الفقه العقدي للنوازل

عبد الرحيم السلمي

الفقه العقدي للنوازل [1]

الفقه العقدي للنوازل [1] تعتبر دراسة النوازل في الشريعة الإسلامية من الأهمية بمكان؛ لانحصار النصوص وعدم تناهي الحوادث, فهي دلالة على صلاحية الدين الإسلامي لكل زمان ومكان, ولذا زخرت مكتبات العالم الإسلامي بكتب الفتاوى التي تمثل جانبًا مهما من فقه النوازل ودراستها, وفي عصرنا وقعت حوادث ونوازل عديدة وما زالت تتابع, ومن جملتها نوازل عقدية عظيمة, كالحوار بين الأديان, والحكم بالقوانين الوضعية في البلاد الإسلامية, والتعامل مع الكفار, وغير ذلك من النوازل المهمة.

مدخل لفقه النوازل

مدخل لفقه النوازل الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً مزيداً إلى يوم الدين. أما بعد: فهذه الدروس بإذن الله تعالى هي بعنوان: الفقه العقدي للنوازل وتطبيقاته.

تعريف النازلة لغة واصطلاحا

تعريف النازلة لغة واصطلاحاً النوازل المقصود بها: الأمور والقضايا والحوادث المستجدة، والنوازل جمع نازلة، ويذكر أهل اللغة أن النازلة -وهي الأمر الشديد الصعب- لها مراتب، ومن ذلك ما ذكره الثعالبي في فقه اللغة في درجات النوازل قال: تقال: نازلة ونائبة وحادثة، ثم آبدة وداهية وباقعة، ثم بائعة ثم بائقة وحاطمة وفاقرة، ثم غاشية وواقعة وقارعة، ثم حاقة وطامة وصاخة. واصطلاحاً: هي الأمور والقضايا الجديدة التي تحصل مع تطور الأوقات واختلاف الأزمان والأماكن. فالأحداث أو القضايا التي تحصل لا بد فيها من معرفة حكم الله سبحانه وتعالى، والنوازل تعرف في الاصطلاح وتطلق على المسائل والوقائع الحادثة الجديدة التي تحتاج إلى حكم شرعي. وليس هناك كتاب مخصص لمنهجية النوازل أفضل من كتاب الدكتور مسفر القحطاني: أحكام النوازل في الشريعة الإسلامية، ولهذا عرفها بأنها: الوقائع الجديدة التي لم يسبق فيها نص أو اجتهاد. (الوقائع الجديدة) يعني: الأمور التي حصلت ولم تكن موجودة في السابق، فالوقائع هنا تشمل كل ما يقع للناس من مسائل في أمورهم العلمية والاعتقادية. (التي لم يسبق فيها نص أو اجتهاد): لأنه إذا كان فيها نص فإنها لا تعتبر نازلة تحتاج إلى حكم شرعي، وكذلك إذا كان فيها اجتهاد فإنها لا تعتبر نازلة، وليست أمراً جديداً وحادثاً.

مصطلحات النوازل

مصطلحات النوازل هناك مصطلحات يستخدمها العلماء قديماً بمعنى النوازل، مثل: الوقائع والحوادث، والنوازل قديماً عند أهل العلم تدرس في كتب الفتاوي؛ لأن الفتاوي هي أسئلة عن الأمور التي تخص الناس في ذاك الزمان، فيمكن الاستفادة من الفتاوي في معرفة الوقائع الجديدة التي حصلت في كل زمان على حدة، ولهذا وجد في كل مذهب من المذاهب كتب متخصصة في الفتاوي؛ في المذهب الحنفي والشافعي والمالكي والحنبلي، وأحياناً تسمى الأجوبة أو السؤالات أو المسائل أو النوازل، وتميز الفقه المالكي بالذات بهذه التسمية: النوازل، فأكثر ما يُستخدم مصطلح النوازل في الفقه المالكي.

أمثلة للنوازل العقدية ونوازل أخرى

أمثلة للنوازل العقدية ونوازل أخرى لن نتحدث عن جميع النوازل، وإنما سنتحدث عن النوازل العقدية فقط، فهناك نوازل في مجال البيوع والمعاملات المالية، والقضايا الطبية، وأمور متعددة أخرى، لكنها من الأمور التي تدرس في كتب الفقه ويفتى فيها، وقد يختلف فيها أهل العلم، لكن نحن سيكون حديثنا عن النوازل العقدية بشكل خاص. قد يتساءل البعض: ما هي الأمور التي وقعت في هذا الزمان من قضايا العقيدة التي لم يسبق فيها نص أو اجتهاد محدد؟ هناك أمثلة كثيرة، منها:

الحوار بين الأديان

الحوار بين الأديان الحوار بين الأديان؛ فإنه لم يسبق في تاريخ المسلمين أن اجتمع علماء من علماء المسلمين يتحاورون مع الرهبان والقساوسة من أجل الاتفاق على القضايا المشتركة بين الجميع، ويعملون من أجل الأمور المتفق عليها، ويتركون الأمور المختلف فيها؛ لأن الحديث في العقائد يسبب الخلاف والنزاع، وهم يريدون الحديث عن المسائل المشتركة بين الجميع، مثل: نقد الإلحاد، أو معالجة مشكلات الفقر، أو مشكلات الفساد الأخلاقي الموجود أو نحو ذلك من الأمور التي تعد من الأمور المتفق عليها بين جميع الأديان.

الحكم بالقوانين الوضعية في البلاد الإسلامية

الحكم بالقوانين الوضعية في البلاد الإسلامية من الأمثلة في النوازل العقدية: الحكم بالقوانين الوضعية في البلاد الإسلامية بالصورة المعاصرة؛ إذ لم يمر في تاريخ المسلمين أن حُكِّم غير شرع الله عز وجل بالصورة الموجودة في الواقع الذي نعيشه الآن، فأكثر البلاد الإسلامية في زماننا هذا أزيحت الشريعة عن الحكم إلا في قضايا الأحوال الشخصية فقط، وسميت: القوانين المدنية، أما قضايا الأموال والدماء والمنازعات على اختلافها وأشكالها فلا يحكم فيها بالشريعة، وإنما تستورد قوانين وضعية، وأحياناً قد يطبق القانون بأكمله، وأحياناً قد يحصل تلفيق بين مجموعة من القوانين، ثم يخرجون بقانون معين يحكمون به الناس. هذه المصيبة والباقعة الكبرى والنازلة العظيمة التي تتعلق بالأحكام الوضعية في البلاد الإسلامية حصل بسببها خلاف كبير، ومشكلات عظيمة جداً، وتفرعت إلى أنواع متعددة مثلاً: هل هي دول مسلمة أو ليست بدول مسلمة؟ وترتب عليها أيضاً الحكم على الدار الذي يكون فيه هذا الوضع الجديد: هل هو دار إسلام أو دار كفر؟ والمحاكم بالطبع أصبحت في داخل بلاد المسلمين ويرتادها المسلمون بأعداد كبيرة، فما حكم الذين يرتادون هذه المحاكم وهم يأتون لتحكيم غير ما أنزل الله عز وجل. وترتب عليها: ما حكم الخروج على هذه الدول التي تحكم بغير ما أنزل الله، ونحَّت شريعة الله عز وجل عن الحكم؟ وترتب عليها: ما حكم العمل في هذه الحكومات التي تحكم بغير ما أنزل الله؟ فهل يجوز أن ينخرط الإنسان في عمل بأحدى هذه الدول؟ وهل يجوز للإنسان أن يتولى وزارة من الوزارات فيها؟ وهل يجوز للإنسان أن ينضم إلى جيش من الجيوش التي تكون تابعة لهذه البلاد؟ وهل يجوز للإنسان أن يدرس في مدارسها؟ ترتب أيضاً على هذه المسألة: ما حكم الناس وشعوب الدول التي تحكم بغير ما أنزل الله: هل هي شعوب مسلمة أم كافرة؟ وبناءً على هذا: هل يترتب على هذا جواز أكل الذبائح مثلاً؟ إلى قضايا تفصيلية كثيرة جداً، وربما لا أبالغ لو قلت: إن قضايا لا حصر لها ترتبت على هذه الباقعة وعلى هذه الداهية التي دهت بلاد المسلمين.

التعامل مع الكفار

التعامل مع الكفار من النوازل أيضاً: التعامل مع الكفار: العالم المعاصر الموجود اختلف عن العالم الإسلامي قديماً، فقد كان العالم الإسلامي قديماً دولة مستقلة، لكن الآن هناك هيئة أمم متحدة، ومنظمات متعددة، وتعاون دولي مشترك، وما يسمونه بالمجتمع الدولي. قضايا متعددة كثيرة جداًَ، فما حكم التعامل مع الكفار في هذه الأمور، وهل هذا يخل بعقيدة الولاء والبراء أو لا يخل بهذه العقيدة؟

قضايا الجهاد

قضايا الجهاد من النوازل أيضاً: قضايا الجهاد: فهي تبحث في كتب الفقه، ولها ارتباط عقدي إضافة إلى ارتباطها الفقهي، لكن الآن إذا احتل بلد من بلاد المسلمين من دولة كبيرة وقوية ولها إمكانيات مهولة جداً، هل يجوز للمسلمين أن يقاتلوا هذه الدولة المحتلة، أم أنهم يستسلمون لها؟ وإذا شكلت لهم حكومة هل تكون هذه الحكومة حكومة شرعية فعلاً، أم أنها تابعة للمحتل، وأنه لا يجوز حينئذ التعامل مع مثل هذه الحكومة؟ أيضاً: قضية الجهاد لها ارتباط بمسألة التعايش، فهل يجوز للمسلمين أن يعقدوا صلحاً مع الكفار بحيث أنهم لا يقاتلونهم، وأن كل بلد يكون مستقلاً عن الآخر ولا يحصل بينهم أي قتال، أو أنه ما دام وجد الكافر لا بد أن يقتل في أي مكان يوجد، وتحت أي ظرف من الظروف، هذه تعتبر من القضايا والنوازل المحدثة.

الفكر السياسي والاقتصادي

الفكر السياسي والاقتصادي هناك قضايا تتعلق بالفكر السياسي، وأخرى بالفكر الاقتصادي، ومثال ذلك: أن العالم اليوم يسيطر عليه الغرب من الناحية السياسية والاقتصادية، فقضية العولمة مفروضة على المجتمع الإسلامي والبلاد الإسلامية، فهل يجوز للمسلمين أن يتعاملوا مع العولمة وفق النظام الرأسمالي المعتمد على الربا الذي يرى أن الإقراض بفائدة -كما يسمونه- يعتبر أساساً من أساسيات هذه النظم؟ وبعض الناس يقول: لماذا لا نتعامل مع هذه القضية من واقع التجديد؟ هناك أصل من أصول الدعوة الإسلامية وهي تجديد الدين، فهل يدخل في تجديد الدين مثل هذه المفاهيم؟ إذاً: هناك قضايا لا بد من إدراكها وفهمها في الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية ولها تفرعات متعددة. والحقيقة: أن الانحرافات التي وقعت في هذا الأمر تعود إلى قلة الفقه في الدين، وقلة التأصيل الشرعي لمثل هذه القضايا. وترجع أيضاً إلى أن مثل هذه القضايا يتحدث فيها أشخاص ليسوا من المؤهلين شرعياً من حيث التفقه ومعرفة أصول الاستدلال، وسيأتي معنا الحديث عن الناظر في النوازل، ما هي المؤهلات الأساسية التي ينبغي أن تكون عنده؟ فهل أي إنسان يمكنه أن ينظر ويفتي ويتكلم فيها؟ أم أنه لا بد أن تكون له مؤهلات معينة، وضوابط محددة يمكن للإنسان أن يتكلم فيها بحيث أنه يصل إلى الحق.

مسألة: هل هناك أحكام في الشرع لكل نازلة تحدث؟

مسألة: هل هناك أحكام في الشرع لكل نازلة تحدث؟ هذا يجرنا إلى مسألة مهمة جداً تبحث دائماً في فقه النوازل، هي: هل لله عز وجل حكم في كل مسألة من المسائل حتى لو كانت مستحدثة؟ أي: هل الشرع -القرآن والسنة- نصوصه محددة، أم تشمل كل ما يحصل من نوازل إلى يوم القيامة؟ ولا شك أن جمهور أهل العلم -وهو الإجماع- على: أن لله عز وجل في كل قضية وفي كل مسألة من المسائل حكماً بينه للناس، قد يصل إليه بعض الناس ويصيبون الحق فيه، وقد يخطئ بعض الناس في الوصول إليه، وقد ينحرف بعض الناس عنه انحرافاً كاملاً، وروي عن بعض الأصوليين مثل الباقلاني: أنه ليس هناك أحكاماً في كل أمر من النوازل، واستدل عليه بأن النصوص متناهية والنوازل غير متناهية، ولا شك أن هذا استدلال باطل؛ لأن الصحابة رضوان الله عليهم بعد إكمال الدين أفتوا في أمور نازلة جديدة لم تكن موجودة في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، وهكذا علماء الدين الراسخين في العلم فقد أفتوا في أمور كثيرة لم تكن موجودة في زمن النبي صلى الله عليه وسلم. والأمر الثاني: العموم في النصوص يشمل ما لا حصر له من الأفراد التي تدخل في نطاق اللفظ العام، والقياس باب من أبواب الدين العظيمة أيضاً، حيث تقاس الأمور الجديدة على الأمور الشرعية القديمة وهكذا. إن أصول الاستنباط والاستدلال جعلت من هذه الشريعة شاملة لكل أمر وإلى يوم القيامة، وفي كل زمن مهما تغيرت أحواله وظروفه وأوضاعه. إذاً: هناك نوازل عقدية ينبغي أن نفهم ما هو الفقه الشرعي في التعامل معها؟ وكيف يمكن للإنسان أن يتعلم الأحكام الشرعية فيما يتعلق بمثل هذه النوازل؟ بداية سنذكر مقدمة عامة حول فقه النوازل بشكل عام، ثم سنتحدث عن قواعد مخصصة بالفقه العقدي في النوازل تجعل طالب العلم يحسن التعامل مع مثل هذه النوازل، ويتوصل فيها إلى نتائج صحيحة موافقة لمنهج أهل السنة والجماعة، ثم سنتحدث عن تطبيقات لهذا الفقه، وقد لا يهمنا كثيراً أن نصل إلى نتائج فيما يتعلق بهذه المسائل، لكن الذي يهمنا هو أن نفهم كيفية التفقه والتعلم في التعامل مع هذه المشكلات، بالذات أن الواقع الذي نعايشه جعل بعض المسائل المتعلقة بقضايا فقهية -في الأصل- تتحول إلى قضايا عقدية.

