةَ وَأَنَا ابْنُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَنَةً , فَمَا سَمِعْتُ مِنْهُ , شَيْئًا , وَأَنَا فِي , ذَلِكَ السِّنِّ إِلَّا وَكَأَنَّهُ مَكْتُوبٌ فِي صَدْرِي»

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَلِيٍّ الدَّقَّاقُ , نا أَحْمَدُ بنُ إِسْحَاقَ بْنِ النَّهَاوَنْدِيِّ , نا الْحَسَنُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ خَلَّادٍ , نا أَبُو جَعْفَرٍ الْحَضْرَمِيُّ , نا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيُّ , نا الْفَضْلُ بْنُ مُوسَى , عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ , عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ , قَالَ: كَانَ يَخْتَلِفُ شَيْخٌ مَعَنَا إِلَى مَسْرُوقٍ , وَكَانَ يَسْأَلُهُ عَنِ الشَّيْءِ فَيُخْبِرُهُ , فَلَا يَفْهَمُ , فَقَالَ: أَتَدْرِي مَا مَثَلُكَ؟ §«مَثَلُكَ مَثَلُ بَغْلٍ هَرِمٍ حَطْمٍ جَرِبٍ , دُفِعَ إِلَى رَائِضٍ , فَقِيلَ لَهُ عَلِّمْهُ الْهَمْلَجَةَ» وَيَنْبَغِي لِلْمُتَفَقِّهِ أَنْ يَقْطَعَ الْعَلَائِقَ , وَيَطْرَحَ الشَّوَاغِلَ , فَإِنَّهَا مَوَانِعُ عَنْ حِفْظِ الْعِلْمِ , وَقَوَاطِعُ عَنْ دَرْسِ الْفَقِيهِ

باب حذف المتفقه العلائق كان بعض الفلاسفة لا يعلم أحدا يتعلق بشيء من الدنيا , ويقول: العلم أجل من أن يشتغل عنه بغيره

§بَابُ حَذْفِ الْمُتَفَقِّهِ الْعَلَائِقَ كَانَ بَعْضُ الْفَلَاسِفَةِ لَا يَعْلَمُ أَحَدًا يَتَعَلَّقُ بِشَيْءٍ مِنَ الدُّنْيَا , وَيَقُولُ: الْعِلْمُ أَجَلُّ مِنْ أَنْ يُشْتَغِلَ عَنْهُ بِغَيْرِهِ

أنا الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ الصَّيْمَرِيُّ , أنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الشَّاهِدُ , نا مُكْرَمُ بْنُ أَحْمَدَ , نا أَبُو الْعَبَّاسِ ابْنُ أَخِي جُبَارَةَ نا مَلِيحُ بْنُ وَكِيعٍ , قَالَ: سَمِعْتُ رَجُلًا , يَسْأَلُ أَبَا حَنِيفَةَ: بِمَ يُسْتَعَانُ عَلَى الْفِقْهِ حَتَّى يُحْفَظَ , قَالَ: «§بِجَمْعِ الْهَمِّ» , قَالَ: قُلْتُ: وَبِمَ يُسْتَعَانُ عَلَى حَذْفِ الْعَلَائِقِ قَالَ: «بِأَخْذِ الشَّيْءِ عِنْدَ الْحَاجَةِ وَلَا تَزِدْ»

أنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ أَيُّوبَ الْعُكْبَرِيُّ , إِجَازَةً , أنا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي غَسَّانَ الْبَصْرِيُّ , نا زَكَرِيَّا بْنُ يَحْيَى السَّاجِيُّ , وأنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ الْقُرَشِيُّ , قِرَاءَةً , أنا عَيَّاشُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْبُنْدَارُ , نا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الزَّعْفَرَانِيُّ , أَخْبَرَنِي زَكَرِيَّا السَّاجِيُّ , نا أَحْمَدُ بْنُ مَرْدَكَ , قَالَ: سَمِعْتُ حَرْمَلَةَ , يَقُولُ: سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ , يَقُولُ: §«لَا يَطْلُبُ أَحَدٌ هَذَا الْعِلْمَ بِالْمُلْكِ وَعَزِّ النَّفْسِ فَيَفْلَحُ , وَلَكِنْ مَنْ طَلَبَهُ بَذُلِّ النَّفْسِ وَضِيقِ الْعَيْشِ وَخِدْمَةِ الْعُلَمَاءِ أَفْلَحَ»

أنا أَبُو بَكْرٍ الْبُرْقَانِيُّ , نَا أَبُو طَاهِرٍ: مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمُخْلِصُ إِمْلَاءً وَقَرَأْتُهُ عَلَيْهِ , نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سُلَيْمَانَ بْنِ الْأَشْعَثِ , نَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ , نَا ابْنُ أَبِي فُدَيْكٍ , حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي ذِيبٍ , عَنِ الْمَقْبُرِيِّ , عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ , أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: §" إِنَّ النَّاسَ يَقُولُونَ أَكْثَرَ أَبُو هُرَيْرَةَ , وَإِنِّي كُنْتُ أَلْزَمُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِشِبَعِ بَطْنِي حِينَ لَا آكُلُ الْخَمِيرَ , وَلَا أَلْبَسَ الْحَبِيرَ , وَلَا يَخْدُمُنِي فُلَانٌ وَفُلَانَةُ , وَكُنْتُ أُلْصِقُ قَلْبِي أَوْ قَالَ: بَطْنِي بِالْحَصَى مِنَ الْجُوعِ" وَلِأَبِي الْفَرَجِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ هُنْدُوَا: [البحر الطويل] مَا لِلْمَعِيلِ وَلِلْمَعَالِي إِنَّمَا ... يَسْعَى إِلَيْهِنَّ الْوَحِيدُ الْفَارِدُ فَالشَّمْسُ تَجْتَابُ السَّمَاءَ وَحِيدَةً ... وأَبُو بَنَاتِ النَّعْشِ فِيهَا رَاكِدٌ

أنا الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ الْحِيرِيُّ , نا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْأَصَمُّ , نا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ الْعُطَارِدِيُّ , نا أَبُو مُعَاوِيَةَ , عَنِ الْأَعْمَشِ , عَنْ خَيْثَمَةَ , قَالَ: قَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ: §«كُنْتُ تَاجِرًا قَبْلَ أَنْ يُبْعَثَ , مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَزَاوَلْتُ التِّجَارَةَ وَالْعِبَادَةَ , فَلَمْ تَجْتَمِعَا , فَاخْتَرْتُ الْعِبَادَةَ وَتَرَكْتُ التِّجَارَةَ» -[186]- قِيلَ: لَا يَتَعَلَّمُ الْعِلْمَ إِلَّا أَحَدٍ رَجُلَيْنِ: إِمَّا غَنِيٌّ غَنِيٌّ , وَإِمَّا فَقِيرٌ فَقِيرٌ , فَقَالَ بَعْضُهُمْ: أَنَا لِلْفَقِيرِ الْفَقِيرِ أَرْجَى مِنِّي لِلْغَنِيِّ الْغَنِيِّ

أنا أَبُو الْحُسَيْنِ: أَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ أَحْمَدَ الْوَاعِظُ , قَالَ: سَمِعْتُ جَعْفَرَ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ نُصَيْرٍ الْخُلْدِيُّ , يَقُولُ: سَمِعْتُ إِبْرَاهِيمَ الْآجُرِّيَّ , يَقُولُ: §«مَنْ طَلَبَ الْعِلْمَ بِالْفَاقَةِ وَرِثَ الْفَهْمَ»

أنا أَبُو حَازِمٍ: عُمَرُ بْنُ أَحْمَدَ الْعَبْدَوِيُّ , أنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ جَعْفَرٍ الشَّيْبَانِيُّ , أنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ , نا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى , نا ابْنُ وَهْبٍ , عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ , قَالَ: §«لَا يَبْلُغُ أَحَدٌ مِنْ هَذَا الْعِلْمِ مَا يُرِيدُ حَتَّى يَضُرَّ بِهِ الْفَقْرُ , وَيُؤْثِرُهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ»

أنا أَبُو نُعَيْمٍ الْحَافِظُ , أنا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ الطَّبَرَانِيُّ , نا أَحْمَدُ بْنُ طَاهِرِ بْنِ حَرْمَلَةَ بْنِ يَحْيَى , قَالَ: سَمِعْتُ جَدِّيَ , يَقُولُ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ إِدْرِيسَ الشَّافِعِيَّ , يَقُولُ: §«لَا يُدْرَكُ الْعِلْمُ إِلَّا بِالصَّبِرِ عَلَى الضُّرِّ»

أنا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي جَعْفَرٍ , وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي عَلِيٍّ , قَالَا: أنا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْبَرْذَعِيُّ , نا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي حَاتِمٍ , نا الرَّبِيعُ -[187]- بْنُ سُلَيْمَانَ , قَالَ: سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ , يَقُولُ: «§لَا يَصْلُحُ طَلَبُ الْعِلْمِ إِلَّا لِمُفْلِسٍ» فَقِيلَ: وَلَا الْغَنِيِّ الْمَكْفِيِّ , فَقَالَ: «وَلَا الْغَنِيِّ الْمَكْفِيِّ»

أنا أَبُو بَكْرٍ: أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْأُشْنَانِيُّ , قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدَ بْنَ يَعْقُوبَ الْأَصَمَّ , يَقُولُ: سَمِعْتُ الرَّبِيعَ بْنَ سُلَيْمَانَ , يَقُولُ: سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ , يَقُولُ: " §يَحْتَاجُ طَالِبُ الْعِلْمِ إِلَى ثَلَاثِ خِصَالٍ: أَوَّلُهَا: طُولُ الْعُمُرِ , وَالثَّانِيَةُ: سَعَةُ الْيَدِ , وَالثَّالِثَةُ الذَّكَاءُ " قُلْتُ: أَمَا طُولُ الْعُمُرِ , فَإِنَّمَا قَصَدَ بِهِ: دَوَامَ الْمُلَازَمَةِ لِلْعِلْمِ , وَأَرَادَ بِسَعَةِ الْيَدِ: أَنْ لَا يَشْتَغِلَ بِالِاحْتِرَافِ , وَطَلَبِ التَّكَسُّبِ , فَإِذَا اسْتَعْمَلَ الْقَنَاعَةَ أَغْنَتْهُ عَنْ كَثِيرٍ مِنْ ذَلِكَ , كَمَا:

أنا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ أَحْمَدَ الْأَهْوَازِيُّ , نا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْقَاضِي , بِالْأَهْوَازِ , نا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي صَلَابَةَ , نا مُحْرِزُ بْنُ سَلَمَةَ , نا الْمُنْكَدِرُ بْنُ مُحَمَّدٍ , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ جَابِرٍ , قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: §«الْقَنَاعَةُ مَالٌ لَا يَنْفَدُ»

أَخْبَرَنِي الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ الْخَلَّالُ , قَالَ: أَنْشَدَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ شَاذَانَ , قَالَ: أَنْشَدَنِي أَبُو الْحَسَنِ بْنُ كَفْتَمَ الصُّوفِيُّ لِنَفْسِهِ: « [البحر الهزج] §إِذَا مَا اقْتَنَعَ الْعَبْدُ ... كَفَاهُ أَيْسَرُ الرِّزْقِ وَإِذَا عَمَّقَ فِي الرِّزْقِ ... تَرَاهُ الدَّهْرَ فِي الرِّقِّ» وَإِذَا رَزَقَهُ اللَّهُ تَعَالَى الذَّكَاءَ فَهُوَ أَمَارَةُ سَعَادَتِهِ , وَسُرْعَةُ بُلُوغِهِ إِلَى بُغْيَتِهِ

أَخْبَرَنِي أَبُو الْقَاسِمِ الْأَزْهَرِيُّ , نا أَبُو الْفَرَجِ: عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْمُنْشِئُ , حَدَّثَنِي أَبُو عُمَرَ الزَّاهِدُ , أنا ثَعْلَبُ , عَنْ سَلَمَةَ , عَنِ الْفَرَّاءِ , قَالَ: " §إِنِّي لَأَرْحَمُ رَجُلَيْنِ: بَلِيدًا يَطْلُبُ , وَذَكِيًّا لَا يَطْلُبُ "

أنا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: الْحُسَيْنُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ أَحْمَدَ الْجَوَالِيقِيُّ , نا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الصُّولِيُّ , ثنا ثَعْلَبٌ , عَنْ سَلَمَةَ , عَنِ الْفَرَّاءِ , قَالَ: " §أَرْحَمُ رَجُلَيْنِ: رَجُلًا يَفْهَمُ وَلَا يَطْلُبُ , وَرَجُلًا يَطْلُبُ وَلَا يَفْهَمُ "

وأَخْبَرَنِي عُمَرُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْفَقِيهُ , نا الْحَسَنُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ حَمْكَانَ , نا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ النَّقَّاشُ , نا مُحَمَّدُ بْنُ يُونُسَ , نا الْأَصْمَعِيُّ , قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ: مُحَمَّدَ بْنَ إِدْرِيسَ الشَّافِعِيَّ , يَقُولُ: §«الطَّبْعُ أَرْضٌ , وَالْعِلْمُ بَذْرَةٌ , وَلَا يَكُونُ الْعِلْمُ إِلَّا بِالطَّلَبِ , فَإِذَا -[189]- كَانَ الطَّبْعُ قَابِلًا , زَكَا رِيعُ الْعِلْمِ , وَتَفَرَّعَتْ مَعَانِيهِ» قُلْتُ: وَالْبَلَادَةُ دَاءٌ عَسِيرٌ بُرْؤُهُ , عَظِيمٌ ضَرُّهُ

أنا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي الْفَوَارِسِ , أنا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ , نا أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ الدِّمَشْقِيُّ , قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُعْتَزِّ: §«كَمَا لَا يُنْبِتُ الْمَطَرُ الْكَثِيرُ الصَّخْرَ , كَذَلِكَ لَا يَنْفَعُ الْبَلِيدَ كَثْرَةُ التَّعْلِيمِ»

أَخْبَرَنِي الْحَسَنُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ , نا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُقْرِئُ , نا أَبُو بَكْرٍ الصُّولِيُّ , نا جَبَلَةُ بْنُ مُحَمَّدٍ , نا أَبِي: قَالَ جَاءَ رَجُلٌ إِلَى ابْنِ شُبْرُمَةَ , فَسَأَلَهُ عَنْ مَسْأَلَةٍ , فَفَسَّرَهَا لَهُ , فَقَالَ: لَمْ أَفْهَمْ , فَأَعَادَ , فَقَالَ: لَمْ أَفْهَمْ , فَأَعَادَ , فَقَالَ: لَمْ أَفْهَمْ , فَقَالَ لَهُ: §«إِنْ كُنْتَ لَمْ تَفْهَمْ لِأَنَّكَ لَمْ تَفْهَمْ , فَسَتَفْهَمُ بِالْإِعَادَةِ , وَإِنْ كُنْتَ لَمْ تَفْهَمْ لِأَنَّكَ لَا تَفْهَمُ , فَهَذَا دَاءٌ لَا دَوَاءَ لَهُ»

أنا أَبُو الْقَاسِمِ الْأَزْهَرِيُّ , وأَبُو يَعْلَى: أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ الْوَكِيلُ , قَالَا: أنا أَبُو الْحَسَنِ: مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ التَّمِيمِيُّ النَّحْوِيُّ , قَالَ: سَأَلَ رَجُلٌ يَوْمًا أَبَا بَكْرِ بْنَ الْخَيَّاطِ , عَنْ مَسْأَلَةٍ , فَجَعَلَ أَبُو بَكْرٍ يُفْهِمُهُ , وَهُوَ لَا يَفْهَمُ , وَيُرِيَ النَّاسَ أَنَّهُ قَدْ فَهِمَ , فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ -[190]-: " §رَأَيْتُ الْمُبَرِّدَ يَوْمًا يُفْهِمُ رَجُلًا مِنْ بَنِي ثَوَابَةَ مَعْنًى مَا , وَهُوَ يُرِيهُ أَنَّهُ فَهِمَ بِهِ , وَمَا كَانَ يَدْرِي شَيْئًا مِنْهُ , فَقَالَ الْمُبَرِّدُ: أَنْشَدَنِي الْمَازِنِيُّ لِصَالِحِ بْنِ عَبْدِ الْقُدُّوسِ: [البحر الطويل] وَإِنَّ عَنَاءً أَنْ تُفَهِّمَ جَاهِلًا ... فَيَحْسَبُ جَهْلًا أَنَّهُ مِنْكَ أَفْهَمُ مَتَى بَلَغَ الْبُنْيَانُ يَوْمًا تَمَامَهُ ... إِذَا كُنْتَ تَبْنِيهِ وَغَيْرُكَ يَهْدِمُ مَتَى يَرْعَوِي عَنْ سَيِّئِ مَنْ أَتَى بِهِ ... إِذَا لَمْ يَكُنْ مِنْهُ عَلَيْهِ تَنَدُّمُ

باب اختيار الفقهاء الذين يتعلم منهم ينبغي للمتعلم أن يقصد من الفقهاء من اشتهر بالديانة , وعرف بالستر والصيانة

§بَابُ اخْتِيَارِ الْفُقَهَاءِ الَّذِينَ يُتَعَلَّمُ مِنْهُمْ يَنْبَغِي لِلْمُتَعَلِّمِ أَنْ يَقْصِدَ مِنَ الْفُقَهَاءِ مَنِ اشْتُهِرَ بِالدِّيَانَةِ , وَعُرِفَ بِالسِّتْرِ وَالصِّيَانَةِ

فَقَدْ: أنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ الْحَرْبِيُّ , أنا أَحْمَدُ بْنُ سَلْمَانَ بْنِ الْحَسَنِ النَّجَّادُ , نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ , نا هُدْبَةُ بْنُ خَالِدٍ , نا مَهْدِيُّ بْنُ مَيْمُونٍ , قَالَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ سِيرِينَ , قَالَ: إِنَّمَا §«هَذَا الْعِلْمُ دِينٌ , فَانْظُرُوا عَمَّنْ تَأْخُذُونَهُ»

وأنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ , أنا أَحْمَدُ بْنُ سَلْمَانَ , نا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدُوسِ بْنِ كَامِلٍ , نا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْمَوْصِلِيُّ , نا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ , عَنْ أَيُّوبَ , عَنْ مُحَمَّدٍ , قَالَ: إِنَّ " §هَذَا الْعِلْمَ دِينٌ فَانْظُرُوا عَمَّنْ تَأْخُذُونَهُ قَالَ: وَذَكَرَهُ ابْنُ عَوْنٍ أَيْضًا

أنا الْحَسَنُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ , أنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِسْحَاقَ الْبَغَوِيُّ , نا يَحْيَى بْنُ أَبِي طَالِبٍ , أنا عَلِيُّ بْنُ عَاصِمٍ , أنا ابْنُ عَوْنٍ , -[192]- قَالَ: قَالَ: مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ: إِنَّ §«هَذَا الْعِلْمَ دِينٌ فَانْظُرُوا عَمَّنْ تَأْخُذُونَهُ» وَيَكُونُ قَدْ وَسَمَ نَفْسَهُ بِآدَابِ الْعِلْمِ , مِنَ اسْتِعْمَالِ: الصَّبْرِ وَالْحِلْمِ , وَالتَّوَاضُعِ لِلطَّالِبِينَ , وَالرِّفْقِ بِالْمُتَعَلِّمِينَ , وَلِينِ الْجَانِبِ , وَمُدَارَاةِ الصَّاحِبِ , وَقَوْلِ الْحَقِّ , وَالنَّصِيحَةِ لِلْخَلْقِ , وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأَوْصَافِ الْحَمِيدَةِ , وَالنُّعُوتِ الْجَمِيلَةِ

وَقَدْ جَاءَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ خَبَرٌ جَمَعَ فِيهِ مَا فَصَّلْنَاهُ , وَمَا أَشَرْنَا إِلَيْهِ مِمَّا أَجْمَلْنَاهُ: أنا بِهِ أَبُو الْقَاسِمِ الْأَزْهَرِيُّ , وَأَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ الْوَكِيلُ , قَالَا: أنا أَبُو الْحَسَنِ: مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ التَّمِيمِيُّ أنا أَبُو أَحْمَدَ الْجُلُودِيُّ , عَنِ ابْنِ زَكَوَيْهِ , عَنِ الْعُتْبِيِّ , عَنْ أَبِيهِ , قَالَ: قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ: " §يَا طَالِبَ الْعِلْمِ إِنَّ الْعِلْمَ ذُو فَضَائِلَ كَثِيرَةٍ: فَرَأْسُهُ التَّوَاضُعُ , وَعَيْنُهُ الْبَرَاءَةُ مِنَ الْحَسَدِ , وَأُذُنُهُ الْفَهْمُ , وَلِسَانُهُ الصِّدْقُ , وَحِفْظُهُ الْفَحْصُ , وَقَلْبُهُ حُسْنُ النِّيَّةِ , وَعَقْلُهُ مَعْرِفَةُ الْأَشْيَاءِ وَالْأُمُورُ الْوَاجِبَةُ , وَيَدُهُ الرَّحْمَةُ , وَرِجْلُهُ زِيَادَةُ الْعُلَمَاءِ , وَهِمَّتُهُ السَّلَامَةُ , وَحِكْمَتُهُ الْوَرَعُ , وَمُسَتَقَرُّهُ النَّجَاةُ , وَقَائِدُهُ الْعَافِيَةُ , وَمَرْكَبُهُ الْوَفَاءُ , وَسِلَاحُهُ لِينُ الْكَلِمَةِ , وَسَيْفُهُ الرِّضَا , وَفَرَسُهُ الْمُدَارَاةِ , وَجَيْشُهُ مُحَاوَرَةُ الْعُلَمَاءِ , وَمَالُهُ الْأَدَبُ , وَذَخِيرَتُهُ اجْتِنَابُ الذُّنُوبِ , وَزَادُهُ الْمَعْرُوفُ , وَمَاؤُهُ الْمُوَادَعَةُ , -[193]- وَدَلِيلُهُ الْهُدَى , وَرَفِيقُهُ صُحْبَةُ الْأَخْيَارِ " وَيَكُونُ قَدْ أَخَذَ فِقْهَهُ مِنْ أَفْوَاهِ الْعُلَمَاءِ , لَا مِنَ الصُّحُفِ , فَقَدْ:

أنا ابْنُ الْفَضْلِ , أنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ دُرَسْتُوَيْهِ , نا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ , حَدَّثَنِي أَبُو سَعِيدٍ , نا الْوَلِيدُ , وَسُوَيْدٌ , عَنْ سَعِيدٍ , عَنْ سُلَيْمَانَ يَعْنِي ابْنَ مُوسَى , قَالَ: §«لَا تَقْرَءُوا الْقُرْآنَ عَلَى الْمُصَحِّفِينَ , وَلَا تَأْخُذُوا الْعِلْمَ مِنَ الصَّحَفِيِّينَ» أَبُو سَعِيدٍ هَذَا هُوَ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْمَعْرُوفُ بِدُحَيْمٍ الدِّمَشْقِيُّ , وَالْوَلِيدُ هُوَ: ابْنُ مُسْلِمٍ , وَسُوَيْدُ هُوَ: ابْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَسَعِيدٌ هُوَ: ابْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ التَّنُوخِيُّ

أنا أَبُو حَفْصٍ عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُصْعَبٍ الْأَصْبَهَانِيُّ بِهَا , نا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ حَيَّانَ , نا ابْنُ أَبِي عَاصِمٍ , إِمْلَاءً , نا أَبُو الْتَقِيِّ هِشَامُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ وأنا أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ رِزْقَوَيْهِ , أنا أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الرَّازِيُّ , أنا أَحْمَدُ بْنُ -[194]- مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ الْكَاغِدِيُّ , نا أَبُو زُرْعَةَ الرَّازِيُّ , نا هِشَامُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ الْحِمْصِيُّ , نا بَقِيَّةُ , قَالَ: سَمِعْتُ ثَوْرَ بْنَ يَزِيدَ , يَقُولُ: §«لَا يُفْتِي النَّاسَ الصَّحَفِيُّوَنَ» هَذَا لَفْظُ ابْنِ أَبِي عَاصِمٍ , وَآخِرُ حَدِيثِهِ وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ: لَا يُفْتِي النَّاسَ صَحَفِيٌّ , وَلَا يُقْرِئُهُمْ مُصْحَفِيٌّ

أنا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عُمَرَ الْمُقْرِئُ , أنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَلِيٍّ الْخُطَبِيُّ , قَالَ: نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ , قَالَ: سَأَلْتُ أَبِي عَنٍ الرَّجُلِ , تَكُونُ عِنْدَهُ الْكُتُبُ الْمُصَنَّفَةُ , فِيهَا قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاخْتِلَافُ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ , وَلَيْسَ لِلرَّجُلِ بَصَرٌ بِالْحَدِيثِ الضَّعِيفِ الْمَتْرُوكِ , وَلَا بِالْإِسْنَادِ الْقَوِيِّ مِنَ الضَّعِيفِ , فَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يَعْمَلَ بِمَا شَاءَ , وَيَتَخَيَّرَ مَا أَحَبَّ مِنْهَا , يُفْتِي بِهِ , وَيَعْمَلُ بِهِ؟ قَالَ: §«لَا يَعْمَلُ حَتَّى يَسْأَلَ مَا يُؤْخَذُ بِهِ مِنْهَا , فَيَكُونُ يَعْمَلُ عَلَى أَمْرٍ صَحِيحٍ , يَسْأَلُ عَنْ ذَلِكَ أَهْلَ الْعِلْمِ» وَيَكُونُ حَالُهُ فِي مَعْرِفَتِهِ بِالْفِقْهِ ظَاهِرَةً , وَفِي الِاعْتِنَاءِ بِهِ وَصَرْفِ الِاهْتِمَامِ إِلَيْهِ مَعْلُومَةً

فَقَدْ: أنا الْحُسَيْنُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ , أنا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ مِقْسَمٍ الْمُقْرِئُ , نا الْفِرْيَابِيُّ , قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ , قَالَ -[195]-: سَمِعْتُ إِسْمَاعِيلَ بْنَ أَبِي أُوَيْسٍ , يَقُولُ: سَمِعْتُ خَالِيَ: مَالِكَ بْنَ أَنَسٍ , يَقُولُ: §" إِنَّ هَذَا الْعِلْمَ دِينٌ فَانْظُرُوا عَمَّنْ تَأْخُذُونَ دِينَكُمْ , لَقَدْ أَدْرَكْتُ سَبْعِينَ مِمَّنْ يَقُولُ: قَالَ فُلَانٌ , قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ الْأَسَاطِينِ , وَأَشَارَ إِلَى مَسْجِدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَمَا أَخَذْتُ عَنْهُمْ شَيْئًا , وَإِنَّ أَحَدَهُمْ لَوْ أُؤْتُمِنَ عَلَى مَالٍ لَكَانَ بِهِ أَمِينًا لِأَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا مِنْ أَهْلِ هَذَا الشَّأْنِ , وَيَقْدِمُ عَلَيْنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شِهَابٍ فَيُزْدَحَمُ عَلَى بَابِهِ "

باب تعظيم المتفقه الفقيه وهيبته إياه وتواضعه له

§بَابُ تَعْظِيمِ الْمُتَفَقِّهِ الْفَقِيهَ وَهَيْبَتِهِ إِيَّاهُ وَتَوَاضُعِهِ لَهُ

أَخْبَرَنِي أَبُو الْقَاسِمِ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ النَّجَّارُ , نا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ أَحْمَدَ الْمُعَدِّلِ , ثَنَا أَبُو عُثْمَانَ سَعِيدُ بْنُ مُحَمَّدٍ أَخُو زُبَيْرٍ , نا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ شَقِيقٍ , قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي , يَقُولُ: أنا أَبُو حَمْزَةَ , عَنْ جَابِرٍ , عَنْ عَامِرٍ الشَّعْبِيِّ , عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ , قَالَ: §«لَقَدْ كُنْتُ أُرِيدُ أَنْ أَسْأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْأَمْرِ , فَأُوَخِّرُهُ سَنَتَيْنِ , مِنْ هَيْبَتِهِ , وَلَقَدْ كُنْتُ أَلْقَاهُ كُلَّ يَوْمٍ»

أنا الْبُرْقَانِيُّ , قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى أَبِي بَكْرٍ الْإِسْمَاعِيلِيِّ , أَخْبَرَكَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ , وَمُوسَى بْنُ الْعَبَّاسِ , قَالَا: نا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ , نا ابْنُ وَهْبٍ , أَخْبَرَنِي سُلَيْمَانُ يَعْنِي ابْنَ بِلَالٍ , حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ , أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ بْنُ حُنَيْنٍ , أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ , يُحَدِّثُ , قَالَ: §«مَكَثْتُ سَنَةً وَأَنَا أُرِيدُ , أَنْ أَسْأَلَ , عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ عَنْ آيَةٍ , فَلَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَسْأَلَهُ , هَيْبَةً»

أنا ابْنُ الْفَضْلِ , أنا ابْنُ دُرَسْتُوَيْهِ , نا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ , نا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى , وأَبُونُعَيْمٍ , قَالَا: نا رَزِينٌ , عَنِ الشَّعْبِيِّ , قَالَ ذَهَبَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ لِيَرْكَبَ وَوَضَعَ رِجْلَيْهِ فِي الرِّكَابِ , فَأَمْسَكَ ابْنُ عَبَّاسٍ بِالرِّكَابِ , فَقَالَ: تَنَحَّ يَا ابْنَ عَمِّ رَسُولِ اللَّهِ , قَالَ: §«لَا هَكَذَا يُفْعَلُ بِالْعُلَمَاءِ وَالْكُبَرَاءُ»

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الصُّورِيُّ , قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ الْغَنِيِّ بْنَ سَعِيدٍ الْحَافِظَ , يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ: مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ الْأَدْفَوِيُّ النَّحْوِيُّ , يَقُولُ: §" إِذَا تَعَلَّمَ الْإِنْسَانُ مِنَ الْعَالِمِ , وَاسْتَفَادَ مِنْهُ الْفَوَائِدَ , فَهُوَ لَهُ عَبْدٌ , قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ} [الكهف: 60] وَهُوَ يُوشَعُ بْنُ نُونٍ , وَلَمْ يَكُنْ مَمْلُوكًا لَهُ , وَإِنَّمَا كَانَ مُتَلْمِذًا لَهُ , مُتَّبِعًا لَهُ , فَجَعَلَهُ اللَّهُ فَتَاهُ لِذَلِكَ "

أنا أَبُو الْحُسَيْنِ: مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الشُّرُوطِيُّ , نَا -[198]- الْقَاضِي أَبُو الْفَرَجِ: الْمُعَافِيُّ بْنُ زَكَرِيَّا الْجُرَيْرِيُّ , نَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْقَاسِمِ بْنِ بَشَّارٍ الْأَنْبَارِيُّ , نَا أَبِي , نَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ , أنا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ , وسَهْلُ بْنُ هَارُونَ , قَالَا: قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ: " §مِنْ حَقِّ الْعَالِمِ: أَنْ لَا , تُكْثِرَ عَلَيْهِ السُّؤَالَ , وَلَا تُعَنِّتُهُ فِي الْجَوَابِ , وَلَا تُلِحُّ عَلَيْهِ إِذَا كَسِلَ , وَلَا تَأْخُذُ بِثَوْبِهِ إِذَا نَهَضَ , وَلَا تُفْشِي لَهُ سِرًّا , وَلَا تَغْتَابُ عِنْدَهُ أَحَدًا , وَأَنْ تَجْلِسَ أَمَامَهُ , وَإِذَا أَتَيْتَهُ خَصَصْتَهُ بِالتَّحِيَّةِ , وَسَلَّمْتَ عَلَى الْقَوْمِ عَامَّةً , وَأَنْ تَحْفَظَ سِرَّهُ وَمَغِيبَهُ مَا حَفِظَ أَمْرَ اللَّهِ , فَإِنَّمَا الْعَالِمُ بِمَنْزِلَةِ النَّخْلَةِ تَنْتَظِرُ مَتَى يَسْقُطُ عَلَيْكَ مِنْهَا شَيْءٌ , وَالْعَالِمُ أَفْضَلُ مِنَ الصَّائِمِ الْقَائِمِ الْغَازِي فِي سَبِيلِ اللَّهِ , وَإِذَا مَاتَ الْعَالِمُ شَيَّعَهُ سَبْعَةٌ وَسَبْعُونَ أَلْفًا مِنْ مُقَرَّبِي السَّمَاءِ , وَإِذَا مَاتَ الْعَالِمُ انْثَلَمَ بِمَوْتِهِ فِي الْإِسْلَامِ ثُلْمَةٌ لَا تُسَدُّ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ "

باب: ترتيب أحوال المبتدئ بالتفقه ينبغي للمبتدئ إذا حضر مجلس التفقه , أن يقرب من الفقيه , حتى يكون بحيث لا يخفى عنه شيء مما يقوله , ويصمت ويصغي إلى كلامه

§بَابُ: تَرْتِيبِ أَحْوَالِ الْمُبْتَدِئِ بِالتَّفَقُّهِ يَنْبَغِي لِلْمُبْتَدِئِ إِذَا حَضَرَ مَجْلِسَ التَّفَقُّهِ , أَنْ يَقْرَبَ مِنَ الْفَقِيهِ , حَتَّى يَكُونَ بِحَيْثُ لَا يَخْفَى عَنْهُ شَيْءٌ مِمَّا يَقُولُهُ , وَيَصْمُتَ وَيُصْغِيَ إِلَى كَلَامِهِ

فَقَدْ: أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي الْفَتْحِ الْفَارِسِيُّ , نَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عِمْرَانَ , عَنِ ابْنِ دُرَيْدٍ , عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ يَعْنِي ابْنَ أَخِي الْأَصْمَعِيِّ , عَنْ عَمِّهِ , قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَمْرِو بْنَ الْعَلَاءِ , يَقُولُ: " §أَوَّلُ الْعِلْمِ: الصَّمْتُ , وَالثَّانِي: حُسْنُ الِاسْتِمَاعِ , وَالثَّالِثُ: حُسْنُ السُّؤَالِ , وَالرَّابِعُ: حُسْنُ الْحِفْظِ , وَالْخَامِسُ: نَشْرُهُ عِنْدَ أَهْلِهِ "

أنا أَبُو الْقَاسِمِ الْأَزْهَرِيُّ , وأَبُو يَعْلَى الْوَكِيلُ , قَالَا: أنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ التَّمِيمِيُّ الْكُوفِيُّ , أنا أَبُو بَكْرٍ الْخَيَّاطُ , نَا الْمُبَرِّدُ , نَا الْمَازِنِيُّ , قَالَ: قَالَ الْأَصْمَعِيُّ: قَالَ الْخَلِيلُ: §" حِينَ أَرَدْتُ النَّحْوَ أَتَيْتُ الْحَلَقَةَ فَجَلَسْتُ سَنَةً لَا أَتَكَلَّمُ , إِنَّمَا

أَسْمَعُ فَلَمَّا كَانَ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ: نَظَرْتُ , فَلَمَّا كَانَ فِي السَّنَةِ الثَّالِثَةِ: تَدَبَّرْتُ , لَمَّا كَانَ فِي السَّنَةِ الرَّابِعَةِ: سَأَلْتُ وَتَكَلَّمْتُ " يُلَازِمُ حُضُورَ الْمَجْلِسِ , وَاسْتِمَاعَ الدَّرْسِ , فَإِذَا مَضَى لَهُ بُرْهَةٌ فِي الْحُضُورِ وَأَنِسَ بِمَا سَمِعَهُ , سَأَلَ الْفَقِيهَ أَنْ يُمْلِيَ عَلَيْهِ مِنْ أَوَّلِ الْكِتَابِ شَيْئًا , وَيَكْتُبُ مَا يُمْلِيهُ , ثُمَّ يَعْتَزِلُ وَيَنْظُرُ فِيهِ , فَإِذَا فَهِمَهُ انْصَرَفَ وَطَالَعَهُ , وَكَرَّرَ مُطَالَعَتَهُ حَتَّى يَعْلُقَ بِحِفْظِهِ , ثُمَّ يُعِيدُهُ عَلَى نَفْسِهِ , يُتْقِنُهُ , فَإِذَا حَضَرَ الْمَجْلِسَ بَعْدُ سَأَلَ الْفَقِيهَ أَنُ يَسْتَمِعَهُ مِنْهُ , وَيَذْكُرَهُ لَهُ مِنْ حِفْظِهِ , ثُمَّ يَسْأَلُ الْفَقِيهَ إِمْلَاءً مَا بَعْدَهُ , وَيَصْنَعُ فِيهِ كَصَنِيعِهِ فِيمَا تَقَدَّمَ

أنا أَبُو الْقَاسِمِ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ السَّرَّاجُ , أنا أَبُو الْحُسَيْنِ: أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدُوسٍ الطَّرَائِفِيُّ , قَالَ: نا عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ الدَّارِمِيُّ , قَالَ: سَمِعْتُ يَزِيدَ بْنِ مَوْهَبٍ , يَقُولُ: سَمِعْتُ ضَمْرَةَ , يَقُولُ: " §الْعَقْلُ: الْحِفْظُ , وَاللُّبُّ: الْفَهْمُ , وَالْحِلْمُ: الصَّبْرُ "

أنا الْقَاضِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الصَّيْمَرِيُّ , أنا عُمَرُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْمُقْرِئُ , نَا مُكْرَمُ بْنُ أَحْمَدَ , نَا أَحْمَدُ بْنُ عَطِيَّةَ , نَا مِنْجَابٌ , نَا شَرِيكٌ , عَنْ حُصَيْنٍ , قَالَ: §" جَاءَتِ امْرَأَةٌ إِلَى حَلَقَةِ أَبِي حَنِيفَةَ , وَكَانَ يَطْلُبُ الْكَلَامَ , فَسَأَلَتْهُ عَنْ مَسْأَلَةٍ , لَهُ وَلِأَصْحَابِهِ , فَلَمْ يُحْسِنُوا فِيهَا شَيْئًا مِنَ الْجَوَابِ ,

فَانْصَرَفْتُ إِلَى حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ , فَسَأَلْتُهُ فَأَجَابَهَا , فَرَجَعْتُ إِلَيْهِ , فَقَالَتْ: غَرَّرْتُمُونِي , سَمِعْتُ كَلَامَكُمْ , فَلَمْ تُحْسِنُوا شَيْئًا , فَقَامَ أَبُو حَنِيفَةَ فَأَتَى حَمَّادًا , فَقَالَ لَهُ: مَا جَاءَ بِكَ؟ قَالَ: أَطْلُبُ الْفِقْهَ قَالَ: تَعَلَّمْ كُلَّ يَوْمٍ ثَلَاثَ مَسَائِلَ وَلَا تَزِدْ عَلَيْهَا شَيْئًا حَتَّى يَتَّفِقَ لَكَ شَيْءٌ مِنَ الْعِلْمِ فَفَعَلَ , وَلَزِمَ الْحَلَقَةَ حَتَّى فَقِهَ , فَكَانَ النَّاسُ يُشِيرُونَ إِلَيْهِ بِالْأَصَابِعِ " وَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَتَثَبِّتَ فِي الْأَخْذِ وَلَا يُكْثِرُ , بَلْ يَأْخُذُ قَلِيلًا قَلِيلًا , حَسْبَ مَا يَحْتَمِلُهُ حِفْظُهُ , وَيَقْرَبُ مِنْ فَهْمِهِ , فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا} [الفرقان: 32]

أنا أَبُو الْحَسَنِ: عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ عُثْمَانَ الطِّرَازِيُّ بنَيْسَابُورَ , أنا أَبُو حَامِدٍ: أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ حَسْنَوَيْهِ الْمُقْرِئُ , نَا أَبُو يَحْيَى بْنُ أَبِي مَسَرَّةَ , نَا خَلَّادُ بْنُ يَحْيَى , نَا أَبُو عَقِيلٍ: يَحْيَى بْنُ الْمُتَوَكِّلِ , عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سُوقَةَ , عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ , عَنْ جَابِرٍ , قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: §«إِنَّ هَذَا الدِّينَ مَتِينٌ , فَأَوْغِلْ فِيهِ بِرِفْقٍ , وَلَا تُبَغِّضْ إِلَى نَفْسِكَ عِبَادَةَ اللَّهِ , فَإِنَّ الْمُنْبَتَّ لَا أَرْضًا قَطَعَ وَلَا -[202]- ظَهْرًا أَبْقَى» وَلَا يَنْبَغِي أَنَ يَسْتَفْهِمَ مِنَ الْفَقِيهِ حُكْمَ الْفَصْلِ الَّذِي يَذْكُرُهُ لَهُ قَبْلَ أَنْ يُتَمِّمَ الْفَقِيهُ ذِكْرَهُ , فَرُبَّمَا وَقَعَ لَهُ الْبَيَانُ عِنْدَ انْتِهَاءِ الْكَلَامِ , قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ} [طه: 114] فَإِنِ انْتَهَى كَلَامُ الْفَقِيهِ , وَلَمْ يَبِنْ لَهُ الْحُكْمُ سَأَلَهُ عَنْهُ حِينَئِذٍ , فَإِنَّ شِفَاءَ الْعِيِّ السُّؤَالُ

أنا الْقَاضِي أَبُو زُرْعَةَ: رُوحُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ الرَّازِيُّ , نا -[203]- أَبُو سَهْلٍ: أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جُمَانَ الْجَوَالِيقِيُّ لَفْظًا , نا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ أَيُّوبَ بْنِ يَحْيَى بْنِ الضُّرَيْسِ , أنا مُسَدَّدٌ , أنا مُعْتَمِرٌ , عَنْ حُمَيْدٍ , عَنْ أَنَسٍ , قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «§انْصُرْ أَخَاكَ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا» قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا أَنْصُرُهُ مَظْلُومًا , فَكَيْفَ أَنْصُرُهُ ظَالِمًا؟ قَالَ: «تَأْخُذُ فَوْقَ يَدَيْهِ» وَيَنْبَغِي أَنْ يُرَاعِيَ مَا يَحْفَظُهُ , وَيَسْتَعْرِضَ جَمِيعَهُ كُلَّمَا مَضَتْ لَهُ مُدَّةٌ , وَلَا يَغْفُلُ ذَلِكَ , فَقَدْ كَانَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ إِذَا عَلَّمَ إِنْسَانًا مَسْأَلَةً مِنَ الْعِلْمِ , سَأَلَهُ عَنْهَا بَعْدَ مُدَّةٍ , فَإِنْ وَجَدَهُ قَدْ حَفِظَهَا عَلِمَ أَنَّهُ مُحِبٌّ لِلْعِلْمِ , فَأَقْبَلَ عَلَيْهِ وَزَادَهُ وَإِنْ لَمْ يَرَهُ قَدْ حَفِظَهَا وَقَالَ لَهُ الْمُتَعَلِّمُ: كُنْتُ قَدْ حَفِظْتُهَا فَأُنْسِيتُهَا أَوْ قَالَ: كَتَبْتُهَا فَأَضَعْتُهَا أَعْرَضَ عَنْهُ وَلَمْ يُعَلِّمْهُ، وَيَنْبَغِي أَلَّا يَسْأَلَ الْفَقِيهُ أَنْ يَذْكُرَ لَهُ شَيْئًا إِلَّا وَمَعَهُ سَلَامَةُ الطَّبْعِ وَفَرَاغُ الْقَلْبِ، وَكَمَالَ الْفَهْمِ، لَأَنَّهُ إِذَا حَضَرَهُ نَاعِسًا أَوْ مَغْمُومًا، أَوْ مَشْغُولَ الْقَلْبِ، أَوْ قَدْ بَطِرَ فَرَحًا، أَوش امْتَلَأَ غَضَبًا لَمْ يَقْبَلْ قَلْبُهُ مَا سَمِعَ وَإِنْ رُدِّدَ عَلَيْهِ الشَّيْءُ وُكُرِّرَ، فَإِنْ فَهِمَ لَمْ يَثْبُتْ فِي قَلْبِهِ مَا فَهِمَهُ حَتَّى يَنْسَاهُ، وَإِنِ اسْتَعْجَمَ قَلْبُهُ عَنِ الْفَهْمِ، كَانَ ذَلِكَ دَاعِيَةً لِلْفَقِيهِ إِلَّى الضَّجَرِ وَلِلْمُتَعَلِّمِ إِلَى الْمَلَلِ، وَكُلَّمَا ذَكَرْتُ أَنَّهُ يَلْزَمُ الْمُتَعَلِّمَ افْتِقَادُهُ مِنْ -[204]- نِفْسِهِ، فَإِنَّ عَلَى الْفَقِيهِ مِثْلَهُ إِلَّا أَنَّ الْمُتَعَلِّمَ يَحْتَاجُ مِنْ ذَلِكَ إِلَى أَكْثَرَ مِمَّا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ الْفَقِيهُ , لِأَنَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَسْمَعَ مَا لَمْ يَكُنْ سَمِعَهُ مِنْ قَبْلُ , فَيُرِيدُ أَنْ يَتَعَرَّفَهُ , وَأَنْ يَتَحَفَّظَهُ , وَالْفَقِيهُ فَهِمٌ لِمَا يُرِيدُ أَنْ يُلْقِيَهُ حَافِظٌ لِمَا يَقْصِدُ أَنْ يَحْكِيهِ , فَإِذَا كَانَ الْفَقِيهُ مِنَ الْحِفْظِ وَالْمَعْرِفَةِ عَلَى مَا ذَكَرْتُ وَيَلْزَمُهُ مِنَ افْتِقَادِ نَفْسِهِ مَا وَصَفْتُ , وَالْمُتَعَلِّمُ يُرِيدُ أَنْ يُلْقِيَ إِلَى قَلْبِهِ مَا لَا يَعْرِفُهُ , وَقَلْبُهُ نَافِرٌ عَنْهُ , وَنَفْسُهُ تَسْتَثْقِلُ التَّعَبَ , وَالْإِكْبَابَ عَلَى الطَّلَبِ فَهُوَ يَحْتَاجُ مِنْ فَرَاغِ الْقَلْبِ إِلَى أَكْثَرَ مِمَّا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ الْفَقِيهُ , وَيُحْتَاجُ إِلَى صَبْرٍ شَدِيدٍ عَلَى الِاسْتِذْكَارِ وَالتَّرْدِيدِ

وَلِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ , فِيمَا: أنا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى الْهَمَذَانِيُّ , نا صَالِحُ بْنُ أَحْمَدَ التَّمِيمِيُّ , نا مُحَمَّدُ بْنُ حَمْدَانَ الطَّرَائِفِيُّ , نا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ , قَالَ: قَالَ الشَّافِعِيُّ: §«وَالنَّاسُ طَبَقَاتٌ فِي الْعِلْمِ , مَوْقِعُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ بِقَدْرِ دَرَجَاتِهِمْ فِيهِ , فَحَقَّ عَلَى طَلَبَةِ الْعِلْمِ بُلُوغُ غَايَةِ جَهْدِهِمْ فِي الِاسْتِكْثَارِ مِنْ عِلْمِهِ , وَالصَّبْرِ عَلَى كُلِّ عَارِضٍ دُونَ طَلَبِهِ , وَإِخْلَاصِ النِّيَّةِ لِلَّهِ فِي إِدْرَاكِ عِلْمِهِ نَصًّا وَاسْتِنْبَاطًا وَالرَّغْبَةِ إِلَى اللَّهِ فِي الْعَوْنِ عَلَيْهِ , فَإِنَّهُ لَا يُدْرَكُ خَيْرٌ إِلَّا بِعَوْنِهِ»

أَخْبَرَنِي الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْخَلَّالُ , نا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ الْفَقِيهُ , نا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ النَّدِيمُ , نا مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ الْمُبَرِّدُ , نا عَمْرُو بْنُ بَحْرٍ , قَالَ: سَمِعْتُ إِبْرَاهِيمَ بْنَ سَيَّارٍ النَّظَّامَ , يَقُولُ -[205]-: " §الْعِلْمُ: شَيْءٌ لَا يُعْطِيكَ بَعْضَهُ حَتَّى تُعْطِيَهُ كُلَّكَ , وَأَنْتَ إِذَا أَعْطَيْتَهُ كُلَّكَ , مِنْ إِعْطَائِهِ الْبَعْضَ عَلَى خَطَرٍ "

أنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ السَّرَّاجُ , أنا أَبُو مُحَمَّدٍ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الرَّازِيُّ , أنا أَبُو شُعَيْبٍ الْحَرَّانِيُّ , نا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ , نا عَلِيُّ بْنُ ثَابِتٍ , نا أَيُّوبُ بْنُ عُتْبَةَ , قَالَ: قَالَ يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ: §«لَا يُسْتَطَاعُ طَلَبُ الْعِلْمِ بِرَاحَةِ الْجِسْمِ»

أنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَلِيِّ بْنِ أَحْمَدَ الْوَرَّاقُ , نا عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ النَّاقِدُ أَبُو حَفْصٍ , وأَبُو الْحُسَيْنِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الزَّيْنُبَيُّ , قَالَا: نا أَحْمَدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ الْمُخَرِّمِيُّ , نا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ , نا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ , نا الْأَوْزَاعِيُّ , قَالَ: سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ أَبِي كَثِيرٍ , يَقُولُ: §«لَيْسَ يُطْلَبُ الْعِلْمُ بِرَاحَةِ الْبَدَنِ» بَلَغَنِي عَنْ بَعْضِ الْحُكَمَاءِ أَنَّهُ قَالَ -[206]-: أَيُّهَا الْمُتَعَلِّمُ إِنَّكَ إِنْ لَمْ تَصْبِرْ عَلَى تَعَبِ الْعِلْمِ , صَبَرْتَ عَلَى شَقَاءِ الْجَهْلِ

أنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ الْعُتَيْقِيُّ , أنا أَبُو مُسْلِمٍ: مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْكَاتِبُ , نا أَبُو بَكْرِ بْنُ دُرَيْدٍ , قَالَ: " قَالَ أَفْلَاطُونُ: §مُحِبُّ الشَّرَفِ هُوَ: الَّذِي يُتْعِبُ نَفْسَهُ بِالنَّظَرِ فِي الْعِلْمِ "

باب القول في التحفظ وأوقاته وإصلاح ما يعرض من علله وآفاته اعلم أن للحفظ ساعات , ينبغي لمن أراد التحفظ أن يراعيها وللحفظ أماكن ينبغي للمتحفظ أن يلزمها فأجود الأوقات: الأسحار , ثم بعدها وقت انتصاف النهار , وبعدها الغدوات دون العشيات , وحفظ الليل أصلح من

§بَابُ الْقَوْلِ فِي التَّحَفُّظِ وَأَوْقَاتِهِ وَإِصْلَاحِ مَا يَعْرِضُ مِنْ عِلَلِهِ وَآفَاتِهِ اعْلَمْ أَنَّ لِلْحِفْظِ سَاعَاتٍ , يَنْبَغِي لِمَنْ أَرَادَ التَّحَفُّظَ أَنْ يُرَاعِيَهَا وَلِلْحِفْظِ أَمَاكِنُ يَنْبَغِي لِلْمُتَحَفِّظِ أَنْ يَلْزَمَهَا فَأَجْوَدُ الْأَوْقَاتِ: الْأَسْحَارُ , ثُمَّ بَعْدَهَا وَقْتُ انْتِصَافِ النَّهَارِ , وَبَعْدَهَا الْغَدَوَاتُ دُونَ الْعَشِيَّاتِ , وَحِفْظُ اللَّيْلِ أَصْلَحُ مِنْ حِفْظِ النَّهَارِ قِيلَ لِبَعْضِهِمْ: بِمَ أَدْرَكْتَ الْعِلْمَ؟ فَقَالَ: بِالْمِصْبَاحِ , وَالْجُلُوسِ إِلَى الصَّبَاحِ وَقِيلَ لِآخَرَ , فَقَالَ: بِالسَّفَرِ , وَالسَّهَرِ , وَالْبُكُورِ فِي السَّحَرِ

أنا الْعُتَيْقِيُّ , أنا أَبُو مُسْلِمٍ الْكَاتِبُ , نَا أَبُو بَكْرِ بْنُ دُرَيْدٍ , قَالَ: " §سَأَلَ شَابٌّ جَاهِلٌ أَفْلَاطُونَ: كَيْفَ قَدَرْتَ عَلَى كَثْرَةِ مَا تَعَلَّمْتَ؟ قَالَ: لِأَنِّي أَفْنَيْتُ مِنَ الزَّيْتِ أَكْثَرَ مِمَّا شَرِبْتَ أَنْتَ مِنَ الشَّرَابِ" وَبَلَغَنِي أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِأَفْلَاطُونَ: أَلَمْ نَكُنْ جَمِيعًا فِي مَكْتَبٍ وَاحِدٍ؟ قَالَ: بَلَى قَالَ: فَكَيْفَ صِرْتَ تَعْلُوا مِنْبَرَ التَّعْلِيمِ وَحَظِيَ مِنَ الْعِلْمِ مَا

تَرَاهُ؟ قَالَ: ذَلِكَ لِأَنَّ دِينَارِي كَانَ مَحْمُولًا إِلَى الزَّيَّاتِ , وَدِينَارُكَ كَانَ مَحْمُولًا إِلَى الْخَمَّارِ وَقَالَ أَبُو الْقَاسِمِ السَّعْدِيُّ ابْنُ عَمِّ أَبِي نَصْرِ بْنِ نُبَاتَةَ: [البحر الوافر] أَعَاذِلَتِي عَلَى إِتْعَابِ نَفْسِي ... وَرَعْيِي فِي السُّرَى رَوْضُ السُّهَادِ إِذَا شَامَ الْفَتَى بَرَقَ الْمَعَالِي ... فَأَهْوَنُ فَائِتٍ طِيبُ الرُّقَادِ وَأَجْوَدُ أَمَاكِنِ الْحِفْظِ: الْغُرَفُ دُونَ السُّفْلِ , وَكُلُّ مَوْضِعٍ بَعُدَ مِمَّا يُلْهِي , وَخَلَا الْقَلْبُ فِيهِ مِمَّا يُقْرِعُهُ فَيُشْغِلُهُ , أَوْ يَغْلِبُ عَلَيْهِ فَيَمْنَعُهُ , وَلَيْسَ بِالْمَحْمُودِ أَنْ يَتَحَفَّظَ الرَّجُلُ بِحَضْرَةِ النَّبَاتِ وَالْخُضْرَةِ , وَلَا عَلَى شُطُوطِ الْأَنْهَارِ وَلَا عَلَى قَوَارِعِ الطُّرُقِ , فَلَيْسَ يَعْدِمُ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ غَالِبًا مَا يَمْنَعُ مِنْ خُلُوِّ الْقَلْبِ وَصَفَاءِ السِّرِّ وَأَوْقَاتُ الْجُوعِ أَحْمَدُ لِلتَّحَفُّظِ مِنْ أَوْقَاتِ الشِّبَعِ وَيَنْبَغِي لِلْمُتَحَفِّظِ أَنْ يَتَفَقَّدَ مِنْ نَفْسِهِ حَالَ الْجُوعِ , فَإِنُّ بَعْضَ النَّاسِ إِذَا أَصَابَهُ شِدَّةُ الْجُوعِ وَالْتِهَابُهُ لَمْ يَحْفَظْ , فَلْيُطْفِئْ ذَلِكَ عَنْ نَفْسِهِ بِالشَّيْءِ الْخَفِيفِ الْيَسِيرِ كَمَصِّ الرُّمَّانِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ , وَلَا يُكْثِرُ الْأَكْلَ

فَقَدْ: أنا أَبُو نُعَيْمٍ الْحَافِظُ , نا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ الطَّبَرَانِيُّ , نا أَبُو زَيْدٍ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ بْنِ زَيْدٍ الْحَوْطِيُّ , نا أَبُو الْمُغِيرَةِ عَبْدُ الْقُدُّوسِ بْنُ الْحَجَّاجِ , نا سُلَيْمَانُ بْنُ سُلَيْمٍ الْكِنَانِيُّ , قَالَ: حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ جَابِرٍ الطَّائِيُّ , عَنِ الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِي كَرِبَ الْكِنْدِيِّ , قَالَ -[209]-: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: §" مَا مَلَأَ آدَمِيٌّ وِعَاءً شَرًّا مِنْ بَطْنٍ , حَسْبُ ابْنِ آدَمَ أَكْلَاتٌ يُقِمْنَ صُلْبَهُ , فَإِنْ كَانَ لَا مَحَالَةَ: فَثُلُثًا طَعَامًا , وَثُلُثًا شَرَابًا , وَثُلُثًا لِنَفَسِهِ "

أنا الْقَاضِي أَبُو الْعَلَاءِ الْوَاسِطِيُّ , وأَبُومَنْصُورٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُثْمَانَ السَّوَّاقُ , قَالَا: أنا أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ حَمْدَانَ الْقَطِيعِيُّ , نا مُحَمَّدُ بْنُ يُونُسَ , نا الْأَصْمَعِيُّ , قَالَ: وَعَظَ أَعْرَابِيٌّ أَخًا لَهُ , فَقَالَ: «يَا أَخِي §إِنَّكَ طَالِبٌ وَمَطْلُوبٌ , فَبَادِرِ الْمَوْتَ , احْذَرِ الْفَوْتَ وَخُذْ مِنَ الدُّنْيَا مَا يَكْفِيكَ , وَدَعْ مِنْهَا مَا يُطْغِيكَ , وَإِيَّاكَ وَالْبِطْنَةَ , فَإِنَّهَا تُعْمِي عَنِ الْفِطْنَةِ»

أنا الْحَسَنُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ الْعَبَّاسِ النِّعَالِيُّ , أنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ نَصْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْفَتْحِ الذَّرَاعُ بِالنَّهْرَوَانِ , نا حَرْبُ بْنُ مُحَمَّدٍ , نا أَبِي , نا الْعُتْبِيُّ , قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ هُبَيْرَةَ , لِمَلِكِ الرُّومِ: " §مَا تَعُدُّونَ الْأَحْمَقَ فِيكُمْ؟ قَالَ: الَّذِي يَمْلَأُ بَطْنَهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ يَجِدُ " -[210]- وَلْيَتَعَاهَدْ نَفْسَهُ بِإِخْرَاجِ الدَّمِ

فَقَدْ: أَخْبَرَنِي أَبُو نَصْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْقَاضِي بِالدِّينَوَرِ , أنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ السُّنِّيُّ الْحَافِظُ , حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ زُهَيْرٍ , نا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ السِّجِسْتَانِيُّ , نا أَصْبَغُ بْنُ الْفَرَجِ , نا ابْنُ وَهْبٍ , نا شِمْرُ بْنُ نُمَيْرٍ , عَنْ حُسَيْنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ضُمَيْرَةَ , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ جَدِّهِ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ §«أَمَرَ بِالْحِجَامَةِ وَالِاقْتِضَادِ»

أنا أَبُو الْحَسَنِ: مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ , أنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ يَعْقُوبَ الْمُقْرِئُ , أنا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ مَحْمِيٍّ أَبُو عَلِيٍّ , قِرَاءَةً عَلَيْهِ , حَدَّثَنَا سُوَيْدٌ , هُوَ ابْنُ سَعِيدٍ , حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ مَطَرٍ , عَنْ عُثْمَانَ , ومُحَمَّدِ بْنِ جُحَادَةَ , عَنْ نَافِعٍ , عَنِ ابْنِ عُمَرَ , قَالَ , قَالَ: إِنَّهُ قَدْ تَبَيَّغَ بِي الدَّمُ , فَالْتَمِسْ لِي حَجَّامًا وَاجْعَلْهُ رَفِيقًا إِنِ -[211]- اسْتَطَعْتَ , وَلَا تَجْعَلْهُ شَيْخًا كَبِيرًا , وَلَا صَبِيًّا صَغِيرًا , فَإِنِّي سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , يَقُولُ: §«الْحِجَامَةُ عَلَى الرِّيقِ أَمْثَلُ , وَفِيهِ شِفَاءٌ وَبَرَكَةٌ , وَهُوَ يَزِيدُ فِي الْعَقْلِ وَفِي الْحِفْظِ» إِنْ كَانَ لَهُ عَادَةٌ بِشُرْبِ الْمَطْبُوخِ مِنَ الدَّوَاءِ , فَلَا يَقْطَعُ عَادَتَهُ