نشأة علم النوازل

نشأة علم النوازل هذا الدين أنزله الله سبحانه وتعالى على نبيه صلى الله عليه وسلم بشكل مفرق، وفي كل حالة من الحالات ينزل توجيه رباني، ولهذا نزل القرآن مفرقاً حسب الظروف والأوضاع منذ أن كان النبي صلى الله عليه وسلم في مكة وإلى أن توفي عليه الصلاة والسلام في المدينة، فهناك علم مشهور من علوم القرآن وهو علم أسباب النزول، فأكثر الآيات تقريباً تنزل إما بسبب سؤال أو بسبب حادثة، وفي القرآن يوجد بعض الألفاظ التي تدل على ذلك مثل: ((يَسْتَفْتُونَكَ)) و ((يَسْأَلُونَكَ)) وهناك أمثلة ونماذج متعددة. بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم تم الدين، وأكمل الله عز وجل النعمة على المسلمين، كما قال الله عز وجل: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا} [المائدة:3]، فلما جاء عصر الصحابة رضوان الله عليهم حصلت مجموعة من النوازل، وكانوا يفتون فيها بحكم الشرع، أحياناً بالاستدلال بالعموم، وأحياناً بالقياس، وأحياناً بالقواعد العامة للشريعة، وأحياناً بمقاصد الشريعة. وأيضاً كان النبي صلى الله عليه وسلم يفتي أصحابه عندما يسألونه، ولهذا اشتهرت في الأصول مسألة: هل النبي صلى الله عليه وسلم كان مفتياً ومجتهداً، أم أنه كان في كل أحواله مبلغاً عن الله سبحانه وتعالى؟ والصواب أن القرآن نزل على النبي صلى الله عليه وسلم، وبلغه النبي صلى الله عليه وسلم عن الله، والنصوص التي يتكلم بها النبي صلى الله عليه وسلم منها ما هو تبليغ عن الله عز وجل، خصوصاً ما يتعلق بالإيمان بالغيب والأخبار المستقبلية ونحو ذلك، ومنها ما هو إفتاء من النبي صلى الله عليه وسلم وحكم بين الصحابة، ولهذا جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إنما أنا بشر مثلكم وإنكم تختصمون إلي، وقد يكون بعضكم ألحن بالحجة من بعض؛ فأقضي له على نحو ما أسمع)، وهذا يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجتهد ويقضي على نحو ما يسمع، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم في تمام الحديث: (فمن اقتطع من أخيه شيئاً فإنما هي قطعة يقتطعها من النار)، وهذا يدل على أنه ربما حكم لشخص على نحو ما سمعه منه فاقتطع شيئاً ما لأخيه، فلو كان القضاء من النبي صلى الله عليه وسلم هو تبليغ عن الله عز وجل لما وجد فيه: أن يقضي النبي صلى الله عليه وسلم على نحو ما يسمع فيقتطع حق أخيه؛ لأنه لو كان تبليغاً عن الله لجاء الحكم مباشرة بإعطاء الشخص حقه، ولهذا الصحيح في هذه المسألة: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان مبلغاً عن الله، وكان مفتياً، وكان قاضياً أيضاً، وقد جمع ابن القيم رحمه الله في إعلام الموقعين مسائل كثيرة جداً من فتاوي النبي صلى الله عليه وسلم يمكن مراجعتها في هذا الكتاب العظيم. ثم بعد جيل الصحابة أتى جيل التابعين، وتفرق الناس في الأقطار، وحصل الخلاف فيما يتعلق بفهم النصوص؛ فنشأت المذاهب الفقهية، وهذه المذاهب الفقهية لم تنشأ عن قصد، وإنما نشأت لوجود اختلاف طبيعي في فهم النصوص، فلما وجد هذا الاختلاف الطبيعي في فهم النصوص ترتب عليه اختلاف الناس في المسائل، وهذا قدر من الله عز وجل أراده للناس ليبتليهم من يكون مجتهداً حقيقياً في التوصل إلى الحق، ولهذا جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم -وهذا الحديث أصل في باب الاجتهاد-: (إذا اجتهد المجتهد فأصاب فله أجران، وإذا اجتهد فأخطأ فله أجر)، وفي رواية: (إذا اجتهد الحاكم)، وهي تشمل: المفتي والقاضي أيضاً، فإذا أصاب فله أجران: أجر الاجتهاد وأجر الإصابة، وإذا أخطأ فله أجر الاجتهاد، وهذا يدل على أنه يمكن أن يقع المجتهد في الخطأ، لكن ليس عليه إثم ما دام أن نيته صادقة، وأن أداته التي استخدمها في الاستدلال والاستنباط صحيحة.

مظان فقه النوازل في الكتب والفتاوى

مظان فقه النوازل في الكتب والفتاوى وجدت هذه النوازل في كتب أهل العلم المتعلقة بالفتاوي، فالكتب الفقهية تنقسم إلى قسمين: كتب فقهية مرتبة ترتيباً محدداً يبدءون بالطهارة ثم الصلاة ثم الزكاة ثم الصيام ثم الحج، ثم المعاملات بعد العبادات، وهذا الفقه ينشؤه العالم إنشاءً بدون مسألة، ويذكر الأحكام والاستدلال عليها وطريقة الاستدلال. والنوع الثاني من كتب الفقه وهي: كتب الفتاوي، وهذه هي مواطن علم النوازل، ففيما يتعلق بكتب الفتاوي والنوازل في الفقه الحنفي: الفتاوي البزازية لـ محمد بن أحمد البزاز وهو من علماء القرن التاسع، توفي سنة 827هـ، وهناك فتاوي قاضي خان وهي لـ فخر الدين حسن بن منصور الأوزجندي وهو عالم مشهور من علماء الأحناف من علماء القرن السادس، توفي سنة 592هـ، وهناك أيضاً الفتاوى الزينية لـ زين الدين بن إبراهيم بن نجيم، وهو الفقيه المعروف، توفي في القرن العاشر سنة 97هـ. وهذه كلها مطبوعة. أما بالنسبة للمذهب المالكي فهو الذي اشتهر عنه استخدام مصطلح النوازل، فنجد مثلاً نوازل ابن رشد، ويمكن أن يسمى أحياناً فتاوي ابن رشد أو أجوبة ابن رشد، وابن رشد هو الجد وليس الحفيد، وقد توفي سنة 520هـ، وأيضاً هناك كتاب المعيار المعرب والجامع المغرب عن فتاوي علماء أفريقيا والأندلس والمغرب للونشريسي، وهو من علماء القرن العاشر من علماء المالكية، توفي سنة 914هـ، وأيضاً هناك كتاب القاضي عياض: مذاهب الحكام في نوازل الأحكام، والقاضي عياض عالم مشهور له كتاب: الشفا، توفي في بداية القرن السادس عام 504هـ. وأيضاً هناك كتاب للعالم عيسى بن علي الحسيني العلوي وهو أحد العلماء الذين توفوا في القرن الثاني عشر، وأيضاً هناك فتاوي الشاطبي، وهو العالم الأصولي المعروف صاحب كتاب الاعتصام والموافقات، وكتابه هذا مطبوع، توفي رحمه الله سنة 970هـ. بالنسبة للمذهب الشافعي هناك مجموعة من الكتب مطبوعة في الفتاوى، مثل: فتاوي النووي، فتاوي السبكي، فتاوي ابن الصلاح، فتاوي شيخ الإسلام الأنصاري، الفتاوي الكبرى لـ ابن حجر الهيتمي، هذه كلها من كتب الفتاوي في المذهب الشافعي. وأما الحنابلة فعندهم مجموعة من الكتب، مثل: فتاوي شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وفتاوي سماحة الشيخ ابن إبراهيم، والدرر السنية في الأجوبة النجدية، ونحو ذلك من الكتب التي تتعلق بالفتاوي. وكتب الفتاوي يكون الحكم فيها بناءً على سؤال، والسؤال مبني على واقعة ونازلة، وقد تكون بعض هذه الكتب عبارة عن أسئلة لأمور طبيعية وعادية في الصلاة أو الطهارة أو الصيام، لكنها من مظان النوازل الغريبة التي لم تكن موجودة عند السابقين.

أهمية وفوائد دراسة علم النوازل

أهمية وفوائد دراسة علم النوازل أولاً: التأكيد على صلاحية هذا الدين لكل زمان ومكان. إن الدين لم يأت ليكون في زمن محدد، ثم إذا انتهى ذاك الزمن انتهى الإسلام وانتهت الشريعة، وإنما هو دين للناس إلى يوم القيامة، ولهذا أرسل النبي صلى الله عليه وسلم إلى الناس إلى يوم القيامة، مع أن حياته انتهت، لكن بقي دينه، وبقيت أحكام الإسلام. ثانياً: إن الاهتمام بهذا العلم يؤكد أن هذا الدين جاء لتحقيق مصالح العباد وحاجاتهم. فكل مصالح العباد وحاجاتهم النفسية والاجتماعية، العامة والخاصة جاء هذا الدين بتحقيقها على أكمل وجه، لكن المشكلة الحقيقية في حياة الناس هي الجهل بأحكام الإسلام، والابتعاد عن تطبيقه. ثالثاً: تفويت الفرصة في تطبيق القوانين الوضعية باسم التحكيم أحياناً. رابعاً: تفويت الفرصة على العصرانيين والعلمانيين الذين يتكلمون فيما ينزل على الناس من أمور بدون فقه شرعي، وبدون أصول شرعية، فالنوازل الموجودة أصبحت مبرراً للذين يدعون إلى تطبيق القوانين الوضعية، ويقولون: إن هناك نوازل موجودة، ولا يمكن لنا أن نكون معزولين عن العالم، ولا أن نقاطع الدنيا، ولا أن نترك استخدام التقنية، ولا أن نكون متقوقعين، أو أننا نعيش في بيوت شعر أو في خنادق، أو نستخدم الخيول بدل السيارات أو نحو ذلك، لا بد أن نعيش في زمن معاصر حقيقي، ونعمل على تحديث المجتمع. نحن بإمكاننا أن نعيش في العالم وإسلامنا ثابت، فبإمكاننا أن نأخذ الوسائل المعاصرة المفيدة لنا، وبإمكاننا أن نحقق كل هذه القضايا مع التزامنا بديننا، وسيأتي معنا الحديث عما يتعلق بهذه الاتجاهات في القواعد بإذن الله. تفويت الفرصة على العصرانيين: فعندنا أشخاص كُثُر يتكلمون في مسائل العقيدة والأحكام وينشرون الباطل، ويبدلون الدين باسم الحديث في الأمور المعاصرة، ولهذا ينبغي على طالب العلم ألا يكون حديثه في الأحكام أو القضايا الاعتقادية حول أمور قديمة، صحيح أنه عندما يبدأ طالب العلم في التفقه لا بد أن يدرس كتب السلف القديمة، ويتفقه ويتعلم كيفية إخراج الأدلة، وهذه من الأصول الضرورية التي تلزم من يريد أن يتكلم في النوازل، لكن أن تبقى هي شغله الشاغل دون أن يعرف كيفية التعامل مع القضايا المعاصرة لا شك أن هذا خلل ينبغي الابتعاد عنه. خامساً: تجديد الدين، وإحياء العقيدة في النفوس. وهذه القضية لابد من الاستطراد فيها قليلاً، فنحن إذا لم نتحدث في النوازل بالمنهج الشرعي، فإنه سيتحدث عنها بالمنهج الباطل، ونذكر نموذجاً: كانت الدولة العثمانية ضعيفة في آخر زمنها، ونشأ في الدولة خلايا وجمعيات سرية متأثرة بالغرب الأوروبي، وكان الغرب الأوروبي في تلك الفترة في أقوى عصور النهضة، وكانت عروش الأوروبيين الذين كانوا على طريقة الملكية تتهاوى أمام نظر العالم بأكمله، فقام مجموعة من داخل البلاد الإسلامية -مثل العلمانيين في زماننا- وطالبوا الدولة العثمانية بتطبيق النظم العصرية في الحكم، فقالوا: لا بد أن يكون عندنا انتخابات ومجالس نيابية لا بد أن يحاسب الحاكم لا بد من الشفافية لا بد من حرية الفكر، وغيرها من الأفكار اللبرالية التي كانت موجودة في الغرب في تلك الفترة. الحقيقة أن الدولة العثمانية في تلك الفترة كانت تحتاج إلى إصلاح حقيقي؛ لأن التصوف كان ينخر فيها، وكانت معاملاتها رديئة إلى أبعد حد، وكان هناك ضعف إداري عام، وكان هناك استبداد وظلم، وإقصاء لعدد كبير جداً من الناس، فكان بالإمكان أن يقوم الحكام العثمانيون ومعهم العلماء الأحناف في تلك الفترة بوضع مشروع إصلاحي متكامل يتناسب مع ظروف تلك المرحلة، ومنضبط بالضوابط الشرعية، وكان هناك إمكانيات كبيرة جداً في هذا الأمر، لكن لوجود التقليد عند الأحناف بشكل قوي جداً، بل إنهم أغلقوا باب الاجتهاد وحرموه، ووقفوا موقفاً سلبياً من الحركات التجديدية مثل حركة الشيخ محمد بن عبد الوهاب وغيره، ولوجود الاستبداد المتأصل في نفوس العثمانيين في تلك الفترة لم يحدث أي شيء، فما هي النتيجة بعد ذلك؟ أصبحت هناك ضغوط داخلية لهذه الفئة التي تريد أن تحول الدولة إلى دولة تطبق النظم الديمقراطية الغربية، وهناك ضغط خارجي على تطبيق هذه النظم أيضاً، وهناك إفلاس من حكام الدولة العثمانية، ومن العلماء الذين كانوا في تلك الفترة، سبب هذا النتيجة المأساوية التي حصلت في تاريخ الدولة العثمانية. بالطبع فإن النتائج المأساوية التي حصلت للدولة العثمانية لا يتحملها العلماء والحكام في تلك الفترة، وإنما كان هناك خيانة من داخل البلاد الإسلامية؛ من اللبراليين والعلمانيين، فقد كانوا مرتبطين بالدول الغربية، وكانوا يأخذون التوجيهات من السفارات الأجنبية في الدولة العثمانية في تلك الفترة، كما هو حاصل في بلاد المسلمين اليوم. وفي نفس الوقت كانت هناك ضغوط من دول جديدة وقوية من حيث السلاح، لكن كان هناك أيضاً ضعف شديد فيما يتعلق بفقه النوازل والتعامل معها تعاملاً سليماً، وإلا فقد كان بالإمكان أن تواجه مثل هذه المشكلات، ولو كان العلماء في تلك الفترة ملتزمون