فَقَدْ -[212]-: أنا أَبُو نُعَيْمٍ الْحَافِظُ , نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ فَارِسٍ , نا أَبُو مَسْعُودٍ أَحْمَدُ بْنُ الْفُرَاتِ الرَّازِيُّ , أنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ , نا سُفْيَانُ , عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ , عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ , عَنْ عَبْدِ اللَّهِ , رَفَعَهُ , قَالَ: §«إِنَّ اللَّهَ لَمْ يُنْزِلْ دَاءً إِلَّا أَنْزَلَ لَهُ شِفَاءً فَتَدَاوَوْا»

وأنا أَبُو نُعَيْمٍ , نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ , نا أَبُو مَسْعُودٍ , أنا أَبُو أُسَامَةَ , عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ جَعْفَرٍ , عَنْ زُرْعَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ , عَنْ مَوْلَى لِمَعْمَرٍ , عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ , قَالَتْ: قَالَ لِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «§بِمَاذَا تَسْتَمْشِينَ؟» قَالَتْ: بِالشُّبْرُمِ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «حَارٌّ بَارٌّ» , قَالَ: «أَيْنَ أَنْتِ مِنَ السَّنَا فَلَوْ كَانَ فِي شَيْءٍ شِفَاءٌ مِنَ الْمَوْتِ لَكَانَ السَّنَا»

أنا الْحَسَنُ بْنُ الْحُسَيْنِ النِّعَالِيُّ , أنا أَحْمَدُ بْنُ نَصْرِ بْنِ

عَبْدِ اللَّهِ الذَّرَاعُ , نَا صَدَقَةُ بْنُ مُوسَى , نَا أَبِي , حَدَّثَنَا الْأَصْمَعِيُّ , قَالَ: " §جَمَعَ هَارُونُ الرَّشِيدُ أَرْبَعَةً مِنَ الْأَطِبَّاءِ: عِرَاقِيًّا , وَرُومِيًّا , وَهِنْدِيًّا , سُوَادِيًّا فَقَالَ: يَصِفُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمُ الدَّوَاءَ الَّذِي لَا دَاءَ لَهُ , فَقَالَ لَهُ الرُّومِيُّ: الدَّوَاءُ الَّذِي لَا دَاءَ فِيهِ: حَبُّ الرَّشَادِ الْأَبْيَضِ , وَقَالَ الْهِنْدِيُّ: الدَّوَاءُ الَّذِي لَا دَاءَ فِيهِ: الْمَاءُ الْحَارُّ , وَقَالَ الْعِرَاقِيُّ: الدَّوَاءُ الَّذِي لَا دَاءَ فِيهِ: الْهِلِيلَجُ الْأَسْوَدُ , وَالسُوَادِيُّ سَاكِتٌ , وَكَانَ أحَذْقَهُمْ فَقِيلَ لَهُ تَكَلَّمْ , فَقَالَ: حَبُّ الرَّشَادِ: يُوَلِّدُ الرُّطُوبَةَ , وَالْمَاءُ الْحَارُّ: يَرْخِي الْمَعِدَةُ , وَالْهِلِيلَجُ الْأَسْوَدُ: يَحْرِقُ الْمَعِدَةَ , قَالُوا لَهُ: فَأَنْتَ مَا تَقُولُ؟ فَقَالَ: الدَّوَاءُ الَّذِي لَا دَاءَ فِيهِ أَنْ تَقْعُدَ عَلَى الطَّعَامِ وَأَنْتَ تَشْتَهِيهِ , وَتَقُومُ عَنْهُ وَأَنْتَ تَشْتَهِيهِ " وَمِنْ أَنْفَعِ مَا اسْتُعْمِلَ إِصْلَاحُ الْغِذَاءِ , وَاجْتِنَابُ الْأَطْعِمَةِ الرَّدِيئَةِ , وَتَنْقِيَةُ الطَّبْعِ مِنَ الْأَخْلَاطِ الْمُفْسِدَةِ

وَقَدْ جَاءَ فِي الْحَمِيَّةِ أَثَرٌ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَاهُ الْقَاضِي أَبُو عُمَرَ الْهَاشِمِيُّ , نَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ اللُّؤْلُؤِيُّ , نَا أَبُو دَاوُدَ سُلَيْمَانُ بْنُ الْأَشْعَثِ , نَا هَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ , نَا أَبُو دَاوُدَ , وأَبُو عَامِرٍ، لَفْظُ أَبِي عَامِرٍ , عَنْ فُلَيْحِ بْنِ سُلَيْمَانَ , عَنْ أَيُّوبَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ صَعْصَعَةَ الْأَنْصَارِيِّ , عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ أَبِي يَعْقُوبَ , عَنْ أُمِّ الْمُنْذِرِ بِنْتِ قَيْسٍ الْأَنْصَارِيَّةِ , قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَعَهُ عَلِيٌّ , وَعَلِيٌّ نَاقِهٌ , وَلَنَا دَوَالٍ مُعَلَّقَةٌ , فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْكُلُ مِنْهَا , وَقَامَ عَلِيٌّ لِيَأْكُلَ , فَطَفِقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لِعَلِيٍّ: §«مَهْ , إِنَّكَ نَاقِهٌ» , حَتَّى كَفَّ عَلِيٌّ , قَالَتْ -[214]-: وَصَنَعْتُ شَعِيرًا وَسِلْقًا , فَجِئْتُ بِهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا عَلِيُّ أَصِبْ مِنْ هَذَا فَهُوَ أَنْفَعُ لَكَ» فَمَنْ رَاعَى مَا رَسَمْتُ لَهُ مِنْ إِصْلَاحِ الْغِذَاءِ , وَتَنْقِيَةِ الطَّبْعِ , وَفَرَّغَ قَلْبَهُ , لَمْ يَكَدْ يَسْمَعُ شَيْئًا إِلَّا سَهُلَ عَلَيْهِ حِفْظُهُ , إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى

باب: ذكر مقدار ما يحفظه المتفقه اعلم أن القلب جارحة من الجوارح , تحتمل أشياء , وتعجز عن أشياء , كالجسم الذي يحتمل بعض الناس أن يحمل مائتي رطل , ومنهم من يعجز عن عشرين رطلا , وكذلك منهم من يمشي فراسخ في يوم , لا يعجزه , ومنهم من يمشي بعض ميل , فيضر ذلك

§بَابُ: ذِكْرِ مِقْدَارِ مَا يَحْفَظُهُ الْمُتَفَقِّهُ اعْلَمْ أَنَّ الْقَلْبَ جَارِحَةٌ مِنَ الْجَوَارِحِ , تَحْتَمِلُ أَشْيَاءَ , وَتَعْجِزُ عَنْ أَشْيَاءَ , كَالْجِسْمِ الَّذِي يَحْتَمِلُ بَعْضَ النَّاسِ أَنْ يَحْمِلَ مِائَتَيْ رِطْلٍ , وَمِنْهُمْ مَنْ يَعْجَزُ عَنْ عِشْرِينَ رِطْلًا , وَكَذَلِكَ مِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي فَرَاسِخَ فِي يَوْمٍ , لَا يُعْجِزُهُ , وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي بَعْضَ مِيلٍ , فَيَضُرُّ ذَلِكَ بِهِ , وَمِنْهُمْ مَنْ يَأْكُلُ مِنَ الطَّعَامِ أَرْطَالًا , وَمِنْهُمْ مَنْ يُتْخِمُهُ الرَّطْلُ فَمَا دُونَهُ , فَكَذَلِكَ الْقَلْبُ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَحْفَظُ عَشْرَ وَرَقَاتٍ فِي سَاعَةٍ , وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يَحْفَظُ نِصْفَ صَفْحَةٍ فِي أَيَّامٍ , فَإِذَا ذَهَبَ الَّذِي مِقْدَارُ حِفْظِهِ نِصْفُ صَفْحَةٍ يَرُومٌ أَنْ يَحْفَظَ عَشْرَ وَرَقَاتٍ تَشَبُّهًا بِغَيْرِهِ لَحِقَهُ الْمَلَلُ , وَأَدْرَكَهُ الضَّجَرُ , وَنَسِيَ مَا حَفِظَ , وَلَمْ يَنْتَفِعْ بِمَا سَمِعَ فَلْيَقْتَصِرْ كُلُّ امْرِئٍ مِنْ نَفْسِهِ عَلَى مِقْدَارٍ يَبْقَى فِيهِ مَا لَا يَسْتَفْرِغُ كُلَّ نَشَاطِهِ , فَإِنَّ ذَلِكَ أعونُ لَهُ عَلَى التَّعَلُّمِ مِنَ الذِّهْنِ الْجَيِّدِ وَالْمُعَلِّمُ الْحَاذِقُ

أنا أَبُو بَكْرٍ الْبُرْقَانِيُّ , قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى أَبِي الْعَبَّاسِ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ حَمْدَانَ , حَدَّثَكُمُ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدِ الْقَبَّانِيُّ , نَا أَبُو الْأَشْعَثِ , نَا خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ , نَا حُمَيْدٌ , قَالَ: سُئِلَ أَنَسٌ إِنْ شَاءَ اللَّهُ عَنْ صَلَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَوْمِهِ , فَقَالَ: " كَانَ §يَصُومُ مِنَ الشَّهْرِ حَتَّى نَقُولَ: لَا يُرِيدُ أَنْ يُفْطِرَ مِنْهُ شَيْئًا -[216]- وَيُفْطِرَ حَتَّى نَقُولَ: لَا يُرِيدُ أَنْ يَصُومَ مِنْهُ شَيْئًا , وَمَا كُنَّا نَشَاءُ أَنْ نَرَاهُ مِنَ اللَّيْلِ مُصَلِّيًا إِلَّا رَأَيْنَاهُ , وَلَا نَائِمًا إِلَّا رَأَيْنَاهُ " قَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: إِنَّ لِهَذِهِ الْقُلُوبِ تَنَافُرًا كَتَنَافُرِ الْوَحْشِ , فَأْلَفُوهَا بِالِاقْتِصَادِ فِي التَّعْلِيمِ , وَالتَّوَسُّطِ فِي التَّقْوِيمِ , لِتَحْسُنَ طَاعَتُهَا , وَيَدُومَ نَشَاطُهَا وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُمْرِجَ نَفْسَهُ فِيمَا يَسْتَفْرِغُ مَجْهُودَهُ , وَلْيَعْلَمْ أَنَّهُ إِنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَتَعَلَّمَ فِي يَوْمٍ ضِعْفَ مَا يَحْتَمِلُ أَضَرَّ بِهِ فِي الْعَاقِبَةِ , لِأَنَّهُ إِذَا تَعَلَّمَ الْكَثِيرَ الَّذِي لَا طَاقَةَ لَهُ بِهِ , وَإِنْ تَهَيَّأَ لَهُ فِي يَوْمِهِ ذَلِكَ أَنْ يَضْبِطَهُ , وَظَنَّ أَنَّهُ يَحْفَظُهُ , فَإِنَّهُ إِذَا عَادَ مِنْ غَدٍ وَتَعَلَّمَ نَسِيَ مَا كَانَ تَعَلَّمَهُ أَوَّلًا , وَثَقُلَتْ عَلَيْهِ إِعَادَتُهُ , وَكَانَ بِمَنْزِلَةِ رَجُلٍ حَمَلَ فِي يَوْمِهِ مَا لَا يُطِيقُهُ فَأَثَّرَ ذَلِكَ فِي جِسْمِهِ ثُمَّ عَادَ مِنْ غَدٍ , فَحَمَلَ مَا يُطِيقُهُ فَأَثَّرَ ذَلِكَ فِي جِسْمِهِ , وَكَذَلِكَ إِذَا فَعَلَ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ , وَيُصِيبُهُ الْمَرَضُ وَهُوَ لَا يُشْعِرُ وَيَدُلُّ عَلَى مَا ذَكَرْتُهُ: أَنَّ الرَّجُلَ يَأْكُلُ مِنَ الطَّعَامِ مَا يَرَى أَنَّهُ يَحْتَمِلُهُ فِي يَوْمِهِ مِمَّا يَزِيدُ فِيهِ عَلَى قَدْرِ عَادَتِهِ , فَيَعْقُبُهُ ذَلِكَ ضَعْفًا فِي مَعِدَتِهِ , فَإِذَا أَكَلَ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي قَدْرَ مَا كَانَ يَأْكُلُهُ أَعْقَبَهُ لِبَاقِي الطَّعَامِ الْمُتَقَدِّمِ فِي مَعِدَتِهِ تُخْمَةً -[217]- فَيَنْبَغِي لِلْمُتَعَلِّمِ أَنْ يُشْفِقَ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ تَحْمِيلِهَا فَوْقَ طَاقَتِهَا , وَيَقْتَصِرَ مِنَ التَّعْلِيمِ عَلَى مَا يُبْقِي عَلَيْهِ حِفْظُهُ , وَيَثْبُتُ فِي قَلْبِهِ

أنا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُعَدِّلِ , أنا الْحُسَيْنُ بْنُ صَفْوَانَ , نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي الدُّنْيَا , نَا أَبُو خَيْثَمَةَ , ثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ , عَنْ عَمْرٍو , عَنْ أَبِي الْعَبَّاسِ , عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو , قَالَ: قَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: §«أَلَمْ أُخْبَرْ أَنَّكَ تَقُومُ اللَّيْلَ وَتَصُومَ النَّهَارَ؟» فَقُلْتُ: إِنِّي أَفْعَلُ ذَلِكَ , قَالَ: «إِنَّكَ إِذَا فَعَلْتَ ذَلِكَ هَجَمَتْ عَيْنُكَ , وَنَقِهَتْ نَفْسُكَ لِعَيْنِكَ حَقٌّ , وَلِنَفْسِكَ حَقٌّ فَصُمْ وَأَفْطِرْ , وَصَلِّ وَنَمْ» قَالَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا , قَالَ أَبِي: نَقِهَتْ نَفْسُكَ عَنِ الشَّيْءِ: إِذَا مَلَّتْ , فَلَمْ تَشْتَهِهِ وَهَجَمَتْ عَيْنُكَ: إِذَا سَالَتْ بِالدُّمُوعِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَجْعَلَ لِنَفْسِهِ مِقْدَارًا , كُلَّمَا بَلَغَهُ وَقَفَ وَقْفَةً أَيَّامًا لَا يُرِيدُ تَعَلُّمًا , فَإِنَّ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الْبُنْيَانِ: أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَسْتَجِيدَ البِنَاءً , بَنَاهُ أَذْرُعًا يَسِيرَةً , ثُمَّ تَرَكَهُ حَتَّى يَسْتَقِرَّ , ثُمَّ يَبْنِي فَوْقَهُ , وَلَوْ بَنَى الْبِنَاءَ كُلَّهُ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ لَمْ يَكُنْ بِالَّذِي يُسْتَجَادُ , وَرُبَّمَا انْهَدَمَ بِسُرْعَةٍ ,

وَإِنْ بَقِيَ كَانَ غَيْرَ مُحْكَمٍ , فَكَذَلِكَ الْمُتَعَلِّمُ يَنْبَغِي أَنْ يَجْعَلَ لِنَفْسِهِ حَدًّا , كُلَّمَا انْتَهَى إِلَيْهِ وَقَفَ عِنْدَهُ , حَتَّى يَسْتَقِرَّ مَا فِي قَلْبِهِ , وَيُرِيحَ بِتِلْكَ الْوَقْفَةِ نَفْسَهُ , فَإِذَا اشْتَهَى التَّعَلُّمَ بِنَشَاطٍ عَادَ إِلَيْهِ , وَإِنِ اشْتَهَاهُ بِغَيْرِ نَشَاطٍ لَمْ يَعْرِضْ لَهُ , فَإِنَّهُ قَدْ يَشْتَهِي الْإِنْسَانُ , لِمَا كَانَ نَظِيرٌ لَهُ يُحِبُّ أَنْ يَعْلُوَ عَلَيْهِ , وَيَرَى مِنْ نَفْسِهِ الِاقْتِدَارَ , وَلَيْسَ لَهُ فِي الطَّبْعِ نَشَاطٌ , فَلَا يَثْبُتُ مَا يَتَعَلَّمُهُ فِي قَلْبِهِ , وَإِذَا اشْتُهِرَ مَعَ نَشَاطٍ يَكُونُ فِيهِ ثَبْتٌ فِي قَلْبِهِ مَا يَسْمَعُهُ وَحَفِظَهُ , فَإِذَا أَكَلَ ضَرَّهُ وَلَمْ يَسْتَمْرِهِ , وَإِذَا اشْتَهَى وَالْمَعِدَةُ نَقِيَّةٌ , اسْتَمْرَأَ مَا أَكَلَ وَبَانَ عَلَى جِسْمِهِ

أنا أَبُو الْقَاسِمِ: عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي عُثْمَانَ الدَّقَّاقُ , وَعَلِيُّ بْنُ الْمُحْسِنِ بْنِ عَلِيٍّ التَّنُوخِيُّ , قَالَا: أنا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ الرَّزَّازُ , قَالَ: حَدَّثَنَا وَفِي حَدِيثِ التَّنُوخِيِّ , قَالَ: أنا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْفِرْيَابِيُّ , قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى أَبِي مُصْعَبٍ وكَتَبْتُ مِنْ كِتَابِهِ قُلْتُ: حَدَّثَكُمْ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي حَازِمٍ , عَنْ يَزِيدَ بْنِ الْهَادِ , عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ , عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ , عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ , قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: §«أَلَمْ أُخْبَرْ أَنَّكَ تَصُومُ النَّهَارَ لَا تُفْطِرُ , وَتُصَلِّي اللَّيْلَ لَا تَنَامُ؟» قُلْتُ: بَلَى , قَالَ: «فَبِحَسْبِكَ أَنْ تَصُومَ مِنْ كُلِّ جُمُعَةٍ يَوْمَيْنِ» , قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ , إِنِّي أَجِدُ بِي قُوَّةً أَقْوَى مِنْ ذَلِكَ , قَالَ: «فَهَلْ لَكَ فِي صِيَامِ دَاوُدَ , فَإِنَّهُ أَعْدَلُ الصِّيَامِ , يَصُومُ يَوْمًا وَيُفْطِرُ يَوْمًا» , قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أَجِدُ بِي قُوَّةً هِيَ أَقْوَى مِنْ ذَلِكَ , قَالَ: «لَعَلَكَ تَبْلُغُ بِذَلِكَ سِنًّا وَتَضْعُفُ , -[219]- بِحَسْبِكَ أَنْ تَقْرَأَ الْقُرْآنَ فِي كُلِّ نِصْفٍ» , فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أَجِدُ بِي قُوَّةً هِيَ أَقْوَى مِنْ ذَلِكَ , قَالَ: «فَبِحَسْبِكَ أَنْ تَقْرَأَ فِي كُلِّ عَشْرٍ» , فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أَجِدُ بِي قُوَّةً هِيَ أَقْوَى مِنْ ذَلِكَ , قَالَ: «فَاقْرَأْهُ فِي كُلِّ سَبْعٍ , وَلَا تَنْثِرَنَّهُ» , قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: فَشَدَدْتُ فَشَدَّدَ عَلَيَّ , وَلَيْتَنِي قَبِلْتُ الرُّخْصَةَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "

أنا الْبُرْقَانِيُّ , قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى أَبِي الْحَسَنِ الْمَحْمُودِيِّ , حَدَّثَكُمُ الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ , نا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ , نا أَبُو أُسَامَةَ , عَنْ هِشَامٍ , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ عَائِشَةَ , قَالَتْ: كَانَتْ عِنْدِي امْرَأَةٌ , فَدَخَلَ عَلَيَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «مَنْ هَذِهِ؟» فَقُلْتُ: فُلَانَةُ , لَا تَنَامُ اللَّيْلَ , تَذْكُرُ مِنْ صَلَاتِهَا , فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَهْ §عَلَيْكُمْ مَا تُطِيقُونَ , فَوَاللَّهِ لَا يَمَلُّ اللَّهُ حَتَّى تَمَلُّوا» وَيَسْتَصْلِحُ الْمُتَعَلِّمُ نَفْسَهُ بِبَعْضِ الْأَمْرِ مِنْ أَخْذِهِ نَصِيبًا مِنَ الدَّعَةِ وَالرَّاحَةِ وَاللَّذَةِ فَإِنَّ ذَلِكَ يَعْقُبُهُ مَنْفَعَةٌ بَيِّنَةٌ

أنا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْجَوْهَرِيُّ , أنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْوَرَّاقُ , ومُحَمَّدُ بْنُ الْعَبَّاسِ الْخَزَّازُ , قَالَا: نا يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ صَاعِدٍ , نا الْحُسَيْنُ بْنُ الْحَسَنِ , أنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ , عَنْ رَجُلٍ , عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ , قَالَ: §" إِنَّ فِي حِكْمَةِ آلِ دَاوُدَ حَقٌّ عَلَى الْعَاقِلِ أَنْ لَا يَغْفُلَ عَنْ أَرْبَعِ سَاعَاتٍ: سَاعَةٌ يُنَاجِي فِيهِ رَبَّهُ , وَسَاعَةٌ يُحَاسِبُ فِيهَا نَفْسَهُ , وَسَاعَةٌ يُفْضِي فِيهَا إِلَى إِخْوَانِهِ الَّذِينَ يُخْبِرُونَهُ بِعُيُوبِهِ , وَتَصْدُقُونَهُ عَنْ نَفْسِهِ , وَسَاعَةٌ يُخَلِّي بَيْنَ نَفْسِهِ وَبَيْنَ لَذَّتِهَا فِيمَا يَحِلُّ وَيَجْمُلُ , فَإِنَّ هَذِهِ السَّاعَةَ عَوْنٌ عَلَى هَذِهِ السَّاعَاتِ , وَإِجْمَامٌ لِلْقُلُوبِ "

أنا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُعَدِّلِ , أنا الْحُسَيْنُ بْنُ صَفْوَانَ , ثَنَا ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا , ثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ , نا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ , عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُدَيْرٍ , عَنْ قَسَامَةَ بْنِ زُهَيْرٍ , قَالَ: §«رَوِّحُوا الْقُلُوبَ تَعِي الذِّكْرَ»

باب: ذكر أخلاق الفقيه وآدابه وما يلزمه استعماله مع تلاميذه وأصحابه يلزم الفقيه أن يتخير من الأخلاق أجملها , ومن الآداب أفضلها , فيستعمل ذلك مع البعيد والقريب , والأجنبي والنسيب , ويتجنب طرائق الجهال , وخلائق العوام والأرذال

§بَابُ: ذِكْرِ أَخْلَاقِ الْفَقِيهِ وَآدَابِهِ وَمَا يَلْزَمُهُ اسْتِعْمَالُهُ مَعَ تَلَامِيذِهِ وَأَصْحَابِهِ يَلْزَمُ الْفَقِيهَ أَنْ يَتَخَيَّرَ مِنَ الْأَخْلَاقِ أَجْمَلَهَا , وَمِنَ الْآدَابِ أَفْضَلِهَا , فَيُسْتَعْمَلُ ذَلِكَ مَعَ الْبَعِيدِ وَالْقَرِيبِ , وَالْأَجْنَبِيِّ وَالنَّسِيبِ , وَيَتَجَنَّبُ طَرَائِقَ الْجُهَّالِ , وَخَلَائِقَ الْعَوَامِ وَالْأَرَذَالَ

أنا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْبَزَّارُ الْبَصْرِيُّ , نا الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُثْمَانَ الْفَسَوِيُّ , نا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ , نا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ , نا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ , عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلَانَ , عَنِ الْقَعْقَاعِ بْنِ حَكِيمٍ يَعْنِي , عَنْ أَبِي صَالِحٍ , عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ , أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , قَالَ: §«أَكْمَلُ الْمُؤْمِنِينَ إِيمَانًا , أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا» وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ صَالِحَ الْأَخْلَاقِ

أنا أَبُو عُمَرَ عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَهْدِيٍّ , أنا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ مَخْلَدٍ الْعَطَّارُ , نا أَحْمَدُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ حَكِيمٍ , نا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبَانَ , نا أَبُو بَكْرٍ النَّهْشَلِيُّ , عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ , عَنِ ابْنِ عُمَرَ , عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: §«إِنَّ الرَّجُلَ لَيَبْلُغُ بِحُسْنِ خُلُقِهِ دَرَجَةَ الصَّائِمِ الْقَائِمِ»

أنا الْحَسَنُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ , أنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الشَّافِعِيُّ , نا الْحَارِثُ بْنُ مُحَمَّدٍ , نا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمُقْرِئُ , نا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ , عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ أَبِي الْوَلِيدِ: أَنَّ سُلَيْمَانَ بْنَ خَارِجَةَ -[223]- بْنِ زَيْدٍ , أَخْبَرَهُ عَنْ خَارِجَةَ بْنِ زَيْدٍ , أَنَّ نَفَرًا , دَخَلُوا عَلَى أَبِيهِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ , فَقَالُوا: حَدِّثْنَا عَنْ بَعْضِ , أَخْلَاقِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , قَالَ: «كُنْتُ جَارَهُ , فَكَانَ إِذَا نَزَلَ الْوَحْيُ أَرْسَلَ إِلَيَّ فَأَتَيْتُهُ , فَأَكْتُبُ الْوَحْيَ , فَكُنَّا §إِذَا ذَكَرْنَا الدُّنْيَا ذَكَرَهَا مَعَنَا , وَإِذَا ذَكَرْنَا الْآخِرَةَ ذَكَرَهَا مَعَنَا , وَإِذَا ذَكَرْنَا الطَّعَامَ ذَكَرَهُ مَعَنَا , فَكُلُّ هَذَا أُحَدِّثُكُمْ عَنْهُ»

أنا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ , نا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ الْفَسَوِيُّ , نا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ , نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ , نا مُسْلِمٌ , هُوَ: ابْنُ خَالِدٍ عَنِ الْعَلَاءِ , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ , أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , قَالَ: §«كَرَمُ الْمَرْءِ دِينُهُ , وَمُرُوءَتُهُ خُلُقُهُ»

أنا عَلِيُّ بْنُ أَبِي عَلِيٍّ , أنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ الْبَزَّازُ , نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْبَغَوِيُّ , نا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ , أنا زُهَيْرٌ , عَنْ زِيَادِ بْنِ عِلَاقَةَ , عَنْ أُسَامَةَ بْنِ شَرِيكٍ , قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَاءَتِ الْأَعْرَابُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ , فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ , مَا خَيْرُ مَا أُعْطِيَ الْإِنْسَانُ , أَوِ الْمُسْلِمُ؟ , قَالَ: §«الْخُلُقُ الْحَسَنُ»

أنا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُعَدِّلِ , أنا الْحُسَيْنُ بْنُ صَفْوَانَ , ثَنَا ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا , حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ , نا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ , أنا -[225]- دَاوُدُ بْنُ أَبِي هِنْدٍ , عَنْ مَكْحُولٍ , عَنْ أَبِي ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيِّ , أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , قَالَ: §«إِنَّ أَحَبَّكُمْ إِلَى اللَّهِ , وَأَقْرَبَكُمْ إِلَى أَحَاسِنِكُمْ أَخْلَاقًا , وَإِنَّ أَبْغَضَكُمْ إِلَيَّ , وَأَبْعَدَكُمْ مِنِّي مَسَاوِئُكُمْ أَخْلَاقًا , الثَّرْثَارُونَ الْمُتَشَدِّقُونَ الْمُتَفَيْهِقُونَ»

حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْإِسْفَرَايِنِيُّ إِمْلَاءً بنَيْسَابُورَ , أنا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الْجَوْسَقَانِيُّ , أنا الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ الشَّيْبَانِيُّ , نا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ , نا الْقَاسِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْعُمَرَيُّ , عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ , عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ , قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: §«مِنْ سَعَادَةِ ابْنِ آدَمَ حُسْنُ الْخُلُقِ , وَمِنْ شِقْوَتِهِ سُوءُ الْخُلُقِ»

حسن مجالسة الفقيه لمن جالسه

§حُسْنُ مُجَالَسَةِ الْفَقِيهِ لِمَنْ جَالَسَهُ

أنا أَبُو نُعَيْمٍ الْحَافِظُ , نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ فَارِسٍ , نا يُونُسُ بْنُ حَبِيبٍ , نا أَبُو دَاوُدَ , نا شَرِيكٌ , وقَيْسٌ , عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ , قَالَ: قُلْتُ لِجَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ: أَكُنْتَ تُجَالِسُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: نَعَمْ كَانَ §«طَوِيلَ الصَّمْتِ , قَلِيلَ الضَّحِكِ , وَكَانَ أَصْحَابُهُ رُبَّمَا تَنَاشَدُوا عِنْدَهُ الْأَشْعَارَ , وَالشَّيْءَ مِنْ أُمُورِهِمْ , فَيَضْحَكُونَ , وَرُبَّمَا تَبَسَّمَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ»

أنا ابْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ , أنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ دُرَسْتُوَيْهِ , نا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ , نا أَبُو نُعَيْمٍ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ هَانِئٍ النَّخَعِيُّ , نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُؤَمَّلِ , عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ , قَالَ: قِيلَ لِابْنِ عَبَّاسٍ: مَنْ أَكْرَمُ النَّاسِ؟ قَالَ: §«جَلِيسِي الَّذِي يَتَخَطَّى النَّاسَ حَتَّى يَجْلِسَ إِلَيَّ , لَوِ اسْتَطَعْتُ أَنْ لَا يَقَعَ الذُّبَابُ عَلَى وَجْهِهِ لَفَعَلْتُ»

أنا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي نَصْرٍ النَّرْسِيُّ , أنا عَلِيُّ بْنُ عُمَرَ الْحَرْبِيُّ , نا مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُلَيْمَانَ , نا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ , نا شَرِيكٌ , عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ ذَرِيحٍ , عَنِ الشَّعْبِيِّ , عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ , قَالَ: " §أَكْرَمُ النَّاسِ عَلَيَّ: جَلِيسِي إِنَّ الذُّبَابَ لَيَقَعُ عَلَيْهِ فَيُؤْذِينِي "

أَخْبَرَنِي أَبُو الْحَسَنِ: عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ دَاوُدَ الرَّزَّازُ , ثنا أَبُو مُحَمَّدٍ: جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ نُصَيْرٍ الْخُلْدِيُّ , نا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَسْرُوقٍ الطُّوسِيُّ , نا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ , نا يَحْيَى بْنُ أَبِي بُكَيْرٍ , نا عَبَّادُ بْنُ الْوَلِيدِ , عَنْ رَجُلٍ , قَالَ: قَالَ وَهْبٌ: §«إِذَا كُنْتَ جَالِسًا فَرَأَيْتَ أَخًا لَكَ مُقْبِلًا إِلَيْكَ , وَلَا مَوْضِعَ لَهُ عِنْدَكَ يَسَعُهُ فِي مَجْلِسِكَ , فَأَوْسِعْ لَهُ , وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَكَ سَعَةٌ , وَأَرَدْتَ احْتَمَالَهُ , فَاسْتَأْذِنْ جَلِيسَكَ وَمُجَاوِرَكَ فِي مَجْلِسِكَ , وَمَنْ أَوْسَعَ لَكَ فِي مَجْلِسِهِ فَاقْبَلْهُ , فَإِنَّ ذَلِكَ إِكْرَامٌ لَكَ , فَإِذَا كُنْتَ فِي مَجْلِسِ رَجُلٍ فَأَرَدْتَ إِكْرَامَ رَجُلٍ بِمَكَانٍ فَلَا تَفْعَلْ ذَلِكَ , فَإِنَّ رَبَّ الْمَجْلِسِ أَوْلَى بِذَلِكَ , وَمَنْ دَخَلْتَ عَلَيْهِ مَنْزِلَهُ , أَوْ أَتَيْتَ مَجْلِسَهُ , فَأَوْمَأَ إِلَى مَكَانٍ فَلَا تَعْدُهُ»

أنا الْجَوْهَرِيُّ , نا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ , ومُحَمَّدُ بْنُ الْعَبَّاسِ , قَالَا: نا يَحْيَى بْنُ صَاعِدٍ , نا الْحُسَيْنُ بْنُ الْحَسَنِ الْمَرْوَزِيُّ , أنا ابْنُ الْمُبَارَكِ , أنا عُتْبَةُ بْنُ أَبِي حَكِيمٍ , عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى , يَرْفَعُ الْحَدِيثَ , قَالَ -[228]-: §«سُوءُ الْمُجَالَسَةِ شُحٌّ , وَفُحْشٌ , وَسُوءُ خُلُقٍ»

أنا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ , نا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْفَسَوِيُّ , نا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ , نا أَبُو نُعَيْمٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ هَانِئٍ , ثنا فِطْرٌ , وَالْعَرْزَمِيُّ , عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ , قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ §«إِذَا جَلَسَ إِلَيْهِ جَلِيسٌ لَمْ يُقَدِّمْ رُكْبَتَهْ , وَلَمْ يَقُمْ حَتَّى يَسْتَأْذِنَهُ»

وقَالَ يَعْقُوبُ , نا أَبُو نُعَيْمٍ , نا أَبُو شِهَابٍ , قَالَ: §" دَخَلْتُ أَنَا وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ , فَجَلَسْنَا جَمِيعًا , فَعَظُمَتِ الْحَلَقَةُ , فَأَرَادَ أَنْ يَقُومَ فَاسْتَأْذَنَهُمْ , وَقَالَ: إِنَّكُمْ جَلَسْتُمْ إِلَيْنَا , وَلَوْ كُنْتُ أَنَا جَالِسٌ إِلَيْكُمْ لَمْ أَسْتَأْذِنْكُمْ "

استعماله التواضع ولين الجانب ولطف الكلام

§اسْتِعْمَالُهُ التَّوَاضُعَ وَلِينَ الْجَانِبِ وَلُطْفَ الْكَلَامِ

أنا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُعَدِّلِ , أنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ الْجَوْزِيُّ , أنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي الدُّنْيَا , نا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ , نا عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الْوَارِثِ , نا عَبَّادُ بْنُ كَثِيرٍ , حَدَّثَنِي الْعَلَاءُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ , عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , قَالَ: §«اطْلُبُوا الْعِلْمَ , وَاطْلُبُوا مَعَ الْعِلْمَ السَّكِينَةَ وَالْحِلْمَ , لِينُوا لِمَنْ تُعَلِّمُونَ , وَلِمَنْ تَعَلَّمُونَ مِنْهُ , وَلَا تَكُونُوا مِنْ جَبَابِرَةِ الْعُلَمَاءِ , فَيَغْلِبُ عِلْمَكُمْ جَهْلُكُمْ»

أنا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْوَاعِظُ , أنا دَعْلَجُ بْنُ أَحْمَدَ , نا إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ , نا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى , نا عَفَّانُ , عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ , قَالَ -[230]-: سَمِعْتُ أَيُّوبَ , يَقُولُ: §«يَنْبَغِي لِلْعَالِمِ أَنْ يَضَعَ , التُّرَابَ عَلَى رَأْسِهِ تَوَاضُعًا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ»

أنا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عُمَرَ الْمُقْرِئُ , أنا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْآجُرِّيُّ , نا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّنْدَلِيُّ , " نا الْفَضْلُ بْنُ زِيَادٍ , نا عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ يَزِيدَ , قَالَ: سَمِعْتُ الْفُضَيْلَ بْنَ عِيَاضٍ , يَقُولُ: §«إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُحِبُّ الْعَالِمَ الْمُتَوَاضِعَ وَيُبْغِضُ الْعَالِمَ الْجَبَّارَ , وَمَنْ تَوَاضَعَ لِلَّهِ وَرَّثَهُ اللَّهُ الْحِكْمَةَ» وَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُعَوِّدَ لِسَانَهُ لِينَ الْخِطَابِ , وَالْمُلَاطَفَةِ فِي السُّؤَالِ وَالْجَوَابِ , وَيَعُمُّ بِذَلِكَ جَمِيعَ الْأُمَّةِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ , وَأَهْلِ الذِّمَّةِ

فَقَدْ: أنا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانِ , أنا الْحُسَيْنُ بْنُ صَفْوَانَ , نا ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا , نا خَلَفُ بْنُ هِشَامٍ , نا شَرِيكٌ , عَنْ أَبِي سِنَانٍ , قَالَ: قُلْتُ لِسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: الْمَجُوسِيُّ يُوَلِّينِي مِنْ نَفْسِهِ وَيُسَلِّمُ عَلَيَّ أَفَأَرُدُّ عَلَيْهِ؟ فَقَالَ سَعِيدٌ: سَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ عَنْ نَحْوِ ذَلِكَ , فَقَالَ: §«لَوْ قَالَ لِي فِرْعَوْنُ خَيْرًا لَرَدَدْتُ عَلَيْهِ»

أنا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْوَاعِظُ , أنا عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْجُمَحِيُّ , نا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ , نا سَعِيدُ بْنُ يَعْقُوبَ الطَّالْقَانِيُّ , أنا وَكِيعٌ , وعَبْدَةُ , عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ , عَنْ أَبِيهِ , قَالَ: §«مَكْتُوبٌ فِي الْحِكْمَةِ , لِيَكُنْ وَجْهُكَ بَسْطًا وَكَلِمَتُكَ طَيْبَةً , تَكُنُ أَحَبَّ إِلَى النَّاسِ مِنَ الَّذِي يُعْطِيهِمُ الْعَطَاءَ»

أنا أَبُو مُحَمَّدٍ: عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ سَلْمَانَ الْعَطَّارُ , أنا أَبُو بَكْرٍ: مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ صَالِحٍ الْأَبْهَرِيُّ الْفَقِيهُ , نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ بُورَيْنِ , نا أَبُو الْقَاسِمِ إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى , نا عَلِيُّ بْنُ عَبْدَةَ , نا الْحُسَيْنُ بْنُ عُلْوَانَ , عَنِ الْأَصْبَغِ بْنِ نُبَاتَةَ الْأَسَدِيِّ , قَالَ: قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ: §«مَنْ لَانَتْ كَلِمَتُهُ وَجَبَتْ مَحَبَّتُهُ»

استقباله المتفقهة بالترحيب بهم وإظهار البشر لهم

§اسْتِقْبَالُهُ الْمُتَفَقِّهَةَ بِالتَّرْحِيبِ بِهِمْ وَإِظْهَارِ الْبِشْرِ لَهُمْ

أنا الْحَسَنُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ , أنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْبَغَوِيُّ , نا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ السُّلَمِيُّ , نا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ , أنا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ , حَدَّثَنِي ابْنُ زَحْرٍ , عَنْ لَيْثِ بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ , عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ , قَالَ: كُنَّا نَأْتِي أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ وَنَحْنُ غِلْمَانٌ , فَنَسْأَلُهُ فَيَقُولُ: مَرْحَبًا بِوَصِيَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «§سَيَأْتِيكُمْ أُنَاسٌ يَتَفَقَّهُونَ , فَفَقِّهُوهُمْ , وَأَحْسِنُوا تَعْلِيمَهُمْ» -[238]- قَالَ: فَكَانَ يُجِيبُنَا بِمَسَائِلِنَا , فَإِذَا نَفِدَتْ حَدَّثَنَا بَعْدُ حَتَّى نَمَلَّ

حَدَّثَنِي الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْخَلَّالُ , نا عَلِيُّ بْنُ عُمَرَ الْحَافِظُ , نا مُحَمَّدُ بْنُ الْفَتْحِ الْقَلَانِسِيُّ , نا أَحْمَدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ بِشْرٍ الْبَزَّازُ , نا يَحْيَى بْنُ صَالِحٍ , نا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ حُصَيْنٍ , نا أَبُو هَارُونَ الْعَبْدِيُّ , قَالَ: كُنَّا إِذَا أَتَيْنَا أَبَا سَعِيدٍ , يَقُولُ: مَرْحَبًا بِوَصِيَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , قَالَ: §«إِنَّكُمْ سَتَفْتَحُونَ الْبِلَادَ , فَيَأْتِيَكُمْ غِلْمَانٌ حَدِيثَةٌ أَسْنَانُهُمْ يَتَفَقَّهُونَ فِي الدِّينِ , فَإِذَا جَاءُوكُمْ فَأَوْسِعُوا لَهُمْ فِي الْمَجْلِسِ , وَأَفْهِمُوهُمُ الْحَدِيثَ» وَلِمُتَفَقِّهَةِ الْعَجَمِ مِزْيَةٌ عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ , لِذِكْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِيَّاهُمْ

أنا أَبُو الْقَاسِمِ الْحَسَنُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْمُنْذِرِ الْقَاضِي , وَالْحَسَنُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ , قَالَا: أنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الشَّافِعِيُّ , نا مُحَمَّدُ بْنُ يُونُسَ , نا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ أَبُو سُفْيَانَ الْأَسَدِيُّ , نا ابْنُ عَوْنٍ , عَنْ مُحَمَّدٍ , عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ , قَالَ -[239]-: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: §«لَوْ كَانَ الدِّينُ مُعَلَّقًا بِالثُّرَيَّا تَنَاوَلُهُ رِجَالٌ مِنَ الْفُرْسِ»

أنا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ النَّرْسِيُّ , أنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الشَّافِعِيُّ , نا مُحَمَّدُ بْنُ غَالِبٍ , نا عُثْمَانُ بْنُ الْهَيْثَمِ , وهَوْذَةُ بْنُ خَلِيفَةَ , قَالَا: نا عَوْفٌ , عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ , عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ , قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: §«لَوْ أَنَّ الْعِلْمَ مُعَلَّقٌ بِالثُّرَيَّا لَنَالَهُ قَوْمٌ مِنْ أَبْنَاءِ فَارِسَ»

أنا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْبَصْرِيُّ , نا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُثْمَانَ الْفَسَوِيُّ , نا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ , نا الْحُمَيْدِيُّ , نا سُفْيَانُ , قَالَ: نا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ , قَالَ: سَمِعْتُ قَيْسًا , قَالَ: سَمِعْتُ جَرِيرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ الْبَجَلِيَّ , يَقُولُ: §«مَا رَآنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَطُّ إِلَّا تَبَسَّمَ فِي وَجْهِي»

أنا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُعَدِّلِ , أنا الْحُسَيْنُ بْنُ صَفْوَانَ الْبَرْذَعِيُّ , نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي الدُّنْيَا , قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشِيرٍ الْكِنْدِيُّ , نا سَلْمُ بْنُ سَالِمٍ الْبَلْخِيُّ , عَنْ أَبِي حَبِيبٍ الْمَوْصِلِيِّ , عَنْ مَكْحُولٍ , قَالَ: §" الْتَقَى يَحْيَى بْنُ زَكَرِيَّا وَعِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ , فَضَحِكَ عِيسَى فِي وَجْهِ يَحْيَى , وَصَافَحَهُ , فَقَالَ لَهُ يَحْيَى: يَا ابْنَ خَالَتِي أَرَاكَ ضَاحِكًا كَأَنَّكَ قَدْ أَمِنْتَ؟ فَقَالَ لَهُ عِيسَى: يَا ابْنَ خَالَتِي مَا لِي أَرَاكَ عَابِسًا كَأَنَّكَ قَدْ يَئِسْتَ؟ فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِمَا: أَنَّ أَحَبَّكُمَا إِلَيَّ أَبَشُّكُمَا بِصَاحِبِهِ "

أنا أَبُو الْقَاسِمِ الْأَزْهَرِيُّ , وَأَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْهَرِيُّ , وَعَلِيُّ بْنُ الْمُحْسِنِ التَّنُوخِيُّ , قَالُوا: أنا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَبَّاسِ الْخَزَّازُ , أنا مُحَمَّدُ بْنُ خَلَفِ بْنِ الْمَرْزَبَانِ , نا مُوسَى بْنُ الْحَسَنِ , نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بَكْرٍ السَّهْمِيُّ , قَالَ: حَدَّثَنِي بِشْرٌ أَبُو نَصْرٍ أَنَّ عَبْدَ الْمَلِكِ بْنَ مَرْوَانَ , دَخَلَ عَلَى مُعَاوِيَةَ , وَعِنْدَهُ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ , فَسَلَّمَ ثُمَّ جَلَسَ , ثُمَّ لَمْ يَلْبَثْ أَنْ نَهَضَ , فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: مَا أَكْمَلَ مُرُوءَةَ هَذَا الْفَتَى , فَقَالَ عَمْرٌو: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ: " §إِنَّهُ أَخَذَ بِأَخْلَاقٍ أَرْبَعَةٍ , وَتَرَكَ أَخْلَاقًا ثَلَاثَةً: إِنَّهُ أَخَذَ بِأَحْسَنِ الْخُلُقِ الْبِشْرِ إِذَا لَقِيَ , وَأَحْسَنِ الْحَدِيثِ إِذَا حَدَّثَ , وَبِأَحْسَنِ الِاسْتِمَاعِ إِذَا حُدِّثَ , وَبِأَيْسَرِ الْمُؤْنَةِ إِذَا خُولِفَ , وَتَرَكَ مِزَاحَ مَنْ لَا -[241]- يُوثَقُ بِعَقْلِهِ وَلَا دِينِهِ , وَتَرَكَ مُجَالَسَةَ لِئَامِ النَّاسِ , وَتَرَكَ مِنَ الْكَلَامِ مَا يُعْتَذَرُ مِنْهُ " وَيَنْبَغِي لِلْفَقِيهِ أَنْ يَتَأَلَّفَ الْمُتَفَقِّهَةَ بِالْمَعُونَةِ لَهُمْ عَلَى حَسْبِ إِمْكَانِهِ وَالِانْبِسَاطِ إِلَيْهِمْ وَالتَّخَلُّقِ مَعَهُمْ

أنا أَبُو طَاهِرٍ حَمْزَةُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ طَاهِرٍ الدَّقَّاقُ , أنا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَسَنِ , نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْبَغَوِيُّ , نا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ , أنا شُعْبَةُ , عَنْ أَبِي جَمْرَةَ , قَالَ: كُنْتُ أَقْعُدُ مَعَ ابْنِ عَبَّاسٍ , فَكَانَ يُجْلِسُنِي مَعَهُ عَلَى سَرِيرِهِ , فَقَالَ لِي: §«أَقِمْ عِنْدِي حَتَّى أَجْعَلَ لَكَ سَهْمًا مِنْ مَالِي»

أنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عُمَرَ الْبَرْمَكِيُّ , أنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَلَفِ بْنِ بُخَيْتٍ الدَّقَّاقُ , نا مُحَمَّدُ بْنُ صَالِحِ بْنِ ذَرِيحٍ , نا هَنَّادُ بْنُ السَّرِيِّ , نا أَبُو أُسَامَةَ , عَنْ بَدْرِ بْنِ خَلِيلٍ , عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ سَعِيدٍ , قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى حَبَّةَ الْعُرَنِيَّ , فَقَدَّمَ إِلَيَّ طَبَقًا عَلَيْهِ تَمْرٌ دَقَلٍ وَرُطْبَةٌ , فَقَالَ: كُلْ فَلَوْ كَانَ فِي الْبَيْتِ شَيْءٌ هُوَ أَطْيَبُ مِنْ هَذَا أَطْعَمْتُكَ فَإِنَّ عَلِيًّا كَانَ يَقُولُ -[242]-: §«إِذَا دَخَلَ عَلَيْكَ أَخُوكَ الْمُسْلِمُ فَأَطْعِمْهُ مِنْ أَطْيَبِ مَا فِي بَيْتِكَ , وَإِنْ كَانَ صَائِمًا فَادْهُنْهُ»

أنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَلِيٍّ الْأَزَجِيُّ , وَعَلِيُّ بْنُ الْمُحْسِنِ التَّنُوخِيُّ , قَالَا: أنا الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدٍ الدَّقَّاقُ , نا أَحْمَدُ بْنُ مَسْرُوقٍ الطُّوسِيُّ , نا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْبُرْجُلَانِيُّ , نا أَبُو عُمَرَ الضَّرِيرُ , نا فَضَالَةُ الشَّحَّامُ , قَالَ: كَانَ الْحَسَنُ إِذَا دَخَلَ عَلَيْهِ إِخْوَانُهُ أَتَاهُمْ بِمَا يَكُونُ عِنْدَهُ وَلَرُبَّمَا قَالَ لِبَعْضِهِمْ: §" أَخْرِجِ السَّلَّةَ مِنْ تَحْتِ السَّرِيرِ , فَيُخْرِجَهَا , فَإِذَا فِيهَا رَطْبٌ فَيَقُولُ: إِنَّمَا ادَّخَرْتُهُ لَكُمْ "

قَالَ ابْنُ مَسْرُوقٍ , ونا مُحَمَّدٌ , قَالَ: حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ عَمْرٍو الْأَزْدِيُّ , نا زَائِدَةُ بْنُ قُدَامَةَ , عَنِ الْأَعْمَشِ , قَالَ: كُنَّا نَأْتِي خَيْثَمَةَ , فَيَقُولُ: §" تَنَاوَلِ السَّلَّةَ مِنْ تَحْتِ السَّرِيرِ , فَأَتَنَاوَلَهَا وَفِيهَا خَبِيصٌ , فَيَقُولُ: إِنِّي لَسْتُ آكِلَهُ , وَلَكِنْ أَصْنَعُهُ لَكُمْ " -[243]- قُلْتُ: وَخِدْمَةُ الْفَقِيهِ أَصْحَابَهُ بِنَفْسِهِ مِمَّا يُصَفِّي مِنْهُمُ الْمَوَدَّةَ وَيُلْقِي فِي قُلُوبِهِمْ لَهُ الْمَحَبَّةَ

أنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ الْحَرْبِيُّ , أنا أَحْمَدُ بْنُ سَلْمَانَ النِّجَادُ , نا هِلَالُ بْنُ الْعَلَاءِ الرَّقِّيُّ , حَدَّثَنِي أَبِي الْعَلَاءُ بْنُ هِلَالٍ , نا طَلْحَةُ بْنُ زَيْدٍ , عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ , عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ , عَنْ أَبِي سَلَمَةَ , عَنْ أَبِي قَتَادَةَ , قَالَ: قَدِمَ وَفْدُ النَّجَاشِيِّ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَقَامَ يَخْدُمُهُمْ , فَقَالَ أَصْحَابُهُ نَحْنُ نَكْفِيكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: §«إِنَّهُمْ كَانُوا لِأَصْحَابِنَا مُكْرِمِينَ , وَإِنِّي أُحِبُّ أَنْ أُكَافِئَهُمْ»

أنا الْجَوْهَرِيُّ , أنا أَبُو عُبَيْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عِمْرَانَ الْمَرْزَبَانِيُّ , نا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى الْمَكِّيُّ , نا مُحَمَّدُ بْنُ الْقَاسِمِ بْنِ خَلَّادٍ , قَالَ: " §قِيلَ لِرَجُلٍ: بِمَ سَدَّتَ قَوْمَكَ؟ , قَالَ: مَا سَدَّتُهُمْ حَتَّى صِرْتَ عَبْدًا لَهُمْ "

أنا حَمْزَةُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ طَاهِرٍ , أنا أَبُو بَكْرِ بْنُ شَاذَانَ , -[244]- وأنا عَلِيُّ بْنُ أَبِي عَلِيٍّ , نا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ الْبَزَّازُ , قَالَا: نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْبَغَوِيُّ , نا أَبُو سَعِيدٍ هُوَ الْأَشَجُّ نا ابْنُ نُمَيْرٍ , عَنِ الْأَعْمَشِ , قَالَ: كُنْتُ آتِي مُجَاهِدًا , فَيَقُولُ: §«لَوْ كُنْتُ أُطِيقُ الْمَشْيَ لِجِئْتُكَ»

أنا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْفَتْحِ الْحَرْبِيُّ , أنا عُمَرُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْمُقْرِئُ , أنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ , نا أَبُو خَيْثَمَةَ , نا ابْنُ نُمَيْرٍ , عَنِ الْأَعْمَشِ , قَالَ: قَالَ لِي مُجَاهِدٌ: §«لَوْ كُنْتُ أُطِيقُ الْمَشْيَ لِجِئْتُكَ» وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يُخَاطِبَ مَنْ خَاطَبَ مِنْهُمْ بِكُنْيَتِهِ دُونَ اسْمِهِ

فَقَدْ: أنا أَبُو الْفَتْحِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ الشَّيْبَانِيُّ , نا عَلِيُّ بْنُ عُمَرَ بْنِ الْحَسَنِ الْخُتَّلِيُّ , نا حَاتِمُ بْنُ الْحَسَنِ الشَّاشِيُّ , قَدِمَ عَلَيْنَا بَغْدَادَ حَاجًّا , نا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْعَتَكِيُّ , نا عَبْدُ الْحَكِيمِ بْنُ مَيْسَرَةَ , نا شَرِيكٌ , عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ عَائِشَةَ , قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ §«يُكَنِّي أَصْحَابَهُ إِكْرَامًا لَهُمْ , وَتَسْنِيَةً لِأُمُورِهِمْ , وَاسْتِلَانَةً لِقُلُوبِهِمْ» -[245]- وَيَنْبَغِي أَنْ يَتَفَقَّدَهُمْ وَيَسْأَلَ عَمَّنْ غَابَ مِنْهُمْ

أنا الْأَزْهَرِيُّ , وَالْجَوْهَرِيُّ , قَالَا: نا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَبَّاسِ الْخَزَّازُ , أنا سُلَيْمَانُ بْنُ إِسْحَاقَ الْجَلَّابُ , نا الْحَارِثُ بْنُ مُحَمَّدٍ , نا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ , أنا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ , قَالَ: كَانَ ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ إِذَا جَلَسَ إِلَيْهِ رَجُلٌ فَافْتَقَدَهُ سَأَلَ أَهْلَ الْمَجْلِسِ مَا فَعَلَ صَاحِبُكُمْ؟ فَإِنْ قَالُوا: مَا نَدْرِي؟ قَالَ: «أَيْنَ مَنْزِلُهُ؟» فَإِنْ قَالُوا: لَا نَدْرِي ضَجِرَ عَلَيْهِمْ , وَقَالَ: §«لِأَيِّ شَيْءٍ تَصْلُحُونَ؟ يَجْلِسُ إِلَيْكُمْ رَجُلٌ , لَا تَدْرُونَ أَيْنَ مَنْزِلُهُ , إِذَا اعْتَلَّ لَمْ تَعُودُوهُ , وَإِنْ كَانَتْ لَهُ حَاجَةٌ لَمْ تُعِينُوهُ» , فَإِنْ عَرَفُوا مَنْزِلَهُ , قَالَ: «قُومُوا بِنَا إِلَيْهِ حَتَّى نَأْتِيَهُ فِي مَنْزِلِهِ فَنُسَلِّ بِهِ وَنَعُودُهُ»

أنا أَبُو الْقَاسِمِ الْأَزْهَرِيُّ , وَأَبُو يَعْلَى أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ قَالَا: أنا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ التَّمِيمِيُّ الْكُوفِيُّ , أنا ابْنُ دُرَيْدٍ , نا الْعُكْلِيُّ , عَنِ الْحِرْمَازِيِّ , قَالَ: أنا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ التَّمِيمِيُّ الْكُوفِيُّ - كَانَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ السَّوَادِ يَلْزَمُ جَعْفَرَ بْنَ مُحَمَّدٍ , فَفَقَدَهُ , فَسَأَلَ عَنْهُ , فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: إِنَّهُ نِبْطِيٌّ , يُرِيدُ أَنْ يَضَعَ مِنْهُ , فَقَالَ جَعْفَرٌ: §«أَصْلُ الرَّجُلِ عَقْلُهُ , وَحَسَبُهُ دِينُهُ وَكَرَمُهُ تَقْوَاهُ , وَالنَّاسُ فِي آدَمَ مُسْتَوُونَ»

أَخْبَرَنِي أَبُو بَكْرٍ: أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ الْيَزِدِيُّ بِأَصْبَهَانَ , قَالَ: أَنْشَدَنِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الْيَزِدِيُّ الْوَاعِظُ , لِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: « [البحر الطويل] §لَعَمْرُكَ مَا الْإِنْسَانُ إِلَّا بِدِينِهِ ... فَلَا تَدَعِ التَّقْوَى اتِّكَالًا عَلَى الْحَسَبِ فَقَدْ رَفَعَ الْإِسْلَامُ سَلْمَانَ فَارِسٍ ... وَقَدْ وَضَعَ الشِّرْكُ اللَّعِينَ أَبَا لَهَبِ»

باب آداب التدريس إذا أراد الفقيه الخروج إلى أصحابه ليذكر لهم دروسهم فينبغي له أن يتفقد حاله قبل خروجه , فإن كان جائعا أصاب من الطعام ما يسكن عنه فورة الجوع

§بَابُ آدَابِ التَّدْرِيسِ إِذَا أَرَادَ الْفَقِيهُ الْخُرُوجَ إِلَى أَصْحَابِهِ لِيَذْكُرَ لَهُمْ دُرُوسَهُمْ فَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَتَفَقَّدَ حَالَهُ قَبْلَ خُرُوجِهِ , فَإِنْ كَانَ جَائِعًا أَصَابَ مِنَ الطَّعَامِ مَا يُسْكِنُ عَنْهُ فَوْرَةُ الْجُوعِ

فَقَدْ: أنا أَبُو بَكْرٍ الْبُرْقَانِيُّ , نا عُمَرُ بْنُ بِشْرَانِ , لَفْظًا أَوْ قِرَاءَةً عَلَيْهِ , نا مُحَمَّدُ بْنُ سُوَيْدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ أَبُو إِسْحَاقَ الزَّيَّاتُ , نا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ سَمُرَةَ الْأَحْمَسِيُّ , نا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جُحَادَةَ , نا زُهَيْرٌ , عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ , عَنْ نَافِعٍ , عَنِ ابْنِ عُمَرَ , قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: §«إِذَا كَانَ أَحَدُكُمْ عَلَى الطَّعَامِ فَلَا يَجْعَلُ عَنْهُ حَتَّى يَقْضِيَ حَاجَتَهُ مِنْهُ وَإِنْ أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ»

وَإِنْ كَانَ حَاقِنًا قَضَى حَاجَتَهُ , فَقَدْ: أنا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي الْفَوَارِسِ , أنا أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ بْنِ خَلَّادٍ , نا الْحَارِثُ بْنُ مُحَمَّدٍ التَّمِيمِيُّ , نا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كُنَاسَةَ , نا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْأَرْقَمِ , عَنِ -[248]- النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , قَالَ: §«إِذَا حَضَرَتِ الصَّلَاةُ وَأَرَادَ الرَّجُلُ الْخَلَاءَ , بَدَأَ بِالْخَلَاءِ»

أنا الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ: عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَبِيبٍ الْبَصْرِيُّ , نَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُعَلَّى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَزْدِيُّ , بِالْبَصْرَةِ , أنا أَبُو رَوْقٍ الْهِزَّانِيِّ , نَا أَبُو عَلِيٍّ الرَّبَعِيُّ الْهَاشِمِيُّ , مِنْ وَلَدِ رَبِيعَةَ بْنِ الْحَارِثِ , قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي , عَنْ جَدِّي , عَنْ أَبِيهِ , قَالَ: سُئِلَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ عَنْ مَسْأَلَةٍ , فَدَخَلَ ثُمَّ خَرَجَ , فَأَجَابَ وَأَحْسَنَ , فَقَالَ لَهُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ , عَهْدِي بِكَ إِذَا سُئِلْتَ عَنْ مَسْأَلَةٍ كَالسِّكَّةِ الْمُحْمَاةِ , فَمَا بَالُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ تَأَخَّرْتَ عَنْ جَوَابِهَا؟ فَقَالَ: " §كُنْتُ حَاقِنًا , وَلَا رَأْيَ لِحَاقِنٍ , ثُمَّ قَالَ: [البحر المتقارب] -[249]- إِذَا الْمُشْكِلَاتُ تَصَدَّيْنَ لِي كَشَفْتُ حَقَائِقَهَا بِالنَّظَرْ ... وَإِنْ بَرِقَتْ فِي مُخِيلِ الصَّوَابِ عَمْيَاءَ لَا يَجْتَلِيهَا الْبَصَرْ مُقَنَّعَةٌ بِغُيُوبِ الْأُمُورِ وَضَعْتُ عَلَيْهَا صَحِيحَ الْفِكْرِ ... لِسَانٌ كَشَقْشَقَةِ الْأَرْحَبِيِّ وَكَالْحُسَامِ الْيَمَانِ الذَّكَرْ وَقَلْبٌ إِذَا اسْتَنْطَقَتْهُ الْعُيُونُ أَبَرَّ عَلَيْهَا بِوَاهٍ دُرَرْ ... لَسْتُ بِإِمَّعَةٍ فِي الرِّجَالِ يُسَائِلُ هَذَا وَذَا مَا الْخَبَرْ وَلَكِنَّنِي مُذْرِبُ الْأَصْغَرَيْنِ أَبِينُ مَعَ مَا مَضَى مَا غَبَرْ"

وَإِنْ كَانَ نَاعِسًا لِأَمْرٍ أَسْهَرَهُ , أَخَّرَ تَدْرِيسَهُ فِي تِلْكَ الْحَالِ , وَأَخَذَ حَظَّهُ مِنْ نَوْمِهِ , فَقَدْ: أنا الْحَسَنُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ , أنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْقَطَّانُ , نا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ , نا عَبْدُ اللَّهِ , وَهُوَ ابْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ , عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , قَالَ: §«إِذَا نَعَسَ أَحَدُكُمْ فِي الصَّلَاةِ فَلْيَرْقُدْ حَتَّى يَذْهَبَ عَنْهُ النَّوْمُ , فَإِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا صَلَّى وَهُوَ نَاعِسٌ لَعَلَّهُ يَذْهَبُ لَيَسْتَغْفِرَ فَيَسُبَّ نَفْسَهُ» -[250]- وَلَا يَخْرُجُ إِلَّا طَيِّبَ النَّفْسِ , فَارِغَ الْقَلْبِ مِنْ كُلِّ مَا يَشْغَلُ السِّرَّ , فَإِذَا صَارَ إِلَى مَجْلِسِهِ , وَاجْتَمَعَ إِلَيْهِ أَصْحَابُهُ , فَلَا يَخْلُو مِنْ أَنْ يَكُونُ عَادَتُهُ أَنْ يَذْكُرَ لِلْجَمَاعَةِ دُرُوسًا مُخْتَلِفَةً , لِكُلِّ طَائِفَةٍ مِنْهُمْ دَرْسًا , أَوْ يَذْكُرُ لِجَمِيعِهِمْ دَرْسًا وَاحِدًا هُمْ فِيهِ مُشْتَرِكُونَ , وَعَلَى اخْتِيَارِهِ مُتَّفِقُونَ

فَإِنْ كَانَتْ دُرُوسُهُمْ مُخْتَلِفَةً , قَدِمَ مَنْ كَانَ السَّبْقُ لَهُ , لِمَا: أنا أَبُو نُعَيْمٍ الْحَافِظُ , أنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الدِّينَوَرِيُّ , فِي كِتَابِهِ , نا جَعْفَرُ بْنُ بَهْمُرْدَ , قَالَ: نا مَعْمَرُ بْنُ سَهْلٍ , نا يَحْيَى بْنُ أَبِي الْحَجَّاجِ , نا عِيسَى بْنُ سِنَانٍ , عَنْ يَعْلَى بْنِ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ , عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ , قَالَ: صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَخَطَّى إِلَيْهِ رَجُلَانِ: رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ , وَرَجُلٌ مِنْ ثَقِيفٍ فَبَدَرَهُ الْأَنْصَارِيُّ , فَوَقَفَ الثَّقَفِيُّ فِي حَدِيثِهِ , فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «§إِنَّ الْأَنْصَارِيَّ قَدْ سَبَقَكَ» فَقَالَ الْأَنْصَارِيُّ: يَا رَسُولَ اللَّهِ , هُوَ فِي حَلٍّ لَعَلَّهُ أَعْجَلُ مِنِّي

فَإِنْ كَانَ الْأَصْحَابُ فِي السَّبْقِ مُتَسَاوِينَ , قَدَّمَ ذَا السِّنِّ مِنْهُمْ لِمَا: أنا الْحَسَنُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ , أنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الشَّافِعِيُّ , نا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ , نا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ , نا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ , عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ , عَنْ بَشِيرِ بْنِ يَسَارٍ , مَوْلَى الْأَنْصَارِ -[251]- عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ , ورَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ , أَنَّهُمَا حَدَّثَاهُ أَوْ حَدَّثَا: أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَهْلٍ وَمُحَيِّصَةَ بْنَ مَسْعُودٍ أَتَيَا خَيْبَرَ فِي حَاجَةٍ , فَتَفَرَّقَا فِي النَّخْلِ فَقُتِلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَهْلٍ , فَجَاءَ أَخُوهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَهْلٍ , وَابْنَا عَمِّهِ: مُحَيِّصَةَ , وَحُوَيِّصَةَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَذَكَرُوا أَمْرَ صَاحِبِهِمْ , فَبَدَأَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ يَتَكَلَّمُ , وَكَانَ أَقْرَبَ , فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «§الْكُبْرُ» قَالَ يَحْيَى: الْكَلَامُ لِلْكَبِيرِ وَإِنْ كَانَ مَا يَذْكُرُهُ دَرْسًا وَاحِدًا لِجَمِيعِهِمْ , فَإِنَّهُ يَأْمُرُهُمْ بِأَنْ يَتَحَلَّقُوا , وَيَجْلِسَ فِي وَسْطِهِمْ بِحَيْثُ يَبْرُزُ وَجْهُهُ لِكُلِّهِمْ

أنا أَبُو نُعَيْمٍ , نا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَلِيٍّ , نا أَبُو يَعْلَى , هُوَ أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْمُثَنَّى الْمَوْصِلِيُّ , نا الْحَسَنُ بْنُ عُمَرَ بْنِ شَقِيقٍ , نا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ , عَنِ الْمُعَلَّى بْنِ زِيَادٍ , عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ بَشِيرٍ الْمُرِّيِّ , عَنْ أَبِي الصِّدِّيقِ النَّاجِيِّ , عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ , قَالَ: §«جَلَسْتُ مَعَ عِصَابَةٍ مِنْ ضُعَفَاءِ الْمُهَاجِرِينَ , إِنَّ بَعْضَنَا لَيَسْتَتِرُ بِبَعْضٍ مِنَ الْعُرْيِ , وَقَارِئٌ يَقْرَأُ عَلَيْنَا , فَنَحْنُ نَسْتَمِعُ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ , إِذْ جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَلَسَ وَسْطَنَا لِيَعْدِلَ نَفْسَهُ بِنَا , ثُمَّ أَشَارَ بِيَدِهِ , -[252]- فَاسْتَدَارَتِ الْحَلَقَةُ وَبَرَزَتْ وُجُوهُهُمْ لَهُ»

وَمَنْ كَانَ أَكْثَرَهُمْ عِلْمًا , وَأَسْرَعَهُمْ فَهْمًا , فَإِنَّهُ يُقَرِّبُهُ , وَيُدْنِيهِ , وَيَجْعَلُهُ مِمَّا يَلِيهِ , فَقَدْ: أنا أَبُو بَكْرٍ الْبُرْقَانِيُّ , قَالَ قُرِئَ عَلَى إِسْحَاقَ النِّعَالِيِّ , وَأَنَا أَسْمَعُ: أَخْبَرَكُمْ جَعْفَرٌ الْفِيرْيَابِيُّ , نا مِنْجَابُ بْنُ الْحَارِثِ , نا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ , عَنِ الْأَعْمَشِ , عَنْ عُمَارَةَ بْنِ عُمَيْرٍ , عَنْ أَبِي مَعْمَرٍ , عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيِّ , عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: §«لِيَلِنِي مِنْكُمْ أُولُو الْأَحْلَامِ وَالنُّهَى , ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ , ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ»

وَإِذَا جَلَسُوا حَوْلَهُ فَلْيَسْتَعْمِلُوا الْوَقَارَ وَالصَّمْتَ , فَقَدْ: أنا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُعَدِّلِ , أنا دَعْلَجُ بْنُ أَحْمَدَ , نا أَبُو مُسْلِمٍ الْكَجِّيُّ , نا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ , نا شُعْبَةُ , عَنْ زِيَادِ بْنِ عِلَاقَةَ , عَنْ أُسَامَةَ بْنِ شَرِيكٍ , قَالَ: §«أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ حَوْلَهُ كَأَنَّ عَلَى رُءْوسِهِمُ الطَّيْرُ»

وَلْيَكُنْ أَوَّلَ مَا يَفْتَتِحُ بِهِ الْكَلَامَ بَعْدَ التَّسْمِيَةِ: الْحَمْدُ لِلَّهِ , فَقَدْ: أنا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُعَدِّلِ , أنا عُثْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الدَّقَّاقِ , نا الْحَسَنُ بْنُ سَلَّامٍ السَّوَّاقُ , نا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى , أنا الْأَوْزَاعِيُّ , عَنْ قُرَّةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ , عَنِ الزُّهْرِيِّ , عَنْ أَبِي سَلَمَةَ , عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ , قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: §«كُلُّ أَمْرٍ ذِي بَالٍ لَا يُبْدَأُ فِيهِ بِالْحَمْدِ لِلَّهِ أَقْطَعُ»

ثُمَّ يُتْبِعُ ذَلِكَ بِذِكْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَالصَّلَاةِ عَلَيْهِ , فَقَدْ: أنا أَبُو الْحُسَيْنِ: أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ حَمَّادٍ الْوَاعِظُ مَوْلَى بَنِي هَاشِمٍ , نا أَبُو بَكْرٍ يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ الْبُهْلُولِ الْأَنْبَارِيُّ إِمْلَاءً , نا حُمَيْدُ بْنُ الرَّبِيعِ , نا سُفْيَانُ , عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ , عَنْ مُجَاهِدٍ , فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {§وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ} [الشرح: 4] , قَالَ: " لَا أُذْكَرُ إِلَّا وَذُكِرْتَ مَعِي: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ , أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ "

أنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَلِيٍّ الْوَرَّاقُ , أنا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْمُفِيدُ , نا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ السَّقَطِيُّ , نا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ , أنا شُعْبَةُ , عَنِ الْأَعْمَشِ , عَنْ أَبِي صَالِحٍ , عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ , عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , قَالَ: §«لَا يَجْلِسُ قَوْمٌ مَجْلِسًا لَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ , وَلَا يُصَلُّونَ فِيهِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , إِلَّا كَانَ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً , وَإِنْ دَخَلُوا الْجَنَّةَ يَرَوْنَ الثَّوَابَ»

ثُمَّ يَذْكُرُ لَهُمُ الدَّرْسَ عَلَى تَمَكُّثٍ وَتُؤَدَةٍ , مِنْ غَيْرِ إِسْرَاعٍ وَعَجَلَةٍ , فَقَدْ: أنا الْحَسَنُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ , أنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الشَّافِعِيُّ , نا مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَانَ بْنِ الْحَارِثِ , نا خَلَّادُ بْنُ يَحْيَى بْنِ صَفْوَانَ , نا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ , عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ , عَنِ الزُّهْرِيِّ , عَنْ عُرْوَةَ , عَنْ عَائِشَةَ , قَالَتْ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ §لَا يَسْرُدُ الْكَلَامَ كَسَرْدِكُمْ , وَلَكِنْ كَانَ إِذَا تَكَلَّمَ تَكَلَّمَ بِكَلَامٍ فَصْلٍ يَحْفَظُهُ مَنْ سَمِعَهُ»

أنا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْوَاعِظُ , أنا عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحَجَبِيُّ , نا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ , نا الْحَسَنُ بْنُ الرَّبِيعِ , نا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ , عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ إِسْحَاقَ , عَنْ مُحَارِبِ بْنِ دِثَارٍ , عَنِ ابْنِ عُمَرَ , قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ §«يُعَلِّمُ النَّاسَ التَّشَهُّدَ عَلَى الْمِنْبَرِ , كَمَا يُعَلِّمُ الْمُكْتِبُ الْغِلْمَانَ»

وَإِنْ كَانَ الْبَيَانُ يَتَّضِحُ بِعِبَارَةٍ يَغْلُبُ الْحَيَاءُ ذَاكِرَهَا , فَعَلَى الْفَقِيهِ إِيرَادُهَا وَلَا يَمْنَعُهُ الْحَيَاءُ مِنْهَا , فَقَدْ: أنا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ التَّمِيمِيُّ , وَالْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْجَوْهَرِيُّ , قَالَا: أنا أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ حَمْدَانَ بْنِ مَالِكٍ الْقَطِيعِيُّ , نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ , نا مُحَمَّدُ بْنُ بَكَّارٍ , نا حَبَّانُ بْنُ عَلِيٍّ , عَنْ ضِرَارِ بْنِ مُرَّةَ , عَنْ حُصَيْنٍ الْمُزَنِيِّ , قَالَ: قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ عَلَى الْمِنْبَرِ: أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , يَقُولُ: §«لَا يَقْطَعُ الصَّلَاةَ إِلَّا الْحَدَثُ» لَا أَسْتَحْيِكُمُ مِمَّا لَا يَسْتَحِي مِنْهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ: وَالْحَدَثُ أَنْ يَفْسُوَ أَوْ يَضْرِطَ

وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَا يَذْكُرُهُ مُقْتَصِدًا , وَيَتَجَنَّبُ الْإِطَالَةَ , لِئَلَّا يُؤَدِّيَ إِلَى الضَّجَرِ وَالْمَلَالَةِ , فَقَدْ: أنا عَلِيُّ بْنُ الْقَاسِمِ بْنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيُّ , نا عَلِيُّ بْنُ إِسْحَاقَ -[257]- بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْبَخْتَرِيِّ الْمَادرائي , نا الْعَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَاتِمٍ , نا الْأَسْوَدُ بْنُ عَامِرٍ , عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ , عَنِ الْأَعْمَشِ , عَنْ أَبِي وَائِلٍ , عَنْ عَبْدِ اللَّهِ , قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ §يَتَخَوَّلُنَا بِالْمَوْعِظَةِ فِي الْأَيَّامِ , كَرَاهِيَةَ السَّآمَةِ عَلَيْنَا»

وأنا أَبُو نُعَيْمٍ الْحَافِظُ , نا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَلِيٍّ , نا أَبُو يَعْلَى هُوَ الْمَوْصِلِيُّ , نا أَبُو الرَّبِيعِ , نا يَعْقُوبُ الْقُمِّيُّ , عَنْ عِيسَى بْنِ جَارِيَةَ , عَنْ جَابِرٍ , أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , قَالَ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ , §عَلَيْكُمْ بِالْقَصْدِ , عَلَيْكُمْ بِالْقَصْدِ , فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَمَلُّ حَتَّى تَمَلُّوا»

وَقَدْ رَخَّصَ فِي الْإِطَالَةِ إِذَا دَعَا إِلَى ذَلِكَ دَاعٍ أنا أَبُو بَكْرٍ الْبُرْقَانِيُّ , نا أَبُو حَفْصٍ: عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ -[258]- عَلِيٍّ , لَفْظًا , نا مُحَمَّدُ بْنُ هَارُونَ الْحَضْرَمِيُّ , نا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ , حَدَّثَنِي أَبُو عَاصِمٍ , نا عَزْرَةُ بْنُ ثَابِتٍ , نا عِلْبَاءُ بْنُ أَحْمَرَ , قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو زَيْدٍ , قَالَ: §«صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْفَجْرَ ثُمَّ صَعِدَ الْمِنْبَرَ , فَخَطَبَنَا حَتَّى حَضَرَتِ الظُّهْرُ نَزَلَ فَصَلَّى , ثُمَّ صَعِدَ , فَخَطَبَنَا حَتَّى حَضَرَتِ الْعَصْرُ , ثُمَّ نَزَلَ فَصَلَّى , ثُمَّ صَعِدَ الْمِنْبَرَ , فَخَطَبَنَا حَتَّى غَرَبَتِ الشَّمْسُ , فَأَخْبَرَنَا بِمَا كَانَ , وَبِمَا هُوَ كَائِنٌ , فَأَعْلَمُنَا أَحْفَظُنَا»

وَإِنْ اقْتَضَى مَا يَذْكُرُهُ تَشْبِيهَ الشَّيْءِ بِنَظِيرِهِ لِيَقْرَبَ الْأَفْهَامَ عَلَى الْمُتَعَلِّمِينَ , فَعَلَ ذَلِكَ , مِثَالُهُ مَا: أنا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ بْنِ دَوَسْتَ الْبَزَّازُ , أنا أَبُو عَلِيٍّ , إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ , نا عَبْدُ الْكَرِيمِ بْنُ الْهَيْثَمِ , نا أَبُو الْيَمَانِ , أَخْبَرَنِي شُعَيْبٌ , عَنْ أَبِي الزِّنَادِ: أَنَّ الْأَعْرَجَ , حَدَّثَ أَنَّهُ , سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ , يُحَدِّثُ: أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: §«لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تُقَاتِلُوا التُّرْكَ , صِغَارَ الْأَعْيُنِ , حُمْرَ الْوُجُوهِ , ذُلْفَ الْآنُفِ , كَأَنَّ وُجُوهَهُمُ الْمَجَانُّ الْمُطْرَقَةُ»

وأنا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ التَّمِيمِيُّ , أنا أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ حَمْدَانَ , نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ , حَدَّثَنِي أَبِي , نا عَمَّارُ بْنُ مُحَمَّدٍ ابْنُ أُخْتِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ , عَنِ الْأَعْمَشِ , عَنْ أَبِي صَالِحٍ , عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ , قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: §«لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تُقَاتِلُوا قَوْمًا صِغَارَ الْأَعْيُنِ , عِرَاضَ الْوُجُوهِ , كَأَنَّ أَعْيُنَهُمْ صَدَقُ الْجَرَادِ , وَكَأَنَّ وُجُوهَهُمُ الْمَجَانُّ الْمُطْرَقَةُ»

أنا أَبُو الْحُسَيْنِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ الْقَاسِمِ التَّمِيمِيُّ بِدِمَشْقَ , أنا الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ يُوسُفُ بْنُ الْقَاسِمِ الْمَيَانِجِيُّ , نا أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ , نا يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ , نا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ , نا مُجَالِدٌ , عَنْ أَبِي الْوَدَّاكِ , عَنْ أَبِي سَعِيدٍ , قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: §" إِنِّي أَخْتِمُ أَلْفَ نَبِيٍّ أَوْ أَكْثَرَ , مَا بَعَثَ اللَّهُ مِنْ نَبِيٍّ إِلَى قَوْمِهِ إِلَّا حَذَّرَهُمُ الدَّجَّالَ , وَإِنَّهُ قَدْ بُيِّنَ لِي شَيْءٌ , لَمْ يُبَيِّنْ لِأَحَدٍ مِنْ قَبْلِي , إِنَّهُ أَعْوَرُ , وَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لَيْسَ بِأَعْوَرَ , وَإِنَّ عَيْنَهُ عَوْرَاءُ تُخْفِي حَدَقَةً جَاحِظَةً , كَأَنَّهَا -[260]- نُخَاعَةٌ فِي حَائِطٍ مُجَصَّصٍ , وَأُخْرَى كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ , وَإِنَّهُ يَتْبَعُهُ مِنْ كُلِّ لِسَانٍ , يَدْعُوهُ كُلُّ قَوْمٍ بِلِسَانِهِمْ: إِلَهًا "

أنا عَلِيُّ بْنُ الْقَاسِمِ , نا عَلِيُّ بْنُ إِسْحَاقَ الْمَادَرَائِيُّ , نا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْجُنَيْدِ , نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ الْمُقْرِئُ , نا الْمَسْعُودِيُّ , نا عَاصِمُ بْنُ كُلَيْبٍ , عَنْ أَبِي بُرْدَةَ , عَنْ عَلِيٍّ , قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: §«سَلِ اللَّهَ الْهُدَى وَالسَّدَادَ , وَاذْكُرْ بِذَلِكَ هِدَايَةَ الطَّرِيقِ , وَسَدَادَ السَّهْمِ»

وَإِنْ لَمْ يَفْهَمُوا إِلَّا بِالتَّمْثِيلِ , مَثِّلْ لَهُمْ , كَمَا: أنا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُعَدِّلِ , أنا الْحُسَيْنُ بْنُ صَفْوَانَ الْبَرْذَعِيُّ , نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي الدُّنْيَا , نا أَبُو خَيْثَمَةَ , نا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ , عَنْ سُفْيَانَ , قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي , عَنْ أَبِي يَعْلَى , عَنْ رَبِيعِ بْنِ خَيْثَمٍ , عَنْ عَبْدِ اللَّهِ , قَالَ -[261]-: خَطَّ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطَّاً مُرَبَّعًا , وَخَطَّ وَسَطَهُ , وَخَطَّ خُطُوطًا هَكَذَا إِلَى جَنْبِ الْخَطِّ , وَخَطَّ خَطًّا خَارِجًا , فَقَالَ: «أَتَدْرُونَ مَا هَذَا؟» قُلْنَا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ , قَالَ: §«هَذَا الْإِنْسَانُ» لِلْخَطِّ الَّذِي فِي وَسَطِ الْخَطِّ «وَهَذَا الْأَجَلُ مُحِيطٌ بِهِ , وَهَذِهِ الْأَعْرَاضُ» لِلْخُطُوطٍ , «تَنْهَشُهُ , إِنَّ أَخْطَأَهُ هَذَا نَهَشَهُ هَذَا , وَذَاكَ الْأَمَلُ لِلْخَطِّ الْخَارِجِ»

أنا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْقَطَّانُ , أنا دَعْلَجُ بْنُ أَحْمَدَ , أنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْأَبَّارُ , نا أَبُو عَمَّارٍ , نا الْفَضْلُ بْنُ مُوسَى , عَنْ أَبِي عَوَانَةَ , عَنْ رَقَبَةَ , عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ , قَالَ: «كُنْتُ §أَسْأَلُ إِبْرَاهِيمَ عَنِ الشَّيْءِ , فَيَعْلَمُ أَنِّي لَمْ أَفْهَمْهُ , فَيَقِيسُ لِي حَتَّى أَفْهَمَ» وَأَحْسَبُ أَنَّ إِبْرَاهِيمَ أَخَذَ هَذِهِ الطَّرِيقَةَ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ قَيْسٍ

فَإِنَّ أَبَا الْحُسَيْنِ مُحَمَّدَ بْنَ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ رِزْقَوَيْهِ , قَالَ: أنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَلِيٍّ الْخُطَبِيُّ , نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ حَنْبَلٍ , حَدَّثَنِي أَبِي , نا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ , عَنْ سُفْيَانَ , عَنِ الْأَعْمَشِ , عَنْ إِبْرَاهِيمَ , قَالَ: قَالَ عَلْقَمَةُ -[262]-: §«إِذَا أَرَدْتَ أَنْ تَعْلَمَ الْفَرَائِضَ فَأَمِتْ جِيرَانَكَ»

فَإِذَا فَرَغَ أَعَادَ مَا ذَكَرَهُ , لِيُتْقِنُوا حِفْظَهُ عَنْهُ أنا أَبُو بَكْرٍ الْبُرْقَانِيُّ , قَالَ: قَرَأْنَا عَلَى أَبِي الْقَاسِمِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ سُلَيْمَانَ النَّخَّاسِ , حَدَّثَكُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ النَّيْسَابُورِيُّ , نا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى النَّيْسَابُورِيُّ , نا سَلَّمُ بْنُ قُتَيْبَةَ , عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُثَنَّى , عَنْ ثُمَامَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ , عَنْ أَنَسٍ , قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ §«يُعِيدُ الْكَلِمَةَ ثَلَاثًا , لِتُعْقَلَ عَنْهُ»

وَأَسْتَحِبُّ أَنْ يَقْرَأَ بَعْضُهُمْ سُورَةً أَوْ آيَاتٍ مِنَ الْقُرْآنِ , قَبْلَ تَدْرِيسِ الْفِقْهِ أَوْ بَعْدَهُ , فَقَدْ: أنا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُعَدِّلِ , أنا عُثْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ الدَّقَّاقُ , نا الْحَسَنُ بْنُ سَلَّامٍ السَّوَّاقُ , نا عَفَّانُ , نا شُعْبَةُ , عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ , عَنْ أَبِي نَضْرَةَ , قَالَ: «كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ §إِذَا اجْتَمَعُوا تَذَاكَرُوا الْعِلْمَ , وَقَرَءُوا سُورَةً»

وَلْيَخْتِمِ الْفَقِيهُ مَجْلِسَهُ بِمَا: أناه الْحَسَنُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ , أنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الشَّافِعِيُّ , نا مُحَمَّدُ بْنُ الْجَهْمِ السَّمَرِيُّ , نا يَعْلَى بْنُ عُبَيْدٍ الطَّنَافِسِيُّ , نا حَجَّاجُ بْنُ دِينَارٍ , عَنْ أَبِي هَاشِمٍ , عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ , رُفَيْعٍ , عَنْ أَبِي بَرْزَةَ الْأَسْلَمَيِّ , قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا جَلَسَ فِي الْمَجْلِسِ فَأَرَادَ أَنْ يَقُومَ , قَالَ: §«سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ , أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ , أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إِلَيْكَ» قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ: إِنَّكَ تَقُولُ كَلَامًا , مَا كُنْتَ تَقُولُهُ فِيمَا خَلَا؟ قَالَ: «هَذَا كَفَّارَةُ مَا يَكُونُ فِي الْمَجْلِسِ»

ثُمَّ يَعْتَزِلُ الَّذِينَ حَضَرُوا الدَّرْسَ , فَيَتَذَاكَرُونَهُ , وَيُعِيدُ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ أنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَلِيٍّ الْوَرَّاقُ , أنا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْمُفِيدُ , نا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ السَّقَطِيُّ , نا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ , أنا نُوحُ بْنُ -[264]- قَيْسٍ , نا يَزِيدُ الرَّقَاشِيُّ , عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ , قَالَ: «كُنَّا نَكُونُ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَرُبَّمَا كُنَّا نَحْوًا مِنْ سِتِّينَ إِنْسَانًا , §فَيُحَدِّثُنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , ثُمَّ يَقُومُ فَنَتَرَاجَعُهُ بَيْنَنَا , هَذَا وَهَذَا وَهَذَا , فَنَقُومُ , وَكَأَنَّمَا قَدْ زُرِعَ فِي قُلُوبِنَا» فَإِذَا أَتْقَنَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمُ الدَّرْسَ , وَحَفِظَهُ , فَلْيَكْتُبْهُ , وَيَكُونُ تَعْوِيلُهُ عَلَى حِفْظِهِ , فَإِنِ اضْطَرَبَ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ مَحْفُوظِهِ رَجَعَ إِلَى كِتَابِهِ فَاسْتَثْبَتَهُ مِنْهُ

كَمَا قَالَ الْخَلِيلُ بْنُ أَحْمَدَ فِيمَا: أنا عَلِيُّ بْنُ أَبِي عَلِيٍّ الْبَصْرِيُّ , نَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَبَّاسِ الْخَزَّازُ , نَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ يَعْنِي أَبَا بَكْرِ بْنَ الْأَنْبَارِيِّ , نَا أَبِي قَالَ: قَالَ الْخَلِيلُ: §" اجْعَلْ مَا فِي الدَّفْتَرِ رَأْسَ مَالِكَ , وَمَا فِي قَلْبِكَ لِلنَّفَقَةِ , وَأَنْشَدَ: [البحر الرجز] لَيْسَ بِعِلْمٍ مَا حَوَى الْقِمَطْرُ ... مَا الْعِلْمُ إِلَّا مَا وَعَاهُ الصَّدْرُ"

أنا أَبُو الْفَتْحِ مُحَمَّدُ بْنُ الْمُظَفَّرِ الْخَيَّاطُ , نا أَبُو طَالِبٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَطِيَّةَ الْمَكِّيُّ , نا مُحَمَّدُ بْنُ خَالِدٍ الْقُرَشِيُّ , نا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْبَصْرِيُّ , نا الْغَلَابِيُّ , قَالَ: سَمِعْتُ الشَّاذَكُونِيَّ , يَقُولُ -[265]-: §«لَيْسَ الْعِلْمُ إِلَّا مَا دَخَلْتَ بِهِ الْحَمَّامُ»

وَلَيْسَ يُثَبِّتُ الْحِفْظَ إِلَّا دَوَامُ الْمُذَاكَرَةِ بِالْمَحْفُوظِ أنا أَبُو الْحَسَنِ: أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ مُحَمَّدٍ الدمشقي , أنا جَدِّي أَبُو بَكْرٍ: مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عُثْمَانَ السُّلَمِيُّ , أنا أَبُو الدَّحْدَاحِ: أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ التَّمِيمِيُّ , نا أَبُو عَامِرٍ مُوسَى بْنُ عَامِرٍ الْمُرِّيُّ , نا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ , نا أَبُو عَمْرٍو الْأَوْزَاعِيُّ , عَنِ ابْنِ شِهَابٍ الزُّهْرِيِّ , قَالَ: §«إِنَّمَا يُذْهِبُ الْعِلْمَ النِّسْيَانُ وَتَرْكُ الْمُذَاكَرَةِ» وَيَنْبَغِي لِلْمُتَفَقِّهِ أَنْ يُرَافِقَ بَعْضَ أَصْحَابِهِ الَّذِينَ يَحْضُرُونَ مَعَهُ لِسَمَاعِ -[266]- الدَّرْسِ , فَيُذَاكِرُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ وَأَفْضَلُ الْمُذَاكَرَةِ أَنْ تَكُونَ لَيْلًا فَقَدْ كَانَ جَمَاعَةٌ مِنَ السَّلَفِ يَفْعَلُونَ ذَلِكَ

ما جاء في المذاكرة بالفقه ليلا

§مَا جَاءَ فِي الْمُذَاكَرَةِ بِالْفِقْهِ لَيْلًا

أنا الْحَسَنُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ , أنا أَبُو سَهْلٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زِيَادٍ الْقَطَّانُ , نا عَبْدُ الْكَرِيمِ بْنُ الْهَيْثَمِ , نا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي مَسْعُودٍ , نا شَرِيكٌ , عَنْ لَيْثِ بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ , عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي مُوسَى: أَنَّ أَبَاهُ , أَتَى عُمَرَ بَعْدَ الْعِشَاءِ الْآخِرَةِ , فَقَالَ: §«مَا جَاءَ بِكَ يَا أَبَا مُوسَى السَّاعَةَ؟» قَالَ: نَتَذَاكَرُ الْفِقْهَ , قَالَ: فَجَلَسْنَا لَيْلًا طَوِيلًا نَتَذَاكَرُ , قَالَ أَبُو مُوسَى: الصَّلَاةُ , فَقَالَ عُمَرُ: «إِنَّا فِي صَلَاةٍ» , قَالَ: فَتَذَاكَرَا حَتَّى كَانَ قَرِيبًا مِنَ الْفَجْرِ

أنا أَبُو الْحَسَنِ: مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ رِزْقَوَيْهِ , أَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الدَّقَّاقُ , نا حَنْبَلُ بْنُ إِسْحَاقَ , نا مُحَمَّدُ بْنُ الْأَصْبَهَانِيِّ , وأنا أَبُو طَالِبٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْفَتْحِ , أنا عُمَرُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْمُقْرِئُ , أنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ , نا أَبُو خَيْثَمَةَ , -[268]- قَالَا: نا عَبْدُ السَّلَامِ بْنُ حَرْبٍ , عَنْ لَيْثٍ , عَنْ مُجَاهِدٍ , قَالَ: §«لَا بَأْسَ بِالسَّمَرِ فِي الْفِقْهِ»

أنا أَبُو الْحَسَنِ بْنُ رِزْقَوَيْهِ , أنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَلِيٍّ الْخُطَبِيُّ , وَأَبُو عَلِيٍّ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَسَنِ الصَّوَّافُ , وَأَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ حَمْدَانَ بْنِ مَالِكٍ الْقَطِيعِيُّ وأنا الْحَسَنُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ , قَالَ: أنا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ الْحَكَمِ الْوَاسِطِيُّ , وأنا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَرَجِ بْنِ عَلِيٍّ الْبَزَّازُ , أنا أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ حَمْدَانَ , قَالُوا: أنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ , قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي , وأنا ابْنُ الْمُفَضَّلِ الْقَطَّانُ , أنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ دَرَسْتُوَيْهِ , نا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ , نا الْفَضْلُ بْنُ زِيَادٍ , نا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ , نا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ , عَنْ أَبِيهِ , قَالَ: §«كَانَ ابْنُ شُبْرُمَةَ وَالْمُغِيرَةُ وَالْحَارِثُ الْعُكْلِيُّ وَالْقَعْقَاعُ بْنُ يَزِيدَ وَغَيْرُهُمْ يَسْمُرُونَ فِي الْفِقْهِ , فَرُبَّمَا لَمْ يَقُومُوا حَتَّى يَسْمَعُوا النِّدَاءَ بِالْفَجْرِ» وَقَالَ ابْنُ الْفَضْلِ: فَرُبَّمَا لَمْ يَقُومُوا إِلَى النِّدَاءِ بِالْفَجْرِ

أنا الْحَسَنُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ , أنا أَبُو الْحَسَنِ أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ مِنْجَابٍ الطِّيبِيُّ , نا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ زِيَادٍ , نا أَبُو نُعَيْمٍ ضِرَارُ بْنُ صُرَدَ , نا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ , قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي , قَالَ: §«كَانَ الْحَارِثُ الْعُكْلِيُّ وَالْمُغِيرَةُ وَالْقَعْقَاعُ وَابْنُ شُبْرُمَةَ يُصَلُّونَ الْعِشَاءَ الْآخِرَةَ ثُمَّ يَجْلِسُونَ فَيَتَطَارَحُونَ الْفِقْهَ , وَرُبَّمَا أَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ الْفَجْرَ وَلَمْ يَتَفَرَّقُوا»

فضل تدريس الفقه في المساجد

§فَضْلُ تَدْرِيسِ الْفِقْهِ فِي الْمَسَاجِدِ

أنا أَبُو طَالِبٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُكَيْرٍ التَّاجِرُ , قَالَ: أنا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَيُّوبَ بْنِ مَاسِيٍ الْبَزَّازُ , أنا أَبُو أَحْمَدَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدُوسِ بْنِ كَامِلٍ , نا أَبُو مَعْمَرٍ , نا عَبْدُ السَّلَامِ بْنُ حَرْبٍ , عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ , عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ , قَالَ: §«أَدْرَكْنَا النَّاسَ وَمَا مَجَالِسُهُمْ إِلَّا الْمَسَاجِدُ»

أنا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ نَصْرٍ السُّتُورِيُّ , وأَبُوعَمْرٍو عُثْمَانُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ بْنِ دُوسَتَ الْعَلَّافُ , قَالَا: نا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْقَزْوِينِيُّ , إِمْلَاءً , نا مُحَمَّدُ بْنُ أَيُّوبَ , أنا أَبُو الْوَلِيدِ الطَّيَالِسِيُّ , نا جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ , عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ , عَنْ مُحَارِبٍ , عَنِ ابْنِ عُمَرَ , عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ جِبْرِيلَ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: «إِنَّ §خَيْرَ الْبِقَاعِ الْمَسَاجِدُ , وَشَرَّ الْبِقَاعِ الْأَسْوَاقُ»

أنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَلِيِّ بْنِ أَحْمَدَ الْأَزَجِيُّ , نا الْحَسَنُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْحَرْبِيُّ , نا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْفِرْيَابِيُّ , نا صَفْوَانُ بْنُ صَالِحٍ الدِّمَشْقِيُّ , نا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ , نا ابْنُ لَهِيعَةَ , قَالَ: حَدَّثَنِي دَرَّاجٌ , عَنْ أَبِي الْهَيْثَمِ , عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ , قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ: «§سَيُعْلَمُ أَهْلُ الْجَمْعِ مَنْ أَهْلُ الْكَرَمِ» قِيلَ: وَمَنْ أَهْلُ الْكَرْمِ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «مَجَالِسُ الذِّكْرِ فِي الْمَسَاجِدِ»

أنا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُعَدِّلِ , نا عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَلِيٍّ , قَالَ: حَدَّثَنِي حَامِدُ بْنُ سَهْلٍ الثَّغْرِيُّ , نا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ , نا أَبُو الْمُغِيرَةِ , عَنِ الْأَعْمَشِ , عَنْ خَيْثَمَةَ , قَالَ: قَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «§الْمَسَاجِدُ مَجَالِسُ الْأَنْبِيَاءِ» وَفِي أَصْلِ الْمُعَدِّلِ: مَسَاجِدُ الْأَنْبِيَاءِ , وَهِيَ حِرْزٌ مِنَ الشَّيْطَانِ

وَأَسْتَحِبُّ لِلْفَقِيهِ أَنْ لَا يُخِلَّ بِعَقْدِ الْحَلَقَةِ فِي الْمَسْجِدِ الْجَامِعِ فِي أَيَّامِ الْجُمُعَاتِ أَخْبَرَنِي أَبُو مُحَمَّدٍ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ بَشَّارٍ السَّابُورِيُّ بِالْبَصْرَةِ , أنا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ التَّمَّارُ , نا أَبُو دَاوُدَ سُلَيْمَانُ بْنُ الْأَشْعَثِ , نا مُسَدَّدٌ , نا يَحْيَى هُوَ ابْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ عَنِ ابْنِ عَجْلَانِ , عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ جَدِّهِ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ §نَهَى عَنِ الشِّرَاءِ وَالْبَيْعِ فِي الْمَسْجِدِ , وَأَنْ يُنْشَدَ فِيهِ ضَالَّةٌ , وَأَنْ يُنْشَدَ فِيهِ شِعْرٌ , وَنَهَى عَنِ التَّحَلُّقِ قَبْلَ الصَّلَاةِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ» قُلْتُ: هَذَا الْحَدِيثُ مَحْمُولٌ عَلَى أَنْ تَكُونَ الْحَلَقَةُ بِقُرْبِ الْإِمَامِ , بِحَيْثُ يَشْغَلُ الْكَلَامُ فِيهَا عَنِ اسْتِمَاعِ الْخُطْبَةِ , فَأَمَّا إِذَا كَانَ الْمَسْجِدُ وَاسِعًا وَالْحَلَقَةُ بَعِيدَةً مِنَ الْإِمَامِ , بِحَيْثُ لَا يُدْرِكُهَا صَوْتُهُ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ , وَقَدْ رَأَيْتُ كَافَّةَ شُيُوخِنَا مِنَ الْفُقَهَاءِ , وَالْمُحَدِّثِينَ يَفْعَلُونَهُ , وَجَاءَ مِثْلُهُ عَنْ عِدَّةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ

أنا أَبُو سَعِيدٍ الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَسْنَوَيْهِ الْكَاتِبُ بِأَصْبَهَانَ , نا أَبُو جَعْفَرٍ أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ مَعْبَدٍ السِّمْسَارُ , نا يَحْيَى بْنُ مُطَرِّفٍ , نا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ , نا شَدَّادُ بْنُ -[273]- سَعِيدٍ الرَّاسِبِيُّ أَبُو طَلْحَةَ , نا مُعَاوِيَةُ بْنُ قُرَّةَ , قَالَ: «أَدْرَكْتُ ثَلَاثِينَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ مُزَيْنَةَ لَيْسَ مِنْهُمْ إِلَّا مَنْ طَعَنَ أَوْ طُعِنَ , أَوْ ضَرَبَ أَوْ ضُرِبَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , §إِذَا كَانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ اغْتَسَلُوا , وَلَبِسُوا مِنْ صَالِحِ ثِيَابِهِمْ , وَنَسَمُوا مِنْ طِيبِ نِسَائِهِمْ , ثُمَّ أَتَوَا الْجُمُعَةَ , وَصَلُّوا رَكْعَتَيْنِ , ثُمَّ جَلَسُوا يَبُثُّونَ الْعِلْمَ وَالسُّنَّةَ حَتَّى يَخْرُجَ الْإِمَامُ»

أنا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ رِزْقَوَيْهِ , أنا عُثْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ الدَّقَّاقُ , نا حَنْبَلُ بْنُ إِسْحَاقَ , نا عَفَّانُ , نا مَهْدِيُّ بْنُ مَيْمُونٍ , قَالَ: §«رَأَيْتُ أَبَا الْعَلَاءِ وَالْجُرَيْرِيَّ وَأَبَا نَعَامَةَ السَّعْدِيَّ وَأَبَا نَعَامَةَ الْحَنَفِيَّ وَمَيْمُونَ بْنَ سِيَاهٍ وَأَبَا نَضْرَةَ يَتَحَلَّقُونَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ قَبْلَ الصَّلَاةِ» قَالَ عَفَّانُ: وَذَكَرَ مَهْدِيٌّ أَكْثَرَ مِنْ هَؤُلَاءِ لَمْ أَحْفَظْهُمْ

إلقاء الفقيه المسائل على أصحابه أستحب أن يخص يوم الجمعة بالمذاكرة لأصحابه في المسجد الجامع , وإلقاء المسائل عليهم ويأمرهم بالكلام فيها , والمناظرة عليها

§إِلْقَاءُ الْفَقِيهِ الْمَسَائِلَ عَلَى أَصْحَابِهِ أَسْتَحِبُّ أَنْ يَخُصَّ يَوْمَ الْجُمُعَةِ بِالْمُذَاكَرَةِ لِأَصْحَابِهِ فِي الْمَسْجِدِ الْجَامِعِ , وَإِلْقَاءِ الْمَسَائِلِ عَلَيْهِمْ وَيَأْمُرُهُمْ بِالْكَلَامِ فِيهَا , وَالْمُنَاظَرَةِ عَلَيْهَا

فَقَدْ: أنا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْحِنَّائِيُّ , نا أَبُو عَلِيٍّ إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ إِمْلَاءً , نا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَدَّادُ , نا مُعَلَّى يَعْنِي ابْنَ مَهْدِيٍّ , نا أَبُو عَوَانَةَ , عَنْ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ , قَالَ: §«لَقَدْ رَأَيْتُنَا يَكْثُرُ لَغَطُنَا وَمِرَاؤُنَا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ»

أنا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ التَّمِيمِيُّ , أنا أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ حَمْدَانَ , نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ , حَدَّثَنِي أَبِي , نا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ , نا شُعْبَةُ , عَنْ أَبِي حُصَيْنٍ , وَالْأَشْعَثِ بْنِ سُلَيْمٍ , أَنَّهُمَا سَمِعَا الْأَسْوَدَ بْنَ هِلَالٍ , يُحَدِّثُ: عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ , قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: §«أَتَدْرِي مَا حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى الْعِبَادِ؟» فَقَالَ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ , قَالَ: «يَعْبُدُونَ اللَّهَ لَا يُشْرِكُونَ بِهِ شَيْئًا» قَالَ: «تَدْرِي مَا حَقُّهُمْ عَلَيْهِ إِذَا -[275]- فَعَلُوا ذَلِكَ؟» فَقَالَ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ , قَالَ: «أَنْ لَا يُعَذِّبَهُمْ»

وَإِنْ كَانَ فِي جُمْلَةِ الْمُتَفَقِّهَةِ حَدَثٌ أَوْ صَبِيٌّ لَهُ حِرْصٌ عَلَى التَّعَلُّمِ أَوْ آنَسَ الْفَقِيهُ مِنْهُ ذَكَاءً , أَوْ فِطْنَةً , فَلْيُقْبِلْ عَلَيْهِ , وَيَصْرِفِ اهْتِمَامَهُ إِلَيْهِ , فَقَدْ: أنا أَبُو الْفَتْحِ: مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي الْفَوَارِسِ , أنا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ , نا أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ الدِّمَشْقِيُّ , قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُعْتَزِّ: §«كَمَا أَنَّ الشَّمْسَ , لَا يَخْفَى ضَوْءُهَا , وَإِنْ كَانَتْ تَحْتَ السَّحَابِ , فَكَذَلِكَ الصَّبِيُّ لَا تَخْفَى غَرِيزَةُ عَقْلِهِ , وَإِنْ كَانَتْ مَغْمُورَةً بِأَخْلَاقِ الْحَدَاثَةِ»

وَإِذَا حَضَرَ هَذَا الصَّبِيُّ حَلَقَةَ النَّظَرِ , فَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُصْغِيَ إِلَى كَلَامَ الْمُتَنَاظِرَيْنِ , وَيَكُونُ مِنْ جُمْلَةِ الصَّامِتِينَ أَخْبَرَنِي أَبُو الْحَسَنِ: عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ دَاوُدَ الرَّزَّازُ , أنا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَلِيٍّ الْمِصِّيصِيُّ , نا مُحَمَّدُ بْنُ الْقَاسِمِ الدَّقَّاقُ , بِالْمَصِّيصَةِ , نا أَحْمَدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ , نا مُوسَى بْنُ أَيُّوبَ , نا عُقْبَةُ بْنُ عَلْقَمَةَ الْمَعَافِرِيُّ , عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَدْهَمَ , قَالَ: §«إِذَا تَكَلَّمَ الْحَدَثُ فِي الْحَلَقَةِ أَيِسْنَا مِنْ خَيْرِهِ»

أنا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ -[276]- السَّرَّاجُ , نا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْأَصَمُّ , نا الْعَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدٍ الدُّورِيُّ , نا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ , نا أَبِي , عَنِ الْأَعْمَشِ , قَالَ: حَدَّثَنِي مُجَاهِدٌ , عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ , قَالَ: بَيْنَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جُلُوسٌ , إِذْ أُتِيَ بِجُمَّارٍ , فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: §«إِنَّ مِنَ الشَّجَرِ يَعْنِي شَجَرَةً لَهَا بَرَكَةٌ كَبَرَكَةِ الرَّجُلِ الْمُسْلِمِ» , قَالَ: فَظَنَنْتُ أَنَّهُ يَعْنِي النَّخْلَةَ , فَأَرَدْتُ أَنْ أَقُولَ هِيَ النَّخْلَةُ , ثُمَّ أَلْتَفِتُ , فَإِذَا أَنَا عَاشِرُ عَشْرَةٍ أَنَا أَحْدَثُهُمْ , فَسَكَتُّ , فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هِيَ النَّخْلَةُ»

أنا الْقَاضِي أَبُو الْقَاسِمِ عَلِيُّ بْنُ الْمُحْسِنِ التَّنُوخِيُّ , أنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُلَيْمَانَ الْمُخَرِّمِيُّ , نا أَبُو بَكْرٍ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْفِرْيَابِيُّ , نا عَبْدُ الْأَعْلَى بْنُ حَمَّادٍ , نا وهَيْبُ بْنُ خَالِدٍ , نا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ , عَنْ نَافِعٍ , عَنِ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ذَاتَ يَوْمٍ لِأَصْحَابِهِ: §«أَنْبِئُونِي بِشَجَرَةٍ تُشْبِهُ الْمُسْلِمَ لَا يَتَحَارَثُ وَرَقُهَا , تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا؟» قَالَ: فَوَقَعَ فِي قَلْبِي أَنَّهَا النَّخْلَةُ , قَالَ: فَسَكَتَ الْقَوْمُ , فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هِيَ النَّخْلَةُ» , قُلْتُ لِأَبِي: لَقَدْ كَانَ وَقَعَ فِي قَلْبِي أَنَّهَا النَّخْلَةُ , قَالَ: فَمَا مَنَعَكَ أَنْ تَكُونَ قُلْتَهُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ لِأَنْ تَكُونَ قُلْتَهُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ كَذَا وَكَذَا , فَقُلْتُ: كُنْتَ فِي الْقَوْمِ وأَبُوبَكْرٍ , فَلَمْ -[277]- تَقُولَا شَيْئًا , فَكَرِهْتُ أَنْ أَقُولَ

أنا أَبُو الْحَسَنِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ مُوسَى بْنِ هَارُونَ بْنِ الصَّلْتِ الْأَهْوَازِيُّ , أنا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ يَزِيدَ الْمَطِيرِيُّ , نا عَلِيُّ بْنُ حَرْبٍ , نا ابْنُ إِدْرِيسَ , عَنْ عَاصِمِ بْنِ كُلَيْبٍ , عَنْ أَبِيهِ , عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ , قَالَ: كَانَ عُمَرُ يَسْأَلُنِي مَعَ الْأَكَابِرِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , ثُمَّ يَقُولُ: §«لَا تَتَكَلَّمْ حَتَّى يَتَكَلَّمُوا»

وَإِذَا عَلَتْ مَنْزِلَةُ الْحَدَثِ فِي الْفِقْهِ , فَيَنْبَغِي لِلْفَقِيهِ أَنْ يَأْذَنَ لَهُ فِي الْكَلَامِ مَعَ الْمُتَكَلِّمِينَ , وَيَجْعَلَهُ مِنْ جُمْلَةِ الْمُتَنَاظِرِينَ أنا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ , أنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ دَرَسْتَوُيْهِ النَّحْوِيُّ , نا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ , نا يُوسُفُ بْنُ كَامِلٍ , نا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ , نا عَاصِمُ بْنُ كُلَيْبٍ , قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي , عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ , قَالَ: كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ إِذَا دَعَا الْأَشْيَاخَ مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعَانِي مَعَهُمْ , وَقَالَ: لَا تَتَكَلَّمْ حَتَّى يَتَكَلَّمُوا , قَالَ: فَدَعَانَا ذَاتَ يَوْمٍ , أَوْ قَالَ: ذَاتَ لَيْلَةٍ , فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ مَا قَدْ عَلِمْتُمْ §«الْتَمِسُوهَا فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ وِتْرًا» فَفِي أَيِّ الْوِتْرِ تَرَوْنَهَا؟ , فَقَالَ بَعْضُهُمْ: تَاسِعَةً , سَابِعَةً , خَامِسَةً , ثَالِثَةً , فَقَالَ لِي: يَا ابْنَ عَبَّاسٍ , مَا لَكَ لَا تَتَكَلَّمُ؟ فَقُلْتُ: إِنْ شِئْتَ تَكَلَّمْتُ , قَالَ: مَا -[278]- دَعَوْتُكَ إِلَّا لِتَتَكَلَّمَ , فَقُلْتُ: أَقُولُ فِيهَا بِرَأْيِي؟ فَقَالَ: عَنْ رَأْيِكَ أَسْأَلُكَ , فَقُلْتُ: إِنِّي سَمِعْتُ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَكْثَرَ ذِكْرَ السَّبْعِ , فَقَالَ: السَّمَوَاتُ سَبْعٌ , وَالْأَرَضُونَ سَبْعٌ حَتَّى قَالَ: {ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حِبًّا وَعِنَبًا وَقَضْبًا وَزَيْتُونًا وَنَخْلًا وَحَدَائِقَ غُلْبًا وَفَاكِهَةً وَأَبًّا} [عبس: 27] فَالْحَدَائِقُ كُلُّ مُلْتَفٍّ , وَكُلُّ مُلْتَفٍّ حَدِيقَةٌ , وَالْأَبُّ مَا تَنْبُتُ الْأَرْضُ مِمَّا لَا يَأْكُلُ النَّاسُ فَقَالَ عُمَرُ: أَعَجَزْتُمْ أَنْ تَقُولُوا مِثْلَ مَا قَالَ هَذَا الْغُلَامُ , الَّذِي لَمْ تَسْتَوِ شُئُونُ رَأْسِهِ ثُمَّ قَالَ: إِنِّي كُنْتُ نَهَيْتُكَ أَنْ تَتَكَلَّمَ , فَإِذَا دَعَوْتُكَ مَعَهُمْ فَتَكَلَّمْ

أنا الْحَسَنُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ , نا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الزُّبَيْرِ الْكُوفِيُّ إِمْلَاءً , نا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَفَّانَ الْعَامِرِيُّ , نا جَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ الْعُمَرَيُّ , نا أَبُو الْعُمَيْسِ , عَنْ عَبْدِ الْمَجِيدِ بْنِ سُهَيْلٍ , عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ , قَالَ: قَالَ لِي ابْنُ عَبَّاسٍ: يَا ابْنَ عُتْبَةَ , «§تَعَلَّمْ آخِرَ سُورَةٍ مِنَ الْقُرْآنِ أُنْزِلَتْ؟» قَالَ: قُلْتُ: نَعَمْ إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ قَالَ: «صَدَقْتَ» -[279]- وَإِذَا بَلَغَ الْغُلَامُ حَدَّ الْمُنَاظَرَةِ؛ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَكُفَّ نَفْسَهُ عَنِ اسْتِيفَاءِ الْحُجَّةِ عَلَى مَنْ نَاظَرَهُ , وَإِنْ كَانَ شَيْخًا , فَقَدْ

أنا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُقْرِئُ , أنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ النَّحْوِيُّ الْكُوفِيُّ , أنا أَبُو مُحَمَّدٍ الْوَاسِطِيُّ , نا أَبُو خَلِيفَةَ الْقَاضِي , نا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَّامٍ الْجُمَحِيُّ , قَالَ: كُنَّا فِي مَجْلِسِ أَبِي عُبَيْدَةَ , فَرَأَى شَابًّا يَنْبَسِطْ عَلَى الْمَشَايِخِ , فَقَالَ: §«إِذَا قَلَّ حَيَاءُ الْغُلَامِ كَثُرَ عِلْمُهُ , وَفِي غَيْرِ الْعِلْمِ لَمْ يُرْجَ خَيْرُهُ»

وَإِذَا أَجَابَ الْمَسْئُولُ بِالصَّوَابِ فَعَلَى الْفَقِيهِ أَنْ يُعَرِّفَهُ إِصَابَتَهُ , وَيُهَنِّيهِ بِذَلِكَ لِيَزْدَادَ فِي الْعِلْمِ رَغْبَةً وَبِهِ مَسَرَّةً أنا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ الرَّزَّازُ , أنا أَبُو بَكْرٍ: أَحْمَدُ بْنُ سَلْمَانَ بْنِ الْحَسَنِ النِّجَادُ , نا مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَانَ بْنِ الْحَارِثِ الْوَاسِطِيُّ , نا أَبُو نُعَيْمٍ , نا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ , عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ , عَنْ عُرْوَةَ , عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ , قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: §«كَيْفَ صَنَعْتَ فِي اسْتِلَامِكَ الْحَجَرَ؟» قُلْتُ: اسْتَلَمْتُ وَتَرَكْتُ , قَالَ: «أَصَبْتَ»

أنا أَبُو بَكْرٍ الْبُرْقَانِيُّ , قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى أَبِي بَكْرٍ أَحْمَدَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْإِسْمَاعِيلِيِّ , أَخْبَرَكُمُ الْفَضْلُ بْنُ الْحُبَابِ , نا ابْنُ كَثِيرٍ , أنا سُفْيَانُ , عَنِ الْأَعْمَشِ , عَنْ إِبْرَاهِيمَ , عَنْ عَلْقَمَةَ , قَالَ: كُنَّا بِحِمْصَ , فَقَرَأَ عَبْدُ اللَّهِ سُورَةَ يُوسُفَ , فَقَالَ رَجُلٌ: مَا هَكَذَا أُنْزِلَتْ , فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ: §«لَقَدْ قَرَأْتُهَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» , فَقَالَ: أَحْسَنْتَ

أنا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْجَوْهَرِيُّ , أنا عِيسَى بْنُ عَلِيِّ بْنِ عِيسَى الْوَزِيرُ , نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْبَغَوِيُّ , نا هَارُونُ بْنُ إِسْحَاقَ , نا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ السُّكَّرِيُّ , عَنْ سُفْيَانَ , عَنْ سَعِيدِ بْنِ إِيَاسَ الْجُرَيْرِيِّ , عَنْ أَبِي السَّلِيلِ , عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَبَاحٍ , عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ , أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , قَالَ لَهُ: «§أَيُّ آيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ أَعْظَمُ» قَالَ: قُلْتُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ , حَتَّى أَعَادَهَا عَلَيْهِ ثَلَاثًا ثُمَّ قُلْتُ: اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ قَالَ فَضَرَبَ صَدْرِي ثُمَّ قَالَ: «لِيَهْنِكَ الْعِلْمُ أَبَا الْمُنْذِرِ»

وَكَذَا يَجِبُ عَلَى الْمُتَعَلِّمِ الِاعْتِرَافُ بِفَضْلِ الْفَقِيهِ , وَالْإِقْرَارُ بِأَنَّ الْعِلْمَ مِنْ جِهَتِهِ اكْتَسَبَهُ , وَعَنْهُ أَخَذَهُ أنا أَبُو نُعَيْمٍ الْحَافِظُ , نا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ أَيُّوبَ الطَّبَرَانِيُّ , نا أَحْمَدُ بْنُ خُلَيْدٍ الْحَلَبِيُّ , نا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى بْنِ الطَّبَّاعِ , نا مُعَاذُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُعَاذِ بْنِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ جَدِّهِ , عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ , أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , قَالَ لَهُ: «يَا أَبَا الْمُنْذِرِ , §إِنِّي أُمِرْتُ بِعَرْضِ الْقُرْآنِ عَلَيْكَ» , فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ , بِاللَّهِ آمَنْتَ , وَعَلَى يَدَيْكَ أَسْلَمْتُ , وَمِنْكَ تَعَلَّمْتُ