المناهج المستخدمة في التعامل مع النوازل

المناهج المستخدمة في التعامل مع النوازل هناك ثلاثة مناهج، وسنتحدث عن الجانب العقدي فقط، بحيث يكون عندنا تكامل في هذا الموضوع: المنهج الأول: منهج التشديد في التعامل مع النوازل: ولا شك أن التشديد معناه الشرعي: الغلو، وهو يعتبر منهجاً من المناهج التي يتعامل بعض الناس به مع النوازل. ومن النماذج على ذلك في الجانب الفقهي: التعصب المذهبي، والتمسك بالظاهرية في فهم النصوص، والمنع والتحريم لمجرد الاحتياط فقط، ففي فترة من الفترات بعض الناس منع زراعة العنب بحجة أن العنب إذا زرع فسيستخدمه بعض الناس في الخمر، أو منع المجاورة بين الناس؛ لأنه يفضي إلى المعاكسة وهذا منهج ضال منحرف. أما في الجانب العقدي فمن أمثلته: أهل الغلو الذين يتعاملون مع الناس بطريقة غير صحيحة فيما يتعلق بالنوازل التي حدثت، مثلاً: تكفير المحكومين بغير الشريعة، وهذا منهج الخوارج، فقد كفروا كل الشعوب الإسلامية لأنها محكومة بغير ما أنزل الله، وقالوا: إن هذه الشعوب سكتت عن الحكم بغير ما أنزل الله، وبناءً على ذلك فهي كافرة، وبعضهم أقل غلواً في هذا، فيقول: نحن لا نكفر من صرح بالبراءة، وقد يأتي بعض الذين يعطلون شريعة الله عز وجل فيصفقون له ويفرحون به ويبكون من أجله، ونسي أن كثيراً منهم قد يكون مغرراً به، وقد يكون بعض هؤلاء لا يعرف شيئاً من هذه الحقائق، والكفر له مناط ليس مفتوحاً، وبمجرد الظاهر يمكن للإنسان أن يحكم على الباطن مباشرة، فكفروا كل من يذهب إلى محكمة مدنية من أجل أن يستخرج حقاً له، أو من دخل في مجلس أو برلمان من أجل الإصلاح وهذه مسألة من مسائل النوازل، وهي: هل يجوز للدعاة والمصلحين الدخول في الانتخابات في الدول التي تحكم بالديمقراطية من أجل دفع الضرر عن المسلمين واستجلاب المصالح لهم أو لا يجوز؟ هذه قضية من القضايا الشائكة العقدية، وهي من النوازل التي تحتاج إلى تبيين، فبعض أهل الغلو كفر هؤلاء الأشخاص الذين اجتهدوا فدخلوا في الانتخابات، مع أنهم يصرحون أن التشريع لله، وأن الحكم لا يجوز إلا بشريعة الله عز وجل، ومع أن مناطات التكفير في هذه المسائل غير موجودة فيهم. المنهج الثاني: منهج التساهل: وهو العمل بالرخص فيما يتعلق بالنوازل، وبلغ التساهل عند البعض إلى درجة تقديم المصلحة على النصوص الشرعية، فبعض الناس يقول: إن النظام الربوي في البنوك مصلحة محققة يجب أن نعمل بها، وأن نلغي النصوص الواردة في الربا. وهذا منهج منحرف، والتعبير بكلمة تساهل ربما يكون فيها تساهل، لأن أمثال هؤلاء يعطلون الدين، ويبدلونه ويغيرون أحكام شريعة الله عز وجل. ومثله التلفيق في الأحكام: وهذا يعتبر من النوازل. وبعض المفتين يفتي في كثير من قضايا النوازل بناءً على قاعدة التسهيل، فإذا وجد مثلاً فتوى لأهل العلم يمكن أن توظف في إجازة عمل من الأعمال يفتي به، مثلاً: هل يجوز للأمة الإسلامية أن تحكم بالديمقراطية الغربية، سواء كانت على شكل آلة من الآلات أو كانت على شكل تشريع؟ فبعض المفتين أفتوا بالجواز مطلقاً، واحتجوا على ذلك بأن الإسلام لا يعارض العدل، والديمقراطية تحقق العدل، وأن الإسلام لا يعارض الحرية، والديمقراطية تحقق الحرية، ويتم سرد المفاهيم العامة ويبين أن الإسلام لا يعارضها؛ فأفتى بناءً على ذلك بجواز تطبيق الديمقراطية في البلاد الإسلامية. المنهج الثالث: هو المنهج الوسط: وهو الوحيد الذي يتبع الدليل الشرعي، ويعتمد على طريقة الاستنباط المجمع عليه عند أهل العلم.

الأسئلة

الأسئلة

حكم البرمجة اللغوية العصبية

حكم البرمجة اللغوية العصبية Q هل البرمجة اللغوية العصبية من النوازل العقدية، وما رأيكم فيها؟ A البرمجة اللغوية العصبية كوسيلة من وسائل التدريب والسلوك تعتبر نازلة فعلاً، والرأي الصحيح فيها أنها لا تجوز؛ لأنها مبنية على فلسفة غربية، فأول ما بدأت البرمجة اللغوية العصبية بدأت على أنها فلسفة معينة تنطلق من أن قدرات الإنسان لا حدود لها، وأن الإنسان بإمكانه أن يصنع المعجزة، وأساسها الفلسفي القديم هو أن هذا الكون مترابط بالأسباب، وأنه لا توجد قوة خارجية، وإنما قوته في ذاته، وأن النبوة تعتمد على قوة الشخصية، وأن المعجزة تعتمد على التأثير الذاتي من الشخص في الشيء الآخر، وانعكاسات هذا الأمر -ربما في البلاد الإسلامية- لم تأت مثل هذه الموبقات؛ لأنها تعارض أصول الدين، لكن من انعكاساتها الواضحة: أن هؤلاء الأشخاص الذين يأكلون الجمر أو يمشون عليه ويخيلون للناس أنهم يمشون فعلاً على الجمر، وعند النقاش يعترفون بأنه في الحقيقة لا يمشي على الجمر، فإذا كنت في الحقيقة لا تمشي على الجمر فلماذا تبين للناس أنك تمشي على الجمر؟ فيقول: أبين لهم أن الإنسان عنده قدرة. إذاً: قل لهم: إن الإنسان عنده قدرة من غير أن تكذب، تقول: أنا أمشي على الجمر، ثم تقول: لا، قد جعل الله عز وجل من خواص الجلد الطبيعية أنه إذا اقترب من الجمر يحترق، فما هو المانع من احتراق جلدك عندما تمشي على الجمر؟ يقول: قوة إرادة، قلنا له: يا أخي! حتى لو كانت قوة إرادتك مثل الجبال، فإن الجلد هكذا خلقه الله تحرقه الجمر، لكن لو قلت لي: الجمر يحرقني لكن أصبر، يمكن لي أن أتقبل مثل هذا الكلام، وأن عندك قوة تحمل، لكن تقول: الجلد لا يحصل له شيء، آكل الجمر ويدخل في جوفي وما يتقطع المريء، ما هو المانع من تقطع المريء؟ مع أن المريء بطبيعته أنه إذا وقع عليه شيء حار تقطع، يقول: لا، أنا عندي قوة إرادة! قلنا: إرادتك في قلبك تجعلك تصبر، لكنها لا تجعل المريء الذي من طبيعته أن يتقطع لا يتقطع، ومع الأسف أن بعض الدعاة ينبهر بما عند الآخرين من علوم جديدة ويطبقها في بلده بل بعضهم حاول يؤسلمها كما يسمون، فيأتي بأمثلة غير صحيحة، ويأتي بتفسير لبعض الآيات القرآنية غير صحيح، وهو ليس من أهل الشريعة ولا من أهل العلم، ويأتي أيضاً بشرح لأحاديث بطريقة غير صحيحة، فهذا العلم لا شك أنه علم غير صحيح بناءً على ما سبق أن أشرنا إليه.

علاقة المصلحة بالنص الشرعي

علاقة المصلحة بالنص الشرعي Q هل هذه الجملة صحيحة: تقديم المصلحة على النص الشرعي؛ لأن المصلحة مرتبطة بالنص الشرعي، فإذا وجد شيء ظاهره مصلحة وهو مخالف للنص الشرعي فنحن لا نقبل أن نسميها مصلحة. A هذا صحيح بشكل عام، أي: أن المصلحة بشكل عام مرتبطة بالنص الشرعي؛ لأن هذه النصوص جاءت لتحقيق المصالح للناس ودرء المفاسد عنهم، فإذا ظن أحد أن هناك مصلحة تعارض النص فهذه المصلحة موهومة. والمصالح تنقسم إلى ثلاثة أقسام: مصالح معتبرة: وهي الموافقة للنصوص، ومصالح ملغاة: وهي المخالفة للنصوص، ومصالح مرسلة: وهي التي ليس فيها موافقة ولا مخالفة، وفيها فائدة للناس، مثل إشارات المرور، فهذه الصحيح اعتبارها، وأنها من الأمور التي تنفع الناس وتفيدهم، لكن هناك أحياناً مصالح خاصة، مثلما قال الله عز وجل عن الخمر والميسر: {فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ} [البقرة:219]، فالمنافع مصالح، فأحياناً قد تكون مصلحة جزئية أو مصلحة ذاتية، فلا يقدم المصلحة الخاصة على النص الشرعي، وهذا لا يجوز أبداً بأي حال من الأحوال. نكتفي بهذا القدر، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.

الفقه العقدي للنوازل [2]

الفقه العقدي للنوازل [2] لفقه النوازل العقدي جملة من القواعد العظيمة لا بد من اعتبارها في دراسة تلك النوازل, ومن جملتها: أن منهج أهل السنة هو المنهج الصحيح في دراسة العقيدة, وأن العقيدة الإسلامية ثابتة مستمرة إلى قيام الساعة, وأن الإسلام شامل لكافة الأحوال والأزمنة والأمكنة, وأن مصدر الحكم على النوازل هو الوحي, وأن كل حكم يعود على أصل عقدي بالنقض باطل, وضرورة اكتمال ضوابط النظر في النوازل عند البحث فيها, وغير ذلك من القواعد المهمة.

قواعد الفقه العقدي للنوازل

قواعد الفقه العقدي للنوازل الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً مزيداً إلى يوم الدين. أما بعد: نستكمل الحديث عن موضوع (الفقه العقدي للنوازل)، فيما مضى تحدثنا عن تعريف النوازل في اللغة والاصطلاح والمصطلحات المرادفة للنوازل، وتحدثنا عن نشأة هذا العلم وتطوره، وعن مظان وجود هذا العلم في كتب الأقدمين، وذكرنا نماذج لكتب النوازل قديماً. ونستكمل الحديث عن موضوع الفقه العقدي للنوازل من خلال الحديث عن قواعد مهمة لطالب العلم في هذا الموضوع. قواعد الفقه العقدي للنوازل:

منهج أهل السنة هو المنهج الصحيح في دراسة العقيدة

منهج أهل السنة هو المنهج الصحيح في دراسة العقيدة القاعدة الأولى: هي أن المنهج الصحيح في دراسة العقيدة هو منهج أهل السنة والجماعة، وبطلان كافة المناهج سواه: وهذه القاعدة هي بمثابة المدخل للتعامل مع قضية النوازل، فالمنهج الصحيح في التعامل مع النوازل هو: اعتماد منهج أهل السنة والجماعة من حيث مصدر التلقي ومن حيث منهج الاستدلال والاستنباط والتعامل مع الأحكام والمسائل، فهناك منهج فريد وهو الحق مع النوازل، وما سواه فهو الباطل، وهو منهج أهل السنة والجماعة؛ لأن النوازل يتعرض للحديث عنها كافة أصحاب الفرق الضالة والمناهج المختلفة، ولهذا لابد من اعتماد منهج أهل السنة في التعامل مع النوازل الحادثة. وأضرب لذلك أمثلة؛ حتى يتبين الفرق بين منهج أهل السنة ومنهج من سواهم فيما يتعلق بالنوازل العقدية الحادثة: المثال الذي ضُرب سابقاً، وهو الباقعة والكارثة الكبرى التي حلت بالمسلمين بعد سقوط الدولة العثمانية: وهي القوانين الوضعية التي أصبحت مصدر الحكم والقضاء في أكثر البلاد الإسلامية، هذه القوانين الوضعية تعاملت مع الحكم عليها كنازلة جديدة كافة المذاهب المختلفة. وسبق أن أشرنا إلى أن هذا الموضوع له جوانب متعددة: أولاً: الحكم على القانون الوضعي، ثم الحكم على الدول التي تطبقه، ثم الحكم على الشعوب التي تعيش في هذه الدول، ثم الحكم على الدار، ثم الحكم أيضاً على قضية الذهاب إلى هذه المحاكم المنصوبة في كل مكان لتحكيم القوانين التي تسمى بالقوانين المدنية، فهذه مسائل متعددة وكثيرة تتعامل معها كافة الفرق المختلفة، ونضرب لذلك أمثلة: فالخوارج مثلاً تعاملوا مع قضية القوانين الوضعية بالقول بأن تطبيقها كفر، وقالوا: بأن الدولة التي تطبق هذه القوانين كافرة، وقالوا: بأن كل من يعيش في سلك هذه الدولة الكافرة فهو كافر، ثم قالوا: إن الشعوب التي تسكت عن القوانين الوضعية كافرة أيضاً، وبناءً على ذلك الذهاب إلى المحاكم من الكفر المخرج من الملة، وبناءً على ذلك فكل من لم يكفر هذه الدولة وهذه الشعوب التي سكتت عن هذا الكفر فهو كافر، وتوصلوا في نهاية الأمر إلى أن جماعتهم هي جماعة المسلمين، وهي الجماعة الوحيدة المسلمة، وأما ما عداها فهي جماعات كافرة. وترتب على هذا أن الأشخاص المجهولين الذين لا يعرف وضعهم الأصل فيهم الكفر حتى يتبين أنهم مسلمون، وطبعاً ليس كل الأمة يمكن أن تستنطق في الحكم والموقف من موضوع القوانين الوضعية أو موضوع الحاكم أو موضوع الشعوب أو موضوع التحاكم وغير ذلك من المسائل التي سبق أن أشرنا إليها، فقالوا: إن هؤلاء المجهولين الأصل فيهم الكفر حتى يتبين أنهم مسلمون بإعلانهم أن هذه القوانين كفر، وأن الحاكم الذي يحكمها كافر وأن الشعوب الساكتة كافرة، وأن الذهاب إلى هذه المحاكم كفر، وغير ذلك من الأمور التي تبعت هذا الأمر. واستلزم هذا أنهم لا يصلون خلف الأئمة الذين يصلون في المساجد، حتى يتبينوا أن هذا الإمام يكفر الحاكم المعين الذي كفروه؛ بناءً على تطبيقه للقوانين الوضعية. وترتب على هذا أنهم لا يشترون من الجزار الذي لم يتبين حاله في كونه يكفر الحاكم ويكفر الشعوب التي تتحاكم أو التي سكتت عن هذه القوانين. وترتب على هذا أنهم يكفرون الطلاب في الجامعات وغيرهم ممن دخل في سلك هذه الدولة وتعامل معها! وهذا منهج منهج ضال منحرف، وهو منهج قديم لكنه تعامل مع حادثة ونازلة شديدة، وهذه النازلة والحادثة عمت كثيراً من البلاد الإسلامية وابتليت بها، وهذا هو تصورها عن التعامل والحكم مع هذه النازلة وما يترتب عليها من لوازم. وقد تحدث النبي صلى الله عليه وسلم عن هذه الفرقة وقد ثبت فيها عشرة أحاديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم: منها: وصفه إياهم بأنهم كلاب أهل النار. ومنها: قوله عليه الصلاة والسلام: (يأتي قوم سفهاء الأحلام، تحقرون صلاتكم إلى صلاتهم وصيامكم إلى صيامهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية). ونحو ذلك من الأحاديث الواردة: وهي في صحيح البخاري ومسلم وفي غيرها من كتب السنن. وهناك أحاديث أخرى في ذم الخوارج ونقدهم والأمر بقتالهم، وهذه قضية مهمة، فإن الأمر بقتالهم ورد في أحاديث صريحة، وهي من أصرح الأحاديث، بل هي أصرح الأحاديث الواردة في الفرق، يعني: لا يوجد أحاديث للنبي صلى الله عليه وسلم عن الفرق أوضح وأصرح وأصح من الأحاديث الواردة في الخوارج، ولهذا جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (فاقتلوهم قتل عاد). وجاء أيضاً في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: (أنهم يخرجون على حين فرقة)، وهذا الذي حصل في زمن الفتنة التي وقعت بين الصحابة، قال: (يخرجون على حين فرقة من الناس)، وذكر أن من قاتلهم من خير من وطئت قدمه أديم الأرض، أو كما قال عليه الصلاة والسلام. فهذا المنهج منهج منحرف، وهو منهج يولد حالة مأساوية عند صاحبها، فيجد أنه في مفترق الطرق: إما أن يعيش وحيداً حتى مع أولاده ومع زوجته ومع بناته ومع جيرانه، وإما أن يضطر لل