وَإِذَا أَخْطَأَ الْمَسْئُولُ فِي الْجَوَابِ , فَعَلَى الْفَقِيهِ أَنْ يُعَلِّمَهُ ذَلِكَ , لِيَأْخُذَ نَفْسَهُ بِإِنْعَامِ النَّظَرِ , وَيَتَحَفَّظَ مِنَ التَّقْصِيرِ , خَوْفَ الزَّلَلِ أنا الْبُرْقَانِيُّ , قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى أَبِي الْعَبَّاسِ بْنِ حَمْدَانَ , حَدَّثَكُمْ أَبُو الْعَبَّاسِ السَّرَّاجُ , نا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ أَبِي عُمَرَ , نا سُفْيَانُ , عَنِ الزُّهْرِيِّ , عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ , عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ , قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُنْصَرَفَهُ مِنْ أُحُدٍ , فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ -[282]- إِنِّي رَأَيْتُ هَذِهِ اللَّيْلَةَ فِي الْمَنَامِ ظُلَّةً , تَنْطِفُ السَّمْنَ وَالْعَسَلَ , وَرَأَيْتُ النَّاسَ يَتَكَفَّفُونَ , فَمِنْهُمُ الْمُسْتَقِلُّ , وَمِنْهُمُ الْمُسْتَكْثِرُ , وَرَأَيْتُ سَبَبًا وَاصِلًا إِلَى السَّمَاءِ فَأَخَذْتُ بِهِ فَأَعْلَاكَ اللَّهُ , ثُمَّ أَخَذَ بِهِ رَجُلٌ بَعْدَكَ فَعَلَا بِهِ , ثُمَّ أَخَذَ بِهِ رَجُلٌ بَعْدَهُ فَعَلَا بِهِ , ثُمَّ أَخَذَ بِهِ رَجُلٌ فَعَلَا بِهِ فَانْقَطَعَ ثُمَّ وَصَلَ لَهُ رَجُلٌ فَعَلَا بِهِ قَالَ أَبُو بَكْرٍ: دَعْنِي يَا رَسُولَ اللَّهِ أَعْبُرُهَا , فَقَالَ: أَمَا الظُّلَّةُ: فَالْإِسْلَامُ , وَأَمَّا السَّمْنُ وَالْعَسَلُ الَّذِي يَنْطِفُ مِنْهَا: فَالْقُرْآنُ حَلَاوَتُهُ وَلِينُهُ , وَأَمَّا مَا يَتَكَفَّفُ النَّاسُ فِي أَيْدِيهِمْ: فَالنَّاسُ مِنْهُمُ الْمُسْتَقِلُّ , وَمِنْهُمُ الْمُسْتَكْثِرُ , وَأَمَّا السَّبَبُ: فَالْحَقُّ الَّذِي أَنْتَ عَلَيْهِ , أَخَذْتَ بِهِ فَأَعْلَاكَ اللَّهُ , ثُمَّ يَأْخُذُ بِهِ رَجُلٌ بَعْدَكَ فَيَعْلُو , ثُمَّ يَأْخُذُ بِهِ رَجُلٌ بَعْدَهُ فَيَعْلُو بِهِ , ثُمَّ يَأْخُذُ بِهِ رَجُلٌ بَعْدَهُ , فَانْقَطَعَ , ثُمَّ وَصَلِّ بِهِ فَعَلَا بِهِ قَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَصَبْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَقَالَ: «§أَصَبْتَ بَعْضًا وَأَخْطَأْتَ بَعْضًا» , قَالَ: أَقْسَمْتُ عَلَيْكَ , فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تُقْسِمُ يَا أَبَا بَكْرٍ» ذَكَرَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ الْخَطَأَ الَّذِي أَخْبَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَا بَكْرِ بِكَوْنِهِ مِنْهُ فِي هَذِهِ الْعِبَارَةِ , هُوَ أَنَّهُ جَعَلَ السَّمْنَ وَالْعَسَلَ شَيْئًا وَاحِدًا , -[283]- وَوَصَفَهُ بِالْحَلَاوَةِ وَاللِّينِ , وَأَهْلُ الْعِلْمِ بِعِبَارَةِ الرُّؤْيَا يَذْهَبُونَ إِلَى أَنَّهُمَا شَيْئَانِ , كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا غَيْرُ صَاحِبِهِ , مِنْ أَصْلَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ , وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ رَدَّهُمَا إِلَى أَصْلٍ وَاحِدٍ , وَهُوَ الْقُرْآنُ

وَمِنَ الْحُجَّةِ لَهُمْ مَا أنا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ التَّمِيمِيُّ , أنا أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ حَمْدَانَ , نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ , حَدَّثَنِي أَبِي , نا قُتَيْبَةُ , نا ابْنُ لَهِيعَةَ , عَنْ واهِبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ , عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ , أَنَّهُ قَالَ: رَأَيْتُ فِيمَا يَرَى النَّائِمُ كَأَنَّ فِي إِحْدَى إِصْبَعِي سَمْنًا , وَفِي الْأُخْرَى عَسَلًا , فَأَنَا أَلْعَقُهُمَا , فَلَمَّا أَصْبَحْتُ , ذَكَرْتُ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: " §تَقْرَأُ الْكِتَابَيْنِ: التَّوْرَاةَ وَالْفُرْقَانَ " فَكَانَ يَقْرَأْهُمَا فَكَانَتْ عِبَارَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رُؤْيَا عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو الْمَذْكُورَةَ فِي السَّمْنِ وَالْعَسَلِ , أَنَّهُمَا لِشَيْئَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ , مِنْ أَصْلَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ , وَكَانَتْ عِبَارَةُ أَبِي بَكْرٍ فِي حَدِيثِ الظُّلَّةِ أَنَّهُمَا شَيْءٌ وَاحِدٌ مِنْ أَصْلٍ وَاحِدٍ , فَكَانَ الْخَطَأُ الَّذِي فِي ذِكْرِ الْعِبَارَةِ عِنْدَهُمْ هُوَ هَذَا وَأَمَّا قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَقْسَمْتُ عَلَيْكَ , فَإِنَّهُ أَرَادَ أَنْ يُخْبِرَهُ بِمَا أَخْطَأَ فِيهِ , وَكَرَاهَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقَسَمَ مِنْ أَبِي بَكْرٍ أَنْ يُخْبِرَهُ إِنَّمَا كَانَتْ لِأَجْلِ أَنَّ التَّعْبِيرَ الَّذِي صَوَّبَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَعْضِهِ وَخَطَّأَهُ فِي بَعْضٍ لَمْ يَكُنْ عَنْ وَحْيِ , لَكِنْ مِنْ جِهَةٍ مَا تُعَبَّرُ الرُّؤْيَا بِالظَّنِّ , وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ظَنِّهِ كَسَائِرِ الْبَشَرِ فِي ظُنُونِهِمْ , يَجُوزُ أَنْ يَقَعَ فِيهِ -[284]- الْخَطَأُ , وَإِنَّمَا الْوَحْيُ الَّذِي كَانَ يُخْبِرُ بِهِ عَنِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ هُوَ الصَّوَابُ الَّذِي لَا يَجُوزُ خِلَافُهُ , وَلَا يَقَعُ الْخَطَأُ فِيهِ , وَاللَّهُ أَعْلَمُ

وَيَجُوزُ لِلْفَقِيهِ مُدَاعَبَةُ مَنْ أَخْطَأَ مِنْ أَصْحَابِهِ لِيُزِيلَ عَنْهُ الْخَجَلَ بِذَلِكَ , كَمَا: أنا أَبُو نُعَيْمٍ , نا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَلِيٍّ , نا أَبُو يَعْلَى , هُوَ الْمَوْصِلِيُّ نا زَكَرِيَّا بْنُ يَحْيَى , زَحْمَوَيْهِ , نا صَالِحُ يَعْنِي: ابْنَ عُمَرَ , عَنْ مُطَرِّفٍ , عَنْ عَامِرٍ , عَنْ عَدِيٍّ , قَالَ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ الْخَيْطَ الْأَبْيَضَ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ , أَهُمَا خَيْطَانِ؟ فَضَحِكَ , وَقَالَ: §«إِنَّكَ لَعَرِيضُ الْقَفَا يَا ابْنَ حَاتِمٍ , هُوَ بَيَاضُ النَّهَارِ مِنْ سَوَّادِ اللَّيْلِ»

وَيَنْبَغِي أَنْ يُبَيِّنَ لِمَنْ أَخْطَأَ خَطَأَهُ فِي لِينٍ وَرِفْقٍ , مِنْ غَيْرِ عُنْفٍ وَلَا خَرْقٍ -[285]- أنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ الْيَزِدِيُّ بنَيْسَابُورَ , أنا أَبُو أَحْمَدَ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ إِسْحَاقَ الْحَافِظُ , أنا أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ الْمَاسَرْجَسِيُّ , نا إِسْحَاقُ يَعْنِي إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيَّ، أنا عِيسَى يَعْنِي ابْنَ يُونُسَ , نا الْأَوْزَاعِيُّ , عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ , عَنْ هِلَالِ بْنِ أَبِي مَيْمُونَةَ , عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ , عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ الْحَكَمِ السُّلَمِيِّ , قَالَ: بَيْنَمَا أَنَا مَعُ , رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الصَّلَاةِ إِذْ عَطَسَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ , فَقُلْتُ: يَرْحَمُكَ اللَّهُ , قَالَ: فَحَدَّقَنِي الْقَوْمُ بِأَبْصَارِهِمْ , فَقُلْتُ: وَاثُكْلَ أُمَيَّاهُ مَا لَكُمْ تَنْظُرُونَ إِلَيَّ؟ فَضَرَبَ الْقَوْمُ بِأَيْدِيهِمْ عَلَى أَفْخَاذِهِمْ , فَلَمَّا رَأَيْتُهُمْ يُسْكُتُونِي لَكَأَنِّي سَكَتُّ , فَلَمَّا انْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , بِأَبِي وَأُمِّي , مَا رَأَيْتُ مُعَلِّمًا قَبْلَهُ , وَلَا بَعْدَهُ أَحْسَنَ تَعْلِيمًا مِنْهُ , وَاللَّهِ مَا ضَرَبَنِي , وَلَا كَهَرَنِي وَلَا سَبَّنِي , قَالَ: §«إِنَّ صَلَاتَنَا هَذِهِ لَا يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ , إِنَّمَا هِيَ التَّسْبِيحُ وَالتَّكْبِيرُ , وَتِلَاوَةُ الْقُرْآنِ»

أنا أَبُو عَمْرٍو عُثْمَانُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ الْعَلَّافُ , أنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الشَّافِعِيُّ , نا مُحَمَّدُ بْنُ غَالِبٍ , قَالَ: حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ الْغُدَانِيُّ , نا كَثِيرُ بْنُ حَبِيبٍ السَّهْمِيُّ , عَنْ -[286]- ثَابِتٍ , عَنْ أَنَسٍ , قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: §«إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ , وَيُعْطِي عَلَيْهِ مَا لَا يُعْطِي عَلَى الْعُنْفِ»

أنا أَبُو سَعِيدٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى بْنِ الْفَضْلِ بْنِ شَاذَانَ الصَّيْرَفِيُّ , نا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْأَصَمُّ , نا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ , نا أَسَدُ بْنُ مُوسَى: وأنا الْقَاضِي أَبُو الْعَلَاءِ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الْوَاسِطِيُّ , أنا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ يَعْقُوبَ الْمُفِيدُ , نا مُوسَى بْنُ هَارُونَ , وأَبُو شُعَيْبٍ الْحَرَّانِيُّ , قَالَا: نا دَاوُدُ بْنُ عَمْرٍو الضَّبِّيُّ , قَالَا: نا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ , حَدَّثَنِي حُمَيْدُ بْنُ أَبِي سُوَيْدٍ , عَنْ عَطَاءٍ , عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ , قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: §«عَلِّمُوا وَلَا تُعَنِّفُوا , فَإِنَّ الْمُعَلِّمَ خَيْرٌ مِنَ الْمُعَنِّفِ» -[287]- لَفْظُهُمَا سَوَاءٌ

أَخْبَرَنِي الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ طَاهِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ طَاهِرٍ الطَّبَرِيُّ , أنا الْمُعَافَى بْنُ زَكَرِيَّا الْجُرَيْرِيُّ , نا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ , نا أَبُو الْعَبَّاسِ يَعْنِي: ثَعْلَبًا قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ الْأَعْرَابِيِّ , يَقُولُ: قَالَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ: §«كَانَ يُسْتَحَبُّ لِلْعَالِمِ إِذَا عَلَّمَ أَنْ لَا يُعَنِّفَ , وَإِذَا عُلِّمَ أَنْ لَا يَأْنَفَ»

وَإِذَا سَأَلَ الْفَقِيهَ سَائِلٌ عَنْ مَسْأَلَةٍ أُعْجُوبَةٍ , فَلَا يَنْبَغِي لِلْأَصْحَابِ أَنْ يَضْحَكُوا مِنْهُ أنا أَبُو الْفَرَجِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ شَهْرَيَارَ الْأَصْبَهَانِيُّ , أنا أَبُو الْقَاسِمِ سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ الطَّبَرَانِيُّ , نا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ الرَّاثِيُّ , بِبَغْدَادَ , نا سُرَيْجُ بْنُ يُونُسَ , نا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُجَالِدٍ , عَنْ مُجَالِدٍ , عَنِ الشَّعْبِيِّ , عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ , قَالَ: جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ , ثِيَابُنَا فِي الْجَنَّةِ نَنْسِجُهَا بِأَيْدِينَا؟ فَضَحِكَ الْقَوْمُ , فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: §«مِمَّ تَضْحَكُونَ؟ مِنْ جَاهِلٍ يَسْأَلُ عَالِمًا؟ لَا يَا أَعْرَابِيُّ , وَلَكِنَّهَا تَشَقَّقُ عَنْهَا ثِمَارُ الْجَنَّةِ» -[288]- وَيَنْبَغِي لِلْمُتَعَلِّمِينَ أَلَا يَرُدُّوا عَلَى مَنْ أَخْطَأَ بِحَضْرَةِ الْعَالِمِ , وَيَتْرُكُوا الْعَالِمَ حَتَّى يَكُونَ هُوَ الَّذِي يَرُدُّ عَلَيْهِ

أنا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْجَوْهَرِيُّ , أنا مُحَمَّدُ بْنُ عِمْرَانَ بْنِ مُوسَى الْمَرْزَبَانِيُّ , نا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْخَصِيبِيُّ , قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو عَلِيٍّ أَحْمَدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ , قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ صَالِحٍ الْمَعْرُوفُ بِالنَّطَّاحِ , وَهُوَ مِنْ مَوَالِي مُحَمَّدِ بْنِ سُلَيْمَانَ الْهَاشِمِيِّ، قَالَ: قَالَ عُبَيْدَةَ: §«لَا تَرُدَنَّ عَلَى أَحَدٍ خَطَأً فِي حَفْلٍ , فَإِنَّهُ يَسْتَفِيدُ وَيَتَّخِذُكَ عَدُوًّا»

وَأَمَّا إِذَا أَخْطَأَ الْفَقِيهُ , وَتَبَيَّنَ لِصَاحِبِهِ الْآخِذِ عَنْهُ خَطَؤُهُ , فَإِنَّ الصَّاحِبَ يَتَلَطَّفُ فِي رَدِّهِ عَلَيْهِ أنا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ يَحْيَى بْنِ جَعْفَرٍ الْإِمَامُ بِأَصْبَهَانَ , نا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ أَيُّوبَ الطَّبَرَانِيُّ , نا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ , حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ , قَالَ: نا سُفْيَانُ , عَنْ سَلَمَةَ يَعْنِي ابْنَ كُهَيْلٍ , عَنْ ذَرٍّ , عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزَى , عَنْ أَبِيهِ , قَالَ: صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَرَكَ آيَةً , فَلَمَّا صَلَّى , قَالَ: «§أَفِي الْقَوْمِ -[289]- أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ؟» فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ , نُسِخَتْ آيَةُ كَذَا وَكَذَا , أَمْ نُسِّيتَهَا , قَالَ: «بَلْ نُسِّيتُهَا»

حَدَّثَنِي قَاضِي الْقُضَاةِ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الدَّامِغَانِيُّ , قَالَ: سَمِعْتُ الْقَاضِيَ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ الصَّيْمَرِيَّ , يَقُولُ: §" دَرَسَنَا يَوْمًا أَبُو بَكْرٍ الْخُوَارِزْمِيُّ , فَحَكَى فِي تَدْرِيسِهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ , شَيْئًا , وَهِمَ فِي حِكَايَتِهِ , وَكَانَ مُحَمَّدٌ قَدْ نَصَّ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ عَلَى خِلَافِهِ , فَلَمَّا انْقَضَى تَدْرِيسُهُ , تَرَكْتُ الْإِعَادَةَ عَلَى الْأَصْحَابِ , وَمَضَيْتُ إِلَى أَبِي بَكْرٍ وَقَدْ دَخَلَ مَنْزِلَهُ وَمَعِي كِتَابُ الْجَامِعِ لِمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ , وَاسْتَأْذَنْتُ عَلَى أَبِي بَكْرٍ , فَأَذِنَ لِي فِي الدُّخُولِ , فَدَخَلْتُ , وَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ , ثُمَّ قُلْتُ لَهُ: هَاهُنَا بَابٌ فِيهِ شَيْءٌ قَدْ أَشْكَلَ عَلَيَّ , وَأَحْتَاجُ إِلَى قِرَاءَتِهِ عَلَى الشَّيْخِ , فَقَالَ: افْعَلْ , فَقَرَأْتُ مِنْ قَبْلِ الْمَوْضِعِ الَّذِي قَصَدْتُ لِأَجْلِهِ إِلَى أَنِ انْتَهَيْتُ إِلَيْهِ , وَجَاوَزْتُهُ , فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: قَدْ كُنَّا حَكَيْنَا فِي الدَّرْسِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ شَيْئًا , وَالنَّصُّ هَاهُنَا عَنْهُ بِخِلَافِهِ وَهُوَ كَذَا , فَعَرَفَ الْأَصْحَابُ ذَلِكَ حَتَّى يَذْكُرُوهُ وَيُعَلِّقُوهُ عَلَى الصَّوَابِ أَوْ كَمَا قَالَ "

تنبيه الفقيه على مراتب أصحابه

§تَنْبِيهُ الْفَقِيهِ عَلَى مَرَاتِبِ أَصْحَابِهِ

يُسْتَحَبُّ لِلْفَقِيهِ أَنْ يُنَبِّهَ عَلَى مَرَاتِبِ أَصْحَابِهِ فِي الْعِلْمِ , وَيَذْكُرَ فَضْلَهُمْ , وَيُبَيِّنَ مَقَادِيرَهُمْ , لِيَفْرُغَ النَّاسُ فِي النَّوَازِلِ بَعْدَهُ إِلَيْهِمْ , وَيَأْخُذُوا عَنْهُمْ أنا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ التَّمِيمِيُّ , أنا أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ حَمْدَانَ , نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ , حَدَّثَنِي أَبِي , نا وَكِيعٌ , عَنْ سُفْيَانَ , عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ , عَنْ مَوْلًى لِرِبْعِيٍّ , عَنْ رِبْعِيٍّ , عَنْ حُذَيْفَةَ , قَالَ: كُنَّا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَقَالَ: §«إِنِّي لَا أَدْرِي قَدْرَ بَقَائِي فِيكُمْ , فَاقْتُدُوا بِاللَّذَيْنِ مِنْ بَعْدِي وَأَشَارَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَتَمَسَّكُوا بِعَهْدِ عَمَّارٍ , وَمَا حَدَّثَكُمُ ابْنُ مَسْعُودٍ فَصَدِّقُوهُ»

أنا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحُسَيْنُ بْنُ عُمَرَ بْنِ بُرْهَانَ الْغَزَّالُ , نا أَبُو عَمْرٍو عُثْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الدَّقَّاقُ , قَالَ: نا الْحَسَنُ بْنُ -[291]- سَلَّامٍ السَّوَّاقُ , نا قَبِيصَةُ بْنُ عُقْبَةَ , نا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ , عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ , وعَاصِمٍ , عَنْ أَبِي قِلَابَةَ , عَنْ أَنَسٍ , قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: §«أَرْحَمُ أُمَّتِي أَبُو بَكْرٍ , وَأَشَدُّهَا فِي دِينِ اللَّهِ عُمَرُ , وَأَصْدَقُهَا حَيَاءً عُثْمَانُ , وَأَفْرَضُهُمْ زَيْدٌ , وَأَقْرَأُهُمْ أُبَيٌّ , وَأَعْلَمُهُمْ بِالْحَلَالِ وَالْحَرَامِ مُعَاذٌ , وَإِنَّ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَمِينًا , وَإِنَّ أَمِينَ هَذِهِ الْأُمَّةِ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ»

أنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَهْرَيَارَ , أنا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ الطَّبَرَانِيُّ , نا عَلِيُّ بْنُ جَعْفَرٍ الْمُلْحِمِيُّ الْأَصْبَهَانِيُّ , نا مُحَمَّدُ بْنُ الْوَلِيدِ الْعَبَّاسِيُّ , نا عُثْمَانُ بْنُ زُفَرٍ , نا مِنْدَلُ بْنُ عَلِيٍّ , عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ , عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ , عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيِّ , قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: §«أَرْحَمُ أُمَّتِي لِأُمَّتِي أَبُو بَكْرٍ , وَأَوْفَقُ أُمَّتِي لِأُمَّتِي عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ , وَأَصْدَقُ أُمَّتِي حَيَاءً عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ , وَأَقْضَى أُمَّتِي عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ , وَأَعْلَمُهَا بِالْحَلَالِ وَالْحَرَامَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ يَجِيءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَمَامَ الْعُلَمَاءِ بِرَبْوَةٍ , وَأَقْرَأُ أُمَّتِي أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ , وَأَفْرَضُهَا زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ , وَقَدْ أُوتِيَ عُوَيْمِرٌ عِبَادَةً يَعْنِي - أَبَا الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ»

أنا الْقَاضِي أَبُو عُمَرَ الْقَاسِمُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ عَبْدِ الْوَاحِدِ الْهَاشِمِيُّ , نا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْبَخْتَرِيُّ الْمَادَرَائِيُّ , نا أَحْمَدُ بْنُ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ , نا الشَّافِعِيُّ وَهُوَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْعَبَّاسِ , نا سُفْيَانُ , عَنِ الْأَعْمَشِ , عَنْ إِبْرَاهِيمَ , قَالَ: قَالَ عُمَرُ: §«نِعْمَ تُرْجُمَانُ الْقُرْآنِ ابْنُ عَبَّاسٍ»

أنا أَبُو الْحُسَيْنِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ حَمَّادٍ الْوَاعِظُ , نا أَبُو بَكْرٍ يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ الْبُهْلُولِ الْأَنْبَارِيُّ , إِمْلَاءً , نا الْحَسَنُ بْنُ عَرَفَةَ , نا يَحْيَى بْنُ الْيَمَانِ , عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ , عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ , قَالَ: قَالَ عُمَرُ لِابْنِ عَبَّاسِ: §«لَقَدْ عَلِمْتَ عِلْمًا مَا عَلِمْنَاهُ»

وَإِذَا بَانَ لِلْفَقِيهِ نَفَاذُ أَحَدِ أَصْحَابِهِ فِي الْعِلْمِ وَحُسْنُ بَصِيرَتِهِ بِالْفِقْهِ , جَازَ لَهُ تَخْصِيصُهُ دُونَهُمْ وَأَثَرَتُهُ عَلَيْهِمْ أنا الْقَاضِي أَبُو عُمَرَ الْهَاشِمِيُّ , نا عَلِيُّ بْنُ إِسْحَاقَ الْمَادَرَائِيُّ , نا ابْنُ الْجُنَيْدِ , نا الْعَلَاءُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ , نا عَبْدُ الْوَاحِدِ , نا عُمَارَةُ بْنُ الْقَعْقَاعِ , قَالَ: حَدَّثَنِي الْحَارِثُ الْعُكْلِيُّ , عَنْ أَبِي زُرْعَةَ -[293]- بْنِ عَمْرِو بْنِ جَرِيرٍ , عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُجَيٍّ , قَالَ: قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ: §«كَانَ لِي سَاعَةٌ مِنَ السَّحَرِ آتِي فِيهَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَإِذَا لَمْ يَكُنْ فِي صَلَاةٍ أَذِنَ لِي , وَإِذَا كَانَ فِي صَلَاةٍ سَبَّحَ , فَكَانَ ذَلِكَ لَهُ إِذْنُهُ»

أنا أَبُو بَكْرٍ الْبُرْقَانِيُّ , قَالَ: قُرِئَ عَلَى عُمَرَ بْنِ نُوحٍ الْبَجَلِيُّ , وأنا أَسْمَعُ , أَخْبَرَكُمْ أَبُو خَلِيفَةَ هُوَ الْفَضْلُ بْنُ الْحُبَابِ , نا ابْنُ كَثِيرٍ , أنا شُعْبَةُ , عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ , عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ , قَالَ: كُنْتُ قَاعِدًا مَعَ أَبِي مُوسَى وَأَبِي مَسْعُودٍ فَذَكَرَا عَبْدَ اللَّهِ , فَقَالَ أَحَدُهُمَا: «§مَا نَرَاهُ تَرَكَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ» , قَالَ: «إِنْ قُلْتَ ذَاكَ، لَقَدْ كَانَ يَدْخُلُ إِذَا حُجِبْنَا , وَيَشْهَدُ إِذَا غِبْنَا»

أَخْبَرَنِي أَبُو حَازِمٍ: عُمَرُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْعَبْدَوِيُّ الْحَافِظُ بنَيْسَابُورَ , أنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ السَّلِيطِيُّ , نا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ وَيُعْرَفُ بِالتُّرْكِ , نا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ , أنا عِيسَى بْنُ يُونُسَ , قَالَ: نا الْأَعْمَشُ , عَنْ -[294]- شَقِيقٍ , عَنْ عَبْدِ اللَّهِ , قَالَ: §«إِنِّي لَأَعْرِفُ النَّظَائِرَ الَّتِي كَانَ يَقْرَأُ بِهِنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , اثْنَتَيْنِ فِي رَكْعَةٍ , عِشْرِينَ سُورَةً فِي عَشْرِ رَكَعَاتٍ» , ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِ عَلْقَمَةَ فَدَخَلَ , فَخَرَجَ إِلَيْنَا عَلْقَمَةُ فَسَأَلْنَاهُ , فَأَخْبَرَنَا بِهِنَّ

فَإِذَا بَلَغَ الْمُتَعَلِّمُ هَذِهِ الْمَنْزِلَةَ مِنَ الْفَقِيهِ فَلْيَغْتَنِمْ أَوْقَاتَهُ , وَلْيَحْرِصْ عَلَى الِاسْتِفَادَةِ مِنْهُ , وَخَاصَّةً فِي حَالِ فَرَاغِهِ , وَأَوْقَاتِ خَلَوَاتِهِ مَعَهُ. أنا أَبُو الْقَاسِمِ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عُثْمَانَ الصَّيْرَفِيُّ , أنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ شَاذَانَ الْبَزَّازُ , أنا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُغَلِّسِ , نا سَعِيدُ بْنُ يَحْيَى الْأُمَوِيُّ , حَدَّثَنِي عَمِّي عَبْدُ اللَّهِ , نا زِيَادٌ هُوَ ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْبَكَّائِيُّ , نا رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ , عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ , عَنْ أَبِي أُمَامَةَ , عَنْ عَمْرِو بْنِ عَبَسَةَ السُّلَمِيِّ , قَالَ: رَغِبْتُ عَنْ دِينِ , قَوْمِي فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَذَكَرَ قِصَّةَ إِسْلَامِهِ إِلَى أَنْ قَالَ: فَمَكَثْتُ فِي أَهْلِي حَتَّى بَلَغَنِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَتَى الْمَدِينَةَ , وَظَهَرَ بِهَا , فَأَتَيْتُهُ , فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ , هَلْ تَعْرِفُنِي؟ قَالَ: «نَعَمْ , §أَنْتَ السُّلَمِيُّ الَّذِي أَتَانِي بِمَكَّةَ» , فَسَأَلَنِي عَنْ كَذَا كَذَا , فَقُلْتُ لَهُ: كَذَا وَكَذَا , فَاغْتَنَمْتُ ذَلِكَ الْمَجْلِسَ , وَعَرَفْتُ أَنَّهُ لَا يَكُونُ الدَّهْرُ أَفْرَغَ قَلْبًا مِنْهُ فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ , فَقُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، عَلِّمْنِي مِمَّا عَلِمْتَ وَجَهِلْتُ -[295]-، وَمَا يَنْفَعُنِي وَلَا يَضُرُّكَ "

أنا ابْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ , أنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دَرَسْتُوَيْهِ , نا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ , قَالَ: حَدَّثَنِي زَيْدُ بْنُ بِشْرٍ , وَعَبْدُ الْعَزِيزِ يَعْنِي: ابْنَ عِمْرَانَ ويُونُسَ هُوَ ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالُوا: أنا ابْنُ وَهْبٍ , أَخْبَرَنِي يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ , قَالَ: قَالَ هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ: كَانَ أَبِي يَدْعُونِي وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُرْوَةَ وَعُثْمَانُ وَإِسْمَاعِيلُ إِخْوَتِي وَآخَرُ قَدْ سَمَّاهُ هِشَامٌ فَيَقُولُ: §" لَا تَغْشُونِي مَعَ النَّاسِ , إِذَا خَلَوْتُ فَسَلُونِي فَكَانَ يُحَدِّثُنَا , يَأْخُذُ فِي الطَّلَاقِ , ثُمَّ الْخُلْعِ , ثُمَّ الْحَجِّ , ثُمَّ الْهَدْيِ , ثُمَّ كَذَا , ثُمَّ يَقُولُ: كُرُوا عَلَيْهِ , فَكَانَ يُعْجَبُ مِنْ حِفْظِي " , قَالَ هِشَامٌ: «فَوَاللَّهِ , مَا تَعَلَّمْنَا جُزْءًا مِنْ أَلْفِ جُزْءٍ مِنْ أَحَادِيثِهِ»

وَيَنْبَغِي أَنْ يُلَاطِفَ الْفَقِيهَ إِذَا سَأَلَهُ وَيُحْسِنَ خِطَابَهُ , وَإِنْ فَدَاهُ بِأَبَوَيْهِ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ أنا ابْنُ الْفَضْلِ , أنا أَبُو بَكْرٍ: أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ ثَابِتٍ الصَّيْرَفِيُّ , نا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْكَرَابِيسِيُّ , نا عَمْرُو بْنُ مَرْزُوقٍ , نا زَائِدَةُ , عَنِ الْأَعْمَشِ , عَنِ الْمَعْرُورِ بْنِ سُوَيْدٍ , عَنْ أَبِي ذَرٍّ , قَالَ -[296]-: انْتَهَيْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ فِي ظِلِّ الْكَعْبَةِ , وَهُوَ يَقُولُ: «هُمُ الْأَخْسَرُونَ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ» , قَالَ: فَجَلَسْتُ وَأَنَا مَهْمُومٌ , قَالَ: فَقُلْتُ لَعَلَّهُ نَزَلَ فِي شَيْءٍ , قَالَ: ثُمَّ لَمْ يَصْبِرْ , قَالَ: فَقُلْتُ مَنْ أُولَئِكَ فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي؟ قَالَ: " §هُمُ الْأَكْثَرُونَ أَمْوَالًا إِلَّا مَنْ قَالَ: هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا , عَنْ يَمِينِهِ وَشِمَالِهِ وَبَيْنَ يَدَيْهِ وَوَرَاءَهُ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ "

وَلْيَتَحَيَّنْ أَنْ يَسْأَلَهُ عِنْدَ طِيبِ نَفْسِهِ أنا الْقَاضِي أَبُو عُمَرَ الْهَاشِمِيُّ , نا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ حَمَّادٍ الْأَثْرَمُ , نا الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ التَّرْقُفِيُّ , نا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ , نا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشِ , عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو , عَنْ أَبِي سَلَمَةَ , عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ , قَالَ: §" وَجَدْتُ أَكْثَرَ حَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ هَذَا الْحَيِّ مِنَ الْأَنْصَارِ , فَإِنْ كُنْتُ لَآتِي أَحَدَهُمْ , فَيُقَالُ لِي: هُوَ نَائِمٌ , فَلَوْ شِئْتُ أَنْ يُوقَظَ لِي , فَأَدَعَهُ حَتَّى يَخْرُجَ لِيَسْتَطِيبَ بِذَلِكَ حَدِيثُهُ "

وَلْيَتَّقِ سُؤَالَهُ عِنْدَ الْغَضَبِ , فَقَدْ: أنا أَبُو بَكْرٍ الْبُرْقَانِيُّ , نا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ لَفْظًا , قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو يَعْلَى هُوَ أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْمُثَنَّى , نا أَبُو كُرَيْبٍ , قَالَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ , وأَخْبَرَنِي الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ , نا أَبُو عَامِرِ بْنُ بَرَّادٍ , قَالَ: وأنا الْقَاسِمُ بْنُ زَكَرِيَّا , نا أَبُو كُرَيْبٍ , ويُوسُفُ , وَالْمَسْرُوقِيُّ , قَالُوا: أنا أَبُو أُسَامَةَ , وَاللَّفْظُ لِأَبِي يَعْلَى , عَنْ بُرَيْدٍ , عَنْ أَبِي بُرْدَةَ , عَنْ أَبِي مُوسَى , قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَشْيَاءَ كَرِهَهَا , فَلَمَّا أَكْثَرَ عَلَيْهِ غَضِبَ , ثُمَّ قَالَ لِلنَّاسِ: «§سَلُونِي عَمَّا شِئْتُمْ» , فَقَالَ رَجُلٌ: مَنْ أَبِي؟ , قَالَ: أَبُوكَ حُذَافَةُ , فَقَامَ آخَرُ فَقَالَ: مَنْ أَبِي يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَقَالَ: «أَبُوكَ سَالِمٌ مَوْلَى شَيْبَةَ» , فَلَمَّا رَأَى عُمَرُ مَا فِي وَجْهِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْغَضَبِ , قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ , إِنَّا نَتُوبُ إِلَى اللَّهِ

وَكَذَلِكَ لَا يَسْأَلُهُ حِينَ يَشْتَدَّ فَرَحُهُ , لِأَنَّهُ فِي تِلْكَ الْحَالِ يَتَغَيَّرُ فَهْمُهُ أنا أَبُو نُعَيْمٍ الْحَافِظُ , نا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ حَيَّانَ , وأَبُوبَكْرِ بْنُ الْمُقْرِئُ , قَالَا: نا أَبُو يَعْلَى هُوَ الْمَوْصِلِيُّ , نا أَبُو خَيْثَمَةَ , نا عُمَرُ بْنُ يُونُسَ , قَالَ: أَخْبَرَنِي عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ , قَالَ: أَخْبَرَنِي إِسْحَاقُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ , قَالَ: حَدَّثَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ , قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -[298]-: §" لَلَّهُ أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ حِينَ يَتُوبُ إِلَيْهِ مِنْ أَحَدِكُمْ كَانَ عَلَى رَاحِلَتِهِ بِأَرْضٍ فَلَاةٍ فَانْفَلَتَتْ مِنْهُ , وَعَلَيْهَا طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ فَأَيِسَ مِنْهَا , وَأَتَى شَجَرَةً فَاضْطَجَعَ فِي ظِلِّهَا قَدْ أَيِسَ مِنْ رَاحِلَتِهِ , فَبَيْنَا هُوَ كَذَلِكَ , إِذَا هُوَ بِهَا قَائِمَةٌ عِنْدَهُ , فَأَخَذَ بِخِطَامِهَا , ثُمَّ قَالَ مِنْ شِدَّةٍ الْفَرَحِ: اللَّهُمَّ أَنْتَ عَبْدِي , وَأَنَا رَبُّكَ , أَخْطَأَ مِنْ شِدَّةِ الْفَرَحِ " وَهَكَذَا إِذَا رَآهُ يُحَدِّثُ نَفْسَهُ بِشَيْءٍ , أَوْ كَانَ مَشْغُولَ الْقَلْبِ , فَلْيَصْدِفْ عَنْ سُؤَالِهِ فِي تِلْكِ الْحَالِ

أنا أَبُو الْقَاسِمِ: عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى السُّلَمِيُّ بِدِمَشْقَ , أنا أَبُو الْحُسَيْنِ: عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ الْوَلِيدِ الْكِلَابِيُّ , أنا أَبُو الْحَسَنِ أَحْمَدُ بْنُ عُمَيْرِ بْنِ يُوسُفَ بْنِ جُوصَا , نا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى , أنا ابْنُ وَهْبٍ , أَنَّ مَالِكًا , أَخْبَرَهُ. قَالَ ابْنُ جُوصَا: ونا عِيسَى بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَثْرُودٍ , أنا ابْنُ الْقَاسِمِ , قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ , عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ , عَنْ أَبِيهِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَسِيرُ فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ , وَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَسِيرُ مَعَهُ لَيْلًا فَسَأَلَهُ عُمَرُ عَنْ شَيْءٍ , فَلَمْ يُجِبْهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , ثُمَّ سَأَلَهُ فَلَمْ يُجِبْهُ , ثُمَّ سَأَلَهُ فَلَمْ يُجِبْهُ , فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ عُمَرُ نَزَرْتَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ كُلُّ ذَلِكَ لَا يُجِيبُكَ , فَقَالَ -[299]- عُمَرُ: فَحَرَّكْتُ بَعِيرِي حَتَّى تَقَدَّمْتُ أَمَامَ النَّاسِ , فَمَا نَشِبْتُ أَنْ سَمِعْتُ صَارِخًا يَصْرُخُ , فَقُلْتُ: لَقَدْ خَشِيتُ أَنْ يَنْزِلَ فِيَّ قُرْآنٌ , فَجِئْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ , فَقَالَ: §" لَقَدْ نَزَلَتْ عَلَيَّ اللَّيْلَةَ سُورَةٌ لَهِيَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ , ثُمَّ قَرَأَ: إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا "

وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَمْنَعَهُ الْحَيَاءُ مِنَ السُّؤَالِ عَنْ أَمْرٍ نَزَلَ بِهِ , فَإِنْ غَلَبَ عَلَيْهِ الْحَيَاءُ , وَاحْتَشَمَ مِنْ سُؤَالِ الْفَقِيهِ , أَلْقَى مَسْأَلَتَهُ إِلَى مَنْ يَأْنَسُ بِهِ وَيَنْبَسِطُ عَلَيْهِ لِيَسْأَلَ الْفَقِيهَ عَنْهَا وَيُخْبِرَهُ بِحُكْمِهَا أنا أَبُو الصَّهْبَاءِ وَلَّادُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ سَهْلٍ الْكُوفِيُّ , أنا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ دُحَيْمٍ الشَّيْبَانِيُّ , نا أَحْمَدُ بْنُ حَازِمٍ , أنا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ صَالِحٍ , قَالَ: حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ , عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ , عَنْ عُرْوَةَ: أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ , قَالَ لِلْمِقْدَادِ صَاحِبِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اسْتَفْتِ لِي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَلَوْلَا أَنَّ ابْنَتَهَ عِنْدِي لَاسْتَفْتَيْتُهُ فِي الرَّجُلِ إِذَا دَنَا مِنَ الْمَرْأَةِ , وَلَمْ يَمَسَّهَا فَأَمْذَى , وَلَمْ يَمْلِكْ ذَاكَ؟ فَسَأَلَهُ الْمِقْدَادُ , فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: §«إِذَا دَنَا أَحَدُكُمْ مِنَ امْرَأَتِهِ وَلَمْ يَمَسَّهَا وَلَمْ يَمْلِكْ ذَاكَ , فَلْيَغْسِلْ ذَكَرَهُ وَأُنْثَيَيْهِ , ثُمَّ لِيَتَوَضَّأْ وَلْيُصَلِّ»

وَالْأَوْلَى: أَنْ يَكُونَ هُوَ السَّائِلُ لِلْفَقِيهِ عَنِ الْأُمُورِ الَّتِي تُصْلِحُ دِينَهُ , فَقَدْ: أَخْبَرَنِي عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ الرَّزَّازُ , نا عُثْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الدَّقَّاقُ , نا أَبُو قِلَابَةَ هُوَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مُحَمَّدٍ الرَّقَاشِيُّ , نا أَبُو عَاصِمٍ , نا سُفْيَانُ , وأنا أَبُو مَنْصُورٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُثْمَانَ السَّوَّاقُ , أنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ حَمْدَانَ الْقَطِيعِيُّ , نا أَبُو مُسْلِمٍ إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْبَصْرِيُّ , نا أَبُو عَاصِمٍ , عَنْ سُفْيَانَ , عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ النَّصْرِيِّ , وَقَالَ السَّوَّاقُ: عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ , رَجُلٍ مِنْ بَنِي نَصْرٍ , عَنِ ابْنِ عُمَرَ , قَالَ: مَنْ «§رَقَّ وَجْهُهُ رَقَّ عَلْمُهُ»

وأنا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ السُّكَّرِيُّ , أنا أَبُو عَلِيٍّ إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ , نا عَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ التَّرْقُفِيُّ , نا سَلْمُ الْخَوَّاصُ , أَخْبَرَنِي ابْنُ عُيَيْنَةَ , عَنْ مُجَاهِدٍ , قَالَ: §«لَا يَتَعَلَّمُ الْعِلْمَ جَبَّارٌ وَلَا مُسْتَكْبِرٌ وَلَا مُسْتَحْيٍ»

وأنا طَلْحَةُ بْنُ عَلِيٍّ الْكَتَّانِيُّ , نا أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ بْنِ خَلَّادٍ , نا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ التِّرْمِذِيُّ , نا عِيسَى بْنُ أَحْمَدَ الْعَسْقَلَانِيُّ , نا ابْنُ وَهْبٍ , عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ , عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ , عَنْ مُجَاهِدٍ , قَالَ: §«لَا يَتَعَلَّمُ مُسْتَحْيٍ وَلَا مُتَكَبِّرٌ»

أنا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ رِزْقَوَيْهِ , أنا أَبُو سَهْلٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زِيَادٍ الْقَطَّانُ , نا مُحَمَّدُ بْنُ غَالِبِ بْنِ حَرْبٍ , نا أَبُو حُذَيْفَةَ , نا سُفْيَانُ , عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ , عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ , قَالَ: جَاءَ أَبُو مُوسَى إِلَى عَائِشَةَ فَقَالَ: إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَسْأَلَكَ , وَأَنَا أَسْتَحِي , قَالَتْ: لَا تَسْتَحِي فَإِنَّمَا أَنَا أُمُّكَ , قَالَ: الرَّجُلُ يُجَامِعُ فَلَا يُنْزِلُ؟ قَالَتْ: عَلَى الْخَبِيرِ سَقَطْتَ , سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , يَقُولُ: §«إِذَا قَعَدَ بَيْنَ شُعَبِهَا الْأَرْبَعِ , ثُمَّ أَلْزَقَ الْخِتَانَ بِالْخِتَانِ , فَقَدْ وَجَبَ الْغُسْلُ»

أنا أَبُو بَكْرٍ الْبُرْقَانِيُّ , قَالَ: قُرِئَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ أَحْمَدَ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ حَمْدَانَ بْنَ مَالِكٍ وَأَنَا أَسْمَعُ , وأنا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ التَّمِيمِيُّ , أنا أَبُو بَكْرِ بْنُ مَالِكٍ , نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ , حَدَّثَنِي أَبِي , نا إِسْمَاعِيلُ , أنا ابْنُ عَوْنٍ , عَنْ إِبْرَاهِيمَ , عَنِ الْأَسْوَدِ , ومَسْرُوقٍ , قَالَا: أَتَيْنَا عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا لِنَسْأَلَهَا عَنِ الْمُبَاشَرَةِ لِلصَّائِمِ , فَاسْتَحْيَيْنَا , فَقُمْنَا قَبْلَ أَنْ نَسْأَلَهَا فَمَشَيْنَا لَا أَدْرِي كَمْ , ثُمَّ قُلْنَا: جِئْنَا لِنَسْأَلَهَا عَنْ حَاجَةٍ , ثُمَّ نَرْجِعُ قَبْلَ أَنْ نَسْأَلَهَا , فَقُلْنَا: يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ: إِنَّا جِئْنَا لِنَسْأَلَكِ عَنْ شَيْءٍ , فَاسْتَحْيَيْنَا فَقُمْنَا , فَقَالَتْ: مَا هُوَ؟ سَلَا عَمَّا بَدَا لَكُمَا , قُلْنَا: أَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُبَاشِرُ وَهُوَ صَائِمٌ؟ قَالَتْ: §«قَدْ كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ , وَلَكِنَّهُ كَانَ أَمْلَكَ لِإِرَبِهِ مِنْكُمْ»

أنا أَبُو الْحُسَيْنِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ مُحَمَّدٍ , أنا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ عَتَّابٍ الْعَبْدِيُّ , نا يَحْيَى بْنُ أَبِي طَالِبٍ , أنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَلْقَمَةَ الْمَرْوَزِيُّ , نا أَبُو عِصْمَةَ , عَنْ مَنْصُورٍ , قَالَ: قَالَ لِي إِبْرَاهِيمُ: «يَا مَنْصُورُ، §سَلْ سُؤَالَ الْحَمْقَى , وَاحْفَظْ حِفْظَ الْأَكْيَاسِ»

أنا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ الرَّزَّازُ , نا الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ الْجِعَابِيِّ , قَالَ: حَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ مُصْعَبٍ , قَالَ: نا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ وَلِيدٍ , قَالَ: نا مُحَاضِرٌ , قَالَ: سَمِعْتُ الْأَعْمَشَ , يَقُولُ: §«سَلْ سُؤَالَ الْأَحْمَقِ , وَاحْفَظْ حِفْظَ الْأَكْيَاسِ»

أنا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَضْلِ , وَالْحَسَنُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ , قَالَا: أنا أَبُو سَهْلٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زِيَادٍ الْقَطَّانُ , نا أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ يَحْيَى , نا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ , قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ مَعْنٍ الْغِفَارِيُّ , قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ الْعَزِيزِ بْنَ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ , يَقُولُ: §«مَا مِنْ شَيْءٍ إِلَّا وَقَدْ عَلِمْتُ مِنْهُ إِلَّا أَشْيَاءَ صِغَارًا , كُنْتُ أَسْتَحِي أَنْ يَرَى مِثْلِي يَسْأَلُ عَنْ مِثْلِهَا , فَبَقِيَ جَهَالَتُهَا فِيَّ إِلَى السَّاعَةِ»

وَيَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ مُسَاءَلَتُهُ عَمَّا يَكْثُرُ نَفْعُهُ وَيُقِلُّ الْمُسَاءَلَةَ عَنِ الْعُضَلِ وَالْأُغْلُوطَاتِ , فَقَدْ: أَخْبَرَنِي عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ الرَّزَّازُ , أنا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الشَّافِعِيُّ , قَالَ: نا مُوسَى بْنُ سَهْلٍ الْوَشَّاءُ , قَالَ: نا إِسْمَاعِيلُ ابْنُ عُلَيَّةَ , قَالَ: نا خَالِدٌ الْحَذَّاءُ , عَنِ ابْنِ أَشْوَعَ , عَنِ الشَّعْبِيِّ , عَنْ ورَّادٍ , قَالَ -[304]-: كَتَبَ مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ إِلَى الْمُغِيرَةِ: اكْتُبْ إِلَيَّ بِشَيْءٍ سَمِعْتَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَكَتَبَ إِلَيْهِ: أَنَّهُ كَانَ §«يَنْهَى عَنْ قِيلَ وَقَالَ , وَكَثْرَةِ السُّؤَالِ , وَإِضَاعَةِ الْمَالِ»

أنا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَبِيبٍ الْفَقِيهُ الْبَصْرِيُّ , نا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: مُحَمَّدُ بْنُ الْمُعَلَّى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَزْدِيُّ بِالْبَصْرَةِ , أنا أَبُو جُزْءٍ مُحَمَّدُ بْنُ حَمْدَانَ الْقُشَيْرِيُّ , حَدَّثَنَا أَبُو الْعَيْنَاءِ , نا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَّامٍ , قَالَ: قَالَ رَجُلٌ لِإِيَاسِ بْنِ مُعَاوِيَةَ: أَتَأْذَنُ فِي مَسْأَلَةٍ؟ قَالَ: §«وَاللَّهِ , مَا اسْتَرَبْتُ بِكَ حَتَّى اسْتَأْذَنْتَنِي , فَإِنْ كُنْتَ لَا تُؤْذِي جَلِيسَكَ وَلَا تَفْضَحُ عَالِمَكَ فَهَاتِهَا»

وَإِذَا أَجَابَهُ الْفَقِيهُ عَنْ مَسْأَلَةٍ جَازَ أَنْ يَسْتَفْهِمَهُ عَنْ جَوَابِهِ , أَقَالَهُ عَنْ أَثَرٍ , أَوْ عَنْ رَأْيٍ أنا الْقَاضِي أَبُو عُمَرَ الْقَاسِمُ بْنُ جَعْفَرٍ الْهَاشِمِيُّ , نا عَلِيُّ بْنُ إِسْحَاقَ الْمَادَرَائِيُّ , نا أَبُو الْأَصْبَغَ الْقُرْقُسَانِيُّ , نا عَوْنُ بْنُ سَلَّامٍ الْكُوفِيُّ , نا أَبُو بَكْرٍ النَّهْشَلِيُّ , عَنِ الْأَعْمَشِ , عَنْ شَقِيقٍ , قَالَ: لَبَّى عَبْدُ اللَّهِ عَلَى الصَّفَا وَقَالَ: يَا لِسَانُ , قُلْ خَيْرًا تَغْنَمْ , أَوْ أَصْمُتْ تَسْلَمْ , مِنْ قَبْلِ أَنْ تَنْدَمَ , فَقِيلَ لَهُ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ , هَذَا شَيْءٌ أَنْتَ تَقُولُهُ , أَوْ شَيْءٌ سَمِعْتَهُ؟ قَالَ: لَا بَلْ شَيْءٌ سَمِعْتَهُ , سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: §«إِنَّ أَكْثَرَ خَطَايَا ابْنِ آدَمَ فِي لِسَانِهِ»

أنا الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ , نا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْأَصَمُّ , قَالَ: أنا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ , أنا -[312]- الشَّافِعِيُّ , أنا مُسْلِمٌ , عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ , عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ , عَنِ ابْنِ أَبِي عَمَّارٍ , قَالَ: سَأَلْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ , عَنِ الضَّبُعِ , أَصَيْدٌ هِيَ؟ فَقَالَ: «§نَعَمْ» , فَقُلْتُ: أَتُؤْكَلُ؟ فَقَالَ: «نَعَمْ» , فَقُلْتُ: سَمِعْتَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: «نَعَمْ»

أنا عُثْمَانُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ الْعَلَّافُ , أنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الشَّافِعِيُّ , ثنا أَبُو إِسْمَاعِيلَ التِّرْمِذِيُّ , نا ابْنُ بُكَيْرٍ , نا اللَّيْثُ , قَالَ: قَالَ رَبِيعَةُ لِابْنِ شِهَابٍ: «يَا أَبَا بَكْرٍ , §إِذَا حَدَّثْتَ النَّاسَ بِرَأْيِكَ فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّهُ رَأْيُكَ , وَإِذَا حَدَّثْتَ النَّاسَ بِشَيْءٍ مِنَ السُّنَّةِ فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّهُ سُنَّةٌ لَا يَظُنُّونَ أَنَّهُ رَأْيُكَ»

أنا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ , أَبَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ دَرَسْتُوَيْهِ , نا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ , نا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي زُكَيْرٍ , أنا ابْنُ وَهْبٍ , قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ , قَالَ: قَالَ رَبِيعَةُ لِابْنِ شِهَابِ -[313]-: §«إِذَا أَخْبَرْتَ النَّاسَ بِشَيْءٍ مِنْ رَأْيِكَ , فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّهُ مِنْ رَأْيِكَ»

وَيَحِقُّ عَلَى الْفَقِيهِ إِذَا فَعَلَ فِعْلًا مِنْ عِلَّةٍ أَنْ يُخْبِرَ بِهَا الْأَتْبَاعَ أَخْبَرَنِي أَبُو مُحَمَّدٍ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ بَشَّارٍ السَّابُورِيُّ , أنا أَبُو بَكْرٍ: مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ التَّمَّارُ , نا أَبُو دَاوُدَ سُلَيْمَانُ بْنُ الْأَشْعَثِ , نا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ , نا حَمَّادٌ , عَنْ أَبِي نَعَامَةَ السَّعْدِيِّ , عَنْ أَبِي نَضْرَةَ , عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ , قَالَ: بَيْنَمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي بِأَصْحَابِهِ إِذْ خَلَعَ نَعْلَيْهِ , فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ الْقَوْمُ أَلْقَوْا نِعَالَهُمْ , فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاتَهُ , قَالَ: «§مَا حَمَلَكُمْ عَلَى إِلْقَائِكُمْ نِعَالَكُمْ؟» , قَالُوا: رَأَيْنَاكَ أَلْقَيْتَ نَعْلَيْكَ فَأَلْقَيْنَا نِعَالَنَا , فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ جِبْرِيلَ أَتَانِي فَأَخْبَرَنِي أَنَّ فِيهِمَا قَذَرًا» أَوْ قَالَ: «أَذًى , فَإِذَا جَاءَ أَحَدُكُمُ الْمَسْجِدَ فَلْيَنْظُرْ , فَإِنْ رَأَى فِي نَعْلَيْهِ قَذَرًا , أَوْ أَذًى , فَلْيَمْسَحْهُ , وَلْيُصَلِّ فِيهِمَا»

أنا أَبُو بَكْرٍ الْبُرْقَانِيُّ , قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى أَبِي مُحَمَّدٍ -[314]- عَبْدِ اللَّهِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَاسِيٍّ , حَدَّثَكُمْ أَبُو مُسْلِمٍ الْكَجِّيُّ , نا أَبُو زَيْدٍ سَعِيدُ بْنُ أَوْسٍ الْأَنْصَارِيُّ , نا سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ , نا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ , قَالَ: عَطَسَ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلَانِ , فَشَمَّتَ أَوُ فَسَمَّتَ أَحَدَهُمَا , وَلَمْ يُشَمِّتِ الْآخَرَ أَوْ لَمْ يُسَمِّتِ الْآخَرَ , قَالَ: §«إِنَّ هَذَا حَمِدَ اللَّهَ , فَشَمَّتُّهُ وَهَذَا لَمْ يَحْمَدِ اللَّهَ , فَلَمْ أُشَمِّتْهُ»

أنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي الْفَتْحِ الْفَارِسِيُّ , وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي عَلِيٍّ الْبَصْرِيُّ , قَالَا: أنا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ لُؤْلُؤٍ الْوَرَّاقُ , أنا هَيْثَمُ بْنُ خَلَفٍ الدُّورِيُّ , نا إِسْحَاقُ بْنُ مُوسَى الْأَنْصَارِيُّ , نا مَعْنُ بْنُ عِيسَى , نا مَالِكٌ , عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ: أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عُمَرَ , وَصَلَّى رَجُلٌ إِلَى جَنْبِهِ , فَلَمَّا جَلَسَ الرَّجُلُ فِي أَرْبَعٍ تَرَبَّعَ وَثَنَى رِجْلَيْهِ , فَلَمَّا انْصَرَفَ عَبْدُ اللَّهِ عَابَ ذَلِكَ عَلَيْهِ , فَقَالَ الرَّجُلُ: إِنَّكَ تَفْعَلُ ذَلِكَ؟ فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: §«إِنِّي أَشْتَكِي»

أنا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي جَعْفَرٍ الْقَطِيعِيُّ , أنا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ الرَّزَّازُ , أنا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْفِرْيَابِيُّ , نا صَفْوَانُ بْنُ صَالِحٍ , نا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ , نا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ , عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ , قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبَّادٌ , قَالَ: صَلَّيْنَا عَلَى جِنَازَةٍ , فَكَبَّرَ عَلَيْهَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ , ثُمَّ قَرَأَ بِأُمِّ الْقُرْآنِ يَجْهَرُ , ثُمَّ قَالَ: §«إِنِّي لَمْ أَجْهَرْ إِلَّا لِتَعْلَمُوا»

وَإِذَا اسْتَفْهَمَ الْمُتَعَلِّمُ الْفَقِيهُ فَأَفْهَمَهُ , ثُمَّ عَادَ فَاسْتَفْهَمَهُ , جَازَ لِلْفَقِيهِ أَنْ يَزِيدَهُ أنا الْحَسَنُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ , أنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زِيَادٍ , نا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ الْقَاضِي , نا أَبُو مُصْعَبٍ , نا مَالِكٌ , عَنْ أَبِي الزِّنَادِ , عَنِ الْأَعْرَجِ , عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى رَجُلًا يَسُوقُ بَدَنَةً , فَقَالَ لَهُ: «§ارْكَبْهَا» قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهَا بَدَنَةٌ , قَالَ: «ارْكَبْهَا , وَيْلَكَ» فِي الثَّانِيَةِ أَوِ الثَّالِثَةِ -[316]- فَإِنْ رَاجَعَهُ بَعْدَ ذَلِكَ , فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ بِلِسَانِهِ

أنا الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ الْحِيرِيُّ , نا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْأَصَمُّ , ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ الْعُطَارِدِيُّ , نا أَبُو مُعَاوِيَةَ , عَنِ الْأَعْمَشِ , عَنْ أَبِي صَالِحٍ , قَالَ أَبُو مُعَاوِيَةَ: أُرَاهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ , قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَبِي الدَّرْدَاءِ: " اذْهَبْ فَنَادِ: §«مَنْ شَهِدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ , وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ , فَقَدْ وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ» , فَقَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ: وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ؟ قَالَ: «وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ» قَالَ: وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ؟ , قَالَ: «وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ» قَالَ: وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ؟ , قَالَ: «وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ , وَإِنْ رَغِمَ أَنْفُ أَبِي الدَّرْدَاءِ» -[317]- قُلْتُ: وَكَثْرَةُ الْمُرَاجَعَةِ تُغَيِّرُ الطِّبَاعَ , وَلِهَذَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِ لِأَبِي الدَّرْدَاءِ مَا قَالَهُ

وَالْمَحْفُوظُ مِنْ أَخْلَاقِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا: أنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَلِيٍّ الْأَزَجِيُّ , وَعَلِيُّ بْنُ الْمُحْسِنِ التَّنُوخِيُّ , قَالَا: أنا الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدٍ الدَّقَّاقُ الْعَسْكَرِيُّ , نا أَحْمَدُ بْنُ مَسْرُوقٍ الطُّوسِيُّ , نا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْبُرْجُلَانِيُّ , قَالَ: حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ , عَنْ حَمَّادٍ , عَنْ سَلْمٍ الْعَلَوِيِّ , عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ , قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلْمٍ §«لَا يُوَاجِهُ أَحَدًا فِي وَجْهِهِ بِشَيْءٍ يَكْرَهُهُ»

فَيُسْتَحَبُّ لِلْفَقِيهِ الرِّفْقُ , وَالْمُدَارَاةُ وَالِاحْتِمَالُ أنا أَبُو عُمَرَ: عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَهْدِيٍّ -[318]- الدِّيبَاجِيُّ , وأَبُو الْحَسَنِ: مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ رِزْقِ التَّانِي , وأَبُو الْحُسَيْنِ: مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ , وأَبُومُحَمَّدٍ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ السُّكَّرِيُّ , وأَبُو الْحَسَنِ: مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَخْلَدٍ الْبَزَّازُ , قَالُوا: أنا أَبُو عَلِيٍّ: إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ , نا الْحَسَنُ بْنُ عَرَفَةَ , نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ , عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَمْرٍو الْفُقَيْمِيِّ , عَنْ مُنْذِرٍ الثَّوْرِيِّ , عَنْ مُحَمَّدِ ابْنِ الْحَنَفِيَّةِ , قَالَ: §" لَيْسَ بِحَكِيمٍ مَنْ لَمْ يُعَاشِرْ بِالْمَعْرُوفِ مَنْ لَا يَجِدُ مِنْ مُعَاشَرِتِهِ بُدًّا , حَتَّى يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُ فَرْجًا , أَوْ قَالَ: مَخْرَجًا "

أنا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُعَدِّلِ , أنا دَعْلَجُ بْنُ أَحْمَدَ , نا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ رَاهَوَيْهِ , قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي غَيْرَ , مَرَّةٍ إِذَا رَدَّ عَلَيْهِ أَصْحَابُهُ , يَقُولُ: سَمِعْتُ النَّضْرَ بْنَ شُمَيْلٍ , يَقُولُ: قَالَ الْخَلِيلُ بْنُ أَحْمَدَ: «§تَسْأَلُنِي أُمُّ الْخِيَانِ جَمَلًا يَمْشِي رُوَيْدًا وَيَكُونُ أَوَّلًا» قَالَ: وَكَانَ كَثِيرًا مَا يَتَمَثَّلُ: « [البحر الرجز] يَشْكُو إِلَيَّ جَمَلِي طُولَ السُّرَى ... صَبْرًا جُمَيْلِي فَكِلَانَا مُبْتَلَى»