ثبات العقيدة واستمرارها إلى قيام الساعة

ثبات العقيدة واستمرارها إلى قيام الساعة القاعدة الثانية: اعتقاد ثبات العقيدة واستمرارها إلى قيام الساعة: فالعقيدة ثابتة من حيث مصدرها القرآن والسنة وما دلت عليه كالإجماع والقياس ونحو ذلك من الأدلة الأخرى مثل سد الذرائع والاستصحاب، وغيرها من الأدلة الأصولية المعروفة. وأيضاً المنهجية في الاستدلال مثل: الالتزام بمقاصد الشريعة والالتزام بجمع الأدلة كلها في مكان واحد وفي وقت واحد، والتعامل معها على مقتضى لغة العرب، كما سيأتي الإشارة إلى ذلك. فالعقيدة الصحيحة ثابتة، كالإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وبالقدر خيره وشره، وكالغيبيات والإيمان بسائر أنواع الإيمان واعتقاد الإنسان في أسماء الله وصفاته، وفي المعاد، وفي الأسماء والأحكام ونحو ذلك من المسائل العقدية، واعتقاد أن الكافر كافر، ومعرفة أحكام الكفر في الدنيا وفي الآخرة، وهذه هي المسماة عند أهل السنة بالأسماء والأحكام. فهذه القاعدة مهمة جداً، وهي أن العقيدة ثابتة، وأنها تتعايش مع المجتمع أياً كان نوعه، سواء كان مجتمعاً في مرحلة البداوة أو كان في مرحلة الحضر، وسواء كان في الريف أو في المدينة، وسواء كان ذلك في مجتمع زراعي أو مجتمع صناعي، أو في مرحلة حداثة أو ما بعد الحداثة، أياً كانت نوعية المجتمعات وتطورها الحضاري فإنه لا يغير ثبات هذه العقيدة والاستمرار عليها، فهي عقائد ثابتة مستمرة إلى قيام الساعة، كما في الحديث الذي سبق أن أشرنا إليه: (لا تزال طائفة من أمتي على الحق منصورة لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك). هذا الثبات يجعل صاحب العقيدة لديه فقه في التعامل مع هذه النوازل، فالنوازل التي تمر عليه إذا كانت تقدح - مثلاً - في الغيبيات فهي باطلة. وبناءً على هذا فإن المذاهب والأفكار الجديدة في البلاد الإسلامية يجب أن نقيسها بمقياس العقيدة الثابتة والمستمرة في ثباتها، فلا نقول: إن هذه العقائد انتهت، وإنها تتطور مع تطور المجتمع فإذا صار المجتمع صناعياً فإن عقائده تختلف عن عقائد المجتمع البدوي، أو القول بأن هذه العقائد كانت مرتبطة بأجيال معينة ذات صبغة معينة وأما الواقع المعاصر فتختلف، وهذه دعاوي العلمانيين في البلاد الإسلامية؛ فإنهم يقولون: إن هذه عقائد صحيحة من حيث المبدأ، وإن هذه المفاهيم مفاهيم صحيحة، لكن هذه المفاهيم وهذه العقائد وهذه النصوص القرآنية ظهرت في مجتمع معين، والعلاقة بين النص وبين المجتمع المعين لابد أن يكون لها أثر على النص. فالعقائد المأخوذة كانت صحيحة في ذلك العصر، لكن مع الاختلاف الجوهري في الحياة بين المجتمع الذي نعيش فيه والمجتمع القديم يترتب على هذا أن تكون عقائد المجتمع المدني المعاصر مختلفة تماماً عن العقائد القديمة، سواء فيما يتعلق بالتعاون مع الكفار أو في الحكم والسياسة أو في الاقتصاد وأنواع المعاملات المالية أو في المرأة وما يتعلق بها من الناحية الاجتماعية أو في أنماط الأسرة أو في أي أمر من الأمور التي يمكن أن يحدث حولها النقاش أو تكون نازلة من النوازل التي يعيشها الناس. والحقيقة أن الكثير من هؤلاء هم من المنافقين، يعني: ليسوا أصحاب منهج حقيقي يريدون الحق فيه، وإنما هم منافقون فظهرت مدرسة تسمى بمدرسة التاريخية أو تاريخية النص، هذه المدرسة عبارة عن مجموعة من الشيوعيين كانوا يؤمنون بالشيوعية وبالإلحاد الشيوعي، ولما سقطت الشيوعية وانتصرت القيم الليبرالية الغربية اتجهوا إلى المذهب الليبرالي، ولما ظهرت الصحوة الإسلامية وظهر التدين في الناس وأصبح الناس يتجهون إلى الدين دخلوا في الدين، وأصبحوا يكتبون في القضايا الإسلامية، فمثلاً: أحدهم - وهو الدكتور حسن حنفي - له كتاب بعنوان: (دراسات إسلامية) وعند أن تسمع بهذا العنوان تظن أن هذا كاتب إسلامي أو أنه شيخ أو باحث ودكتور من دكاترة العقيدة يكتب في هذا الموضوع، وله كتاب بعنوان: (التراث والتجديد). فأصبحوا يكتبون في قضايا العقيدة ويكتبون فيما يتعلق بها من الأمور المعاصرة، فماذا يقول هؤلاء؟ يقولون: إن النص الموجود الآن هو نص تاريخي عاش في فترة معينة يجب أن يؤول بوسائل جديدة لم تكن موجودة في السابق! وبناءً على هذا فهم يؤولون نصوص الشرعية تأويلاً باطلاً، وهم يسمونها أنسنة الوحي، يعني: دعوة إلى أن الوحي أمر إنساني، وأنه لم يأت من عند الله سبحانه وتعالى عن طريق ملك من الملائكة، فيقولون: هو أمر إنساني وفيض إنساني، فالإنسان له قوة اجتهاده ورياضاته النفسية، وطبعاً هم يعتمدون على بعض الفلسفات الإلحادية القديمة عند اليونان وغيرها التي تقول: إنه يمكن تلقي الوحي والدين عن طريق الرياضة النفسية، فيقولون: إن هذا الوحي ليس من عند الله عز وجل، وإنما هو أمر ذاتي من الرسول بسبب الرياضة النفسية التي يستخدمها حتى تتوصل إلى هذا الوحي. وبناءً على هذا فالقرآن بشري وليس بإلهي. وبناءً على هذا أيضاً فدين الإسلام هو عبارة عن أفكار بشرية وليست إلهية، ولهذا هم ينكرون وجود الله أصلاً، ويفسرون الإسلام ت

شمول الإسلام لكافة الأحوال والأزمان والأمكنة

شمول الإسلام لكافة الأحوال والأزمان والأمكنة القاعدة الثالثة: اعتقاد شمول الإسلام لكافة الأحوال والأزمان والأمكنة: وهذه القاعدة مرتبطة بالقاعدة الثانية، وهي أن هذا الدين جاء شاملاً لكل الحياة ولكل الأزمان وفي كل الأماكن، وأنه جاء للإنسان في أحواله الشخصية، وفي أحواله المدنية، وفي حالات النكاح والطلاق، وفي حالات البيع والشراء، والدماء والإرث وغير ذلك من العقائد والأحكام الشرعية الأساسية، واعتقاد ثبوت الإسلام لابد أن يكون عقيدة راسخة عند المسلمين. والخلاف بيننا وبين الآخرين كالعلمانيين في هذا الباب هو أن العلمانيين لا يرون أن هذه العقيدة شاملة، وقد يستغرب البعض ويقول: وما دخلنا نحن في العلمانيين؛ نحن نتحدث عن نوازل ونريد أن نحكم عليها شرعاً؟ فنقول: ذهب الزمان الذي لا يتحدث فيه إلا أهل الإسلام؛ فنحن الآن مع الأسف من خلال الفضائيات ومن خلال الصحافة ومن خلال التأليف والكتب والمعارض التي تملأ بلاد المسلمين أصبح العلمانيون يتحدثون في القضايا الشرعية وفي النوازل التي تهم الأمة، ويتكلمون بلغة شرعية وبمناهج منحرفة. فينبغي إدراك مثل هذه الأمور، ولهذا دخلوا حتى إلى أصول الفقه، وأصبحوا ينبشون بعض المذاهب المنحرفة القديمة مثل: قول الطوفي: بأن المصلحة تقدم على النص، واستدل عليها بأنه الإسلام جاء بتقرير المصالح ودرء المفاسد، وهذه قضية يقينية، ويدل عليها التواتر الوارد في القرآن وفي السنة، فإذا جاء النص الواحد وجاءت المصلحة فتقدم المصلحة؛ لأن المصلحة تدل عليها الأدلة المتواترة من القرآن ومن السنة، فنحن لم نقدم المصلحة لأنها مصلحة وإنما قدمنا المتواتر على الآحاد، وقدمنا اليقين على الظن، فانظر التلاعب! والحقيقة أن المصلحة كلمة فضفاضة، فأحياناً ما تعتقده أنت مصلحة يعتقده غيرك مفسدة، وما تعتقده مفيداً يعتقده غيرك ضاراً، فلابد من حد لهذا الموضوع. هذا الأمر الأول. الأمر الثاني: لا يمكن أن تعارض المصلحة النص؛ لأن الذي أمر وجعل أوامره محققة لمصالح العباد هو الذي جاء بالنص وأمر العباد به، ولا يمكن أن يتعارض، وهذه القضية مثل القضية المفترضة عند أهل الكلام في تعارض العقل والنقل، فيقولون - مثلاً - إنه إذا تعارض العقل والنقل فإننا نقدم العقل؛ لأنه هو أساس النقل، ولأننا أصلاً فهمنا النقل من خلال العقل، ولو قدحنا في العقل فإن هذا يستلزم القدح في النقل؛ لأن العقل هو أداة فهم النقل. وبناءً على هذا فلو قدحنا في العقل فلا يمكن أن يفهم النقل مطلقاً، وكأنهم يتحدثون عن عقل مستقر وثابت يمكن تشخيصه ويمكن معرفة حقائقه، وهم في الحقيقة يتحدثون عن أمور تصوروا أنها معقولة ورتبوا عليها مذاهب معينة وآراء في العقيدة وسموها العقل، فمثلاً: دليل حدوث الأجسام عندهم هو العقل، ودليل التمانع هو العقل، فهذه أدلة ركبوها واعتقدوا أنها مقتضى العقل، وتركوا قضية العقل الذي هو غريزة فطرية عند الإنسان وأخذوا هذه الأدلة، وأصبحوا يتعاملون مع النصوص الشرعية على وفقها؛ كي يؤولوا ويغيروا بناءً على هذه المعقولات، وليست أموراً عقلية حقيقية. والحقيقة: أن قضية معرفة أن الإسلام شامل لكل جوانب الحياة في غاية الأهمية، ولا يمكن أن يصادم هذا الدين مصلحة من المصالح الحقيقية في حياة الإنسان، وسيأتي في النماذج - إن شاء الله - تطبيق ما يدل على هذا المعنى.

الوحي مصدر الحكم على النوازل

الوحي مصدر الحكم على النوازل القاعدة الرابعة: أن المصدر في الحكم على النوازل هو الوحي: وهذا من الفقه العقدي للنوازل، فالمصدر في الحكم على النوازل هو الوحي بطرق الاستنباط الشرعية، والوحي هو القرآن وما دل عليه، فالقرآن دل على السنة، كما قال تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر:7]، ودل على الإجماع، كما قال تعالى: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ} [النساء:115] إلى آخر الآية، ودل أيضاً على القياس، وأيضاً دل على استصحاب البراءة الأصلية، ودل على بعض وسائل الاستدلال مثل: قضايا المصالح العامة والقواعد الكلية للدين مثل: حفظ الدين، وحفظ النفس، وحفظ العقل، وحفظ العرض أو النسل، ونحو ذلك، كل هذه دل عليها القرآن. فالمصدر الأساسي هو الوحي الرباني الذي أمرنا الله عز وجل باتباعه، والوحي لم يأت بما يناقض العقول، وإنما جاء بما يتلاءم مع العقول السليمة، وبما يتوافق معها، ولهذا بين الشرع أن الالتزام الحقيقي بالإسلام يورث السعادة والراحة والطمأنينة للإنسان، وقد دلت الآثار في المجتمعات وفي الآفاق أن الالتزام بالوحي يورث الحياة المريحة والمطمئنة، وأن ما عداه من المناهج سبب في شقاء الإنسان وتأذيه. فالمصدر في أي نازلة تنزل على الأمة هو الوحي الرباني بطرق الاستدلال الشرعي، وطرق الاستدلال الشرعي هي المعروفة في أصول الفقه، فأصول الفقه - من حيث المبدأ - أصول مجمع عليها ومتفق عليها، مثل الاستدلال بالقرآن والاستدلال بالسنة، والقاعدة التي تنص على أن ما يكون ظاهره التعارض بالجمع بينهما، فإن لم يمكن الجمع بينهما فيكون بالترجيح بقاعدة معروفة في الترجيح، وهي تقديم القرآن على السنة وتقديم السنة المتواترة على الآحاد، وتقديم ما في الصحيحين على ما كان في أحدهما، أو تقديم ما في البخاري على مسلم. وهكذا بالطريقة التي تدل على قوة هذا الدليل، سواء من حيث الثبوت أو من حيث الدلالة، فالنص الخاص أقوى من النص العام، والنص العام الذي لم يُستثنَ منه أقوى من النص المحفوظ الذي استثني منه، والنص المقيد أقوى من النص المطلق، وهكذا القول أقوى من الفعل، فما ورد من قول النبي صلى الله عليه وسلم من حيث الترجيح أقوى مما ورد من فعله، وهذا علم معروف ومشهور، وهو علم أصول الفقه وأصول الاستنباط من الأدلة، واعتبار لغة العرب مهم جداً في فهم الأحكام وفي فهم الأدلة. إذاً: فهذا هو المصدر وما عداه من المصادر فإنه غير معتبر، فمثلاً: الاعتماد على العقل المجرد غير معتبر، والاعتماد على الإمام المعصوم - كما هو عند الشيعة - هذا غير معتبر، وأي مصدر غير الوحي والتعامل مع الوحي بغير منهج الاستنباط الشرعي أيضاً غير معتبر. فمثلاً: لو أن إنساناً تعامل مع الوحي بالتأويل - والتأويل هو صرف النصوص عن ظواهرها لأي شبهة أو لأي عارض من العوارض - فهذا أيضاً غير معتبر، والاستدلال بحديث واحد أو بنص واحد وإلغاء ما سواه هذا مرفوض، مثل ما يفعل الخوارج؛ فإنهم يستدلون على التكفير بنص واحد؛ يأخذون منه معنى التكفير ثم يلغون بقية النصوص. أيضاً التعامل مع النص الشرعي بأدوات غير الأدوات الشرعية، مثل استخدام المنطق الصوري في التعامل مع النص الشرعي، أو استخدام علم مشهور عند الغربيين، وهذا العلم هو من علوم اللغة ومن علوم التأويل، وبعض المناهج العصرية المنحرفة في التعامل مع القرآن والسنة تطالب بالاستفادة من هذه المناهج وأخذها كأدوات في فهم النص الشرعي، فيسمونه (الهرمونيطيقيا)، وهو علم التأويل، فيقولون: فلان هرمي، يعني: يعتمد على منهج الهرمونيطيقيا؛ بحيث إنه يتعامل مع النص بالتأويل. وعندهم المنهج المادي، والغرب - في الأصل- كله قائم على المنهج المادي، وأن العالم فيه كل ما يحقق سعادة الإنسان بدون ارتباط بأي جهة خارجية غيبية. وبناءً على هذا يرون أن العالم وحده مترابط ترابطاً تاماً يكفي الإنسان في تحقيق سعادته ومنفعته؛ لأنهم يعظمون مذهب المنفعة تعظيماً كبيراً، وهو تحقيق أكبر قدر ممكن من سعادة الإنسان ولذته. ومن فقرات منهجهم في التعامل مثلاً: اعتقاد موت المؤلف، وهذا معناه: أن أي نص يخرج من قائله فإنه لابد أن نفصل بين القول والقائل فصلاً تاماً ونعتقد أن القائل انتهى؛ ولهذا يعبرون بكلمة موت لكي تدل على الانتهاء، والمؤلف يعني: القائل، فموت المؤلف يعني: انتهاء القائل، وأصبح النص من حق كل قارئ أن يقرأه ويفهمه ويفسره بالطريقة التي يراها صحيحة ومناسبة. ولهذا يرون أن النص الواحد أحياناً يمكن أن تتعدد قراءته، فالعلمانيون الآن يقولون: قراءتكم للنص قراءة متشددة، فيمكن أن نقرأ النص قراءة غير متشددة، وقراءة النص معناه: تفسير النص، وهم في الحقيقة يريدون أن يستخدموا أهواءهم في القرآن والسنة بحيث إنهم ما داموا يعايشون مجتمعاً إسلامياً يزعمون أنهم يعتمدون على الوحي. إذاً المصدر في