وَيَجِبُ عَلَى الْمُتَفَقِّهِ تَرْكُ الْمُرَاجَعَةِ , وَإِسْقَاطُ الْمُمَارَاةِ وَالصَّبْرُ عَلَى مَا يَرِدُ مِنَ الْفَقِيهِ , فَقَدْ: أنا أَبُو سَعِيدٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى الصَّيْرَفِيُّ , نا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْأَصَمُّ , نا الْعَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدٍ الدُّورِيُّ , نا عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ النُّعْمَانِ الْبَزَّازُ , نا حَمْزَةُ الزَّيَّاتُ , عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ , عَنِ ابْنِ جُبَيْرٍ , عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ , عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ , قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا دَعَا لِأَحَدٍ بَدَأَ بِنَفْسِهِ , فَذَكَرَ ذَاتَ يَوْمٍ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ , فَقَالَ: §" رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَى مُوسَى , لَوْ أَنَّهُ صَبَرَ لِصَاحِبِهِ لَرَأَى الْعَجَبَ الْعَاجِبَ , وَلَكِنَّهُ , قَالَ: {إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلَا تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْرًا} [الكهف: 76] "

أنا أَبُو الْقَاسِمِ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ عُثْمَانَ الْوَاعِظُ , قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي , نا نَصْرُ بْنُ الْقَاسِمِ , نا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ , نا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ , عَنْ يُونُسَ , عَنْ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ , قَالَ: §«لَا تُمَارِ عَالِمًا وَلَا جَاهِلًا , فَإِنَّكَ إِنْ مَارَيْتَ عَالِمًا خَزَنَ عَنْكَ , وَإِنْ مَارَيْتَ جَاهِلًا حَشَنَ بِصَدْرِكَ»

أنا أَبُو الْقَاسِمِ: رِضْوَانُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ الدِّينَوَرِيُّ , قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ الْحُسَيْنَ بْنَ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْعَنَزِيِّ , بِالرَّيِّ , يَقُولُ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بْنَ الْحُسَيْنِ الشُّرُوطِيُّ , يَقُولُ: سَمِعْتُ الرَّبِيعَ بْنَ سُلَيْمَانَ , يَقُولُ: أَلَحَّ عَلَى الشَّافِعِيِّ قَوْمٌ مِنْ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ فَآذَوْهُ , فَقَالَ: §" لَا تُكَلِّفُونِي أَنْ أَقُولَ لَكُمْ مَا قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ لِرَجُلٍ أَلَحَّ عَلَيْهِ: [البحر الرجز] إِنَّكَ إِنْ كَلَّفْتَنِي مَا لَمْ أُطِقْ ... سَاءَكَ مَا سَرَّكَ مِنِّي مِنْ خُلُقِ"

باب: القول فيمن تصدى لفتاوى العامة وما ينبغي أن يكون عليه من الأوصاف ويستعمله من الأخلاق والآداب

§بَابٌ: الْقَوْلُ فِيمَنْ تَصَدَّى لِفَتَاوَى الْعَامَّةِ وَمَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْأَوْصَافِ وَيَسْتَعْمِلَهُ مِنَ الْأَخْلَاقِ وَالْآدَابِ

أنا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنَ رِزْقَوَيْهِ , أنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ , نا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ هُوَ الرَّمَادِيُّ , نا عَبْدُ الرَّزَّاقِ , أنا مَعْمَرٌ , عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو , قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: §«إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يَنْزِعُ الْعِلْمَ مِنْ صُدُورِ النَّاسِ بَعْدَ أَنْ يُعَلِّمَهُمْ إِيَّاهُ وَلَكِنَّ ذَهَابَهُ قَبْضُ الْعُلَمَاءِ , فَيَتَّخِذُ النَّاسَ رُءُوسًا جُهَّالًا , فَيَسْأَلُونَ فَيَقُولُونَ بِغَيْرِ عِلْمٍ , فَيُضِلُّونَ وَيَضِلُّونَ»

أنا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: الْحُسَيْنُ بْنُ عُمَرَ بْنِ بُرْهَانَ الْغَزَّالُ , ثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْبَخْتَرِيُّ الرَّزَّازُ إِمْلَاءً , نا الْعَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدِ الدُّورِيُّ , نا يَعْلَى بْنُ عُبَيْدٍ , نا يَحْيَى بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ , وأَخْبَرَنِي أَبُو الْحُسَيْنِ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ السُّكَّرِيُّ , نا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَبَّاسِ الْخَزَّازُ , أنا جَعْفَرُ بْنُ أَحْمَدَ الْمُؤَذِّنُ , نا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ يَحْيَى بْنِ حَمَّادٍ , بِالْكُوفَةِ , نا ابْنُ فُضَيْلٍ , عَنْ يَحْيَى بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ , قَالَ -[322]-: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: §«يَخْرُجُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ رِجَالٌ» - وَقَالَ ابْنُ بُرْهَانَ: قَوْمٌ , ثُمَّ اتَّفَقَا -: «رُءُوسًا جُهَّالٌ يَفْتُونَ النَّاسَ فَيَضِلُّونَ وَيُضِلُّونَ»

نا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَلِيٍّ الْأَزَجِيُّ , لَفْظًا , قَالَ: نا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْمُفِيدُ , نا أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ , نا زَكَرِيَّا بْنُ يَحْيَى الْمَدَائِنِيُّ , نا سُلَيْمَانُ بْنُ سُفْيَانَ , نا ورْقَاءُ بْنُ عُمَرَ , عَنْ يَحْيَى بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ , عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: §«يَكُونُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ رُءُوسًا جُهَّالٌ يُفْتُونَ النَّاسَ بِرَأْيِهِمْ , فَيَضِلُّونَ وَيُضِلُّونَ»

أنا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ رِزْقٍ , ومُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَضْلِ , قَالَا: نا دَعْلَجُ بْنُ أَحْمَدَ , نا وَفِي حَدِيثِ ابْنِ الْفَضْلِ: أنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْأَبَّارُ , نا مُحَمَّدُ بْنُ خَالِدٍ الْوَاسِطِيُّ , نا أَبِي , عَنْ طَاوُسٍ , عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو , قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: §«أَوْشَكَ أَنْ يَظْهَرَ فِيكُمْ شَيَاطِينُ , كَانَ سُلَيْمَانُ أَوْثَقَهَا فِي الْبَحْرِ , يُصَلُّونَ فِي مَسَاجِدِكُمْ , وَيَقْرَءُونَ مَعَكُمُ الْقُرْآنَ , وَإِنَّهُمْ -[323]- لَشَيَاطِينُ فِي صُوَرِ الْإِنْسِ»

أنا الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ الْحِيرِيُّ , نا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْأَصَمُّ , نا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الصَّغَانِيُّ , أنا قَبِيصَةُ , نا سُفْيَانُ , عَنْ لَيْثٍ , عَنْ طَاوُسٍ , عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو , قَالَ: §«يُوشِكُ أَنْ تَظْهَرَ الشَّيَاطِينُ , مِمَّا أَوْثَقَ سُلَيْمَانُ يُفَقِّهُونَ النَّاسَ»

أنا ابْنُ رِزْقٍ , وَابْنُ الْفَضْلِ , قَالَا: أنا دَعْلَجُ , قَالَ: نا , وَفِي حَدِيثِ ابْنِ الْفَضْلِ , أنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْأَبَّارُ , أنا أَبُو شِهَابٍ الْبَاجَدَّائِيُّ , نا عَبْدُ الْمَجِيدِ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي رَوَّادٍ , نا عَبْدُ اللَّهِ قَالُونُ شَيْخٌ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ، عَنْ حَفْصٍ الطَّبِيبِ , قَالَ: §«رَأَيْتُ شَيْطَانًا أَعْرِفُهُ بِمَسْجِدِ الْخِيفِ بِمِنًى يُفْتِي النَّاسَ»

وقَالَ الْأَبَّارُ نا مُؤَمَّلُ بْنُ إِهَابٍ , قَالَ: §" رَأَيْتُ فِيَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ جَمَاعَةً , فِيهِمْ رَجُلٌ يُفْتِيهِمْ عَلَيْهِ عِبًا , وَهُوَ مُتَّزِرٌ بِعِبًا , إِذْ قَالَ لَهُ رَجُلٌ: قَلَّمْتُ ظُفُرِي؟ قَالَ: عَلَيْكَ كَبْشٌ , قَالَ لَهُ آخَرُ: نَتَفْتُ شَعْرَةً؟ قَالَ: عَلَيْكَ كَبْشٌ , وَأَشْيَاءَ مِثْلَ هَذَا فَزَاحَمْتُ حَتَّى دَخَلْتُ إِلَيْهِ فَقُلْتُ: وَيْحَكَ كَيْفَ -[324]- وَقَعْتَ عَلَى كَبْشٍ؟ كُلُّ مَنْ سَأَلَكَ , قُلْتَ: عَلَيْكَ كَبْشٌ قَالَ: فَلَيْسَ يَدْعُونِي حَتَّى أَخْرَجَ كَيْفَ أَصْنَعُ , قَالَ: فَأَخَذْتُ بِيَدِهِ فَأَخْرَجْتُهُ "

أنا ابْنُ الْفَضْلِ , أنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ , نا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ , قَالَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي زُكَيْرٍ , أنا ابْنُ وَهْبٍ , قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ , قَالَ: أَخْبَرَنِي رَجُلٌ , أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى رَبِيعَةَ , فَقَالَ: مَا يُبْكِيكَ وَارْتَاعَ لِبُكَائِهِ , فَقَالَ لَهُ: أَدَخَلَتْ عَلَيْكَ مُصِيبَةٌ؟ فَقَالَ: لَا , وَلَكِنِ §«اسْتُفْتِيَ مَنْ لَا عِلْمَ لَهُ , وَظَهَرَ فِي الْإِسْلَامِ أَمْرٌ عَظِيمٌ» قُلْتُ: يَنْبَغِي لِإِمَامِ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَتَصَفَّحَ أَحْوَالَ الْمُفْتِينَ , فَمَنْ كَانَ يَصْلُحُ لِلْفَتْوَى أَقَرَّهُ عَلَيْهَا , وَمَنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِهَا مَنَعَهُ مِنْهَا , وَتَقَدَّمَ إِلَيْهِ بِأَنْ لَا يَتَعَرَّضَ لَهَا وَأَوْعَدَهُ بِالْعُقُوبَةِ , إِنْ لَمْ يَنْتَهِ عَنْهَا وَقَدْ كَانَ الْخُلَفَاءُ مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ يُنَصِّبُونَ لِلْفَتْوَى بِمَكَّةَ فِي أَيَّامِ الْمَوْسِمِ قَوْمًا يُعِينُونَهُمْ , وَيَأْمُرُونَ بِأَنْ لَا يُسْتَفْتَى غَيْرُهُمْ

أنا أَبُو الْحُسَيْنِ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي نَصْرٍ النَّرْسِيُّ , أنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحُسَيْنِ الدَّقَّاقُ , نا ابْنُ مَنِيعٍ , نا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْمَرْوَزِيُّ , نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُمَرَ بْنِ أَبِي يَزِيدَ الصَّنْعَانِيُّ , عَنْ أَبِيهِ , قَالَ: §«كَانَ يَصِيحُ الصَّائِحُ فِي الْحَاجِّ , لَا يُفْتِي النَّاسَ إِلَّا عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ , فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي نَجِيحٍ» وَالطَّرِيقُ لِلْإِمَامِ إِلَى مَعْرِفَةِ حَالِ مَنْ يُرِيدُ نَصْبَهُ لِلْفَتْوَى أَنْ يَسْأَلَ عَنْهُ أَهْلَ الْعِلْمِ فِي وَقْتِهِ , وَالْمَشْهُورِينَ مِنْ فُقَهَاءِ عَصْرِهِ , وَيُعَوِّلُ عَلَى مَا يُخْبِرُونَهُ مِنْ أَمْرِهِ

أنا أَبُو الْفَتْحِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الصَّمَدِ الدَّلِيلِيُّ بِأَصْبَهَانَ , أنا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ عَاصِمِ بْنِ الْمُقْرِئِ , نا أَبُو سَعِيدٍ مُفَضَّلُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْجَنَدِيُّ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ , قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُصْعَبٍ أَحْمَدَ بْنَ أَبِي بَكْرٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ مَالِكَ بْنَ أَنَسٍ , يَقُولُ: §«مَا أَفْتَيْتُ حَتَّى شَهِدَ لِي سَبْعُونَ أَنِّي أَهْلٌ لِذَلِكَ»

حَدَّثَنَا أَبُو حَازِمٍ عُمَرُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْعَبْدَوِيُّ إِمْلَاءً , نا أَبُو أَحْمَدَ الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيِّ التَّمِيمِيُّ , قَالَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ -[326]- بْنَ إِسْحَاقَ الثَّقَفِيَّ يَقُولُ: سَمِعْتُ الْحَسَنَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْجِرْوِيُّ يَقُولُ: نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ التِّنِّيسِيُّ , عَنْ خَلَفِ بْنِ عُمَرَ , صَدِيقٌ كَانَ لِمَالِكٍ , قَالَ: سَمِعْتُ مَالِكَ بْنَ أَنَسٍ , يَقُولُ: §" مَا أَجَبْتُ فِي الْفَتْوَى حَتَّى سَأَلْتُ مَنْ هُوَ أَعْلَمُ مِنِّي: هَلْ يَرَانِي مَوْضِعًا لِذَلِكَ؟ سَأَلْتُ رَبِيعَةَ , وَسَأَلْتُ يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ , فَأَمَرَانِي بِذَلِكَ , فَقُلْتُ لَهُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ لَوَ نَهَوْكَ , قَالَ: كُنْتُ أَنْتَهِي , لَا يَنْبَغِي لِرَجُلٍ أَنْ يَرَى نَفْسَهُ أَهْلًا لِشَيْءٍ حَتَّى يَسْأَلَ مَنْ هُوَ أَعْلَمُ مِنْهُ "

ما جاء من الوعيد لمن أفتى وليس هو من أهل الفتوى

§مَا جَاءَ مِنَ الْوَعِيدِ لِمَنْ أَفْتَى وَلَيْسَ هُوَ مِنْ أَهْلِ الْفَتْوَى

أنا أَبُو الْحُسَيْنِ زَيْدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ الْحُسَيْنِ الْعَلَوِيُّ الْمُحَمَّدِيُّ , نا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُوسَى التَّمَّارُ , بِالْبَصْرَةِ , نا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَامِرٍ الطَّائِيُّ , نا أَبِي , قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو الْحَسَنِ: عَلِيُّ بْنُ مُوسَى الرِّضَا , قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي: مُوسَى بْنُ جَعْفَرٍ , قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي: جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ , قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي: مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ , قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي: عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ , قَالَ: حَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ , قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي: عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ , قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: §«مَنْ أَفْتَى بِغَيْرِ عِلْمٍ لَعَنَتْهُ الْمَلَائِكَةُ»

أنا الْحَسَنُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ , أنا عُثْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الدَّقَّاقُ , نا الْحَسَنُ بْنُ سَلَّامٍ , نا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمُقْرِئُ , نا سَعِيدُ بْنُ أَبِي أَيُّوبَ , قَالَ: حَدَّثَنِي بَكْرُ بْنُ عَمْرٍو , عَنْ أَبِي عُثْمَانَ: مُسْلِمِ بْنِ يَسَارٍ , عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ , قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: §«مَنْ تَقَوَّلَ عَلَيَّ مَا لَمْ أَقُلْ , فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ , وَمَنِ اسْتَشَارَهُ أَخُوهُ الْمُسْلِمُ , فَأَشَارَ عَلَيْهِ بِغَيْرِ رُشْدٍ فَقَدْ خَانَهُ , وَمَنْ أَفْتَى بِفُتْيَا بِغَيْرِ -[328]- ثَبْتٍ , فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى مَنْ أَفْتَاهُ»

أَخْبَرَنِي عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ السُّكَّرِيُّ , نا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَبَّاسِ الْخَزَّازُ , نا جَعْفَرُ بْنُ أَحْمَدَ الْمُؤَذِّنُ , أنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ , نا ابْنُ فُضَيْلٍ , عَنْ أَبِي سِنَانٍ , عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ , عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ , أَنَّهُ قَالَ: §«مَنْ أَفْتَى النَّاسَ بِفُتْيَا يَعْمَى عَنْهَا فَإِنَّمَا إِثْمُهَا عَلَيْهِ»

أنا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْجَوْهَرِيُّ , أنا أَبُو الْعَبَّاسِ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ حَمْزَةَ الْهَاشِمِيُّ , نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْعَبَّاسِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ الطَّيَالِسِيُّ , نا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ الْكَوْسَجُ , أنا النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ , أنا عُمَرُ , عَنْ خَالِدٍ الرَّبْعِيِّ , قَالَ: §" كَانَ شَابٌّ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ قَدْ قَرَأَ الْقُرْآنَ وَعَلِمَ عِلْمًا , وَكَانَ

مَغْمُورًا فِيهِمْ يَعْنِي: لَا يُعْرَفُ وَأَنَّهُ ابْتَدَعَ بِدَعًا أَدْرَكَ بِهَا الشَّرَفَ وَالْمَالَ , قَالَ: فَبَيْنَمَا هُوَ نَائِمٌ عَلَى فِرَاشِهِ إِذْ فَكَّرَ , فَقَالَ: هَبْ هَؤُلَاءِ لَا يَعْلَمُونَ مَا ابْتَدَعْتُ , أَلَيْسَ اللَّهُ قَدْ عَلِمَ؟ فَلَوْ أَنِّي تُبْتُ إِلَى اللَّهِ , قَالَ: فَخَرَقَ تَرْقُوَتَهُ , فَجَعَلَ فِيهَا سِلْسِلَةً , ثُمَّ أَوْثَقَهَا إِلَى آسِيَةٍ مِنْ أَوَاسِي الْمَسْجِدِ , ثُمَّ قَالَ: وَاللَّهِ , لَا أَبْرَحُ مَكَانِي حَتَّى يَتُوبَ اللَّهُ عَلَيَّ أَوْ أَمُوتَ , قَالَ: وَكَانَ الْوَحْيُ لَا يُسْتَنْكَرُ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ , فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَى نَبِيٍّ مِنْ أَنْبِيَائِهِمْ: إِنَّكَ لَوْ أَذْنَبْتَ ذَنْبًا فِيمَا بَيْنِي وَبَيْنَكَ لَتُبْتُ عَلَيْكَ بَالِغًا مَا بَلَغَ , وَلَكِنْ كَيْفَ بِمَنْ أَضْلَلْتَ مِنْ عِبَادِي فَمَوَّتُوا فَأَدْخَلْتُهُمْ جَهَنَّمَ؟ فَلَا أَتُوبُ عَلَيْكَ "

باب ذكر شروط من يصلح للفتوى أول أوصاف المفتي الذي يلزم قبول فتواه: أن يكون بالغا , لأن الصبي لا حكم لقوله ثم يكون عاقلا لأن القلم مرفوع عن المجنون لعدم عقله ثم يكون عدلا ثقة , لأن القلم مرفوع عن المجنون لعدم عقله ثم يكون عدلا ثقة , لأن علماء المسلمين لم

§بَابُ ذِكْرِ شُرُوطِ مَنْ يَصْلُحُ لِلْفَتْوَى أَوَّلُ أَوْصَافِ الْمُفْتِي الَّذِي يَلْزَمُ قَبُولُ فَتْوَاهُ: أَنْ يَكُونَ بَالِغًا , لِأَنَّ الصَّبِيَّ لَا حُكْمَ لِقَوْلِهِ ثُمَّ يَكُونُ عاقلاً لِأَنَّ القَلَمَ مَرْفُوعٌ عَنِ المَجْنُونِ لِعَدَمِ عَقْلِهِ ثُمَّ يَكُونُ عَدْلًا ثِقَةً , لِأَنَّ الْقَلَمَ مَرْفُوعٌ عَنِ الْمَجْنُونِ لِعَدَمِ عَقْلِهِ ثُمَّ يَكُونُ عَدْلًا ثِقَةً , لِأَنَّ عُلَمَاءَ الْمُسْلِمِينَ لَمْ يَخْتَلِفُوا فِي أَنَّ الْفَاسِقَ غَيْرُ مَقْبُولِ الْفَتْوَى فِي أَحْكَامِ الدِّينِ , وَإِنْ كَانَ بَصِيرًا بِهَا , وَسَوَاءً كَانَ حُرًّا أَوْ عَبْدًا , فَإِنَّ الْحُرِّيَّةَ لَيْسَتْ شَرْطًا فِي صِحَّةِ الْفَتْوَى ثُمَّ يَكُونُ عَالِمًا بِالْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ , وَعِلْمُهُ بِهَا يَشْتَمِلُ عَلَى مَعْرِفَتِهِ بِأُصُولِهَا وَارْتِيَاضٍ بِفُرُوعِهَا وَأُصُولُ الْأَحْكَامِ فِي الشَّرْعِ أَرْبَعَةٌ: أَحَدُهَا: الْعِلْمُ بِكِتَابِ اللَّهِ , عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي تَصِحُّ بِهِ مَعْرِفَةُ مَا تَضَمَّنَهُ مِنَ الْأَحْكَامِ: مُحْكَمًا وَمُتَشَابِهًا , وَعُمُومًا وَخُصُوصًا , وَمُجْمَلًا وَمُفَسَّرًا , وَنَاسِخًا وَمَنْسُوخًا وَالثَّانِي: الْعِلْمُ بِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الثَّابِتَةِ مِنْ أَقْوَالِهِ وَأَفْعَالِهِ , وَطُرُقِ مَجِيئِهَا فِي التَّوَاتُرِ وَالْآحَادِ , وَالصِّحَّةِ وَالْفَسَادِ , وَمَا كَانَ مِنْهَا عَلَى سَبَبٍ أَوْ إِطْلَاقٍ وَالثَّالِثُ: الْعِلْمُ بِأَقَاوِيلِ السَّلَفِ فِيمَا أَجْمَعُوا عَلَيْهِ , وَاخْتَلَفُوا فِيهِ ,

لِيَتَّبِعِ الْإِجْمَاعَ , وَيَجْتَهِدْ فِي الرَّأْيِ مَعَ الِاخْتِلَافِ وَالرَّابِعُ: الْعِلْمُ بِالْقِيَاسِ الْمُوجِبِ , لِرَدِّ الْفُرُوعِ الْمَسْكُوتِ عَنْهَا إِلَى الْأُصُولِ الْمَنْطُوقِ بِهَا , وَالْمُجْمَعِ عَلَيْهَا , حَتَّى يَجِدَ الْمُفْتِي طَرِيقًا إِلَى الْعِلْمِ بِأَحْكَامِ النَّوَازِلِ , وَتَمْيِيزِ الْحَقِّ مِنَ الْبَاطِلِ , فَهَذَا مَا لَا مَنْدُوحَةُ لَلْمُفْتِي عَنْهُ , وَلَا يَجُوزُ لَهُ الْإِخْلَالُ بِشَيْءٍ مِنْهُ

أنا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ الْكَاتِبُ , أنا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ عُمَرَ بْنِ مُحَمَّدٍ , نا حَاتِمُ بْنُ الْحَسَنِ الشَّاشِيُّ , نا عَلِيُّ بْنُ خَشْرَمٍ , أنا عِيسَى يَعْنِي ابْنَ يُونُسَ , عَنِ ابْنِ عَوْنٍ , عَنِ ابْنِ سِيرِينَ , قَالَ: قَالَ حُذَيْفَةُ: " §لَا يُفْتِي النَّاسَ إِلَّا ثَلَاثَةٌ: رَجُلٌ قَدْ عَرَفَ نَاسِخَ الْقُرْآنِ وَمَنْسُوخَهُ , أَوْ أَمِيرٌ لَا يَجِدُ بُدًّا , أَوْ أَحْمَقُ مُتَكَلِّفٌ "

أَخْبَرَنِي أَبُو الْمُوَفَّقِ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُحَمَّدٍ النَّيْسَابُورِيُّ , أنا أَبُو الْحُسَيْنِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْأَزْهَرُ السِّمَنَاوِيُّ , نا أَحْمَدُ بْنُ مَرْوَانَ الْمَالِكِيُّ , نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُسْلِمٍ الْقُتَيْبِيُّ , نا سُهَيْلٌ , قَالَ: قَالَ الشَّافِعِيُّ: §" لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ يُفْتِي فِي دِينِ اللَّهِ إِلَّا رَجُلًا عَارِفًا بِكِتَابِ اللَّهِ: بِنَاسِخِهِ وَمَنْسُوخِهِ , وَبِمُحْكَمِهِ وَمُتَشَابِهِهِ , وَتَأْوِيلِهِ وَتَنْزِيلِهِ , وَمَكِّيِّهِ وَمَدَنِيِّهِ , وَمَا أُرِيدَ بِهِ , وَفِيمَا أُنْزِلَ , ثُمَّ يَكُونُ بَعْدَ ذَلِكَ بَصِيرًا بِحَدِيثِ

رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَبِالنَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ , وَيَعْرِفُ مِنَ الْحَدِيثِ مِثْلَ مَا عَرَفَ مِنَ الْقُرْآنِ , وَيَكُونُ بَصِيرًا بِاللُّغَةِ , بَصِيرًا بِالشِّعْرِ , وَمَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ لِلْعِلْمِ وَالْقُرْآنِ , وَيَسْتَعْمِلُ مَعَ هَذَا الْإِنْصَافَ , وَقِلَّةَ الْكَلَامِ , وَيَكُونُ بَعْدَ هَذَا مُشْرِفًا عَلَى اخْتِلَافِ أَهْلِ الْأَمْصَارِ , وَيَكُونُ لَهُ قَرِيحَةٌ بَعْدَ هَذَا , فَإِذَا كَانَ هَذَا هَكَذَا فَلَهُ أَنْ يَتَكَلَّمَ وَيُفْتِيَ فِي الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ , وَإِذَا لَمْ يَكُنْ هَكَذَا فَلَهُ أَنْ يَتَكَلَّمَ فِي الْعِلْمِ وَلَا يُفْتِي "

قَرَأْتُ عَلَى إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُمَرَ الْبَرْمَكِيِّ , عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ جَعْفَرٍ الْحَنْبَلِيِّ , قَالَ: نا أَبُو بَكْرٍ الْخَلَّالُ , أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ , قَالَ: نا صَالِحٌ يَعْنِي ابْنَ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ , أَنَّهُ قَالَ لِأَبِيهِ: مَا تَقُولُ فِي الرَّجُلِ يَسْأَلُ عَنِ الشَّيْءِ فَيُجِيبُ بِمَا فِي الْحَدِيثِ , وَلَيْسَ بِعَالِمٍ بِالْفُتْيَا؟ قَالَ: §«يَنْبَغِي لِلرَّجُلِ إِذَا حَمَلَ نَفْسَهُ عَلَى الْفُتْيَا أَنْ يَكُونَ عَالِمًا بِالسُّنَنِ , عَالِمًا بِوُجُوهِ الْقُرْآنِ , عَالِمًا بِالْأَسَانِيدِ الصَّحِيحَةِ , وَإِنَّمَا جَاءَ خِلَافُ مَنْ خَالَفَ لِقِلَّةِ مَعْرِفَتِهِمْ بِمَا جَاءَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي السُّنَّةِ , وَقِلَّةِ مَعْرِفَتِهِمْ بِصَحِيحِهَا مِنْ سَقِيمِهَا»

قَرَأْتُ عَلَى مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ يَعْقُوبَ , عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُعَيْمٍ النَّيْسَابُورِيِّ , قَالَ: نا عَلِيُّ بْنُ حَمْشَاذٍ الْعَدْلُ , نا مُحَمَّدُ بْنُ أَيُّوبَ , نا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ مِهْرَانَ الْجَمَّالُ , أنا عَلِيُّ بْنُ شَقِيقٍ , عَنِ ابْنِ الْمُبَارَكِ , قَالَ: قِيلَ لَهُ: مَتَى يُفْتِي الرَّجُلُ؟ قَالَ: §«إِذَا كَانَ عَالِمًا بِالْأَثَرِ , بَصِيرًا بِالرَّأْيِ»

وَقَالَ ابْنُ نُعَيْمٍ أَخْبَرَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَاتِمٍ الزَّاهِدُ , نا الْفَضْلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الشَّعْرَانِيُّ , قَالَ: سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ أَكْثَمَ , وَسُئِلَ , مَتَى تُحِبُّ لِلرَّجُلِ أَنْ يُفْتِيَ قَالَ: «§إِذَا كَانَ بَصِيرًا بِالرَّأْيِ , بَصِيرًا بِالْأَثَرِ» قُلْتُ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ: قَوِيَّ الِاسْتِنْبَاطِ جَيِّدَ الْمُلَاحَظَةِ , رَصِينَ الْفِكْرِ , صَحِيحَ الِاعْتِبَارِ , صَاحِبَ أَنَاةٍ وَتُؤَدَةٍ , وَأَخًا اسْتَثْبَاتٍ , وَتَرْكِ عَجَلَةٍ , بَصِيرًا بِمَا فِيهِ الْمَصْلَحَةٌ , مَسْتَوْقِفًا بِالْمُشَاوَرَةِ , حَافِظًا لِدِينِهِ , مُشْفِقًا عَلَى أَهْلِ مِلَّتِهِ , مُوَاظِبًا عَلَى مُرُوءَتِهِ , حَرِيصًا عَلَى اسْتِطَابَةِ مَأْكَلِهِ , فَإِنَّ ذَلِكَ أَوَّلُ أَسْبَابِ التَّوْفِيقِ , مُتَوَرِّعًا عَنِ الشُّبُهَاتِ , صَادِفًا عَنْ فَاسِدِ التَّأْوِيلَاتِ , صَلِيبًا فِي الْحَقِّ , دَائِمُ الِاشْتِغَالِ بِمَعَادِنِ الْفَتْوَى , وَطُرُقِ الِاجْتِهَادِ , وَلَا يَكُونُ مِمَّنْ غَلَبَتْ عَلَيْهِ الْغَفْلَةُ , وَاعْتَوَرَهُ دَوَامُ السَّهَرِ , وَلَا مَوْصُوفًا بِقِلَّةِ الضَّبْطِ , مَنْعُوتًا بِنَقْصِ الْفَهْمِ , مَعْرُوفًا بِالِاخْتِلَالِ , يُجِيبُ بِمَا لَا يَسْنَحُ لَهُ , وَيُفْتِي بِمَا يَخْفَى عَلَيْهِ , وَتَجُوزُ فَتَاوَى أَهْلِ الْأَهْوَاءِ , وَمَنْ لَمْ تُخْرِجْهُ بِدْعَتُهُ إِلَى فِسْقٍ , فَأَمَّا الشُّرَاةُ وَالرَّافِضَةُ الَّذِينَ يَشْتِمُونَ الصَّحَابَةَ , وَيَسُبُّونَ السَّلَفَ الصَّالِحَ , فَإِنَّ فَتَاوِيهُمْ مَرْذُولَةٌ , وَأَقَاوِيلُهُمْ غَيْرُ مَقْبُولَةٍ وَفِي مَعْرِفَةِ مَنْ يَصْلُحُ أَنْ يُفْتِيَ تَنْبِيهٌ عَلَى مَنْ لَا تَجُوزُ فَتْوَاهُ وَاعْلَمْ أَنَّ الْعُلُومَ كُلَّهَا أَبَازِيرُ الْفِقْهِ , وَلَيْسَ دُونَ الْفِقْهِ عِلْمٌ إِلَّا

وَصَاحِبُهُ يَحْتَاجُ إِلَى دُونِ مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ الْفَقِيهُ , لِأَنَّ الْفَقِيهَ يَحْتَاجُ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِطَرَفٍ مِنْ مَعْرِفَةِ كُلِّ شَيْءٍ مِنْ أُمُورِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ , وَإِلَى مَعْرِفَةِ الْجَدِّ وَالْهَزْلِ , وَالْخِلَافِ وَالضِّدِّ , وَالنَّفْعِ وَالضَّرِّ , وَأُمُورِ النَّاسِ الْجَارِيَةِ بَيْنَهُمْ , وَالْعَادَاتِ الْمَعْرُوفَةِ مِنْهُمْ فَمِنْ شَرْطِ الْمُفْتِي النَّظَرُ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَاهُ وَلَنْ يُدْرِكَ ذَلِكَ إِلَّا بِمُلَاقَاةِ الرِّجَالِ , وَالِاجْتِمَاعِ مِنْ أَهْلِ النِّحَلِ وَالْمَقَالَاتِ الْمُخْتَلِفَةِ , وَمُسَاءَلَتِهِمْ , وَكَثْرَةِ الْمُذَاكَرَةِ لَهُمْ , وَجَمْعِ الْكُتُبِ , وَدَرْسِهَا , وَدَوَامِ مُطَالَعَتِهَا وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمَّا أَرَادَ إِعْلَامَ الْخَلْقِ أَنَّ مَا أَتَى بِهِ نَبِيُّنَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْقَصَصِ , وَالْأَخْبَارِ الْمَاضِيَةِ , وَالسِّيَرِ الْمُتَقَدِّمَةِ مُعْجِزٌ أَعْلَمَهُمْ أَنَّهُ لَا يُعْرَفُ بِلِقَاءِ الرِّجَالِ , وَدِرَاسَةِ الْكُتُبِ , وَخَطِّهِ بِيَمِينِهِ , لِيُصَدَّقَ قَوْلُهُ إِنَّهُ إِعْلَامٌ مِنَ اللَّهِ , فَدَلَّ عَلَى أَنَّ مَحْصُولَ ذَلِكَ فِي الْعَادَةِ بِالْمُلَاقَاةِ , وَالْبَحْثِ وَالدَّرْسِ , وَوُجُودُهُ بِخِلَافِ ذَلِكَ خَرْقُ عَادَةٍ صَارَ بِهِ مُعْجِزًا , وَلَوْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ كَذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لِنَفْيِهَا عَنْهُ مَعْنًى قِيلَ لِبَعْضِهِمْ: أَيُّ كُتُبِكَ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قَالَ: مَا أَتَبَصَّرُهُ عِلْمًا وَأَتَصَوَّرُهُ فَهْمًا , وَقِيلَ لِآخَرَ , فَقَالَ: مَا أُفِيدُ مِنْهُ وَأَسْتَفِيدُ وَقِيلَ لِآخَرَ , فَقَالَ: مَا أَعْلَمُ وَبِهِ أَعْمَلُ , وَقِيلَ لِبَعْضِ الْحُكَمَاءِ: إِنَّ فُلَانًا جَمَعَ كُتُبَا كَثِيرَةً , فَقَالَ: هَلْ فَهْمُهُ عَلَى قَدْرِ كُتُبِهِ؟ قِيلَ: لَا , قَالَ: فَمَا صَنَعَ شَيْئًا , مَا تَصْنَعُ الْبَهِيمَةُ بِالْعِلْمِ , وَقَالَ رَجُلٌ لِرَجُلٍ كَتَبَ وَلَا يَعْلَمُ شَيْئًا مِمَّا كَتَبَ: مَا لَكَ مِنْ كُتُبِكَ إِلَّا فَضْلُ تَعَبِكَ , وَطُولُ أَرَقِكَ , وَتَسْوِيدُ وَرِقِكَ

قُلْتُ: وَهَذِهِ حَالُ مَنِ اقْتَصَرَ عَلَى النَّقْلِ إِلَى كِتَابِهِ مِنْ غَيْرِ إِنْعَامِ النَّظَرِ فِيهِ , وَالتَّفْكِيرِ فِي مَعَانِيهِ

أَخْبَرَنِي الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ الْخَلَّالُ , نا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْهُذَيْلِ أَبُو أَحْمَدَ , نا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْبَخْتَرِيِّ , نا إِسْحَاقُ بْنُ سِنِينَ , قَالَ: حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ الْفَرَجِ , قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ , شَيْخٌ بِالْكُوفَةِ , قَالَ: حَدَّثَنِي سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ , عَنْ عُثْمَانَ بْنِ الْمُغِيرَةِ , عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ , قَالَ: §«إِنَّ فِي الْعُزْلَةِ لَسَلَامَةً , فَانْبُلْ أَنْ تَرَى فِي مَجَالِسِ السُّفَهَاءِ , فَإِذَا اغْتَمَمْتَ وَحْدَكَ فَادْرُسْ كِتَابًا مِنْ فِعْلِ الْفُقَهَاءِ»

حَدَّثَنِي أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَلِيٍّ الدَّقَّاقُ , نا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ النَّهَاوَنْدِيُّ , نا الْحَسَنُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ خَلَّادٍ , قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو الْحَسَنِ الْمَازِنِيُّ , نا هَارُونُ الْفَرْوِيُّ , نا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْمَاجِشُونُ , عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ , قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ: بِمَ رَاقَكُمُ الزُّهْرِيُّ؟ قَالَ: §«كَانَ يَأْتِي الْمَجَالِسَ مِنْ صُدُورِهَا , وَلَا يَأْتِيهَا مِنْ خَلْفِهَا , وَلَا يَبْقَى فِي الْمَجْلِسِ شَابٌّ إِلَّا سَاءَلَهُ , وَلَا كَهْلٌ إِلَّا سَاءَلَهُ , -[336]- ثُمَّ يَأْتِي الدَّارَ مِنْ دُورِ الْأَنْصَارِ , فَلَا يَبْقَى فِيهَا شَابٌّ إِلَّا سَاءَلَهُ , وَلَا كَهْلٌ إِلَّا سَاءَلَهُ وَلَا فَتًى إِلَّا سَاءَلَهُ , وَلَا عَجُوزٌ إِلَّا سَاءَلَهَا , وَلَا كَهْلَةٌ إِلَّا سَاءَلَهَا , حَتَّى يُحَاوِرَ رَبَّاتِ الْحِجَالِ»

أنا ابْنَا بِشْرَانِ عَلِيٌّ , وَعَبْدُ الْمَلِكِ , قَالَا: أنا أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْكِنْدِيُّ بِمَكَّةَ , نا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ الْخَرَائِطِيُّ , قَالَ: §" قِيلَ لِبَعْضِ الْحُكَمَاءِ وَهُوَ أَنُوُشْرُوَانُ مَا بَالُكُمْ لَا تَأْنَفُونَ مِنَ التَّعَلُّمِ مِنْ أَحَدٍ؟ قَالَ: ذَلِكَ لِعِلْمِنَا بِأَنَّ الْعِلْمَ نَافِعٌ مِنْ حَيْثُ أُخِذَ "

أنا الْقَاضِي أَبُو الْعُلَا الْوَاسِطِيُّ , أنا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُوسَى الْبَابَسِيرِيُّ , بِوَاسِطٍ , أنا أَبُو أُمَيَّةَ: الْأَحْوَصُ بْنُ الْمُفَضَّلِ بْنِ غَسَّانَ الْغَلَابِيُّ , نا أَبِي قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي , عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ , قَالَ يَوْمًا لِأَصْحَابِهِ: «مَنْ أَحْوَجُ النَّاسِ إِلَى طَلَبِ الْعِلْمِ؟» قَالُوا: قُلْ يَا أَبَا مُحَمَّدٍ , قَالَ: §«لَيْسَ أَحَدٌ أَحْوَجَ إِلَى طَلَبِ الْعِلْمِ مِنَ الْعَالِمِ , لِأَنَّهُ لَيْسَ الْجَهْلُ بِأَحَدٍ أَقْبَحَ بِهِ مِنَ الْعَالِمِ»

أَخْبَرَنِي الْجَوْهَرِيُّ , أنا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَبَّاسِ الْخَزَّازُ , نا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ الزُّهْرِيُّ , قَالَ: قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ يَحْيَى: §«لَا يَكُونُ الرَّجُلُ عَالِمًا حَتَّى يَتَعَلَّمَ , وَلَا يَكُونُ عَالِمًا إِنْ لَمْ يَعْلَمْ إِلَّا مَا تَعَلَّمَ»

أنا أَبُو الْحَسَنِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ الْعُتَيْقِيُّ , أنا أَبُو الْمُفَضَّلِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الشَّيْبَانِيُّ , أنا النُّعْمَانُ الْوَاسِطِيُّ , نا مُحَمَّدُ بْنُ حَرْبٍ النُّشَّابِيُّ , قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو حَنِيفَةَ مُحَمَّدُ بْنُ مَاهَانَ , عَنْ طَلْحَةَ بْنِ زَيْدٍ , عَنْ يُونُسَ بْنِ أَبِي شَبِيبٍ , قَالَ: سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ , يَقُولُ: §«لَا يَزَالُ الرَّجُلُ عَالِمًا مَا تَعَلَّمَ , فَإِذَا تَرَكَ الْعِلْمَ وَظَنَّ أَنَّهُ قَدِ اسْتَغْنَى , وَاكْتَفَى بِمَا عِنْدَهُ كَانَ أَجْهَلَ مَا يَكُونُ»

ما جاء في ورع المفتي وتحفظه

§مَا جَاءَ فِي وَرَعِ الْمُفْتِي وَتَحَفُّظُهُ

أنا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ أَحْمَدَ الطُّرَفِيُّ الْمُعَدِّلِ بِالْكَرَجِ , نا عُمَرُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَرْدَوَيْهِ الْكَرَجِيُّ , نا أَبُو جَعْفَرِ بْنُ النَّجِيرَمِيُّ , نا أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ عُمَرَ الثَّقَفِيُّ الْمُطَّوِّعِيُّ , نا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ , عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَيْسَرَةَ , عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ , قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: §«مِنْ فِقْهِ الرَّجُلِ قِلَّةُ الْكَلَامِ فِيمَا لَا يَعْنِيهِ»

أنا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْجَوْهَرِيُّ , أنا أَبُو الْحُسَيْنِ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ يَعْقُوبَ الْمُقْرِئُ , نا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ حَفْصٍ , نا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الْحَجْرِيُّ , نا عُمَرُ بْنُ صَخْرٍ السُّلَمِيُّ , عَنِ الصَّبَّاحِ بْنِ يَحْيَى الْمُزَنِيِّ , عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ , عَنِ الْحَارِثِ , عَنْ عَلِيٍّ , قَالَ: §«أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِالْفَقِيهِ , كُلِّ الْفَقِيهِ؟ مَنْ لَمْ يُؤَيِّسِ النَّاسَ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ , وَلَمْ يُرَخِّصْ لَهُمْ فِي مَعَاصِي اللَّهِ , أَلَا لَا خَيْرَ فِي عِلْمٍ لَا فِقْهَ فِيهِ , وَلَا خَيْرَ فِي فِقْهٍ لَا وَرَعَ فِيهِ , وَلَا قِرَاءَةَ لَا تَدَبُّرَ فِيهَا» رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ , زِيَادُ بْنُ خَيْثَمَةَ , عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ , عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ , عَنْ عَلِيٍّ , كَذَلِكَ

أنا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عُمَرَ الْمُقْرِئُ , أنا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْآجُرِّيُّ , نا أَبُو جَعْفَرٍ أَحْمَدُ بْنُ يَحْيَى الْحُلْوَانِيُّ , نا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ الْحِمَّانِيُّ , نا أَبُو بَدْرٍ , نا زِيَادُ بْنُ خَيْثَمَةَ , عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ , عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ , عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ , أَنَّهُ , قَالَ: §«أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِالْفَقِيهِ حَقِّ الْفَقِيهِ؟ مَنْ لَمْ يُقَنِّطِ النَّاسَ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ , وَلَمْ يُرَخِّصْ لَهُمْ فِي مَعَاصِي اللَّهِ , وَلَمْ يُؤَمِّنْهُمْ مَكْرَ اللَّهِ , وَلَمْ يَتْرُكِ الْقُرْآنَ إِلَى غَيْرِهِ , وَلَا خَيْرَ فِي عِبَادَةٍ لَيْسَ فِيهَا تَفَقُّهٌ , وَلَا خَيْرَ فِي فِقْهٍ لَيْسَ فِيهِ تَفَهُّمٌ , وَلَا خَيْرَ فِي قِرَاءَةٍ لَيْسَ فِيهَا تَدَبُّرٌ»

أنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ السُّكَّرِيُّ , نا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الشَّافِعِيُّ , نا أَبُو إِسْمَاعِيلَ التِّرْمِذِيُّ , نا عَبْدُ الْعَزِيزِ الْأُوَيْسِيُّ , نا مَالِكٌ , قَالَ: كَانَ رَبِيعَةُ بْنُ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ , يَقُولُ: §«لَا يَكُونُ الرَّجُلُ فَقِيهًا حَتَّى يَتَّقِيَ أَشْيَاءَ لَا يَرَاهَا عَلَى النَّاسِ وَلَا يُفْتِيهِمْ بِهَا»

أنا عَلِيُّ بْنُ الْمُحْسِنِ التَّنُوخِيُّ , قَالَ: وَجَدْتُ فِي كِتَابِ -[340]- جَدِّي , حَدَّثَنَا حَرَمِيُّ بْنُ أَبِي الْعَلَاءِ , نا الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ , حَدَّثَنِي مُطَرِّفُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ , قَالَ: كَانَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ يَعْمَلُ فِي نَفْسِهِ بِمَا لَا يُلْزِمُهُ النَّاسُ , وَلَا يُفْتِيهِمْ بِهِ , وَيَقُولُ: §«لَا يَكُونُ الْعَالِمُ عَالِمًا حَتَّى يَعْمَلَ فِي خَاصَّةِ نَفْسِهِ بِمَا لَا يُلْزِمُهُ النَّاسَ وَلَا يُفْتِيهِمْ بِهِ , بِمَا لَوْ تَرَكَهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ فِيهِ إِثْمٌ»

أنا أَبُو الْحُسَيْنِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ أَحْمَدَ الْأَهْوَازِيُّ , أنا مُحَمَّدُ بْنُ الطَّيِّبِ الْبَلُّوطِيُّ , بِالْأَهْوَازِ , أنا عَلِيُّ بْنُ الْفَضْلِ بْنِ طَاهِرٍ الْبَلْخِيُّ , نا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ التَّمِيمِيُّ , نا مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ بْنِ نُبَاتَةَ , نا يَحْيَى بْنُ آدَمَ , قَالَ: سَمِعْتُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيَّ , يَقُولُ: §«مَا مِنَ النَّاسِ أَعَزُّ مِنْ فَقِيهٍ وَرَعٍ»

أنا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْجَوْهَرِيُّ , أنا أَبُو عُبَيْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عِمْرَانَ بْنِ مُوسَى الْمَرْزَبَانِيُّ , نا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى الْمَكِّيُّ , نا مُحَمَّدُ بْنُ الْقَاسِمِ بْنِ خَلَّادٍ , قَالَ: كَانَ يُقَالُ: §«لَا خَيْرَ فِي الْقَوْلِ إِلَّا مَعَ الْفِعْلِ , وَلَا فِي الْمَنْظَرِ إِلَّا مَعَ الْمَخْبَرِ , وَلَا فِي الْفِقْهِ إِلَّا مَعَ الْوَرَعِ»

أنا أَبُو الْحَسَنِ: مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ رِزْقَوَيْهِ , أنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ كَامِلٍ الْقَاضِي , قَالَ: نا مُحَمَّدُ بْنُ يُونُسَ , نا الضَّحَّاكُ بْنُ مَخْلَدٍ , عَنِ ابْنِ عَوْنٍ , قَالَ: سَأَلَ الْحَسَنُ عَنْ رَجُلٍ , فَقَالَ رَجُلٌ: يَا أَبَا سَعِيدٍ الرَّجُلُ الْفَقِيهُ؟ قَالَ: §«وَهَلْ رَأَيْتَ بِعَيْنَيْكَ فَقِيهًا قَطُّ؟ إِنَّمَا الْفَقِيهُ الَّذِي يَخْشَى اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ»

أنا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ الْمُقْرِئُ , أنا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْآجُرِّيُّ , نا أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْحَمِيدِ الْوَاسِطِيُّ , نا هَارُونُ الْحَمَّالُ , قَالَ: نا سَيَّارٌ , نا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ , نا مَطَرٌ الْوَرَّاقُ , قَالَ: سَأَلْتُ الْحَسَنَ عَنْ مَسْأَلَةٍ , فَقَالَ فِيهَا , فَقُلْتُ: يَا أَبَا سَعِيدٍ: يَأْبَى عَلَيْكَ الْفُقَهَاءُ وَيُخَالِفُونَكَ , فَقَالَ: " ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ مَطَرُ , وَهَلْ رَأَيْتَ فَقِيهًا قَطُّ؟ وَهَلْ تَدْرِي مَا الْفَقِيهُ؟ §الْفَقِيهُ: الْوَرِعُ الزَّاهِدُ الَّذِي لَا يَسْخَرُ بِمَنْ أَسْفَلَ مِنْهُ , وَلَا يَهْمِزُ مَنْ فَوْقَهُ , وَلَا يَأْخُذُ عَلَى عِلْمٍ عَلَّمَهُ اللَّهُ حُطَامًا "

أنا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْهَرِيُّ قَالَ: أنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ الصَّيْرَفِيُّ , قَالَ: نا الْعَبَّاسُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْبَرْنِيُّ , نا أَبُو سَلَمَةَ الْمَخْزُومِيُّ يَحْيَى بْنُ الْمُغِيرَةِ , قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ , عَنِ ابْنِ شِهَابٍ , عَنْ عَائِذِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ , عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ , قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِي بَعْضِ كُتُبِهِ , أَوْ أَوْحَى إِلَى بَعْضِ أَنْبِيَائِهِ: §«قُلْ لِلَّذِينَ يَتَفَقَّهُونَ لِغَيْرِ الدِّينِ , يَتَعَلَّمُونَ لِغَيْرِ الْعَمَلِ , وَيَطْلُبُونَ الدُّنْيَا بِعَمَلِ الْآخِرَةِ , يَلْبَسُونَ لِلنَّاسِ مُسُوكَ الْكِبَاشِ , قُلُوبُهُمْ كَقُلُوبِ الذِّئَابِ , أَلْسِنَتُهُمْ أَحْلَى مِنَ الْعَسَلِ , وَقُلُوبُهُمْ أَمَرُّ مِنَ الصَّبْرِ , إِيَّايَ يَخْدَعُونَ , أَوْ بِي يَسْتَهْزِئُونَ؟ فَبِي حَلَفْتُ لَأُتِيحَنَّ لَهُمْ فِتْنَةً تَدَعْ الْحَلِيمَ حَيْرَانَ»

أنا الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ طَاهِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الطَّبَرِيُّ , أنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ الْبُحَيْرِيُّ , بنَيْسَابُورَ , أنا أَبُو نُعَيْمٍ الْجُرْجَانِيُّ , نا الْعَبَّاسُ بْنُ الْوَلِيدِ , أَخْبَرَنِي أَبِي , عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ , قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ , قَالَ -[343]-: §«مَثَلُ الْعَالِمِ مَثَلُ الْمِلْحِ , لَا يَصْلُحُ شَيْءٌ إِلَّا بِهِ , فَإِذَا فَسَدَ الْمِلْحُ , لَمْ يَصْلُحْ إِلَّا أَنْ يُوطَأَ بِالْأَقْدَامِ»

اعتماد المفتي على الكتاب والسنة

§اعْتِمَادُ الْمُفْتِي عَلَى الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ

أنا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي الْقَاسِمِ الْأَزْرَقُ , أنا أَحْمَدُ بْنُ عُثْمَانَ يَحْيَى الْآدَمِيُّ , نا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الرَّازِيُّ , نا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْخُرَاسَانِيُّ , نا الْفَضْلُ بْنُ مُوسَى , وأنا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ الْمُؤَدِّبُ أَخُو أَبِي مُحَمَّدٍ الْخَلَّالِ , قَالَ: أنا جِبْرِيلُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ الْعَدْلُ , بِهَمَذَانَ , نا مُحَمَّدُ بْنُ حَيَوَيْهِ النَّحَّاسُ , نا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلَانَ , نا الْفَضْلُ بْنُ مُوسَى , وَزَيْدُ بْنُ حُبَابٍ , قَالَا: نا يَزِيدُ بْنُ عُقْبَةَ , عَنِ الضَّحَّاكِ , قَالَ: لَقِيَ ابْنُ عُمَرَ جَابِرَ بْنَ زَيْدٍ وَهُوَ يَطُوفُ بِالْكَعْبَةِ , فَقَالَ: «يَا جَابِرُ §إِنَّكَ مِنْ فُقَهَاءِ الْبَصْرَةِ , وَإِنَّكَ تُسْتَفْتَى , فَلَا تُفْتِيَنَّ إِلَّا بِقُرْآنٍ نَاطِقٍ , أَوْ سُنَّةٍ مَاضِيَةٍ , فَإِنَّكَ إِنْ فَعَلْتَ ذَلِكَ , وَإِلَّا فَقَدْ هَلَكْتَ وَأَهْلَكْتَ» وَاللَّفْظُ لِحَدِيثِ مَحْمُودِ بْنِ غَيْلَانَ

أنا ابْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ , أنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ دُرَسْتُوَيْهِ , نا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ , نا أَحْمَدُ بْنُ الْخَيْلِ , نا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ , نا عَبْدُ الْأَعْلَى , نا الْجُرَيْرِيُّ , عَنْ أَبِي نَضْرَةَ , قَالَ

: قَدِمَ أَبُو سَلَمَةَ وَهُوَ ابْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ فَنَزَلَ دَارَ أَبِي بَشِيرٍ , فَأَتَيْتُ الْحَسَنَ , فَقُلْتُ: إِنَّ أَبَا سَلَمَةَ قَدِمَ وَهُوَ قَاضِي الْمَدِينَةِ وَفَقِيهُهُمُ , انْطَلَقْ بِنَا إِلَيْهِ , فَأَتَيْنَاهُ , فَلَمَّا رَأَى الْحَسَنَ , قَالَ: مَنْ أَنْتَ؟ قَالَ: أَنَا الْحَسَنُ بْنُ أَبِي الْحَسَنِ , قَالَ: §" مَا كَانَ بِهَذَا الْمِصْرِ أَحَدٌ أَحَبُّ إِلَيَّ أَنْ أَلْقَاهُ مِنْكَ , وَذَلِكَ أَنَّهُ بَلَغَنِي أَنَّكَ تُفْتِي النَّاسَ , فَاتَّقِ اللَّهَ يَا حَسَنُ , وَأَفْتِ النَّاسَ بِمَا أَقُولُ لَكَ: أَفْتِهِمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْقُرْآنِ قَدْ عَلِمْتَهُ , أَوْ سُنَّةٍ مَاضِيَةٍ قَدْ سَنَّهَا الصَّالِحُونَ وَالْخُلَفَاءُ , وَانْظُرْ رَأْيَكَ الَّذِي هُوَ رَأْيُكَ فَأَلْقِهِ " قُلْتُ: وَلَنْ يَقْدِرَ الْمُفْتِي عَلَى هَذَا إِلَّا أَنْ يَكُونَ قَدْ أَكْثَرَ مِنْ كِتَابِ الْأَثَرِ , وَسَمَاعِ الْحَدِيثِ

نا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَلِيٍّ الْأَزَجِيُّ لَفْظًا , نا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ يَعْقُوبَ الْمُفِيدُ , نا الْحَسَنُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ , قَالَ: قِيلَ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ حَنْبَلٍ , وَأَنَا أَسْمَعُ: " يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ: §كَمْ يَكْفِي الرَّجُلَ مِنَ الْحَدِيثِ حَتَّى يُمْكِنَهُ أَنْ يُفْتِيَ؟ يَكْفِيهِ مِائَةُ أَلْفٍ؟ , قَالَ: لَا , قِيلَ: مِائَتَا أَلْفٍ؟ قَالَ: لَا , قِيلَ: ثَلَاثُمِائَةِ أَلْفٍ؟ قَالَ: لَا , قِيلَ: أَرْبَعُمِائَةِ أَلْفٍ؟ قَالَ: لَا , قِيلَ: خَمْسُمِائَةِ أَلْفٍ؟ قَالَ: أَرْجُو "

أَخْبَرَنِي أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الطَّبَرِيُّ , نا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَلِيٍّ الْمُقْرِئُ , وأنا أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ عُمَرَ الْبَرْمَكِيُّ , قَالَ: أنا مُحَمَّدُ بْنُ الْخَضِرِ بْنِ زَكَرِيَّا الدَّقَاقُ وَأَخْبَرَنِي أَبُو القَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنِ أَبِي الفَتْحِ الفَارِسِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ بْنِ النَّضْرِ الدِّيبَاجِيُّ , قَالُوا: نا مُحَمَّدُ بْنُ حَمْدَوَيْهِ , زَادَ الطَّبَرِيُّ: أَبُو نَصْرٍ الْمَرْوَزِيُّ , ثُمَّ اتَّفَقُوا أنا أَبُو الْمُوَجِّهِ , نا عَبْدَانُ , وَقَالَ الْبَرْمَكِيُّ , قَالَ: أنا عَبْدَانُ , قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الْمُبَارَكِ , يَقُولُ: §«لِيَكُنِ الَّذِي تَعْتَمِدُ عَلَيْهِ الْأَثَرُ , وَخُذْ مِنَ الرَّأْيِ مَا يُفَسِّرُ لَكَ الْحَدِيثَ»

ذكر ما يلزم الإمام أن يفرض للفقهاء ومن نصب نفسه للفتوى من الرزق والعطاء لا يسوغ للمفتي أن يأخذ الأجرة من أعيان من يفتيه , كالحاكم الذي لا يجوز له أن يأخذ الرزق من أعيان من يحكم له وعليه وعلى الإمام أن يفرض لمن نصب نفسه لتدريس الفقه والفتوى في الأحكام ,

§ذِكْرُ مَا يَلْزَمُ الْإِمَامَ أَنْ يَفْرِضَ لِلْفُقَهَاءِ وَمَنْ نَصَّبَ نَفْسَهُ لِلْفَتْوَى مِنَ الرِّزْقِ وَالْعَطَاءِ لَا يَسُوغُ لِلْمُفْتِي أَنْ يَأْخُذَ الْأُجْرَةَ مِنْ أَعْيَانِ مَنْ يُفْتِيهِ , كَالْحَاكِمِ الَّذِي لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ الرِّزْقَ مِنْ أَعْيَانِ مَنْ يَحْكُمُ لَهُ وَعَلَيْهِ وَعَلَى الْإِمَامِ أَنْ يَفْرِضَ لِمَنْ نَصَّبَ نَفْسَهُ لِتَدْرِيسِ الْفِقْهِ وَالْفَتْوَى فِي الْأَحْكَامِ , مَا يُغْنِيهِ عَنِ الِاحْتِرَافِ وَالتَّكَسُّبِ , وَيَجْعَلُ ذَلِكَ فِي بَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ بَيْتُ مَالٍ , أَوْ لَمْ يَفْرِضِ الْإِمَامُ لِلْمُفْتِي شَيْئًا , وَاجْتَمَعَ أَهْلُ بَلَدٍ عَلَى أَنْ يَجْعَلُوا لَهُ مِنْ أَمْوَالِهِمْ رِزْقًا , لِيَتَفَرَّغَ لِفَتَاوِيهِمْ , وَجَوَابَاتِ نَوَازِلِهِمْ , سَاغَ ذَلِكَ