بطلان الحكم العائد على أصل عقدي بالنقض

بطلان الحكم العائد على أصل عقدي بالنقض القاعدة الخامسة: بطلان الحكم الذي يعود على أصل عقدي بالنقض: لأن أصول العقيدة لا يسوغ فيها الاجتهاد، فأي حكم من الأحكام المتعلقة بالنوازل يعود على أصل عقدي بالنقض فهذا الحكم باطل؛ لأن أصول العقيدة ليست مجالاً للاجتهاد. فمثلاً: الديمقراطية مذهب في الحكم جديد، بل أصبح الآن موضة العصر -إن صح التعبير- مع الأسف الشديد، فالديمقراطية نازلة من النوازل، لكن لو أن إنساناً قال: إن الديمقراطية نظام يتوافق مع الإسلام، وإن الديمقراطية ليس فيها أي إشكال شرعي، وأفتى بجواز تطبيقها في البلاد الإسلامية، فنقول: هذا الحكم باطل؛ لأنه يعود على أساس عقدي بالإبطال. والأساس العقدي الذي يعود عليه هذا الحكم بالإبطال هو: أن التشريع حق خاص لله عز وجل لا يشاركه فيه أحد، والله عز وجل يقول: {إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ} [يوسف:40]، والنصوص الواردة في الحكم بما أنزل الله تملأ القرآن والسنة، منها قوله سبحانه: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} [المائدة:44]، وقوله: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ} [التوبة:31]، وغير ذلك من النصوص الواردة في أن التشريع حق خاص لله عز وجل لا يشركه فيه أحد، والطاعة المطلقة إنما تكون فيما أمر الله عز وجل وما أمر به رسوله صلى الله عليه وسلم. فالقول بأن الديمقراطية تصلح أن تكون نظام حكم في البلاد الإسلامية قول يترتب عليه نقض أصل من أصول العقيدة، وهو: وجوب التحاكم إلى القرآن والسنة والتحاكم إلى الشريعة، ووجوب أن يكون مصدر التشريع هو الإسلام فقط دون غيره، وهذه المسألة لا تقبل الخلاف.

تنقيح المناط في أمور العقيدة متفق عليه عند أهل السنة

تنقيح المناط في أمور العقيدة متفق عليه عند أهل السنة القاعدة السادسة: أن تنقيح المناط في أمور العقيدة متفق عليه عند أهل السنة، ولكن قد يقع الخلاف في تحقيق مناط الحكم. فما معنى تنقيح المناط؟ التنقيح معناه: البحث بدقة، والمناط معناه: العلة، فالبحث بدقة عن علة الحكم هذا أمر متفق عليه بين أهل السنة في قضايا العقيدة، وقضايا العقيدة قضايا إجماعية وليس عند أهل السنة إشكال في تنقيح مناطات الأحكام في العقيدة، فمثلاً: الشرك: هو عبادة غير الله عز وجل، وصرف العبادة لغير الله عز وجل، فعندما تنقح مناط الحكم تجد أنه في الشرك هو: أن أي شخص يصرف العبادة لغير الله عز وجل يقع في الشرك. ومفهوم العبادة متفق عليه، ومعنى العبادة متحقق، فأثناء التنقيح تجد أن العبادة تستلزم كمال الذل مع المحبة، وبناءً على هذا يكون من السهل التفريق بين العبادة وبين الأمور الطبيعية حتى لو كان القسم واحداً. فمثلاً: الخوف، يمكن أن نفرق - وهذا أمر متفق عليه عند أهل السنة - بين الخوف الطبيعي العادي وبين خوف التأله الذي يترتب عليه التعبد، فالخوف الطبيعي ليس وارداً في قضايا التوحيد والشرك، مثاله: إنسان يخاف من الأسد بعد أن عقدت أسبابه: فالأسد موجود، وهو حيوان مفترس وليس بينه وبينه حائل فخاف منه، فهذا خوف طبيعي لا يلام عليه الإنسان، ولا يقال: إنه مشرك بناءً على خوفه، بينما الخوف الذي يكون في السر من الأمور الغيبية مثل الخوف من الساحر الذي في مكان بعيد أو الخوف من أعداء الله عز وجل، كل هذا يقدح في العقيدة بحسب درجة الخوف ومدى وصوله إلى العبادة المحضة؛ بحيث يصير شركاً أكبر أو يكون من وسائل العبادة فيكون من الشرك الأصغر، وهكذا في سائر الأبواب. إذاً: يمكن من خلال البحث والتنقيح عن مناطات الأحكام في العقيدة أن نجد أن أهل السنة في قضايا العقيدة متفقون لا يختلفون فيها، لكن قد يحصل الخلاف في تحقيق مناطه، يعني: تحديد المعين. مثال ذلك: القضايا المتعلقة بالكفر والشرك بالذات هي أكثر الأمثلة التي يمكن التأكيد عليها، ومن أمثلة ذلك: الحكم بغير ما أنزل الله، فالحكم بغير أنزل الله عند تنقيح مناطه نجد أنه ينقسم إلى قسمين: كفر وغير كفر، فقاضٍ يحكم بما أنزل الله في قضية أو قضيتين مع أن أصل الحكم عنده يكون بالشرع فهذا ليس كفراً، وتبديل الدين وتغييره بتغيير الأحكام وتحويلها وجعلها قانوناً مستقراً ومستمراً على الدوام على كل الناس هذا لا شك أنه كفر أكبر مخرج عن الملة؛ لأنه نازع الله عز وجل في حق من حقوقه، وهو التشريع. فتنقيح المناط يوصلنا إلى قضية إجماعية في هذا الباب، ولا عبرة بمن يخالف في هذه الحقيقة، فهي حقيقة إجماعية ومتفق عليها، وكثير ممن يخالف في هذا إنما يخالف بسبب ضغط الواقع الصعب الذي تعيشه الأمة الآن. فتنقيح المناط بالذات من المهم أن يبقى استقراره وثباته دائماً؛ لأن تنقيح مناط الحكم مستمر مع الأمة إلى قيام الساعة. أما المعينين والدول والأحوال والظروف والجماعات والأشخاص فإنها تذهب وتجيء وتنتهي وتزول، فلا يجوز تغيير الأحكام بناء على الأوضاع الموجودة التي قد تكون أوضاع غير سليمة وغير صحيحة. وبعد أن عرفنا تنقيح مناط الحكم بغير ما أنزل الله بقي قضية، وهي: تحقيق مناطه في المعينين فلان أو المكان الفلاني أو الجهة الفلانية أو الدولة الفلانية أو الجماعة الفلانية أو المؤسسة الفلانية أياً كانت، فتحقيق المناط فيها له أدواته الشرعية من ضرورة وجود الشروط وانتفاء الموانع، وهنا قد يقع الخلاف بناءً على مدى معرفة الإنسان بواقع المعين، ومدى قيام الحجة عليه، ومدى فهمه لها، ومدى ارتفاع الجهل والإكراه عنه ونحو ذلك من القضايا المتعلقة بوجود الشروط وانتفاء الموانع. وقد يختلف المعينون فيها، ففلان القريب منه يختلف عن فلان البعيد عنه، وفلان الذي يملك أدوات الفهم والاستيعاب في قضايا مثل هذه يختلف عن شخص آخر لا يملك أدوات الاستيعاب، ولهذا في تحقيق مناطات الأحكام أحياناً قد تدخل الأهواء؛ سواءً أهواء الغلو أو أهواء الخوف والتردد، فأحياناً أهواء الغلو قد تدفع الإنسان إلى دعوى وجود الشروط وانتفاء الموانع في المعينين بشكل مستعجل، بناءً على وجود غلو وهوى في النفس يدفعه إلى ذلك، وأحياناً قد يكون سبب التردد والتخوف أيضاً مؤثراً على وجود الشروط وانتفاء الموانع مع وضوحها. وعلى كل حال: فإن تطبيق الأحكام ليس مطلوباً من كل أحد، فليس بمطلوب من كل أحد أن يطبق الأحكام على المعينين، فلست مسئولاً يوم القيامة عن الشخص الفلاني هل هو مسلم أو كافر، أو عن الدولة الفلانية، أو عن الجماعة الفلانية، أو عن الجهة الفلانية، إلا إذا استبان، فأنت تعتقد بطلان وخطورة العقائد والأفكار والأمور التي تدخل في نطاق الشرك أو الكفر؛ لأن اعتقاد أن هذا كفر بعد معرفته أمر واجب، لكن اعتقاد أن فلاناً كافر هذا قدر زائد عليه لست مطالباً به، وبالذات في الأمور العامة من أحوال المسلمين، وسيأتي هذا في مسألة ضرورة الشورى فيما يتعلق بأحوال المسلمين العامة. ومع الأسف أنه يوجد الآن من قد يتكلم في قضية عامة

عدم الخلط بين الأمر العقدي والأمر الفقهي في حال اشتراكهما في قضية معينة

عدم الخلط بين الأمر العقدي والأمر الفقهي في حال اشتراكهما في قضية معينة القاعدة السابعة: عدم الخلط بين الأمر العقدي المتفق عليه والأمر الفقهي المختلف فيه في القضية التي لها طرفان: طرف عقدي وطرف فقهي. بعض المسائل قد يكون لها طرفان: طرف عقدي، وطرف فقهي، فيخلط بعض الناس بين الأمور المتفق عليها والأمور المختلف فيها، وهذه قضية في غاية الخطورة، فينبغي إدراكها؛ لأن الخلط بين مواطن الإجماع ومواطن الخلاف يعتبر من القدح في الوصول إلى الحكم الصحيح فيما يتعلق بالنازلة.

ضرورة اكتمال ضوابط النظر في النوازل عند البحث فيها

ضرورة اكتمال ضوابط النظر في النوازل عند البحث فيها القاعدة الثامنة: ضرورة اكتمال ضوابط النظر في النوازل عند البحث فيها: وهذه الضوابط كما يلي:

ضوابط النظر في النوازل

ضوابط النظر في النوازل الضابط الأول: اعتماد المنهج الأصولي الصحيح في الاستنباط في البحث عن الحكم الشرعي، كما سبق أن أشرنا، وذلك بالاستدلال بالقرآن وبالسنة وبالإجماع وبالقياس ومعرفة مراتب التعامل مع هذه النصوص وفهمها واعتبار اللغة العربية فيما يتعلق بها. الضابط الثاني: مراعاة مقاصد الشريعة، فكل حكم يناقض مقصداً من مقاصد الشريعة يعتبر باطلاً، ومقاصد الشريعة العامة هي: حفظ الدين، وحفظ النفس، وحفظ العقل، وحفظ العرض، أو النسل أو النسب، وحفظ المال، حفظ هذه الخمسة، فأي حكم من الأحكام يناقض إحدى هذه المقاصد الخمسة فهو حكم باطل؛ بشرط أن تكون المناقضة مناقضة واضحة ولأصل هذا المقصد. الضابط الثالث: معرفة الواقع المحيط بها؛ لأن الفقيه الذي تأتيه النازلة يشترط فيه شرطان: الشرط الأول: أن يعرف الحكم الشرعي ويحرره. الشرط الثاني: أن يعرف الواقع المرتبط به، كما ذكر ذلك ابن القيم رحمه الله ذلك في كتابه (إعلام الموقعين). الضابط الرابع: فهم النازلة ومعرفة أنواعها وأقسامها وتصورها تصوراً تدقيقاً، وستأتي الأمثلة لذلك بإذن الله تعالى. الضابط الخامس: الشورى، لاسيما في الأمور العامة، فالنوازل العامة يشترط فيها الشورى، كما كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يفعل. الضابط السادس: الصدق والإخلاص والالتجاء إلى الله عز وجل والبعد عن الهوى؛ فإن الهوى من الأمور الموصلة إلى الفتن، وهو من المضلات عن الحق والعياذ بالله. وفي اللقاء القادم - إن شاء الله - سنتحدث عن نماذج تطبيقية، ونذكر هذه القواعد وعلاقتها بهذه النماذج بإذن الله، وسنذكر مجموعة كثيرة من النماذج؛ نذكر كيفيتها وصورتها، ثم نذكر ما يتعلق بالحكم عليها، ثم نذكر شيئاً من الاستدلال المتعلق بها كنماذج تطبيقية للتعامل مع النوازل العقدية بإذن الله تعالى.

الفقه العقدي للنوازل [3]

الفقه العقدي للنوازل [3] للنوازل العقدية صور عديدة في عصرنا, ارتبط بعضها بهيمنة الكفرة وضعف المسلمين, وللفقهاء آراؤهم في هذه النوازل بين خلاف معتبر وآخر ضعيف أو شاذ بحسب كل مسألة, ومن جملتها: طلب المسلم الجنسية من دولة كافرة, والعمل مع الجيوش الكافرة الغازية لبلاد المسلمين, والاقتراض من البنوك الربوية لشراء البيوت في أوروبا ونحوها, وتحكيم القوانين الوضعية, وحكم الخروج على الحاكم بها, والحوار بين الأديان, وغير ذلك من النوازل العقدية المعاصرة.

نازلة أخذ الجنسية من الدول الكافرة

نازلة أخذ الجنسية من الدول الكافرة بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه وسلم تسيلماً كثيراً مزيداً إلى يوم الدين. أما بعد: فإن مسألة حكم التجنس بجنسية البلاد الكافرة من المسائل العقدية الجديدة والنازلة، وصورتها: أن يطلب أحد المسلمين من دولة من الدول الكافرة -والمقصود بالكفر هنا: الكفر الأصلي، سواء كانت هذه الدولة محتلة لبلاد المسلمين أو كانت غير محتلة لبلاد المسلمين- الجنسية ويصبح مواطناً من مواطني هذه البلاد وتختلف الدول من دولة لأخرى في الشروط التي تطلبها من المتقدم لطلب الجنسية.

اختلاف العلماء في المسألة

اختلاف العلماء في المسألة اختلفت فتاوي أهل العلم في هذه المسألة، فبعضهم اعتبر أن طلب التجنس بجنسية بلاد غير مسلمة من الردة والكفر بناء على ذلك لا يجوز للمسلم أن يطلب من البلد الكافر أن يكون مواطناً من مواطنيه؛ لأن ذلك من الولاء للكفار والكافرين والأدلة في موضوع موالاة الكافرين مشهورة. والقول الثاني: يجوز للإنسان أن يطلب الجنسية من البلد الكافر إذا كانت الشروط التي تتضمنها وثيقة الطلب ليس فيها ما يناقض أحكام الإسلام، وليس فيها أي معنى من معانِ الولاء ولا ناقضاً من نواقض الدين. والخلاف بين أهل العلم في هذه المسألة خلاف اعتباري، بمعنى: أن الذين رأوا أن طلب الجنسية من بلد غير مسلم واعتبروه كفراً نظروا لحالة معينة فإنه في زمن الاستعمار لبلاد المسلمين عرضت الجنسية على عدد كثير من المسلمين بشروط معينة وكانت هذه الشروط تقتضي نقض أساس الدين، وأن يعادي من عاداهم ويقاتل من قاتلهم، وأن يواليهم ويحبهم، وأن يلتزم بالدخول في صفوف الجيش لمقاتلة أي فئة دونهم ونحو ذلك من الشروط التي تقتضي المولاة دون شك، وبناء على ذلك قالوا: إن الموافقة على مثل هذه الشروط نقض لأساس من أسس الدين، وهو أساس الولاء والبراء المتعلق بشهادة التوحيد فإن موالاة الكفار والدفاع عنهم والتعاون معهم ضد المسلمين لا شك في أنه كفر ناقل عن دين الإسلام. ومن قال من أهل العلم بأنه يجوز للمسلم أن يطلب الجنسية من بلدان الكفر قال: إن الشروط المعروضة ليس فيها ما يناقض أصول الدين، بل إن غاية ما فيها أن يبقى في البلد فترة معينة، وأن يكون حسن السيرة والسلوك، أو أن يتزوج من امرأة متجنسة كأن تكون مثلاً مسلمة من أهل البلاد نفسها، ونحو ذلك وكل هذا ليس فيه أي إشكال، وليس فيه أي قدح في أصل الولاء والبراء.

نازلة الانضمام للجيوش المحاربة للإسلام

نازلة الانضمام للجيوش المحاربة للإسلام من المسائل العقدية النازلة: أنه عندما بدأت الحكومة الأمريكية بما يسمى بحملة الحرب على الإرهاب، وقاتلوا المسلمين في أفغانستان وفي العراق وفي كثير من البلاد الإسلامية وأسقطوا الأنظمة كما حصل في أفغانستان وفي العراق، طاردوا المسلمين في أماكن متعددة، وحاربوا الجمعيات الخيرية وآذوها كما هو معلوم ومعروف من الأخبار لمن يتابع هذه الأمور، ثم أسلم عدد من الأمريكيين وهم في الجيش الأمريكي وعندما بدأت هذه الحروب أُخذوا مع من أُخذ من أمريكا وطلب منهم القتال، بناء على طبيعة العمل الذي هم يعملون فيه، فكانوا يسألون: ما حكم قتال المسلمين في أفغانستان وفي العراق مع هذه الدولة الكافرة؟

الأقوال في المسألة

الأقوال في المسألة المسألة فيها رأيان: الرأي الأول: وهو رأي شاذ وغريب أفتى به بعض الفقهاء وبعض من يتحدث في الدين من الصحفيين وغيرهم وهم مع الأسف ليسوا من أهله: أنه يجوز البقاء في الجيش مع هذه الحملة والذهاب معهم بشرط ألا يقتلوا مسلماً، وهو رأي شاذ وغريب. والرأي الثاني: وهو رأي من مشى على الأصول، قالوا: إنه لا يجوز الدخول مع الكفار في أي نوع من أنواع الإعانة لهم ضد المسلمين، وبناء على هذا فالذين أسلموا ممن هم في الجيش الأمريكي لا يجوز لهم أن يبقوا أصلاً في الجيش؛ لأنه جيش استعماري محارب للدين ومطارد للمسلمين في كل مكان وبناء على هذا فلا يجوز أصلاً البقاء فيه، بل يجب الخروج من الجيش الذي هذا وصفه.

شبه القائلين بالجواز والرد عليها

شبه القائلين بالجواز والرد عليها وقال أصحاب القول الأول: إذا خرج من الجيش فإنه سيصبح بدون وظيفة، وهذا من معالم الاستدلال الغريبة التي استدلوا بها: أن بقاءه في الوظيفة فيه مصلحة بقاء حياته، وأنه لو ترك هذه الوظيفة فإن حياته ستكون معرضة للخطر، وهذا نظر في غاية الضعف فإن هذه الوظيفة محرمة، وليست شرطاً أساسياً لبقائه في الحياة، ويمكنه أن يبحث له عن وظيفة أشرف وأحسن ومن ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه، وليس هناك أي دليل لا من الواقع ولا من العقل يدل على أنه إذا ترك هذا العمل المحرم فإنه سيهلك، ليس هناك أي تلازم بينهما وترك العمل هنا لا يقتضي الهلاك حتى يكون مضطراً، وحينئذ يصح الاستدلال بحالة الضرورة فهو استدلال فاسد وباطل. وبناء على هذا فإن الدخول في جيش من جيوش الدول الكافرة التي تحارب المسلمين فيه إعانة لهم على المسلمين، وهو نقض لأصل الدين.

نازلة أخذ قرض من البنوك لبناء بيت بفوائد ربوية

نازلة أخذ قرض من البنوك لبناء بيت بفوائد ربوية مسألة أخرى وقد لا تكون هذه المسألة عقدية وهي تتناول الأقليات الإسلامية في أوروبا وفي أمريكا، أو الجاليات الإسلامية في أوروبا وفي أمريكا، فقد طرحت البنوك في هذه الدول فكرة أن تبني لهم مقابل فوائد ربوية.

شبهة المجيزين لهذه المسألة والرد عليها

شبهة المجيزين لهذه المسألة والرد عليها ومع الأسف فإن بعض الفقهاء المتأثرين بضغوط العصر أفتوا بجواز أن يقترض المسلمون من هذه البنوك من أجل أن يسكنوا، وعللوا ذلك بتعليل يدل على عدم فهمهم لمقاصد الشريعة ومعانيها، كما عللوا دخول المسلمين الذين أسلموا في أمريكا في الجيش الأمريكي، وجواز خروجهم مع الجيش: بأن هذه قد تكون حالة ضرورة؛ لأنه إذا ترك الجيش فإنه يعرض للهلاك بترك الوظيفة وقالوا: إن السكن من الضروريات وهذه حقيقة، وبناء على هذا فإنه يجوز لهم أن يقترضوا من هذه البنوك؛ لأنهم مضطرون. والمقدمة الأولى صحيحة، وأما المقدمة الثانية المبنية عليها ففاسدة؛ لأنه ليس من لوازم السكن أن يقترض لبناء بيت، بل قد يستأجر مدى الحياة، وليس هناك مانع لأن يستأجر الإنسان مدى الحياة، ولا أن يعرض دينه للخطر والسكن الذي هو من الضروريات هو السكن الأساسي الذي لا يجد الإنسان وسيلة لتركه إلا بتعرضه للهلاك بالبقاء في الشارع، بمعنى: أن الإنسان إذا تيقن أنه سيبقى تحت الشمس ولن يجد سكناً أو مأوى يؤويه وليس أمامه إلا أن يقترض ليبني بيتاً فهذه الحالة قد تدخل في باب الضرورة وهي غير موجودة؛ لأنه يمكن أن يستأجر أو يستعير أو يأخذ من الزكاة ويشتري بيتاً فهناك بدائل متعددة، وليس هناك حصر للوسائل التي يمكن له أن يحصل بها على سكن.

نازلة تحكيم القوانين الوضعية

نازلة تحكيم القوانين الوضعية مسألة أخرى وهي البلية الكبرى التي ابتليت بها البلاد الإسلامية، وهي تحكيم القانون الوضعي في البلاد الإسلامية، وما يترتب عليه من قضايا متعددة ومختلفة. والقانون الوضعي فيه تبديل لحكم الله وتغيير لأحكام الشريعة. ولا شك في أن هذا كفر مخرج عن دائرة الإسلام، ويكفر كذلك القاضي الذي يحكم بهواه وشهوته في مسألة من المسائل أو أكثر، مع بقاء أصل الحكم بالشريعة عنده؛ لأنه تبديل وتغيير للدين، وهو استحلال والذي يقرأ القوانين الوضعية الموجودة الآن يجد أنها صريحة في الاستحلال. وأحياناً قد يختلف بعض الناس ويكون خلافهم في موضوع الخلاف الحقيقي الذي هو ميدان التطبيق، فمثلاً بعض الناس يختلفون هل الحاكم الذي يعتقد، أو القانون الذي ليس فيه استحلال ويعتقد صاحبه المشرع له أو الحاكم به أن حكم الله أفضل منه، وأنه ليس مثل حكم الله، وغير مساوٍ له ويعترف بالتقصير والذنب، فهل يعتبر هذا كفراً. فنقول: هذه الحالة ليس لها وجود؛ لأن القانون الوضعي أصلاً هو استحلال ونصوصه تقول: يجوز كذا وكذا وكذا، ولا يجوز كذا وكذا وكذا، فلماذا نناقش قضية لا وجود لها أصلاً في الحقيقة؟! ومن يريد أن يتأكد فليقرأ مواد القوانين الموجودة فإنها صريحة في الاستحلال فالمسألة في حقيقتها مجمع عليها حتى عند المرجئة، فالمرجئة يتفقون مع أهل السنة في أن هذه القوانين تنقض أصل الدين؛ لأنها صريحة في الاستحلال وما يكتب ويحكم به ويقر هو مثلما ينطقه الإنسان؛ لأنهم يقولون: إن الاستحلال أمر قلبي، ولابد أن يعبر عنه الإنسان باللسان، ويقولون: إن الاستحلال الصريح هو أن يعبر عنه الإنسان كأن يقول: يجوز أخذ فائدة ربوية مقدارها خمسة في المائة أو عشرة في المائة. أو أن الرجل إذا زنى بامرأة متزوجة فتغرم مبلغ وقدره كذا، وإذا كانت غير متزوجة فيطلق سراحها بكفالة، مثلاً. فالخلاف أحياناً في مسألة من المسائل قد يكون خارجاً عن إطار الموضوع المطروح في الحقيقة. فالقانون الوضعي لا شك في أنه كفر مخرج عن دائرة الإسلام، ويمكن مراجعة كتاب تحكيم القوانين الوضعية للشيخ محمد بن إبراهيم، وكتاب الحكم بغير ما أنزل الله للشيخ عبد الرحمن المحمود، وقد نُقل عن عدد كبير من أهل العلم منهم: ابن كثير، والشيخ أحمد شاكر، والشيخ ابن باز، وأيضاً الشيخ ابن عثيمين، نصوص كثيرة في هذا الموضوع، تبين أن هذه القوانين كفر مخرج عن دائرة الإسلام وهو كتاب كبير، وفيه تفصيلات كثيرة.

حكم من يحكم بالقانون الوضعي

حكم من يحكم بالقانون الوضعي والمسألة الثانية المتعلقة بهذه القضية: هل بالضرورة أن يكفر من يحكم بالقانون الوضعي سواء كان قاضياً أو حاكماً؟ A أنه تلبس بالكفر والقاعدة الشرعية: أنه لابد من وجود الشروط وانتفاء الموانع في تكفير المعينين، وأحياناً قد يكون ثلاثة قضاة في محكمة واحدة وواحد منهم يكفر واثنان لا يكفرون؛ لأن الواحد قامت عليه الحجة وعرفها وتبينها وفهمها، بينما الآخران لم تقم عليهما الحجة، ولم يعرفانها فأحكام المعينين تختلف من حالة إلى حالة ومن شخص إلى شخص، بناء على وجود هذه الشروط أو انتفائها.

قواعد في مسألة تكفير من يحكم بالقانون الوضعي ونحو ذلك

قواعد في مسألة تكفير من يحكم بالقانون الوضعي ونحو ذلك وفي مسألة التكفير مجموعة من القواعد لابد من الانتباه لها، وهي: القاعدة الأولى: أن الأمور العامة يجب أن تكون محل شورى عند أهل العلم، فمثلاً: بعض الناس قد يكفر ثم يبني على التكفير مجموعة من الأعمال، فنقول له: مثل هذه القضايا العامة يجب أن تكون بيد أهل الحل والعقد، وتكفير المعينين ليس من قضايا العقيدة التي يحاسب عليها الإنسان فالإنسان يحاسب يوم القيامة عن عقيدته في الأحكام الشرعية، وأما أسماء المعينين واختلاف الناس فيهم فلا يحاسب الإنسان عليها؛ لأن تتبع الشخص وهل وجدت فيه الشروط أم لم توجد، وهل انتفت عنه الموانع أم لم تنتف ليست من قضايا التكليف بالنسبة للإنسان أصلاً ولو كانت محل تكليف لكلف الناس أمراً شططاً، وهذا غير موافق لتيسير الشريعة ويسرها، ولا لقول الله عز وجل: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة:286]، وليس كل أحد قادر على تتبع الناس. فالمكلفون من أهل الإسلام ليسوا مطالبين بالحكم على المعينين من حيث الإسلام أو الكفر. القاعدة الثانية: أن الأصل فيمن قال: لا إله إلا الله، والتزم بأحكام الشرع العامة بقاؤه على الإسلام، إلا إذا نقضه بناقض حقيقي. القاعدة الثالثة: أن الخطأ في العذر خير من الخطأ في العقوبة، فأحياناً قد يخطئ إنسان في إعذار إنسان يقول: لا إله إلا الله ويتحاكم مثلاً إلى القوانين الوضعية، فيقول: إنه مسلم، ولم يعرف هل وجدت فيه الشروط وانتفت عنه الموانع وقد يكون مخطئاً ويكون هذا الشخص كافراً عند الله عز وجل، ولكن خطؤه في العقوبة أشد، لكن خطؤه في الإعذار أخف؛ لأنه بقي على الأصل، وهو: أن من نطق الشهادتين فإنه مسلم. وتبقى مشكلة أهل النفاق، ودائماً أهل النفاق محل إشكال في الأمة منذ زمن النبي صلى الله عليه وسلم، ولهذا اختلف الصحابة فيهم ولم يكلف الصحابة في البحث عن أحوال المنافقين مادام أنهم يظهرون الإسلام، ولم يكلفوا في البحث عنهم هل هم مسلمون أو لا؟ وهل تأخرهم عن القتال في غزوة تبوك يعتبر مناط كفر أو لا؟ وهل قولهم: {لَئِنْ رَجَعْنَا} [المنافقون:8] كفر أو لا؟ فلم يكن هذا محل بحث عند الصحابة أصلاً بل إن أسماءهم لم تكن معروفة، وهذا يدل على المنهج النبوي في التعامل مع المنافقين وحالاتهم، وهذا الكلام يشمل أتباع المذاهب الفكرية المنحرفة، فنحن -مثلاً- نعتقد أن من النوازل في العصر الحاضر العلمانية ولا شك أن العلمانية هي عقيدة كفرية تناقض أسس الدين، ولكن الأشخاص المنتسبون إليها لا يحكم عليهم بالكفر ما دام أنهم يعلنون الشهادتين، إلا إذا وجدت فيهم الشروط وانتفت عنهم الموانع والإنسان ليس مكلفاً في البحث عن وجود هذه الشروط وانتفاء الموانع بالنسبة لأعيان المنافقين والعلمانيين، وإنما هو مطالب بكشف النفاق والعلمانية، وبفضح أحوالهما، وكشف أستارهما؛ حتى لا يضرا بالمجتمع الإسلامي، وهو مطالب بالاحتساب عليهم وعلى برامجهم الفاسدة وأما التكفير العيني للأشخاص فهذا مما يقع فيه الخلاف.