أنا ابْنُ الْفَضْلِ , أنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ , نا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ , قَالَ: قُلْتُ لِيَزِيدَ بْنِ عَبْدِ رَبِّهِ: حَدَّثَكُمْ بَقِيَّةُ , عَنِ ابْنِ أَبِي مَرْيَمَ , قَالَ: كَتَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ إِلَى وَالِي حِمْصَ: §«انْظُرْ إِلَى الْقَوْمِ الَّذِينَ نَصَّبُوا أَنْفُسَهُمْ لِلْفِقْهِ وَحَبَسُوهَا فِي الْمَسْجِدِ عَنْ طَلَبِ الدُّنْيَا , فَأَعْطِ كُلَّ رَجُلٍ مِنْهُمْ مِائَةَ دِينَارٍ يَسْتَعِينُونَ بِهَا عَلَى مَا هُمْ عَلَيْهِ مِنْ بَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ , حِينَ يَأْتِيَكَ كِتَابِي هَذَا , فَإِنَّ خَيْرَ الْخَيْرِ أَعْجَلُهُ , وَالسَّلَامُ عَلَيْكَ» -[348]- قَالَ: فَكَانَ عَمْرُو بْنُ قَيْسٍ , وَأَسَدُ بْنُ وَدَاعَةَ فِيمَنْ أَخَذَهَا؟ فَقَالَ: يَزِيدُ: نَعَمْ

أنا الْحَسَنُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ , أنا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْبَغَوِيُّ , أنا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ , نا أَبُو عُبَيْدٍ , قَالَ: نا نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ , عَنْ ضَمْرَةَ بْنِ رَبِيعَةَ , عَنْ عَبْدِ الْحَكِيمِ بْنِ سُلَيْمَانَ , عَنِ ابْنِ أَبِي غَيْلَانَ , قَالَ: §" بَعَثَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ يَزِيدَ بْنَ أَبِي مَالِكٍ الدِّمَشْقِيَّ , وَالْحَارِثَ بْنَ يَمْجُدَ الْأَشْعَرِيَّ , يُفَقِّهَانِ النَّاسَ فِي الْبَدْوِ وَأَجْرَى عَلَيْهِمَا رِزْقًا , فَأَمَّا يَزِيدُ فَقَبِلَ , وَأَمَّا الْحَارِثُ فَأَبَى أَنْ يَقْبَلَ , فَكَتَبَ إِلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بِذَلِكَ , فَكَتَبَ عُمَرُ: إِنَّا لَا نَعْلَمُ بِمَا صَنَعَ يَزِيدُ بَأْسًا , وَأَكْثَرَ اللَّهُ فِينَا مِثْلَ الْحَارِثِ بْنِ يَمْجُدَ "

باب الزجر عن التسرع إلى الفتوى مخافة الزلل قال الله تبارك وتعالى: ستكتب شهادتهم ويسألون وقال تعالى: ليسأل الصادقين عن صدقهم , وقال تعالى: ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد , وكانت الصحابة رضوان الله عليهم , لا تكاد تفتي إلا فيما نزل ثقة منهم بأن الله

§بَابُ الزَّجْرِ عَنِ التَّسَرُّعِ إِلَى الْفَتْوَى مَخَافَةَ الزَّلَلِ قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {سَتُكْتَبَ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ} [الزخرف: 19] وَقَالَ تَعَالَى: {لِيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ} [الأحزاب: 8] , وَقَالَ تَعَالَى: {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق: 18] , وَكَانَتِ الصَّحَابَةُ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ , لَا تَكَادُ تُفْتِي إِلَّا فِيمَا نَزَلَ ثِقَةً مِنْهُمْ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُوَفِّقُ عِنْدَ نُزُولِ الْحَادِثَةِ لِلْجَوَابِ عَنْهَا , وَكَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يَوَدُّ أَنَّ صَاحِبَهُ كَفَاهُ الْفَتْوَى

أنا الْحَسَنُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ , أنا أَبُو عَلِيٍّ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَسَنِ الصَّوَّافُ , نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ , نا أَبُو مَعْمَرٍ , نا حَكَّامُ الرَّازِيُّ , نا جِرَاحٌ الْكِنْدِيُّ , عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ , عَنِ الْبَرَاءِ , قَالَ: «لَقَدْ §رَأَيْتُ ثَلَاثَمِائَةٍ مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ مَا مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا وَهُوَ يُحِبُّ أَنْ يَكْفِيَهُ صَاحِبُهُ الْفَتْوَى»

أنا أَبُو الْحَسَنِ: مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ , أنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ بِشْرَانِ الصَّيْرَفِيُّ , أنا سَعِيدُ بْنُ مُحَمَّدٍ , أَخُو زُبَيْرٍ الْحَافِظِ , نا يُوسُفُ بْنُ مُوسَى , نا حَكَّامُ بْنُ سَلْمٍ الرَّازِيُّ , نا الْجَرَّاحُ بْنُ الضَّحَّاكِ , عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الْهَمَذَانِيِّ , عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ -[350]- عَازِبٍ , قَالَ: §«رَأَيْتُ ثَلَاثَمِائَةٍ مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ مَا فِيهِمْ رَجُلٌ إِلَّا وَهُوَ يُحِبُّ الْكِفَايَةَ فِي الْفَتْوَى»

أنا أَبُو بَكْرٍ الْبُرْقَانِيُّ , قَالَ: قُرِئَ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ السَّمَرِيِّ , وَأَنَا أَسْمَعُ حَدَّثَكُمْ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ خُزَيْمَةَ , قَالَ: سَمِعْتُ يُونُسَ بْنَ عَبْدِ الْأَعْلَى , يَقُولُ: سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ , يَقُولُ: §«مَا رَأَيْتُ أَحَدًا جَمَعَ اللَّهُ فِيهِ مِنْ آلَةِ الْفُتْيَا مَا جَمَعَ فِي ابْنِ عُيَيْنَةَ أَسْكَتَ عَنِ الْفُتْيَا مِنْهُ»

أنا أَبُو نُعَيْمٍ الْحَافِظُ , نا أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى الْمُزَكِّي , أنا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الثَّقَفِيُّ السَّرَّاجُ , قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ الْمَرْوَزِيُّ , قَالَ: سَمِعْتُ إِسْحَاقَ بْنِ رَاهَوَيْهِ , يَقُولُ: قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: §«أَعْلَمُ النَّاسِ بِالْفَتْوَى أَسْكَتُهُمْ فِيهِ , وَأَجْهَلُ النَّاسِ بِالْفَتْوَى أَنْطَقُهُمْ فِيهِ» قُلْتُ: وَقَلَّ مَنْ حَرَصَ عَلَى الْفَتْوَى , وَسَابَقَ إِلَيْهَا , وَثَابَرَ عَلَيْهَا إِلَّا قَلَّ تَوْفِيقُهُ , وَاضْطَرَبَ فِي أَمْرِهِ , وَإِذَا كَانَ كَارِهًا لِذَلِكَ غَيْرَ مُخْتَارٍ لَهُ , مَا وَجَدَ مَنْدُوحَةً عَنْهُ , وَقَدَرَ أَنْ يُحِيلَ بِالْأَمْرِ فِيهِ عَلَى غَيْرِهِ , كَانَتِ الْمَعُونَةُ لَهُ مِنَ اللَّهِ أَكْثَرَ , وَالصَّلَاحُ فِي فَتْوَاهُ وَجَوَابِهِ أَغْلَبَ

وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ , فِيمَا: أنا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحُسَيْنُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ يَحْيَى الْعَلَوِيُّ الزَّيْدِيُّ الْكُوفِيُّ , أنا أَبُو الْمُثَنَّى مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُوسَى الدِّهْقَانُ بِالْكُوفَةِ , نا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَفَّانَ الْبَزَّازُ , نا أَبُو أُسَامَةَ , عَنْ عَوْفِ بْنِ أَبِي جَمِيلَةَ , وَإِسْمَاعِيلَ بْنِ مُسْلِمٍ , عَنِ الْحَسَنِ , عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ , قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ §لَا تَسْأَلِ الْإِمَارَةَ , فَإِنَّكَ إِنْ أُعْطِيتَهَا عَنْ مَسْأَلَةٍ وُكِلْتَ إِلَيْهَا , وَإِنْ أُعْطِيتَهَا عَنْ غَيْرِ مَسْأَلَةٍ أُعِنْتَ عَلَيْهَا» فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَقَدْ قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ: سَلُونِي قَبْلَ أَنْ تَفْقِدُونِي؟ قِيلَ لَهُ: الْخَبَرُ عَنْهُ بِذَلِكَ مَعْرُوفٌ

أناه أَبُو الْحُسَيْنِ أَحْمَدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ رَوْحٍ , وَأَبُو عَلِيٍّ الْحَسَنُ بْنُ فَهْدٍ النَّهْرَوَانِيَّانِ بِهَا , قَالَا: أنا أَبُو الْحُسَيْنِ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَلَمَةَ الْكُهَيْلِيُّ بِالْكُوفَةِ , أنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سُلَيْمَانَ الْحَضْرَمِيُّ , نا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْمَرْوَزِيُّ , نا عَبْدُ الرَّزَّاقِ , نا مَعْمَرٌ , عَنْ وَهْبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي دُبَيٍّ , عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ , قَالَ: شَهِدْتُ عَلِيًّا , وَهُوَ يَخْطُبُ , وَهُوَ يَقُولُ -[352]-: §«سَلُونِي , وَاللَّهِ لَا تَسْأَلُونِي عَنْ شَيْءٍ يَكُونُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ إِلَّا حَدَّثْتُكُمْ بِهِ»

بِإِسْنَادِهِ , قَالَ: قَالَ عَلِيٌّ: §«سَلُونِي عَنْ كِتَابِ اللَّهِ , فَوَاللَّهِ , مَا مِنْ آيَةٍ إِلَّا أَنِّي أَعْلَمُ أَبِلَيْلٍ نَزَلَتْ أَمْ بِنَهَارٍ , أَمْ فِي سَهْلٍ أَمْ فِي جَبَلٍ»

وأنا ابْنُ رَوْحٍ , وَابْنُ فَهْدٍ قَالَا: أنا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْكُهَيْلِيُّ , أنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَضْرَمِيُّ , نا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ , نا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ , عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ , قَالَ: أُرَاهُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ , قَالَ: §" لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: سَلُونِي إِلَّا عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ " قُلْتُ: وَإِنَّمَا كَانَ يَقُولُ هَذَا الْقَوْلَ وَقَدِ انْتَهَى الْأَمْرُ إِلَيْهِ , وَتَعَيَّنَتِ الْفَتْوَى عَلَيْهِ , وَانْقَرَضَتِ الْفُقَهَاءُ مِنَ الصَّحَابَةِ سِوَاهُ , وَحَصَلَ فِي جَمْعِ أَكْثَرِهِمْ عَامَّةً , وَلَوْلَا ذَاكَ مَا بُلِيَ بِهِ , أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَمْ يَقُلْ هَذَا -[353]- فِي عَهْدِ أَبِي بَكْرٍ , وَلَا فِي عَهْدِ عُمَرَ , لِأَنَّهُ قَدْ كَانَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ جَمَاعَةٌ يَكْفُونَ أَمْرَ الْفَتْوَى ثُمَّ مِنْ أَيْنَ بَعْدَ عَلِيٍّ مِثْلُهُ , حَتَّى يَقُولَ هَذَا الْقَوْلَ

أنا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عُمَرَ الْمُقْرِئُ , أنا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْآجُرِّيُّ , نا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّنْدَلِيُّ , أنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى , قَالَ: سَمِعْتُ بِشْرًا يَعْنِي ابْنَ الْحَارِثِ , يَقُولُ: §«مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُسْأَلَ , فَلَيْسَ بِأَهْلٍ أَنْ يُسْأَلَ»

أنا ابْنُ الْفَضْلِ , أنا ابْنُ دَرَسْتُوَيْهِ , نا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ , نا أَبُو بَكْرٍ الْحُمَيْدِيُّ , نا سُفْيَانُ , عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ , قَالَ: §«أَدْرَكْتُ أَقْوَامًا إِنْ كَانَ أَحَدُهُمْ لَيُسْأَلُ عَنِ الشَّيْءِ , فَيَتَكَلَّمُ وَإِنَّهُ لِيَرْعَدُ»

أنا ابْنُ الْفَضْلِ , أنا ابْنُ دَرَسْتُوَيْهِ , نا يَعْقُوبُ , نا الْفَضْلُ بْنُ زِيَادٍ , نا أَحْمَدُ , نا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيُّ , نا الْأَشْعَثُ , عَنْ مُحَمَّدٍ , قَالَ: «كَانَ §إِذَا سُئِلَ عَنْ شَيْءٍ , مِنَ الْفِقْهِ , الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ , تَغَيَّرَ لَوْنُهُ , -[354]- وَتَبَدَّلَ , حَتَّى كَأَنَّهُ لَيْسَ بِالَّذِي كَانَ»

أنا أَبُو حَازِمٍ الْعَبْدَوِيُّ , أنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ السَّلِيطِيُّ , نا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَلِيٍّ الذُّهْلِيُّ , نا أَبُو الصَّلْتِ , حَدَّثَنِي شَيْخٌ , بِقُرْبِ الْمَدِينَةِ , قَالَ: «وَاللَّهِ , إِنْ كَانَ §مَالِكٌ إِذَا سُئِلَ عَنْ مَسْأَلَةٍ كَأَنَّهُ وَاقِفٌ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ» قُلْتُ: وَيَحِقُّ لِلْمُفْتِي أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ , وَقَدْ جَعَلَهُ السَّائِلُ الْحُجَّةَ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ , وَقَلَّدَهُ فِيمَا قَالَ , وَصَارَ إِلَى فَتْوَاهُ مِنْ غَيْرِ مُطَالَبَةٍ بِبُرْهَانٍ وَلَا مُبَاحَثَةٍ عَنْ دَلِيلٍ , بَلْ سَلَّمَ لَهُ , وَانْقَادَ إِلَيْهِ , إِنَّ هَذَا لَمَقَامٌ خَطَرٌ , وَطَرِيقٌ وَعِرٌ

وَقَدْ: أنا أَبُو سَعِيدٍ: مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى الصَّيْرَفِيُّ , نا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْأَصَمُّ , نا أَبُو مُحَمَّدٍ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ هِلَالِ بْنِ الْفُرَاتِ بِبَيْرُوتَ , نا أَحْمَدُ يَعْنِي: ابْنَ أَبِي الْحَوَارِيِّ , نا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ , نا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ , عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ , قَالَ: §«إِنَّ الْعَالِمَ بَيْنَ اللَّهِ وَبَيْنَ خَلْقِهِ , فَلْيَنْظُرْ كَيْفَ يَدْخُلُ عَلَيْهِمْ»

وأنا أَبُو الْحَسَنِ: مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ رِزْقَوَيْهِ , نَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْهَيْثَمِ الْمُقْرِئُ , نَا مُحَمَّدُ بْنُ يُونُسَ , نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ بَشَّارٍ الرَّمَادِيُّ , قَالَ: نَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ , قَالَ: قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْكَدِرِ: §«الْفَقِيهُ الَّذِي يُحَدِّثُ النَّاسَ إِنَّمَا يَدْخُلُ بَيْنَ اللَّهِ وَبَيْنَ عِبَادِهِ , فَلْيَنْظُرْ بِمَا يَدْخُلُ»

أَخْبَرَنِي أَبُو الْقَاسِمِ الْأَزْهَرِيُّ , ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ النَّضْرِ الدِّيبَاجِيُّ , وأنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عُمَرَ الْبَرْمَكِيُّ , أنا مُحَمَّدُ بْنُ الْخَضِرِ بْنِ زَكَرِيَّا الدَّقَّاقُ , قَالَا: نا مُحَمَّدُ بْنُ حَمْدَوَيْهِ , نا أَبُو الْمُوَجِّهِ , أنا عَبْدَانُ , نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ , قَالَ: قَالَ مَالِكُ بْنُ دِينَارٍ لِقَتَادَةَ: «§أَتَدْرِي أَيَّ عَلَمٍ رَقَعْتَ؟» وَقَالَ الْأَزْهَرِيُّ: أَتَدْرِي فِي أَيِّ عَلَمٍ رَقَّعْتَ؟ ثُمَّ اتَّفَقَا: «قُمْتُ بَيْنَ اللَّهِ وَبَيْنَ عِبَادِهِ , فَقُلْتُ هَذَا لَا يَصْلُحُ وَهَذَا لَا يَصْلُحُ»

أنا الْجَوْهَرِيُّ , نا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَبَّاسِ , نا يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ صَاعِدٍ , نا الْحُسَيْنُ بْنُ الْحَسَنِ الْمَرْوَزِيُّ , أنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ , أنا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ , عَنْ أَبِي مَخْزُومٍ النَّهْشَلِيِّ , عَنْ سَيَّارٍ أَبِي الْحَكَمِ , قَالَ: قَالَ ابْنُ عُمَرَ: §«إِنَّكُمْ تَسْتَفْتُونَنَا اسْتِفْتَاءَ قَوْمٍ كَأَنَّا لَا نَسْأَلُ عَمَّا نُفْتِيكُمْ بِهِ»

أنا الْقَاضِي أَبُو عَبْدٍ اللَّهِ الصَّيْمَرِيُّ , أنا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الشَّاهِدُ , نا مُكْرَمُ بْنُ أَحْمَدَ , نا أَحْمَدُ بْنُ عَطِيَّةَ , نا مُحَمَّدُ بْنُ سَمَاعَةَ , قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا يُوسُفَ , يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا حَنِيفَةَ , يَقُولُ: §«مَنْ تَكَلَّمَ فِي شَيْءٍ مِنَ الْعِلْمِ وَتَقَلَّدَهُ وَهُوَ يَظُنُّ أَنَّ اللَّهَ لَا يَسْأَلُهُ عَنْهُ كَيْفَ أَفْتَيْتَ فِي دِينِ اللَّهِ؟ فَقَدْ سَهُلَتْ عَلَيْهِ نَفْسُهُ وَدِينُهُ»

وَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ , نا ابْنُ سَمَاعَةَ , عَنْ أَبِي يُوسُفَ , قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا حَنِيفَةَ , يَقُولُ: §«لَوْلَا الْفَرَقُ مِنَ اللَّهِ أَنْ يَضِيعَ الْعِلْمَ مَا أَفْتَيْتُ أَحَدًا , يَكُونُ لَهُ الْمَهْنَأُ وَعَلَيَّ الْوِزْرُ»

أنا أَبُو نُعَيْمٍ , نا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ -[357]- الْمُقْرِئُ , نا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعْدَانِ الْوَاسِطِيُّ , نا عَمَّارُ بْنُ خَالِدٍ , نا عَبْدُ الْحَكِيمِ بْنُ مَنْصُورٍ , عَنْ حَمَّادٍ الْأَبَحِّ , عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ وَاسِعٍ , قَالَ: " §أَوَّلُ مَنْ يُدْعَى إِلَى الْحِسَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: الْفُقَهَاءُ "

أَخْبَرَنِي أَبُو عَلِيٍّ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ الوَاعِظُ , قَالَ: نا عُمَرُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عُثْمَانَ الْمَرْوَرُوذِيُّ , نا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ غَيْلَانَ السُّوسِيُّ , نا سَوَّارُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ , قَالَ: قَالَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ: §«يُغْفَرُ لِلْجَاهِلِ سَبْعُونَ ذَنْبًا قَبْلَ أَنْ يُغْفَرَ لِلْعَالِمِ ذَنْبٌ وَاحِدٌ»

أنا الْقَاضِي أَبُو زُرْعَةَ رَوْحُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ الرَّازِيُّ , أنا أَبُو يَعْقُوبَ إِسْحَاقُ بْنُ سَعْدِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ سُفْيَانَ الْفَسَوِيُّ , حَدَّثَنَا جَدِّي الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ , نا مَحْمُودٌ يَعْنِي ابْنَ خَالِدٍ قَالَ: نا مَرْوَانُ هُوَ ابْنُ مُحَمَّدٍ الطَّاطَرِيُّ , نا مَالِكٌ , عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ -[358]- أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ , قَالَ: قَالَ لِي ابْنُ خَلْدَةَ: §«إِنِّي أَرَى النَّاسَ قَدْ أَحَاطُوا بِكَ , فَإِذَا سَأَلَكَ الرَّجُلُ عَنْ مَسْأَلَةٍ , فَلَا يَكُنْ هِمَّتُكَ أَنْ تُخَلِّصَهُ , وَلَكِنْ لِتَكُنْ هِمَّتُكَ أَنْ تُخَلِّصَ نَفْسَكَ»

أنا ابْنُ الْفَضْلِ , أنا ابْنُ دَرَسْتُوَيْهِ , نا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ , نا هِشَامُ بْنُ خَالِدٍ السَّلَامِيُّ , نا أَبُو مُسْهِرٍ , نا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ , قَالَ: فحَدَّثَنِي رَبِيعَةُ , قَالَ: قَالَ لِي ابْنُ خَلْدَةَ - وَكَانَ نِعْمَ الْقَاضِي -: «يَا رَبِيعَةَ §أَرَاكَ تُفْتِي النَّاسَ , فَإِذَا جَاءَكَ رَجُلٌ يَسْأَلُكَ فَلَا يَكُنْ هَمُّكَ أَنْ تُخْرِجَهُ مِمَّا وَقَعَ فِيهِ , وَلْيَكُنْ هِمَّتُكَ أَنْ تَتَخَلَّصَ مِمَّا سَأَلَكَ عَنْهُ»

وَقَالَ يَعْقُوبُ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي زُكَيْرٍ , قَالَ: أنا ابْنُ وَهْبٍ , قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ , عَنِ ابْنِ هُرْمُزَ: " أَنَّهُ كَانَ §يَأْتِيهِ الرَّجُلُ فَيَسْأَلُهُ عَنِ الشَّيْءِ , فَيُخْبِرُهُ , ثُمَّ يَبْعَثُ فِي إِثْرِهِ مَنْ يَرُدُّهُ إِلَيْهِ , فَيَقُولُ لَهُ: إِنِّي قَدْ عَجِلْتُ فَلَا تَقْبَلْ شَيْئًا مِمَّا قُلْتُ لَكَ حَتَّى تَرْجِعَ إِلَيَّ " , قَالَ: «وَكَانَ قَلِيلًا مَنْ يُفْتِي مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ» قَالَ مَالِكٌ: وَلَيْسَ مَنْ يَخْشَى اللَّهَ كَمَنْ لَا يَخْشَاهُ

قَرَأْتُ عَلَى مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْأَزْرَقِ , عَنْ دَعْلَجِ بْنِ أَحْمَدَ , قَالَ: أنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْأَبَّارُ , نا الْحَسَنُ بْنُ الصَّبَّاحِ , حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحُنَيْنِيُّ , قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: كُنْتُ أَسْأَلُ وَأَنَا حَدَثُ السِّنِّ , فَمَرَرْتُ بِمَجْلِسِ الْأَنْصَارِ فِيهِ عُمَرُ بْنُ خَلْدَةَ الْأَنْصَارِيُّ , فَقَالَ: " تَعَالَ يَا مَالِكُ: §إِذَا سُئِلْتَ عَنْ شَيْءٍ فَتَفَكَّرْ فِيهِ , فَإِنْ وَجَدْتَ لِنَفْسِكَ مَخْرَجًا فَتَكَلَّمْ , وَإِلَّا فَاسْكُتْ "

أنا أَبُو عُمَرَ عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَهْدِيٍّ , أنا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ مَخْلَدٍ الْعَطَّارُ , نا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ هُوَ الرَّمَادِيُّ , ثَنَا حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى , عَنِ ابْنِ وَهْبٍ , قَالَ: قَالَ مَالِكٌ وَهُوَ يُنْكِرُ كَثْرَةَ الْجَوَابِ لِلسَّائِلِ: «يَا عَبْدَ اللَّهِ , §مَا عَلِمْتَ فَقُلْهُ وَدُلَّ عَلَيْهِ , وَمَا لَمْ تَعْلَمْ فَاسْكُتْ عَنْهُ , وَإِيَّاكَ أَنْ تَتَقَلَّدَ لِلنَّاسِ قِلَادَةَ سُوءٍ»

باب ما جاء في الإحجام عن الجواب إذا خفي على المسئول وجه الصواب قال الله تعالى: وفوق كل ذي علم عليم فإذا سئل المفتي عن حكم نازلة فأشكل عليه , وهناك من هو عارف به , لزمه أن يرشد السائل إليه , ويدله عليه

§بَابُ مَا جَاءَ فِي الْإِحْجَامِ عَنِ الْجَوَابِ إِذَا خَفِيَ عَلَى الْمَسْئُولِ وَجْهُ الصَّوَابِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ} [يوسف: 76] فَإِذَا سُئِلَ الْمُفْتِي عَنْ حُكْمِ نَازِلَةٍ فَأَشْكَلَ عَلَيْهِ , وَهُنَاكَ مَنْ هُوَ عَارِفٌ بِهِ , لَزِمَهُ أَنْ يُرْشِدَ السَّائِلَ إِلَيْهِ , وَيُدِلَّهُ عَلَيْهِ

كَمَا: أنا عَلِيُّ بْنُ الْقَاسِمِ بْنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيُّ , نا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ إِسْحَاقَ الْمَادَرَائِيُّ , نا عَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدٍ الدُّورِيُّ , وَعَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ يَعْنِي الْوَاسِطِيَّ , وَاللَّفْظُ لِعَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: نا يَزِيدُ , هُوَ ابْنُ هَارُونَ , عَنِ الْحَجَّاجِ , عَنِ الْحَكَمِ , عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُخَيْمِرَةَ , عَنْ شُرَيْحِ بْنِ هَانِئٍ , قَالَ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ عَنِ الْمَسْحِ , عَلَى الْخُفَّيْنِ , فَقَالَتْ: سَلْ عَلِيًّا , فَإِنَّهُ أَعْلَمُ مِنِّي بِهَذَا , وَقَدْ كَانَ يُسَافَرُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , قَالَ: فَسَأَلْتُ عَلِيًّا فَقَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «§ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهِنَّ» - يَعْنِي: لِلْمُسَافِرِ - «وَلِلْمُقِيمِ يَوْمًا وَلَيْلَةً» فَإِنْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ مَنْ يُسْتَفْتَى غَيْرُهُ لَزِمَهُ الْإِمْسَاكُ عَنْهُ , وَتَرْكُ -[361]- الْجَوَابِ فِيهِ مَا لَمْ يَتَّضِحْ لَهُ , فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى , يَقُولُ: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا}

أنا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْبَزَّازُ الْبَصْرِيُّ , نا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُثْمَانَ الْفَسَوِيُّ , نا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ , نا أَبُو حُذَيْفَةَ مُوسَى بْنُ مَسْعُودٍ , نا زُهَيْرٌ , عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ , عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرٍ , عَنْ أَبِيهِ: أَنَّ رَجُلًا , أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ الْبُلْدَانِ شَرٌّ؟ قَالَ: لَا أَدْرِي فَلَمَّا أَتَاهُ جِبْرِيلُ , قَالَ: §أَيُّ الْبُلْدَانِ شَرٌّ؟ قَالَ: لَا أَدْرِي حَتَّى أَسْأَلَ رَبِّي تَبَارَكَ وَتَعَالَى , فَانْطَلَقَ جِبْرِيلُ فَمَكَثَ مَا شَاءَ اللَّهُ , ثُمَّ جَاءَ , فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ إِنَّكَ سَأَلْتَنِي: أَيُّ الْبُلْدَانِ شَرٌّ؟ وَإِنِّي قُلْتُ: لَا أَدْرِي , وَإِنِّي سَأَلْتُ رَبِّي تَعَالَى , فَقُلْتُ: أَيُّ الْبُلْدَانِ شَرٌّ؟ فَقَالَ: «أَسْوَاقُهَا»

أنا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ رِزْقَوَيْهِ , أنا -[362]- عُثْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ الدَّقَّاقُ , نا أَحْمَدُ بْنُ يَحْيَى الْحُلْوَانِيُّ , نا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ الْحِمَّانِيُّ , نا شَرِيكٌ , عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ , عَنْ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ , قَالَ: قَالَ عَلِيٌّ: §" يَا بَرْدَهَا عَلَى الْكَبِدِ إِذَا سُئِلَ الرَّجُلُ عَمَّا لَا يَعْلَمُ أَنْ يَقُولَ: اللَّهُ أَعْلَمُ "

أنا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُعَدِّلِ , أنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ , نا سَعْدَانُ بْنُ نَصْرٍ , نا مَعْمَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ , عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بِشْرٍ: أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ , سُئِلَ عَنْ مَسْأَلَةٍ , فَقَالَ: «لَا عِلْمَ لِي» , ثُمَّ قَالَ: " §وَابَرْدَهَا عَلَى الْكَبِدِ: سُئِلْتُ عَمَّا لَا أَعْلَمُ , فَقُلْتُ: لَا أَعْلَمُ "

أنا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ الْمُقْرِئُ , أنا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْآجُرَّيُّ , أنا أَبُو أَحْمَدَ يَعْنِي هَارُونَ بْنَ يُوسُفَ التَّاجِرُ , نا ابْنُ أَبِي -[363]- عُمَرَ , نا سُفْيَانُ , عَنِ الْأَعْمَشِ , عَنْ مُسْلِمٍ , عَنْ مَسْرُوقٍ , قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: " أَيُّهَا النَّاسُ §مَنْ عَلِمَ مِنْكُمْ عِلْمًا فَلْيَقُلْ بِهِ , وَمَنْ لَمْ يَعْلَمْ , فَيَقُولُ: لَا أَعْلَمُ , وَاللَّهُ أَعْلَمُ , فَإِنَّ مَنْ عِلْمِ الْمَرْءِ أَنْ يَقُولَ لِمَا لَا يَعْلَمُ: اللَّهُ أَعْلَمُ , وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ} [ص: 86] "

أنا الْقَاضِي أَبُو عُمَرَ الْقَاسِمُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ عَبْدِ الْوَاحِدِ الْهَاشِمِيُّ , نا عَلِيُّ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْبَخْتَرِيُّ الْمَادَرَائِيُّ , نا الْعَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدٍ الدُّورِيُّ , نا يَعْلَى هُوَ ابْنُ عُبَيْدٍ الطَّنَافِسِيُّ , نا الْأَعْمَشُ , عَنْ شَقِيقٍ , قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ: رَجُلٌ مُؤَدٍّ حَرِيصٌ عَلَى الْجِهَادِ يَعْزِمُ عَلَيْنَا أُمَراؤُنَا فِي أَشْيَاءَ لَا نُحْصِيهَا؟ فَقَالَ: §«مَا أَدْرِي مَا أَقُولُ لَكَ , إِلَّا أَنَّا قَدْ كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَلَعَلَّنَا أَنْ لَا نُؤْمَرَ بِشَيْءٍ إِلَّا فَعَلْنَاهُ , وَمَا أَشْبَهَ مَا مَضَى مِنَ الدُّنْيَا وَمَا بَقِيَ إِلَّا الثَّغْبُ شُرِبَ صَفْوُهُ وَبَقِيَ كَدَرُهُ , إِنَّ الْعَبْدَ لَنْ يَزَالَ بِخَيْرٍ مَا -[364]- اتَّقَى اللَّهَ , فَإِذَا حَكَّ فِي نَفْسِهِ شَيْءٌ أَتَى رَجُلًا فَشَفَاهُ , وَايْمُ اللَّهِ , لَيُوشِكَنَّ أَنْ لَا تَجِدُوهُ»

أنا ابْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ , أنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ دَرَسْتُوَيْهِ , نا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ , نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ , نا عَبْدُ اللَّهِ الْعُمَرَيُّ , عَنْ نَافِعٍ , قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى ابْنِ عُمَرَ يَسْأَلُهُ عَنْ شَيْءٍ , فَقَالَ: «لَا عِلْمَ لِي بِهَا» , ثُمَّ الْتَفَتَ بَعْدَ أَنْ قَفَى الرَّجُلُ فَقَالَ: §" نِعْمَ مَا قَالَ ابْنُ عُمَرَ سُئِلَ عَمَّا لَا يَعْلَمُ , فَقَالَ: لَا أَعْلَمُ "

وقَالَ يَعْقُوبُ , نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُثْمَانَ , نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ , أنا مُحَمَّدُ بْنُ عَجْلَانَ , عَنْ نَافِعٍ , عَنِ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ أَمْرٍ , فَقَالَ: «لَا أَعْلَمُهُ» , ثُمَّ قَالَ: §" نِعْمَ مَا قَالَ ابْنُ عُمَرَ سُئِلَ عَنْ أَمْرٍ لَا يَعْلَمُهُ فَقَالَ: لَا أَعْلَمُ "

أنا ابْنُ الْفَضْلِ , أنا ابْنُ دَرَسْتُوَيْهِ , نا يَعْقُوبُ , نا ابْنُ عُثْمَانَ , نا عَبْدُ اللَّهِ , وأنا الْجَوْهَرِيُّ , نا أَبُو بَكْرٍ: مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ الْعَبَّاسِ الْوَرَّاقُ , وَأَبُو عُمَرَ: مُحَمَّدُ بْنُ الْعَبَّاسِ بْنِ حَيَوَيْهِ الْخَزَّازُ , قَالَا: نا يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ صَاعِدٍ , نا الْحُسَيْنُ بْنُ الْحَسَنِ , أنا ابْنُ الْمُبَارَكِ , نا حَيْوَةُ بْنُ شُرَيْحٍ , قَالَ أَخْبَرَنِي عُقْبَةُ بْنُ مُسْلِمٍ: أَنَّ ابْنَ عُمَرَ , سُئِلَ عَنْ شَيْءٍ " , فَقَالَ: «لَا أَدْرِي» , ثُمَّ أَتْبَعَهَا , فَقَالَ: §«أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا ظُهُورَنَا لَكُمْ جُسُورًا فِي جَهَنَّمَ , أَنْ تَقُولُوا أَفْتَانًا ابْنُ عُمَرَ بِهَذَا»

أنا أَبُو سَعِيدٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى بْنِ الْفَضْلِ الصَّيْرَفِيُّ , نا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْأَصَمُّ , قَالَ: نا هَارُونُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْأَصْبَهَانِيُّ , نا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ , قَالَ: نا أَبُو هِلَالٍ , عَنْ مَرْوَانَ الْأَصْفَرِ , قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ ابْنِ عُمَرَ فَسُئِلَ عَنْ شَيْءٍ , فَقَالَ: «لَا أَدْرِي» , فَلَمَّا ذَهَبَ الرَّجُلُ , أَقْبَلَ عَلَى نَفْسِهِ , وَقَالَ: " §سُئِلَ ابْنُ عُمَرَ عَمَّا لَا يَعْلَمُ , فَقَالَ: لَا أَدْرِي , وَنِعْمَ مَا قَالَ ابْنُ عُمَرَ لَمَا لَا يَدْرِي: لَا أَدْرِي "

أنا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ بَكْرَانَ الْفُوِيُّ بِالْبَصْرَةِ , قَالَ: نا أَبُو عَلِيٍّ الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُثْمَانَ الْفَسَوِيُّ , قَالَ نا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ , قَالَ: نا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ , قَالَ: نا عُمَرُ بْنُ عِصَامٍ , قَالَ: نا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ , عَنْ نَافِعٍ , عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ , قَالَ: " §الْعِلْمُ ثَلَاثَةٌ: كِتَابٌ نَاطِقٌ , وَسُنَّةٌ مَاضِيَةٌ , وَلَا أَدْرِي "

أنا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عُمَرَ الْمُقْرِئُ , أنا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْآجُرِّيُّ , نا أَبُو الْفَضْلِ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّنْدَلِيُّ , قَالَ: نا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ , نا عَبْدُ الرَّزَّاقِ , قَالَ: كَانَ مَالِكٌ يَذْكُرُ , قَالَ: كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقُولُ: §«إِذَا أَخْطَأَ الْعَالِمُ أَنْ يَقُولَ لَا أَدْرِي , فَقَدْ أُصِيبَتْ مَقَاتِلُهُ»

سَمِعْتُ أَبَا الْحَسَنِ: مُحَمَّدَ بْنَ أَحْمَدَ بْنِ عُمَرَ الصَّابُونِيَّ , يَقُولُ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الشَّافِعِيُّ , نا إِبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيُّ , نا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ , نا مُحَمَّدُ بْنُ إِدْرِيسَ الشَّافِعِيُّ , نا مَالِكُ -[367]- بْنُ أَنَسٍ , قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عَجْلَانَ , يَقُولُ: §«إِذَا أَخْطَأَ الْعَالِمُ لَا أَدْرِي أُصِيبَتْ مَقَاتِلُهُ»

أنا ابْنُ الْفَضْلِ , أنا ابْنُ دَرَسْتُوَيْهِ , نا يَعْقُوبُ , نا زَيْدُ بْنُ بِشْرٍ , قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ وَهْبٍ , أَخْبَرَنِي مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ , أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ يَزِيدَ بْنِ هُرْمُزَ , يَقُولُ: §" يَنْبَغِي لِلْعَالِمِ أَنْ يُوَرِّثَ , جُلَسَاءَهُ مِنْ بَعْدَهُ لَا أَدْرِي , حَتَّى يَكُونَ ذَلِكَ أَصْلًا فِي أَيْدِيهِمْ يَفْزَعُونَ إِلَيْهِ , إِذَا سُئِلَ أَحَدُهُمْ عَمَّا لَا يَدْرِي , قَالَ: لَا أَدْرِي "

أنا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ رِزْقٍ , أنا عُثْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ الدَّقَّاقُ , نا حَنْبَلُ بْنُ إِسْحَاقَ , قَالَ: نا أَبُو نُعَيْمٍ , نا سُفْيَانُ , عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ , عَنِ الْقَاسِمِ , قَالَ: §«لَأَنْ يَعِيشَ الرَّجُلُ جَاهِلًا خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يُفْتِيَ بِمَا لَا يَعْلَمُ»

أنا ابْنُ الْفَضْلِ , قَالَ: أنا ابْنُ دَرَسْتُوَيْهِ , نا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ , قَالَ: نا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ , قَالَ: نا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ , عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ , قَالَ -[368]-: سُئِلَ الْقَاسِمُ يَوْمًا , فَقَالَ: «لَا أَعْلَمُ» , ثُمَّ قَالَ: وَاللَّهِ §«لَأَنْ يَعِيشَ الرَّجُلُ جَاهِلًا بَعْدَ أَنْ يَعْلَمَ حَقَّ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَلَيْهِ , خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَقُولَ مَا لَا يَعْلَمُ»

وقَالَ يَعْقُوبُ , نا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ , نا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ , عَنْ أَيُّوبَ , قَالَ: سُئِلَ الْقَاسِمُ يَوْمًا عَنْ مَسْأَلَةٍ , فَقَالَ: «لَا أَدْرِي» , ثُمَّ قَالَ: §«مَا كُلُّ مَا تَسْأَلُونَا عَنْهُ نَعْلَمُ , وَلَوْ عَلِمْنَا مَا كَتَمْنَاكُمْ , وَلَا حَلَّ لَنَا أَنْ نَكْتُمَكُمْ»

أَخْبَرَنِي أَبُو الْخَطَّابِ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ الجَبَلِيُّ الشَّاعِرُ , أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ الْحَسَنِ الْكِلَابِيُّ , بِدِمَشْقَ , أنا مُحَمَّدُ بْنُ خُرَيْمٍ الْعُقَيْلِيُّ , نا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ , نا مَالِكٌ , قَالَ: أَتَى الْقَاسِمَ أَمِيرٌ مِنْ أُمَرَاءِ الْمَدِينَةِ فَسَأَلَهُ عَنْ شَيْءٍ , فَقَالَ الْقَاسِمُ: §«إِنَّ مِنْ إِكْرَامِ الْمَرْءِ نَفْسَهُ أَنْ لَا يَقُولَ إِلَّا مَا أَحَاطَ بِهِ عِلْمُهُ»

أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ الصَّيْرَفِيُّ , قَالَ: نا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْأَصَمُّ , قَالَ: نا هَارُونُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْأَصْبَهَانِيُّ , قَالَ: نا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ , عَنْ أَبِي عَوَانَةَ , وأنا أَبُو إِسْحَاقَ الْبَرْمَكِيُّ , قَالَ: أنا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ -[369]- بْنِ خَلَفِ بْنِ بُخَيْتٍ الدَّقَّاقُ , قَالَ: نا عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى الْجَوْهَرِيُّ , قَالَ: نا أَبُو بَكْرٍ الْأَثْرَمُ , قَالَ: ثَنَا عَفَّانُ , قَالَ: ثَنَا أَبُو عَوَانَةَ , عَنْ مُغِيرَةَ , عَنِ الشَّعْبِيِّ , قَالَ: " §لَا أَدْرِي: نِصْفُ الْعِلْمِ "

أنا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدٍ الشَّيْخُ الصَّالِحُ , وَأَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ دَاوُدَ الرَّزَّازُ , قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ سَلْمَانَ بْنِ الْحَسَنِ النِّجَادُ إِمْلَاءً , قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو يَحْيَى النَّاقِدُ , قَالَ: نَا خَالِدُ بْنُ خِدَاشٍ , قَالَ: سَمِعْتُ مَالِكَ بْنَ أَنَسٍ , قَالَ: §" كُنَّا جُلُوسًا عِنْدَ أَيُّوبَ , فَسَأَلَهُ عُمَرُ بْنُ نَافِعٍ عَنْ شَيْءٍ , فَلَمْ يُجِبْهُ أَيُّوبُ , فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: لَا أَرَاكَ فَهِمْتَ , قَالَ: بَلَى , قَالَ: فَمَا لَكَ لَا تُجِيبُنِي؟ قَالَ: لَا أَعْلَمُ " قَالَ مَالِكٌ: وَنَحْنُ نَتَكَلَّمُ

أنا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ الرَّزَّازُ , قَالَ: نا أَحْمَدُ بْنُ سَلْمَانَ , نا أَبُو يَحْيَى النَّاقِدُ , نا خَالِدُ بْنُ خِدَاشٍ , قَالَ: سَمِعْتُ الْفُضَيْلَ بْنَ عِيَاضٍ , قَالَ: " §سُئِلَ أَيُّوبُ فِي هَذَا الْمَسْجِدِ عَنْ شَيْءٍ , فَقَالَ: لَا أَدْرِي , فَقَالَ لَهُ الرَّجُلُ: دُلَّنِي عَلَى مَنْ يَدْرِي , فَقَالَ أَيُّوبُ: لَا أَدْرِي , -[370]- وَلَا أَدْرِي مَنْ يَدْرِي "

أنا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ الْحِنَّائِيُّ , نا أَحْمَدُ بْنُ سَلْمَانَ النِّجَادُ , نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ , قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ: قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ: سَأَلَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْمَغْرِبِ مَالِكَ بْنَ أَنَسٍ عَنْ مَسْأَلَةٍ , فَقَالَ: «لَا أَدْرِي» , فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ: تَقُولُ لَا أَدْرِي؟ قَالَ: «نَعَمْ , §فَبَلِّغُ مَنْ وَرَاءَكَ أَنِّي لَا أَدْرِي»

أنا عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ , صَاحِبُ الْعَبَّاسِيِّ , أنا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ الرَّازِيُّ , أنا أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ الْقَاسِمِ الْكَوْكَبِيُّ , نا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ , أنا الْهَيْثَمُ بْنُ عَدِيٍّ , عَنْ مُجَالِدٍ , قَالَ: سُئِلَ الشَّعْبِيُّ عَنْ شَيْءٍ , فَقَالَ: «لَا أَدْرِي» , فَقِيلَ لَهُ أَمَا تَسْتَحِي مِنْ قَوْلِكَ لَا أَدْرِي , وَأَنْتَ فَقِيهُ أَهْلِ الْعِرَاقَيْنِ؟ قَالَ: " §لَكِنَّ الْمَلَائِكَةَ لَمْ تَسْتَحِي حِينَ , قَالَتْ: {سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا} [البقرة: 32] "

أنا أَبُو الْقَاسِمِ الْأَزْهَرِيُّ , وأَبُو يَعْلَى: أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ الْوَكِيلُ , قَالَا: أنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ التَّمِيمِيُّ الْكُوفِيُّ , أنا ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ , قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمَرْزَبَانِيُّ , نا أَحْمَدُ بْنُ الصَّقْرِ الْكَتَّانِيُّ , قَالَ ابْنُ الْمُقَفَّعَ: §«مَنْ أَنِفَ مِنْ قَوْلِ لَا أَدْرِي تَكَلَّفَ الْكَذِبَ»

أنا أَبُو الْقَاسِمِ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ الرَّقِّيُّ , قَالَ: نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ الْبَزَّازُ , نا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى النَّدِيمُ , أنا الْمُبَرِّدُ , قَالَ: قَالَ بَعْضُ الْأَوَائِلِ: §«لَقَدْ حَسُنَتْ عِنْدِي لَا أَدْرِي , حَتَّى أَرَدْتُ قَوْلَهَا فِيمَا أَدْرِي»

أنا الْبَرْمَكِيُّ , أنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُخَيْتٍ , نا عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْجَوْهَرِيُّ , نا أَبُو بَكْرٍ الْأَثْرَمُ , قَالَ: §" وَسَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ يُسْتَفْتَى , فَيُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ: لَا أَدْرِي " وَذَلِكَ فِيمَا قَدْ عَرَفَ الْأَقَاوِيلَ فِيهِ , وَذَلِكَ أَنَّهُ يَسْأَلُ عَنِ اخْتِيَارِهِ , فَيَذْكُرُ الِاخْتِلَافَ , وَمَعْنَى قَوْلِهِ: لَا أَدْرِي أَيْ: لَا أَدْرِي مَا أَخْتَارُ مِنْ ذَلِكَ , وَرُبَّمَا سَمِعْتُهُ يَقُولُ فِي الْمَسْأَلَةِ لَا أَدْرِي , ثُمَّ يَذْكُرُ فِيهَا أَقَاوِيلَ

أنا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عَلِيٍّ الْأَصْبَهَانِيُّ , نا أَبُو الْفَرَجِ مُحَمَّدُ بْنُ الطَّيِّبِ الْبَلُّوطِيُّ , نا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى الْمَرْوَزِيُّ , قَالَ: سَمِعْتُ إِسْحَاقَ بْنَ أَبِي إِسْرَائِيلَ , يَقُولُ: سَمِعْتُ حَمَّادَ بْنَ زَيْدٍ , يَقُولُ: " كَانَ لَنَا قَاصٌّ يَقُولُ فِي قَصَصِهِ: §الْوقُوفُ عِنْدَ الشُّبْهَةِ , خَيْرٌ مِنَ الِاقْتِحَامِ عَلَى الْهَلَكَةِ "

باب أدب المستفتي أول ما يلزم المستفتي إذا نزلت به نازلة أن يطلب المفتي , ليسأله عن حكم نازلته فإن لم يكن في محلته وجب عليه أن يمضي إلى الموضع الذي يجده فيه فإن لم يكن ببلده لزمه الرحيل إليه , وإن بعدت داره , فقد رحل غير واحد من السلف في مسألة

§بَابُ أَدَبِ الْمُسْتَفْتِي أَوَّلُ مَا يَلْزَمُ الْمُسْتَفْتِي إِذَا نَزَلَتْ بِهِ نَازِلَةٌ أَنْ يَطْلُبَ الْمُفْتِيَ , لَيَسْأَلَهُ عَنْ حُكْمِ نَازِلَتِهِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي مَحَلَّتِهِ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَمْضِيَ إِلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي يَجِدُهُ فِيهِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِبَلَدِهِ لَزِمَهُ الرَّحِيلُ إِلَيْهِ , وَإِنْ بَعُدَتْ دَارُهُ , فَقَدْ رَحَلَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ السَّلَفِ فِي مَسْأَلَةٍ

أنا أَبُو الْفَرَجِ عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْبُزَانِيُّ بِأَصْبَهَانَ , حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ بُنْدَارٍ الْمَدِينِيُّ , نا أُسَيْدُ بْنُ عَاصِمٍ , نا الْحُسَيْنُ بْنُ حَفْصٍ , نا سُفْيَانُ , عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ , قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ , قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ مِنَّا إِلَى أَبِي الدَّرْدَاءِ أَمَرَتْهُ أُمُّهُ فِي امْرَأَتِهِ أَنْ يُفَارِقَهَا فَرَحَلَ إِلَى أَبِي الدَّرْدَاءِ يَسْأَلُهُ فِي ذَلِكَ , فَقَالَ لَهُ أَبُو الدَّرْدَاءِ: مَا أَنَا بِالَّذِي آمُرُكَ أَنْ تُطَلِّقَ , وَمَا أَنَا بِالَّذِي آمُرُكَ أَنْ تُمْسِكَ , سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: §«الْوَالِدُ أَوْسَطُ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ فَأَضِعْ ذَلِكَ الْبَابَ أَوِ احْفَظْهُ» -[376]- قَالَ: فَرَجَعَ الرَّجُلُ وَقَدْ فَارَقَهَا

أنا أَبُو بَكْرٍ الْبَرْقَانِيُّ , قَالَ: قَرَأْنَا عَلَى أَبِي بَكْرٍ أَحْمَدَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْإِسْمَاعِيلِيِّ , أَخْبَرَكَ يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدٍ الْحِنَّائِيُّ , نا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاذٍ , نا أَبِي , نا شُعْبَةُ , عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ النُّعْمَانِ , عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ , ثَنَا قَالَ: اخْتَلَفَ أَهْلُ الْكُوفَةِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: {§وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا} [النساء: 93] , فَرَحَلْتُ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ فَسَأَلْتُهُ عَنْهَا , فَقَالَ: «لَقَدْ أُنْزِلَتْ آخِرَ مَا أُنْزِلَ , ثُمَّ مَا نَسَخَهَا شَيْءٌ» وَإِذَا قَصَدَ أَهْلَ مَحِلَّةٌ لِلْاسْتِفْتَاءِ عَمَّا نَزَلَ بِهِ , فَعَلَيْهِ أَنْ يَسْأَلَ مَنْ يَثِقُ بِدِينِهِ وَيَسْكُنُ إِلَى أَمَانَتِهِ عَنْ أَعْلَمِهِمْ وَأَمْثَلِهِمْ , لِيَقْصِدَهُ وَيَؤُمَّ نَحْوَهُ , فَلَيْسَ كُلُّ مَنِ ادَّعَى الْعِلْمَ أَحْرَزَهُ , وَلَا كُلُّ مَنِ انْتَسَبَ إِلَيْهِ كَانَ مِنْ أَهْلِهِ

وَقَدْ: أنا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ السُّكَّرِيُّ , -[377]- قَالَ: نا أَبُو عَلِيٍّ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَسَنِ الصَّوَّافُ , قَالَ: نا أَبُو إِسْمَاعِيلَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ التِّرْمِذِيُّ , قَالَ: نا عَبْدُ الْعَزِيزِ الْأُوَيْسِيُّ , قَالَ: نا مَالِكٌ: أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ , قَالَ لِرَجُلٍ: «§مَنْ سَيِّدُ قَوْمِكَ؟» قَالَ: أَنَا , قَالَ لَهُ عُمَرُ: «لَوْ كُنْتَ سَيِّدَهُمْ مَا قُلْتَ»

وَكَانَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ جُرَيْجٍ , يَقُولُ فِيمَا: أنا أَبُو مُحَمَّدٍ صَالِحُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ الْمُؤَدِّبُ , قَالَ: نا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ كَامِلِ بْنِ خَلَفٍ الْقَاضِي , قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا قِلَابَةَ الرَّقَاشِيَّ , يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا عَاصِمٍ , كَثِيرًا , يَقُولُ: سَمِعْتُ ابْنَ جُرَيْجٍ , يَقُولُ كَثِيرًا: « [البحر الكامل] §خَلَتِ الدِّيَارُ فَسُدْتُ غَيْرُ مُسَوَّدِ ... وَمِنَ الشَّقَاءِ تَفَرُّدِي بِالسُّؤْدَدِ»

أنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْحَرْبِيُّ , أنا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الزُّبَيْرِ الْكُوفِيُّ , نا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَفَّانَ الْعَامِرِيُّ , نا زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ , عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ طَلْحَةَ بْنِ مُصَرِّفٍ , قَالَ: حَدَّثَنِي مَيْمُونٌ أَبُو حَمْزَةَ , قَالَ: قَالَ لِي إِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ: §«تَكَلَّمْتُ وَلَوْ وَجَدْتُ بُدًّا لَمْ أَتَكَلَّمْ , وَإِنَّ زَمَانًا أَكُونُ فِيهِ فَقِيهًا لَزَمَانُ سُوءٍ»

أنا أَبُو الْحُسَيْنِ أَحْمَدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْوَاثِقِ بِاللَّهِ الْهَاشِمِيُّ , قَالَ: حَدَّثَنِي جَدِّي , حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْعَبَّاسِ الطَّيَالِسِيُّ , نا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ , قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الْوَاحِدِ , عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ , قَالَ: «§إِنَّ هَذَا الْعِلْمَ دِينٌ، فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ عَمَّنْ يَأْخُذُهُ»

أنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ الْقَاسِمِ التَّمِيمِيُّ , بِدِمَشْقَ , أنا الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ يُوسُفُ بْنُ الْقَاسِمِ الْمَيَانِجِيُّ , نا أَبُو خَلِيفَةَ الْفَضْلُ بْنُ الْحُبَابِ , قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ , عَنْ حَمَّادٍ , عَنِ ابْنِ عَوْنٍ , قَالَ: §«إِنَّ هَذَا الْعِلْمَ دِينٌ فَانْظُرْ عَمَّنْ تَأْخُذُ دِينَكَ»

أنا أَحْمَدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ رَوْحٍ النَّهْرَوَانِيُّ , بِهَا , أنا أَبُو مُحَمَّدٍ طَلْحَةُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَسَنِ الصُّوفِيُّ , نا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي مَهْزُولٍ , قَالَ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ , يَقُولُ: سَمِعْتُ يَزِيدَ بْنَ هَارُونَ , يَقُولُ: «إِنَّ §الْعَالِمَ حُجَّتُكَ بَيْنَكَ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى , فَانْظُرْ مَنْ تَجْعَلُ حُجَّتَكَ بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ»

أنا الْحَسَنُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ , أنا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ مِقْسَمٍ الْمُقْرِئُ , نا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ الْخُرَاسَانِيُّ , نا أَحْمَدُ بْنُ -[379]- إِبْرَاهِيمَ , نا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ قَرِيبٍ الْأَصْمَعِيُّ , أنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي الزِّنَادِ , عَنْ أَبِيهِ , قَالَ: §«أَدْرَكْتُ بِالْمَدِينَةِ مِائَةً أَوْ قَرِيبًا مِنْ مِائَةٍ , كُلُّهُمْ مَأْمُونٌ , مَا يُؤْخَذُ عَنْ رَجُلٍ مِنْهُمْ حَرْفٌ مِنَ الْفِقْهِ , يُقَالُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهِ» فَإِنِ اسْتُرْشِدَ جَمَاعَةٌ فَعَلَيْهِمْ أَنْ يُنَبِّهُوهُ عَلَى أَفْضَلِ الْمُفْتِينَ , وَأَعْلَمِهِمْ بِأَحْكَامِ الدِّينِ

أنا أَبُو الْفَرَجِ عَبْدُ السَّلَامِ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ الْقُرَشِيُّ الْأَصْبَهَانِيُّ , أنا أَبُو الْقَاسِمِ: سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ أَيُّوبَ الطَّبَرَانِيُّ , قَالَ: نا أَحْمَدُ بْنُ الْمُعَلَّى , " قَالَ: نا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي الْحَوَارِيِّ , قَالَ: نا مَرْوَانُ بْنُ مُحَمَّدٍ الطَّاطَرِيُّ , نا يَحْيَى بْنُ حَمْزَةَ , عَنْ مُوسَى بْنِ يَسَارٍ , قَالَ: كَانَ رَجَاءُ بْنُ حَيْوَةَ وَعَدِيُّ بْنُ عَدِيٍّ وَمَكْحُولٌ فِي الْمَسْجِدِ , فَسَأَلَ رَجُلٌ مَكْحُولًا عَنْ مَسْأَلَةٍ , فَقَالَ مَكْحُولٌ: §«سَلُوا شَيْخَنَا وَسَيِّدَنَا رَجَاءَ بْنَ حَيْوَةَ» وَإِنْ ذُكِرَ لَهُ اثْنَانِ , أَوْ أَكْثَرُ بَدَأَ بِالْأَسَنِّ وَالْأَكْثَرُ مِنْهُمُ رِيَاضَةً وَدُرْبَةً , فَيُنْبِلُهُ فِي الْخِطَابِ وَيُبَجِّلُهُ فِي الْأَلْفَاظِ , وَلَا تَكُونُ مُخَاطَبَتُهُ لَهُ كَمُخَاطَبَتِهِ أَهْلَ السُّوقِ وَأَفْنَاءَ الْعَوَامِ , فَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا} [النور: 63] وَهَذَا أَصْلٌ فِي أَنْ يُمَيَّزَ

ذُو الْمَنْزِلَةِ بِمَنْزِلَتِهِ , وَيُفَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَنْ لَمْ يَلْحَقْ بِطَبَقَتِهِ

وَجَاءَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي إِكْرَامِ ذِي السِّنِّ مَا: أنا أَبُو الْحَسَنِ: عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ إِسْمَاعِيلَ الْبَزَّازُ بِالْبَصْرَةِ , نا أَبُو عَلِيٍّ الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُثْمَانَ الْفَسَوِيُّ , نا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ , نا أَبُو خَالِدٍ يَزِيدُ بْنُ بَيَانٍ الْعُقَيْلِيُّ , نا أَبُو الرِّجَالِ الْأَنْصَارِيُّ , عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ , قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: §«مَا أَكْرَمَ شَابٌّ شَيْخًا لِسِنِّهِ إِلَّا قَيَّضَ اللَّهُ لَهُ مَنْ يُكْرِمُهُ عِنْدَ سِنِّهِ»

أنا الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ الْحِيرِيُّ , أنا أَبُو عَلِيٍّ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ مَعْقِلٍ الْمَيْدَانِيُّ , نا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى هُوَ الذُّهْلِيُّ , ثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ , عَنْ مَعْمَرٍ , عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ , عَنْ أَبِيهِ , قَالَ: " §مِنَ السُّنَّةِ أَنْ يُوَقَّرَ , أَرْبَعَةٌ: الْعَالِمُ , وَذُو الشَّيْبَةِ , وَالسُّلْطَانُ وَالْوَالِدُ "

وَلَا يَسْأَلُهُ قَائِمًا , فَقَدْ -[381]-: أنا الْبَرْقَانِيُّ , قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى أَبِي الْقَاسِمِ بْنِ النَّخَّاسِ , حَدَّثَكُمْ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْبَصَلَانِيُّ نا بُنْدَارٌ , نا سَلْمُ بْنُ قُتَيْبَةَ , نا شُعْبَةُ , عَنْ قَتَادَةَ , قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا الطُّفَيْلِ عَنْ مَسْأَلَةٍ , فَقَالَ: §«إِنَّ لِكُلِّ مَقَامٍ مَقَالًا» وَإِنْ رَآهُ فِي هَمٍّ قَدْ عَرَضَ لَهُ , أَوْ أَمْرٍ يَحُولُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ لُبِّهِ , وَيَصُدُّهُ عَنِ اسْتِيفَاءِ فِكْرِهِ , أَمْسَكَ عَنْهُ , حَتَّى إِذَا زَالَ ذَلِكَ الْعَارِضُ , وَعَادَ إِلَى الْمَأْلُوفِ مِنْ سُكُونِ الْقَلْبِ , وَطِيبِ النَّفْسِ , فَحِينَئِذٍ يَسْأَلُهُ وَقَدْ نَبَّهَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , عَلَى ذَلِكَ