شبه في مسألة التكفير والرد عليها

شبه في مسألة التكفير والرد عليها وهنا قضية أخرى مهمة جداً ناتجة عن ردود أفعال فيها، وهي: أن بعض الناس قد يشتط في هذا الجانب، ويقول: إن الكلام في المعينين ليس من محال التكليف، فينفي وجود التكفير للمعين أصلاً وهذا غير سليم؛ لأنه أصلاً، ما وجدت الأحكام المترتبة على الكفر إلا لوجود إمكانية تكفير المعين، ولهذا يقام عليه حد الردة ويحاسب ولكن لا يقام عليه حد الردة بأساليب غير مرتبة ولا منظمة، وإنما يقوم بها الحاكم والقاضي. فإن قيل: لماذا تتعلق القضية بالحاكم وهي قضية من قضايا الشريعة العامة؟ فنقول: لأن هذه القضايا مما يقع فيها الاختلاف فربما يرى إنسان أنه تحققت في إنسان الشروط وانتفت الموانع، فلو قال: أنا أقيم عليه حد الردة، قلنا له: لا، هذا فهم فاسد فتطبيق الأحكام على المعينين ليس متروكاً لكل أحد، ولهذا وجد القضاة ووجدت الأحكام، من زمن النبي صلى الله عليه وسلم، ولو ترك التطبيق لآحاد الناس لقتل الناس بعضهم بعضاً؛ لأنه قد يرى فلان من الناس ما لا يراه فلان وخصوصاً في فترة الأزمات التي يتكلم فيها الصغير والكبير، ويتكلم فيها العالم والجاهل، ويتكلم فيها كل أحد فهذه قضية خطيرة جداً. فلا يمكن أن يعلق الحكم بآحاد الناس وهذا من الفقه الذي يجب أن يكون معروفاً؛ لأن أهل الغلو دخلوا على كثير من الناس من باب العزائم، والعزائم قد تعجب الكثير من الناس، فالدفاع عن الدين والغيرة عليه قضية أساسية وصحيحة في أصلها ولكن هناك خلل في تطبيقها، فيجب أن يكون الإنسان متوازناً. والمهم بالنسبة للدراسة العقدية هو تنقيح مناط الأحكام، ومعرفة ما يكون مكفراً وما لا يكون مكفراً، والخلاف في هذه القضية هو بين أهل السنة المجمعين على أصول الاعتقاد الصحيحة وبين الفرق الضالة من الخوارج والشيعة والمعتزلة وغيرهم. فتطبيق الأحكام أو تنزيلها على المعينين له ضوابطه الشرعية، وهي ليست موكلة بالأفراد، وإنما تترك أمورها لأهل الحل والعقد وفي نفس الوقت ليست من الأمور التي لا يمكن وقوعها، بل إنها تقع ولهذا وجد حكم المرتد، ووجدت الأحكام التي تطبق على المرتدين وقد قاتل الصحابة المرتدين كما هو معلوم. وهناك قضية مهمة جداً وهي: أن هناك فرقاً بين المسائل الخفية والمسائل القطعية الواضحة، فالمسائل الخفية مثل: أن يسب الله أحد، أو يسب الدين صراحة، فلا نقول: إننا نحتاج إلى وجود شروط وانتفاء موانع فيه، بل العكس الذي يقول هذا الكلام قد قدح في الدين؛ لأنه لا يمكن للإنسان أن يسب الله وهو عاقل وواع دون أن يكون كافراً، وهذا يردنا إلى مقالة مشهورة للمرجئة، وهي: أن الكفر لا يكون باللسان، ولا بالجوارح، وإنما بالاعتقاد فقيل لهم: إذا صرح بالكفر وأنتم قد علقتموه بأمر باطني فما حكمه؟ قالوا: هو كافر في الظاهر بنطقه وبكلامه، ولكن الباطن لا يعلمه إلا الله عز وجل فقد يكفر في الدنيا، وقد يسب الله في الدنيا ويكون يوم القيامة من أهل الجنة، هكذا يتصورون، وهذا أساس فاسد وخطير على العقيدة وبعضهم يقول حتى يخرج من أزمة تعليق التكفير بأمر قلبي لا يمكن معرفته، وهو التكذيب القلبي، ومثل هذه الأشياء الواضحة التي لا يمكن الجدال فيها مثل: سب الله، أو الدوس على المصحف تدل على الكفر الباطن. فلهم طريقتان في الهروب من هذه المسألة: الطريقة الأولى: أن يكون كافراً في أحكام الدنيا، ولكنه عند الله قد يكون ناجياً. الطريقة الثانية: أن هذا دليل على كفره الباطني. فالشاهد: أن هناك فرقاً بين الأمور الواضحة البينة التي لا خفاء فيها، وبين الأمور التي يقع فيها الخفاء واللبس والإشكال، هذا بالنسبة لما يتعلق بأحكام المعينين.

حكم البلاد التي يطبق فيها القانون الوضعي

حكم البلاد التي يطبق فيها القانون الوضعي وهناك مسائل تتعلق بهذه المسألة أولاً: مسألة الدار، وهل الدار أو البلاد التي تطبق فيها القوانين الوضعية تعتبر دار كفر أم دار إسلام؟ فنقول: أولاً: مصطلح الدار ليس مصطلحاً موجوداً في النصوص، وإنما هو مصطلح فقهي أطلقه الفقهاء للتمييز بين أماكن المسلمين وأماكن الكفار وهو مصطلح مهم إذا عرف مفهومه الصحيح بعيداً عن الغلو. وضابط الدار الصحيح هو: وجود أحكام الإسلام فيه، سواء كانت من خلال التحكيم -يعني: من خلال القضاء- أو من خلال المجتمع نفسه فإذا كان البلد الذي تطبق فيه القوانين الوضعية بلداً إسلامياً وقد ابتلي بتطبيق القوانين الوضعية، فهل يعتبر الدار كله دار كفر؟ A لا؛ لأن المسلمين لا يزالون يصلون، ويؤتون الزكاة، ويستغفرون ويسبحون وهذا من حكم الله الموجود، وأيضاً وجود الأحوال الشخصية مثل النكاح والطلاق ونحو ذلك فهي من أحكام الله عز وجل، وبناء على هذا فالبلد يغلب عليه الإسلام، فلا يقال: إن الدار دار كفر، وإنما هي دار إسلام؛ لأن أهل الإسلام هم الموجودون فيها، مع أنه في الحقيقة لا ينبغي أن تعلق على هذه اللفظة أحكام شرعية؛ لأنها أصلاً ليست واردة في القرآن ولا في السنة من حيث اللفظ، وإنما المعنى العام في التمييز بين بلاد المسلمين وبلاد الكفار موجود في كتب الفقهاء. وأما أهل الغلو فقد علقوا على هذه المصطلحات أحكام، ورتبوها كالتالي: قالوا: أولاً: دار الكفر هو الذي تطبق فيه أحكام الكفر، والبلاد الإسلامية الآن تطبق القوانين الوضعية، وبناء على ذلك فهي دار كفر، ورتبوا على هذا أن من بقي في دار الكفر كفر، ويجب عليه الهجرة إلى دار تطبق فيها أحكام الإسلام، ولا يجوز له أن يبقى في بلاد لا تطبق فيه أحكام الإسلام، فخلطوا بذلك بين الحق والباطل في هذه المسألة، ورتبوا عليها تكفير الشعوب وتكفير الناس على لفظة ليست واردة في القرآن ولا في السنة أصلاً. ثانياً: فهموا هذا المصطلح - أي: دار الكفر- فهماً غير سليم، وجعلوه الأشياء التي تنزل من الحكومة، يعني: ربطوا الأحكام الشرعية كلها بالحكومة وهذا غير صحيح؛ فالحكومة جزء من البلاد وليست كل البلاد، فهناك شعوب وأمم من البشر وأناس يقيمون أحكام الله عز وجل، فحتى لو كان هناك قانون وضعي ابتلي به أهل الإسلام فلا يقال: إن بلاد المسلمين دار كفر، فهذا من الغلو والفهم الخاطئ لمثل هذه المصطلحات، مع التأكيد على أن مثل هذه المصطلحات لم ترد في القرآن ولا في السنة، ولو كانت أحكام الكفر والإيمان مرتبة على هذه المصطلحات لوردت بنصها في القرآن والسنة، ولا يمكن أن تترتب مسائل الكفر والإيمان التي هي من أوضح مسائل العقيدة على مصطلح غير موجود في القرآن والسنة، ولهذا فإن من القضايا الأساسية في منهج الفقه العقدي في دراسة النوازل، أن المصدر في فهم هذه النوازل يجب أن يعود إلى القرآن والسنة، ويجب دائماً النظر إلى حقائق القرآن والسنة، والنظر إليها بشكل متكامل وليس بشكل جزئي. القاعدة الرابعة: من لم يكفر الكافر فهو كافر. وهذه قاعدة مشهورة عند أهل العلم، والمقصود بها: من لم يكفر الكافر المجمع على تكفيره، كاليهودي والنصراني والبوذي وغيرهم، وأما المنافق الذي يظهر أحياناً الكفر ويبطنه أحياناً، ويتستر تحت شهادة التوحيد فلا يصح أن يقال: من لم يكفره فهو كافر. وبعض الناس يظهر له من شخص أنه كفر بناء على تحقيق الكفر فيه أو فعله له أو نطقه به، ووجود الشروط فيه وانتفاء الموانع عنه فيكفره، ثم لا يكتفي بهذا بل يحاسب بقية المسلمين، ويقول لهم: لابد أن تكفَّروا هذا الكافر، فإذا قالوا له: نحن لم يتبين لنا أنه كافر، قال: من لم يكفر الكافر فهو كافر وهذا كافر فإذا قيل له: لم يتبين لنا كفره. بدأ يذكر ما عنده من معلومات حول كفره، فإذا قيل له: هذه المعلومات أنت تعرفها وأما نحن فلا نعرفها، وإنما يظهر لنا منه أنه يقول: لا إله إلا الله. فيبدأ يحاسب المسلمين ويتهمهم بأن عندهم نقص في التوحيد ويجب عليهم أن يوحدوا الله، ثم يبدأ ينتقدهم، وأحياناً إذا كانوا من أهل العلم يبدأ يشتمهم ويشكك في ديانتهم وفي عقائدهم، ونحو ذلك وأحياناً قد يرميهم بالإرجاء، ونحو ذلك ولا شك أن هذا من الغلو وأحياناً قد يصل إلى الخوارج فيُكفرهم، بناء على قاعدة: من لم يكفر الكافر فهو كافر، فإذا قيل له: هذا في الكافر الأصلي، قال: قالوا: حتى من تبين منه الكفر في حين أنه تبين منه الكفر بالنسبة له وأما غيره فلم يتبين لهم. وقد يكون هناك حالة غلو عند بعض الناس فيلغي قاعدة وجود الشروط وانتفاء الموانع. وبشكل عام فأمور العامة والأمور العامة في حياة المسلمين يجب أن تناط بأهل الحل والعقد، ولا يجوز للأفراد أن يفتئتوا على أهل الحل والعقد من أهل العلم ويتكلموا في مثل هذه القضايا، ونحن نلاحظ الآن الخلاف الكبير في الساحة الدعوية والجهادية فيما يتعلق بالأحكام، وسببها عدم العودة إلى أهل العلم وقد كان الصحابة يستشيرون فيما هو أقل من ذلك، فكيف بمثل هذا فيجب أن تكون هذه محل شورى بين أهل العلم، ولا شك أن من ينا

حكم الخروج على من يطبق الأحكام الوضعية

حكم الخروج على من يطبق الأحكام الوضعية وأما مسألة: حكم الخروج على مثل هذه البلاد التي طبقت القوانين الوضعية، فنقول: إن تطبيق القانون الوضعي لا شك أنه كفر، والقانون الوضعي في حد ذاته كفر، وقد أفتى فيه أهل العلم وفتواهم فيه واضحة وبينة، وأما التطبيق على المعينين فهو موطن إشكال؛ لأنه يترتب عليه مسألة وجود الشروط وانتفاء الموانع، وهذا مما يختلف فيه الناس وهذا يناط بأهل العلم؛ لأنه من الأمور العامة فإذا طبق القانون الوضعي فالواجب الدعوة والإصلاح والإنسان صاحب الجهد والقدرة والمعرفة يجب عليه أن يبذل ذلك في إصلاح الأمة، فالله عز وجل أمر النبي صلى الله عليه وسلم بأن يجاهد الكفار والمنافقين، وفرق بين جهادهم، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ} [التوبة:73]، ولو كان جهادهم واحداً لجعل الطلب واحداً، ولكنه فرق بينهما فأمر بجهاد الكفار وأمر بجهاد المنافقين، فجهاد الكفار يكون بالقتال، وأما جهاد المنافقين يكون بالتوضيح والبيان، والدعوة والإصلاح، والاحتساب والابتعاد عن كل ما يكون سبباً من أسباب الفتن، ولهذا فإن الذين يتحدثون عن الجهاد في العصر الحاضر، لهم تجربتين: تجربة نجحت وجلبت تعاطف المسلمين وأُيدت من كافة المسلمين، ولا يقدح فيها إلا منافق أو رجل مُغرّر به لا يعرف الحقائق. وتجربة ثانية وجدت معارضة كبيرة جداً من داخل البلاد الإسلامية، وسببت فتناً ومشكلات كبيرة جداً. فأما التجربة الأولى: فهي قتال الكفار الأصليين الواضحين، أمثال الروس في أفغانستان وفي الشيشان، والهندوس في كشمير، والأمريكان في العراق، وغير ذلك وهذه كلها من الأمور التي يجب دعمها؛ ولأنه قتال ضد الكافر الأصلي الواضح الكفر الذي لا إشكال في كفره، المحتل لديار المسلمين، والذي يريد أن يغير عقائدهم وأفكارهم ودينهم، وهذه من الأمور التي لا خلاف فيها ولا يجوز الخلاف فيها بأي وجه من الوجوه ولو حصل في مثل هذه الأمور -جهاد الكفار الأصليين- خلاف لما كان للجهاد معنى. والحقيقة أن مذهب من يرى أنه ليس في العراق جهاد مذهب لو اطرد لأدى إلى إلغاء الجهاد كله من أصله. وهناك فرق بين من يقول: أوصي الشباب بعدم الذهاب إلى العراق، وعليهم بالدعوة لإصلاح بلادهم. وبين من يقول: ليس في العراق جهاد نهائياً، وأنه يجب على العراقيين أن يستسلموا للأمريكان، وأن يشكلوا حكومة عميلة للأمريكان كما يشتهون. فهذا لا يقول به إنسان يعرف طعم العلم أو تذوقه أصلاً، نسأل الله أن يعيذنا من كل مشكلة. فلو دخل العدو إلى بلادنا وأراد أن يشكل حكومة كما يشتهي ويرغب، وتكون عميلة له تتابعه في كل شيء فلا يجوز لمسلم أن يقول: لا تقاتل الكافر الذي يحتل بلدك ويقاتلك؛ لأن مقاتلة هذا العدو جهاد، وهو من أوضح الجهاد بل إنه تكفله حتى القوانين الوضعية العالمية، وحتى قوانين هيئة الأمم المتحدة تكفل مثل هذه الأشياء، فأي بلد يستحله عدو له لا لشيء إلا لأنه قوي فقط فيجب أن تقاتله وتدافعه؛ وحتى البلاد الكافرة التي احتلت شعوباً أخرى تختلف عنها عرقياً قاتلوها حتى أخرجوها، أفيقال للمسلمين: استسلموا حتى يحتلكم العدو ويشكل لكم حكومة كما يشتهي، ويعبث بكم؟! فلو استسلم المسلمون في العراق لقامت أمريكا باحتلال جميع البلاد الإسلامية وتشكيل حكومات جديدة كما تريد وتهوى، وهذه حقيقة معروفة وهم قد صرحوا بهذا وقالوا: إذا انتهينا من العراق فسيأتي الدور على من بعده، فلا يمكن أن يقال لمسلمين يحتلهم أعداؤهم من الكفار: لا تقاتلوهم. فهذا من شواذ المذاهب الغريبة. والذي يتعاون مع المحتل ويُنصَّب لا يسمى ولي أمر، ولا يصبح ولي أمر؛ لأن ولايته لا أساس لها، وهذا لا شك أنه مذهب غريب في غاية الغرابة. وأما التجربة الثانية التي فشلت فشلاً ذريعاً في بلاد المسلمين فهي التي أراد بعض المنتسبين للجهاد أن يبدؤها في البلاد الإسلامية فقاتلوا داخل البلاد الإسلامية، وقتلوا عدداً كبيراً من المسلمين، وقتل عدد منهم وكانت النتيجة هي أن أهل الإسلام رفضوا مثل هذا الأمر، كما رفضه أهل العلم؛ لأن فيه فتنة داخل البلاد الإسلامية، وليس فيه طريق للإصلاح.

نازلة الحوار بين الأديان

نازلة الحوار بين الأديان مسألة الحوار بين الأديان مسألة جديدة، ومجرد التحاور بين أصحاب الأديان ليس جديداً؛ لأن الحوار الذي هو ترديد الكلام ليس أمراً جديداً، فالدعوة وتوجيه الدعوة للأديان الأخرى هو من جنس الحوار بمعناه اللغوي العام، ولكن الحوار بين الأديان أصبح الآن مصطلحاً خاصاً يراد به نموذجاً معيناً من التفاهم مع أصحاب الأديان الأخرى، وهذا النموذج هو الاتفاق مع أصحاب دين من الديانات الأخرى مثل النصرانية على العمل على القضايا المشتركة بين المسلمين وبينهم، مثل مقاومة الإلحاد والفقر والفساد الأخلاقي؛ لأن هذه الثلاث القضايا يتفق عليها المسلمون والنصارى، فيقولون: نتعاون على هذه القضايا ونترك ما عداها من القضايا التي هي مثار خلاف وجدال، مثل الكلام في قضايا العقائد، ويقولون: إن هذا يحقق مصالح كثيرة جداً للمسلمين وهذه الصورة ليس فيها إقرار بدينهم، ولا دمج للأديان بعضها مع بعض، كما في قضية وحدة الأديان المعروفة، وليس فيها تخلٍ عن الدين، وإنما فيها العمل على قضايا مشتركة فما حكم هذه القضية؟ و A أن حكم مثل هذه الحالة يعتمد على جانبين: الجانب الأول: هو أن يعتقد أن دين هؤلاء الكفار دين يدينون به، ودين الإسلام هو الدين الصحيح، وأنهم كفار، ويطبق عليهم أحكام الكفر المعروفة في الإسلام. والجانب الثاني: ألا يُكفر اليهود والنصارى، وإنما يرى أنهم أصحاب وجهة نظر -كما يقولون- وقد يدخلون الجنة؛ لأنهم يسيرون إليها من طريق ونحن نسير إليها من طريق آخر. فإن كان الحوار على هذا الجانب فهذا نقض لأصول الدين؛ فإن لا إله إلا الله تقتضي تكفير الكافر والله عز وجل قد صرح بتكفير اليهود والنصارى، وعقائدهم تناقض أساس الدين، فهم لا يؤمنون بالنبي صلى الله عليه وسلم، ويشركون بالله عز وجل فإذا كان الحوار بين الأديان يقتضي عدم تكفير اليهود والنصارى فهو نقض لأصل الدين وأساسه. وإن كان المحاور يعتقد أنهم كفار ولن يصلوا إلا إلى جهنم وليسوا على حق وإنما هم على باطل، وأن أحكام الإسلام المرتبة في العلاقة بين المسلمين والكفار تترتب على العلاقة معهم، سواء في حالة الصلح أو في حالة الحرب، ويقول: بأن هذه مصلحة من مصالح المسلمين في الوقت الحاضر فنقول: إن هذا من البدع المضلة ما والسبب في كونها بدعة هو أن المقتضي لهذا كان موجوداً في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، وهذه الأديان كانت موجودة في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، والفقر كان موجوداً، والوثنيين كانوا موجودين ومع ذلك لم يتعاون عليه الصلاة والسلام معهم -يعني: مع اليهود والنصارى- ويترك الدعوة وهذه قضية مهمة جداً تدل على بدعية مثل هذه الحوارات؛ لأن فيها تخلياً عن الدعوة إلى الله؛ لأن من شروط وثيقة الحوار ألا يدعو المسلمون أهل الدين النصراني، وألا يدعو النصارى أهل الدين الإسلامي وهذه وثيقة باطلة؛ لأن الدعوة واجبة ولا يجوز التخلي عنها بأي وجه من الوجوه وبناء على هذا ففكرة الحوار بين الأديان بالطريقة الموجودة طريقة بدعية مخالفة لمنهج الأنبياء والمرسلين في الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى، والحقيقة أنها مبنية في الأساس على منهج منهزم وهذا المنهج المنهزم جعل المحاورين من المسلمين ينظرون إلى النصارى على أنهم أقوى أثراً من المسلمين، والحقيقة عكس ذلك. وأول من بدأ فكرة الحوار من الناحية التاريخية هم النصارى عام 1965م عندما حصلت التحولات في المذهب الكاثوليكي بسبب الانغلاق الكبير فيه فأرادوا الانفتاح وذلك بطرح فكرة الحوار، وأسسوا فرعاً موجوداً في الفاتيكان سموه الحوار بين الديانات، وطلبوا من الدول الإسلامية أن تفتح المجال للحوار بين الأديان وضُغط على الأزهر في تلك الفترة أيام السادات، وعلى عبد الحميد محمود شيخ الأزهر في تلك الفترة حتى وافق على أن يفتح فرعاً في الأزهر سمي: بلجنة الحوار بين الأديان، ثم رفضها الأزهريون بعد ذلك، ثم أعيدت مرة أخرى وهذا يدل على أن وراء هذا بعدٌ سياسي، ويمكن أن يراجع في هذا الموضوع كتاب: (الأبعاد السياسية للحوار بين الأديان)، وهو كتاب مفيد، يبين أن هذه الحوارات ليس لها حقيقة ولا فائدة في الواقع، وإنما الهدف منها هو إيقاف المد الإسلامي الذي بدأ ينتشر بشكل مذهل في أوروبا وفي أمريكا، وفي الوقت نفسه تراجعت النصرانية بشكل كبير، فالواجب هو ألا نجتمع في طاولة مستديرة مع النصارى لنتكلم عن الإلحاد الذي سقط عام 1990م وغيرها من القضايا، وإنما لندعوهم إلى الله عز وجل وننصحهم، فإن لم يقبلوا دعوتنا طلبنا مناظرات بيننا وبينهم لعل الله عز وجل أن يهديهم، وذلك من خلال دراسة منهج النبي صلى الله عليه وسلم في الحوار مع أصحاب الأديان الأخرى من خلال وفد نجران وذلك بجمع طرق حديث وفد نجران وجعلها في سياق واحد، ثم أخذ الفوائد وربطها بالواقع المعاصر، من خلال حوار النبي صلى الله عليه وسلم مع هذا الوفد الذي جاءه فقد كان هذا الوفد من النصارى. فهل حاورهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفس المنهجية التي يُحاور عليها الآن، وهي ا

الأسئلة

الأسئلة

حكم حمل جنسية بلد غير إسلامي

حكم حمل جنسية بلد غير إسلامي Q ما حكم حمل جنسية بلد غير إسلامي؟ A بعض أهل العلم أفتى بأن من أخذ جنسية بلد غير إسلامي فإنه يكفر وسبب الفتوى: أنه في فترة من الفترات كانت دول تطرح جنسياتها بشروط معينة مثل: أن أي شخص يريد أن يحمل الجنسية فلابد أن ينضم للجيش؛ لأنهم وجدوا مقاومة من الشعوب الإسلامية في فترة الاستعمار، فكانت الجنسيات في تلك الفترة لها شروط محددة وكانت هذه الشروط المحددة خطيرة على دين الإنسان؛ لأنها تجعله موالياً لهذه الدولة ضد أعدائها، فيكون ضد المسلمين فأفتى من أفتى من أهل العلم في تلك الفترة بأن حمل مثل هذه الجنسية كفر؛ لهذا السبب، ولكن الوضع مختلف الآن تماماً والشروط مختلفة فنحن لا نقول -ولا يفهم من كلامنا أننا نقول-: إن المسلمين الآن في أوروبا أو في أمريكا الذين يحملون جنسياتها، أو هم من رعايا البلد نفسه وأسلموا أنهم بمجرد حملهم لجنسيات هذه البلاد يكفرون. لا؛ لأن الشروط مختلفة والذي عليه أهل العلم الآن هو جواز أخذ هذه الجنسية؛ بناء على أن الشروط الموجودة الآن شروط عادية، وليس فيها أمور تخل بالدين وغاية ما فيها أنك تبقى فترة محددة في البلد، أو تتزوج مثلاً، أو بعض الشروط العادية التي لا تؤثر على أساس الدين فبناء على هذا المسلمين الذي يعيشون هناك أو من حمل جنسية من الجنسيات بدون الشروط التي تضر بأصل الدين الأصل فيه الإباحة وهذا الذي يفتي به أهل العلم الآن. والدروس العلمية الهدف منه مدارسة المسائل، ومعرفة مآخذ الاستدلال، والهدف من هذا التفقه، ولماذا مثلاً قيل بهذا القول؟ ولماذا قيل بغيره؟ والدروس العلمية ليست كمجالس الإفتاء؛ لأن الإفتاء لها طريقتها المعروفة، وهناك مجمع وهيئة لكبار العلماء ولجنة دائمة، وهناك أهل العلم المفتين. ومسألة الهجرة معروفة أحكامها في الشرع فالهجرة تكون أحياناً واجبة، وتكون أحياناً مستحبة فتكون واجبة إذا لم يتمكن الإنسان من أن يقيم دينه كأن لا يتمكن من أن يصلي أو يصوم أو يحج فتجب عليه الهجرة، كما فعل الصحابة عندما هاجروا من مكة إلى الحبشة فلم تكن هجرتهم رغبة عن مكة ولا لطلب المال؛ وإنما لأنهم لم يتمكنوا من إقامة دينهم الواجب عليهم، فاضطروا للمهاجرة. وفي البلاد الإسلامية الآن يمكن للإنسان أن يصلي ويصوم ويزكي ويقيم دينه بشكل عام، ويدعو إلى الله عز وجل ويجد القبول فليس هناك مبرر للإنسان لأن يهاجر من أي بلد من البلاد الإسلامية إلى مكان آخر؛ لأنه أصلاً ليس هناك مكان آخر يعيش فيه المسلمون غير هذه الأماكن والذين جاءوا بفكرة الهجرة من البلاد الإسلامية هم الغلاة ولا يمكن لإنسان أن يسمي خروج مسلم من مصر أو من السعودية أو من المغرب إلى بريطانيا هجرة؛ لأن الهجرة تكون من بلاد الكفر إلى بلاد الإسلام وهذا خرج من بلاد الإسلام إلى بلاد الكفر، فلا يسمى خروجه هجرة أصلاً، وليس له أجر أصلاً فيها وبعض هؤلاء خرج بحثاً عن الرزق، وبعضهم أوذي، وبعضهم حصلت له ظروف اضطرته للخروج، وأكثر المسلمين الذين ذهبوا إلى تلك البلاد ذهبوا بحثاً عن الرزق؛ بسبب ضوائق مالية مرت عليهم فذهبوا إلى هناك، وهذه المسألة من النوازل فهل ذهابهم إلى هناك لا يجوز. نقول: مادام أنه يقيم دينه ويصلي ويصوم ويحج فذهابه إلى هناك لطلب الرزق إذا لم يترتب عليه محظور شرعي فالأصل فيه الإباحة، والدعاة الذين يذهبون من هذه البلاد إلى تلك البلاد أو غيرها من بلاد المسلمين للدعوة إلى الله عز وجل عندهم إمكانيات في الإصلاح والدعوة، وحصل بجهدهم خير كثير، حتى بعض المسلمين الذين كان فيهم ضعف كثير أسلم على أيديهم عدد من الكفار ولكن مع هذا لا نتعامى عن السلبيات الكبيرة التي يواجهها المسلمون هناك فأحياناً قد يتزوج رجل من امرأة من بلاد منفتحة ثم يواجه المشاكل بسبب ذلك، ومن الأمثلة على ذلك: أنني التقيت في السويد بأخ تونسي وكان متزوجاً من امرأة تعرف عليها في البار وكانت نصرانية، فلما تزوجها أنجب منها ثلاثة أو أربعة من الأولاد، ثم عاد إلى دينه، وأصبح متديناً وفيه خير، وحضر دروساً لنا في تلك المنطقة، فكان يقول لي: أنا خائف من هذه المرأة، فقد أصبحت لا أشرب الخمر فتسألني: لماذا لا تشرب الخمر؟ ولا أخرج معها للديسكو فتسألني: لماذا لا تخرج؟ يقول: ولو غضبت علي فالنظام يسمح لها بأن تنسب الأولاد لها، يعني: فيسمون فلان ابن فلانة يعني: أنه يُحرم من أولاده، وإذا طلقها فستأخذ نصف ماله والرجل عنده ثروة كبيرة. فهناك مشكلات حقيقة يعاني منها أهل الإسلام هناك، مع الخير الذي مدوه لتلك البلاد حتى من المسلمين الذين هم من أهل ورعايا تلك البلاد الذين كانوا كفاراً أو أسلموا فهم يعانون من المشاكل.

حكم تعلم علم البرمجة اللغوية العصبية

حكم تعلم علم البرمجة اللغوية العصبية Q لقد قلتم بتحريم علم البرمجة العصبية العصرية، مع العلم أن هناك من مجموعة من المشايخ الفضلاء أجازوا هذا العلم؟ A إذاً المسألة بسيطة، يعني: أن المسألة فيها خلاف، وليست من المسائل الإجماعية وأنا لم أقل: أنها مسألة مجمع عليها ومتفق عليها فهي فيها إشكال لبعض المشايخ.

حكم فك السحر بالسحر

حكم فك السحر بالسحر Q ما حكم الذهاب إلى الساحر لفك السحر بالسحر؟ A لا يجوز الذهاب إلى الساحر لفك السحر والقول: بأنه يجوز، وأنه هو المذهب الراجح، قول غير صحيح وغير سليم.

توافر الشروط وانتفاء الموانع في تكفير المعين

توافر الشروط وانتفاء الموانع في تكفير المعين Q نسمع دائماً أنه لا بد في الحكم بالتكفير من وجود الشروط وانتفاء الموانع فما هي الشروط والموانع؟ A يمكن مراجعتها بالتفصيل في كتب ميسرة، مثل كتاب: نواقض الإيمان القولية والاعتقادية، ونواقض الإيمان العملية وهي عبارة عن رسائل علمية في هذا الموضوع كتبت في جامعة الإمام محمد بن سعود. سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.

§1/1