فِيمَا: أنا أَبُو نُعَيْمٍ الْحَافِظُ , نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ فَارِسٍ , نا يُونُسُ بْنُ حَبِيبٍ , نا أَبُو دَاوُدَ , نا شُعْبَةُ , قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عُمَيْرٍ , قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي بَكْرَةَ , أَنَّ أَبَاهُ , كَتَبَ إِلَيْهِ وَهُوَ عَلَى سِجِسْتَانَ: أَنْ لَا تَقْضِ بَيْنَ رَجُلَيْنِ وَأَنْتَ غَضْبَانُ , فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , -[382]- يَقُولُ: §«لَا يَقْضِ رَجُلٌ بَيْنَ رَجُلَيْنِ أَوْ بَيْنَ خَصْمَيْنِ وَهُوَ غَضْبَانُ» وَمِنْ أَدَبِ الْمُسْتَفْتِي أَنْ لَا يَقُولَ عِنْدَ جَوَابِ الْمُفْتِي: هَكَذَا قُلْتُ أَنَا , أَوْ هَكَذَا وَقَعَ لِي , أَوْ بِهَذَا أُجِبْتُ وَلَا يَنْبَغِي لَهُ إِذَا سَأَلَ الْمُفْتِيَ أَنْ يَقُولَ لَهُ: مَا يَقُولُ صَاحِبُكَ؟ أَوْ مَا تَحْفَظُ فِي كَذَا؟ بَلْ يَقُولُ: مَا تَقُولُ أَيُّهَا الْفَقِيهُ؟ أَوْ مَا عِنْدَكَ؟ أَوْ مَا الْفَتْوَى فِي كَذَا؟

أنا أَبُو الْحَسَنِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْعُتَيْقِيُّ , وَالْقَاضِي أَبُو الْقَاسِمِ عَلِيُّ بْنُ الْمُحْسِنِ التَّنُوخِيُّ , قَالَا: أنا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْبَرْذَعِيُّ , نا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي حَاتِمٍ , قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو عُثْمَانَ الْخُوَارِزْمِيُّ , نَزِيلُ مَكَّةَ فِيمَا كَتَبَ إِلَيَّ , قَالَ: نا أَبُو أَيُّوبَ حُمَيْدُ بْنُ أَحْمَدَ الْبَصْرِيُّ , قَالَ: قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: " §قُلْتُ لِلشَّافِعِيِّ: مَا تَقُولُ فِي مَسْأَلَةِ كَذَا وَكَذَا؟ قَالَ: فَأَجَابَ فِيهَا , فَقُلْتُ: مِنْ أَيْنَ قُلْتَ؟ هَلْ فِيهِ حَدِيثٌ أَوْ كِتَابٌ؟ قَالَ: بَلَى , فَنَزَعَ فِي ذَلِكَ حَدِيثًا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَهُوَ حَدِيثٌ: نَصٌّ " وَلَيْسَ يَنْبَغِي لِلْعَامِّيِّ أَنْ يُطَالِبَ الْمُفْتِيَ بِالْحُجَّةِ فِيمَا أَجَابَهُ بِهِ , وَلَا يَقُولُ لِمَ وَلَا كَيْفَ , قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ -[383]- كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [النحل: 43] وَفَرَّقَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بَيْنَ الْعَامَّةِ وَبَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ فَقَالَ: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} [الزمر: 9] فَإِنْ أَحَبَّ أَنْ تَسْكُنَ نَفْسُهُ بِسَمَاعِ الْحُجَّةِ فِي ذَلِكَ , سَأَلَ عَنْهَا فِي زَمَانٍ آخَرَ وَمَجْلِسٍ ثَانٍ أَوْ بَعْدَ قَبُولِ الْفَتْوَى مِنَ الْمُفْتِي مُجَرَّدَةً , وَإِذَا رَفَعَ السَّائِلُ مَسْأَلَتَهُ فِي رُقْعَةٍ , فَيَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ الرُّقْعَةُ وَاسِعَةً لِيَتَمَكَّنَ الْمُفْتِي مِنْ شَرْحِ الْجَوَابِ فِيهَا , فَرُبَّمَا اخْتَصَرَ ذَلِكَ لِضِيقِ الْبَيَاضِ , فَأَضَرَّ بِالسَّائِلِ فَإِنْ أَرَادَ الِاقْتِصَارَ عَلَى جَوَّابِ الْمَسْئُولِ وَحْدَهُ , قَالَ لَهُ فِي الرُّقْعَةِ: مَا تَقُولُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْكَ , أَوْ رَحِمَكَ اللَّهُ أَوْ وَفَّقَكَ اللَّهُ؟ وَلَا يَحْسُنُ فِي هَذَا: مَا تَقُولُ؟ رَحِمَنَا اللَّهُ وَإِيَّاكَ , بَلْ لَوْ قَالَ: مَا تَقُولُ رَحِمَكَ اللَّهُ وَرَحِمَ وَالِدَيْكَ؟ كَانَ أَحْسَنَ وَإِنْ أَرَادَ مَسْأَلَةً جَمَاعَةً مِنَ الْفُقَهَاءِ , قَالَ: مَا تَقُولُونَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْكُمْ؟ أَوْ مَا يَقُولُ الْفُقَهَاءُ سَدَّدَهُمُ اللُّهُ فِي كَذَا؟ وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ: أَفْتُونَا فِي كَذَا , وَلَا: لِيُفْتِ الْفُقَهَاءَ فِي كَذَا , فَإِنْ قَالَ: مَا الْجَوَابُ؟ أَوْ مَا الْفَتْوَى فِي كَذَا؟ كَانَ قَرِيبًا وَحُكِيَ أَنَّ فَتْوًى وَرَدَتْ مِنَ السُّلْطَانِ إِلَى أَبِي جَعْفَرٍ: مُحَمَّدِ بْنِ جَرِيرٍ الطَّبَرِيِّ لَمْ يَكْتُبْ لَهُ الدُّعَاءَ فِيهَا , فَكَتَبَ الْجَوَابَ فِي أَسْفَلِهَا: لَا يَجُوزُ , أَوْ كَتَبَ: يَجُوزُ وَلَمْ يَزِدْ عَلَى ذَلِكَ , فَلَمَّا عَادَتِ الرُّقْعَةُ إِلَى السُّلْطَانِ , وَوَقَفَ عَلَيْهَا , عَلِمَ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ مِنْ أَبِي جَعْفَرٍ الطَّبَرِيِّ , لِلتَّقْصِيرِ فِي الْخِطَابِ الَّذِي خُوطِبَ بِهِ , فَاعْتَذَرَ إِلَيْهِ , -[384]- وَأَوَّلُ مَا يَجِبُ فِي ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ كَاتِبُ الِاسْتِفْتَاءِ ضَابِطًا , يَضَعُ سُؤَالَهُ عَلَى الْغَرَضِ مَعَ إِبَانَةِ الْخَطِّ , وَنَقْطِ مَا أَشْكَلَ , وَشَكْلِ مَا اشْتَبَهَ

أنا أَبُو مُحَمَّدٍ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْجَوْهَرِيُّ , قَالَ: أنا أَبُو عُبَيْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عِمْرَانَ الْمَرْزَبَانِيُّ , أنا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْخَصِيبِيُّ , قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو الْحُسَيْنِ الْخَيَّاطُ , قَالَ: " §كُنْتُ قَاعِدًا عِنْدَ أَبِي مُجَالِدٍ: أَحْمَدَ بْنِ الْحُسَيْنِ , فَجَاءَتْهُ امْرَأَةٌ بِرُقْعَةٍ فِيهَا مَسْأَلَةٌ , فَقَالَ لِي: اقْرَأْ عَلَيَّ يَا أَبَا الْحُسَيْنِ , قَالَ: فَأَخَذْتُ الرُّقْعَةَ , فَإِذَا فِيهَا: رَجُلٌ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ إِنْ تَمَّ وَقْفُ عَبْدَانِ؟ فَقَرَأْتُ عَلَيْهِ ذَلِكَ , فَقَالَ لَهَا: يَا امْرَأَةُ مَا حَالُ وَقْفِ عَبْدَانِ؟ فَقَالَتْ لَهُ: لَسْتُ أَعْرِفُ وَقْفَ عَبْدَانِ , فَقَالَ لِي: أَعِدِ الْقِرَاءَةَ , فَقَرَأْتُ عَلَيْهِ كَمَا قَرَأْتُ أَوَّلًا , فَقَالَ لَهَا: يَا امْرَأَةُ تَمَّ وَقْفُ عَبْدَانِ هَذَا أَوْ لَمْ يَتِمَّ؟ قَالَتْ: لَا وَاللَّهِ , مَا أَعْرِفُ وَقْفَ عَبْدَانِ , وَكَانَ فِي الْمَسْجِدِ جَمَاعَةٌ , فَقَالَ لَهُمُ: انْظُرُوا فِي رُقْعَةِ الْمَرْأَةِ فَنَظَرُوا فَكُلٌّ قَالَ كَمَا قُلْتُ , ثُمَّ انْتَبَهَ لِمَا فِي الرُّقْعَةِ بَعْضُهُمْ فَإِذَا فِيهَا: رَجُلٌ قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ إِنْ تَمَّ وَقْفٌ عِنْدَ «إِنْ» . " وَكَانَ بَعْضُهُمْ يَخْتَارُ: أَنْ يَدْفَعَ الرُّقْعَةَ إِلَى الْمُفْتِي مَنْشُورَةً , وَلَا يُكَلِّفُهُ نَشْرُهَا , وَيَأْخُذُهَا مِنْ يَدِهِ إِذَا أَفْتَى وَلَا يُكَلِّفُهُ طَيَّهَا , وَإِذَا أَرَادَ الْمُسْتَفْتِي جَمْعَ جَوَابَاتٍ عِدَّةٍ مِنَ الْمُفْتِينَ فِي رُقْعَةٍ وَاحِدَةٍ , بَدَأَ بِسُؤَالِ

الْأَسَنِّ وَالْأَعْلَمِ , فَقَدُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فِي قِصَّةِ حُوَيِّصَةَ وَمُحَيِّصَةَ: كَبِّرْ كَبِّرْ وَسُقْنَا الْخَبَرَ بِذَلِكَ فِيمَا تَقَدَّمَ

وأنا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْبَصْرِيُّ , نا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُثْمَانَ الْفَسَوِيُّ , نا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ , نا ابْنُ عُثْمَانَ يَعْنِي عَبْدَانَ الْمَرْوَزِيَّ , نا عَبْدُ اللَّهِ وَهُوَ ابْنُ الْمُبَارَكِ , نا أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ , عَنْ نَافِعٍ , أَنَّ ابْنَ عُمَرَ , قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَنُّ فَأَعْطَاهُ أَكْبَرَ الْقَوْمِ , ثُمَّ قَالَ: §«إِنَّ جِبْرِيلَ أَمَرَنِي أَنْ أُكَبِّرَ» وَإِنْ أَرَادَ الْمُسْتَفْتِي إِفْرَادَ الْجَوَابَاتِ فِي رِقَاعٍ فَلَا عَلَيْهِ أَنْ يَبْدَأَ بِأَيِّهِمْ شَاءَ وَدَفَعَ غُلَامٌ رُقْعَةً إِلَى بَعْضِ الْمُفْتِينَ يَسْتَفْتِيهِ , فَقَالَ لَهُ: بَعْدَ مَا تَأَمَّلَهَا: فَأَيْنَ أَكْتُبُ الْجَوَابَ؟ فَقَالَ عَلَى ظَهْرِ الرُّقْعَةِ , فَقَالَ: وَمَا هَذِهِ الْمُضَايِقَةُ؟ لَكِنْ خُذِ الْجَوَابَ شَفَاهًا

باب ما يفعله المفتي في فتواه إذا لم يكن بالموضع الذي هو فيه مفت سواه لزمه فتوى من استفتاه , لقول الله تبارك وتعالى: إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون

§بَابُ مَا يَفْعَلُهُ الْمُفْتِي فِي فَتْوَاهُ إِذَا لَمْ يَكُنْ بِالْمَوْضِعِ الَّذِي هُوَ فِيهِ مُفْتٍ سِوَاهُ لَزِمَهُ فَتْوَى مَنِ اسْتَفْتَاهُ , لِقَوْلِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ} [البقرة: 159]

وأنا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ السَّرَّاجُ , ثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْأَصَمُّ , نا الْحَسَنُ بْنُ إِسْحَاقَ الْعَطَّارُ , نا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدٍ الْقُرَشِيُّ , نا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ , عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ , عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ , عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ , قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: §«مَنْ سُئِلَ عَنْ عِلْمٍ فَكَتَمَهُ أَلْجَمَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِلِجَامٍ مِنْ نَارٍ»

أنا أَبُو سَعِيدٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى بْنِ الْفَضْلِ الصَّيْرَفِيُّ , نا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْأَصَمُّ , نا يَحْيَى بْنُ أَبِي طَالِبٍ , نا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ -[387]- عَطَاءٍ , أنا سَعِيدٌ , عَنْ قَتَادَةَ: أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: {§وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ} [آل عمران: 187] وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ قَالَ: «هَذَا مِيثَاقٌ أَخَذَهُ اللَّهُ عَلَى أَهْلِ الْعِلْمِ , فَمَنْ عَلِمَ عِلْمًا فَلْيُعَلِّمْهُ , وَإِيَّاكُمْ وَكِتْمَانَ الْعِلْمِ , فَإِنَّهَا هَلَكَةٌ , وَلَا يَتَكَلَّفَنَّ الرَّجُلُ مَا لَا يَعْلَمُ , فَيَخْرُجُ مِنْ دِينِ اللَّهِ وَيَكُونُ مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ»

أنا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ الرَزَّازُ , نا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْأَصْبَهَانِيُّ , قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيِّ بْنِ الْجَارُودِ , قَالَ: نا مُحَمَّدُ بْنُ الْفَرَجِ , قَالَ: سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ آدَمَ , يَقُولُ: سَمِعْتُ تَفْسِيرَ هَذِهِ الْآيَةِ: {§وَأَمَّا السَّائِلُ فَلَا تَنْهَرْ} [الضحى: 10] قَالَ: «هُوَ الرَّجُلُ يَسْأَلُكَ عَنْ شَيْءٍ مِنْ أَمْرِ دِينِهِ , فَلَا تَنْهَرْهُ وَأَجِبْهُ» فَأَوَّلُ مَا يَجِبُ عَلَى الْمُفْتِي أَنْ يَتَأَمَّلَ رُقْعَةَ الِاسْتِفْتَاءَ تَأَمُّلًا شَافِيًا , وَيَقْرَأُ مَا فِيهَا كُلَّهُ , كَلِمَةً بَعْدَ كَلِمَةٍ , حَتَّى يَنْتَهِيَ إِلَى آخِرِهِ , وَتَكُونُ عِنَايَتُهُ بِاسْتِقْصَاءِ آخِرِ الْكَلَامِ أَتَمَّ مِنْهَا فِي أَوَّلِهِ , فَإِنَّ السُّؤَالَ يَكُونُ بَيَانُهُ عِنْدَ آخِرِ الْكَلَامِ , وَقَدْ يَتَقَيَّدُ جَمِيعُ السُّؤَالِ , وَيَتَرَتَّبُ كُلُّ الِاسْتِفْتَاءِ -[388]- بِكَلِمَةٍ فِي آخِرِ الرُّقْعَةِ فَإِذَا قَرَأَ الْمُفْتِي رُقْعَةَ الِاسْتِفْتَاءِ فَمَرَّ بِمَا يَحْتَاجُ إِلَى النَّقْطِ وَالشَّكْلِ , نَقَّطَهُ وَشَكَّلَهُ , مَصْلَحَةً لِنَفْسِهِ , وَنِيَابَةً عَمَّنْ يُفْتِي بَعْدَهُ , وَكَذَلِكَ إِذَا رَأَى لَحْنًا فَاحِشًا , أَوْ خَطَأً يُحِيلُ الْمَعْنَى , غَيْرَ ذَلِكَ وَأَصْلَحَهُ , وَرَأَيْتُ الْقَاضِيَ أَبَا الطَّيِّبِ: طَاهِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ الطَّبَرِيَّ , يَفْعَلُ هَذَا فِي الرِّقَاعِ الَّتِي تُرْفَعُ إِلَيْهِ لِلْاسْتِفْتَاءِ وَإِنْ كَانَ بَيْنَ الْكَلَامَيْنِ فَاصِلٌ مِنْ بَيَاضٍ , أَوْ فِي آخِرَ بَعْضِ سُطُورِ الْحَاشِيَةِ بَقِيَّةُ بَيَاضٍ خَطَّ عَلَى ذَلِكَ وَشَغَلَهُ عَلَى نَحْوِ مَا يَفْعَلُ الشَّاهِدُ إِذَا قَرَأَ كِتَابَ الشَّهَادَةِ , فَإِنَّهُ رُبَّمَا قَصَدَ بِذَلِكَ تَغْلِيظَ الْمُفْتِي وَتَخْطِئَتَهُ بِأَنْ يَكْتُبَ فِيهِ بَعْدَ فَتْوَاهُ مَا يُفْسِدَهَا وَبَلَغَنِي أَنَّ الْقَاضِيَ أَبَا حَامِدٍ الْمَرْوَرُوذِيَّ بُلِيَ بِمِثْلِ ذَلِكَ عَنْ قَصْدِ بَعْضِ النَّاسِ , فَإِنَّهُ كَتَبَ: مَا تَقُولُ فِي رَجُلٍ مَاتَ وَخَلَفَ ابْنَةً وَأُخْتًا لِأُمٍّ وَابْنَ عَمٍّ فَأَفْتَى: لِلْبِنْتِ النِّصْفُ وَالْبَاقِي لِابْنِ الْعَمِّ , وَهَذَا جَوَابٌ صَحِيحٌ , فَلَمَّا أَخَذَ خَطَّهُ بِذَلِكَ أَلْحَقَ فِي مَوْضِعِ الْبَيَاضِ وَأَبًا فَشُنِّعَ عَلَى أَبِي حَامِدٍ بِذَلِكَ

وَإِنْ مَرَّ بِشِبْهِ كَلِمَةٍ غَرِيبَةٍ أَوْ لَفْظَةٍ تَحْتَمِلُ عِدَّةَ مُعَانٍ , سَأَلَ عَنْهَا الْمُسْتَفْتِي , فَقَدْ: أنا أَبُو الْحُسَيْنِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ عَلِيٍّ الْبَزَّازُ , أنا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ الْجَوْهَرِيُّ , نا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْأَسَدِيُّ , نا الرِّيَاشِيُّ , حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ غِيَاثٍ نَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ غِيَاثٍ , نا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ , عَنِ الْحَجَّاجِ , عَنِ ابْنِ عُمَرَ , قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ -[389]-: §«إِذَا سَأَلَ أَحَدُكُمْ , فَلْيَنْظُرْ كَيْفَ يَسْأَلُ , فَإِنَّهُ لَيْسَ أَحَدٌ إِلَّا وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا سَأَلَ عَنْهُ مِنَ الْمَسْئُولِ»

وأنا الْحَسَنُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ , أنا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ نَيْخَابٍ الطِّيبِيُّ , نا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ زِيَادٍ , نا أَبُو نُعَيْمٍ ضِرَارُ بْنُ صُرَدَ , نا عِمْرَانُ بْنُ بَزِيعٍ الْمُلَائِيُّ , نا عَمْرِو بْنُ قَيْسٍ , عَنِ الْمِنْهَالِ بْنِ عَمْرٍو , عَنْ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ , عَنْ عَلِيٍّ , أَنَّهُ , قَالَ: §«إِذَا سَأَلَ سَائِلٌ فَلْيَعْقِلْ , وَإِذَا سُئِلَ الْمَسْئُولُ فَلْيَتَثَبَّتْ»

كَتَبَ إِلَيَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنُ عُثْمَانَ الدِّمَشْقِيُّ، وحَدَّثَنِي عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي طَاهِرٍ , عَنْهُ , قَالَ: أنا أَبُو الْمَيْمُونِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ رَاشِدٍ الْبَجَلِيُّ , نا أَبُو زُرْعَةَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَمْرٍو , أَخْبَرَنِي الْحَارِثُ بْنُ مِسْكِينٍ , عَنِ ابْنِ وَهْبٍ , قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ , أَنَّ إِيَاسَ بْنَ مُعَاوِيَةَ قَالَ لِرَبِيعَةَ: §«إِنَّ الْبِنَاءَ إِذَا بُنِيَ عَلَى غَيْرِ أُسٍّ لَمْ يَكَدْ يَعْتَدِلُ» يُرِيدُ بِذَلِكَ الْمُفْتِيَ الَّذِي يَتَكَلَّمُ عَلَى غَيْرِ أَصْلٍ يَبْنِي عَلَيْهِ كَلَامَهُ

أَخْبَرَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ عُمَرَ الْبَرْمَكِيُّ , نا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ -[390]- بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ حَمْدَانَ الْعُكْبَرِيُّ , نا مُحَمَّدُ بْنُ أَيُّوبَ بْنِ الْمُعَافَى , قَالَ: قَالَ إِبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيُّ , وَسَمِعْتُ رَجُلًا سَأَلَ أَحْمَدَ عَنْ يَمِينٍ , فَقَالَ لَهُ أَحْمَدُ: كَيْفَ حَلَفْتَ؟ فَقَالَ الرَّجُلُ: لَسْتُ أَدْرِي كَيْفَ حَلَفْتُ , فَقَالَ أَحْمَدُ: نا يَحْيَى بْنُ آدَمَ , قَالَ: قَالَ رَجُلٌ لِشَرِيكٍ: حَلَفْتُ وَلَسْتُ أَدْرِي كَيْفَ حَلَفْتُ؟ فَقَالَ لَهُ شَرِيكٌ: §«لَيْتَ إِذَا دَرَيْتَ أَنْتَ كَيْفَ حَلَفْتَ دَرَيْتُ أَنَا كَيْفَ أُفْتِيكَ»

فَإِذَا قَرَأَ الْمُفْتِي الرُّقْعَةَ , أَعَادَ قِرَاءَتَهَا ثَانِيًا , ثُمَّ يُفَكِّرُ فِيهَا تَفْكِيرًا شَافِيًا , فَقَدْ: أنا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُعَدِّلِ , قَالَ: أنا أَبُو عَلِيٍّ: الْحُسَيْنُ بْنُ صَفْوَانَ الْبَرْذَعِيُّ , نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي الدُّنْيَا , قَالَ: قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ , حَدَّثَنِي وَلِيدُ بْنُ صَالِحٍ , قَالَ: حَدَّثَنِي عَطَاءٌ الْحَلَبِيُّ , عَنْ بَعْضِ مَشْيَخَتِهِ , قَالَ: " كَانَ رِجَالٌ مِنْ ذَوِي الْحِكْمَةِ يَقُولُونَ: §إِذَا تَرَكَ الْحَكِيمُ الْفِكْرَةَ قَبْلَ الْمَنْطِقِ بَطَلَتْ حِكْمَتُهُ , وَإِنْ كَانَ مُبِينًا " ثُمَّ يَذْكُرُ الْمَسْأَلَةَ لِمَنْ بِحَضْرَتِهِ مِمَّنْ يَصْلُحُ لِذَلِكَ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَيُشَاوِرُهُمْ فِي الْجَوَابِ , وَيَسْأَلُ كُلَ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عَمَّا عِنْدَهُ , فَإِنَّ فِي ذَلِكَ بَرَكَةً , وَاقْتِدَاءً بِالسَّلَفِ الصَّالِحِ , وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ} [آل عمران: 159] وَشَاوَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَوَاضِعَ وَأَشْيَاءَ وَأَمَرَ بِالْمُشَاوَرَةِ , وَكَانَتِ الصَّحَابَةُ تُشَاوِرُ فِي الْفَتَاوَى وَالْأَحْكَامِ

أنا الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ: أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحَرَشِيُّ , نا أَبُو الْعَبَّاسِ , مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْأَصَمُّ , قَالَ: أنا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ , قَالَ: أنا الشَّافِعِيُّ , قَالَ: أنا ابْنُ عُيَيْنَةَ , عَنِ الزُّهْرِيِّ , قَالَ: قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: §«مَا رَأَيْتُ أَحَدًا أَكْثَرَ مُشَاوَرَةً لِأَصْحَابِهِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» قَالَ الشَّافِعِيُّ: قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ} [الشورى: 38]

أنا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْجَوْهَرِيُّ , أنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْحِزْقِيُّ , نا مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ الْبَاغَنْدِيُّ , قَالَ: حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي الْفَيَّاضِ الْمِصْرِيُّ , نا سُلَيْمَانُ بْنُ بَزِيعٍ , عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ , عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ , عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ , عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ , قَالَ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ الْأَمْرُ يَنْزِلُ بِنَا بَعْدَكَ لَمْ يَنْزِلْ بِهِ قُرْآنٌ , وَلَمْ نَسْمَعْ مِنْكَ فِيهِ شَيْئًا , قَالَ: §«اجْمَعُوا الْعَابِدِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ , فَاجْعَلُوهَا شُورَى بَيْنَكُمْ وَلَا تَقْضُوهُ بِرَأْيٍ وَاحِدٍ»

أنا الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ الْحِيرِيُّ , نا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْأَصَمُّ , أنا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ , أنا الشَّافِعِيُّ , قَالَ: أنا مُسْلِمُ بْنُ خَالِدٍ , عَنِ ابْنِ جَرِيحٍ , عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ , عَنْ أَبِيهِ: أَنْ يَحْيَى بْنَ حَاطِبٍ , حَدَّثَهُ , قَالَ: تُوُفِّيَ حَاطِبٌ فَأَعْتَقَ مُنْ صَلَّى مِنْ رَقِيقِهِ وَصَامَ , وَكَانَتْ لَهُ أَمَةٌ نُوبِيَّةٌ قَدْ صَلَّتْ وَصَامَتْ , وَهِيَ أَعْجَمِيَّةٌ لَمْ تَفْقَهْ , فَلَمْ يَرُعْهُ إِلَّا بِحَبَلِهَا , وَكَانَتْ ثَيِّبًا , فَذَهَبَ إِلَى عُمَرَ فَحَدَّثَهُ , فَقَالَ عُمَرُ: §«لَأَنْتَ الرَّجُلُ لَا تَأْتِي بِخَيْرٍ» , فَأَفْزَعَهُ ذَلِكَ , فَأَرْسَلَ إِلَيْهَا عُمَرُ , فَقَالَ: «أَحَبِلْتِ؟» فَقَالَتْ: نَعَمْ , مِنْ مَرْغُوسٍ بِدِرْهَمَيْنَ , فَإِذَا هِيَ تَسْتَهِلُّ بِذَلِكَ لَا تَكْتُمُهُ , قَالَ: وَصَادَفَ عَلِيًّا وَعُثْمَانَ وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ , فَقَالَ: «أَشِيرُوا عَلَيَّ» , قَالَ: وَكَانَ عُثْمَانُ جَالِسًا فَاضْطَجَعَ , فَقَالَ: عَلِيٌّ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ قَدْ وَقَعَ عَلَيْهَا الْحَدُّ , فَقَالَ: «أَشِرْ عَلَيَّ يَا عُثْمَانُ» , فَقَالَ: قَدْ أَشَارَ عَلَيْكَ أَخَوَاكَ , فَقَالَ: «أَشِرْ عَلَيَّ أَنْتَ» , فَقَالَ: أُرَاهَا تَسْتَهِلُّ بِهِ كَأَنَّهَا لَا تَعْلَمُهُ , وَلَيْسَ الْحَدُّ إِلَّا عَلَى مَنْ عَلِمَهُ فَجَلَدَهَا عُمَرُ مِائَةً وَغَرَّبَهَا عَامًا

أنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ عُثْمَانَ الدِّمَشْقِيُّ , أنا جَدِّي , أنا أَبُو الدَّحْدَاحِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ التَّمِيمِيُّ , نا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ الْأَشْجَعِيُّ , نا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ , نا الْأَزْهَرُ بْنُ رَاشِدٍ , عَنْ أَبِي عَاصِمٍ التَّمَّارُ , قَالَ: سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ , يَقُولُ -[393]-: كُنْتُ عِنْدَ ابْنِ عَبَّاسٍ , فَسُئِلَ عَنْ مَسْأَلَةٍ , فَالْتَفَتَ إِلَيَّ فِيهَا , فَقَالَ: «مَا تَقُولُ يَا سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ؟» فَقُلْتُ: أَنْتَ ابْنُ عَبَّاسٍ , وَإِنَّمَا جِئْتُ أَقْتَبِسُ مِنْكَ , فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: §«إِذَا كَانَ لَكَ جَلِيسٌ فَسَلْهُ , فَإِنَّمَا هُوَ فَهْمٌ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ»

أنا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْهَرِيُّ , أنا مُحَمَّدُ بْنُ عِمْرَانَ الْمَرْزَبَانِيُّ , نا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى الْمَكِّيُّ , نا مُحَمَّدُ بْنُ الْقَاسِمِ بْنِ خَلَّادٍ , قَالَ: قَالَ مُطَرِّفُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الشِّخِّيرِ: §«مَنِ اسْتَفْتَحَ بَابَ الرَّأْيِ مِنْ وَجْهِهِ وَأَتَاهُ مِنْ طَرِيقِهِ , ضَمِنْتُ لَهُ النَّجْحَ , وَتَحَمَّلْتُ عَنْهُ الْخَطَأَ» , قِيلَ مَا وَجْهُهُ وَأَيْنَ طَرِيقُهُ؟ قَالَ: «يَبْدَأُ بِالِاسْتِخَارَةِ , ثُمَّ الِاسْتِشَارَةِ , وَلَا يُشَاوِرْ إِلَّا عَارِفًا حَدْبًا عَلَيْهِ»

أنا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي الْفَوَارِسُ , أنا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ , نا أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ الدِّمَشْقِيُّ , قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُعْتَزِّ: §«مَنْ أَكْثَرَ الْمَشُورَةَ لَمْ يُعْدِمْ عِنْدَ الصَّوَابِ مَادِحًا , وَعِنْدَ الْخَطَأِ عَاذِرًا» قُلْتُ: وَقَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: لَا بَأْسَ بِذِي الرَّأْيِ أَنْ يُشَاوِرَ مَنْ دُونَهُ , كَالنَّارِ الَّتِي يَزِيدُ ضَوْءُهَا بِوَسَخِ الْحَدِيدِ فَإِنْ كَانَ فِي الرُّقْعَةِ مَا لَا يَحْسُنُ إِبْدَاؤُهُ , أَوْ مَا لَعَلَّ السَّائِلَ يُؤْثِرُ سَتْرَهُ , أَوْ مَا فِي إِشَاعَتِهِ مَفْسَدَةٌ لِبَعْضِ النَّاسِ , فَيِنْفَرِدُ الْمُفْتِي بِقِرَاءَتِهَا وَالْجَوَابُ عَنْهَا

أَخْبَرَنِي الْقَاضِي أَبُو الْعَلَاءِ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ يَعْقُوبَ الْوَاسِطِيُّ , أنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ هَارُونَ التَّمِيمِيُّ , بِالْكُوفَةِ , أنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ السَّرِيِّ , نا أَحْمَدُ بْنُ عِيسَى بْنِ مَخْلَدٍ , قَالَ: سَمِعْتُ يُونُسَ بْنَ عَبْدِ الْأَعْلَى , يَقُولُ: قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِدْرِيسَ الشَّافِعِيُّ: §«الْمُسْتَفْتِي عَلِيلٌ , وَالْمُفْتِي طَبِيبٌ , فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَاهِرًا بِطِبِّهِ وَإِلَّا قَتَلَهُ» وَإِنْ سُئِلَ عَنْ قَوْمٍ شَهِدُوا عَلَى رَجُلٍ بِالزِّنَا فَيَنْبَغِي أَنْ يَسْتَفْهِمَ السَّائِلُ كَيْفَ رَأَى الشُّهُودَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ , حَتَّى تَكُونُ فَتْوَاهُ عَلَى أَمْرٍ لَا شُبْهَةَ فِيهِ وَلَا تَأْوِيلَ مَعَهُ

أنا الْقَاضِي أَبُو عُمَرَ الْقَاسِمُ بْنُ جَعْفَرٍ الْهَاشِمِيُّ , نا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ اللُّؤْلُؤِيُّ , نا أَبُو دَاوُدَ , نا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ , وعُقْبَةُ بْنُ مُكْرَمٍ , قَالَا: نا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ , نا أَبِي قَالَ: سَمِعْتُ يَعْلَى بْنَ حَكِيمٍ , يُحَدِّثُ , عَنْ عِكْرِمَةَ , عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , قَالَ لِمَاعِزِ بْنِ مَالِكٍ: «§لَعَلَّكَ قَبَّلْتَ أَوْ غَمَزْتَ أَوْ نَظَرْتَ» قَالَ: لَا , قَالَ: «أَفَنِكْتَهَا؟» -[395]- قَالَ: نَعَمْ , قَالَ: فَعِنْدَ ذَلِكَ أَمَرَ بِرَجْمِهِ

وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ تَوَقُّفُهُ فِي جَوَابِ الْمَسْأَلَةِ السِّهْلَةِ , كَتَوَقُّفِهِ فِي الصَّعْبَةِ , لِيَكُونَ ذَلِكَ عَادَةً لَهُ أنا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي الْفَوَارِسِ , أنا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ , نا أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ , قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُعْتَزِّ: §«التَّثَبُّتُ يُسَهِّلُ طَرِيقَ الرَّأْيِ إِلَى الْإِصَابَةِ , وَالْعَجَلَةُ تَضْمَنُ الْعَثْرَةَ» وَإِذَا اشْتَمَلَتْ رُقْعَةُ الِاسْتِفْتَاءِ عَلَى عِدَّةِ مَسَائِلَ فَهِمَ بَعْضَهَا أَوْ فَهِمَ جَمِيعَهَا وَأَحَبَّ مُطَالَعَةَ رَأْيِهِ وَإِنْعَامَ النَّظَرِ فِي بَعْضِهَا , أَجَابَ عَمَّا لَمْ يَكُنْ فِي نَفْسِهِ شَيْءٌ مِنْهَا , وَقَالَ فِي بَعْضِ جَوَابِهِ: فَأَمَّا بَاقِي الْمَسَائِلِ فَلَنَا فِيهِ مُطَالَعَةٌ , وَنَظَرُ , أَوْ زِيَادَةُ تَأَمُّلٍ , فَإِنْ لَمْ يَفْهَمْ شَيْئًا مِنَ السُّؤَالِ أَصْلًا , فَوَاسِعٌ لَهُ أَنْ يَكْتُبَ: لِيَزِدْ فِي الشَّرْحِ لِنُجِيبَ عَنْهُ , وَكَتَبَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ فِي مِثْلِ هَذَا: يَحْضُرُ السَّائِلُ لِنُخَاطِبَهُ شَفَاهًا , وَإِذَا تَفَكَّرَ فِي مَسْأَلَةٍ مُتَعَارِضَةِ الْأَدِلَّةِ , لَمْ يَجِبْ فِيهَا حَتَّى يَثْبُتَ عِنْدَهُ مَا يَرْجَحُ بِهِ أَحَدٍ الْأَدِلَّةِ

كَمَا: أنا الْحَسَنُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ , أنا دَعْلَجُ بْنُ أَحْمَدَ , نا يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ يَعْنِي الْقَاضِيَ , نا عُمَرُ وَهُوَ ابْنُ مَرْزُوقٍ , نا شُعْبَةُ , قَالَ دَعْلَجُ: ونا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ , حَدَّثَنِي أَبِي , نا -[396]- مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ , نا شُعْبَةُ , عَنْ أَبِي عَوْنٍ , عَنْ أَبِي صَالِحٍ الْحَنَفِيِّ: أَنَّ ابْنَ الْكَوَّاءِ , سَأَلَ عَلِيًّا عَنِ الْأُخْتَيْنِ الْمَمْلُوكَتَيْنِ , يَجْمَعُهُمَا الرَّجُلُ , فَقَالَ: §«إِنَّكَ لَذَهَّابٌ فِي التِّيهِ , سَلْ عَمَّا يَنْفَعُكَ» , قَالَ: إِنَّمَا نَسْأَلُكَ عَمَّا لَا نَعْلَمُ فَأَمَّا مَا نَعْلَمُ , فَلَسْنَا نَسْأَلُ عَنْهُ , قَالَ: «أَحَلَّتْهُمَا آيَةٌ , وَحَرَّمَتْهُمَا آيَةٌ , وَلَا آمُرُكَ وَلَا أَنْهَاكَ , وَلَا أَفْعَلُهُ أَنَا وَلَا أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي» لَفْظُ يُوسُفَ

وأنا أَبُو الْقَاسِمِ طَلْحَةُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الصَّقْرِ الْكَتَّانِيُّ , نا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الشَّافِعِيُّ , نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ , قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي , نا هُشَيْمٌ , عَنْ يُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ , عَنْ زِيَادِ بْنِ جُبَيْرٍ , قَالَ: رَأَيْتُ رَجُلًا جَاءَ إِلَى ابْنِ عُمَرَ فَسَأَلَهُ , فَقَالَ: إِنَّهُ نَذَرَ أَنْ يَصُومَ كُلَّ يَوْمِ أَرْبِعَاءَ فَأَتَى ذَلِكَ عَلَى يَوْمِ أَضْحًى أَوْ فِطْرٍ , فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: §«أَمَرَ اللَّهُ بِوَفَاءِ النَّذْرِ , وَنَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ النَّحْرِ» قُلْتُ: فَعَلِيٌّ وَابْنُ عُمَرَ جَاءَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّؤَالُ فَجْأَةً , وَأَرَادَ السَّائِلُ الْجَوَابَ فِي الْحَالِ , وَلَوْ أَخَّرَ الِاقْتِضَاءَ بِالْجَوَابِ حَتَّى -[397]- يَنْظُرَا حَقَّ النَّظَرِ لَأَجَابَاهُ بِالْحُكْمِ

أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ , نا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُثْمَانَ الْفَسَوِيُّ , نا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ , نا أَبُو صَالِحٍ , وَابْنُ بُكَيْرٍ , قَالَا: نا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ , قَالَ: حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ أَبِي حَبِيبٍ , عَنْ سَعْدِ بْنِ سِنَانٍ , عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ , عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , قَالَ: §«الْبَيَانُ مِنَ اللَّهِ , وَالْعَجَلَةُ مِنَ الشَّيْطَانِ»

وقَالَ يَعْقُوبُ , نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمِصْرِيُّ , نا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ , عَنْ سَعْدِ بْنِ سَعِيدٍ , عَنِ الزُّهْرِيِّ , عَنْ رَجُلٍ , مِنْ بَلِيٍّ , قَالَ: أَقْبَلْتُ أَنَا وَأَبِي , إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَاءَ أَبِي فَنَاجَاهُ دُونِي وَكَلَّمَهُ وَكَانَ فِيمَا قَالَ لَهُ: §«إِذَا هَمَمْتَ بِأَمْرٍ فَعَلَيْكَ بِالتُّؤَدَةِ حَتَّى يُرِيَكَ اللَّهُ مِنْهُ الْمَخْرَجَ»

أنا أَبُو سَعِيدٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى الصَّيْرَفِيُّ , نا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْأَصَمُّ , نا أَبُو أُمَيَّةَ الطُّرَسُوسِيُّ , نا عُبَيْدُ بْنُ إِسْحَاقَ , نا شَيْخٌ مِنْ أَهْلِ الْمَسْجِدِ يُكَنَّى أَبَا عَبْدِ اللَّهِ , عَنْ سَعْدِ بْنِ طَرِيفٍ , عَنْ عِكْرِمَةَ , عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ , قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: §«كَادَ صَاحِبُ الْأَنَاةِ أَنْ يُصِيبَ , أَوْ قَدْ أَصَابَ , وَكَادَ صَاحِبُ الْعَجَلَةِ أَنْ يُخْطِئَ أَوْ قَدْ أَخْطَأَ»

أنا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُعَدِّلُ , أنا الْحُسَيْنُ بْنُ صَفْوَانَ الْبَرْذَعِيُّ , نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي الدُّنْيَا , قَالَ: نا أَحْمَدُ بْنُ جَمِيلٍ , أنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ , أنا مَعْمَرُ , عَنْ جَعْفَرِ بْنِ بُرْقَانَ: أَنَّ عُمَرَ , كَتَبَ إِلَى مُعَاوِيَةَ يُعَاتِبُهُ فِي التَّأَنِّي , فَكَتَبَ إِلَيْهِ مُعَاوِيَةُ: أَمَا بَعْدُ: §«فَإِنَّ التَّفَهُّمَ فِي الْخَبَرِ زِيَادَةٌ وَرُشْدٌ , وَإِنَّ الرَّشِيدَ مِنْ رَشِدَ عَنِ الْعَجَلَةِ , وَإِنَّ الْخَائِبَ مَنْ خَابَ عَنِ الْأَنَاةِ , وَإِنَّ الْمُتَثَبِّتَ مُصِيبٌ أَوْ كَادَ أَنْ يَكُونَ مُصِيبًا , وَإِنَّ الْعَجِلَ مُخْطِئٌ , أَوْ كَادَ أَنْ يَكُونَ مُخْطِئًا , وَإِنَّ مَنْ لَا يَنْفَعُهُ الرِّفْقُ يُضِيرُهُ الْخَرْقُ , وَمَنْ لَا تَنْفَعُهُ التَّجَارِبُ لَا يُدْرِكُ الْمَعَالِيَ» -[399]- وَمَتَى كَانَتِ الْمَسْأَلَةُ ذَاتُ أَقْسَامٍ لَمْ تُفَصَّلْ فِي السُّؤَالِ , لَمْ يَجُزْ أَنْ يَضَعَ جَوَابَهُ عَلَى بَعْضِهَا فَقَطْ , وَالْقِسْمُ الْآخَرُ عِنْدَهُ بِخِلَافِهِ , بَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُقَسِّمَ الْمَسْأَلَةَ , فَيَقُولُ: إِنْ كَانَ كَذَا , فَالْحُكْمُ فِيهِ كَذَا , أَوْ إِنْ كَانَ كَذَا , فَالْحُكْمُ فِيهِ كَذَا

أنا الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ الْحِيرِيُّ , أنا أَبُو عَلِيٍّ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ مَعْقِلٍ الْمَيْدَانِيُّ , نا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى , نا عَبْدُ الرَّزَّاقِ , عَنْ مَعْمَرٍ , عَنِ الزُّهْرِيِّ , عَنِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ , عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ , قَالَ: سُئِلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْفَأْرَةِ تَمُوتُ فِي السَّمْنِ , قَالَ: §«إِنْ كَانَ جَامِدًا فَأَلْقُوهَا وَمَا حَوْلَهَا , وَإِنْ كَانَ مَائِعًا فَلَا تَقْرَبُوهُ»

وَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ جَوَابُهُ مُحَرَّرًا , وَكَلَامُهُ مُلَخَّصًا أنا ابْنُ الْفَضْلِ , أنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ دَرَسْتُوَيْهِ , نا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ , قَالَ: نا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ , نا حَمَّادٌ , قَالَ: سُئِلَ أَيُّوبُ عَنْ مَسْأَلَةٍ , فَسَكَتَ , فَقَالَ الرَّجُلُ: يَا أَبَا بَكْرٍ لَمْ تَفْهَمْ , أُعِيدُ عَلَيْكَ؟ قَالَ: فَقَالَ أَيُّوبُ: «§قَدْ فَهِمْتُ -[400]-، وَلَكِنِّي أُفَكِّرُ كَيْفَ أُجِيبُكَ»

أنا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي الْقَاسِمِ الْأَزْرَقُ , أنا دَعْلَجُ بْنُ أَحْمَدَ , أنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْأَبَّارُ , نا أَبُو قُدَامَةَ , قَالَ: سَمِعْتُ النَّضْرَ بْنَ شُمَيْلٍ , يَقُولُ: سَأَلَ رَجُلٌ الْخَلِيلَ عَنْ مَسْأَلَةٍ , فَأَبْطَأَ بِالْجَوَابِ , فَقَالَ لَهُ صَاحِبُهُ: لَمْ تَنْظُرْ؟ فَلَيْسَ فِيهِ هَذَا النَّظَرُ , فَقَالَ: §«قَدْ عَرَفْتُ مَسْأَلَتَكَ وَجَوَابَهَا , وَإِنَّمَا فَكَّرْتُ فِي جَوَابٍ يَكُونُ أَسْرَعَ لِفَهْمِكَ»

حَدَّثَنِي الْعَلَاءُ بْنُ حَزْمِ الْأَنْدَلُسِيُّ , أنا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ بَقَاءٍ الْمِصْرِيُّ , أنا جَدِّي عَبْدُ الْغَنِيِّ بْنُ سَعِيدٍ الْأَزْدِيُّ , نا بَكْرُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ , نا أَبُو الزِّنْبَاعِ , نا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ الْجُعْفِيُّ , قَالَ: قَالَ ابْنُ وَهْبٍ: §«كَانَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ يَتَشَبَّهُ بِإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ فِي فَتْوَاهُ , وَقِلَّةِ كَلَامِهِ وَجَوَابِهِ فِي الْمَسْأَلَةِ بِالِاقْتِصَارِ عَلَى الْمَعْنَى فِي الْجَوَابِ»

وَلِيَتَجَنَّبُ مُخَاطَبَةِ الْعَوَّامِ وَفَتْوَاهُمْ بِالتَّشْقِيقِ وَالتَّقْعِيرِ , وَالْغَرِيبِ مِنَ الْكَلَامِ , فَإِنَّهُ يَقْتَطِعُ عَنِ الْغَرَضِ الْمَطْلُوبِ , وَرُبَّمَا وَقَعَ لَهُمْ بِهِ غَيْرُ الْمَقْصُودِ أنا الْقَاضِي أَبُو عُمَرَ الْهَاشِمِيُّ , نا عَلِيُّ بْنُ إِسْحَاقَ الْمَادَرَائِيُّ , نا عَلِيُّ بْنُ حَرْبٍ الطَّائِيُّ , نا الْعَبَّاسُ بْنُ سُلَيْمٍ , نا أَبُو شِهَابٍ , عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ وَاسِعٍ , عَنْ أَبِي حَيٍّ الْأَنْصَارِيِّ , عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ , قَالَ -[401]-: تَكَلَّمَ قَوْمٌ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَكْثَرُوا , فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: §«إِنَّ تَشْقِيقَ الْكَلَامِ مِنَ الشَّيْطَانِ»

سَمِعْتُ أَبَا الْقَاسِمِ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ الْحَرْبِيَّ , يَقُولُ: بَلَغَنِي عَنْ بَعْضِ الْهَاشِمِيِّينَ , وَهُوَ عَمُّ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ بْنُ الْمُهْتَدِي الْخَطِيبُ " أَنَّ §نِسْوَةً , ثَلَاثًا مِنْ أَهْلِ بَابِ الْبَصْرَةِ بِعْنَ دَارًا فَجِئْنَهُ مَعَ الدَّلَّالِ وَالْمُشْتَرِي لِيَشْهَدَ فِي كِتَابِ الْبَيْعِ , فَقَالَ لِلنِّسْوَةِ بَعْدَ قِرَاءَتِهِ الْكِتَابَ: مَنْ أَنْتُنَّ؟ لَا أَعْرِفُكُنَّ إِيتِينَ بِنِسْوَةٍ أَعْرِفُهُنَّ يَعْرِفْنَكُنَّ , يَقُلْنَ هُنَّ أَنَّكُنَّ أَنْتُنَّ , فَأَشْهَدَ عَلَيْكُنَّ بِمَا قُلْتُنَّ , فَقَالَ لَهُ الْمُشْتَرِي: أَيُّهَا الشَّرِيفُ قَدْ وَاللَّهِ أَبَيْتُ أَنْ أَشْتَرِيَ هَذِهِ الدَّارَ خَاصَّةً مِنْ أَجْلِ هَذِهِ الْمُنَازَعَةِ الَّتِي قَدْ حَصَلَتْ فِيهَا "

وَيَنْبَغِي لِلْمُفْتِي إِذَا كَتَبَ الْجَوَابَ أَنْ يُطَالِعَ مَا كَتَبَ وَيُعِيدَ نَظَرَهُ فِيهِ , خَوْفًا مِنْ أَنْ يَكُونَ قَدْ أَسْقَطَ كَلِمَةً أَوْ أَخَلَّ بِلَفْظِة أنا الْجَوْهَرِيُّ , أنا أَبُو عُبَيْدِ اللَّهِ الْمَرْزَبَانِيُّ , نا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى الْمَكِّيُّ , نا مُحَمَّدُ بْنُ الْقَاسِمِ بْنِ خَلَّادٍ , نا الْأَصْمَعِيُّ , عَنْ رَجُلٍ , قَالَ: قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ لِرَجُلٍ: «§كَتَبْتَ؟» قَالَ: نَعَمْ , قَالَ: «قَرَأْتَ؟» قَالَ: لَا , قَالَ: «لَمْ تَكْتُبْ» وَمَنْ كَانَ مَرْسُومًا بِالْفَتْوَى فِي الْفِقْهِ , لَمْ يَنْبَغِ أَنْ يُطْلِقَ خَطَّهُ فِي

مَسْأَلَةٍ مِنَ الْكَلَامِ كَالْقَضَاءِ وَالْقَدَرِ , وَالرُّؤْيَةِ , وَخَلْقِ الْقُرْآنِ , وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ لَكِنْ لَوْ سُئِلَ فِي رُقْعَةٍ عَمَّنْ سَبَّ الصَّحَابَةَ , أَوْ ذَكَرَ السَّلَفَ الصَّالِحَ بِسُوءٍ , أَوْ أَظْهَرَ بِدْعَةَ كَذَا وَكَذَا وَنَحْوَ هَذَا الْجِنْسَ , كَتَبَ الْجَوَابَ فِي ذَلِكَ , وَأَكَّدَ الْأَمْرَ فِيهِ لِأَنَّهُ مَصْلَحَةٌ , وَزَجَرٌ لِسَفَلَةِ النَّاسِ وَلَوْ سُئِلَ فَقِيهٌ عَنْ مَسْأَلَةٍ مِنْ تَفْسِيرِ الْقُرْآنِ: فَإِنْ كَانَتْ تَتَعَلَّقُ بِالْأَحْكَامِ أَجَابَ عَنْهَا , وَكَتَبَ خَطَّهُ بِذَلِكَ , كَمَنْ سُئِلَ عَنِ الصَّلَاةِ الْوسْطَى , وَعَنِ الَّذِي بِيَدِهِ عُقَدَةُ النِّكَاحِ , وَعَنْ أَوْسَطِ الطَّعَامِ فِي الْكَفَّارَةِ وَأَمَّا إِذَا سُئِلَ عَنْ تَفْسِيرِ: الزَّقُّومِ وَالْغِسْلِينَ , وَالْفَتِيلِ , وَالنَّقِيرِ , وَالْقِطْمِيرِ , وَالْحَنَانِ , رَدَّ ذَلِكَ إِلَى أَهْلِهِ وَوَكَّلَهُ إِلَى مَنْ نَصَبَ نَفْسَهُ لَهُ

أنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْعُتَيْقِيُّ , نا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعِيدٍ الْعَسْكَرِيُّ , قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عُمَرَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعِيدٍ الْعَسْكَرِيُّ , قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عُمَرَ مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ الْوَاحِدِ الزَّاهِدَ , يَقُولُ: " كَانَ أَبُو حَنِيفَةَ §إِذَا سُئِلَ عَنْ شَيْءٍ مِنَ اللُّغَةِ , يَقُولُ: إِنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ شَأْنِي , وَيَتَمَثَّلُ بِهَذَا الشِّعْرِ: [البحر الخفيف] إِنَّ هَذَا الْقِيَاسَ فِي كُلِّ فَنٍّ ... عِنْدَ أَهْلِ الْعُقُولِ كَالْمِيزَانِ مَنْ تَحَلَّى بِغَيْرِ مَا هُوَ فِيهِ ... فَضَحَتْهُ شَوَاهِدُ الِامْتِحَانِ وَجَرَى فِي السِّبَاقِ جَرْيَ سُكَيْتٍ ... خَلَّفَتْهُ الْجِيَادُ يَوْمَ الرِّهَانِ"

وَإِذَا سُئِلَ عَمَّنْ قَالَ: أَنَا أَصْدَقُ مِنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ , أَوْ عَمَّنْ قَالَ: الصَّلَاةُ لَعِبٌ وَعَبَثٌ , أَوْ قَالَ لِقَصِيدَةِ بَعْضِ الشُّعَرَاءِ: أَحْسَنْ مِنَ الْقُرْآنِ , فَيَجِبُ أَنْ لَا يُبَادِرَ الْمُفْتِيَ بِأَنْ يَقُولَ: هَذَا حَلَالُ الدَّمِ , أَوْ مُبَاحُ النَّفْسِ , أَوْ عَلَيْهِ الْقَتْلُ , بَلْ يَقُولُ: إِذَا صَحَّ ذَلِكَ إِمَّا بِالْبَيِّنَةِ أَوْ بِالْإِقْرَارِ اسْتَتَابَهُ السُّلْطَانُ , فَإِنْ تَابَ قَبْلَ تَوْبَتِهِ , وَإِنْ لَمْ يَتُبْ أَنْزَلَ بِهِ كَذَا وَكَذَا , وَبَالَغَ فِي ذَلِكَ وَأَشْبَعَهُ فَإِنْ سُئِلَ عَمَّنْ قَالَ: كَذَا وَكَذَا , مِمَّا يَحْتَمِلُ أُمُورًا لَا يَكُونُ بِبَعْضِهَا كَافِرًا , فَيَنْبَغِي لِلْمُفْتِي أَنْ يَقُولَ: يُسْأَلُ هَذَا الْقَائِلُ عَمَّا أَرَادَ بِمَا قَالَ فَإِنْ أَرَادَ كَذَا فَالْجَوَابُ كَذَا , وَإِنْ أَرَادَ كَذَا فَالْجَوَابُ كَذَا وَإِنْ سُئِلَ عَمَّنْ قَتَلَ إِنْسَانًا , أَوْ فَقَأَ عَيْنَهُ , فَيَجِبُ أَنْ يَتَحَرَّزَ فِي جَوَابِهِ , وَيَحْتَاطَ فِيمَا يُطْلِقُ بِهِ خَطَّهُ بِذِكْرِ سَائِرِ الشُّرُوطِ الَّتِي بِهَا يَجِبُ الْقَوَدُ , وَبِحُصُولِ جَمِيعِهَا يَتِمُّ الْقِصَاصُ فَإِنْ سُئِلَ عَمَّنْ أَتَى مَا يُوجِبُ التَّعْزِيرَ وَالْأَدَبَ , ذَكَرَ قَدْرَ مَا يُعَزِّرُهُ السُّلْطَانُ , فَيَقُولُ: يَضْرِبُهُ مَا بَيْنَ كَذَا إِلَى كَذَا , وَلَا يُجَاوِزُ بِهِ كَذَا خَوْفًا مِنْ أَنْ يُطْلِقَ الْقَوْلَ فِي ذَلِكَ فَيَضْرِبُهُ السُّلْطَانُ بِفَتْوَاهُ مَا لَا يَجُوزُ ضَرْبُهُ وَإِذَا رُفِعَتْ إِلَيْهِ رُقْعَةُ الِاسْتِغْنَاءِ فَوَجَدَ فِيهَا فَتْوَى فَقِيهٍ قَدْ سُئِلَ قَبْلَهُ , فَإِنْ كَانَتِ الْفَتْوَى مُوَافَقَةً لِمَا عِنْدَهُ , كَتَبَ تَحْتَ خَطِّ الْفَقِيهِ هَذَا

جَوَابٌ صَحِيحٌ وَبِهِ أَقُولُ أَوْ كَتَبَ جَوَابِي مِثْلُ هَذَا , وَإِنْ شَاءَ ذَكَرَ الْحُكْمِ بِعِبَارَةٍ أَلْخَصَ مِنْ عِبَارَةِ الْفَقِيهِ

وَإِنْ كَانَ الَّذِي عِنْدَهُ مِنَ الْحُكْمِ خِلَافَ مَا أَفْتَى بِهِ الْفَقِيهُ قَبْلَهُ ذَكَرَ مَا عِنْدَهُ , وَلَمْ يُبَالِ بِخِلَافِ مَا خَالَفَهُ فِيهِ , فَقَدْ: أنا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْمَتُّوثِيُّ , أنا أَبُو الْحُسَيْنِ أَحْمَدُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ يَحْيَى الْآدَمَيُّ , نا أَبُو يَحْيَى الزَّعْفَرَانِيُّ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ , نا عَبْدُ السَّلَامِ بْنُ صَالِحٍ , نا حُسَيْنُ الْأَشْقَرُ , نا أَبُو إِسْحَاقَ الْفَزَارِيُّ , وأنا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ أَحْمَدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ السَّيْبِيُّ , نا أَبُو الْقَاسِمِ الْحَسَنُ بْنُ أَنَسِ بْنِ عُثْمَانَ الْأَنْصَارِيُّ بِقَصْرِ ابْنِ هُبَيْرَةَ نا أَحْمَدُ بْنُ حَمْدَانَ الْعَسْكَرِيُّ , نا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ , نا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ , كِلَاهُمَا عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ , عَنْ حَسَّانَ بْنِ عَطِيَّةَ , عَنِ ابْنِ سَابِطٍ , زَادَ السَّيْبِيُّ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ ثُمَّ اتَّفَقَا , عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ , عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ , قَالَ: §«الْجَمَاعَةُ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ , وَإِنْ كُنْتَ وَحْدَكَ» وَفِي حَدِيثِ السَّيْبِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ , قَالَ: الْجَمَاعَةُ أَهْلُ الْحَقِّ , وَإِنْ كُنْتَ وَحْدَكَ

أنا الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ الْحِيرِيُّ , نا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْأَصَمُّ , نا أَبُو عَلِيٍّ الْحَسَنُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ يَزِيدَ الْعَطَّارُ بَغْدَادِيٌّ , نا عُمَرُ يَعْنِي ابْنَ شَبِيبٍ الْمُسْلِيَّ , نا عُثْمَانُ بْنُ ثَوْبَانَ , -[405]- عَنْ أَبِيهِ , قَالَ: قَالَ إِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ: " §الْجَمَاعَةُ: هُوَ الْحَقُّ , وَإِنْ كُنْتَ وَحْدَكَ "

أَخْبَرَنِي عَلِيُّ بْنُ أَبِي عَلِيٍّ الْبَصْرِيُّ , أنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ هَمَّامٍ الشَّيْبَانِيُّ , حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْخُوَارِزْمِيُّ , بِأَرْمِيَّةَ , نا أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ , نا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي الْحَوَارِيُّ , قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو حَفْصٍ الْمَاعُونِيُّ , عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ لَهِيعَةَ , قَالَ: كَتَبَ ابْنُ عَبَّاسٍ إِلَى عَلِيٍّ يَسْتَحِثُّهُ فَكَتَبَ إِلَيْهِ عَلِيٌّ مُجِيبًا: §«إِنَّهُ يَنْبَغِي لَكَ أَنْ يَكُونَ أَوَّلُ عَمَلِكَ بِمَا أَنْتَ فِيهِ , الْبَصَرُ بِهِدَايَةِ الطَّرِيقِ , وَلَا تَسْتَوْحِشْ لِقِلَّةِ أَهْلِهَا , فَإِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا , وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ , لَمْ يَسْتَوْحِشْ مَعَ اللَّهِ فِي طَرِيقِ الْهِدَايَةِ إِذْ قَلَّ أَهْلُهَا , وَلَمْ يَأْنَسْ بِغَيْرِ اللَّهِ» وَلَيْسَ بِمُنْكَرٍ أَنْ يَذْكُرَ الْمُفْتِي فِي فَتْوَاهُ الْحُجَّةَ عِنْدَهُ , فِيمَا أَفْتَى بِهِ , كَأَنَّ فَقِيهًا سُئِلَ عَنْ مَنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً بِلَا وَلِيٍّ , فَحَسَنٌ أَنْ

يَقُولَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا نِكَاحَ إِلَّا بِوَلِيٍّ أَوْ سُئِلَ عَمَّنِ: اشْتَرَى عَبْدًا وَلَهُ مَالٌ لَمْ يَشْتَرِطْهُ , فَحَسَنٌ أَنْ يَقُولَ: مَالُهُ لِلْبَائِعِ , لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنِ ابْتَاعَ عَبْدًا فَمَالُهُ لِلْبَائِعِ إِلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُبْتَاعُ , وَكَرَجُلٍ سُئِلَ عَمَّنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَاحِدَةً بَعْدَ الدُّخُولِ بِهَا أَلَهُ رَجْعَتُهَا؟ فَحَسَنٌ أَنْ يَقُولَ: نَعَمْ , قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ وَهَكَذَا: إِذَا سُئِلَ عَنِ الْوَصِيَّةِ لِلْوَارِثِ , وَعَنِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَعَمَّتِهَا , أَوْ بَيْنَهَا وَبَيْنِ خَالَتِهَا وَلَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ أَنْ يُذْكَرَ فِي الْفَتْوَى طَرِيقُ الِاجْتِهَادِ , وَلَا وَجْهُ الْقِيَاسِ وَالِاسْتِدْلَالِ , اللَّهُمَّ إِلَّا أَنْ تَكُونَ الْفَتْوَى تَتَعَلَّقُ بِنَظَرِ قَاضٍ أَوْ حَاكِمٍ فَيُومِئُ فِيهَا إِلَى طَرِيقِ الِاجْتِهَادِ , وَيُلَوِّحُ بِالنُّكْتَةِ الَّتِي عَلَيْهَا رَدُّ الْجَوَابِ , أَوْ يَكُونُ غَيْرُهُ قَدْ أَفْتَى فِيهَا بِفَتْوَى غَلَطَ فِيمَا عِنْدَهُ , فَيُلَوِّحُ لِلْمُفْتِي مَعَهُ لِيُقِيمَ عُذْرَهُ فِي مُخَالَفَتِهِ , أَوْ لِيُنَبِّهَ عَلَى مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ

فَأَمَّا مَنْ أَفْتَى عَامِّيًّا , فَلَا يَتَعَرَّضُ لِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ , وَلَكِنْ رُبَّمَا اضْطُرَّ الْمُفْتِي فِي فَتْوَاهُ إِلَى أَنْ يَقُولَ وَهَذَا إِجْمَاعُ الْمُسْلِمِينَ , أَوْ يَقُولَ: لَا أَعْلَمُ اخْتِلَافًا فِي هَذَا , أَوْ يَقُولَ: مَنْ خَالَفَ هَذَا الْجَوَابَ فَقَدْ فَارَقَ الْوَاجِبَ وَعَدَلَ عَنِ الصَّوَابِ , أَوْ يَقُولَ: فَقَدْ أَثِمَ , وَوَاجِبٌ عَلَى السُّلْطَانِ إِلْزَامُ الْأَخْذِ بِجَوَابِنَا أَوْ بِهَذِهِ الْفَتْوَى , وَمَا قَارَبَ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ عَلَى حَسَبِ السُّؤَالِ وَمَا تُوجِبُهُ الْمَصْلَحَةُ وَتَقْتَضِيهِ الْحَالُ وَإِذَا رَأَى الْمُفْتِي مِنَ الَمْصَلَحَةِ عِنْدَمَا تَسْأَلُهُ عَامَّةٌ أَوْ سُوقَةٌ أَنْ يُفْتِيَ بِمَا لَهُ فِيهِ تَأَوُّلٌ , وَإِنْ كَانَ لَا يَعْتَقِدُ ذَلِكَ , بَلْ لِرَدْعِ السَّائِلِ , وَكَفِّهِ , فَعَلَ , فَقَدْ رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَهُ عَنْ تَوْبَةِ الْقَاتِلِ , فَقَالَ: لَا تَوْبَةَ لَهُ , وَسَأَلَهُ آخَرُ فَقَالَ: لَهُ تَوْبَةٌ , ثُمَّ قَالَ: أَمَّا الْأَوَّلُ: فَرَأَيْتُ فِيَ عَيْنَيْهِ إِرَادَةَ الْقَتْلِ فَمَنَعْتُهُ , وَأَمَّا الثَّانِي: فَجَاءَ مُسْتَكِينًا , وَقَدْ قَتَلَ فَلَمْ أُويِسْهُ

أنا أَبُو عَلِيٍّ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُقْرِئُ , أنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْعَبَّاسِ الْمُخْلِصُ , نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ خُشَيْشٍ , نا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ هُوَ ابْنُ شَاكِرٍ الصَّائِغُ , نا مُحَمَّدُ بْنُ سَابِقٍ , نا فُضَيْلُ بْنُ مَرْزُوقٍ , عَنْ عَطِيَّةَ , قَالَ: سَأَلَ رَجُلٌ شَابٌّ ابْنَ عُمَرَ عَنِ الْقُبْلَةِ لِلصَّائِمِ , فَقَالَ: «أَنْهَاكَ عَنْهَا» , قَالَ: فَسَأَلَهُ شَيْخٌ , فَقَالَ: «آمُرُكَ بِهَا» , قَالَ: فَقَامَ إِلَيْهِ الشَّابُّ , فَقَالَ: إِنَّا عَلَى دِينٍ وَاحِدٍ , فَيَحِلُّ لِهَذَا شَيْءٌ يَحْرُمُ عَلَيَّ؟ قَالَ: فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: «إِنَّ §عُرُوقَ الْخَصْيَتَيْنِ مُتَعَلِّقَةٌ بِطَرَفِ الْأَنْفِ , فَإِذَا شَمَّ تَحَرَّكَ الْعِرْقُ» -[408]- قُلْتُ: أَرَادَ ابْنُ عُمَرَ , أَنَّ الشَّابَّ قَوِيُّ الشَّهْوَةِ , فَلَا يُؤْمَنُ أَنْ تُحْدِثَ لَهُ الْقُبْلَةُ مَا يُفْسِدُ صَوْمَهُ , وَالشَّيْخُ يُؤْمَنُ ذَلِكَ فِي حَقِّهِ , لِضَعْفِ شَهْوَتِهِ , وَقَدْ رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مِثْلُ فَتْوَى ابْنِ عُمَرَ:

أنا أَبُو عُمَرَ عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَهْدِيٍّ الْبَزَّازُ , أنا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ مَخْلَدٍ الْعَطَّارُ , نا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْعَتِيقُ , نا أَبُو أَحْمَدَ , نا إِسْرَائِيلُ , عَنْ أَبِي الْعَنْبَسِ , عَنِ الْأَغَرِّ , عَنْ أَبَى هُرَيْرَةَ , قَالَ: أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ , فَسَأَلَهُ: §«أَيُبَاشِرُ الصَّائِمُ؟ فَرَخَّصَ لَهُ , وَأَتَى آخَرُ فَنَهَاهُ , وَكَانَ الَّذِي رَخَّصَ لَهُ شَيْخًا , وَالَّذِي نَهَاهُ شَابٌّ»

أنا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ النَّرْسِيُّ , أنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الشَّافِعِيُّ , نا بِشْرُ بْنُ مُوسَى , نا مُوسَى بْنُ دَاوُدَ , وأنا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ التَّمِيمِيُّ وَاللَّفْظُ لَهُ , أنا أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ حَمْدَانَ , نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ , حَدَّثَنِي أَبِي , نا مُوسَى بْنُ دَاوُدَ , نا ابْنُ لَهِيعَةَ , عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ , عَنْ قَيْصَرَ التُّجِيبِيِّ , عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ , قَالَ: كُنَّا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَجَاءَ شَابٌّ , فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ: أُقَبِّلُ وَأَنَا -[409]- صَائِمٌ؟ قَالَ: «لَا» , فَجَاءَ شَيْخٌ فَقَالَ: أُقَبِّلُ وَأَنَا صَائِمٌ؟ قَالَ: «نَعَمْ» , فَنَظَرَ بَعْضُنَا إِلَى بَعْضٍ , فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " §قَدْ عَلِمْتُ نَظَرَ بَعْضِكُمْ إِلَى بَعْضٍ: إِنَّ الشَّيْخَ يَمْلِكُ نَفْسَهُ "

أنا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عَلِيٍّ الْأَصْبَهَانِيُّ , نا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الْأَهْوَازِيُّ , نا عَبْدُ الْأَوَّلِ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْأَهْوَازِيُّ , نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ خُبَيْقٍ , عَنْ يُوسُفَ بْنِ أَسْبَاطٍ , عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ , عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدٍ , عَنِ الشَّعْبِيِّ , عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ , قَالَ: رُبَّمَا أَنْبَأْتُكُمْ بِالشَّيْءِ , أَنْهَاكُمْ عَنْهُ , احْتِيَاطًا بِكُمْ , وَإِشْفَاقًا عَلَى دِينِكُمْ , «إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ §أَتَاهُ رَجُلٌ شَابٌّ , يَسْأَلُهُ عَنِ الْقُبْلَةِ لِلصَّائِمِ , فَنَهَاهُ عَنْهَا , وَسَأَلَهُ شَيْخٌ عَنْهَا فَأَمَرَهُ بِهَا» وَإِنْ سَأَلَ رَجُلٌ فَقِيهًا , فَقَالَ: إِنْ قَتَلْتُ عَبْدِي أَعَلَيَّ الْقَتْلُ؟ جَازَ أَنْ يَقُولَ لَهُ: إِنْ قَتَلْتَ عَبْدَكَ قَتَلْنَاكَ , لِمَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: مَنْ قَتَلَ عَبْدَهُ قَتَلْنَاهُ سِيَّمَا وَالْقَتْلُ يَذْهَبُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ , مَذَاهِبَ , وَيَنْقَسِمُ عِنْدَهُمْ أَقْسَامًا وَلَوْ قَالَ لَهُ رَجُلٌ: إِنْ سَبَبْتُ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , أَعَلَيَّ الْقَتْلُ؟ اتَّسَعَ لَهُ أَنْ يَقُولَ: قَدْ رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: مَنْ سَبَّ أَصْحَابِي فَاقْتُلُوهُ وَمَتَى أَفْتَى فَقِيهٌ رَجُلًا مِنَ الْعَامَّةِ بِفَتْوَى فَوَاسِعٌ لِلْعَامِّيِّ أَنْ يُخْبِرَ بِهَا , فَأَمَّا أَنْ يُفْتِيَ هُوَ فَلَا

باب التمحل في الفتوى متى وجد المفتي للسائل مخرجا في مسألته , وطريقا يتخلص به , أرشده إليه , ونبهه عليه كرجل حلف أن لا ينفق على زوجته , ولا يطعمها شهرا , أو شبه هذا , فإنه يفتيه بإعطائها من صداقها , أو دين لها عليه , أو يقرضها ثم يبرئها , أو يبيعها سلعة

§بَابُ التَّمَحُّلِ فِي الْفَتْوَى مَتَى وَجَدَ الْمُفْتِي لِلسَّائِلِ مَخْرَجًا فِي مَسْأَلَتِهِ , وَطَرِيقًا يَتَخَلَّصُ بِهِ , أَرْشَدَهُ إِلَيْهِ , وَنَبَّهَهُ عَلَيْهِ كَرَجُلٍ حَلَفَ أَنْ لَا يُنْفِقَ عَلَى زَوْجَتِهِ , وَلَا يُطْعِمَهَا شَهْرًا , أَوْ شِبْهَ هَذَا , فَإِنَّهُ يُفْتِيهِ بِإِعْطَائِهَا مِنْ صَدَاقِهَا , أَوْ دَيْنٍ لَهَا عَلَيْهِ , أَوْ يُقْرِضُهَا ثُمَّ يُبْرِئُهَا , أَوْ يَبِيعُهَا سِلْعَةً وَيُبْرِئُهَا مِنَ الثَّمَنِ , وَقَدْ قَالَ تَعَالَى لِأَيُّوبَ عَلَيْهِ السَّلَامُ , لَمَّا حَلَفَ أَنْ يَضْرِبَ زَوْجَتَهُ مِائَةً: {وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلَا تَحْنَثْ} [ص: 44]

أنا أَبُو الْقَاسِمِ الْأَزْهَرِيُّ , أنا سَهْلُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الدِّيبَاجِيُّ , نا مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْأَشْعَثُ الْكُوفِيُّ , بِمِصْرَ , حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُوسَى بْنِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ , نا أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ جَدِّهِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ عَلِيٍّ: فِي رَجُلٍ حَلَفَ , فَقَالَ: امْرَأَتُهُ طَالِقٌ ثَلَاثًا إِنْ لَمْ يَطَأْهَا فِي شَهْرِ رَمَضَانَ نَهَارًا , قَالَ: §«يُسَافِرُ بِهَا ثُمَّ لِيُجَامِعْهَا نَهَارًا»

أنا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْفَتْحِ الْحَرْبِيُّ , نا عُمَرُ بْنُ ثَابِتٍ الْحَنْبَلِيُّ , نا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي قَيْسٍ الْمُقْرِئُ , نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدٍ الْقُرَشِيُّ , حَدَّثَنِي الْفَضْلُ بْنُ إِسْحَاقَ , عَنْ شَبَابَةَ , عَنْ قَيْسِ بْنِ الرَّبِيعِ , عَنْ حَمَّادٍ , قَالَ: قُلْتُ لِإِبْرَاهِيمَ: أَمُرُّ عَلَى الْعَاشِرِ فَيَسْتَحْلِفُنِي بِالْمَشْيِ إِلَى بَيْتِ اللَّهِ , قَالَ: §«احْلِفْ لَهُ , وَانْوِ مَسْجِدَ حَيِّكَ»

أنا عَبْدُ الْكَرِيمِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ الْمَحَامِلِيُّ , نا عُمَرُ بْنُ أَحْمَدَ الْوَاعِظُ , نا مُكْرَمُ بْنُ أَحْمَدَ , نا أَحْمَدُ بْنُ عَطِيَّةَ , نا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ , قَالَ: سَمِعْتُ وَكِيعًا , يَقُولُ: " كَانَ §لَنَا جَارٌ مِنْ خِيَارِ النَّاسِ , وَكَانَ مِنَ الْحُفَّاظِ لِلْحَدِيثِ , فَوَقَعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ شَيْءٌ وَكَانَ بِهَا مُعْجَبًا , فَقَالَ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ إِنْ سَأَلْتِينِي الطَّلَاقَ اللَّيْلَةَ , إِنْ لَمْ أُطَلِّقْكِ اللَّيْلَةَ ثَلَاثًا , فَقَالَتِ الْمَرْأَةُ: عَبِيدُهَا أَحْرَارٌ , وَكُلُّ مَالٍ لَهَا صَدَقَةٌ إِنْ لَمْ أَسْأَلْكَ الطَّلَاقَ اللَّيْلَةَ , فَجَاءَنِي هُوَ وَالْمَرْأَةُ فِي اللَّيْلِ , فَقَالَتِ الْمَرْأَةُ: إِنِّي بُلِيتُ بِكَذَا , وَقَالَ الرَّجُلُ: إِنِّي بُلِيتُ بِكَذَا , فَقُلْتُ مَا عِنْدِي فِي هَذَا شَيْءٌ , وَلَكِنَّا نَصِيرُ إِلَى الشَّيْخِ أَبِي حَنِيفَةَ فَإِنِّي أَرْجُو أَنْ يَكُونَ لَنَا عِنْدَهُ فَرَجٌ , وَكَانَ الرَّجُلُ يُكْثِرُ الْوَقِيعَةَ فِي أَبِي حَنِيفَةَ وَبَلَغَهُ ذَلِكَ عَنْهُ , فَقَالَ: أَسْتَحْيِي مِنْهُ , فَقُلْتُ: امْضِ بِنَا إِلَيْهِ , فَأَبَى , فَمَضَيْتُ مَعَهُ إِلَى ابْنِ أَبِي لَيْلَى وَسُفْيَانَ , فَقَالَا: مَا عِنْدَنَا فِي هَذَا شَيْءٌ , فَمَضَيْنَا إِلَى أَبِي حَنِيفَةَ , فَدَخَلْنَا عَلَيْهِ , وَقَصَصْنَا عَلَيْهِ الْقِصَّةَ وَأَخْبَرْتُهُ أَنَّا مَضَيْنَا إِلَى سُفْيَانَ وَابْنِ أَبِي لَيْلَى , فَعَزَبَ الْجَوَابُ عَنْهُمَا , فَقَالَ: إِنِّي وَاللَّهِ مَا أَجِدُ الْفَرْضَ إِلَّا جَوَابَكَ , وَإِنْ كُنْتَ لِي عَدُوًّا , فَسَأَلَ الرَّجُلَ: كَيْفَ حَلَفَ؟ وَسَأَلَ الْمَرْأَةَ: كَيْفَ حَلَفَتْ؟ وَقَالَ: وَأَنْتُمَا تُرِيدَانِ الْخَلَاصَ مِنَ اللَّهِ فِي أَيْمَانِكُمَا وَلَا تُحِبَّانِ الْفُرْقَةَ , فَقَالَتْ: نَعَمْ , وَقَالَ الرَّجُلُ: نَعَمْ , قَالَ: سَلِيهِ أَنْ يُطَلِّقَكِ , فَقَالَتْ

: طَلِّقْنِي , فَقَالَ لِلرَّجُلِ: قُلْ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إِنْ شِئْتِ , فَقَالَ لَهَا ذَلِكَ , فَقَالَ لِلْمَرْأَةِ قُولِي: لَا أَشَاءُ , فَقَالَتْ: لَا أَشَاءُ , فَقَالَ: قَدْ بَرَرْتُمَا وَخَرَجْتُمَا مِنْ طَلَبَةِ اللَّهِ لَكُمَا , فَقَالَ لِلرَّجُلِ: تُبْ إِلَى اللَّهِ مِنَ الْوَقِيعَةِ فِي كُلِّ مَنْ حَمَلَ إِلَيْكَ شَيْئًا مِنَ الْعِلْمِ " قَالَ وَكِيعٌ: فَكَانَ الرَّجُلُ بَعْدَ ذَلِكَ يَدْعُو لِأَبِي حَنِيفَةَ فِي دُبُرِ الصَّلَوَاتِ , وَأَخْبَرَنِي أَنَّ الْمَرْأَةَ تَدْعُو لَهُ كُلَّمَا صَلَّتْ

أَخْبَرَنِي الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْخَلَّالُ , أنا عَلِيُّ بْنُ عَمْرٍو الْحَرِيرِيُّ , أَنَّ عَلِيَّ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ كَأْسٍ النَّخَعِيَّ , حَدَّثَهُمْ , قَالَ: نا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى , نا أَبُو سُلَيْمَانَ هُوَ الْجُوزْجَانِيُّ , عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ , قَالَ: دَخَلَ عَلَى رَجُلٍ اللُّصُوصُ , فَأَخَذُوا مَتَاعَهُ وَاسْتَحْلَفُوهُ بِالطَّلَاقِ ثَلَاثًا أَنْ لَا يُعْلِمَ أَحَدًا , قَالَ: فَأَصْبَحَ الرَّجُلُ وَهُوَ يَرَى اللُّصُوصَ يَبِيعُونَ مَتَاعَهُ , وَلَيْسَ يَقْدِرُ يَتَكَلَّمُ مِنْ أَجْلِ يَمِينِهِ , فَجَاءَ الرَّجُلُ يُشَاوِرُ أَبَا حَنِيفَةَ , فَقَالَ لَهُ أَبُو حَنِيفَةَ: §«أَحْضِرْنِي إِمَامَ حَيِّكَ وَالْمُؤَذِّنَ وَالْمَسْتُورِينَ مِنْهُمْ» , فَأَحْضَرَهُمْ إِيَّاهُ , فَقَالَ لَهُمْ أَبُو حَنِيفَةَ: «هَلْ تُحِبُّونَ أَنْ يَرُدَّ اللَّهُ عَلَى هَذَا مَتَاعَهُ؟» قَالُوا: نَعَمْ , قَالَ: " فَاجْمَعُوا كُلَّ دَاعِرٍ وَكُلَّ مُتَّهَمٍ فَأَدْخِلُوهُمْ فِي دَارٍ , أَوْ فِي مَسْجِدٍ , ثُمَّ أَخْرِجُوهُمْ وَاحِدًا وَاحِدًا , فَقُولُوا لَهُ: هَذَا لِصُّكَ , فَإِنْ كَانَ لَيْسَ بِلِصِّهِ قَالَ: لَا , وَإِنْ كَانَ لِصُّهُ , فَلْيَسْكُتْ , فَإِذَا سَكَتَ فَاقْبِضُوا عَلَيْهِ " , فَفَعَلُوا مَا أَمَرَهُمْ بِهِ أَبُو حَنِيفَةَ , فَرَدَّ اللَّهُ عَلَيْهِ جَمِيعَ مَا سُرِقَ مِنْهُ

أنا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْوَاعِظُ , أنا أَبُو عَلِيٍّ أَحْمَدُ بْنُ الْفَضْلِ بْنِ الْعَبَّاسِ بْنِ خُزَيْمَةَ , نا أَبُو إِسْمَاعِيلَ -[414]- التِّرْمِذِيُّ , نا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ , نا مَالِكٌ , قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ أَبَا يُوسُفَ , جَاءَهُ إِنْسَانٌ , فَقَالَ: إِنِّي حَلَفْتُ بِطَلَاقِ امْرَأَتِي لَأَشْتَرِيَنَّ جَارِيَةً , وَذَلِكَ يَشْتَدُّ عَلَيَّ لِمَكَانِ زَوْجَتِي وَمَنْزِلَتِهَا عِنْدِي؟ فَقَالَ لَهُ أَبُو يُوسُفَ: §«اشْتَرِ سَفِينَةً فَهِيَ جَارِيَةٌ»

أنا الْجَوْهَرِيُّ , أنا مُحَمَّدُ بْنُ عِمْرَانَ , نا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى الْمَكِّيُّ , نا مُحَمَّدُ بْنُ الْقَاسِمِ بْنِ خَلَّادٍ , نا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ , قَالَ: قَالَ الرَّشِيدُ يَوْمًا لِأَبِي يُوسُفَ الْقَاضِي: عِنْدَ عِيسَى بْنِ جَعْفَرٍ جَارِيَةٌ , وَهِيَ أَحَبُّ النَّاسِ إِلَيَّ , وَقَدْ عَرَفَ ذَاكَ فَحَلَفَ أَنْ لَا يَبِيعَ وَلَا يَهَبَ وَلَا يَعْتِقَ وَهُوَ الْآنَ يَطْلُبُ حِلَّ يَمِينِهِ فَهَلْ عِنْدَكَ فِي ذَلِكَ حِيلَةٌ؟ قَالَ: نَعَمْ , §«يَهَبُ لِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ نِصْفَ رَقَبَتِهَا وَيَبِيعُهُ النِّصْفَ , فَلَا حِنْثَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ»

أنا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ رِزْقَوَيْهِ , نا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ النَّقَّاشُ الْمُقْرِئُ , نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْفَرْهَاذَانِيُّ , نا حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى , قَالَ: سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ , وَسَأَلَهُ رَجُلٌ فَقَالَ: حَلَفْتُ بِالطَّلَاقِ إِنْ أَكَلْتُ هَذِهِ التَّمْرَةَ أَوْ رَمَيْتُ بِهَا , قَالَ: §«تَأْكُلُ نِصْفَهَا وَتَرْمِي بِنِصْفِهَا»

باب في خزن بعض ما يسمع من العلم والإمساك عنه لعذر في ذلك

§بَابٌ فِي خَزْنِ بَعْضِ مَا يَسْمَعُ مِنَ الْعِلْمِ وَالْإِمْسَاكِ عَنْهُ لِعُذْرٍ فِي ذَلِكَ

أنا ابْنُ الْفَضْلِ , أنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ دَرَسْتُوَيْهِ , نا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ , نا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ , نا أَبُو هِلَالٍ , عَنِ الْحَسَنِ , قَالَ: قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: §«لَوْ حَدَّثْتُكُمْ كُلَّ مَا فِي كِيسِي لَرَمَيْتُمُونِي بِالْبَعْرِ» قَالَ الْحَسَنُ: صَدَقَ وَاللَّهِ , لَوْ حَدَّثَهُمْ أَنَّ بَيْتَ اللَّهِ يُهْدَمُ أَوْ يُحْرَقُ مَا صَدَّقَهُ النَّاسُ

وقَالَ يَعْقُوبُ , نا سُلَيْمَانُ , نا أَبُو هِلَالٍ , عَنْ قَتَادَةَ , قَالَ: قَالَ حُذَيْفَةُ: §«لَوْ كُنْتُ عَلَى شَاطِئِ نَهَرٍ , وَقَدْ مَدَدْتُ يَدِي لِأَغْرِفَ فَحَدَّثْتُكُمْ بِكُلِّ مَا أَعْلَمُ مَا وَصَلَ يَدِي إِلَى فَمِي حَتَّى أُقْتَلَ»

أنا الْحَسَنُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ , أنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِسْحَاقَ الْبَغَوِيُّ , أنا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ , نا أَبُو عُبَيْدٍ , نا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ , عَنْ حَسَّانَ بْنِ أَبِي يَحْيَى الْكِنْدِيِّ , قَالَ -[416]-: سَأَلْتُ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ عَنِ الزَّكَاةِ , فَقَالَ: «§ادْفَعْهَا إِلَى وُلَاةِ الْأَمْرِ» , قَالَ: فَلَمَّا قَامَ سَعِيدٌ تَبِعْتُهُ , فَقُلْتُ: إِنَّكَ أَمَرْتَنِي أَنْ أَدْفَعَهَا إِلَى وُلَاةِ الْأَمْرِ , وَهُمْ يَصْنَعُونَ بِهَا كَذَا , فَقَالَ: «ضَعْهَا حَيْثُ أَمَرَكَ اللَّهُ , سَأَلْتَنِي عَلَى رُءُوسِ النَّاسِ , فَلَمْ أَكُنْ لِأُخْبِرَكَ»

أنا الْعُتَيْقِيُّ , وَالتَّنُوخِيُّ , قَالَا: أنا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْبَرْذَعِيُّ , نا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي حَاتِمٍ , حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: سَمِعْتُ الرَّبِيعَ بْنَ سُلَيْمَانَ , قَالَ: «كَانَ الشَّافِعِيُّ يَرَى أَنَّ §الصُّنَّاعَ لَا يَضْمَنُونَ إِلَّا مَا جَنَتْ أَيْدِيهِمْ , وَلَمْ يَكُنْ يُظْهِرُ ذَلِكَ كَرَاهِيَةَ أَنْ يَجْتَرِئَ الصُّنَّاعُ»

أنا أَبُو عُمَرَ بْنُ مَهْدِيٍّ , وأَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ الْعَطَّارُ , قَالَا: نا عُثْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ الدَّقَّاقُ , نا يَحْيَى بْنُ أَبِي طَالِبٍ , أنا عَمْرُو بْنُ عَبْدِ الْغَفَّارِ , نا الْأَعْمَشُ , عَنْ شَقِيقٍ , عَنْ عَبْدِ اللَّهِ , قَالَ: §«مَنْ أَفْتَى النَّاسَ فِي كُلِّ مَا يَسْأَلُونَهُ فَهُوَ مَجْنُونٌ»

أنا أَبُو سَعِيدٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى الصَّيْرَفِيُّ , نا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْأَصَمُّ , نا هَارُونُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْأَصْبَهَانِيُّ , نا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ , عَنْ سُفْيَانَ , وأنا أَبُو بَكْرٍ الْبَرْقَانِيُّ , أنا عُمَرُ بْنُ نُوحٍ الْبَجَلِيُّ , أنا أَبُو خَلِيفَةَ , نا ابْنُ كَثِيرٍ , أنا سُفْيَانُ , عَنِ الْأَعْمَشِ , عَنْ أَبِي وَائِلٍ , قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: §«مَنْ أَفْتَى النَّاسَ فِي كُلِّ مَا يَسْتَفْتُونَهُ فَهُوَ مَجْنُونٌ» هَذَا لَفْظُ الصَّيْرَفِيِّ

وقَالَ الْبَرْقَانِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ , قَالَ: إِنَّ §«الَّذِي يُفْتِي النَّاسَ فِي كُلِّ مَا يَسْتَفْتُونَهُ فَهُوَ مَجْنُونٌ»

أنا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ رِزْقٍ , أنا عُثْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ الدَّقَّاقُ , نا حَنْبَلُ بْنُ إِسْحَاقَ , وأنا ابْنُ الْفَضْلِ , أنا ابْنُ دَرَسْتُوَيْهِ , نا يَعْقُوبُ , قَالَا: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ , نا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ , قَالَ: قَالَ ابْنُ شُبْرُمَةَ وَفِي حَدِيثِ يَعْقُوبَ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ شُبْرُمَةَ , يَقُولُ: §«إِنَّ مِنَ الْمَسَائِلِ مَسَائِلَ لَا يَجْمُلُ بِالسَّائِلِ أَنْ يَسْأَلَ» زَادَ حَنْبَلٌ: عَنْهَا ثُمَّ اتَّفَقَا: «وَلَا بِالْمَسْئُولِ أَنْ يُجِيبَ» زَادَ حَنْبَلٌ: فِيهَا

أنا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ سُلَيْمَانَ الْعَطَّارُ , أنا أَبُو بَكْرٍ: مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْأَبْهَرِيُّ , نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سُلَيْمَانَ , قَالَ: قُرِئُ عَلَى الْحَارِثِ بْنِ مِسْكِينٍ , عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ , أَوِ ابْنِ وَهْبٍ , عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ , قَالَ: §«إِنَّ مِنْ إِذَالَةِ الْعَالِمِ أَنْ يُجِيبَ كُلَّ مَنْ كَلَّمَهُ , أَوْ يُجِيبَ كُلَّ مَنْ سَأَلَهُ»

قَرَأْتُ فِي كِتَابِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ التَّارِيخِيِّ , نا مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ , نا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ , حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ صَدَقَةَ , قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى مَالِكٍ , فَسَأَلَهُ عَنْ مَسْأَلَةٍ , فَلَمْ يُجِبْهُ , فَقَالَ لَهُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ , أَلَا تُجِيبُنِي عَمَّا أَسْأَلُكَ عَنْهُ؟ فَقَالَ لَهُ مَالِكٌ: «§لَوْ سَأَلْتَ عَمَّا تَنْتَفِعُ بِهِ» , أَوْ قَالَ: «تَحْتَاجُ إِلَيْهِ فِي دِينِكَ أَجَبْتُكَ»

أنا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُعَدِّلُ , أنا أَبُو سَهْلٍ: أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْقَطَّانُ , نا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى , نا أَبُو سَلَمَةَ الْمِنْقَرِيُّ , نا أَبُو عَوَانَةَ , عَنْ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ , قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " §لَا تَزَالُونَ تُسْأَلُونَ , حَتَّى يُقَالَ لَكُمْ: هَذَا اللَّهُ خَلَقَنَا , فَمَنْ خَلَقَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ " قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَجَعَلْتُ أُصْبُعِي فِي أُذُنِي فَصَرَخْتُ , فَقُلْتُ: صَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ , الْوَاحِدُ الْأَحَدُ الصَّمَدُ الَّذِي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُؤًا أَحَدٌ

قُلْتُ: وَحَمْقَى النَّاسِ يَسْأَلُونَ بِجَهْلِهِمْ عَنْ جَمِيعِ مَا يَعْرِضُ فِي قُلُوبِهِمْ , كَمَا: أنا ابْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ , بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ , مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ النَّقَّاشِ , قَالَ: أنا أَحْمَدُ بْنُ الْحَارِثِ , أنا جَدِّي , عَنِ الْهَيْثَمِ بْنِ عَدِيٍّ , عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَيَّاشٍ , قَالَ: جَلَسَ الشَّعْبِيُّ عَلَى بَابِ دَارِهِ ذَاتَ يَوْمٍ , فَمَرَّ بِهِ رَجُلٌ , فَقَالَ لَهُ: أَصْلَحَكَ اللَّهُ , إِنِّي كُنْتُ أُصَلِّي فَأَدْخَلْتُ أُصْبُعِي فِي أَنْفِي فَخَرَجَ عَلَيْهَا دَمٌ , فَمَا يَرَى الْقَاضِي أَحْتَجِمُ أَمْ أَفْتَصِدُ؟ فَرَفَعَ الشَّعْبِيُّ يَدَيْهِ , وَقَالَ: §«الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي نَقَلَنَا مِنَ الْفِقْهِ إِلَى الْحِجَامَةِ»

وقَالَ النَّقَّاشُ: أنا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ يَعْنِي الْعَدَوِيَّ , أنا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ رَاشِدٍ , قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى شَرِيكِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ , فَقَالَ: أَيُّهَا الْقَاضِي: أَيُّمَا أَطْيَبُ الطُنْبُورُ أَمِ الْعُودُ؟ فَقَالَ لَهُ: §«أَحْسَبُكَ بَايَعْتَ يَا عَدُوَّ اللَّهِ» , فَحَلَفَ أَنَّهُ لَمْ يُبَايِعْ وَأَنَّهُ مُسْتَفْهِمٌ , فَقَالَ لَهُ: «كَمْ عَلَى الطُّنْبُورِ مِنْ زَبْرٍ؟» قَالَ: اثْنَانِ , قَالَ: «وَعَلَى الْعُودِ؟» , قَالَ: أَرْبَعَةٌ , قَالَ: «فَكُلَّمَا كَثُرَ مِنْ هَذَا كَانَ أَطْيَبَ»

أنا أَبُو عَلِيٍّ: مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ مُحَمَّدٍ الجَازِرِيُّ , نا الْقَاضِي أَبُو الْفَرَجِ الْمُعَافَى بْنُ زَكَرِيَّا الْجُرَيْرِيُّ , إِمْلَاءً , نا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الصُّولِيُّ , نا يَمُوتُ بْنُ الْمَزَرْعِ , قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا حَاتِمٍ السِّجِسْتَانِيَّ , يَقُولُ: كَانَ رَجُلٌ يُحِبُّ الْكَلَامَ وَيَخْتَلِفُ إِلَى حُسَيْنٍ النَّجَّارِ , وَكَانَ ثَقِيلًا مُتَشَادِقًا لَا يَدْرِي مَا يَقُولُ , فَآذَى حُسَيْنًا , ثُمَّ فُطِنَ لَهُ , فَكَانَ يَعُدُّ لَهُ الْجَوَابَ مِنْ جِنْسِ السُّؤَالِ , فَيَنْقَطِعُ وَيَسْكُتُ , فَقَالَ لَهُ يَوْمًا: مَا تَقُولُ أَصْلَحَكَ اللَّهُ فِي حَدِّ تَلَاشِي التَّوْهِيمَاتِ فِي عُنْفُوَانِ الْقِرَبِ مِنْ دَرْكِ الْمَطَالِبِ؟ فَقَالَ لَهُ حُسَيْنٌ: §«هَذَا مِنْ وُجُودِ فَوْتَ الْكَيْفُوفِيَّةِ عَلَى غَيْرِ طَرِيقِ الْحَيْثُوثِيَّةِ وَبِمِثْلِهِ يَقَعُ الثَّنَاءُ فِي الْمَجَانَّةِ عَلَى غَيْرِ تَلَاقٍ وَلَا افْتِرَاقٍ» , فَقَالَ الرَّجُلُ: هَذَا يَحْتَاجُ إِلَى فِكْرٍ وَاسْتِخْرَاجٍ , فَقَالَ حُسَيْنٌ: «أُفَكِّرُ , فَإِنَّا قَدِ اسْتَرَحْنَا»

باب رجوع المفتي عن فتواه إذا تبين له أن الحق في غيرها

§بَابُ رُجُوعِ الْمُفْتِي عَنْ فَتْوَاهُ إِذَا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّ الْحَقَّ فِي غَيْرِهَا

أنا عَلِيُّ بْنُ طَلْحَةَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْمُقْرِئُ , أنا عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ النَّاقِدُ , نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ نَاجِيَةَ , نا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ أَبِي سَمِينَةَ التَّمَّارُ , نا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ قَيْسٍ الْمَأْرِبِيُّ , عَنْ ثُمَامَةَ بْنِ شَرَاحِيلَ , عَنْ سُمَيِّ بْنِ قَيْسٍ , عَنْ شُمَيْرٍ , عَنْ أَبْيَضَ بْنِ حَمَّالٍ , قَالَ: §" وَفَدْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَاسْتَقْطَعْتُهُ الْمِلْحَ فَقَطَعَهُ لِي , فَلَمَّا وَلَّيْتُ قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ: تَدْرِي مَا أَقْطَعْتَهُ؟ إِنَّمَا أَقْطَعْتَهُ الْمَاءَ الْعِدَّ , فَرَجَعَ فِيهِ " قُلْتُ: يَعْنِي بِالْمَاءِ الْعِدِّ: الدَّائِمَ الَّذِي لَا انْقِطَاعَ لَهُ مِثْلَ مَاءِ الْعَيْنِ وَالْبِئْرِ , وَهَذَا إِذَا لَمْ يَكُنْ فِي مِلْكِ أَحَدٍ فَالنَّاسُ فِيهِ شُرَكَاءُ , لَا يَخْتَصُّ بِهِ بَعْضُهُمْ دُونَ بَعْضٍ , وَلِهَذَا رَجَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِ

أنا أَبُو سَعِيدٍ: مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى الصَّيْرَفِيُّ , نا أَبُو الْعَبَّاسِ -[422]- مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْأَصَمُّ , نا يَحْيَى بْنُ أَبِي طَالِبٍ , أنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَطَاءٍ , أنا عُمَرُ بْنُ قَيْسٍ , عَنْ عَطَاءِ بْنِ مِينَا , عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ , أَنَّهُ قَالَ: «كُنْتُ §حَدَّثْتُكُمْ أَنَّ مَنْ أَصْبَحَ جُنُبًا فَقَدْ أَفْطَرَ , فَإِنَّمَا ذَلِكَ مِنْ كِيسِ أَبِي هُرَيْرَةَ , فَمَنْ أَصْبَحَ جُنُبًا فَلَا يُفْطِرْ»

أنا الْقَاضِي أَبُو عُمَرَ الْقَاسِمُ بْنُ جَعْفَرٍ الْهَاشِمِيُّ , نا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْأَثْرَمُ , نا سَعْدَانُ بْنُ يَزِيدَ , نا يَزِيدُ يَعْنِي ابْنَ هَارُونَ , نا سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ , عَنْ قَتَادَةَ , عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ , " §أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ , رَجَعَ عَنْ فُتْيَاهُ: مَنْ أَصْبَحَ جُنُبًا فَلْيُفْطِرْ "

أنا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ طَاهِرٍ الدَّقَّاقُ , أنا عُمَرُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْمُقْرِئُ , أنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ , نا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ , نا طَلْحَةُ بْنُ يَحْيَى , عَنْ يُونُسَ , عَنِ ابْنِ شِهَابٍ , عَنْ سَالِمٍ , عَنِ ابْنِ عُمَرَ , قَالَ: كَانَ يَأْتِيهِ الرَّجُلُ يَسْأَلُهُ أَيُقَسِّمُ زَكَاتَهُ؟ فَيَقُولُ: §«أَدُّوهَا إِلَى الْأَئِمَّةِ»

أنا الْحَسَنُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ , أنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِسْحَاقَ الْبَغَوِيُّ , أنا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ , نا أَبُو عُبَيْدٍ , نا هُشَيْمٌ , عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَحْيَى , عَنْ حِبَّانِ بْنِ أَبِي جَبَلَةَ , عَنِ ابْنِ عُمَرَ -[423]-: أَنَّهُ رَجَعَ عَنْ قَوْلِهِ فِي دَفْعِ الزَّكَاةِ إِلَى السُّلْطَانِ , وَقَالَ: «§ضَعُوهَا مَوَاضِعَهَا» قُلْتُ: كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ يُوجِبُ دَفْعَ زَكَاةِ الْأَمْوَالِ الْبَاطِنَةِ إِلَى الْأُمَرَاءِ , فَلَمَّا أُخْبِرَ أَنَّهُمْ لَا يَضَعُونَهَا مَوَاضِعَهَا رَجَعَ عَنْ رَأْيَهَ فِي الدَّفْعِ إِلَيْهِمْ , وَأَمَرَ النَّاسَ أَنْ يَتَوَلُّوا بِأَنْفُسِهِمْ صَرْفَهَا إِلَى الْأَصْنَافِ

فَإِذَا أَفْتَى الْفَقِيهُ رَجُلًا بِفَتْوَى , ثُمَّ قَالَ لَهُ قَدْ رَجَعْتُ عَنْ فَتْوَايَ , فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَعْمَلَ الْمُسْتَفْتِي بِهَا , كَفَّ عَنْهَا , كَمَا: أنا ابْنُ الْفَضْلِ , أنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ , نا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ , نا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي زُكَيْرٍ , أنا ابْنُ وَهْبٍ , قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: §" كَانَ ابْنُ هُرْمُزَ رَجُلًا كُنْتُ أُحِبُّ أَنْ أَقْتَدِيَ , بِهِ , وَكَانَ قَلِيلَ الْكَلَامِ , قَلِيلَ الْفُتْيَا شَدِيدَ التَّحَفُّظِ , وَكَانَ كَثِيرًا مَا يُفْتِي الرَّجُلَ ثُمَّ يَبْعَثُ فِي إِثْرِهِ مَنْ يَرُدُّهُ إِلَيْهِ , حَتَّى يُخْبِرَهُ بِغَيْرِ مَا أَفْتَاهُ , قَالَ: وَكَانَ بَصِيرًا بِالْكَلَامِ , وَكَانَ يَرُدُّ عَلَى أَهْلِ الْأَهْوَاءِ , وَكَانَ مِنْ أَعْلَمِ النَّاسِ بِمَا اخْتَلَفَ النَّاسُ فِيهِ مِنْ هَذِهِ الْأَهْوَاءِ "

أنا الْقَاضِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الصَّيْمَرِيُّ , نا الْعَبَّاسُ بْنُ أَحْمَدَ الْهَاشِمِيُّ , نا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمَكِّيُّ , نا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ النَّخَعِيُّ , حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ , عَنْ أَبِيهِ -[424]-: §" أَنَّ الْحَسَنَ بْنَ زِيَادٍ , وَهُوَ اللُّؤْلُؤِيُّ اسْتُفْتِيَ فِي مَسْأَلَةٍ فَأَخْطَأَ , فَلَمْ يَعْرِفِ الَّذِي أَفْتَاهُ , فَاكْتَرَى مُنَادِيًا يُنَادِي: أَنَّ الْحَسَنَ بْنَ زِيَادٍ اسْتُفْتِيَ يَوْمَ كَذَا وَكَذَا فِي مَسْأَلَةٍ فَأَخْطَأَ فَمَنْ كَانَ أَفْتَاهُ الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ بِشَيْءٍ فَلْيَرْجِعْ إِلَيْهِ , فَمَكَثَ أَيَّامًا لَا يُفْتِي , حَتَّى وَجَدَ صَاحِبَ الْفَتْوَى , فَأَعْلَمَهُ أَنَّهُ قَدْ أَخْطَأَ , وَأَنَّ الصَّوَابَ كَذَا وَكَذَا "

وَإِنْ كَانَ رُجُوعُ الْمُفْتِي عَنْ فَتْوَاهُ بَعْدَ عَمَلِ الْمُسْتَفْتِي بِهَا نَظَرٌ فِي ذَلِكَ , فَإِنْ كَانَ قَدْ بَانَ لِلْمُفْتِي أَنَّهُ خَالَفَ نَصَّ كِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ أَوْ إِجْمَاعٍ وَجَبَ نَقْضُ الْعَمَلِ بِهَا وَإِبْطَالُهُ , وَلَزِمَ الْمُفْتِيَ تَعْرِيفُ الْمُسْتَفْتِي ذَلِكَ , كَمَا: أنا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى السُّلَمِيُّ , بِدِمَشْقَ , أنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ الْحَسَنِ الْكِلَابِيُّ , أنا أَحْمَدُ بْنُ عُمَيْرِ بْنِ يُوسُفَ بْنِ جُوصَا , نا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى , أنا ابْنُ وَهْبٍ , أَنَّ مَالِكًا , أَخْبَرَهُ قَالَ ابْنُ جُوصَا , ونا عِيسَى بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَثْرُودٍ , أنا ابْنُ الْقَاسِمِ , حَدَّثَنِي مَالِكٌ , عَنْ نَافِعٍ: §" أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ , سَأَلَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ , عَمَّا لَفَظَ الْبَحْرُ , فَنَهَاهُ عَنْ أَكْلِهِ , قَالَ نَافِعٌ: ثُمَّ انْقَلَبَ عَبْدُ اللَّهِ , فَدَعَا بِالْمُصْحَفِ فَقَرَأَ {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ} [المائدة: 96] " قَالَ نَافِعٌ: «فَأَرْسَلَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ إِلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِأَكْلِهِ»

أنا ابْنُ الْفَضْلِ , أنا دَعْلَجُ بْنُ أَحْمَدَ , أنا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ الصَّائِغُ , أَنَّ سَعِيدَ بْنَ مَنْصُورٍ , حَدَّثَهُمْ , قَالَ: نا حُدَيْجُ بْنُ مُعَاوِيَةَ , عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ , عَنْ سَعْدِ بْنِ إِيَاسٍ , عَنْ رَجُلٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةً مِنْ بَنِي شَمْخٍ , ثُمَّ أَبْصَرَ أُمَّهَا فَأَعْجَبَتْهُ , فَذَهَبَ إِلَى ابْنِ مَسْعُودٍ , فَقَالَ: إِنِّي تَزَوَّجْتُ امْرَأَةً فَلَمْ أَدْخُلْ بِهَا , ثُمَّ أَعْجَبَتْنِي أُمُّهَا , أَفَأُطَلِّقُ الْمَرْأَةَ؟ قَالَ: «نَعَمْ» فَطَلَّقَهَا , وَتَزَوَّجَ أُمَّهَا , فَأَتَى عَبْدُ اللَّهِ الْمَدِينَةَ فَسَأَلَ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَقَالُوا: لَا يَصْلُحُ , ثُمَّ قَدِمَ فَأَتَى بَنِي شَمْخٍ , فَقَالَ: §«أَيْنَ الرَّجُلُ الَّذِي تَزَوَّجَ أُمَّ الْمَرْأَةِ الَّتِي كَانَتْ عِنْدَهُ؟» قَالُوا: هَاهُنَا , قَالَ: " فَلْيُفَارِقْهَا، قَالُوا: كَيْفَ وَقَدْ نَثَرَتْ لَهُ بَطْنَهَا؟ قَالَ: وَإِنْ كَانَتْ فَعَلَتْ فَلْيُفَارِقْهَا، فَإِنَّهَا حَرَامٌ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ "

وأنا ابْنُ الْفَضْلِ , أنا ابْنُ دَرَسْتُوَيْهِ , حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ , نا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي السَّرِيِّ , نا عَبْدُ الرَّزَّاقِ , أنا الثَّوْرِيُّ , عَنْ أَبِي فَرْوَةَ , عَنْ أَبِي عَمْرٍو الشَّيْبَانِيِّ , عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ: أَنَّ رَجُلًا , مِنْ بَنِي شَمْخٍ مِنْ فَزَارَةَ تَزَوَّجَ امْرَأَةً ثُمَّ رَأَى أُمَّهَا فَأَعْجَبَتْهُ , فَاسْتَفْتَى ابْنَ مَسْعُودٍ عَنْ ذَلِكَ , فَأَمَرَهُ أَنْ يُفَارِقَهَا وَيَتَزَوَّجَ أُمَّهَا , فَتَزَوَّجَهَا فَوَلَدَتْ لَهُ أَوْلَادًا , ثُمَّ أَتَى ابْنُ مَسْعُودٍ الْمَدِينَةَ , فَسَأَلَ عَنْ ذَلِكَ , فَأُخْبِرَ أَنَّهَا لَا تَحِلُّ , فَلَمَّا رَجَعَ إِلَى الْكُوفَةِ , قَالَ لِلرَّجُلِ: §«إِنَّهَا عَلَيْكَ حَرَامٌ , إِنَّهَا لَا تَنْبَغِي لَكَ , فَفَارَقَهَا» -[426]- قُلْتُ: لَعَلَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ تَأَوَّلَ فِي فَتْوَاهُ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى: {فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ} [النساء: 23] أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ رَاجِعٌ إِلَى أُمَّهَاتِ النِّسَاءِ وَإِلَى الرَّبَائِبِ جَمِيعًا , وَاللَّهُ أَعْلَمُ

وَإِنْ كَانَ رُجُوعُ الْمُفْتِي عَنْ قَوْلِهِ الْأَوَّلِ مِنْ جِهَةِ اجْتِهَادٍ هُوَ أَقْوَى أَوْ قِيَاسٍ هُوَ أَوْلَى لَمْ يَنْقُضِ الْعَمَلَ الْمُتَقَدِّمَ , لِأَنَّ الِاجْتِهَادَ لَا يُنْقَضُ بِالِاجْتِهَادِ أنا الْقَاضِي أَبُو الْعَلَاءِ الْوَاسِطِيُّ , نا أَبُو بَكْرٍ: مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْبَابَسِيرِيُّ بِوَاسِطٍ , نا الْقَاضِي أَبُو أُمَيَّةَ: الْأَحْوَصُ بْنُ الْمُفَضَّلِ الْغَلَابِيُّ , نا أَبِي , نا الْوَاقِدِيُّ , نا مَعْمَرٌ , وأَخْبَرَنِي أَبُو الْقَاسِمِ: الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْحِنَّائِيُّ بِدِمَشْقَ وَاللَّفْظُ لَهُ , أنا أَبُو بَكْرٍ: مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عُثْمَانَ السُّلَمِيُّ , أنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ بْنِ بِشْرٍ الْهَرَوِيُّ , نا مُحَمَّدُ بْنُ حَمَّادٍ الطِّهْرَانِيُّ , أنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ , عَنْ مَعْمَرٍ , عَنْ سِمَاكِ بْنِ الْفَضْلِ , عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ , عَنْ مَسْعُودِ بْنِ الْحَكَمِ الثَّقَفِيِّ , قَالَ: أُتِيَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فِي امْرَأَةٍ تَرَكَتْ زَوْجَهَا وَأُمَّهَا وَإِخْوَتَهَا لِأُمِّهَا , وَإِخْوَتِهَا لِأُمِّهَا وَأَبِيهَا , فَشَرَكَ بَيْنَ الْإِخْوَةِ لِلْأُمِّ , وَبَيْنَ الْإِخْوَةِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ بِالثُّلُثِ , فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: إِنَّكَ لَمْ تَشْرِكْ بَيْنَهُمْ عَامَ كَذَا وَكَذَا؟ , قَالَ: §«فَتِلْكَ عَلَى مَا قَضَيْنَا يَوْمَئِذٍ , وَهَذِهِ عَلَى مَا قَضَيْنَا الْيَوْمَ» -[427]- قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: قَالَ الثَّوْرِيُّ: لَوْ لَمْ أَسْتَفِدْ فِي سَفَرِي هَذَا مِنْ مَعْمَرٍ غَيْرَ هَذَا الْحَدِيثِ , لَظَنَنْتُ أَنِّي قَدْ أَصَبْتُ خَيْرًا

التوثق في استفتاء الجماعة

§التَّوَثُّقُ فِي اسْتِفْتَاءِ الْجَمَاعَةِ

أنا أَبُو بَكْرٍ الْبَرْقَانِيُّ , قَالَ: أنا أَبُو الْفَضْلِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَمِيرَوَيْهِ الْهَرَوِيُّ , قَالَ: أنا الْحُسَيْنُ بْنُ إِدْرِيسَ , قَالَ: نَا ابْنُ عَمَّارٍ , عَنِ الْمُعَافَى , عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ يَزِيدَ , عَنْ سُلَيْمَانَ الْأَحْوَلِ , عَنْ طَاوُسٍ , عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ , قَالَ: §«إِنْ كُنْتُ لِأَسْأَلُ عَنِ الْأَمْرِ الْوَاحِدِ , ثَلَاثِينَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» إِذَا اخْتَلَفَ جَوَابُ الْمُفْتِينَ عَلَى وَجْهَيْنِ , فَيَنْبَغِي لِلْمُسْتَفْتِي أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ الْوَجْهَيْنِ , إِذَا أَمْكَنَهُ ذَلِكَ لِلْاحْتِيَاطِ وَالْخُرُوجِ مِنَ الْخِلَافِ مِثَالُهُ: أَنْ يُفْتِيَهُ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ: أَنَّ الْفَرْضَ عَلَيْهِ فِي الطَّهَارَةِ مَسْحُ جَمِيعِ رَأْسِهِ , وَيُفْتِيهِ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ يُجْزِئُهُ مَسْحُ بَعْضِ الرَّأْسِ , وَإِنْ قَلَّ , فَإِذَا مَسَحَ جَمِيعَهُ كَانَ مُؤَدِّيًا فَرْضَهُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ جَمِيعًا وَأَمَّا إِذَا لَمْ يُمْكِنْهُ الْجَمْعُ بَيْنَ وَجْهَيِ الْخِلَافِ لِتَنَافِيهِمَا , مِثْلَ أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا يُحِلُّ وَيُبِيحُ وَالْآخَرُ يُحَرِّمُ وَيَحْظُرُ فَقَدْ قِيلَ: يَلْزَمُهُ أَنْ يَأْخُذَ بِأَغْلَظِ الْقَوْلَيْنِ , وَأَشَدِّهِ , لِأَنَّ الْحَقَّ ثَقِيلٌ

كَمَا: أنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْبَرْمَكِيُّ , أنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَلَفِ بْنِ بُخَيْتٍ الدَّقَّاقُ , نا مُحَمَّدُ بْنُ صَالِحِ بْنِ ذَرِيحٍ , نا هَنَّادُ بْنُ السَّرِيِّ , نا ابْنُ نُمَيْرٍ , عَنْ مُوسَى بْنِ عُبَيْدَةَ , عَنْ -[429]- أَبِي عَمْرٍو , قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: §«الْحَقُّ ثَقِيلٌ مَرِيٌّ , وَالْبَاطِلُ خَفِيفٌ وَبِيٌّ وَرُبَّ شَّهْوَةٍ تُورِثُ حُزْنًا طَوِيلًا»

وأنا أَبُو الْحُسَيْنِ: أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ الْأَصْبَهَانِيُّ بِهَا أنا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ الطَّبَرَانِيُّ , نا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ , قَالَ: قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: " قَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: §إِذَا أَشْكَلَ عَلَيْكَ أَمْرَانِ , فَلَمْ تَدْرِ أَيُّهُمَا أَدْنَى إِلَى الصَّوَابِ وَالسَّدَادِ , فَانْظُرْ أَثْقَلَهُمَا عَلَيْكَ فَاتَّبِعْهُ وَدَعِ الَّذِي تَهْوَى , فَإِنَّكَ لَا تَدْرِي لَعَلَّ الْهَوَى هُوَ الَّذِي زَيَّنَهُ فِي قَلْبِكَ وَحَسَّنَهُ عِنْدَكَ " وَقِيلَ يَأْخُذُ بِأَسْهَلِ الْقَوْلَيْنِ , وَأَيْسَرِ الْأَمْرَيْنِ , لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى , قَالَ: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة: 185]

وَلِمَا: أنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ شَهْرَيَارَ الْأَصْبَهَانِيُّ , أنا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ الطَّبَرَانِيُّ , قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الزُّهْرِيُّ الْأَصْبَهَانِيُّ , نا إِسْمَاعِيلُ بْنُ يَزِيدَ , نا أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ , نا سَلَّامُ بْنُ مِسْكِينٍ , عَنْ قَتَادَةَ , عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ , قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -[430]-: §«خَيْرُ دِينِكُمْ أَيْسَرُهُ»

وأنا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ التَّمِيمِيُّ , أنا أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ حَمْدَانَ , نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ , حَدَّثَنِي أَبِي , نَا أَبُو الْمُغِيرَةِ , نَا مُعَانُ بْنُ رِفَاعَةَ , نَا عَلِيُّ بْنُ يَزِيدَ , عَنِ الْقَاسِمِ , عَنْ أَبِي أُمَامَةَ , قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: §«إِنِّي لَمْ أُبْعَثْ بِالْيَهُودِيَّةِ وَلَا بِالنَّصْرَانِيَّةِ , وَلَكِنْ بُعِثْتُ بِالْحَنِيفِيَّةِ السَّمْحَةِ»

أنا أَبُو الْقَاسِمِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى الْبَزَّازُ , وَأَبُو الْحُسَيْنُ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ السُّكَّرِيُّ , قَالَا: أنا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ الْمِصْرِيُّ , أنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ , نا الْفِرْيَابِيُّ , نا سُفْيَانُ , عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدٍ , عَنِ الشَّعْبِيِّ , قَالَ: §" إِذَا اخْتُلِفَ عَلَيْكَ فِي أَمْرَيْنِ , فَخُذْ بِأَيْسَرِهِمَا , ثُمَّ قَرَأَ: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة: 185] " وَقِيلَ يَأْخُذُ بِفَتْوَى أَفْضَلِهِمَا عِنْدَهُ فِي الدِّينِ وَالْعِلْمِ وَأَوْرَعِهِمَا , وَيَلْزَمُهُ الِاجْتِهَادُ فِي تَعْرِيفِ ذَلِكَ مِنْ حَالِهِمَا

أنا أَبُو الْحَسَنِ أَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَلَفِ بْنُ بُخَيْتٍ الْعُكْبَرِيُّ , أَخْبَرَنَا جَدِّي , قَالَ: قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الزُّبَيْرُ بْنُ أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيُّ

: " فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: §فَكَيْفَ تَقُولُ فِي الْمُسْتَفْتِي مِنَ الْعَامَّةِ إِذَا أَفْتَاهُ الرَّجُلَانِ وَاخْتَلَفَا فَهَلْ لَهُ التَّقْلِيدُ؟ قِيلَ لَهُ: إِنْ شَاءَ اللَّهُ هَذَا عَلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: إِنْ كَانَ الْعَامِّيُّ يَتَّسِعُ عَقْلُهُ , وَيَكْمُلُ فَهْمُهُ إِذَا عَقَلَ أَنْ يَعْقِلَ , وَإِذَا فَهِمَ أَنْ يَفْهَمَ فَعَلَيْهِ أَنْ يَسْأَلَ الْمُخْتَلِفِينَ عَنْ مَذَاهِبِهِمْ عَنْ حُجَجِهِمْ , فَيَأْخُذُ بِأَرْجَحِهِمَا عِنْدَهُ , فَإِنْ كَانَ عَقْلُهُ لَمْ يَنْقُصْ عَنْ هَذَا , وَفَهْمُهُ لَا يَكْمُلُ لَهُ , وَسِعَهُ التَّقْلِيدُ لِأَفْضَلِهِمَا عِنْدَهُ وَقِيلَ: يَأْخُذُ بِقَوْلِ مَنْ شَاءَ مِنَ الْمُفْتِينَ , وَهُوَ الْقَوْلُ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ وَإِنَّمَا عَلَيْهِ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى قَوْلِ عَالِمٍ ثِقَةٍ , وَقَدْ فَعَلَ ذَلِكَ , فَوَجَبَ أَنْ يَكْفِيَهُ , وَاللَّهُ أَعْلَمُ "

§1/1